رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

حزب السلطة يتحول إلى عبء على تونس

بعد مرور سنتين من الفوزالتاريخي الذي حققه «حزب نداء تونس» في الانتخابات التشريعية التي جرت في 26أكتوبر 2016، و من مراهنة الطبقة المتوسطة على قيادة هذا الحزب البلاد نحو إعادة بناء الجمهورية الثانية ، والدولة الوطنية المدنية القائمة على المؤسسات ،و المدافعة عن نموذج المجتمع التونسي الوسطي و الليبرالي و المنفتح على الحداثة بكل منطوياتها الفكرية و السياسية و الثقافية، تبين لعموم الشعب التونسي أن هذا الحزب الذي أسسه الرئيس الباجي قائد السبسي في شهر يونيو 2012 لمقارعة الإسلاميين ، مستلهما صورة الكاريزما البورقيبية ،وطارحًا نفسه على أنه حامل لمشروع الدولة الوطنية المدنية، و إعادة هيبة الدولة التونسية،و إعادة الروح إلى تونس العلمانية التي راهنت على هيبة الدولة لقيادة تعليم عصري ، مثلما راهنت على حرية المرأة كرافعة حقيقية لراية الحداثة ضد حركات الإسلام السياسي ،تبين بالملموس بعد تجربة سنتين من الحكم في ظل الديمقراطية الدائمة، أنه مجرد وعاء فارغ و طبل أجوف. فقد عاش حزب نداء تونس،سلسلة كاملة من الأزمات، قادته إلى الانقسام إلى حزبين ، وكتلته النيابية إلى كتلتين، ويشهد هذه الأيام بوادر انشقاق جديدة، قد تنهي قصة هذا الحزب، في فترة عامين من الزمن، لعلها أسرع فترة صعود وسقوط يشهدها حزب في العالم، مع أحاديث مؤكدة عن عزم السبسي تأسيس حزب جديد استعداداً للمنافسة المقبلة مع «النهضة»، أي العودة إلى ما قبل انتخابات 2014. أما لماذا تحول حزب «نداء تونس » إلى عبء حقيقي على الدولة التونسية،فمرده إلى الأسباب التالية: أولاً:لم تكن ولادة «حزب نداء تونس » ولادة طبيعية، فالذي أسهم في تأسيسه هو الباجي قائد السبسي. ثانيًا:إن معظم قيادات حزب«نداء تونس» التي وصلت إلى قبة البرلمان بفضل المال السياسي الفاسد،لا تجمع بينها سوى شراهة الحكم ،ونهم الاستحواذ على مواقع القرار . ثالثا:إن حزب «نداء تونس» بكل قياداته،لا يمتلك زعامات سياسية تاريخية وبمواصفات فكرية و ثقافية و نضالية، فهو خليط من بقايا «الحزب الحاكم سابقاوالمنحل» ،ومجموعة أخرى من اليساريين و النقابيين ،الذين يبحثون عن التموقع في صلب مؤسسات الدولة بصورة انتهازية.

437

| 28 أكتوبر 2016

الحكومة التونسية والعدالة في التضحية

يعترف القاصي والداني في تونس أن مشروع قانون المالية لسنة 2017، الذي صادقت عليه حكومة يوسف الشاهد يوم 14 أكتوبر الجاري، كان ببصمة صندوق النقد الدولي، الذي أصبح يتحكم في خيارات تونس المالية، ويفرض عليها شروطا مؤلمة، بسبب الوضعية المالية المتدهورة في البلاد. وقد أطلق مشروع قانون المالية جدلًا داخليًا في تونس، لا يزال قائما بين الاتحاد العام التونسي للشغل وعدد من المنظمات المهنية حول مفهوم تقاسم التضحيات لتأمين موارد إضافية لميزانية الدولة.حكومة الشاهد أكدت على لسان ناطقها الرسمي أنها استجابت إلى «حزمة مطالب نقابية واجتماعية وجبائية»، كما التزمت بعدم رفع الدعم عن المواد الأساسية في خطوة للحفاظ على المقدرة الشرائية للطبقات الضعيفة والمتوسطة، كما أكدت التزامها بتخفيض مدة تجميد الأجور من 3 سنوات (وهو ما التزمت به تجاه صندوق النقد الدولي) إلى سنة واحدة شرط تحقيق نسبة نمو بـ3 بالمائة في سنة 2017.تونس اليوم غارقة في حزمة من الأزمات المالية والاقتصادية، ولكن حين تطرح الحلول الوطنية الممكنة والواقعية تتجاهلها الحكومات المتعاقبة ما بعد سقوط النظام السابق، ولم تشكل حكومة الشاهد استثناء في ذلك، بل أكدت مرّة أخرى أنها امتداد لنفس الفشل في حكومة الصيد، من خلال لجوئها إلى صندوق النقد الدولي للتداين، ومن خلال أيضًا إقرارها مشروع قانون المالية، الذي هو من صنيع صندوق النقد الدولي الذي يعمل وفقا لقاعدة «المال مقابل الطاعة»، والاستجابة لإملاءاته. غير أن الأطراف الوطنية والنقابية الرافضة لهذا التمشي تقول إن الحلول البديلة موجودة من أجل توفير موارد إضافية للميزانية ولتفادي تجميد الأجور والترفيع في الأسعار وفي الضرائب. ومن هذه الحلول أن تفتح حكومة الشاهد ملف مقاومة الفساد، الذي يتطلب منها استعادة القروض المتعثرة التي انتفعت بها فئة معينة من رجال الأعمال. وفي هذا السياق، فضلت الحكومة التونسية صرف مبالغ مالية كبيرة من ميزانية الدولة حوالي 2000 مليار مليم (وهي أموال الشعب) لمساعدة البنوك العمومية على مواصلة نشاطها، وفضلت أيضًا هذا الحل الذي هو مثقل لكاهل المواطنين على الحل السليم والمنطقي المتمثل في استعادة أموال تلك البنوك التي تم صرفها في شكل قروض لفائدة رجال أعمال تونسيين موجودين في تونس الآن، وبالإمكان استرجاع تلك الأموال العمومية منهم، لكن حكومة الشاهد ترفض ذلك الحل، وهو ما يطرح التساؤل عن سبب عزوفها عن مطالبة هؤلاء بإرجاع ما عليهم من ديون من أموال الشعب والمقدرة بنحو 7000 مليار مليم؟ يعد ملف القروض البنكية من أهم ملفات الفساد التي أضرت بمصالح تونس، حيث عمد البعض من رجال الأعمال إلى إفراغ البنوك العمومية من المال، ولكن ليس لفائدتهم الشخصية فحسب، بل لفائدة كبار المسؤولين في الحكومة والإدارة. لكن المثير للجدل في تونس أنه بعد الثورة وقع التكتم على ملف محاربة الفساد من جانب الحكومات المتعاقبة- سواء في عهد حكم الترويكا أو في ظل حكومة الحبيب الصيد- التي لم تكن ساعية فعلا وبصفة جدية للتصدي لماكينة الفساد، وبالتالي لاسترجاع تلك القروض التي صرفت لفائدة رجال أعمال موجودين الآن في تونس. ومن الواضح أن تلك الحكومات المتعاقبة أبرمت اتفاقيات مشبوهة مع رجال الأعمال، وتحصلت على مبالغ مالية هامة لدعم حملاتها الانتخابية وتمويل أعضائها، وبالتالي أصبح من الصعب أن تطالب الحكومات بإرجاع أموال البنوك العمومية بعد أن تبين لهم أن ما تسلموه فسادًا هو جزء من تلك الأموال، ولا يعقل إلزام رجال الأعمال بإرجاع مبالغ القروض بعد أن دفعوا للحكومات والأحزاب جزءا منها.

