رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

تكريم مبدعي السودان

الإثنين الماضي قام سعادة الدكتور حمد الكواري وزير الثقافة في قطر، وفي احتفال كبير، بتدشين اثني عشر ديوانا من الشعر، لشعراء سودانيين كبار ومهمين، لكن للأسف، لم تكن لمعظمهم دواوين منشورة من قبل، وإنما عرفوا من خلال نشر القصائد المتفرق، أو من خلال مجالس الثقافة، وأركان الفكر التي كانت موجودة في زمانهم. أيضا وفي نفس الاحتفال، تم تدشين روايتي مهر الصياح، باللغة الإنجليزية، والتي قامت إدارة البحوث بوزارة الثقافة، وبمبادرة من الدكتور مرزوق بشير، مدير الإدارة، بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، ولم أكن موجودا بالبلاد للأسف الشديد، لأحضر ذلك الاحتفال الكبير، الذي يهمني بالطبع كثيرا، بصفتي سودانيا، يكرم شعراء بلاده، وأيضا واحدا من الذين تم تكريمهم. ما أريد قوله، إن دولة قطر ممثلة هنا في وزارة الثقافة والفنون والتراث، بتبنيها نشر تلك الدواوين المهملة، لشعراء عرفوا بتجويد الشعر، تكون قد حققت أحلاما كانت ضائعة لأولئك الذين عاشوا وماتوا ولم يروا أشعارهم تزين مجموعات بأسمائهم، أو الذين ما زالوا أحياء، لكن يملكون نفس الحلم، وحقيقة يبدو الأمر غير عادي، أن سنوات طويلة، قد مرت، ولم يفكر أحد من قبل سوى من الشعراء أنفسهم، أو أبنائهم، أو حتى جهة مسؤولة في السودان، في نشر تلك الأعمال المهملة، لكن أعتبر ذلك حظا كبيرا، لأن نشر تلك الدواوين في قطر، أكسبها جودة الطباعة، وضمان انتشارها إلى أبعد مكان ممكن، كما أن مجرد تبني نشرها من قبل وزارة الثقافة القطرية، يعتبر شهادة كبرى لها، ستحملها وهي تعبر إلى القراء. هذا الموقف النبيل ليس جديدا من قطر، وعلى جميع الأصعدة، سياسيا وثقافيا ورياضيا. دائما ما توجد يد بيضاء تمتد إلى أحد ما، دائما ما توجد مبادرات في الخير، تغرس في تربة ما، كانت بحاجة لها. دائما ما توجد حلول حتى لمشاكل مزمنة وتاريخية، ويوجد دعم كبير، ولا محدود، وفيما يختص بالثقافة، لم يتوقف نشر الكتب لكل المبدعين أبدا، وامتد مشروع العاصمة الثقافية، ليظل مشروعا دائما، ونشطت حركة الترجمة، من وإلى الآخر، فقرأنا كتبا ترجمت لنا بدقة، وكانت اختيارات عظيمة، وما ترجمة روايتي مهر الصياح للإنجليزية، إلا تجسيدا لواحد من أحلامي الكبرى، أن أرى هذه الرواية بالذات مترجمة، ذلك لصعوبتها الشديدة، وقد احتاجت إلى عام كامل، وقام بترجمتها اثنان من المترجمين الأجانب المختصين بترجمة الأدب العربي. إذن، تحقق حلم الشعراء في أن يروا، أو يرى أبناء الذين رحلوا منهم، مجموعات شعرية أنيقة، بأسمائهم، وقطعا سيتعرف الكثيرون من الجيل الجديد، على شعراء مثل محيي الدين صابر، ومحمد محمد علي، وأونسة والشاعر العظيم محمد عثمان كجراي، الذي تعرفت عليه أيام عمله في سلك التعليم، في مدينة بورتسودان، وغيرهم من الذين لم يسمعوا بهم من قبل، وهكذا قد حصلنا على فوائد عظيمة ومتعددة، من تبني وزارة الثقافة القطرية، هذا المشروع الكبير. تحية للبلد الكريم، الواسع الصدر، قطر، ولوزارة الثقافة التي أكرمتنا جميعا.

529

| 30 يوليو 2012

اختلاف الأذواق

يعد موقع (Good reads) على الإنترنت أحد المواقع المهمة بالنسبة لقراء الكتب، خاصة الروايات، حيث يضع المشتركون فيه، ما قرأوه، ويعلقون عليه، وربما يقتبسون مقاطع معينة أعجبتهم في كتاب، ويضعونها لمشاركة الآخرين فيها، وقد درجت على زيارة هذا الموقع من حين لآخر، نوعا من التواصل مع القراء، ومعرفة الآراء المتباينة في أعمالي الشخصية، أو أعمال لكتاب آخرين، قرأتها وكونت عنها رأيا، وقد أعجبني أن الكتب توضع بترجماتها المختلفة، ويكتب كل قارئ حسب لغته أو اللغة التي قرأ بها الكتاب. المهم في هذا الموقع الجيد، أن اسم الكاتب لا يهم كثيرا، وإنما نصه الذي يطرح، ويمكن لأي قارئ مهما كان صغيرا، أو متواضع القراءة أن يدلي برأيه فيه بكل حرية، قد يتفق مع كثيرين، وقد يختلف مع كثيرين، ولكن يبقى الرأي موجودا، ويمكن أن يطالعه قارئ آخر، أو يطالعه الكاتب نفسه، إن مر بذلك الموقع، وقد نالت روايات شهيرة مثل مائة عام من الكوليرا، لجابرييل ماركيز، وحفلة التيس، لماريو فارجاس يوسا، وروايات لاستيفن كينج، حظا من القراءة والتعليق، بجميع اللغات التي ترجمت لها، بينما أعمال أخرى، لم تحظ إلا باهتمام قليل، ولعل ذلك ناتج من الشهرة التي تحظى بها تلك الأعمال، وأنها تدفع القارئ لاقتنائها ومن ثم الإدلاء برأي حر فيها، في ذلك الموقع المهم. ما يبين اختلاف الأذواق، أو اختلاف توجه القراءة وعمقها، هو أن تجد رأيا إيجابيا بصورة مدهشة، لكتاب مثل: ذكرى غانياتي الحزينات، لماركيز، يقابله رأي سلبي بطريقة غريبة لنفس الكتاب، واتهام للروائي العظيم بأنه تعب، وما كان يجدر به أن يكتب هذه الرواية، وهو الذي كتب مائة عام من العزلة، والحب في زمن الكوليرا، وأحداث موت معلن، وشخصيا من الذين كانوا سيدلون بذات الرأي السلبي، غير المعجب إطلاقا بتلك الرواية، التي أعتبرها ناتجة عن إرهاق شديد أكثر منها نصا جديرا بالقراءة. الأعمال العربية أيضا لها حظها من الوجود في ذلك الموقع، مع انتشار الإنترنت، وظهور أجيال جديدة، تفضل القراءة الإلكترونية، أكثر من القراءة الورقية، أو تطرق الشبكة الفضائية باستمرار، وأكثر الكتب التي تحظى بالتعليق، هي القائمة السنوية، لجائزة البوكر العربية، ويبدو أنها حدث ينتظره القراء سنويا، رغم أنها في رأيي الشخصي، ليست معيارا لجودة النص الذي يدخل تلك القائمة، ولا معيار لرداءة نص لم يدخلها، وهي أيضا خاضعة للذوق الخاص للجنة التحكيم التي تجيز هذا، وترفض هذا. هذه القائمة، يبدأ القراء بإدراجها في الموقع بمجرد ظهورها، وتبدأ التعليقات فيها، ومن الطريف أن الروايات التي تحصل على الجائزة السنوية، في معظمها لا ترضي القراء، وتجد كل قارئ يختار روايته، ويصفها بأنها هي الرواية التي كان من المفترض أن تحصل على الجائزة. بالنسبة إلي، دائما ما أهتم برأي القارئ، مهما كان حجمه، ولذلك لم تغضبني بعض الآراء السلبية التي وجدتها عن بعض أعمالي، برغم بعد أغلبها عن الموضوعية، اعتبرتها ظاهرة طيبة أن يهتم أحد بكتاب أصدرته.

