رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

لماذا تم اختيار يوسف الشاهد رئيساً للحكومة؟

كلف رئيس الجمهورية التونسية السيد الباجي قائد السبسي يوم الأربعاء 3 أغسطس الجاري، وزير التنمية المحلية السابق، السيد يوسف الشاهد برئاسة حكومة الوحدة الوطنية. واعتبر الشاهد في مؤتمر صحفي له، أنه «سينطلق حالًا في مشاورات مع المنظمات والأحزاب لتشكيل الحكومة، التي ستكون حكومة شباب وستكون سياسية وحكومة كفاءات، وستصارح الشعب التونسي منذ البداية بحقيقة الأوضاع». والسيد يوسف الشاهد هو من مواليد 18 سبتمبر 1975 في تونس، متزوج وله ابنة، هو أستاذ جامعي وخبير دولي في السياسات الفلاحية، تحصل على الدكتوراه في العلوم الفلاحية، من المعهد الوطني الفلاحي بباريس في 2003. وفي يناير 2016، دعي الشاهد الذي يوصف بـ«التكنوقراطي» إلى إنشاء وزارة الشؤون المحلية، في مهمة لوضع الإطار التشريعي والقانوني والتنفيذي لتفعيل اللامركزية، كأحد الأهداف الأساسية لدستور «الجمهورية الثانية»، وقام بتفعيل مشاريع مهمة أبرزها مجلة الجماعات المحلية وتعميم النظام البلدي والقانون الانتخابي. وكانت المسيرة السياسية ليوسف الشاهد قد بدأت بعد الثورة التونسية ضد نظام بن علي، حيث كان من مؤسسي الحزب الجمهوري في 2012 كعضو في المكتب السياسي والهيئة السياسية للحزب، قبل أن ينضم في 2013 إلى حركة «نداء تونس» ليكون عضوًا للمكتب التنفيذي ومكلفًا بالبرنامج السياسي لحملة الانتخابات الرئاسية 2014. ويلمس المراقب المتتبع لردود الأفعال الصادرة عن الفعاليات السياسية التونسية بعد اقتراح الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، السياسي يوسف الشاهد رئيسًا للحكومة، بوضوح بروز اتجاهين داخل المشهد السياسي التونسي، الأول، و تمثله أحزاب الائتلاف الرباعي الحاكم، التي أعلنت تأييدها للشاهد، ورحبت باقتراح رئيس الجمهورية، الذي قد يفتح الباب أمام الكفاءات الشبابية. والثاني، وتمثله أحزاب المعارضة على اختلاف انتماءاتها الفكرية، ولاسيَّما الجبهة الشعبية ذات الطابع اليساري والقومي، والتي لها 15 نائبا في البرلمان، فقد رفضت بشكل قاطع تكليف الرجل. وأوضح قياديون في الجبهة، خلال تصريحات مختلفة، أن «المجلس المركزي للجبهة يعتبر أن تكليف الشاهد يمثل تحويلًا لمؤسسات الدولة إلى مجلس عائلي». ومنذ الكشف عن اسم يوسف الشاهد انطلقت منذ يومين سلسلة من الانتقادات لخيار رئيس الجمهورية ليوسف الشاهد بحجة أنه من أصهاره، وصلة القرابة بين الشاهد والسبسي، حتى وإن كانت هذه القرابة بعيدة نسبيًا لكنها موجودة، فجدة الشاهد لها علاقة بعائلة زوجة السبسي وكذلك بمستشاره، سليم العزابي. ولم تسلم سلطة رئيس الجمهورية من النقد والاتهام بمحاولة توريث ابنه لدواليب السلطة لتنطلق معها حملة واسعة النطاق تحت عنوان «ولدك في دارك» وقد رفع هذا الشعار في مداخلة لممثل الجبهة الشعبية بالمجلس عمار عمروسية في إشارة واضحة إلى الرفض المطلق لتداخل السياسي بالعائلي. وفي موقف لا يخلو من السخرية، دعا أمين عام «حراك تونس الإرادة»، عدنان منصر، السبسي إلى «تعيين بقية العائلة في مناصب وزارية أخرى». وفيما كانت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات العمالية، وعموم الشعب التونسي، ينتظر أن يرشح رئيس الجمهورية الشخصية الأكثر قدرة وكفاءة، وفق الفصل 89 من الدستور، لقيادة المرحلة الصعبة التي تمر بها تونس، بسبب حزمة الأزمات التي تعاني منها البلاد، فإذا برئيس الدولة يكلف يوسف الشاهد، حديث العهد بالسياسة، ومن دون تاريخ سياسي أو نضالي يذكر للرجل، ما عدا ترؤسه للجنة الـ13 التي كلّفها وقتها رئيس الجمهورية بمهمة إنقاذ حزبه وإنهاء مرحلة «التطاحن» داخل حزب نداء تونس، ونزع فتيل أزمة الشقوق وقتها والتي كادت تعصف بالحزب وتجاوزها بصعوبة، يدخل يوسف الشاهد قصر الحكومة بالقصبة كممثل لحزب الأغلبية وكرئيس حكومة سياسي. أما لماذا تم اختيار يوسف الشاهد من قبل رئيس الجمهورية؟ فيمكن حصر هذا الاختيار بالأمور التالية: أولًا: إن اختيار رئس الجمهورية ليوسف الشاهد، الرجل الحديث العهد بالسياسة، ليهزم بذلك شخصيات وطنية تونسية ذات كفاءات مشهودة لها، يعود إلى أن الشاهد تتوافر فيه الشروط التالية: كونه شخصية هادئة ومسالمة وغير «مؤدلجة»، شخصية إدارية وليس لها توجهات وخلفيات فكرية وأيديولوجية، شخصية قريبة من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، ثم تأتي بقية «الخصال» كأن يكون شخصية بالضرورة منسجمة مع الجناح النافذ اليوم في حزب نداء تونس والمقصود جناح نجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي، وكذلك شخصية لها قدرة على التفاعل الإيجابي مع القوى الحزبية والوطنية التي عملت على الإطاحة بحكومة الحبيب الصيد، خاصة حركة النهضة التي تنتظر مقابلا مرضيا لقاء تأييدها اللامتناهي لرئيس الجمهورية، واتحاد الشغل الذي لن يقبل بشخصية «لا تتفاعل إيجابيا» مع المنظمة الشغيلة. فاسم يوسف الشاهد لم يمرّ دون موافقة من حركة النهضة، وكذلك دون موافقة القوة الاجتماعية الأولى في البلاد الاتحاد العام التونسي للشغل، إذ لا النهضة ولا المنظمة النقابية تريد أن تجد نفسها في مواجهته شخصية صدامية. وكل ذلك يدعم موقع الاتحاد كقوّة مؤثرة سياسيا، ويدعم حركة النهضة التي بدأت في كشف نواياها وقوّتها ووضع قواعد للعبة كما أرادها منذ البداية رئيسها راشد الغنوشي. ثانيا: إن يوسف الشاهد، شخصية طيعة، تلتزم بتطبيق «تعليمات» رئيس الجمهورية، ووصفات وشروط المؤسسات الدولية المانحة (لاسيَّما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) والتي ستكون لها كلمتها في الهندسة السياسية، الاقتصادية والنقدية لتونس في السنوات القليلة المقبلة..فيوسف الشاهد تكنوقراطي مثله في ذلك مثل رئيس الحكومة السابق مهدي جمعة، وليبرالي التوجه، ومستعد لتمرير الإصلاحات الهيكلية المؤلمة التي ينادي بها صندوق النقد الدولي، وموافقة عليها أحزاب الائتلاف الرباعي الحاكم، الذي يمثل الطبقة السياسية الحاكمة، والتي لا مصلحة لها في أن يكون رئيس الحكومة شخصية وطنية مستقلة وقوّية ولها بعد سياسي وبعد اقتصادي، وعلاقات جيّدة مع مختلف القوى الحزبية في الداخل ومع الخارج إقليميا ودوليا، مع خبرة مطلوبة في تسيير جهاز الدولة، وقادرة على تنفيذ برامج الإنقاذ المتاحة حسب إمكانات البلاد، لاسيَّما في مجال محاربة الفساد والإرهاب والبطالة، وجلب الاستثمارات، وتحقيق مشاريع التنمية في الولايات المحرومة تاريخيا من التنمية، والفقيرة. ثالثا: إن شخصية يوسف الشاهد تستجيب للمواصفات التي يريدها الشيخان الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، بوصفهما المتحكمين في إدارة الشأن العام بأزماته وتفاعلاته وخلافاته وخياراته، بعيدا عن المؤسسات الدستورية في أغلب الأحيان. فالسياسة في تونس الديمقراطية الناشئة، لم تصبح منتجا مجتمعيًا، بل إن القرار السياسي بات من اختصاص الشيخين الحليفين لعدّة اعتبارات لعل أهمها غياب قوى سياسية وحزبية تمتلك من النفوذ والأداء ما يجعلها قوى ضغط إيجابي في ظل مشهد سياسي فسيفسائي متذرر. وتكمن المفارقة في تونس، أن الصلاحيات الدستورية لم تعد المرجعية الوحيدة لصناعة القرار السياسي المشروع، بقدر ما أصبحت مرجعية الأطر غير الرسمية والموازية مرجعية للمشروعية! ففي إطار هذه الأطر الموازية تُحاك القرارات ثم توضع لها المخرجات الدستورية والقانونية وهو ما يعني ضمنيا أن حكومة الوحدة المرتقبة لن تنال ثقة البرلمان الذي تحول إلى خارطة حزبية ما لم تحظ برضى مسبق من قبل الشيخين. إنها مسألة شخصنة السلطة، التي تتجاوز كلا من الشيخين الحاكمين الفعليين في تونس لتستمد روافدها من حالة فراغ سياسي خطير كما تستمد روافدها من طبيعة كياني «النداء» و«النهضة» اللذين يرتهنان إلى سطوة كاريزما الشيخين المؤسسين وما يمتلكانه من هالة روحية وسياسية على الحزبين.