422

| 21 أكتوبر 2016

مغزى فوز حزب العدالة و التنمية الإسلامي

تصدر حزب »العدالة والتنمية» الذي يترأس الحكومة في المغرب منذ سنة 2011، الانتخابات البرلمانية المغربية، التي جرت يوم الجمعة 7 أكتوبر الجاري ،والتي شارك فيها 24 حزبًا سياسيا وتحالفان حزبيان (التحالف يضمّ حزبين سياسيين أو أكثر)، إذ حصل على 125 مقعداً من أصل 395 مقعداً في مجلس النواب، أي بزيادة 18 مقعداً عما كان في حوزته في المجلس المنتهية ولايته، كما حصل على أكثر من 1.8مليون صوت في الاقتراع، أي بزيادة أكثر من نصف مليون صوت عما حصل عليه في العام 2011 . وجاء حزب «الأصالة و المعاصرة» المقرب من القصر الملكي ، في المرتبة الثانية ،إذا انتقل من 47مقعدًا في الانتخابات التشريعية سنة 2011، إلى 103مقاعد في الانتخابات الأخيرة، مستعملاً المال السياسي ونفوذ السلطة والأعيان وكبار رجال الأعمال الذين وضعهم في مقدمة قوائمه الانتخابية، من أجل الفوز في الانتخابات . رغم أن «الربيع العربي» تحول إلى خريف بحكم تداعياته المختلفة في العديد من البلدان العربية، لا سيما تلك التي تشهد حروبا أهلية وطائفية، فإن المغرب لا يزال يمثل استثناءً في عملية الانتقال الديمقراطي وفق طريقته الخاصة، التي تقوم على المزاوجة بين الإصلاح المتدرج والحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي.فللمرة الثانية تُجْرَى في المغرب انتخابات تشريعية يتم فيها احترام إرادة الناخبين،ويتم فيها أيضًا الالتزام بما جاء في الدستور المعدل في 1يوليو2011، وهذا ما يؤكد للعديد من المراقبين أن الانتخابات الديمقراطية والشفافة أصبحت من الثوابت السياسية للدولة . فبعد فوز حزب العدالة و التنمية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، استقبل العاهل المغربي محمد السادس يوم الإثنين الماضي،زعيم الإسلاميين المعتدلين عبد الإله بنكيران، وعيّنه رئيساً للحكومة لولاية ثانية، تطبيقا لنص الدستور الجديد الذي أكّد على أن الحزب الفائز في الانتخابات هو من يتولى تشكيل الحكومة . لقد شكل هذا الاستحقاق الانتخابي تحولًا للخارطة السياسية المغربية ،التي خرجت من نمط البلقنة السياسية، لتدخل في مرحلة جديدة هي مرحلة الاستقطاب السياسي الثنائي على النمط الغربي ،إذ أصبح للمغرب الآن حزبان سياسيان يتنافسان :الأول ،حزب العدالة و التنمية الإسلامي المعتدل ، الذي صوت له 1.8 مليون مغربي ،رغم الضغوطات التي مورست عليه طيلة المرحلة الماضية من قبل العديد من الأطراف السياسية المعروفة و المقربة من السلطة، ورغم أنه هوالحزب الذي قاد الحكومة السابقة لمدة خمس سنوات، و اتخذ إجراءات تقشفية وغير شعبية، كان يمكن أن تأكل من رصيده الانتخابي، فإنه مع كل ذلك حافظ حزب العدالة و التنمية الإسلامي المعتدل على نهجه التصاعدي في زيادة قوته الانتخابية و توسيع قاعدته الاجتماعية، منذ أن فاز في انتخابات 1996 بنحو 9 مقاعد، مرورا بـ42 مقعدا في ما تلاها، ثم 107 مقاعد في 2011، ووصولاً إلي نتيجته الحالية التي تكرس عبد الإله بنكيران زعيماً للتيار الإسلامي المشارك، وزعيماً سياسياً قادرا على التعبئة من داخل الحكومة نفسها. ورغم تراجع أحزاب الإسلام السياسي في دول «الربيع العربي» ، فإن حزب العدالة و التنمية ،استطاع بنهجه البراجماتي، وتحرره من الطابع الأصولي للإيديولوجيا الدينية، وتميزه بمناهضته التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبمبادراته لمكافحة الفساد في المؤسسات العامة بالمغرب، وضد مظاهر التفسخ الأخلاقي والانحرافات الاجتماعية، أن يدخل اللعبة الديمقراطية وفق القواعد الغربية، التي تقوم على احترام ثقافة التعدد و التنوع في المجتمع، و الانتقال السلمي و الهادىء للسلطة ، ويوظفها لمصلحة زيادة نفوذه داخل المجتمع المغربي، لا سيما استمالته للطبقة المتوسطة في المدن المغربية الكبيرة. فالحواجز التي وُضِعت أمام انتشار الإسلام السياسي في المغرب لم تؤدِّ إلى تراجع نفوذه، بل قد تكون عززت صدقيته أمام الأحزاب العلمانية التي تصنف بأنها قريبة من الحكم ومؤيدة للغرب. أما الحزب الثاني، فهو حزب الأصالة و المعاصرة العلماني و المقرب من السلطة، والذي أصبح متخوفًا من فوز حزب العدالة والتنمية ،لأن هذا الفوز سيسمح له برئاسة الحكومة والبقاء في السلطة لسنوات قادمة،الأمر الذي سيفسح في المجال للحكومة الإسلامية بمراكمة تجربتها وتجذرها السياسي والاجتماعي في المشهد السياسي والسلطوي المغربي.وهذا من دون شك سيؤثر سلبًا على مستقبل حزب الأصالة والمعاصرة، لأنها كفيلة بتغيير الكثير من الأوضاع السياسية والمقولات والمواقف والأشخاص. وفي الوقت الذي كرّست فيه الانتخابات المغربية الاستقطاب الثنائي بين الحزبين الكبيرين ، فإنها بالمقابل أكّدت على التراجع التاريخي للأحزاب الوطنية المغربية التي لعبت أدورا رئيسة في حركة التحرر الوطني من أجل نيل الاستقلال ، حيث حصل الاستقلال المعارض على 40 مقعداً فقط عوض 62 في العام 2011، وكان خارجًا من الحكومة وقتها،وبفارق كبير 63 مقعداً،تفصله عن حزب الأصالة و المعاصرة الذي حل ثانيا بنحو 103 مقاعد، في حين تراجع الاتحاد الاشتراكي المعارض من 40 إلى 20 مقعدا في انتخابات كان معولاً عليها كثيراً. رغم أن المغرب يشهد ولادة ديمقراطية ناشئة، فإن المعضلة لا تزال قائمة، وهي العزوف الانتخابي الكبير المستمر، فنسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة كانت بنحو 43في المائة من عدد المسجلين أي 16 مليونا، في حين أن المغاربية الذين يحق لهم التصويت يبلغ عددهم حوالي 26مليون ناخب، وهو ما يؤكد لنا إذا طبقنا العملية الحسابية على نسبة الذين صوتوا، نجدهم 7ملايين فقط، أي 27 في المائة من أصل ال26مليونا . وهذه نتيجة متدنية جدا،تبين لنا أن هناك مجموعة من الأسباب تشرح لنا عدم اهتمام المغاربة بهذه الانتخابات التشريعية، منها:أولاً: الشعور العام لدى قسم من المغاربة أن هذه الانتخابات لن تغير شيئاً في مجرى حياتهم.وثانياً: أن الأحزاب السياسية لا تعبر عن طموحات المغاربة، وبالتالي هم لا يجدون أنفسهم فيها. وثالثاً: أن نصف سكان المغرب أُمِّيُون. ومع كل ذلك، أضفت الانتخابات المغربية الأخيرة صدقية على الإصلاحات الدستورية ،ومنحت الديمقراطية الناشئة في المغرب صدقية وصورة جيدة في الخارج.

522

| 14 أكتوبر 2016

الانتخابات المغربية في ظل تنافس القطبين

يشهد المغرب اليوم الجمعة 7 أكتوبر الجاري- بعد أول تجربة حكومية يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي- انتخابات تشريعية، حيث يدلي حوالي 16 مليون مغربي بأصواتهم في صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء البرلمان لخمس سنوات مقبلة، ويتنافس أكثر من 30 حزبًا على 395 مقعدًا في البرلمان. غير أن المنافسة الحقيقية تنحصر بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي وحزب الأصالة والمعاصرة الذي يلقب في المغرب باسم «حزب الملك»، ذلك أن مؤسسه فؤاد عالي الهمة هو صديق مقرب للعاهل المغربي محمد السادس، باعتبارهما الحزبين القطبين الرئيسيين في هذه الانتخابات، لكن تخوض الانتخابات أيضًا أحزاب أخرى لها وزن سياسي، مثل حزب الاستقلال (محافظ) والحركة الشعبية (يمين) والتجمع الوطني للأحرار (ليبرالي) والاتحاد الاشتراكي (يسار). ويقود التحالف الحكومي حاليًّا حزب العدالة والتنمية الإسلامي. وتعتبر الانتخابات التشريعية التي تجرى اليوم، هي الثانية منذ إقرار الدستور الجديد في استفتاء شعبي نُظم في 1 يوليو2011. وكان الملك محمد السادس اقترح تعديل الدستور المغربي في 9 مارس2011 في خطوة وصفها المراقبون بأنها حركة استباقية لتفادي الاحتجاجات الشعبية التي شهدها المغرب بعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية في الإطاحة بالنظامين الديكتاتوريين الحاكمين في كل من تونس ومصر. وكان المغرب قد شهد حِرَاكًا كبيرًا قادته حركة 20 فبراير2011 التي رفعت شعار: «إننا نريد ملكًا يسود، لكنه لا يحكم». وانتقدت حركة 20 فبراير التي تضم في صفوفها شباب الخريجين من الجامعات العاطلين عن العمل، بشكل مباشر، المخزن، أي السلطة المغربية، بسبب انتشار الفساد. وفي الانتخابات التشريعية التي جرت في 25 نوفمبر 2011، حصل حزب العدالة والتنمية الإسلامي على 107 مقاعد، مُتقَدِّمًا بمعدل الضعف على منافسه حزب الاستقلال بزعامة رئيس الوزراء السابق عبّاس الفاسي الذي حلّ في المرتبة الثانية. بـ60 مقعدًا، ويليه ثالثًا حزب التجمع الوطني للأحرار صاحب التوجه السياسي الليبرالي بـ52 مقعدًا، فحزب الأصالة والمعاصرة ذو التوجه الاجتماعي الديمقراطي رابعًا، والذي أعلن رسميًا توجهه صوب المعارضة، بـ47 مقعدًا، فحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أكبر حزب يساري في المغرب، خامسًا بـ39 مقعدًا. ويليه سادسًا في الترتيب النهائي لتشريعات نوفمبر في المغرب التي أتت 4 أشهر على تصويت المغاربة بنسبة 73% على الدستور الجديد، حزب الحركة الشعبية الليبرالي الاجتماعي بـ32 مقعدًا، وسابعًا أتى حزب الاتحاد الدستوري اليميني بـ23 مقعدًا، وثامنًا وبـ 18 مقعدًا جاء حزب التقدم والاشتراكية اليساري. لا شك أن هذه الانتخابات التشريعية تميزت عن مثيلاتها السابقة ليس لكونها ثمرة الإصلاح السياسي الديمقراطي في المغرب فحسب، بل لأنها كانت في حد ذاتها حلقة مصيرية في هذا الإصلاح. فالإيجابي عند المغاربة أنهم خرجوا من دوامة الجدل حول صنع الخريطة السياسية، بعد أن خرجوا من أجواء القطيعة والتشنج، لينضموا في مسيرة تطوير وإصلاح المؤسسات الدستورية، ووضع المغرب على سكة ودرب الحداثة والديمقراطية. وبعد أن تحول «الربيع العربي» عن مساره التاريخي بسبب مصادرته من قبل الحركات الإسلامية الجهادية، وفي ظل إخفاق حركات الإسلام السياسي المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي جاءت إلى السلطة في نهاية سنة 2011، وبداية سنة 2012، عن محاربة الفساد المستوطن في البلدان العربية، وتحقيق منوال تنمية جديد يقطع مع علاقات التبعية للغرب، ويلبي انتظارات الكتلة التاريخية المتكونة من الشباب المهمش والعاطل عن العمل، والطبقات الشعبية الفقيرة، والوسطى، وإجهاض أهدافها الحقيقية في التأسيس الديمقراطي للدولة المدنية الحديثة، وتأصيل الثقافة الديمقراطية القائمة على حماية المجتمعات العربية المتنوعة، كل هذه الإخفاقات ستكون لها تداعيات كبيرة على النتائج المرتقبة في الانتخابات التشريعية المغربية الحالية، لاسيَّما أن الحكومة الإسلامية المغربية التي يقودها عبدالإله بنكيران، لم تشكل استثناءً إيجابيًا في المغرب، إذ تعرضت لانتقادات كثيرة، بسبب عجزها عن حل المشكلات،في مجالات: التعليم، والصحة، إضافة إلى ضرب القدرة الشرائية للمواطن المغربي، بغلاء الأسعار، وقزم الأجور. ومع ذلك، فإن حزب الأصالة والمعاصرة المنافس الرئيس لحزب العدالة والتنمية، الذي ليست لديه نية للاكتفاء بالتواجد شَرِيكًا في الحكومة القادمة -فهو لم يعد يطيق لا المعارضة ولا مجرد الشراكة مع أحزاب أخرى من دون رئاسة الحكومة- يتخوف من نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة، لاسيَّما إذا ما فاز فيها حزب العدالة والتنمية، لأن هذا الفوز سيسمح له برئاسة الحكومة والبقاء في السلطة لسنوات قادمة، الأمر الذي سيفسح في المجال للحكومة الإسلامية مراكمة تجربتها وتجذرها السياسي والاجتماعي في المشهد السياسي والسلطوي المغربي. وهذا من دون شك سيؤثر سلبًا على مستقبل حزب الأصالة والمعاصرة، لأنها كفيلة بتغيير الكثير من الأوضاع السياسية والمقولات والمواقف والأشخاص، حسب رأي الباحث كمال القصير. إن تجديد الدولة المخزنية، وانتقال المغرب إلى ملكية دستورية على نمط ما هو سائد في الديمقراطيات الكلاسيكية الغربية، أمر مرهون ببراعة الأحزاب السياسية المغربية المرتبطة بالعرش والمعارضة على حد سواء، وبالوضع الدولي والتوازنات الداخلية. ويتطلب أي إصلاح ديمقراطي أو أي تغيير حقيقي في المغرب، إحداث انقلاب فعلي في العلاقات بين سلطة المخزن والمجتمع المدني، بما يسمح بالانطلاق من تطوير أجهزة الدولة، وتحسين عمل المؤسسات، أي وضع القوانين الأساسية لتطور ديمقراطي سليم، يسير في اتجاه ترسيخ دولة الحق والقانون، وتقوية دور الأجهزة الحزبية، والنقابات، وجمعيات المجتمع المدني. ولو تحقق مثل هذا الانقلاب في العلاقة بين سلطة المخزن والمجتمع المدني، فإن تحولًا راديكاليًا سيطرأ على طبيعة الديمقراطية عينها: فمن ديمقراطية تمثيل ستتحول أيضًا إلى ديمقراطية مشاركة... والديمقراطية إما أن تكون تشاركية وإما لا تكون ديمقراطية أصلًا.

732

| 07 أكتوبر 2016

السبسي والبحث عن المساعدات الأمريكية

وضع أسس مرحلة جديدة تعود فيها تونس إلى وضعها الطبيعي وتحوز فيها على المكانة والاحترام بما يساعدها على كسب معاركها الراهنة على جبهات عدّة، لاسيَّما على جبهة جلب الاستثمارات الأجنبية لتحقيق التنمية. وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أجرى حوارًا مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بحضور عدد من رؤساء الدول ورجال الأعمال الأمريكيين خلال منتدى الأعمال الأمريكي ـ الإفريقي الذي التأم يوم الأربعاء الماضي والذي حضرت فيه تونس ضيف شرف لتقدّم تجربتها كأنموذج إفريقي، وهو ما يشكل اختراقًا نوعيًا في «جدار» الكساد «الاستثماري» والركود التنموي اللذين أرهقا الاقتصاد والبلاد على حد سواء.وشارك في هذا المنتدى نحو مائتي شركة أمريكية كبرى وقرابة 35 رئيس دولة، وتمخّض عنه تعهّدات أمريكية وغربية بدعم تونس والمشاركة في الندوة الدولية للاستثمار التي ستحتضنها يومي 29 و30 نوفمبر القادم، والتي ستشهد، حسب ما قال وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي فاضل عبد الكافي، مشاركة ممثلين عن شركات عالمية عملاقة وأوساط مالية واقتصادية من مختلف دول العالم مشيرًا إلى أن هذا المنتدى شكّل أفضل محطّة للإعداد لندوة الاستثمار التي تراهن تونس كثيرًا على مخرجاتها لاجتياز هذه المرحلة الحرجة و«كسر» ما «استَّبد» بها من صعاب. وفي سياق آخر، أكّد الرئيس الباجي قائد السبسي، لوزير الخارجيّة الأمريكي نجاح الجهود التونسية في مكافحة الإرهاب، وشدّد على أنّ البلاد ستبدأ حربًا ضدّ الفساد مع تولي الحكومة الجديدة بقيادة يوسف الشاهد زمام الأمور. ولكنه لم يغفل أن الجهود التونسية ما تزال بحاجة إلى الدعم الأمريكيّ ليضيف الرئيس التونسي أن بلاده لم تدّخر جهدًا في تعزيز علاقاتها مع تونس في المجالين الأمني والعسكري، وتربط الولايات المتحدة الأمريكية مساعداتها الاقتصادية والمالية والتسليحية لتونس، من خلال اصطفاف مواقف الحكومة التونسية على أرضية الخط السياسي الأمريكي، لاسيَّما فيما يتعلق بالأزمات الإقليمية في المنطقة العربية، مقابل الضمان في القرض الرقاعي الذي أصدرته تونس بالسوق المالية العالمية في 3 يونيو 2016 بقيمة 500 مليون دولار. وكانت الحكومات التونسية المتعاقبة منذ سقوط النظام السابق سنة 2011، تسلمت وفق مصادر السفارة الأمريكية في تونس ما يقارب 700 مليون دولار في شكل مساعدات وهبات، إضافة إلى ضمانات قروض ناهزت المليار دولار حتّى سنة 2015. أما في مجال الاستثمارات الأمريكية بتونس، فإنها تظل ضعيفة،لأن الشركات الأمريكية العملاقة تبحث عن الاستثمار في مجال الطاقة، وتونس ليست بدًا نفطيًا.ولهذا لم تتجاوز الاستثمارات الأمريكية في تونس نسبة 105 مليون دولار خارج قطاع الطاقة والتي لا تمثّل سوى 2% من عدد المؤسّسات والاستثمارات الأجنبيّة في البلاد. وكانت تونس تعرضت لضغوطات كبيرة من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمؤسسات الدولية المانحة،لاسيَّما صندوق النقد الدولي، إذ عبرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاجارد في اللقاء الذي جمعها مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي يوم الأربعاء 21سبتمبر 2016 مع، عن رضاها عن مسيرة التعديلات الهيكلية على القطاع المالي واستجابة تونس التامة لبرنامج «الإصلاحات» المقدّم من صندوق النقد الدولي، خصوصًا في القطاع المالي على غرار قانون المؤسسات المالية والبنكية، وقانون استقلالية البنك المركزي، ورسملة البنوك العمومية،وأخيرا الالتزام بالمصادقة على قانون الاستثمار ونشره بالرائد الرسمي في أجل لا يتجاوز 30 سبتمبر 2016. منذ قمة مجموعة الثماني في دوفيل الفرنسية مايو2011، وإلى يومنا هذا، لم تقدم الدول الغربية والمؤسسات الدولية المانحة للديمقراطية الفتية في تونس سوى دعم مالي خجول جدًا في البداية،ثم تنكرت لاحقًا لتعهداتها بإغاثة الاقتصاد التونسي وتيسير الانتقال الديمقراطي والاقتصادي بتونس في ظل أزمتها الخانقة، من خلال تقديم المساعدات المالية بشروط ميسرة، وتمكين تونس من استرداد أموالها المنهوبة، إضافة إلى برنامج متكامل لمساندة الاقتصاد التونسي في مجالات الأعمال والاستثمار والتشغيل.