1406

| 23 يوليو 2012

أماكن الإلهام

في السنوات الماضية، اخترت ركنا شبه منعزل في أحد فنادق الدوحة، حولته إلى مكان خاص، ألجأ إليه كلما أردت أن أكتب شيئا، سواء أكان ذلك مقالا صغيرا، أو رواية كبيرة، وتدريجيا ابتدأ ذلك الركن يحتكرني، ولم أعد قادرا على الكتابة في مكان آخر غيره، صرت آتيه أحيانا بمزاج متعكر، وجفاف غريب، وسرعان ما أعثر على الكلمات المطلوبة، وتأتي النصوص متدفقة. وقد حاولت أن أجلس في أماكن أخرى أكثر انعزالا وأشد هدوءا، ولكن ما يأتي فيها، لا يعادل ما يأتي في ذلك الركن، في تلك الأماكن تأتي الكتابة بصعوبة، بعكس الركن القديم تماما، وقد التقطت صورا كثيرة لذلك الركن، أثناء الكتابة، وروجت له لدى الأصدقاء، ولدرجة أن كثيرا منهم، ود لو كان قريبا ليأتي ويجرب ما يمنحه ركني من إلهام كبير، ومنذ عدة أيام عثرت على صديق له رواية متعثرة، يحاول كتابتها منذ سنوات طويلة، جالسا عليه، بعد أن سمع به، وقال إنه لم يستلهم أي شيء، بعد أن ظل جالسا، وحاسوبه مفتوح أكثر من ساعتين. أردت أن أقول صراحة، بأنه لا توجد أماكن للكتابة، تسمى أماكن ملهمة، وأخرى تسمى عديمة الإلهام، أو طاردة له، كل مكان فيه ثمة هدوء، إضافة إلى مزاج صاف، يمكن أن يمنح كتابة، وأحيانا تكون المقاهي، وأماكن الضجيج، صالحة أيضا للكتابة فيها، وأعرف زملاء يكتبون رواياتهم في المقاهي، وآخرين يكتبونها في السفر، وصالات المطارات ومحطات القطارات، وهناك كاتب عالمي، لا يكتب إلا إن كانت ثمة فوضى وصراخات، تحيط به. المسألة هنا نفسية بحتة، الكاتب يربط إلهامه بالمكان، ومن ثم يصبح المكان ملهما. تماما مثل التعود على النوم في سرير معين، تحت ظروف مستقرة، ويضيع النوم إن اختلت تلك الظروف، واضطر الشخص إلى المبيت في مكان آخر، ربما يكون أكثر راحة من مكانه المعتاد. وما ذلك الركن الفندقي الذي كتبت فيه حتى الآن أكثر من ست روايات، إلا سرير النوم المستقر، الذي تضيع الكتابة، إن حاولتها في مكان آخر. في فبراير الماضي، كنت في الخرطوم، وكانت لدي التزامات كتابية، وأنا بعيد عن ركني، جلست للكتابة في بيتي ولم أستطع، وبحثت عن ركن بديل لأعثر على واحد في فندق محلي. جلست فيه ساعات، لم أكتب شيئا، لكني حين عدت في اليوم الثاني، وجدته يستجيب ويمنح ما يظنه البعض إلهاما، وهو ليس كذلك كما وضحت، كل ما في الأمر، أنني لم أكن أملك خيارا آخر، وبالتالي ضغطت نفسي، لأنجز التزامي. اليوم زرت ذلك الركن الخرطومي، جلست فيه لأكتب وعثرت على شيء من الإلهام بعد عدة محاولات، وقررت أن أسميه الركن البديل، الركن الذي ألجأ إليه حين أكون في الخرطوم، وأيضا منطلقا من المسألة السيكولوجية البحتة، التي تحول الأشياء الحقيقية، إلى أشياء غير حقيقية، وتجعل ركنا عاديا في فندق، مكان إلهام كبير.

1088

| 09 يوليو 2012

من رواية ٣٦٦

  (لن تتذكري أبداً أين التقيتك لأول مرة، لأنك لا تعرفين أصلا إنني التقيتك، وإنني تعمقت في لقائك، وصادقتك حد الجنون، وعرفت بحاسة قوية متمكنة، تفاصيلك، التي قد لا تعرفينها أنت نفسك، وأستطيع أن أدرسك، وأحاضر في سيرة تملكينها، وأملكها أكثر منك، لن تصدقي أنني كنت قريبا منك لأشهر طويلة، في لحظات مرضك التي ربما تكونين قد مرضته، ورونقك وانبهارك واستيائك، وغرورك، وكل ما يمكن أن يخصك. أتعذب في صمت، لدرجة أنني أحببت العذاب بشدة، سميته عطر أسماء، صنعت منه نكهات متعددة، رششتها في قلبي، وأصبح على مر الأيام، عطرا مفضلا، وبديعا، شمته الدنيا كلها، إلا أنت. وبرغم أن عشقي كان من البداية بلا أمل، فقد تركته ليكون هكذا، مستعرا نازفا، أنا الذي ألقي بحطب معاناته كلما خبا، من دون قدرة على تركه يموت. الزمان، إحدى ليالي الخميس، الليالي المفضلة لإقامة الأفراح في بلادنا، كما تعرفين، والمكان ناد شبه أرستقراطي عتيق، في وسط المدينة، قريبا من شاطئ البحر، يسمونه النادي الطلياني، اسمه استعماري صرف، لكني لم أر طليانا أو أشباه طليان، أو أي غرباء آخرين، يتحاومون فيه في المرات القليلة التي طرقته فيها، ولا أعرف سر تسميته تلك، وإن كانت ملاعب التنس وكرة اليد والسلة المهجورة بنجيلها اليابس، والأزهار المحترقة على جانبيها، وطريقة زخرفة الأبواب والنوافذ، وأردية عماله المنسقة إلى حد ما، تدل على أنه كان ذات يوم، إحدى بؤر الغرب المتعددة في بلادنا، وفارقته الأرواح القديمة، لتحل أرواحنا في المكان، تلبسه ثياب البيئة المحلية، ويستطيع واحد من أقاربي، مثل عبدالقادر علي، الذي يعمل موظفا عاديا في أحد البنوك الوطنية، ويسكن مع أهله، حيا شعبيا في طرف من أطراف المدينة، أن يستأجر مسرحه القديم، ليقيم حفل زفافه.  لم أكن أيضا من هواة حفلات الزفاف الصاخبة على الإطلاق، أعتبرها مناسبات خرقاء يمكن اختصارها إلى أدنى حد، وإقامتها داخل بيت صغير بلا ترف ولا ضجيج، بحضور من يعنيهم أمرها، من أهل العروسين وجيرانهم، لكن المجتمع ليس في صفي، على الإطلاق، وكنت أذهب مضطرا لمشاركة من أعرفهم، وكان عبدالقادر من أقاربي اللصيقين، ومن ثم لا بد من مشاركته حتى النهاية. أتيت إلى الحفل متأنقا بحسب تصوري الشخصي، ولم أكن ضليعا في الأناقة، في أي فترة من فترات حياتي، أرتدي ملابس راعيت فيها أن تبدو ملابس معلم في مدرسة، ربما يصادفه أحد تلاميذه في ذلك الحفل، ولا يحس بأنه يصادفه خارج صفوف الدراسة، أو معامل الكيمياء، قميصي أبيض بلا خطوط إضافية، وسروالي أزرق فاتح، وعطري واحد من تلك العطور السائدة في السوق، أظنه كان عطر ماكسي أو جاكومو، أو ون مان شو، لا أذكر الآن بالتحديد، ولم تكن لدي حيلة لأجعل وجهي شديد الفرح، فقد كان وجها ممتلئا بتجاعيد، ورثتها من أسرة لم تورث سوى التجاعيد).

989

| 01 يوليو 2012

لماذا نكتب؟

طرح زميلنا الكاتب والناقد السوداني، صلاح سر الختم، على صفحته في الفيس بوك، سؤالا في غاية الأهمية، ويمكن أن يكون قد طرح كثيرا من قبل، لكن طرحه الآن في زمن الإنترنت، والثورات، والحياة المادية المسيطرة، يصبح أكثر أهمية. السؤال: لماذا نكتب؟ الحقيقة أن كثيرين من الذين يكتبون، يتغاضون كثيرا عن طرح الأسئلة المتعلقة بالكتابة، بوصفها قد تكون أدوات إحباط كبرى، لو حاولوا أن يعثروا على إجابات لها، والكاتب يريد أن يكتب بحرية، بلا أسئلة ولا أجوبة، ولا بمن يذكره بأن هناك جدوى من الكتابة، أو عدم جدوى على الإطلاق، وفي متابعاتي المكثفة للصفحات الثقافية، ومواقع الإنترنت، وموقع الفيس بوك الجاذب للكل، أجد أن قطاعات كبيرة من الناس تكتب، لا يهم ما يكتبون ولكنهم مستمرون في الكتابة، تجد كتاب القصة، وكتاب الرواية، وكتاب الخواطر السريعة، وبعض عبارات فلسفية أو عاطفية مستلفة من هنا وهناك، وتجد تعليقات بالاستحسان غالبا، وفي المواقع التي تتيح للقراء فرصة أن يعلقوا على مقال قرأوه، مثل موقع الجزيرة نت، ومواقع معظم الصحف اليومية، تجد قراء يكتبون، وفي أحيان كثيرة، لا تكون تعليقاتهم مختصة بالمقال، إنما يخترعون كتابة أخرى، من أجل أن يكتبوا. وبالنسبة للكتاب الذين عبدوا طريقهم، وأصبحت لهم مكانتهم الكبرى في هذا المجال، فإنهم يتلقون عشرات الرسائل وعشرات المخطوطات يوميا، من كتاب حديثي العهد بالكتابة، ويبحثون عن ضوء، عن غطاء كبير، يقرر لهم مشروعية كتابتهم، حتى يستمروا، وهكذا نجد الدنيا كلها تكتب، لكن بفروق واضحة، الفروق التي تجعلني أطرح سؤالا آخر: من هو الكاتب الجدير بأن يكتب؟ بالنسبة للسؤال الأول، ليست هناك إجابة محددة، وأستطيع أن أقول بأن الكتابة الملهمة، جزء من تركيب شخصية بعض الناس، ولدوا بها واستمروا بها، ودائما ما تجد تاريخا يعود إلى زمن الطفولة، والدراسة المبكرة، يرسم هؤلاء الأشخاص، واسعو الخيال، ويحصلون على درجات جيدة في حصص الإنشاء التي تستوجب تفعيل الخيال، وتجدهم بعد أن كبروا قليلا، قد صاغوا خواطر، أو كتبوا الشعر والقصة، وسعوا للنشر، ونادرا جدا أن تجد كاتبا طرق تلك السكة، بعد أن كبر وتكونت شخصيته، وهنا أيضا أقول بارتياح، إن ثمة جرثومة مبدعة، تعشش في الدم، ولا تخرج أبدا. أعود إلى جدارة الكتابة من عدمها، فأنا أعتقد بكل أمانة، أن الكاتب الجدير بأن يكتب، ويصنع له قراء متابعين، وحوارات، وغيره، هو الكاتب الذي يستطيع أن يتبرأ بسهولة من ذلك الكم الهائل من عشاق الكتابة، بلا مقدرات حقيقية، الكاتب الذي يرسم عالما غير مسبوق، ولغة غير متداولة، ويخرج من محك التكرار والوقوع في فخاخ التأثر الكبير الواضح بآخرين، وتشير إليه كتابته، في أي وقت لتقول بأنني كتابته. الآخرون أعتبرهم قراء مواكبين، أو كتابا تحت التدريب، حتى ينالوا ثقة اللغة التي يكتبون بها، وتلك الساعة، لن يقف في طريقهم أحد.

517

| 22 يونيو 2012

الحي الثقافي

  ولأن الثقافة عموما، جزء من الرقي، لكل مكان، وإنجازاتها، تدخل ضمن الموروث العريق لأجياله القادمة، فقد وجدت اهتماما كبيرا في دولة قطر، واصطلحت لها وسائل جذب مختلفة، من أجل التحفيز على الاقتراب منها، والتعمق فيها، فنجد معارض الكتب السنوية، بكل خبزها الثقافي الطازج، نجد الندوات المختلفة في الأدب والفكر والفنون، والمعارض التشكيلية، ومؤتمرات الحوار، والتظاهرات الحية، والترجمات الدائبة من لغات شتى، وأيضا إلى تلك اللغات، ومهرجانات السينما السنوية التي يحضرها نجوم من شتى بلاد العالم، ونجد مقرا دائما ومتسعا وجاذبا، مثل الحي الثقافي، الذي يتنفس بكل تلك الأنشطة، ولا يضيق بها صدره. في ذلك الحي الذي روعي فيه أن يكون ملتقى ثقافيا أولا ومكانا ترفيهيا، أيضا، بحيث تطرقه الأرجل راغبة، خصصت قاعات لكل نشاط، ومسارح، تحتضن جميع أنواع النشاط المسرحي، وحتى الأوبرا التي تحتاج إلى مكان خاص ومؤثرات خاصة، ثمة عربات لنقل المرتادين إن رغبوا، ومقاه ومطاعم يستريح فيها الزائر متى ما شاء، وقد التقيت بصديق يقيم في إحدى دول أوروبا، شارك في نشاط ثقافي مؤخرا، وشاهدت انبهاره على عينيه، من زيارته لذلك الصرح، ويعد ذلك فخرا، أن شارك في أمسية كانت بداخله، وأضاف أنه لم يجد مكانا بهذا السخاء، في كل الدول التي شارك بفعالية فيها. ولأنني من المهتمين بالثقافة، وأشارك في إبقاء جذوتها مشتعلة، مع عشاقها الآخرين، بقدر استطاعتي، فقد أصبح الحي الثقافي أحد أماكني المختارة، أزوره حين تكون ثمة فعاليات مقامة، يسمح لي الوقت بحضورها، وأيضا بلا فعاليات، في أيام نهاية الأسبوع، وأجد نفسي مستمتعا بالتجول بين قاعاته والجلوس على مقاهيه، وأحيانا أصطحب جهاز الكمبيوتر الذي أكتب عليه، وغالبا ما أستوحي نصا أو مقطعا من رواية في ذلك المكان الحميم. أعتقد أن فكرة هذا الحي كانت فكرة في غاية الأهمية، وتنفيذها بهذا الشكل لا يأتي إلا من كرم حقيقي، واهتمام بالغ بهذه المادة الحيوية في مقررات الشعوب، وليكون إضافة مستقبلية لأجيال ستفخر بها ذات يوم. أحيي القائمين على أمر الثقافة لكل ما يقدمونه، والقائمين على أمر الحي الثقافي، لأنهم زودونا بمكان نادر، ترتفع فيه المعنويات بشدة ونستوحي من أنفاسه الكثير.  

660

| 11 يونيو 2012

إيبولا

بمناسبة قرب صدورها عن دار الساقي ببيروت، أنشر اليوم، مقطعا من روايتي إيبولا ٧٦ التي كتبتها عن الحمى النزيفية، التي ضربت جنوب السودان في عام ١٩٧٦. تتبع (إيبولا) القاتل، (لويس نوا) ظهر ذلك اليوم الحار من شهر أغسطس، عام ١٩٧٦، وهو يتحرق شوقًا ليسكن دمه. كان لويس من منطقة (أنزارا) الحدودية، في جنوب السودان، عامل نسيج بسيطا في مصنع صغير، لإنتاج الألبسة القطنية، يملكه ويديره محارب سابق في جيش المتمردين على سلطة الخرطوم المركزية، اسمه (جيمس رياك)، وقد جاء لويس إلى الكونغو في زيارة حزن مباغتة، حين علم مصادفة من أحد العائدين من كينشاسا، بموت امرأة دغدغت قلبه، في العامين الأخيرين، مستولية على كل ود، كان يكنه لزوجته في السابق. لم يمكث في وسط العاصمة كينشاسا إلا بمقدار تلفته في حذر، وعبوره الطريق غير المرصوف، بين موقف حافلة الركاب الصغيرة التي أقلته من أنزارا، وموقف حافلة أخرى، أراد استقلالها إلى مقبرة في الأطراف، حيث يرقد المئات من ضحايا إيبولا، حصدهم في انطلاقته الكبرى المحيرة تلك. كان إيبولا حوله، وقريبًا منه بصورة كبيرة، ويتحين الوقت المناسب لافتراسه. دخل المقبرة المسورة بالحجر الأبيض، والمحاطة بأشجار بعضها مؤرق وبعضها زابل، والفيروس موجود، تحمله عشرات الأجساد التي صادفها هناك، كان في دم المتسولة العجوز، غائرة الخدين، التي مدت له يدها في صمت، ومنحها نصف فرنك وهو يدخل، في دم حارس الأمن المتسلط، الذي يقف عند البوابة، متكئا على سلاحه القديم ونظراته تتحاوم بين الداخلين والخارجين، في دماء الزوار العديدين، الذين ألقى عليهم نظرة هائمة أو لم يلق، وحتى حين انحنى على قبر المرأة التي جاء من أجلها في تلك الرحلة الشاقة، وبكى بشدة، كان ينحني ويبكي على قبر امرأة، كان الفيروس في جسدها الميت، وقضى عليها منذ يومين فقط. لا يدري إيبولا القاتل، الذي يروع الناس منذ فترة في تلك البلاد، ما الذي لفت نظره في لويس نوا، ليضطرب كل ذلك الاضطراب، ليقرر الهجرة عبر دمه إلى بلاد أخرى، بعد أن كثر عليه النباح في بلده الأصلي، وجندت الدولة ثعابينها وعقاربها وكل ما تمتلكه من خير وشر لملاحقته، واكتشاف هويته، ووصلت عينات من دماء ضحاياه العديدين، إلى دول العالم المتقدمة مثل أمريكا وكندا، وأستراليا، والآن يدرسونها بعمق، تحت عدسات مرعبة، للعثور على لقاح ضده، أو دواء يعدمه إلى الأبد. لم يكن لويس نوا في الواقع، جذابًا، لم يكن وسيمًا أبدًا، أنفه في غاية الضخامة وفيه بثور بيضاء، تختفي وتعود، كتفاه أعرض مما ينبغي لكتفين، شفتاه مشققتان بفعل الحر، وجفاف الحلق، وفي مقدمة جبهته العريضة، نُحتت بالنار، تلك الفصوص المقيتة التي اشتُهرت بها قبيلته، وتحمل معنى مقدسًا.  كم كان عمره؟، لا أحد يدري بالتحديد، لكنه يبدو في الأربعينيات، أو بداية الخمسينيات، تاريخه المرضي يبدو ناصعًا حتى الآن، لا ضغط ولا سكر، ولا خفة في النظر، ولا احتقان في الكلى أو البروستاتا، ولا شيء آخر باستثناء حمى المستنقعات التي تنشط في خلاياه أحيانًا، والتي ليست مرضًا على الإطلاق في تلك المناطق.    

452

| 03 يونيو 2012

الشخصية الموحية

في الأيام الماضية عاد إلى الظهور مرة أخرى شخص كان قد اقتحمني في ما مضى واستوحيت منه إحدى شخصياتي المؤثرة في رواية زحف النمل، أيضا وأنا أشاهد مراسم دفن المغني الرائع نادر خضر، رحمه الله، وقعت عيناي على شخص كنت قد التقطته في الماضي، واستوحيت منه شخصية مؤثرة كذلك في رواية أخرى. بالطبع لم أكتب هاتين الشخصيتين، وغيرهما من الشخصيات التي ألتقطها من الواقع، بنفس مواصفات وجودها في ذلك الواقع، ولكن لا بد من تغيير ما، تطوير آخر يخدم النص، ويدعم اتجاهات الكتابة، ولو صيغت الشخصيات كما هي  لانتفت صفة الصنعة من نصوص الإبداع، ولأصبح مجرد رصد نثري عادي. لكن كيف تكون الشخصية موحية؟ ولماذا شخصيات مؤثرة تتقافز في ذهن الكاتب خلافا لشخصيات أخرى ربما يعرف تفاصيلها أكثر؟ هنا لا توجد إجابة محددة، ولا يعرف الكاتب بالتحديد لماذا هذه الشخصية، وليست تلك، الكاتب بالضرورة شخص عادي في حياته اليومية، وتصادفه عشرات المواقف، يصادفه عشرات الناس، وهو بالضرورة ملم بكل ما يحدث في عالمه العادي، وحين يجلس لكتابة نص، يجلس بوصفه كاتبا، تأتي التقاطاته التي يسمح له النص بها إلى الورق، من دون أن يعرف السبب، وفي تجارب سابقة لكتابة نص بحثي، أو نص قائم على شخصيات معروفة، لأسباب عدة، جمعت عشرات الصفحات والمعلومات عن تلك الشخصيات، أو تابعت حياتها إن كانت قريبة مني، وجلست لأكتب، ولم أستطع ذلك، ودائما ما أضرب مثلا بالآسيوي الذي يمشي عشرات الكيلو مترات يوميا على قدميه، ويأتي إلى عيادتي ليصيح بأن قدمه مكسورة ولا يستطيع المشي. لقد صنفته بوعيي، شخصية أسطورية، صوته الغريب، ثيابه الملونة بشكل عنيف، ذلك الراديو متوسط الحجم الذي يحمله دائما، والحقيبة الجلدية الممزقة التي لم تفارقه أبداً لمدة سبعة عشر عاما، والتي قام بفتحها ذات يوم، وكانت فارغة. لم أستطع كتابة تلك الشخصية، برغم كل ما ذكرته من إيحائها، ذلك ببساطة أن لا نص تشكل بداخلي عنها، وربما يأتي يوم لأجدها فجأة في إحدى الروايات، وفي الأسبوع الماضي تحدثت عن رسائل حب عثرنا عليها ونحن طلاب في المرحلة الثانوية، أواخر السبعينيات من القرن الماضي، استمتعنا بلغتها المتأججة والخط الرائع الذي كتبت به، وتوزعناها في ما بيننا، وانتهى أمرها ونسيت، وأجدها فجأة تأتي إلى نص مكتمل الأركان بعد أكثر من ثلاثين عاما. إذن، الكاتب لا يملك حقيقة شخصياته الموحية، ولا يستطيع أن يحددها سلفا، ويقوم بإعادة إنتاجها في نصوص، ليس كل كاتب بلا شك، لأن هناك كتابا يستطيعون ذلك، ولكن يستطيع القارئ المتمرس على القراءة ملاحظة الخلل الناتج عن كون تلك الشخصية رسمت بعنف، ولم تترك لتأتي وحدها. أقصى ما أتمناه أن تأتي تلك الشخصيات التي أحببتها على الواقع، تأتي في نصوص بسهولة، وأعتقد حقا أنها خسارة كبيرة، أن يعبر ذلك الآسيوي غريب الأطوار بكتابتي من دون أن يدخلها، وكذا آخرون بنفس المستوى من الغرابة.

652

| 28 مايو 2012

من رسائل المرحوم

منذ أسبوعين، كتبت عن تلك الرسائل العاطفية، التي عثرنا عليها ذات يوم عند سور المدرسة الثانوية، ونحن طلاب، وكانت موضوعة في ظرف مكتوب عليه: رسائل المرحوم، والآن قد ضغطتني، لأعيد انتاجها روائيا، وهذه الفقرة من النص الذي أعمل عليه: (حوالي التاسعة، وفي موعد الإفطار الذي يستمر حتى العاشرة، ويسرح له التلاميذ من فصول الدراسة، كنت في السوق، أتسكع مترددا، أمام استديو عنتر وإخوانه، الذي يعمل فيه تلميذي الفقير أيام الجُمع، ثم أنهي ترددي أخيرا وأدخل. عثرت على موظفة شابة، لم تكن موجودة يوم أمس، وبدت لي بتذوقي الجديد للمرأة، الذي بت أحمله منذ رأيتك، أنها سلسة، وودودة، وفيها جمال، يمكن أن يوقع بعاشق ما، في زمن ما. سألت في البداية عن صوري التي التقطها لي مصور الإستديو يوم أمس، وكانت موجودة في ظرف صغير، مقصوص بلا عناية، أخرجته الفتاة، من صندوق ممتلئ بالأظرف المماثلة، وسلمته لي، بعد أن تأكدت من مطابقتي لمحتوياته. هذا ليس غرضي يا فتاة، هتفت في سري، وأنا أضع المظروف في جيبي، وأحاول أن أسأل عن الغرض الحقيقي، من دون أن أبدو نشالا أو متلصّصا أخرق، وفي النهاية، وبعد أن تأكّدت أن ابتسامتها عادية، بلا أي ظلال، قلت: هل قمتم بتصوير حفل زفاف، ليلة الخميس في النادي الطلياني؟ اهتمت الفتاة لسؤالي بشدة، كأني كنت أسألها عن صحة والدتها، أو أبشرها بزيادة راتبها، في تلك الوظيفة الخامدة التي لا تنبئ بأي مستقبل، اعتذرت بلطف بأنها كانت غائبة منذ الأربعاء، وبحثت في الأدراج المتراصة من حولها، وسجلات التصوير الخارجي، يدها اليمنى تتقافز بين الأرفف، واليسرى تلاحق خصلة شعر متمردة، تسقط على عينها، كلما رفعتها، أخيرا وبعد عدة دقائق، قالت:  — نعم زفاف عبدالقادر على سلمى. زفاف عبدالقادر، هذا أعرفه جيّدا، لأنه زفاف قريبي، لكن سلمى للأسف لم أكن أعرفها. اكتشفت فجأة، أنني ذهبت إلى عرس لا أعرف عروسه، وزاد ذلك من يقيني أنني كنت ذاهبا لأراك أنت يا أسماء، المناسبة الكبرى التي تأنقت من أجلها من دون أن أدري. سؤالي الثاني كان أصعب، ويحتاج إلى تدريب طويل، في مقاومة الحرج، حتى أسأله، ولم أكن مدرّبا بكل أسف، ظللت أكثر من عشرين دقيقة، أتلكأ ببصري في الصور والإطارات الفارغة، المتراصة على الأرفف الزجاجية، داخل الأستوديو، ومن طرف عيني، أتتبع الفتاة، أجدها قد أخرجت قلامة للأظفار من حقيبتها القماشية، الموضوعة أمامها، عملت بها على ظفرين ناتئين في يدها اليسرى، وأعادتها إلى الحقيبة، التقطت إصبعا لطلاء الشفاه، بني اللون، مررته على شفتيها بسرعة، التقطت سماعة الهاتف، وأعادتها إلى مكانها، من دون أن تجري اتصالا، دخل زبون يرتدي ثوبا وعمامة وحذاء من جلد النمر، التقط مظروفا شبيها بمظروفي، وخرج، وارتفع صوت امرأة من الطريق، يصرخ: يا يحيي.. يا يحيي.. وفي اللحظة التي شاهدت فيها الفتاة، قد بدأت ترتبك، وتهتز أطرافها، ربما لشعورها بأن ثمة خطأ ما في وجود زبون، لفترة أطول من اللازم، وربما لسبب آخر لا أعرفه، اخترت إطارا فارغا من الخشب المدهون باللون الذهبي في أطرافه، كان موجودا من ضمن أطر عديدة، موضوعة على الأرفف بجانب الصور، وضعته أمامها.  

789

| 24 مايو 2012

روائي في جامعة

في الأسبوع الماضي، وبمبادرة سخية، من الزميلة الكاتبة، الدكتورة نورة فرج، استضافتني كلية التربية والعلوم، بجامعة قطر، للتحدث عن تجربتي في الكتابة الروائية أمام الطالبات، وعدد من أستاذة الجامعة، في واحدة من الندوات التي تدخل ضمن النشاط الثقافي للجامعة. بداية أقر بأنني برغم وجودي المكثف في ندوات كثيرة في لوطن العربي، إلا أنها المرة الأولى التي أستضاف فيها في جامعة، وبالتالي كانت تجربة جديدة ومميزة، وأحسب أنها من التجارب التي ينبغي لكل كاتب أن يمر بها، فطلاب الجامعة هم قراء أيضا، سوى لمناهج الدراسة التي تقرر عليهم، أو للكتب الإبداعية وغير الإبداعية التي يقتنونها لتطوير مهاراتهم والاستفادة منها إن كان بينهم موهوبون، ينوون أن يطرقوا ذلك الدرب. شهادتي كانت مختصرة، وتحدثت فيها عن عوالمي التي أكتبها، وطقوسي في الكتابة، ومنابع الوحي التي أستقي منها، وهي شهادة روتينية توجد لدى كل منشغل بالأدب، ويود أو يطالب أحيانا أن يضيء شيئا من انشغاله، لدى قراء يعرفونه أو لا يعرفونه ويودون لو عرفوا شيئا عنه. حقيقة شعرت بوجود تجاوب كبير، وجاءني عدد غير قليل من الطالبات وبعض الطلاب الحاضرين، يسألون عن كيفية أن يصبحوا كتابا، ومن أين يبدأون إذا أرادوا ذلك. وبالطبع لم تكن لدي إجابات شافية، لأن من يكتب لا يعرف أصلا متى كتب، وأي أدوات استخدم، ولماذا كتب؟. هي إيحاءات غالبا ما تأتي في الصغر، حين يكتشف أحدهم فجأة وبلا أي مقدمات، أنه كتب أو رسم أو نحت، أو ذهب إلى إحدى الفرق المسرحية، وقام بأداء أدوار خلابة. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة، برامج ممولة من محطات فضائية، مهمتها اكتشاف الموهوبين، وإبرازهم لأنفسهم أولا، ثم للعالم بعد ذلك، وأعتقد أنها فكرة جيدة، أن تختصر على ذوي الموهبة الحقيقية، دربا وعرا قد يسيرون فيه بلا هدى، إن لم يجدوا الأضواء التي ترشدهم. وقد أخبرتني طالبة، أنها تكتب ولا تعرف إن كان ما تكتبه، جديرا بأن يراه الناس أم لا؟، وكان ردي أن تقتنع أولا بكتابتها، وفي تلك اللحظة، يمكنها أن تنشر ما كتبت. في نفس الندوة، أسعدني الصديق الناقد الكبير، الدكتور أحمد درويش، أستاذ الأدب بالجامعة، بدراسة عميقة وشيقة لروايتي العطر الفرنسي التي صدرت منذ عدة أعوام، وكانت دراسته من المفاتيح الفاعلة في إضاءتها، تناولت مسألتين مهمتين، لم يتناولهما أحد من قبل، وهما استخدام الخيال، في صنع واقع مواز، يعيش فيه بطل الرواية باعتباره واقعه الحقيقي، ويمضي معه حتى لحظة جنونه، وثانيا استخدام حاسة الشم في وصف الأشياء وتناولها. وهاتان النقطتان بالفعل كانتا من مفاصل الرواية المهمة. أخيرا، شكري العميق لجامعة قطر، وللزميلة الدكتورة نورة، وللأصدقاء الأساتذة الذين حضروا، وكل الحاضرين من طالبات وطلاب، ويقينا أنني استمتعت بالتجربة، واعتبرتها من الخطوات المهمة في حياتي الكتابية.

397

| 13 مايو 2012

تقديم الكاتب

  في عام 1995، أنجزت روايتي الثانية، سماء بلون الياقوت، بعد سنوات طويلة من الانقطاع عن الكتابة، قضيتها أعمل في شرق السودان، بلا وقت ولا تفكير ولا مزاج للكتابة. كنت فرحا بتلك الرواية للغاية، سافرت لطباعتها في عمان، وأرسلتها قبل ذلك لكاتب شهير حتى يكتب لي عدة كلمات على الغلاف، لكن ذلك لم يحدث، ونشر الكتاب بلا كلمة تقديمية. تلك الأيام كنت في البداية، لا أعرف حجم انشغال كاتب استعنت به، تمنعه ظروف كثيرة عن تقديم كاتب مبتدئ، وغضبت مما ظننته إهمالا، ولم أكن محقا. ذلك أن الأيام ستمضي، وتكتمل التجربة بلا تعريف مسبق لها، وأيضا أجد نفسي في ذلك الوضع الذي يحد من تقديمي لأحد. منذ عامين بالتحديد، وكلما فتحت بريدي، الذي أفتحه عدة مرات يوميا، لابد أن أجد مخطوطة أرسلها كاتب في بداياته، يريدني أن أقدمه، تجد عبارات الرجاء، وعبارات التملق أحيانا، وتجد شخصا منزعجا من إهماله، ويبحث عن أمل. أيضا ثمة كتب منشورة يريدني البعض أن أكتب عنها، وهناك ناشرون يرسلون أعمالا لكتابهم، راجين تعاوني في تسليط الضوء عليها، ولأن لا وقت عندي على الإطلاق، ولست كاتبا متفرغا للقراءة والكتابة، فإنني أجد صعوبة كبيرة في تلبية تلك النداءات، وغالبا لا أكتب إلا ما أحسه قد لامسني أو عن تجربة أحس أنها نضجت ومن الواجب أن يعرفها الجميع. وفي النهاية، تأتي رسائل اللوم، ورسائل الشكوى من عدم الاهتمام، وربما يحملني البعض مسؤولية القضاء على مواهبهم، حين لم أسقها بماء البريق. أود أن أقول، إن الكتابة عموما لم تعد طريقا جيدا للشهرة أو الكسب، كما كانت في الماضي، حين يترك موظفون محترفون مهنهم، ويلتحقون بها، ويعيشون من رزقها، وبريقها، كما حدث عند كتاب مثل يوسف إدريس، ومصطفى محمود، لقد أصبحت عبئا على الكاتب نفسه، والذي يصاب بدائها، يصاب أيضا بداء العزلة، والكآبة، ويظل يلهث سنوات طويلة بلا معنى، ومسألة اللجوء إلى كاتب له منجزه، من أجل أن يقول شيئا، أيضا لا تجدي، لأن ذلك الكاتب حتى لو تفرغ للنصوص التي تغزو بريده، وقدمها كلها، فليس معنى ذلك أن ثمة قراء سيتقاطرون عليها، وأبواب مغلقة ستنفتح، إنها فرحة مؤقتة لدى الكاتب المبتدئ، ما تلبث أن تتبخر مثل أي أحلام أخرى، نحلمها في العالم الثالث، وتظل مجرد أحلام فقط. ليس ثمة طريقة لمنع الناس من الكتابة، وفي كل جيل تظهر مواهب جديدة، لها خصوصيتها ورموزها، وليس ثمة طريقة لوأد الأحلام التي تشتعل في خيالات الكتاب الجدد، ولكن توجد نصائح لابد من قولها في هذا الشأن، ولابد أن يستوعبها الذين يطرقون أبواب المنشغلين بغية الحصول على وقت منهم. ليس كل كاتب معروف، يملك مفاتيح السحر التي تفتح أبواب الناشرين، وأقبية الترجمة المظلمة، ولن يكون تعليقي أو تعليق غيري على غلاف كتاب، هو الطريق الممهد للبريق. وحده القارئ من يقرر، ويأتي الحظ أحيانا ليرفع من رواية، ما كان لها أن ترتفع لولاه.  

1743

| 16 أبريل 2012

يغلق الباب على ضجر

 بالرغم من الانحسار المعروف للقصة القصيرة، في الأعوام الماضية، واتجاه معظم كتابها المعروفين، إلى الرواية التي أصبحت الشغل الشاغل للمبدعين، هذه الأيام، فإننا نطالع بين حين وآخر، كتابة رشيقة للقصة، يمكن أن تعلن صراحة أن هذا الفن لا يزال موجودا، ويمكن أن يستعيد قراءه بسهولة، كما في الماضي. من هذه الكتابة مجموعة الكويتية باسمة العنزي: يغلق الباب على ضجر، والتي نسجت بفن عال، يجعل من قراءتها متعة حقيقية، ربما تعادل المتعة التي تصاحب قراءة الرواية الجيدة، وبالتالي تبعث الأمل بأن القصة القصيرة إذا ما روعي فيها الانضباط والتماسك مع عدم الإخلال بشروط الاقتصاد والتكثيف اللغوي، يمكنها أن تعبر بقوة عما نعيشه، وتسوق خيالاتنا إلى بقع بعيدة من الجمال. المجموعة صيغت على شكل أبواب تفتح واحدا بعد الآخر، ووراء كل باب حكاية، إما غريبة حقا، وإما عادية، حولتها اللغة العذبة إلى استراحة غير عادية، ولعب فيها الخيال الحكائي دورا أكد من حميميتها، فحصة الخرساء الأسطورية، التي تكنس آلام الحارة ودموعها في الليل، تتحول إلى أسطورة في كل البيوت ما عدا بيت والدها الذي كانت تكنس آلامه ودموعه أيضا ولكن في وضح النهار، ويتمنى أسوة بغيره من أهل الجوار أن تزوره تلك الأسطورة أيضا، ولا يدري أنها تنبع من بيته، قصة أعتبرها رواية ملخصة، يمكن أن تتفكك إلى حكايات وحكايات داخل تلك الحارة الفقيرة. قصة اللامع الطموح الذي غيَّر كل ثوابت الأسرة، ولم يستطع أن يغيِّر اسم والده الغريب الذي يقف له عائقا أمام كل نجاح، إشارة ذكية إلى سطوة الأب في مجتمعاتنا العربية التي لن يستطيع أحد تغييرها، مهما فعل، قصة بوعبث مر من هنا التي تلخص ولادة الشر ونموه فيما بعد، ليصبح شجرة شائكة تظل الشرير، وتوزع الشوك بلا هوادة، وعدد من القصص الأخرى التي ترصد تغير المجتمع الخليجي من وراء أبواب، تفتح على مهل، لتكشف لنا ما وراءها، وحتى الباب الذي يغلق على ضجر، هو أيضا باب مفتوح، وراءه قصة ضياع كبيرة، حدثت حين كان البلد نفسه يوشك أن يضيع، في أيام عصيبة مضت. شخصيا أعتبر تلك المجموعة، متوالية قصصية شبيهة بالرواية.  النسيج هنا من نفس لحم الرواية وأربطتها وعظامها، فقط فكك لتروى الحكايات واحدة بعد أخرى، وعلى الذي يقف في بداية ذلك الحي، أن يأتي بحباله الخاصة، ليضفر تلك الحكايات إلى بعضها. اللافت أيضا، تلك الإشارات التي تطول العادات والتقاليد، وتغير المجتمعات، وسطوة الحياة المادية، وأيضا قهر المرأة المتأصل في المشرق، تحت حجة الستر، والذي يجعل من فتاة والدها مستنير، ويستقبل ضيوفا مستنيرين، ليستشيرهم في أمر مستقبلها الدراسي، تتمزق وهي تعلن داخلها رفض الزواج القسري دون أن تفكر أن زوارا يبتسم لهم والدها يمكن أن يكونوا في مهمة أخرى غير طلب الزواج.  أخيرا أعود لأكرر ما قلته؛ إن الفنون إذا ما روعي فيها الإخلاص يمكن أن تظل باقية، وصاحبة صدر متسع لاستقبال المحبين، وكذا فن القصة القصيرة الذي حول في السنوات الماضية إلى ومضات شعرية، يمكن أن يعود إذا ما لبس ثوب الحكاية، ووظفت لغته الشعرية لخدمة النصوص، لا لإخضاعها لسطوة الشعر.

1150

| 19 مارس 2012

alsharq
العدالة التحفيزية لقانون الموارد البشرية

حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...

9036

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
مؤتمر صحفي.. بلا صحافة ومسرح بلا جمهور!

المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...

6696

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
من فاز؟ ومن انتصر؟

انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...

5850

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
مكافأة السنوات الزائدة.. مطلب للإنصاف

منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر...

3168

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
تعديلات قانون الموارد البشرية.. الأسرة المحور الرئيسي

في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...

2721

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
دور قطر التاريخى فى إنهاء حرب غزة

مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...

1797

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
قادة العالم يثمّنون جهود «أمير السلام»

قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....

1494

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

1449

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
العدالة المناخية بين الثورة الصناعية والثورة الرقمية

في السنوات الأخيرة، تصاعدت التحذيرات الدولية بشأن المخاطر...

1110

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
العطر الإلكتروني في المساجد.. بين حسن النية وخطر الصحة

لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...

1047

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
هل تعرف حقاً من يصنع سمعة شركتك؟ الجواب قد يفاجئك

حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...

966

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
فلنكافئ طلاب الشهادة الثانوية

سنغافورة بلد آسيوي وضع له تعليماً خاصاً يليق...

954

| 09 أكتوبر 2025

أخبار محلية