495

| 05 أغسطس 2016

هل يصبح إلياس الجويني رئيسًا لحكومة الوحدة الوطنية؟

بعد أن تأكد ذهاب رئيس الحكومة التونسية الحالي السيد الحبيب الصيد إلى جلسة منح الثقة بمجلس نواب الشعب، يوم السبت 30 يوليو الجاري، لكي يُكرِّس تكريسًا لسلوك ديمقراطي يتشبّث من خلاله باحترام الدستور، وهي فرصة لردّ الأمانة إلى المجلس الذي منحنه ثقته، يصرّ الصيد على رفض الاستقالة والخروج بصمت من الباب الصغير، كما يحدث في ظل النظام الرئاسي مع أي وزير أول، وهو يرى في الاختيار الذي انتهجه في هذا المنحى السبيل الدّستوريّة الأقلّ تعقيدا، والأسرع قياسا بالسبل الأخرى، والمقصود خيار عرض الثقة في الحكومة على مجلس نواب الشعب باختيار من رئيسها، دون تكليف رئيس الجمهوريّة أو نواب الشعب، عناء هذه المسؤوليّة. ومن المعلوم أن الصيد، منذ ظهور نية استبعاده من منصبه على خلفية مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، يرفض أن يتحمل وحده الإخفاق الحاصل في مسيرة عمل حكومته، لاسيَّما في ظل مرور تونس بأزمة اقتصادية خانقة، إضافة إلى وجود مافيات ولوبيات فساد قوية تعوق نهج الإصلاح والتنمية، فضلا عن وجود أطراف حزبية ووزارية من أحزاب الائتلاف الحاكم متورطة في ملفات فساد كبيرة، مثل ابن الرئيس حافظ قائد السبسي الرجل الأول في حزب «نداء تونس»، ورئيس حزب «أفاق تونس»، وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في الحكومة الحالية، ياسين إبراهيم.ولكن التطور الأبرز في مواقف الصيد الأخيرة، هو ظهوره في وسائل الإعلام التونسية بأنه رجل الدولة الوفي بقوله «سأبقى على ذمة الدولة، ولن أتقاعد»، فهذه المواقف القوية في ظل الضغوطات التي مورست عليه مؤخرًا، تؤكد أن للرجل طموحات كبيرة تتجاوز رئاسة الحكومة، وأنه لن يستسلم بسهولة. وكانت وسائل الإعلام التونسية تحدثت مؤخرًا عن حصول القطيعة بين الصيد ورئيس الجمهورية، في ضوء التهديد الذي أطلقه مستشار الرئيس التونسي نور الدين بن نتشه عندما اتصل بمحمد بن رجب، الوزير السابق وأحد أصدقاء الحبيب الصيد، وأبلغه بضرورة استقالة الصيد تحت طائلة «التمرميد» وهو مصطلح سوقي تونسي، يعني الإهانة.وما أن بدأت صفحة الحبيب الصيد بالطيّ، انشغلت الطبقة السياسية الحاكمة بالبحث عن بديل، يخلف الصيد، ووفق ما تسرب من معلومات قريبة من حزب «نداء تونس»، فإن حاتم بن سالم الرئيس الحالي لمعهد الدراسات الإستراتيجية من بين أبرز المرشحين لترؤس حكومة الوحدة الوطنية مرشحا توافقيا قد تقبل به الأطراف المشاركة في الحوار، ويمكن اعتباره مرشح نداء تونس الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية، إضافة إلى علاقته برئيس الجمهورية الذي عينه في منصبه الحالي منذ 2015. ويملك السيد حاتم بن سالم الذي يدخل سباق الرئاسة، خبرة كبيرة في المجالين السياسي والأكاديمي، إضافة إلى كونه آخر وزير للتربية في حكومة بن علي، فهو متحصل على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية والسياسية وعلى شهادة التبريز في القانون العام، كما شغل منصب سفير في أكثر من دولة إفريقية وأوروبية، بالإضافة إلى توليه منصب كاتب دولة لدى وزير الخارجية مكلفا على التوالي بالشؤون المغاربية والإفريقية ثم الأوروبية، كما شغل عدة مناصب في مجال الدراسات الإستراتيجية وحقوق الإنسان.ولئن كثرت الأسماء المتداولة حاليا لشغل منصب رئيس الحكومة، فإن هناك أولا مواصفات بديهية يجب أن تتمثل في رجل رئيس حكومة الوحدة الوطنية، لاسيَّما أن تونس مقبلة على مزيد من الانفتاح التجاري وحرية التبادل، والالتحاق بالاقتصاد المعولم عبر الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال ما تفرضه المؤسسات الدولية المانحة من ضغوطات، حتى تنعتق تونس في خيارات مضمون العولمة الاقتصادية، أي تطبيق السياسة الليبرالية الاقتصادية الجديدة التي ترتكز على الحرية المطلقة لحركة انتقال السلع ورؤوس الأموال والأشخاص عبر الحدود دون قيود، وإنهاء أي نوع من تدخل الجهاز الحكومي في الحياة الاقتصادية، وخصخصة القطاع العام.وإذا كانت أحزاب الائتلاف الحاكم في تونس: النداء والنهضة وآفاق والاتحاد الحر، مدعوة لاختيار رئيس حكومة الوحدة الوطنية، فإن الطبقة السياسية الحاكمة في تونس لا تمتلك كامل السيادة في قراراتها الوطنية. فتونس كانت ولا تزال محكومة بالقرار الدولي، لاسيَّما من جانب الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية المانحة والولايات المتحدة. وبالتالي فإن اختيار رئيس الحكومة يجب أن يستجيب لشروط هذه الأطراف المتنفذة في تونس، لاسيَّما أن الدولة التونسية في ظل زعامة الباجي قائد السبسي لا تمتلك أي رؤية أو إستراتيجية وطنية للتنمية، وهي مدعوة لكي تطبق برنامج الإصلاح والتكيف الهيكلي المفروض من جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الذي يقوم على تبني جوهر الليبرالية الاقتصادية الجديدة، وتحجيم دور الدولة، وتقليص تدخلها في النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وتخفيض الإنفاق العام، وتجميد الأجور، وإلغاء الدعم التمويني، وإعادة توزيع الدخل والثروة لصالح الطبقة الرأسمالية الطفيلية الفاسدة، عبر تخفيض الضرائب على الدخول والثروات الكبيرة، وبيع مؤسسات القطاع العام، أي الخصخصة. وعليه، فإن مواصفات رئيس الحكومة التونسية المقبل يجب أن تتوافر فيه شروط الاستجابة للمطالب الدولية آنفة الذكر، ومن بين الشخصيات المطروحة التي تتوافر فيه حظوظ النجاح في اختياره لكي يكون مقبولًا دوليًا، هو السيد إلياس الجويني، الذي ولد يوم 5 يناير 1965 بتونس، وهو خبير اقتصادي ومالي وجامعي تونسي عضو في المعهد الجامعي للخبراء في حسابات التأمين بفرنسا. فقد كشفت مصادر مطلعة وقريبة من دوائر القرار في التحالف الرباعي الحاكم، لصحيفة الصريح التونسية في عددها الصادر اليوم الثلاثاء 26 يوليو 2016، أن المشاورات المكثفة حول اختيار الشخصية التي ستترأس الحكومة القادمة، شهدت طرح اسم إلياس الجويني وهو أستاذ جامعي مختص في الاقتصاد والمعاملات المصرفية. وأشارت الصحيفة إلى أن الجويني يدرس في كبرى الكليات الفرنسية وأشهر المعاهد العليا، إضافة إلى اعتماده خبيرا من الدرجة الأولى من قبل العديد من المؤسسات الاقتصادية والمصرفية الدولية.

381

| 29 يوليو 2016

لماذا يريد الحبيب الصيد الاحتكام للبرلمان ؟

بعد إقرار وثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية في قصر قرطاج الأسبوع الماضي، اعتقد العديد من التونسيين أن أزمة تشكيل الحكومة الجديدة في طريقها إلى الحل، لكن برزت عقبة رئيس الحكومة الحالي السيد الحبيب الصيد الذي رفض تقديم استقالته رغم الضغوطات التي مورست عليه. وكان الصيد قد أعلن الإثنين الماضي إثر لقائه الأسبوعي مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أنه اتفق معه على اللجوء إلى البرلمان لحسم المسألة، وعلى التسريع في العملية ولكن عبر البرلمان. ويزيد إصرار رئيس الحكومة الحبيب الصيد على الاحتكام للبرلمان لفض خلافه مع رئيس الجمهورية، في تعطيل إنجاح مبادرة الباجي قائد السبسي المتعلّقة بحكومة الوحدة الوطنية، ويدفع بها نحو أزمة دستورية وسياسية جديدة ستكون لها تداعيات على المشهد السياسي الوطني، مؤسسات وأحزابا، ولاسيَّما على مستقبل العلاقة بين مؤسستي الرئاسة والحكومة الجديدة وأحزاب الائتلاف. وهناك إجماع لدى الطبقة السياسية الحاكمة في تونس، ولدى أساتذة القانون الدستوري، أن الوضع في البلاد بصفة عامة يتجه إلى حصول تعقيدات ومأزق داخل نظام الحكم، وداخل المنظومة القائمة ككل، لأن إقالة حكومة الحبيب الصيد، أو الإبقاء عليها، لا يمكن أن يتم إلا من خلال إجراء منح الثقة من عدمه الذي أقره الفصل 98 من الدستور، وهو إجراء أقل تعقيدًا ويقتضي 109 أصوات، وهو قابل للتحقيق بشرط أن يتقدم رئيس الحكومة بمطلب إلى مجلس نواب الشعب حول إعادة منح الثقة لحكومته من عدمه، وهو ما لم يقم به الحبيب الصيد.إضافة إلى ذلك، فإنه من الصعب جدًا تقديم لائحة لوم ضد حكومة الحبيب الصيد، بسبب إعلان حالة الطوارئ في البلاد، بدءًا من يوم 21 يوليو الجاري وفق ما أعلنته رئاسة الجمهورية التونسية يوم الثلاثاء الماضي. ويمنع إعلان حالة الطوارئ توجيه لائحة لوم ضد حكومة الحبيب الصيد، عملًا بما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 80 من الدستور التونسي، حيث أتاح هذا الفصل لرئيس الجمهورية أن يتخذ التدابير التي تحتملها الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد، ويمثل اختيار رئيس الجمهورية لنظام حالة الطوارئ أحد التدابير الاستثنائية التي سبق وأن اتخذها ومدّد العمل بها. والحال هكذا، لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد حكومة الصيد، وهو ما يؤكده أيضًا الفصل 48 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، لاسيَّما أن رئيس الحكومة رفض تقديم استقالته، وتخيّر اللجوء إلى مجلس نواب الشعب للتصويت على منح الثقة لحكومته، لكي تواصل نشاطها بحسب الفصل 98 من الدستور، وهي وسيلة ممكنة في الأنظمة البرلمانية.وقد قدم رئيس الحكومة الحبيب الصيد يوم الأربعاء الماضي الموافق 20 يوليو بشكل رسمي مراسلة طلب موعد عقد جلسة تجديد الثقة في حكومته إلى مكتب مجلس نواب الشعب، رافضا بذلك دعوته الحضور إلى جلسة يوم الجمعة22 يوليو الجاري كما كان مقررا. وينص الفصل 150 على أنه "إذا كان طلب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها صادرًا عن رئيس الحكومة، فإن رئيس المجلس يدعو للجلسة رئيس الحكومة وكامل أعضائها".ويذكر الفصل 151 أنه "إذا كان طلب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها صادرًا عن رئيس الجمهورية، فإن رئيس المجلس يدعو للجلسة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكامل أعضائها. ويفتتح رئيس المجلس الجلسة العامة بعرض موجز لموضوع الجلسة وبالتذكير بمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 99 من الدستور، الذي يمنح رئيس الجمهورية مثل هذه الصلاحية لـ"أن يطلب من مجلس الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها مرّتين على الأكثر خلال كامل المدّة الرئاسية. ويتم التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب. فإن لم يجدّد المجلس الثقة اعتبرت مستقيلة. وفي حالة تجديد الثقة في المرتين يعتبر رئيس الجمهورية مستقيلا".من الواضح أن رئيس الحكومة السيد الحبيب الصيد يريد من مثوله أمام البرلمان أن يؤكد على بعض الحقائق الدستورية والسياسية للمشهد السياسي التونسي بكل تفصيلاته: أولها، أنه يعود للمؤسسة التي منحته الثقة، ويرفض أن يُقال من رئيس الجمهورية، ليقطع نهائيًا مفهوم "الوزير الأول" في النظام الرئاسي، ويذكّر الجميع بأنه رئيس مؤسسة دستورية تستمد شرعيتها من نواب الشعب، وليس من التزكية الرئاسية. وثانيها، أنه يوجه رسالة إلى أحزاب الائتلاف الحاكم، التي ينتظر أن تكون محرجة للغاية أمام الكتل المعارضة لأنها ستضطر لسحب الثقة من الرجل الذي دافعت عنه مرارًا، وستكون مجبرة على صياغة خطاب سياسي لا يسقطها في التناقض. وثالثها، إن قرار الحبيب الصيد رغم تداعياته واستتباعاته هذه، لا يعني بالضرورة أنه بهذه الخطوة سيقتطع "تذكرة" تمكنه من تمديد إقامته في قصر الحكومة بالقصبة، أو إعادة الروح إلى حكومته التي يدرك هو قبل غيره أن صفحتها قد طويت منذ لحظة الإعلان عن مبادرة حكومة الوحدة الوطنية. لكن الرجل أراد بذلك صون كرامته والدفاع عن إنجازات حكومته حتى وإن كانت محدودة ومعدومة. فضلًا عن أن الصيد يريد أن يكشف للرأي العام أن هناك لوبيات ومافيات من الفساد، محمية من قبل أحزاب الائتلاف الحاكم أو لا تريد مواجهتها، كانت تعرقل سير عمل حكومته.

399

| 22 يوليو 2016

مقومات نجاح حكومة الوحدة الوطنية

تعد مسألة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وإقرار برنامجها من أهم الموضوعات التي تتطلب حلًا واقعيًا، منذ أن طرح رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي مبادرته الشهيرة قبل شهر رمضان على بساط البحث والمفاوضات مع مختلف الأحزاب والمنظمات الوطنية (الأعراف- اتحاد الشغل...). فهي محل اهتمام الأوساط الشعبية والسياسية على السواء، نظرًا إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تواجهها البلاد، ليس من باب أهمية الإعلان عن التوافقات حول حكومة الوحدة الوطنية للمساهمة في إخراج البلاد من أزمتها البنيوية العميقة الراهنة فحسب، وإنما أيضًا من أجل رسم إستراتيجية وطنية وخيارات جديدة للمستقبل. ووسْطَ كلِّ هذه النقاشات الماتونية في قصر قرطاج، أصبح الشعبُ التونسي أكثرَ وعيًا بضرورة إيجاد حلولٍ عاجلة للأَزمات المتفاقمة، لاسيما حل مشكلة البطالة، وإعادة ترتيب المؤسَّسات العملاقة، وإصلاح الأجهزة المصرفيَّة والبنكيَّة، والتوصُّل لأُطرٍ صحيحة لمعالجة مظاهر الرِّشوة، وغسيل الأموال، والضَّرب على أيدي المفسدين لتنقية الأسواق مِن الغلاء، خاصَّةً مع تحرُّك المنظَّمات الحكومية وجهاتِ التَّنمية والتعاون لضبط آليات العرْض والطلب، ووضع أطر تنظيميَّة للشَّركات متعددة الجنسيات، ومنع صُوَر التلاعُب بقوتِ وأرزاقِ البُسطاء مِن عامَّة النَّاس، والاستفادة الإيجابيةِ من ثورة المعلومات الرَّقميَّة، وتكنولوجيا الاتِّصالات والإعلام، لخدمة مقومات التنمية الشَّعبيَّة.لقد أثبت التاريخ مرارًا وتكرارًا أن حكومة الوحدة الوطنية الجيدة ليست من قبيل الترف، بل هي ضرورة وطنية، لأنه من دون إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية في تونس، يتعذر مواجهة التحديات التي تعيشها البلاد، في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والإرهابية. فتونس تعيش اليوم في ظل دولة ضعيفة وفاقدة تماما للهيبة، نظرًا لأن أول رئيس للجمهورية الذي انتخبه الشعب التونسي لكي يقود سفينة الانتقال الديمقراطي نحو بر الأمان، بلغ من العمر عتيًا (90سنة)، وفي مثل هذه السن المتقدم (أطال عمر الرئيس الباجي) من الصعب على أي إنسان أن يقود دولة، ويعيد بناء مؤسساتها في ظل ديمقراطية ناشئة تواجه خطر الإرهاب المستوطن داخليا، والعابر للحدود، وأزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، فللعمر أحكامه.والحال هذه، هناك أزمة حكم في تونس اليوم، لاسيما في قمة هرم الدولة، فالرئيس الباجي أظهر عجزًا واضحًا في إعادة بناء الدولة الوطنية، وقيادة الجمهورية الثانية، إذ تجاوز الدستور الذي ينص على أن شكل الحكم برلماني أو أقرب منه، بينما حوّل الرئيس النظام رئاسيا، حين جعل من قصر قرطاج المرجعية الأولى. وفضلًا عن ذلك، فإن حضور الرئيس في المشهد السياسي التونسي بات ضعيفًا، الأمر الذي ترك فراغًا بحضوره، ففتح الشهية لوراثته، لاسيما أن الباجي يرغب في توريث ابنه الذي يترأس الآن «حزب نداء تونس»، إنه الوضع نفسه الذي اتسمت به أواخر سنوات حكم بورقيبة، سنوات حرب التوريث.ثم إن نجاح حكومة الوحدة الوطنية في مجابهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية مرهون بمجابهة الفساد الديكتاتوري، المدعوم من الطبقة الرأسمالية الطفيلية في الداخل، والذي يجد من يدافع عنه من أحزاب الائتلاف الحاكم، بينما تقتضي تحقيق التنمية المستدامة محاربة الفساد جذريًّا، نظرًا لإفراغه المجتمع التونسي مِن مبادئه المتوارثة، لِيَحُلَّ محلَّها تجمعاتٌ شاردةٌ مِن اللِّئام والمرتزقة، مِن وراء الأزمات الاقتصادية، حيثُ يَحصُل الفاسدون على أرباحٍ طائلةٍ على حساب خسائر الطَّبقات الفقيرة، التي تكدح بالعمل في المصانع والمزارع.ومن المعلوم أنَّه يمكن أن تكونَ هناك عواقبُ معقَّدةٌ لمواجهة الفساد المتضخم في تونس التي تمرُّ بمرحلَة انتقاليةٍ من الحُكم السلطوي إلى الديمقراطيَّة، واقتصاديات السُّوق الحُرَّة، لاسيما في ظل أحزاب الائتلاف الحاكم الباحثة عن تقسيم كعكعة السلطة وفق المحاصصات الحزبية، والتغاضي عن صُوَرِ الأنشطة السِّريَّة للفساد، ما جعل السقوطَ في دوامة الصَّفقات المشبوهة غيرَ قاصرٍ على القطاع العام، بل امتدَّ -بصورٍ غير معهودة- إلى المؤسَّسات الخاصَّة، والبنوك الأجنبية، والشَّركات متعددة الجنسيات، ليفتحَ الباب أمامَ المُقامِرين الجدد من السياسيين المدافعين عن الرأسمالية الطفيلية، وسياساتِ الخصخصة، التسريع ببيع القطاعات العامَّة كفرصةٍ للثراء الفاحش، عن طريق بيع الأصول العامَّة بأسعارٍ زهيدة للأقارب والأصدقاء من الباطن، لتدخلَ أموال الشَّعب في جيوب كبار الفاسدين عبرَ ممارساتٍ غيرِ شريفة تُحاك في الظلام، أدَّت إلى إفلاس الموازنات العامَّة من جهة، وإعادة إنتاج النظام الديكتاتوري الفاسد السابق الذي كافحه الشعب التونسي على مدى أكثر من أربعة عقود من جهةٍ أخرى.إن نجاح أي حكومة وحدة وطنية في تونس، يحتاج إلى بلورة إستراتيجية وطنية لمعالجة الأزمات الرَّاهنة، وفى مُقدَّمتها: التَّركيزُ على القطاعات الإنتاجيَّة، والتركيز على الزراعة التي تُغذي الصناعات الإستراتيجيَّة، وتعديل مؤسَّسات السياحة ومؤتمراتها، وتنمية الاستثمارات في الولايات الفقيرة والمحرومة تاريخيا من التنمية، وترميم الطُّرق والسِّكك الحديديَّة، والتزام حكومة الوحدة الوطنية بالحوكمة الرشيدة، وتطبيق الشفافية، وترشيد الثروات العامَّة، وتحسين الانتفاع بالقُدرات الذاتية للشعب، وضبط آليات الأسعار وموازين المدفوعات، وجعل السلطات الإدارية أكثرَ خضوعًا للرَّقابة والمحاسبة، لضمان نزاهتها، وحظر الفساد الأجنبيِّ الخارجي في الأسواق الوطنية.

762

| 16 يوليو 2016

استهدافات جولة نتنياهو الإفريقية

بعد 58 سنة من الزيارة "التاريخية" لوزيرة الخارجية الإسرائيلية جولدا مائير، و50 سنة على زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي في حينه ليفي أشكول إلى إفريقيا، قام رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجولته الإفريقية الأولى مع مطلع شهر مايو 2016، وهي الأولى التي يقوم بها رئيس حكومة إسرائيلي منذ عام 1987، وشملت كل من نيجيريا، وكينيا، ورواندا، والسنغال، وساحل العاج، والتي كانت تستهدف إلى تحسين مكانة إسرائيل الدولية وتوظيف الحضور الإفريقي في المحافل الدولية، لإحباط أي محاولة لتمرير مشاريع قوانين تتعارض مع المصالح الإسرائيلية. وهاهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقوم بجولة إفريقية ثانية بدءا من يوم الإثنين 4يوليو الجاري، وتشمل أربع دول إفريقية من منطقة حوض النيل، هي: أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، حيث يلتقي خلالها مسؤولي سبع من الدول الإفريقية، وهم بالإضافة لزعماء الدول التي زارها، رئيس جنوب السودان، وزامبيا، ووزير خارجية تنزانيا. وتندرج زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى عدد من البلدان الإفريقية في سياق إستراتيجية واضحة ومحددة قوامها توسيع نطاق التغلغل الصهيوني في القارة الإفريقية، وتحسين مكانة الكيان الصهيوني الدولية، وتوظيف الحضور الإفريقي في المؤسسات الدولية، لاسيَّما هيئة الأمم المتحدة، لإحباط أي محاولة لتمرير مشاريع قوانين تتعارض مع المصالح الصهيونية.إضافة إلى ذلك، توثيق التعاون الأمني والاستخباري، وفتح أسواق الدول الإفريقية الواعدة، وتطوير التبادل التجاري مع الأفارقة.وللكيان الصهيوني مصالح إستراتيجية يعمل على تحقيقها في إفريقيا، ومنها: المصالح الدبلوماسية: لقد مهد تراجع المواجهة العربية مع الكيان الصهيوني على جبهات القتال المختلفة، وزيارة الرئيس السادات التاريخية للقدس في نوفمبر1977، وتوقيع اتفاقية السلام المصرية - الصهيونية في عام 1979، طريق الانفتاح مرة أخرى لتقارب الجانبين الإفريقي والصهيوني، وتحسين إلى حد كبير العلاقات الإفريقية - الصهيونية، وأنهى نظريا وعمليا بصورة متدرجة مبررات مقاطعة دول إفريقيا لدولة الكيان الصهيوني. فاتجهت معظم الدول الإفريقية لإعادة العلاقات الدبلوماسية رسميا مع الكيان الصهيوني، بعد أن أزاح العرب والفلسطينيون الحرج عن إفريقيا من تقاربها مع الكيان الصهيوني. وبذلك عاد الكيان الصهيوني إلى إفريقيا، وعادت إفريقيا إلى الكيان الصهيوني، وبقوة. والحال هذه أصبحت الاعتبارات الدبلوماسية تأخذ الأولوية بالنسبة للكيان الصهيوني، من أجل توظيف ثقل تصويت الدول الإفريقية في المحافل الدولية لمصلحة إسرائيل. المصالح الأمنية: إذ يشكل تهديد الأمن القومي العربي عامة والأمن المصري خاصة، محورا إستراتيجيا في السياسة الخارجية الصهيونية، لذا دأب الكيان الصهيوني على تعزيز علاقاته الثنائية والأمنية مع دول شرق إفريقيا، لاسيَّما إثيوبيا، وكينيا، و أوغندا، وإريتريا، وجيبوتي، من أجل تحقيق هذا الهدف. وكان الكيان الصهيوني يستهدف من خلال هذا التحرك ولا يزال تحقيق السيطرة الإستراتيجية على مضيق باب المندب الذي يعتبره منفذا حيويا لتحركاته الملاحية من وإلى آسيا وإفريقيا حتى يضمن مصالحه الاقتصادية والتجارية. إضافة إلى ذلك، تستهدف الإستراتيجية الأمنية الصهيونية تهديد أمن الدول العربية المعتمدة على مياه نهر النيل وهما مصر والسودان بالدرجة الأولى، والحال هذه تمثل دول حوض النيل إحدى المصالح الأمنية الكبرى للكيان الصهيوني. فإستراتيجية الكيان الصهيوني تتمحور حول الالتفاف حول هذه الدول: إثيوبيا، وأوغندا، وكينيا، ورواندا، والكونغو، وإريتريا. فالكيان الصهيوني يريد تطوير العلاقات مع كينيا التي تقع على المحيط الأطلسي، بهدف الحصول على تسهيلات للقطع البحرية الإسرائيلية. أما الاستمرار في فتح سفارة إسرائيلية في إريتريا رغم أنها دولة فقيرة جدًا، فلأن نظام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي يسمح للغواصات والسفن العسكرية الصهيونية باستخدام موانئها. كما تستهدف الإستراتيجية الأمنية الصهيونية في إفريقيا تطويق ومحاصرة إيران من توظيف أنشطتها الخيرية والدينية، لاسيَّما من خلال توثيق العلاقة مع الشيعة الأفارقة، في تشكيل خلايا استخبارية تهدف إلى المس بالمصالح الصهيونية هناك. وكانت الحكومة النيجيرية قد تمكّنت، قبل عامين، من تفكيك خلايا تابعة لحزب الله بناء على معلومات حصلت عليها من إسرائيل. وفضلًا عن ذلك، وأمام بروز الحركات الإسلامية المتطرفة في أعقاب أحداث "الربيع العربي"، لاسيَّما في بلدان شمال إفريقيا، يعمل الكيان الصهيوني على بلورة حلف إسرائيلي مع بضع دول مسيحية في إفريقيا، كي تشكل حزاما من نوع ما ضد الإسلام المتصاعد في دول شمال إفريقيا، درءًا لتداعيات التغييرات الحاصلة في شمال إفريقيا على باقي الدول الإفريقية، التي تخشى من إمكانية تعزز الإسلام المتطرف، ومن تأثيره على القارة بأسرها. ويدفع الخوف من صعود الإسلام المتطرف إلى إقامة مثل هذا الحلف بين الدول الإفريقية المسيحية والكيان الصهيوني.المصالح الاقتصادية: يتزايد دور التغلغل الاقتصادي الصهيوني في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة لإفريقيا في مجال التغذية حيث تبدو فيها البلدان الإفريقية بحاجة إلى التكنولوجيا والخبرات الصهيونية، من أجل تطوير الزراعة واستغلال ثروتها الخشبية واستصلاح الري. ومن الطبيعي أن ينجم عن هذا الوضع تطوير في التبادل التجاري بين إفريقيا والكيان الصهيوني. لقد كانت دولة ساحل العاج نقطة ارتكاز في السياسة الخارجية الصهيونية من أجل النفاذ إلى باقي الدول الإفريقية، ذلك أن الرئيس الراحل هوفيه بوانيه كانت تربطه علاقات تاريخية وثيقة مع حزب العمل الإسرائيلي منذ ثلاثين سنة، ومع الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران منذ أن كان نائبا في البرلمان الفرنسي في إطار التجمع الديمقراطي الإفريقي وحليفا للشيوعيين الفرنسيين. وحاليا، تتمركز الشركات الصهيونية في أحد عشر بلدا إفريقيا هي: الكاميرون، وساحل العاج، وغانا، وكينيا، وليبريا، ومالاوي، ونيجيريا، وتنزانيا، وزائير، وزامبيا، وإثيوبيا. وتعمل معظم هذه الشركات في تطوير الزراعة والري وفي مجال الفنادق السياحية ومقاولات البناء .. إلخ.

725

| 08 يوليو 2016

بين بازار حكومة الوحدة الوطنية والعقد الاجتماعي

في كل أزمة تمر بها البلاد منذ سقوط النظام الديكتاتوري السابق ولغاية الأزمة الحادة الحالية التي تعيشها تونس، وأجبرت رئيس الجمهورية على طرح مبادرته المتعلقة بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حيث حدّد موعد تشكيلها خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو الجاري، تدخل تونس في بازار مفتوح لتشكيل هذه الحكومة العتيدة من خلال ما يسمى بالحوار الوطني داخل الطبقة السياسية الحاكمة. بيد أن المتابع الدقيق للتجربة التونسية فيما يتعلق بتشكيل الحكومات، يكتشف أن هناك أطرافًا أخرى هي التي تساهم في عملية تشكيل هذه الحكومة أو تلك. فعندما دخلت البلاد التونسية في أزمة قوية عقب موجة الاغتيالات السياسية في سنة 2013، ومطالبة مكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية برحيل حكومة الترويكا، عرفت تونس حوارًا وطنيًا بين الحكومة والمعارضة بقيادة الرباعي الراعي للحوار الوطني لإيجاد حلّ توافقي بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، لكن ما راعنا في نهاية 2013، أن صحيفة «لوموند» الفرنسية كشفت في عددها الصادر يوم الاثنين16 ديسمبر 2013، أن دولا غربية ضغطت من أجل ترشيح وزير الصناعة في حكومة العريض مهدي جمعة رئيسا للحكومة القادمة. ونقلت لوموند أن سفير الولايات المتحدة الأمريكية وسفراء من دول الاتحاد الأوروبي التقوا في بداية شهر ديسمبر 2013 من أجل مساندة ترشيح مهدي جمعة لرئاسة الحكومة الذي لم يكن مرشحا على طاولة الحوار الوطني لا من الشق الحكومي ولا من شق المعارضة كما تشير الصحيفة الفرنسية إلى أن سفراء دول غربية عبروا عن انشغالهم بطول المشاورات في صلب الحوار الوطني دون الوصول إلى نتيجة وهو ما عبر عنه خاصة وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس يوم 5 ديسمبر 2013 عندما دعا للإسراع في مشاورات الحوار الوطني من أجل تركيز حكومة جديدة. السيناريو عينه يتكرر اليوم في هذه الأزمة الحالية، إذ إن من يقرر تشكيل الحكومة ليست الأطراف المشاركة في الحوار الوطني الذي ترعاه رئاسة الجمهورية مع عدد من الأحزاب السياسية الموجودة في الائتلاف الرباعي الحاكم، وفي المعارضة أيضا، وإنما هناك لفيف من التونسيين الذين احترفوا السمسرة في بازار السياسة، وانجذبوا إلى النمط الأوروبي - الأمريكي، وأصبحوا معجبين بإفرازاته الفكرية والثقافية إلى درجة الارتهان والذوبان في خدمة المشروع الغربي، بات يشكل «زبائنية تشكيل الحكومات»، من خلال إبراز السير الذاتية لعدد من الكوادر التونسية التي درست في الجامعات الغربية، وترشيحها لكي تتبوأ مراكز رئيسة في أجهزة الدولة التونسية، بدءا من رئيس الحكومة ومرورا بالوزراء، وكتاب الدولة، والسفراء وغيرهم.وترتبط هذه الفئة الانتهازية من محترفي صنع سياسة النخاسة في صالونات المناطق الراقية من تونس العاصمة، بالأجهزة الأمنية المتنفذة في الدولة العميقة، وبلوبيات الفساد ورجال الأعمال المتنفذين، وبسفارات دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الإقليمية، إضافة إلى أنها تخترق معظم الأحزاب التونسية سواء منها الحاكمة أم في المعارضة، و باتت هي التي ترسم الملامح العامة للمشهد السياسي التونسي، وبالتالي تشكيل المجتمع السياسي التونسي، وفق ما تتطلبه استراتيجية وأهداف لوبيات الفساد ورجال الأعمال، وكذلك مصالح الشركاء الغربيين لتونس، والمؤسسات الدولية المانحة، من أجل السيطرة على مقدّرات الدولة التونسية، والتحكم في خياراتها الوطنية، الأمر الذي يقود إلى فقدان تونس لسيادتها الوطنية.فهذه الفئة من النخب التونسية لم تنتح علما للسياسة أو معرفة بل شاء لها أن تبقى ذات طبيعة محترفة للسمسرة، وتبرز وتتفرد بالتحكم في المشهد السياسي الوطني العام من خلف الستار، عبر مسكها بمقدرات مالية فكرية قضائية – عسكرية - صناعية - نقابية - جمعياتية – إعلامية …إنها تقوم بدور حكومة الظل غير المرئية للعامة من التونسيين. وقد ولدت هذه الفئة منذ أن كان الاستعمار الفرنسي جاثما على أرض تونس، ومع نشوء دولة الاستقلال التي كانت تعتمد تاريخيا على الكوادر المتخرجة من المدارس والجامعات الغربية، ولاسيَّما من المدرسة القومية للإدارة في فرنسا، وبقية المدارس العليا في المجال الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي في كل من بلدان أوروبا وأمريكا.ورغم إقرار الجميع سلطة ومعارضة بثقل الأزمة التي تعيشها تونس، مع وجود اختلافات بين الأحزاب والمنظمات الوطنية حول تشخيص الأزمة التونسية وحلولها المثلى، فإنه لغاية الآن لم يتم الاتفاق على اسم رئيس الحكومة المنتظر. ويتميز الاتحاد العام التونسي للشغل برؤيته بشأن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، والتي يجب أن تعمل على تحسين نسبة النمو المبرمجة في ميزانية 2016، وضبط إستراتيجيات عاجلة بخصوص القطاعات الحيوية الأربعة وهي: قطاع الفسفاط وقطاع السياحة والطاقة والنفط والفلاحة حسب مقاربة وفاقية وتشاركية مع الأطراف الاجتماعية. ويدعو الاتحاد في رؤيته إلى تفعيل مشروع الإصلاح الجبائي الذي وقع الاتفاق عليه مبدئيا في إطار الاستشارة الوطنية حول الجباية وتحميل الأطراف المعطلة لمسؤوليتها. ويطالب الاتحاد في إطار رؤيته بإحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي وتفعيل عمل اللجان في صلبه. وتتناقض هذه الرؤية مع منظمة رجال الأعمال وحزب آفاق الليبرالي.أما الجبهة الشعبية التي تتزعم المعارضة في البلاد بنحو 15 نائبا في البرلمان، فإنها لن تشارك في حكومة الوحدة الوطنية لعدة أسباب من أهمها أن برنامجها لا يستجيب لمتطلبات المرحلة ولا يساهم في حل الأزمة التي تعيشها البلاد. وتؤكد الجبهة أن من بين الأسباب التي جعلتها لا تشارك في بلورة الحكومة هي الإملاءات الخارجية على تونس خاصة صندوق النقد الدولي من خلال خوصصة عدد من مؤسسات الدولة وهذا يمثل خطرا على الطبقات والفئات الشعبية الكادحة.تونس تحتاج إلى عقد اجتماعي جديد أساسه التحرّر من التبعية للمؤسسات الدولية المانحة ولشركاء تونس من الدول الغربية، لأن التبعية قادت إلى تعطيل الإرادة الوطنية للدولة التونسية وفقدانها السيطرة على شروط إعادة بنائها من جديد بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق. فسياسات الحكومات التونسية المتعاقبة منذ 2011 ولغاية الآن، توضع انطلاقا من تلبية شروط المؤسسات الدولية المانحة، وليس انطلاقًا من تحقيق انتظارات الشعب التونسي، كما أن السياسات ترسم في ضوء تكريس الاعتماد على المعونات المالية والتكنولجية الغربية، لا اعتمادًا على تعبئة الموارد المحلية والادخار الوطني. وبالتالي فإن سياسات حكومة الوحدة الوطنية المقبلة، لا تطرح موضوع فك الأواصر مع نهج التبعية، من أجل وضع تونس على طريق التنمية الحقيقية، وإنما بهدف إيقاع البلاد في دائرة التبعية للمراكز الرأسمالية الغربية.

362

| 01 يوليو 2016

تونس: الحاجة الملحة والعاجلة لخيارات جديدة

الأزمة الراهنة التي تعيشها تونس، المفوتة في ماضويتها، والحديثة في شرطها الراهن، هناك من ينظر إليها من جانب أحزاب الطبقة السياسية الحاكمة، وخبرائها، وحلفائها، على أنها أزمة حكومية، تقتضي تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبالتالي تغيير رئيس الحكومة الحالي السيد الحبيب الصيد، والإتيان برئيس حكومة جديد، للقيام بالإصلاحات الهيكلية المؤلمة التي تطالب بها المؤسسات الدولية المانحة. بينما تنظر المعارضة الوطنية والديمقراطية إلى الأزمة الراهنة في تونس، على أنها ليست أزمة حكومة بل هي أزمة نظام حكم ومنظومة حكم، وهي ليست أزمة نمو اقتصادي كما هو الحال في البلدان الصناعية المتقدمة، وإنما المسألة الجوهرية مرتبطة بخيارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تونس، البلد الذي يعيش في حالة من التخلف والتبعية، ويحتاج إلى مشروع وطني ديمقراطي لتحقيق أهداف التنمية، ذات الأبعاد الاقتصادية بمعناها الشامل، ولكن لها أيضا أبعادًا اجتماعية وثقافية، إضافة إلى البعد الأهم وهو البعد السياسي المتمثل في بناء دولة وطنية ديمقراطية. ومن هذا المنظار، فإن حكومة الوحدة الوطنية التي يطرحها رئيس الجمهورية لن تغير من الوضع شيئا مادامت الخيارات هي نفسها. في ظل حكومة الصيد، استمرت الحركات الاحتجاجية والاضطرابات الاجتماعية التي وصلت حتّى الانتفاضة في شتاء 2016، وانكشفت أيضا أزمة النظام السياسي الجديد، فرغم أن تونس تبنت النظام البرلماني، فإنه مع ذلك، أصبح مركز الثقل داخل السلطة في تونس هو القصر الرئاسي في قرطاج، وليس قصر الحكومة بالقصبة ولا قصر المجلس النيابي بباردو. وبدا واضحًا للجميع أن هنالك نظامًا سياسيًا يتشكل أو تشكل بصفة موازية للنظام السياسي الذي تم تحديد مبادئه وقواعده في نص الدستور. وزاد من استشراس هذه الظاهرة، الأزمة التي عرفها «حزب نداء تونس» وتداعياتها لجهة خضوع هذا الحزب الأغلبي لقاعدة التشتت، وتمكّن شق على حساب آخر شؤون الحزب وجزء من الدولة. وفي هذه الأزمة الحزبية، أصبحت الدولة تعيش في حالة من الفراغ، وفقدت هيبتها، والحال هذه، تحتاج تونس إلى خيارات جديدة للخروج من أزمتها: وأولها، الاعتماد على نموذج جديد للتنمية، يكون من صلب المشروع الوطني الديمقراطي - المجتمعي، يستهدف إقامة مجتمع ديمقراطي عادل يضمن أوسع مشاركة شعبية، من خلال العمل المؤسساتي في إدارة شؤون المجتمع بما يعني إتاحة الفرصة لجميع المواطنين من الإسهام في بناء المجتمع والتعبير عن مصالحهم..وثانيها، التحرر من القيود والشروط التي تفرضها الرأسمالية المعولمة، ومؤسساتها الدولية المانحة، لأن منافعها تعود إلى الطرف الأقوى على حساب الاقتصاد الوطني التونسي. وثالثها، الانطلاق من مفهوم الاعتماد على الذات، وإعادة الاعتبار إليه، وإعادته إلى النسق المجتمعي بدلًا من النطاق الفردي، من دون الانعزال، ومن دون الوقوع في فخ التبعية. ورابعها، إعادة الاعتبار لوظيفة التخطيط، وبالتالي لوزارة التخطيط، واستخدامها على نحو علمي وعملي. وخامسها، الأخذ بنظر الاعتبار التطوير الحاصل في مجال التكنولوجيا والاتصالات والمعلوماتية، في إقامة مجتمع المعرفة. إن خيار التنمية الجديد لتونس، هو عملية تحرر إنساني تشمل تحرر المواطن التونسي من الفقر والجهل والقهر والاستغلال، كما تشمل تحرير المجتمع التونسي من ذل الاعتماد على الغرب، وتخليصه من قيود التبعية له، بما تحمله من الاستغلال، وتقييد للحرية والإرادة الوطنية، ومن هشاشة أمام الصعوبات الخارجية.

417

| 24 يونيو 2016

تونس :الاستراتيجية المناسبة للحكومة الجديدة

لا تزال تونس تعيش في ظل الجدل القائم حول الشخصية ذات الكفاءة التي يتعين على رئيس الجمهورية السيد الباجي قائد السيبسي اختيارها لتولي رئاسة حكومة الوحدة الوطنية، ورفض معظم الفعاليات السياسية تصريحات حركة النهضة في الأيام الأخيرة ضرورة تمثيل الحركة بالنصيب الأكبر من الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية ،وأحقيتها باقتراح رئيسها المقبل ، ما أثار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية سواء داخل الائتلاف أو أحزاب المعارضة، لجهة رفض رغبة النهضة في «التغول» من جديد بعيدا عن القطع مع سياسة المحاصصات التي كانت سبب الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها البلاد ،في وقت يقتضي طي صفحة اقتسام «الغنائم» والانتهازية وتغليب المصالح الحزبية على المصلحة الوطنية. علماً أن مبادرة رئيس الجمهورية تستهدف توسيع قاعدة الحُكْمِ الحزبية وإشراك المنظمات الوطنية الكبرى ،غير أن كلّ المؤشّرات تؤكّد على أنّ النتيجة ستكون بعَكْسِ النوايا المعلنة ،وقد تؤول «حكومة الوحدة الوطنية» إلى تحالفٍ يقتصر على «نهضة» قوية بكتلة برلمانية متناسقة ومتماسكة ،و«نداء تونس» مفكّك الأوصال بـ «جُزُرٍ» برلمانية لا رابط تنظيميا أو سياسيا بينها سوى ذلك السّعي المحموم إلى احتلال مواقع المسؤولية. وكان قصر قرطاج شهد مؤخراًاجتماعاً جمع منظمات وطنية وأحزابا سياسية ،وخُصص للمشاورات حول حكومة الوحدة الوطنية،وحسب المداولات المتسربة من القصر الجمهوري، فإن الاتجاه العام يسير نحو تغيير رئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد بشخصية أخرى، كما تم الإتفاق حول بقاء 4 وزراء من الحكومة الحالية حيث لن يشملهم التغيير، وهم وزير العدل عمر منصور، ووزير التربية ناجي جلول ،ووزير الخارجية خميس الجهيناوي ،ووزير الشؤون المحليّة يوسف الشاهد.وقال رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، عقب الانتهاء من الاجتماع، إنه تمّ قطع خطوة لا بأس بها في مشاورات تكوين الحكومة المذكورة، وأن هناك خارطة طريق ممكنة في هذا الشأن موضحاً أن المشاورات الجارية مع مختلف الأطراف تهدف إلى ضبط الأولويات وبلورة الإطار الحقيقي الذي يمكن أن تلتقي فيه مختلف الجهات. في نظر العارفين بالشأن السياسي التونسي ،كانت كلّ الدلائل تُشيرُ إلى أنّ «مبادرة حكومة الوحدة الوطنية» تَحْمِلُ شروط إجهاضها ، لأنها مبادرة من دون محتوى سياسي وبرامجي جديد وواضح المعالم، إذ اكتفت في هذا الخصوص بتعداد أهداف يتّفق من حيث المبدإ جميع الطّيْف السياسي على أهمّيتها ولكنٌهم يختلفون راديكاليا في بعض الأحيان حول سُبُلِ تحقيقها . تونس بحاجة ماسة إلى حكومة وحدة وطنية، تتبنى استراتجية وطنية واضحة لمكافحة الفساد، إذ يحتل الفساد ومكافحته، موقعاً مهماً في تحقيق الإصلاح الديمقراطي الذي ينتظره الشعب التونسي ، ذلك أن الفساد يعتبر من المعوقات الأساسية التي تقف في وجه معالجة الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد، منذ سقوط رأس النظام الديكتاتوري السابق، إضافة أنه تحول إلى الحليف الاستراتيجي للإرهاب. ونظرا لأن السلطة الحاكمة في تونس تمثل مصالح الطبقة السياسية والاقتصادية الرأسمالية الطفيلية الفاسدة،حيث توجد علاقة بين السلطة و الثروة يشكل الفساد قاسمهما المشترك، فإن هؤلاء جميعاً يشكلون في الوقت الحاضر سدّاً منيعاً في وجه تحقيق الأهداف الاستراتيجية للثورة الديمقراطية التونسية .و بما أن الفساد أصبح مستوطنا في كل مفاصل الدولة،فقد أصبح المعرقل الرئيس للاستثمار، و المعوق للتنمية، و المقوض للشرعية السياسية. و أصبح من نافلة القول أن المستثمر التونسي، أو العربي، أو الأجنبي (النظيف)، يتهيب من الاستثمار في تونس، بسبب انتشار الفساد أولا، وتخلف قوانين البيروقراطية التونسية ثانيا، والتقارير السلبية الصادرة عن منظمات الشفافية الدولية ذات المصداقية، التي أصبحت تصنف تونس رابعا في قائمة البلدان الأكثر فساداً على صعيد عالمي .إضافة إلى ذلك،تكمن خطورة الفساد السياسية و الاقتصادية، ليس إلى إضعاف الحكومة تجاه الداخل فقط، و إنما إلى إضعافها تجاه الخارج ، وتحديدا تجاه المؤسسات الدولية المانحة ، وشركاء تونس الاقتصاديين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. انتظارات الشعب التونسي ، كانت ولاتزال ، تكمن في تحقيق العدالة الاجتماعية ،أي عدالة توزيع الدخل و الثروة،بوصف العدالة في تجلياتها الفلسفية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، تعتبر حجر الزاوية في بلورة أي منوال تنمية جديد سياسي ـ اقتصادي ـ اجتماعي، يرتبط بواقع ومستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع، وبينه وبين المجتمعات الأخرى. فإذا استمرت حكومة الوحدة الوطنية في انتهاج نفس الخيارات الاقتصادية و الاجتماعية، أي تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي الهيكلي الموصى بها من جانب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ،بموجب (تسوية واشنطن) وجوهرها الإندماج في العولمة الليبرالية الاقتصادية الجديدة، التي فشلت أيضاً في تحقيق الإصلاح الاقتصادي المنشود في العديد من بلدان العالم ، فإن تونس لم تحصد من الليبرالية الجديدة المعولمة سوى البطالة والفقر والفساد مما هدّد، ويهدّد، السلم الاجتماعي الذي كان البؤرة (إلى جانب عوامل أخرى) التي ولدّت حركات الاحتجاج التي اجتاحت البلاد في نهاية 2010 وتوجت بثورة 14 يناير 2011،منذ أكثر من خمس سنوات، ولاتزال الاحتجاجات مستمرة . إن حكومة الوحدة الوطنية القادرة على إنقاذ تونس من الكارثة و الإفلاس المالي، هي تلك الحكومة التي تتبنى خيارًا اقتصاديًا جديدًا مناسباً، لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، وهو الذي يعيد الاعتبار للدولة التنموية، ويجمع بين آليات السوق وتدخل الدولة في تكامل وتناسق يؤمنه نظام سياسي ديمقراطي يقوم على الحرية واحترام حقوق الإنسان، ويضمن تحقيق العدالة الاجتماعية ،والنمو الاقتصادي ،وتحسين مستوى المعيشة للسكان، ويدعم الإنتاج الصناعي والزراعي ،ويشجع التصدير، ويهتم بالتعليم والبحث العلمي ونقل التكنولوجيا وتوطينها ،وبناء اقتصاد قوي وتنافسي وبناء علاقات تعاون وتعامل مع الخارج، انطلاقاً من مراعاة المصالح الوطنية، لا من خلال التفريط في السيادة الوطنية كماهو سائد الآن في تونس.

410

| 17 يونيو 2016

خلفيات دعوة حكومة وحدة وطنية في تونس

تمثل دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مساء الخميس 2يونيو2016 في حوار على القناة الوطنية الأولى لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تضم الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف، وأحزاب الائتلاف وتكون منفتحة على مستقلين، إقرارًا صريحًا بفشل حكومة الحبيب الصيد، التي كانت مدعومة من الائتلاف الرباعي الحاكم (أحزب: «نداء تونس»، و«النهضة »الإسلامي، والاتحاد الوطني الحر، وآفاق تونس)، في معالجة معضلات الشعب التونسي وانتظاراته، حول مكافحة الفساد، وترسيخ الديمقراطية في الواقع المعاش، إضافة إلى حل مشاكل التشغيل والبطالة والتهميش وإيلاء أهمية أكبر للشباب والصحة والتعليم. فقد بدا واضحا أن حكومة حبيب الصيد أظهرت فشلًا ذريعًا بعد مرور سنة ونصف تقريبا على عملها، من جراء تمسكها بمنوال تنموي وصل إلى مأزقه المحتوم منذ تفجر الثورة، وعدم اهتمامها بإقامة منوال تنموي جديد قادر أن ينقذ الاقتصاد البارك. وهذا ما جعل العجز يسيطر على المالية العمومية وميزان المدفوعات، لأن الإنتاج التونسي أصبح قليلًا. إضافة إلى كل ذلك، كانت حكومة الحبيب الصيد، ينقصها جانب التواصل مع الشعب، وتفتقد لإرادة سياسية واضحة في تنفيذ بعض برامجها، وللشجاعة عند تنفيذ القانون وهو ما جعلها تُتهم بالضّعف، وقد تجلّى ذلك بالخصوص عند تعطيل الإنتاج وغلق الطرقات والإضرابات غير القانونية في بعض القطاعات الحساسة. كل ذلك جعل الحكومة توصف من عديد الأطراف السياسية وغيرها بالفاشلة، ولم تشفع لها صعوبة الوضع العام في تفادي اتهامها من الأطراف السياسية والمجتمع المدني بالتقصير والفشل، قبل أن يؤكد رئيس الجمهورية ذلك في كلمته الأخيرة من خلال الدعوة إلى حكومة وحدة وطنية بدلا عنها. المشاهد السياسي في تونس، يلمس بوضوح أن دعوة رئيس الجمهورية دعوة جميع الأطراف على المشاركة في حكومة وحدة وطنية، تعني فيما تعنيه تحميل مسؤولية الفشل لأكبر عدد ممكن من الأطراف وذلك سواء قبلت المشاركة في الحكومة القادمة أو رفضت ذلك لأنّ الرفض في حد ذاته سينظر إليه في هذه الحالة على أنه هروب من تحمل المسؤولية... مسؤولية إنقاذ البلاد أو بالأحرى إنقاذ الحكومة الحالية التي اكتشف رئيس الجمهورية فجأة أنها حكومة رباعية الفشل وليست رباعية الدفع وإن لم يفصح عن ذلك مباشرة.. وكان رئيس الجمهورية تعمد تقديم معطيات دقيقة حول الوضع الاقتصادي، لاسيَّما حول تراجع مداخيل الدولة بسبب تدني مداخيل القطاع السياحي في ظلّ الانخفاض الحادّ في مداخيله، تحديدًا بعد عمليتي باردو وسوسة الإرهابيتين العام الماضي، ولكن أيضا بسبب نقص موارد الدولة من مداخيل الفوسفات التي تُقدّر بخمسة مليارات دينار (2.5مليار دولار)، إذ تراجعت الكميات المصدرة منه في ظل تعطل الإنتاج في الحوض المنجمي، وأصبح إنتاج الفسفاط اليوم يعادل إنتاج تونس من نفس المادة لسنة 1928، كما تراجع إنتاج البترول والغاز، الذي كان يغطي حوالي 93 في المائة من الحاجات الوطنية، وأن اعتصام قرقنة يعطل 12 بالمائة من إنتاج تونس من الغاز في شركة تملك تونس 55 بالمائة من رأسمالها، إذ بلغت الخسائر 1.7 مليار دينار (792 مليون دولار). وكشف السبسي أن كلفة مقاومة الإرهاب تقدّر بثمانية مليارات دينار (4مليارات دولار)، كما أنّ الوضع في ليبيا يكلّف تونس خسائر تقدّر بأربعة مليارات دينار (2مليار دولار). لهذه الأسباب مجتمعة، طرح الرئيس التونسي تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد خيبة الأمل الكبيرة التي يعيشها الشعب التونسي في هذا الطور التاريخي، من أجل إخراج البلاد من الأزمة العميقة التي تعاني منها. وترى أحزاب المعارضة أن أسباب هذه الأزمة، تتمثل في أسلوب الحكم القائم على المحاصصة الحزبية، والذي أدى إلى صراعات داخل الائتلاف وداخل أحزاب الائتلاف نفسها، ما أدى إلى تعطيل مصالح البلاد. وترفض أحزاب المعارضة توزيع الفشل على الجميع، لأنها ترى أن من فشل هو الائتلاف الرباعي الحاكم، وعلى من فشل أن يتحمل المسؤولية، وعلى هذا الأساس تعالج الأزمة. إن دعوة رئيس الجمهورية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تعتبر خطوة سياسية ذكية، لأنها استهدفت تقاسم أعباء تحمل الأزمة على الجميع، لاسيَّما حين اعتبرت من شروطها الرئيسية انضمام الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف أهم قوتين اجتماعيتين وطنيتين اليوم في البلاد، أسهمتا في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، و نالتا سمعة جيدة على الصعيد العالمي من خلال حصولهما على جائزة نوبل للسلام لسنة 2015، لضمان التهدئة أو الهدنة الاجتماعية التي طالبت بها جميع الحكومات المتعاقبة بعد الثورة دون أن تتحقق في ظل إصرار المنظمة الشغيلة على وضع شروط للهدنة الاجتماعية، وفي مقدمتها تقاسم التضحيات بين الجميع. إن القضية الرئيسية في تونس ليست في إعادة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، أو في تغيير رئيس الحكومة، بل في بلورة منوال جديد للتنمية، يستجيب لطموحات وانتظارات الشعب التونسي.

484

| 10 يونيو 2016

الفساد يعوق الديمقراطية الناشئة في تونس

من المعوقات الرئيسة التي تقف في وجه تطور الديمقراطية الناشئة في تونس، وبالتالي في وجه التغيير المنشود الراديكالي الذي كان شعارًا وزيا للثورة التونسية لكي تحقق أهدافها الإستراتيجية، هي ظاهرة الفساد التي تنخر في المؤسسات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية التونسية، وضربت مقومات الدولة ومرافقها، وعوّقت ولا تزال حركة التغيير وإعادة بناء الدولة الوطنية على أسس ديمقراطية سليمة. لقد أضحت ظاهرة الفساد الإداري والمالي منتشرة بصورة واسعة عميقة في عهد حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته وأصهاره، الذي ورّط أجهزة الدولة في الفساد، لكن هذه الظاهرة اتخذت أبعادًا واسعة في زمن الثورة، حيث اغتنمت لوبيات الفساد المالي والتهريب، والتهرب الجبائي، فرصة هشاشة الأوضاع وضعف أجهزة الدولة، وكذلك ترنح المسار الثوري، وعدم احترام القانون، أي مع عدم وجود دولة قانون، لتؤسس ما سمي بـ«الدولة الخفية» الفاسدة المتناقضة مع الشرعية، وهي منظومة يصعب تفكيكها، من دون إعادة الاعتبار لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية، دولة الحق والقانون، واستقلال المؤسسة القضائية. واليوم وفي ظل الحكومة المنتخبة منذ نهاية سنة 2014، والتي تنادي بسياسات الانفتاح الاقتصادي في نطاق الارتباط بنظام العولمة الليبرالية، القائمة على تصاعد حرية حركة الأموال ونشاط غسيل الأموال والجريمة المنظمة وتشديد الرقابة على الحدود الدولية لمنع الهجرة وما إلى ذلك، ينتشر الفساد المالي والإداري بجميع أشكاله في جميع مفاصل الدولة والمجتمع، في ظل غياب تطبيق الديمقراطية، إن لم نقل غيابها، وهذا ما تجلى في الانتخابات الأخيرة التي سيطر عليها المال السياسي، بحيث لم تؤمن تمثيلا ً صحيحًا لشتى فئات الشعب التونسي، بما يُخرِجُ مجلسًا نيابيًا يمثل مصالح الإرادة الشعبية، وتطلعات الشعب التونسي، وأمانيه في تحقيق الأهداف الإستراتيجية لثورته، التي ربطت بين أمرين: لا يمكن القضاء على الفساد من دون القضاء على الاستبداد، لأنهما متلازمان. ظاهرة الفساد منذ أن تشكلت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بقيادة الأستاذ شوقي الطبيب، تحولت إلى قضية رأي عام، لاسيَّما في ظل التشكيك المتنامي في مصداقية مجلس النواب للاضطلاع بدوره المطلوب منه على مستوى التشريع أو على مستوى الرقابة على أعمال الحكومة الحالية، التي باتت عاجزة عن محاربة ظاهرة الفساد، لأنها لا تسهر على مصالح المواطنين، ولا تهتم بمتطلباتهم وحاجاتهم، بل تسخر الحكم لمصالح الطبقة الرأسمالية الطفيلية، وأصحاب رجال الأعمال الفاسدين، الذين عادوا من جديد بعد انتخابات خريف 2014، لكي يسيطروا على أجهزة الدولة والإعلام العمومي والخاص. وتتفاقم ظاهرة الفساد أكثر، عندما لا تمارس السلطة الثالثة، أي السلطة القضائية دورها في إحقاق الحق، وفي حماية حقوق الشعب التونسي، وهذا ما يجعل للفساد تأثيرا مدمرا على حكم القانون ولاسيَّما إذا ما طال القضاء. تكاثرت في الآونة الأخيرة البحوث في الفساد ولاسيَّما من قبل خبراء الاقتصاد والقانون وعلم الاجتماع، فتركزت بحوث الاقتصاديين في معظمها على العلاقة بين الاستثمار والتنمية الاقتصادية من جهة ونوعية المؤسسات الحكومية من جهة أخرى، ونستنتج أن ضعف المؤسسات العامة الذي هو أحد أهم أسباب الفساد يؤدي إلى انخفاض في الاستثمار، وبالتالي إلى إبطاء عجلة التنمية الاقتصادية. فالتنمية المستدامة مقترنة بتوافر الديمقراطية، بوصفها وسيلة لردع الفاسدين، وباعتبارها تعبر عن مشاركة فعلية في الحكم للشرائح الشعبية كافة في المجتمع. وهذا ما ليس قائمًا في تونس. هناك 89 في المائة من التونسيين حسب إحصاء جمعية المراقبين العموميين، يرون أن استشراء ظاهرة الفساد والرشوة راجع إلى «غياب الإرادة السياسية» من جانب مؤسسات الدولة التونسية المنتخبة في محاربة الفساد، الذي تحول إلى «ثقافة» منتشرة وأسلوب تعامل عادي وطريقة لتسهيل الإجراءات الإدارية في تونس. وهذا ما يؤكده المسح السنوي حول مناخ الأعمال وتنافسية المؤسسة الصادر في 23 فبراير 2016 عن المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية، والذي غطى 1200 مؤسسة خاصة من كامل تونس، أن ثلث المؤسسات أصبحت مجبرة على دفع رشاوي إلى الإدارة التونسية لتسهيل التواصل والخدمات، وأن 32 في المائة من هذه المؤسسات تعتقد أن الجمارق التونسية تعتبر من أكثر الإدارات التونسية فسادًا، وهي أرقام مفزعة تعكس حجم تغلغل ظاهرة الرشوة والتجاوزات المالية في صلب الإدارة التونسية. ويشكل التهرب الضريبي في انخفاض الإيرادات العامة للدولة التونسية، وثمة عوامل قائمة أدت إلى توسيع درجة اختراق الفساد للنظام الضريبي وتعميقه. فتونس لا تتمتع بمصادر «ريعية» متمثلة في عوائد صادرات النفط والغاز، وكذلك مواد أولية ومعدنية أخرى غالبا، لهذا السبب تصبح الضرائب تشكل أهم مصدر تمويل ميزانياتها العامة. نزيف من المداخيل الخيالية تُحْرَمُ منها الدولة وتُؤَثِرُ بشكل بالغ في مجهود التنمية وتُؤَخِرُ عجلة النمو. وعوضا عن البحث عن حلول هيكلية معمقة لوقف التهرب الضريبي وتحقيق العدالة الجبائية المنشودة..لم تجد الحكومات المتعاقبة بعد الثورة من حرج لتمويل الميزانية السنوية للدولة في مزيد الضغط على الأجراء وأصحاب الدخل الضعيف والمتوسط من خلال الترفيع في نسبة الأداء على الدخل أو تنويع الأداءات والضرائب على الأفراد..ورغم وعود رئيس الحكومة الحبيب الصيد بوضع خطة لمقاومة التهرب الجبائي والقيام بإصلاحات تشريعية وقانونية لإصلاح الجباية المحلية، فإنه لا توجد لحد الآن أي بوادر عمليّة من أجل محاربة التهرب الضريبي وإرساء منظومة جديدة تضمن العدالة الجبائية.

1488

| 03 يونيو 2016

نحو إعادة تأسيس حركة النهضة

طوت حركة النهضة من خلال المؤتمر العاشر الذي اختتمت أعماله يوم الأحد 22مايو الجاري، مرحلة طويلة من تاريخها العقائدي والسياسي، بكل ما تضمنته من أخطاء وسوء تقدير وخيارات غير صائبة وتراجعات تكتيكية فرضها عليها الواقع التونسي، وتجارب أخرى للإسلام السياسي، وكذلك تغيرات طرأت في الواقع الدولي. فقد أقرت «حركة النهضة» الإسلامية في تونس، من خلال مؤتمرها العاشــر الأخير، الفصل بين السياسي والدعوي، بوصفه حصيلة لتوافقات داخلية بين التيارات الرئيسية التي تتكوّن منها الحركة، وذلك بعد جدل استمر أشهرًا حول هذه المسألة، بهدف التأقلم مع التطــورات الجارية في هذا البلد الذي كان المفجر الرئيس لما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربي»، إذ لا تزال تونس بمنأى عن النزاعات الدامية التي ضربت بقية دول «الربيع العربي». علمًا بأن دخول حركة النهضة في مرحلة جديدة قوامها الفصل النهائي مع العمل الدعوي، والتفرّغ للعمل السياسي، سيكون له تداعيات مستقبلًا في هيكلية الحزب ووزنه ومرجعيته وعلاقاته بالتيارات الإسلامية الأخرى في الدول العربية. انتهى المؤتمر العاشر لحركة النهضة، الذي انتخب فيه الشيخ راشد الغنوشي بحوالي 800 صوتًا، وبرئاسة الحركة للسنوات القادمة، في حين لم يحصل منافساه على الرئاسة، فتحي العيادي رئيس مجلس شورى الحركة إلا على 229 صوتا في ما حلّ محمّد العكروت في المرتبة الثالة بـ29 صوتا، بمعنى 258 صوتا غرّدت خارج «سرب الغنوشي»، فكيف ستتعامل هذه «الأصوات» الموجودة «خارج الصفّ» مع الشيخ راشد الغنوشي، فهل ستقبل بقواعد اللعبة أم أن أصواتها سترتفع أكثر مع كل أزمة محتملة استعدادا لمرحلة ما بعد الغنوشي منذ الآن؟ حركة النهضة دخلت في مرحلة جديدة لم تتضح بعد ملامحها، إن إعلان حركة النهضة الفصل بين الدعوي والسياسي، لا يعني أنها تخلت عن مرجعيتها الدينية، وفق ما أعلنه راشد الغنوشي في حواره الأخير لجريدة «الشروق» بالقول إن الدستور لا يمنع ذلك عندما نص على أن الإسلام هو دين تونس. والمقصود بالمرجعية الدينية حسب الغنوشي هو «المحافظة» أي أن النهضة ستكون حزبًا محافظًا يتمسك بالقيم وبثوابت الدين ويجعل من النهضة شبيهة بالأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا التي تحافظ على القيم المسيحية مثل التسامح والأخلاق والعدالة الاجتماعية والقيم الإنسانية النبيلة، وتعمل تحت سقف قيم الجمهورية العلمانية، على غرار الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني والأحزاب الديمقراطية بالدول الاسكندنافية، وتجمع بين الليبرالية الاقتصادية والبعد الاجتماعي والعدالة، وتولي الجانب الأخلاقي أهمية كبرى في الممارسة السياسية. فهل حركة النهضة ستتمثل نهج الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا؟ لا شك أن النهضة ستُعلن تمسكها بالليبرالية الاقتصادية، لكنها تؤكد دوما على أنها ليبرالية أخلاقية أيضا أي تلك التي «تستثمر في المال الحلال وتنفقه في الحلال أيضًا» على حد ّقول الغنوشي، الذي يضيف أيضًا أن أفضل إنفاق يكون عبر الاستثمار لفائدة المناطق الفقيرة ومن أجل توفير مواطن الشغل. لقد شهدت حركة النهضة تحولات عديدة في مسيرتها التاريخية منذ بداية السبعينيات وليومنا هذا، من حركة عقائدية تخوض معركة من أجل الهوية إلى حركة احتجاجية شاملة في مواجهة نظام شمولي دكتاتوري، إلى حزب مدني تونسي متفرغ للعمل السياسي بمرجعية وطنية تنهل من قيم الإسلام. يبقى على حركة النهضة أن تقيم البرهان في مواجهة خصومها، والمشككين بتوجهاتها الجديدة، على أنَها أصبحت حِزبا مدنيًّا تونِسيًّا قلبًا وقالبًا وَلاؤُهُ لتونسَ وحْدَها، وعلى أنّ الإسلامَ لا يتناقضُ مع الدّيمقراطيّةِ، وهذا هو المعيار الحقيقي الذي يؤكد إعادة تأسيس حركة النهضة وفق مقتضيات الحداثة.

341

| 27 مايو 2016

البعد الاقتصادي لزيارة الرئيس التونسي لقطر

جاءت الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى الدوحة، والتي استغرقت ثلاثة أيام، بداية من يوم الثلاثاء 16مايو ولغاية الخميس 19 مايو الجاري، تلبية لدعوة من حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في إطار تمتين العلاقات الثنائية التونسية - القطرية في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية. كما أنها أتت في إطار تصور جديد لعلاقات تونس مع دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، ومع دولة قطر بشكل خاص. وكان وزير الشؤون الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، وصف الزيارة بـ«التاريخية»، مؤكدًا أن دولة قطر كانت من أولى الدول الداعمة للثورة التونسية، و«لها مكانة خاصة لدى تونس، حيث أسهمت بشكل كبير في دعم مسار التنمية وعملية الانتقال الديمقراطي، ومواجهة الإرهاب، التي تتطلب إمكانات كبيرة، إذ لا يمكن أن تجابهه دولة بمفردها»، مثنيا على ما تقدمه قطر لتونس «في سبيل مجابهة التحدي الكبير، ألا وهو البطالة، حيث يقدر عدد العاطلين من العمل في تونس بأكثر من 600 ألف عاطل، من بينهم 242 ألفا من حاملي الشهادات العليا، وذلك من خلال مشاريع الاستثمار المتنوعة التي أحدثتها في تونس بعد الثورة». وأثنى سعادة سفير دولة قطر بتونس السيد عبدالله بن ناصر الحميدي على تطور العلاقات التونسية القطرية، إذ ترتبط دولة قطر بعلاقات وثيقة ومتميزة مع تونس في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية، والتي انطلقت حتى قبل سنة 1974 تاريخ إنشاء أول سفارة لدولة قطر بتونس. فالعلاقات بين تونس ودولة قطر هي علاقات عريقة جذورها ثابتة ترعاها أخوة متجذرة بين الشعبين على كل المستويات وتشمل كافة المجالات وما يمتنها أكثر فأكثر هو توافر إرادة فعلية لدى القيادتين القطرية والتونسية على مزيد دعمها بما يكفل لها تحقيق الأهداف المشتركة المنشودة سواء على الصعيد الاقتصادي أو الثقافي أو السياسي. وتحظى الشراكة الاقتصادية بين تونس وقطر بأهمية كبيرة، لاسيَّما أن قطر تُعَدُّ المستثمر الثاني عالميًا في تونس بحجم استثمارات بلغ 2.1 مليار دينار، أي ما يعادل مليار دولار عام 2014، كما توفر المشاريع القطرية في تونس قرابة 900 موطن عمل. وهنالك سعي لتمتينها أكثر بعد أن افتتحت الوكالة التونسية للنهوض بالاستثمار الخارجي مكتبا لها في دولة قطر كنقطة اتصال لجذب المستثمرين القطريين إلى تونس. كما أن قطر بصدد تنفيذ أكثر من مشروع في تونس منها منتجع تـوزر الصحراوي باستثمارات تناهز 80 مليون دولار، وبناء ميناء ترفيهي «مارينا» في مدينة المهدية، ومشروع استثماري بسبخة «بن غياضة» بالمهدية، وتحويل محطة القطارات في مدينة سوسة إلى مدينة ترفيهية متكاملة باستثمارات تقدّر بنحو مليار دولار، ومشروع لتكرير زيوت المحركات في تونس باستثمارات بنحو 20 مليون دولار. ومن دون نسيان الدور الكبير الذي يلعبه صندوق الصداقة القطري في تمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة، وقد حقق الصندوق نجاحات كبيرة في تأهيل الشبان التونسيين الراغبين في بعث مشاريع خاصة حيث خلق خمسة آلاف فرصة عمل مباشرة و14 ألف فرصة بشكل غير مباشر، كما أن تمويلاته مكنت من إنشاء ألف شركة جديدة. فقد بلغ مجمل استثمارات الصندوق منذ إنشائه قبل قرابة الثلاث سنوات نحو 80 مليون دولار، وهو يطمح إلى تحقيق خمسين ألف فرصة عمل جديدة. ولقطر مشاريع وشراكات أخرى عديدة في مجالات الفلاحة والاتصالات والسياحة وغيرها. كما أن اليد العاملة التونسية محل تبجيل في قطر وهي حاليا تقارب 20 ألف شخص وهنالك رغبة قوية لدى أمير قطر لإيصالها إلى 35 ألف شخص. ويجمع الخبراء أن زيارة الرئيس التونسي اكتست طابعًا اقتصاديًا، لاسيَّما أن الباجي قائد السبسي كان مرفوقًا بوفد كبير من رجال الأعمال التونسيين، وجمعته لقاءات مع غرفة الأعمال القطرية.و يشار في هذا السياق إلى أن التبادل التجاري بين البلدين شهد ارتفاعا ملحوظا، إذ حققت الثلاثة الأشهر الأولى من سنة 2016ما يوازي 70% من حجم التبادل خلال سنة 2015 بأكملها. وتمثل الاسمنت، ومواد البناء، والأدوات الكهربائية، أبرز الصادرات التونسية إلى قطر، فيما تصدر قطر مواد بترولية أولية إلى تونس. وتمثل زيارة الباجي إلى قطر، خطوة مهمة في تطوير العلاقات بين تونس والدوحة، في مختلف المجالات.

334

| 20 مايو 2016

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4536

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3387

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1350

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1197

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1095

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

843

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

735

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

669

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

627

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...

612

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية