رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في كل أزمة تمر بها البلاد منذ سقوط النظام الديكتاتوري السابق ولغاية الأزمة الحادة الحالية التي تعيشها تونس، وأجبرت رئيس الجمهورية على طرح مبادرته المتعلقة بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حيث حدّد موعد تشكيلها خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو الجاري، تدخل تونس في بازار مفتوح لتشكيل هذه الحكومة العتيدة من خلال ما يسمى بالحوار الوطني داخل الطبقة السياسية الحاكمة.
بيد أن المتابع الدقيق للتجربة التونسية فيما يتعلق بتشكيل الحكومات، يكتشف أن هناك أطرافًا أخرى هي التي تساهم في عملية تشكيل هذه الحكومة أو تلك. فعندما دخلت البلاد التونسية في أزمة قوية عقب موجة الاغتيالات السياسية في سنة 2013، ومطالبة مكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية برحيل حكومة الترويكا، عرفت تونس حوارًا وطنيًا بين الحكومة والمعارضة بقيادة الرباعي الراعي للحوار الوطني لإيجاد حلّ توافقي بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، لكن ما راعنا في نهاية 2013، أن صحيفة «لوموند» الفرنسية كشفت في عددها الصادر يوم الاثنين16 ديسمبر 2013، أن دولا غربية ضغطت من أجل ترشيح وزير الصناعة في حكومة العريض مهدي جمعة رئيسا للحكومة القادمة. ونقلت لوموند أن سفير الولايات المتحدة الأمريكية وسفراء من دول الاتحاد الأوروبي التقوا في بداية شهر ديسمبر 2013 من أجل مساندة ترشيح مهدي جمعة لرئاسة الحكومة الذي لم يكن مرشحا على طاولة الحوار الوطني لا من الشق الحكومي ولا من شق المعارضة كما تشير الصحيفة الفرنسية إلى أن سفراء دول غربية عبروا عن انشغالهم بطول المشاورات في صلب الحوار الوطني دون الوصول إلى نتيجة وهو ما عبر عنه خاصة وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس يوم 5 ديسمبر 2013 عندما دعا للإسراع في مشاورات الحوار الوطني من أجل تركيز حكومة جديدة.
السيناريو عينه يتكرر اليوم في هذه الأزمة الحالية، إذ إن من يقرر تشكيل الحكومة ليست الأطراف المشاركة في الحوار الوطني الذي ترعاه رئاسة الجمهورية مع عدد من الأحزاب السياسية الموجودة في الائتلاف الرباعي الحاكم، وفي المعارضة أيضا، وإنما هناك لفيف من التونسيين الذين احترفوا السمسرة في بازار السياسة، وانجذبوا إلى النمط الأوروبي - الأمريكي، وأصبحوا معجبين بإفرازاته الفكرية والثقافية إلى درجة الارتهان والذوبان في خدمة المشروع الغربي، بات يشكل «زبائنية تشكيل الحكومات»، من خلال إبراز السير الذاتية لعدد من الكوادر التونسية التي درست في الجامعات الغربية، وترشيحها لكي تتبوأ مراكز رئيسة في أجهزة الدولة التونسية، بدءا من رئيس الحكومة ومرورا بالوزراء، وكتاب الدولة، والسفراء وغيرهم.
وترتبط هذه الفئة الانتهازية من محترفي صنع سياسة النخاسة في صالونات المناطق الراقية من تونس العاصمة، بالأجهزة الأمنية المتنفذة في الدولة العميقة، وبلوبيات الفساد ورجال الأعمال المتنفذين، وبسفارات دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الإقليمية، إضافة إلى أنها تخترق معظم الأحزاب التونسية سواء منها الحاكمة أم في المعارضة، و باتت هي التي ترسم الملامح العامة للمشهد السياسي التونسي، وبالتالي تشكيل المجتمع السياسي التونسي، وفق ما تتطلبه استراتيجية وأهداف لوبيات الفساد ورجال الأعمال، وكذلك مصالح الشركاء الغربيين لتونس، والمؤسسات الدولية المانحة، من أجل السيطرة على مقدّرات الدولة التونسية، والتحكم في خياراتها الوطنية، الأمر الذي يقود إلى فقدان تونس لسيادتها الوطنية.
فهذه الفئة من النخب التونسية لم تنتح علما للسياسة أو معرفة بل شاء لها أن تبقى ذات طبيعة محترفة للسمسرة، وتبرز وتتفرد بالتحكم في المشهد السياسي الوطني العام من خلف الستار، عبر مسكها بمقدرات مالية فكرية قضائية – عسكرية - صناعية - نقابية - جمعياتية – إعلامية …إنها تقوم بدور حكومة الظل غير المرئية للعامة من التونسيين. وقد ولدت هذه الفئة منذ أن كان الاستعمار الفرنسي جاثما على أرض تونس، ومع نشوء دولة الاستقلال التي كانت تعتمد تاريخيا على الكوادر المتخرجة من المدارس والجامعات الغربية، ولاسيَّما من المدرسة القومية للإدارة في فرنسا، وبقية المدارس العليا في المجال الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي في كل من بلدان أوروبا وأمريكا.
ورغم إقرار الجميع سلطة ومعارضة بثقل الأزمة التي تعيشها تونس، مع وجود اختلافات بين الأحزاب والمنظمات الوطنية حول تشخيص الأزمة التونسية وحلولها المثلى، فإنه لغاية الآن لم يتم الاتفاق على اسم رئيس الحكومة المنتظر. ويتميز الاتحاد العام التونسي للشغل برؤيته بشأن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، والتي يجب أن تعمل على تحسين نسبة النمو المبرمجة في ميزانية 2016، وضبط إستراتيجيات عاجلة بخصوص القطاعات الحيوية الأربعة وهي: قطاع الفسفاط وقطاع السياحة والطاقة والنفط والفلاحة حسب مقاربة وفاقية وتشاركية مع الأطراف الاجتماعية. ويدعو الاتحاد في رؤيته إلى تفعيل مشروع الإصلاح الجبائي الذي وقع الاتفاق عليه مبدئيا في إطار الاستشارة الوطنية حول الجباية وتحميل الأطراف المعطلة لمسؤوليتها. ويطالب الاتحاد في إطار رؤيته بإحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي وتفعيل عمل اللجان في صلبه. وتتناقض هذه الرؤية مع منظمة رجال الأعمال وحزب آفاق الليبرالي.
أما الجبهة الشعبية التي تتزعم المعارضة في البلاد بنحو 15 نائبا في البرلمان، فإنها لن تشارك في حكومة الوحدة الوطنية لعدة أسباب من أهمها أن برنامجها لا يستجيب لمتطلبات المرحلة ولا يساهم في حل الأزمة التي تعيشها البلاد. وتؤكد الجبهة أن من بين الأسباب التي جعلتها لا تشارك في بلورة الحكومة هي الإملاءات الخارجية على تونس خاصة صندوق النقد الدولي من خلال خوصصة عدد من مؤسسات الدولة وهذا يمثل خطرا على الطبقات والفئات الشعبية الكادحة.
تونس تحتاج إلى عقد اجتماعي جديد أساسه التحرّر من التبعية للمؤسسات الدولية المانحة ولشركاء تونس من الدول الغربية، لأن التبعية قادت إلى تعطيل الإرادة الوطنية للدولة التونسية وفقدانها السيطرة على شروط إعادة بنائها من جديد بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق. فسياسات الحكومات التونسية المتعاقبة منذ 2011 ولغاية الآن، توضع انطلاقا من تلبية شروط المؤسسات الدولية المانحة، وليس انطلاقًا من تحقيق انتظارات الشعب التونسي، كما أن السياسات ترسم في ضوء تكريس الاعتماد على المعونات المالية والتكنولجية الغربية، لا اعتمادًا على تعبئة الموارد المحلية والادخار الوطني. وبالتالي فإن سياسات حكومة الوحدة الوطنية المقبلة، لا تطرح موضوع فك الأواصر مع نهج التبعية، من أجل وضع تونس على طريق التنمية الحقيقية، وإنما بهدف إيقاع البلاد في دائرة التبعية للمراكز الرأسمالية الغربية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6735
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6357
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3405
| 12 أكتوبر 2025