315

| 30 سبتمبر 2016

حكومة الشاهد على طريق النيوليبرالية

المتابع لحكومة يوسف الشاهد التي استلمت مهامها منذ شهر تقريبا، يلمس بوضوح أنها لم تأت بشيء جديد قادر أن يواجه بها التحديات القائمة في تونس، منذ أكثر من خمس سنوات، ولعل أهم تحدّ هو الاقتصاد الهش بوصفه اقتصادًا طفيليًا يؤدي بالضرورة إلى حراك اجتماعي عشوائي وفوضوي، ويجعل من قيم الكسب السريع والسهل والأمانية، والفساد المالي والإداري قيمًا عليا للمجتمع. وتؤكد الأرقام التالية مدى هشاشة هذا الاقتصاد الطفيلي السائد الآن في تونس، فالبطالة لا تزال تتراوح نسبتها بين 17.2% في سنة 2013 و15.6 % مع منتصف سنة 2016، حيث يصل عدد العاطلين من حملة الشهادات الجامعية إلى أكثر من 250000عاطل عن العمل.. أما عجز الميزان التجاري فقد بلغ مستوىً قياسيًا خلال سنة 2016، مما جعل نسبة النموّ لا تتجاوز معدّل 1.5٪، وذلك لتزايد نفقات الدولة، وتراجع مداخيلها، ما نتج عنه وقوعها في شرك الاقتراض المكثّف وارتهانها للمؤسسات الدولية المانحة، حتّى بلغت ديون البلاد سنة 2016 ما يقدّر بـ56 مليار دينار (حوالي 23 مليار دولار)، ما يعادل 62٪ من الناتج المحلّي الخام. فإذا أرادت حكومة يوسف الشاهد أن تواجه هذا التحدّي، فعليها أن تسارع إلى إعادة بناء الاقتصاد الوطني التونسي وفق إستراتيجية منتجة، وهذا يقتضي منها أن تبلور منوالا جديدا للتنمية المستقلة والمستدامة. وهناك فارق كبير بين اعتبار الأزمة تكمن في غياب منوال تنمية جديد، وبين اعتبارها أنها مجرد تحقيق معدل أعلى من النمو الاقتصادي. وفي هذا الإطار، كانت نظرة الدول الصناعية المتقدمة، تتمركز حول منح الدول المتخلفة مساعدات تنموية وقروض، تساعدها على الانتقال إلى مرحلة نمو أعلى، ما أعطى الدول المتخلفة، ومنها تونس، المبرر للتوسع في الاقتراض بحجة تحقيق نسب أعلى من النمو مما يسهل عليها فيما بعد تسديد الديون. وفي بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، بدأت تتبلور التوجهات الليبرالية الاقتصادية الجديدة في تونس، حين اتجهت تونس نحو تطبيق برنامج للإصلاح والتكيف الهيكلي لدى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الذي جوهره الليبرالية الاقتصادية الجديدة، المقدم إلى البلدان النامية، ومنها تونس، حيث يلقي هذا البرنامج اللوم على السياسة الحكومية التدخلية في معرض تحليله للأزمة الاقتصادية ويرتكز على أن هذه السياسة عديمة الجدوى، وقدم البديل على أن اقتصاد حرية السوق، وإطلاق المبادرات الفردية وإعلاء شأن المنافسة، وإزالة القيود أمام المبادلات التجارية. وتمثلت أشد تيارات الليبرالية تطرفًا، تحت شعار الحرية الاقتصادية، بالعمل في اتجاهين: الأول: تحجيم دور الدولة وتقليص تدخلها في النشاط الاقتصادي والاجتماعي وتخفيض الإنفاق العام. وتجميد الأجور وإلغاء الدعم التمويني وإلى غير ذلك. والثاني: المناداة بإعادة توزيع الدخل والثروة لصالح أصحاب رؤوس الأموال، بتخفيض الضرائب على الدخول والثروات الكبيرة، وبيع مؤسسات القطاع العام. أي الخوصصة. وقد أثبتت الأحداث والتجارب التي شهدها القرن العشرون، أن خيار التنمية في إطار حرية السوق الذي تحكمه قوانين وآليات السوق الحرة، وتعتبر الليبرالية الاقتصادية الجديدة جوهره، أن هذا الخيار قد فشل في تحقيق التنمية المرجوة في بلدان العالم الثالث. وحتى في الدول الصناعية الرأسمالية المتقدمة، التي وقعت في قبضة (الركود التضخمي) بعد فترة الازدهار التي عاشتها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ووجد أن الحل في الخروج من أزمة الركود التضخمي هو في التحول نحو سياسات الليبرالية الاقتصادية الجديدة، والإقلاع عن نهج سياسة التدخل الحكومي، حتى في هذه الدول اتضح عدم إمكانية التخلي عن دور الدولة الاجتماعي. ووجدت أن الاعتماد على قوى السوق وآلياته سوف لن يقود إلا إلى الاحتكار. إن التنمية بمفهومها الشمولي الديناميكي، لا يمكن أن يحققها اقتصاد حرية السوق، كما أنه في مواجهة مشكلات مثل البطالة والفقر، لا يمكن الركون إلى آليات السوق الحر وقوانينه التلقائية، لا يقدران على سد الفجوات الكبيرة والمزمنة بين العرض والطلب، أي أنهما لا يستطيعان تحقيق التنمية. ففي الوقت الذي يحتاج أمر معالجة البطالة والفقر على تدخل أكبر من قبل الدولة، فإن اقتصاد حرية السوق يدعو إلى حكومة الحد الأدنى. وانطلاقًا من هذا العرض، فإن التنمية، إنما هي عملية تحرر إنساني تشمل تحرير الفرد من الفقر والجهل والقهر والاستغلال، كما تشمل تحرير المجتمع من ذل الاعتماد على الخارج، وتخليصه من قيود التبعية بما تحمله من استغلال وتقييد للحرية والإرادة الوطنية ومن هشاشة أمام الصدمات الخارجية. وبما أن البشر هم هدف التنمية ووسيلتها، فلا بد أن تهتم الدولة بإشباع الحاجات الإنسانية للسكان وإشراكهم في اتخاذ القرارات المؤثرة في حياتهم وحياة الأجيال المقبلة، من خلال الحفاظ على البيئة واحترام توازناتها وتطوير قاعدة الموارد الطبيعية وبذلك تكون التنمية مستمرة ومتواصلة وتتوافر للمجتمع بذلك فرصة إعادة البناء والتجدد الذاتي. إن أهداف التنمية على هذا النحو تتطلب إجراء تغييرات جوهرية في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمع. وهذه التغيرات، من الواضح أنها لن تتحقق بفعل آلياته وقوى السوق التلقائية، فهي لن تكون إلا نتاج فعل إرادي وتخطيط محكم وإدارة اقتصادية قوية ونزيهة وكفؤة تخضع للمساءلة والمحاسبة ومشاركة شعبية فاعلة، ونظام ديمقراطي شفاف. غير إن اندماج الاقتصاد التونسي في نطاق العولمة الليبرالية، والذي كان يقوم على بيع مؤسسات القطاع العام للقطاع الخاص، كانت نتائجه كارثية، إذ عرفت تونس، استقطابًا طبقيًا، لم تعرفه في تاريخها، بعد التجريف الشديد الذي تعرّضت له الطبقة الوسطى، مما جعل نحو 31% من التونسيين يرزحون تحت خطّ الفقر، وبعدما برزت التناقضات الاجتماعية الصارخة بين الطبقة البرجوازية الطفيلية، ومافيات الفساد من جهة، والطبقات الشعبية الفقيرة من جهة أخرى. فهذه التناقضات تعبر عن الوجه القبيح للنيوليبرالية المتوحّشة، وهي تمثّل النسخة العصرية المتطرّفة للطبقة الرأسمالية الطفيلية الفاسدة، التي جاءت حكومة الشاهد لحماية مصالحها.

457

| 23 سبتمبر 2016

قلق الدول المغاربية من عودة «الدواعش»

رغم أن قوات البنيان المرصوص حققت انتصارا إستراتيجيا بطردها إرهابيي «داعش» من مدينة سرت الواقعة على الساحل الليبي، فإن دول الجوار الجغرافي لليبيا، خاصة دول المغرب العربي، ينتابها القلق الشديد من عودة هؤلاء «الدواعش» الهاربين، وتتأهب الآن للتصدّي لهم، ومنعهم من الدخول مجددًا على أراضيها، تخوفًا من أن يعرضوا أمنها واستقرارها للخطر، من جراء قيامهم بعمليات إرهابية في بلدانهم الأصلية.ويجمع الخبراء المتابعون للأزمة الليبية المتفجرة منذ سقوط نظام العقيد القذافي في نهاية صيف 2011، أن ليبيا تحولت إلى بؤرة توتر كبيرة للتطرف والإرهاب، وباتت تشكل تهديدا حقيقيا، لأمن واستقرار كل بلدان المغرب العربي، وبلدان أوروبا المتوسطية، لاسيَّما إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، بسبب وجود بنى تحتية للاستقطاب والتجنيد لصالح تنظيم «داعش» الإرهابي في مدينتي سبتة ومليلة المغربيتين والمحتلتين من قبل إسبانيا، إضافة إلى مدريد وبرشلونة، وباريس وروما. ويقدر عدد مقاتلي تنظيم «داعش» في ليبيا بحوالي 5000 مقاتل، إذ تؤكد المصادر الأمنية التونسية أن عدد التونسيين الذين تلقوا تدريبات في المعسكرات الليبية يتجاوز1000مسلح، عندما كانت ليبيا مجرد نقطة عبور لمتشددين ينتقلون إلى بؤر التوتر في المنطقة، لكن ما إن بدأ يتلقى تنظيم «داعش» ضربات قوية في كل من العراق وسوريا، حتى أصبحت سرت مُسْتَقَرًّا لبعض من هؤلاء المتطرفين التونسيين، الذين كان قسم منهم يقاتل في صفوف «داعش» في سوريا والعراق، ومنهم من كان في شمال مالي، ومنهم من سافر إلى ليبيا من تونس بعد سقوط نظام معمر القذافي.وقد عبرّ وزير الدفاع التونسي، فرحات الحرشاني، عن هذا الخوف التونسي من عودة «الدواعش» الهاربين من ليبيا عندما ذكر أن «الذين يعودون إلى بلدهم يريدون تكوين خلايا نائمة في المدن، أو الذهاب إلى المناطق الجبلية للإعداد لعمليات إرهابية». ولهذا السبب، كانت تونس ولا تزال متخوفةً من كل معركة يكون الهدف منها تضييق الخناق على الدواعش داخل ليبيا، عبر تدخل عسكري خارجي، وترى فيه تهديدًا مباشرًا لأمنها الإستراتيجي. فالفرع الليبي لتنظيم «داعش» منتشر بقوة في مدن عدة مثل درنة شرقًا، وصبراتة غربًا، مرورًا بسرت في الوسط، كما يتواجد عدد من معسكرات التدريب التابعة لجماعات متشددة أخرى مثل «تنظيم أنصار الشريعة» و«القاعدة في بلاد المغرب» وتنظيم «المرابطون». وتعتبر التنظيمات الإرهابية في بلدان المغرب العربي حلقات مترابطة لا تفصل بينها الحدود، فبين ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، يتمتع المسلحون بحرية كبيرة في الحركة مما يجعل من جهود مكافحة الإرهاب تحدِّيًا يستلزم جهدًا جماعيًا من هذه البلدان. ولأن التداخلات بين هذه الجماعات تنبع من وحدّة النشأة، فأكثر التنظيمات الإرهابية خرجت بالتسلسل من رحم «الجماعة المسلحة » التي أنشئت في الجزائر عندما بدأت الحرب الأهلية في ذلك البلد العربي في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، والتي انبثقت عنها «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، التي انضمت بدورها إلى تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» عام 2006، والذي أصبح منذ مطلع القرن المظلة الأساسية للحركات التي ظهرت بعد ذلك، قبل ظهور تنظيم «داعش» واجتذابه للعديد من أعضاء تلك الجماعات.تتفق دول المغرب العربي الثلاث (تونس والجزائر والمغرب) على إيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية بعيدًا عن التدخل العسكري الغربي عامة والأمريكي خاصة، الذي اتخذ من محاربة الإرهاب ذريعة ، ولاسيَّما «الداعشي» منه، ومن طلب حكومة الوفاق الوطني بزعامة فايز السراج التدخل العسكري، لكي يصبح أمرًا واقعًا. فالدول المغاربية تؤكد على وحدة ليبيا ووحدة الجيش الليبي وضرورة وقوفه على مسافة واحدة مع مختلف المدن، بعيدًا عن الجهوية والمناطقية والقبلية، وأن يكون السلاح حصرًا في يد الجيش على أن تكون أسلحة الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى بحسب المهام الموكلة إليها، وترى في التدخل العسكري الأمريكي أنه يزيد من توسيع رقعة الصراع الأهلي بين الفرقاء الليبيين، وتصبح الحرب الأهلية هدفًا في حد ذاتها، تغذيها الأطراف الداخلية من القبائل والقوى السياسية المتنافرة، والقوى الدولية الكبرى، التي تبحث عن تحقيق مصالحها المتضاربة على حساب مصالح الشعب الليبي، الأمر الذي يمكن أن يستغله تنظيم «داعش» المتقهقر في سرت، خصوصًا إذا انهارت حكومة الوفاق الوطني، لكي يُعِيدَ ترْتِيبَ أوضاعه التنظيمية والعسكرية، ويُعِيدَ أيضًا انتشاره من جديد في الداخل الليبي، ويَجِدَ له ملاذًا آمنًا في الصحراء الجنوبية، ويُوَاصِلَ شن هجمات بشكل غير منتظم، في حين قد يعود بعض المقاتلين الأجانب في صفوفه إلى بلدانهم الأصلية لِشَنِّ المزيد من الهجمات الإرهابية، وبالمقابل ستواصل الجماعات الإرهابية الأخرى، بما فيها تلك المرتبطة بتنظيم القاعدة، طرح تحدّيات أمنية خاصة.من هنا تشدد الدول المغاربية على ضرورة أن يخدم الانتصار العسكري في سرت على تنظيم «داعش» المشروع الوطني الموحد لجميع مكونات المجتمع الليبي، من أجل محاربة التنظيمات الإرهابية كتنظيمات «داعش»، وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الذي يقوده الجزائري عبدالمالك دروكدال، وأيضا «جماعة المرابطون» لزعيمها الجزائري مختار بلمختار، وتنظيم «أنصار الشريعة» بفرعيه التونسي والليبي، وغيرهم من التنظيمات والأحزاب الأخرى التي تمتلك أذرعًا عسكرية تستخدمها لمحاربة إعادة بناء الدولة الليبية. فتنظيم «داعش» لن تثنيه هزيمته العسكرية في سرت، فهي ليست الهزيمة الإقليمية الأولى التي يتكبدها.فقد هزم تنظيم «داعش» في مدينة درنة في يونيو 2015، وانسحب منها، واستولى على مدينة سرت في نفس صيف تلك السنة، ما يظهر أن هذا التنظيم الإرهابي قابل للتكيف بشكل تام، ولن تسلبه الخسارة القدرة على شن هجمات انتحارية عن طريق مجموعات صغيرة، كالتي ميّزت نشأته الأولى في ليبيا، وأن يوجّه نسبة أكبر من نشاطه جنوبا، ويستغل موارد النفط والمياه المهمة، ويفرض سيطرته على عمليات التنقيب عن الذهب، وتهريب البشر والأسلحة والمخدرات بشكل واسع، لاسيَّما وأن الجنوب الليبي والساحل الصحراوي، تعتبر منطقة رخوة، وشهدت سوابق للمنظمات المسلحة والإرهابية، حيث نشطت بها الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وهي مجموعة انفصالية من الطوارق، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة أنصار الدين، والمرابطون.

319

| 16 سبتمبر 2016

تونس بين خيارين: الديمقراطية أم الفساد

بعد أسبوع من استلام حكومة يوسف الشاهد مهامها في تونس، تعيش أربع ولايات في البلاد: القصرين (شواغل التنمية والإرهاب) وقفصة (إنتاج الفسفاط) وجهة بن قردان (انتشار بارونات التهريب بالمنطقة ورفضهم لوجود الدولة بما يتضارب ومصالحهم) وقرقنة اين يستمر احتجاج أهاليها (في صمت)، حراكًا اجتماعيًا يتسم بحرق المعدات وتهشيم الشاحنات وإغلاق الطرقات، إنه الاحتجاج الاجتماعي اليائس الذي يدخل في سيرورة حركة الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها تونس منذ سنوات ولا تزال فيها. بداية صعبة لحكومة الشاهد تتزامن مع ظرفية لا تقل صعوبة تعيشها تونس، لكن الإشكال أننا أمام احتجاجات اجتماعية جماعية في الغالب غير مؤطرة، وغير منظمة، ولا تخضع إلى أي منهجية أو هرمية تنظيمية، متخلصة أو متجاوزة ما هو عقائدي وأيديولوجي، خارج كل الأطر السياسية والنقابية الشرعية، وتسعى إلى لفت الانتباه إلى معضلات اجتماعية كثيرا ما يتم تناسيها وتجاهلها، ولاسيَّما في الولايات الفقيرة والمهمشة تاريخيا. فلا مشروعية لأي حكومية، ولا مشروعية للسلطة القائمة حاليا في تونس، من دون التوجه الجاد نحو إعادة التأسيس للديمقراطية الاجتماعية بكل أبعادها. إنها الديمقراطية التي تؤمن بإيجاد تسوية تاريخية بين الرأسمال والعمل، من خلال حل مشكلة البطالة في البلاد، وإعطاء الأجراء ضمانات على صعيد الرواتب وظروف العمل والتسريح والحماية في مواجهة مخاطر الحياة (المرض، العائلة، الشيخوخة). غير أن تفشي الفساد يعدّ المعوّق الأبرز في تحقيق أهداف التنمية لما له من تأثيرات سلبية في جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتعد الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة الضامن الأساس لقيام رؤية إستراتيجية تشاركية تسهر على تحقيق التنمية المستقلة، وفق أهداف إستراتيجية واضحة، ترتكز على بلورة منوال جديد للتنمية قوامه: إصلاح النظم الاقتصادية والمصرفية والإدارية المختلفة، وتفعيل مبادىء الحوكمة الرشيدة والمواطنة والمسؤولية الاجتماعية على أرض الواقع، فضلًا عن ترسيخ قيم الإنتاج والإنجاز وثقافة العمل. إن مكافحة الفساد، تتطلب توافر الإرادة السياسية، ومشاركة المجتمع المدني، وتقوية المؤسسات، فضلًا عن دور التعاون الدولي، لأن مفاعيل الفساد على التنمية هي مفاعيل وآثار خطرة وشاملة، كما أن للفساد تأثيرات خطيرة تقود إلى إضعاف شرعية الدولة وضعف الاستقرار السياسي، وافتقاد الرؤية المستقبلية لتنمية البلاد، فضلًا عن تهميش قيم الإنجاز والعمل واقتصاد المعرفة في المجتمع. ولذلك ينبغي القضاء على التداعيات السلبية للفساد على عملية التنمية ومسيرة التقدم في تونس، يتطلب التحرك على المحاور الرئيسية التالية: محور توسيع رقعة الديمقراطية التي تقوم على المساءلة والمحاسبة، محور الإصلاح الإداري والمالي، محور إصلاح هيكل الأجور والرواتب. إن اختراق مؤسسة الفساد في تونس بحاجة إلى جيل تونسي كامل يعتمد عليه، وإلى أطر من المثقفين والخبراء والمستشارين والمساعدين الذين يمتلكون قدرًا عاليًا من الاستقامة، وإلى صحافة جديدة وغير رسمية تمتلك الجرأة على القول، وعلى الاختلاف، وعلى تحمل المسؤولية في ممارسة النقد، ومتابعة التخطيط والتنفيذ، وإلى سلطة قضائية نزيهة ومستقلة لا تخاف من مواجهة مافيات الفساد والتهريب، وإلى إعادة الحياة في أجهزة المراقبة والمحاسبة في الدولة. إن ما لا يمكن إنكاره هو أن العولمة الليبرالية بقدر ما عولمت الفساد، عولمت أيضًا ظاهرة تزايد عدد الحكومات الديمقراطية في العالم بما يصاحبها من ظهور وسائل الإعلام الحرة، ونمو تجارة الأعمال الدولية التي أتاحت احتكاكًا متزايدًا بين الدول والشعوب، وعولمت كذلك ظاهرة مقاضاة الفاسدين ومطاردتهم عبر ما صدرته من قيم الديمقراطية والشفافية والمكاشفة. ويمكن القول إن المجتمعات التي اخترقتها هذه القيم هي التي صارت بؤرة الضوء لجهة الكشف عن حالات الفساد ومعاقبة أصحابها والعكس بالعكس. إن مكافحة الفساد في تونس، مسؤولية كل المواطنين وأحزاب وقوى المجتمع المدني الحديث، وهي تتطلب ثورة اجتماعية شاملة معطوفة على تأسيس قيم وممارسة الديمقراطية والحفاظ عليها في المجتمع، وآليات واضحة لتأصيل الشفافية والمراقبة الفعالة. إلا أن هذا الإصلاح لا يبدو سهلًا نتيجة انعدام المشروع لإعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية في تونس، ونتيجة ضعف أو انعدام الضوابط وإجراءات الرقابة التي يمارسها المجتمع عن طريق مختلف مؤسساته، وبسبب الروابط والعلاقات الشخصية داخل عوالم المال والسياسة، والتي تعود جذورها إلى قرون من الممارسات الاستبدادية والتقاليد الإقطاعية.

429

| 09 سبتمبر 2016

لماذا عادت العمليات الإرهابية إلى تونس؟

تعرضت تونس إلى عملية إرهابية جديدة يوم الإثنين 29 أغسطس 2016، بجبل سمامة بولاية القصرين، عندما كانت الوحدات التابعة للجيش الوطني المكلفة بتأمين عمال مدنيين يتولون أشغال تعبيد طريق بمنطقة «أولاد بالنجاح» التابعة لعمادة «خمودة» من معتمدية فوسانة والواقعة بين جبلي سمامة والشعانبي على بعد حوالي 12 كلم غرب مدينة القصرين، تعرضت إلى هجوم مزدوج بالألغام والقنابل اليدوية ورشاشات «الآر بي جي» في ما يشبه الكمين بهدف إيقاع أكثر ما يمكن من الخسائر البشرية. إنه التخطيط الذي اعتمدته «كتيبة عقبة بن نافع» الإرهابية سابقا في عملياتها الإرهابية بجبل الشعانبي وهنشير التلة ومفترق بولعابة، حيث أدّى انفجار لغمي أرضي بالمدرعة الأولى، التي كان على متنها 15 جنديًا، إلى استشهاد3 جنود وسقوط 9 جرحى. لكن تصدي وحدات الجيش كان عنيفًا وكثيفًا، مما أدّى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف الإرهابيين. ويعتبر هذا الهجوم الإرهابي على الوحدات العسكرية في منطقة أولاد بن نجاح بجبل سمامة الثاني في غضون أسبوعين. وفجر الثلاثاء30 أغسطس الماضي، حصلت مواجهات عنيفة بين وحدات من الجيش والأمن والحرس الوطنيين ومجموعة إرهابية إثر ورود معلومات عن تحصن إرهابيين بمنزل في حي الكرمة من ولاية القصرين. وقد تم القضاء على هذين العنصرين الإرهابيين خلال هذه العملية الأمنية الاستباقية، وهما كانا يخططان للقيام بعمليات إرهابية بالمنطقة. كما أسفرت العملية عن وفاة مواطن جراء إصابته بطلق ناري من قبل العنصرين الإرهابيين، وتعرض أحد أعوان الأمن إلى إصابة مستوى الركبة. تأتي هذه العملية الإرهابية مع توقيت تسلم الحكومة الجديدة برئاسة يوسف الشاهد مهامها، لتوجه بذلك رسائل مشفرة من الإرهابيين ليوسف الشاهد وفريقه الحكومي الذي أعلن الحرب على الإرهاب، وإلى الشعب التونسي بأن الحرب لم تنته بعد. ومن الواضح أن هذه المجموعات المسلحة المتحصنة بالجبال تحركها أياد خفية تختار مواعيد ضرباتها بدقة كبيرة، لأن موقع الحادثة يؤكد أنه تم الإعداد لها بشكل مسبق ومدروس على امتداد عدة أيام في انتظار ساعة الصفر التي كانت ارتقاء حكومة الشاهد لقيادة البلاد. ويأتي هذا التزامن أيضًا في إطار الحرب النفسية التي تقودها هذه المجموعات، ولإعطاء الحدث قيمة وصدى إعلاميًا كبيرًا وهو ما يعني أن الحرب على ظاهرة الإرهاب ما تزال طويلة وفك رموزها وأسرارها والكشف عمن يقف وراءها سيحتاج إلى مجهودات كبيرة وربما وقت طويل للقضاء عليها نهائيا. وتبنت «كتيبة عقبة بن نافع»، هذه العملية الإرهابية، يوم الثلاثاء الماضي. وترجح المصادر الأمنية التونسية وجود حوالي 200 إرهابي في جبال ولايات القصرين وسيدي بوزيد وجندوبة وقفصة والكاف جلهم جزائريون محاصرون من قبل وحدات الجيش الوطني، فيما يحاول بعض الإرهابيين التسلل إلى جبال الكريب من ولاية سليانة والعثور على موطئ قدم فيها هربا من الطوق الأمني والعسكري المضروب عليهم في بقية الجبال وبحثا عن الماء والمواد الغذائية بعد أن أصابهم الجوع والعطش بسبب الجفاف والحصار الأمني وقطع الإمدادات عنهم والإطاحة بخلايا الدعم اللوجستي والرفض الشعبي لهم.. وكانت قوات أمنية خاصة تابعة لجهاز الاستعلامات المخابرات نجحت في اختراق صفوف هذا التنظيم الإرهابي الذي يطلق على نفسه اسم «كتيبة عقبة بن نافع» في بداية سنة 2015، واستطاعت بعد ملاحقة أمنية أن تقتل زعيم التنظيم، الجزائري خالد الشايب المعروف باسم لقمان أبي صخر، عندما كان متوجها من ولاية قفصة نحو الحدود التونسية الليبية، في يوم 28 مارس 2015. وشهدت كتيبة«عقبة بن نافع» انضمام عدد من العناصر الإرهابية التي كانت تابعة لتنظيم «جند الخلافة» الجزائري الذي بايع تنظيم «داعش»، بهدف تعزيز صفوف الكتيبة من خلال استقطاب مئات «الدواعش» التونسيين الموجودين في ليبيا، والذين يخططون للتسلل إلى تونس فرادى أو في مجموعات، بعد هزيمة «داعش» في مدينة سرت الليبية. وفي ظل عدم وجود حاضنة شعبية لتنظيم «داعش» في ليبيا، من المرجح أن تكون المنطقة الرخوة في الجنوب الغربي من الصحراء الليبية المحاذية لحدود النيجر والجزائر والقريبة من شمالي مالي ملاذًا آمنًا للعناصر الفارة من معركة سرت لتقترب من فرع متطرف في نيجيريا المعروف بجماعة بوكو حرام. علمًا أن منطقة الجنوب الغربي لليبيا تعتبر ملاذًا آمنًا لنشاط واسع من المهربين والجماعات المسلحة، والتي تتنازع قبائل ليبية في الجنوب الغربي على السيطرة على طرق التهريب التي تقطع الصحراء الليبية. وتشير المعطيات الاستخباراتية الدولية والعربية إلى أن الجنسيات التونسية ضمن عناصر «داعش» في ليبيا تُعَدُّ الأكبر مقارنة ببقية دول الجوار الأخرى على غرار الجزائر ومصر، إذ إن من مجموع يتراوح ما بين 4 إلى 5 آلاف مقاتل حسب وزير الخارجية الليبي السابق، يصل تعداد التونسيين المنضوين في تنظيم «داعش» الليبي نحو 800 عنصر، من بينهم قياديون متواجدون في ليبيا. ويتدرب الإرهابيون التونسيون في معسكرات لتدريب المتشددين استعدادًا لتنفيذ عمليات إرهابية في تونس بالتنسيق مع الخلايا النائمة المنتشرة في بعض جهات الجمهورية خاصة في الساحل، وهذا بحد ذاته يشكل خطرًا حقيقيًا على الأمن الوطني التونسي، في حال تسللهم إلى تونس. وتحرص «كتيبة عقبة بن نافع» باعتبارها أكبر تنظيم في تونس مرتبط بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، التي يشرف عليها قادة جزائريون لهم علاقة بأمير تنظيم «القاعدة» في المغرب العربي، المدعو «عبدالمصعب عبدالودود»، على استقطاب العناصر «الداعشية» التونسية الفارة من ليبيا.

429

| 02 سبتمبر 2016

اليسار التونسي والمشاركة في الحكم

الذي دفعني إلى الحديث عن اليسار التونسي، هو تسجيل المعارضة، لاسيَّما اليسارية والقومية والنقابيّة حضورًا مُحترمًا في حكومة يوسف الشاهد، التي تشكلت يوم السبت الماضي، غير أن الآراء والقراءات اختلفت حول هذا التشريك بين من يعتبره تكريسًا لمبادرة حكومة الوحدة الوطنية وبين من يقول أنه مجرد «تكتيك».. ومهما يكن من أمر فقد شهدت التشكيلة الحكومية حيازة قياديين نقابيين على حقيبتين وزاريتين وهما شخصيتان (محمد الطرابلسي وعبيد البريكي) تحظيان بتقدير واسع لدى القوى السياسية والمدنية لتمثل مباشرة أو دون مباشرة الاتحاد العام التونسي للشغل، بما من شأنه أن يشهد على التنفيس النسبي للاحتقان الاجتماعي الذي بات ينذر بالانفجار، وهو ما طرح تساؤلات حول العلاقة التي ستكون مستقبلا بين اتحاد الشغل والحكومة. إلى جانب ذلك، تولّت أحزاب المعارضة عددًا من الحقائب منها حقيبة الفلاحة، والتي حاز عليها حزب «المسار الديمقراطي الاجتماعي» (الحزب الشيوعي سابقًا)، متمثلًا بأمينه العام سمير بالطيب . وحصل الحزب الجمهوري على وزارة العلاقة مع البرلمان، من خلال النائب أياد الدهماني، وهو من مدينة سليانة الفقيرة التي تعتبر من أكثر الجهات تضرُرًا قبل الثورة وبعدها. يرى اليسار التونسي أن الحكومات الثماني السابقة التي تشكلت منذ ما بعد 14يناير 2011، ولغاية آخر حكومة الصيد التي تشكلت في شهر مارس 2015، وضمت أحزاب الائتلاف الرباعي الحاكم، عجزت جميعها عن تلبية الانتظارات الحقيقية للشعب التونسي، لأنها حكومات لم تتشكل تحت مفهوم إحداث التغيير الجذري الذي طال انتظاره من قبل مختلف فئات المجتمع التونسي في ظل هذا المناخ السياسي والنفسي السوداوي، الذي تعيشه تونس منذ سنوات، طرح اليسار التونسي متمثلًا بالجبهة الشعبية التي تمتلك ثقلًا معينًا داخل النقابات وفي أوساط منظمات المجتمع المدني، فضلا عن تمثيليتها من خلال 15 نائبا داخل مجلس نواب الشعب، خيار البديل الثالث، الذي ينطلق من فكرة أن تونس في حاجة إلى استكمال بناء المشروع الوطني المفتوح على ثلاثة محاور كبيرة؛ أولها البعد الوطني والذي يدعو فيه اليسار إلى مراجعة كل الاتفاقيات المبرمة مع الدول الأجنبية عربيًا ودوليًا بما يضمن التعامل بندية و ثانيها، العمل خلال هذه الفترة على بلورة برنامج اقتصادي قوي منتج مندمج ومتوازن يولي أهمية كبرى للفلاحة العصرية وكذلك الصناعة، وثالثها، على المستوى الاجتماعي ومن منطلق يقين اليسار أن لا قيمة حقيقية للحرية السياسية ــ على أهميتها ــ من دون الموازنة مع بعدها الاجتماعي. تشكلت فيه حكومة يوسف الشاهد، فهي ليست حكومة الوحدة الوطنية الحقيقية والفعلية، التي ترقى إلى مستوى تطلعات وانتظارات الشعب التونسي، ولا هي حكومة برنامج وطني وإصلاح ديمقراطي طموح يتنّزل ضمن رؤية وطنية لا حزبية، حكومة قادرة على انتشال تونس من الغرق، ومع ذلك، هل ستشكل مشاركة اليسار التونسي بنحو 5 أسماء من المعارضة المحسوبة عليه في الحكومة الجديدة تأثيرًا مباشرًا على برنامج الحكومة الجديدة؟ بكل تأكيد لا، لأن هذه المشاركة تندرج فيما يلي: أولًا، في سياق حرص القطبين الرئيسيين في المشهد السياسي التونسي (النداء والنهضة) على استقطاب جزء من المعارضة اليسارية والقومية والنقابيّة قصد «ترويضها» وضمان مناخ هادئ لعمل الحكومة في الفترة القادمة. وثانيا، ومن أجل التأسيس لمفهوم الوحدة الوطنية الذي طالما بحثت عنه تونس دون أن يتحقق، لأن غياب الوحدة الوطنية تسبب في السنوات الأخيرة – على حد قولهم - في إرباك المناخ العام وفي انتشار «فوضى» التجاذبات السياسية غير المُجدية وفي تكريس ما يُعرف بـ"المعارضة الهدامة" التي تكتفي بالنقد ولا تشارك في الحلول والمقترحات. ثالثًا، تعرف الأطراف السياسية الفاعلة في تونس، أن اليسار التونسي، لاسيَّما المتمثل في الجبهة الشعبية، لا يمكن أن يشكل البديل الثالث في تونس، لأسباب تتعلق بموقف الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والدول الإقليمية الصديقة لتونس، المعادية تاريخيا للفكر الماركسي منذ بداية الحرب الباردة وليومنا هذا. وهذه القوى الدولية والإقليمية ترفض أن تكون تونس تحت سلطة يسارية، لأن هذه الأطراف تعمل بموجب إستراتيجيات طويلة المدى، وهي من تخلق الأحداث أيضا، ومن المؤكد أنها تملك من الخطط ما يجعلها تمنع وصول اليسار الماركسي إلى الحكم بأي طريقة. ولعل تحالف النداء والنهضة أبرز دليل على ذلك وقد سبق وأن صرح الرئيس الباجي قائد السبسي بأن الأمر قد فُرِضَ عليه من قوى خارجية.

310

| 26 أغسطس 2016

الشاهد من دون برنامج لمواجهة تحدّيات تونس

لا يمثل تشكيل الحكومة المقبلة التي يقودها رئيسها يوسف الشاهد، والتي ستعلن تشكيلتها النهائية قريبا، انفراجًا حقيقيًا للأزمة التونسية، لسببين رئيسيين، أولهما: أن يوسف الشاهد كان عضوًا في حكومة الحبيب الصيد الفاشلة، والتي هي امتداد لحكومة مهدي جمعة المعروفة بخياراتها وتوجهاتها الليبرالية، حيث سيواصل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الجديد السياسة عينها، وهي سياسة حكومة الصيد الفاشلة. وثانيهما، أن حكومة يوسف الشاهد لا تختلف خياراتها عن سابقاتها من الحكومات الثماني، التي عرفتها تونس بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق في 14يناير 2011، لاسيَّما أن البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لرئيس الحكومة الجديد سيكون ملتزمًا بالتعهدات التي قطعتها تونس أمام صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية المانحة، والتي عادة ما تفرض شروطًا تعجيزية أمام الدول التي يمر اقتصادها بصعوبات هيكلية ظرفية مقابل إسنادها قروضا لتمويل ميزانياتها.. فحتى وثيقة قرطاج التي صادقت عليها أحزاب الائتلاف الحاكم الأربعة، إضافة إلى خمسة أحزب من المعارضة الديمقراطية (حركة مشروع تونس، الجمهوري، المسار الديمقراطي الاجتماعي، حركة الشعب)، باستثناء الجبهة الشعبية التي تمثل أكبر تجمع ديمقراطي للمعارضة بنحو 15نائبا التي رفضت أصلا المشاركة في الحكومة، ونالت دعما من الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة الأعراف، واتحاد الفلاحين، وهي التي ستكون برنامج الحكومة المقبلة بقيادة الرئيس يوسف الشاهد، ليست في المستوى التاريخي المطلوب لتقديم إجابات عقلانية وواقعية لمعالجة الأزمات التي تعاني منها البلاد. إن التحدّي الأول الذي ستواجهه حكومة الشاهد، يتمثل في معالجة مشكلة البطالة، إذ يوجد ما يقارب 700 ألف عاطل عن العمل ومنهم 250 ألفا من حاملي الشهادات الجامعية، وغالبية العاطلين عن العمل تنتمي إلى فئة الشباب. وقد بلغت نسبة البطالة لدى بعض الفئات وفي بعض المعتمديات 40 وحتى 50% وهو ما يهدد أسس البناء الاجتماعي والوطني التونسي، فضلا عن كونه إهدارا للرأسمال البشري بعدم إدماجه في التنمية بما ينذر بمخاطر كبيرة. ويقتضي هذا الوضع مقاربة جديدة لمواجهة البطالة بوضعها ضمن الاهتمامات الأساسية للأطراف الاجتماعية التي لابد أن تشرف على تمويل وتسيير الخطط العاجلة لدعم قدرات العاطلين بإحداث الصندوق الوطني لتكوين وإدماج الشباب الذي يمول بمساهمة الدولة والمؤسسات الاقتصادية والشغالين وشركاء التنمية ويشرف على تسييره مجلس من أطراف الإنتاج الثلاثة. لم تنجح الحكومات الثماني ما بعد الثورة في محاربة الفساد، بل إن الفساد ازداد انتشارًا خلال السنوات الخمس الأخيرة، الأمر الذي أسهم بشكل مباشر في تأخير تطبيق تنمية حقيقية من شأنها أن تعيد الأمل لعموم التونسيين.. فهل ستنجح حكومة الشاهد في إعلان الحرب على الفساد كأولوية مهمة جدا، في الوقت الذي خسرت فيه تونس من 2 إلى 3 نقاط نُمُوٍ، حيث إن الفساد يعتبر من أهم أسبابها. ثم إن محاربة الفساد من الحكومة الجديدة تقتضي أن تكون هذه الأخيرة حاملة لمشروع إصلاح وطني حقيقي، قوامه إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية أي دولة القانون، بما تتضمنه دولة المؤسسات ومعها إرساء شروط الشفافية وعقلية المساءلة والمحاسبة التي من دونها لا مجال لكسب رهان الحرب على الفساد. كما تقتضي محاربة الفساد، تحقيق ضربات استباقية للوبيات والمافيات الكبيرة، حيث إن قياداتها تمول الحزب الحاكم الذي أوصل الشاهد إلى رئاسة الحكومة. ويشبه الأمر، هنا، أن يقطع الرجل الغصن الذي يجلس عليه فوق شجرة الإنقاذ. إضافة إلى كل ذلك، على الحكومة الجديدة ضرورة الإسراع في طرح برنامج للإصلاح الديمقراطي الحقيقي في مختلف مؤسسات الدولة التونسية، من أجل تحقيق المحاسبة والمساءلة التي يجب أن تبدأ برموز الفساد، فهؤلاء بما استطاعوا تحقيقه من ثروات مادية كبيرة غير مشروعة، وبعلاقاتهم الداخلية والخارجية، أصبحت لديهم مافيات ولوبيات فساد كبيرة، قادرة بما لديها من إمكانات على إعاقة عملية الإصلاح، وكذلك عملية التنمية. واستطاع هؤلاء الفاسدون، الاستفادة من أجواء عالمية وإقليمية وداخلية، فعملوا على حرف مسيرة التنمية، وأعاقوا تصميم هذه المسيرة. ساعدهم في ذلك، هذا الفخ الإعلامي ـ الثقافي الذي يروج لثقافة السوق الحرة، وينادي بوحدانية السوق، وبالخيار الوحيد المطروح، ألا وهو الالتحاق بقطار العولمة (قبل فوات الأوان) والاندماج بالاقتصاد العالمي. إن جوهر ما تنادي به أحزاب الائتلاف الحاكم، مدعومة بمطالب الشراكة الأوروبية ـ المتوسطية، هو أيديولوجية الليبرالية الاقتصادية الجديدة، التي أوصلت العالم إلى هذا الاستقطاب الحاد على الصعيد العالمي، الذي عمق مشكل الفقر وأرسى قواعد تهميش الشعوب. سواء في عهد حكومة الترويكا أم في ظل حكومة مهدي جمعة، أو في ظل حكومة الحبيب الصيد، كان القاسم المشترك بين جميع هذه الحكومات، هو غياب البرنامج الوطني لمواجهة التحديات الكبيرة لتونس، لاسيَّما الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الضغوطات الكبيرة التي تمارسها المؤسسات المالية الدولية المانحة على تونس لتمرير شروطها، ومسار المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول مشروع اتفاق «أليكا». وإذا أرادت حكومة الشاهد أن تكون حكومة وحدة وطنية حقيقة وفعلية، عليها أن تبلور إستراتيجية وطنية تقوم على رفض الهيمنة الخارجية، والوقوف بحزم ضد التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لتونس، ولاسيَّما أن تعبر الحكومة الجديدة عن موقف وطني قوي في ملف التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بخصوص ما يعرف بمشروع اتفاقية "أليكا" الشامل والمعمق والمتعلقة بتحرير الخدمات مع تونس والتي كانت موضوع انتقادات واسعة من قبل جل الخبراء والمنظمات الوطنية واعتبرت في غير وقتها باعتبارها تهدد قطاع الخدمات الوطني وتمس من سيادة القرار الوطني. إن حكومة يوسف الشاهد، من الصعب عليها أن تتنصل من التعهدات التي قدمتها حكومة الحبيب الصيد لصندوق النقد الدولي، لاسيَّما فيما يتعلق بتطبيق برنامج الإصلاحات الهيكلية المفصل والذي يمتد من أواسط السنة الحالية وينتهي سنة 2019، وذلك في رسالة بـ37 صفحة موجهة من سليم شاكر وزير المالية والشاذلي العياري محافظ البنك المركزي، إلى رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد بتاريخ 17 مايو 2016. وهذا التوجه الليبرالي للحكومة الجديدة يلبي شروط الإصلاحات الهيكلية المفروضة من جانب المؤسسات الدولية المانحة. وبالمقابل تتمثل انتظارات الشعب التونسي في ميلاد حكومة وطنية تلتزم ببرنامج وطني قوامه القيام بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي ينطلق من سياسات التنمية الشاملة والمستدامة، وتحقيق هدف زيادة معدلات النمو الاقتصادي مع تحقيق عدالة التوزيع. والعدالة الاجتماعية، وحُسن توزيع الدخل والثروات، وترشيد كفاءة السياسات الاستثمارية، والتفاعل الإيجابي بين التوجه التنموي للدولة والمشروع الخاص، وتحقيق العلاقة الإيجابية بين فوائد السوق والتدخل الحكومي، وإدارة عملية التقدم التكنولوجي والمعرفة، بما في ذلك إصلاح التعليم، والتوجه على نحو عملي وفعال لمعالجة مشكلة الأمية والبطالة في المحافظات الفقيرة التي عانت من التهميش وغياب مشاريع التنمية، من أجل منع استقطاب الشباب المهمش والعاطل عن العمل من قبل التنظيمات الإرهابية.

336

| 19 أغسطس 2016

لماذا انتشر الفساد في زمن العولمة؟

أينما صوبت عينيك في كل أصقاع الكرة الأرضية ترى هذا العناق بين السياسة والمال، الذي أصبح يعرف في «أجروميات» الدول، وفي عصر العولمة الليبرالية الجديدة الراهن بالذات باسم واحد هو «الفســـــــاد». وفيما كانت آفة الفساد تقتصر في الماضي على دوائر بعينها في هذا البلد أو في ذلك الركن من خارطة العالم، فإنه مع تزايد المناداة بتطبيق برامج الإصلاحات الهيكلية، وسياسات الانفتاح الاقتصادي من جانب المؤسسات الدولية المانحة (صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية)، والنشاط الذي يبذل من أجل تصعيد القدرة التنافسية للمنتجات، ومع تزايد حرية حركة تنقل رؤوس الأموال، ونشاط غسيل الأموال والجريمة المنظمة- اتسع الفساد إلى حد الاستشراء في جميع أنحاء العالم، وأصبح السمة المميزة الموجودة في الدول الغربية ذات الأنظمة الديمقراطية العريقة، وكذلك في الأنظمة الديكتاتورية والشمولية المنتشرة في بلدان عالم الجنوب، ولدرجة أن دخل قاموس السياسة الدولية مصطلح «الفساد العولمي» (أو الفساد الكوكبي). والحقيقة أن الفساد ازداد بصورة كبيرة جدا في زمن العولمة، التي اعتمدت على السياسات الليبرالية الجديدة، وألغت الحواجز والحدود أمام حركات تنقل السلع ورؤوس الأموال، وتحولت إلى حركة تاريخية مضادة اقتلعت الأفكار الاشتراكية والديمقراطية ومبادئ العدالة الاجتماعية التي طغت طيلة القرن العشرين، وسحبت المكاسب التي حققها العمال والطبقة الوسطى، وانتهت بالتوقيع على منظمة التجارة العالمية (الجات) التي تولت توقيع العقوبات على من لا يذعن لسياسة حرية التجارة. فبعد أن أدّت العولمة المستندة إلى الفلسفة الليبرالية الجديدة، بتحرير الأسواق المالية والنقدية، والتخلي عن معظم الضوابط التقليدية التي كانت تسيّر العمل المصرفي والنظم النقدية لعهود طويلة، وهي العمليات التي سرعان ما أجبر صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، مختلف بلدان العالم على تطبيقها، بإطلاق سعر صرف عملتها، وانفتاحها التام على السوق النقدي والمالي العالمي، إلى انصهار مختلف الاقتصادات القروية والوطنية والإقليمية في اقتصاد عالمي رأسمالي موحد، وبعد أن غدا العالم «سوقًا واحدةً، وقرية كونية متشابهة» ينمو ويتلاحم بجميع أجزائه، تحولت بلدان العالم إلى رهينة في قبضة حفنة من كبار المضاربين الذين يتاجرون بالعملات والأوراق المالية، مستخدمين في ذلك مليارات الدولارات التي توفرها البنوك وشركات التأمين وصناديق الاستثمار الدولية. وفي ظل توسع وانتشار قوانين العولمة الليبرالية، وما آلت إليه من حركية في الأسواق الحرة والأموال الأجنبية، وما صاحب ذلك من انعدام في الرقابة ومنه الانحلال في القيم والأخلاق وانتشار لسلوكيات اللا معيارية، التي هدفها الوحيد هو الوصول إلى المادة والبحث عن الرفاهية، انتشرت ظاهرة الفساد عبر المجتمعات، واستفحلت من خلال نقل أفكار وقيم المنفعة إلى شعوب العالم قاطبة، لا سيما إلى دول الجنوب، بإخضاعها لتحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية، وهي على مظهرها المعروف تمثل رسملة العالم، أي أن العولمة عملية يراد منها نشر مبادئ النظام الرأسمالي وفرضه على عامة الأساليب الاقتصادية التي تتبعها المجتمعات الأخرى. وتمثل مؤسسات المالية والاقتصادية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية وشركات متعددة الجنسيات هي مؤشرات العولمة وحقل تطبيقها، كما أن نظام الدولة القومية وانتشار منظمات وقوانين الحرية والديمقراطية هي مؤشر آخر لعصر العولمة هذا. ولهذه العولمة آثار سلبية بات العالم بأسره يعاني من ويلاتها منها انتشار الجريمة المنظمة والفساد الإداري وجرائم المخدرات والعنف والإرهاب والانحلال الخلقي، وضعف قدرة النظام الداخلي (أي انهيار الدولة القومية) وأزمة المديونية، وارتفاع معدلات الهجرة وازدياد عدد من هم تحت خط الفقر، بل وقسم المجتمع إلى طبقتين واضحتي المعالم تتباعد المسافات بينهما ويزداد الصراع حدة بين مصالح كل فئة اجتماعية. وفيما يرى البعض أن العولمة تمثل الرأسمالية الجديدة المنطوية حول عولمة الاقتصاد بوصفها «نظام اقتصاد السوق الحرة»، فإنه مع نمو العولمة الليبرالية الجديدة، ازداد تركيز الثروة، وتعمق التفاوت واللا مساواة في توزيع الدخل بصورة فاضحة، واتسعت الفروقات بين الفئات الاجتماعية والدول اتساعًا لا مثيل له، كما أن الآفات الاجتماعية عمت المحيط بما فيها الفساد الاجتماعي. في عصر عولمة الليبرالية الجديدة، أصبح الفساد هيكليًا ومنتشرًا دوليًا. كما أصبحت ممارسته شائعة معتادة جنبًا إلى جنب مع غيره من أشكال الإجرام المفسدة كالاختلاس والتلاعب في العقود العامة، وإساءة استعمال الصالح الاجتماعي، وخلق الوظائف الوهمية، والغش الضريبي، وغسل الأموال، وما إلى ذلك. كل ما سبق يؤكد أن الفساد هو الركيزة الأساسية للرأسمالية. فوفقًا للبنك الدولي، بلغ حجم التدفق السنوي لأموال الفساد والأنشطة الإجرامية والتهرب من الضرائب رقمًا مذهلًا قدره 1.6 تريليون يورو، تمثل منها عمليات التهرب من دفع الضرائب في الاتحاد الأوروبي وحده ما يقرب من 250 مليار يورو. فلو أعيدت هذه الأموال الطائلة للاقتصاد المشروع لأمكن تجنب خطط التقشف الحالي والتعديلات الهيكلية التي تعيث فسادًا في المجتمع. والآن أكثر من أي وقت مضى، لا ينبغي لأي زعيم أو حاكم أن ينسى أن الديمقراطية هي قبل كل شيء مشروع أخلاقي يرتكز على الفضيلة وعلى نظام القيم الاجتماعية والأخلاقية التي تغذي لب ممارسة السلطة. ففي كتابه الذي نشر بعد وفاته والذي لا غنى عن قراءته، يقول خوسيه فيدال بينيتو: «تنسق القوى السياسية الرئيسية فيما بينها لخداع المواطنين، وفي وئام تام كوئام المافيا. والنتيجة هي زعزعة الديمقراطية ورفض السياسات وتزايد الامتناع عن التصويت، بل وما هو أخطر من ذلك، نمو اليمين المتطرف». ويخلص الكاتب إلى أنه «تنمو الحكومات المعطوبة بالفساد. وعندما تتلطخ الديمقراطية بالفساد، تصبح الديمقراطية فاسدة» هي ذاتها.

4463

| 12 أغسطس 2016

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

4863

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4617

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

2931

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

1767

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1233

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

927

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

819

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

756

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

642

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية