رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

حجم الكتب

قلت مرة وأنا أتحدث عن رواية: «قصة عن الحب والظلام» للإسرائيلي عاموس عوز، تلك الرواية المذهلة الضخمة، التي اصطلح أنها سيرته الذاتية، إن عاموس لم يسع إلى غسل ماضيه، أي لم ينظف سيرته من تلك الأشياء التي تعتبر وسخا، ونسعى كلنا للتخلص منه قبل نشر السيرة، لكنه سعى إلى كتابة عمل يوضح حقيقة حياته، وحقيقة ما في صدره من صلف عنصري، تجاه وطن لم يكن وطنه، وإنما اغتصب وتم احتلاله غدرا، هو لا يكبت الشعور بالعدائية، ولا يتحدث عن جذوره بأي خجل وحتى علاقاته النسائية، وفورانه الاستفزازي، وباختصار كل شيء، لذلك جاءت تلك الرواية الضخمة، ثرية جدا، ويمكن إكمالها في زمن قياسي، على الرغم من عدد صفحاتها الذي تجاوز الثمانمائة صفحة، هنا لن ننظر للأمور بعدائية، لن نستعر غضبا ونلقي بالكتاب، بل نتعرف بكل هدوء على ما يكنه المحتل من مشاعر، ونفكر في صيغة مثل صيغته للرد، هو لم يحمل سلاحا واقعيا، يشهره هنا وهناك، وإنما سعى لاستخدام الأدب كسلاح، ولطالما آمنت بوجود أسلحة كثيرة مخبأة في الأدب، ولكن كثيرين لا يعرفون كيف يستخرجونها، ويستخدمونها عند الضرورة، أعرف أن كثيرين لم يقرأوا قصة عن الحب والظلام، لأنها من نسج عدو، وأعرف أن كثيرين لن يقرأوها، وبالتالي ستظل تلك الإحساسات المترفة، المزعجة غائبة عنهم بلا شك. هناك رواية مهمة للتركي أورهان باموق، تدخل في تصنيف الروايات ذات الوزن الثقيل، ولكن الممتعة أيضا، وهي رواية «ثلج»، التي قصد من كتابتها مناقشة أشياء كثيرة في مجتمعه، أهمها ظاهرة حجاب الفتيات، وقد جعل بطله: كا، صحفيا يتحرى عن مسألة انتحار فتيات محجبات، وبعد ذلك دخل في مناقشة الظاهرة. باموق ليس مثل الإسبان، يكتب ببهارات خاصة، ويوظف خيال الكتابة بعيدا وليس أيضا مثل عاموس، يتحدث بانتفاخ وعضلات عنصرية كبرى، هو كاتب واقعي جدا، وبدا لي أن الرواية كانت مقصودة بالفعل لمناقشة أفكار محددة بدون أن يبدي ككاتب وجهة نظره. هذه أيضا رواية ضخمة، وكثيرة العوالم، وستأخذ زمنا طويلا من أجل إنهائها لكنها ستنتهي في النهاية.

1364

| 24 ديسمبر 2018

التواجد الافتراضي

كان ظهور الإنترنت في الواقع، هو الإنجاز التكنولوجي المذهل الذي سيخيم بثقله على شتى النشاطات، ويلغي أو يهمش ببرود شديد، إنجازات سابقة للإنسان كانت مهمة في زمانها، مثل اختراع الثلاجة، والتلفون، واللاسلكي الذي ساهم بضراوة في وصل البعيد بالقريب وفي أزمنة الحروب، حين كان لابد من اتصالات بين النقاط المختلفة في جحيم الحرب. أذكر في عام 1995، حين أخبرني صديق بأن هناك شبكة عنكبوتية، ستظهر خدماتها في بلادنا قريبا، أخبرني عن مزايا تلك الشبكة، وكيف أن الأخبار والصور والتعليقات يمكن أن تنتقل عبر سلك التلفون العادي إلى أي مكان في الدنيا يملك الخدمة نفسها. كان شيئا غريبا يصعب تذوقه، لكنه حدث، واستطعنا بعد سنوات قليلة من ذلك الخبر أن نتواصل عبر الشبكة، ننقل أشياءنا التي نريدها أن تنتقل لأماكن أخرى، ونتلقى الأشياء التي نريدها أن تأتي، ظهر البريد الإلكتروني، “هوت ميل” كأفضل ناقل للرسائل، ظهر الياهو كباحث يعتمد عليه عند الضرورة، قبل أن يقضي جوجل بخدماته المتعددة، على سطوته، ثم ظهرت أخيرا وسائط التواصل الاجتماعي، تويتر وفيس بوك وغيرها من الآفات التي يلتحم فيها الناس في صداقات قد تكون ناجحة وقد تكون تحمل إخفاقها العظيم، ومتابعات قد يكون بعضها للمعرفة وبعضها لمجرد التلصص على أشخاص لم يكن بالإمكان التلصص عليهم إلا بهذه الطريقة.أردت أن أقول بأن كل الناس سارعت إلى إنشاء صفحات لها على مواقع التواصل، الذي يملك سلعة يريد أن يعرضها للآخرين ويروج لها، والذي لا يملك أي شيء، حتى ذكريات عائلية بسيطة، وتطبيقا لمقولة الحابل والنابل القديمة، فقد اختلط بالفعل حابل وسائط التواصل بنابله، أصبح كل من يريد أن يصبح صديقا لأحد ما، صديقا له بالفعل، وكثرت المناداة بكلمة يا صديقي، حتى لتخال الناس كلهم أصدقاء للناس كلهم. أعتقد أن هناك إيجابيات كبرى في ذلك الامتزاج الكبير، منها التخفف من تعب الحياة وقضاء أوقات طيبة رفقة أصدقاء بعيدين، ربما كانوا سيكونون أصدقاء حميمين لو لم يعيشوا في ذلك البعد الشاهق، وأيضا ثمة سلبيات كثيرة، أعود إليها في مقال آخر.

1118

| 19 ديسمبر 2018

تكريم

أزعم أن مناقشة رواية لكاتب أو قصيدة لشاعر في ندوة صغيرة يدعى إليها ذلك الكاتب أو الشاعر، يمكن أن تضخ في جسد معنوياته نشاطا كبيرا يرتفع بها عاليا وفي جسد إبداعه القادم روحا أخرى قد يعتمد عليها في النحت لعمل يختلف تماما عن أعماله السابقة، بينما العكس حين يقرص مبدع في أذن إبداعه، تلك اللحظة يبدأ جيش من الإحباط في غزو روحه وجيش مماثل في غزو إبداعه فلا ينتج إلا كل ما هو محبط. بالطبع لا أدعو إلى المجاملة غير الضرورية، والتساهل في تلقي الإبداع البشري وتقييمه، وإنما أعني شيئا آخر، تلك المحبة التي لا تقلل من الشأن ولا تمتدح بلا ضرورة، وذلك النقد الذي يعبد الطريق للمستقبل من دون أن يصنع حفرة يمكن أن تسقط فيها خطوة إبداعية، أو مطبا يهز كثيرا من الثقة. لقد تعرفت إلى حفلات تكريم الأدباء لأول مرة، حين كنت طالبا في مصر، في فترة الثمانينيات من القرن الماضي، الفترة نفسها التي تعرفت فيها إلى كتابة الشعر بصورة جدية، ومختلفة تماما عن المراهقة الكتابية، التي كنت أكتب بها سابقا، وأيضا ما تبع ذلك من تعرفي إلى معظم من يكتبون في تلك الفترة، وأجواء كتابتهم، وأماكن وجود أنفاس الكتابة عموما حتى أسعى لاستنشاقها. كان ثمة حفل تكريمي صغير للروائي صنع الله إبراهيم، في مدينة طنطا حيث أقيم، وكان تكريما وفي الوقت نفسه مناقشة لروايته «تلك الرائحة»، الرواية التي كانت صغيرة في عدد صفحاتها وكبيرة المحتوى في ما قدمته من نموذج لقهر الإنسان وسلب حقوقه، وهي الرواية الأولى لصنع الله، وأظنها قدمته خير تقديم لينتج بعد ذلك، تلك الأعمال الشاهقة التي وصلت إلى كل ذهن يحب القراءة ويستوعبها. أردت أن أقول بأنني كنت مهتما بقراءة وجه الكاتب في لحظة تكريمه، وقراءة تقاطيع كلمته القصيرة التي ألقاها أثناء الاحتفال، وقد رأيت وجها مشرقا بالفعل، وسمعت كلمات رائقة مرتبكة بفرح تخرج من لسانه، وعرفت لحظتها أن الكبار يمكن أن يسعدوا بحفل صغير من أشخاص محدودي العدد يقيمونه من أجل الاحتفاء بهم.

443

| 19 نوفمبر 2018

تعدد الكتاب

لو أردنا كتابة رواية عن الريف المصري مثلا، سنجد عشرات وربما مئات الكتاب المصريين، عالجوا تلك الفكرة من قبل، وفي نصوص جيدة مبهرة، استمتع بها القراء، وفي الوقت نفسه وجدت قبولا لدى النقاد، في زمن قلت فيه الكتابة النقدية، سنجد أعمالا لتوفيق الحكيم، ويحيى حقي، ونجد أيضا ليوسف أبو رية ووحيد الطويلة، وغيرهم الكثير، لكن إن وضعنا فكرة واحدة، مثل فكرة رواية يوميات نائب في الأرياف، لتوفيق الحكيم، من أجمل الأعمال الكتابية المعاصرة، وطلبنا من كل هؤلاء المجيدين أن يكتبوها، بحيث يشارك الكاتب بفصل واحد أو اثنين، سنحصل على كتاب، ونحصل على حكاية قد تكون محكمة في الحبكة والتفاصيل لكنها ليست لامعة ولن تجد القبول الذي يكفي ليجعلها محط أنظار ونقاش، مثل يوميات نائب في الأرياف التي كتبها توفيق الحكيم. أيضا لو نظرنا لقضية الحرب، التي تطول دولا عربية عديدة هذه الأيام، ونظرنا إلى تداعياتها من تمزق وتشريد، ودمار، لما كان عامرا في الماضي، سنجد أبجديات النصوص التي تتحدث عن ذلك واحدة، الدمار في طرابلس الغرب، هو الدمار في الفلوجة، بالعراق، في حلب بسوريا، في أي مكان آخر، فيه سياط من لهب، والإنسان الذي مات أو تشرد أو جاع، أو اكتهل فجأة من جراء الموت اليومي، الذي يعانيه، هو الإنسان في كل مكان، وحتى أدوات الموت واحدة لا تتغير، والذي يلقي القنبلة الحارقة هنا، هو شبيه بالذي يلقيها هناك، وهكذا. أي كاتب متمرس من هذه البلدان، يمكنه التقاط هذه الأبجديات وكتابتها في نص روائي، مطعم بخياله، أو حتى غير مطعم، لا يهم. أي كاتب سيكتب التفاصيل نفسها مع اختلاف في المكان فقط، لكن إن طلبنا من خمسة كتاب ينتمون لخمس دول تعاني من تلك المأساة، أن يكتبوا، سنحصل على نص فيه تباين كثير، فيه انفعال هنا وبرود هناك، فيه دم غزير هنا، ودم متجمد هناك. سيكتب كل فرد حصته بأدواته هو، ويعالج بتلك الأدوات، خامات الكارثة. وأيضا هنا ثمة تساؤل عميق: لماذا لا يكتب كل واحد نصه الدامي وحده، وبأدواته الفنية وحدها؟.

587

| 05 نوفمبر 2018

حديث القراء

في إحدى المقالات، كنت تحدثت عن عالمية النصوص وكتابها، وكيف نخلط في العادة بين النص المترجم للغة أخرى غير لغته، أو حتى لغات عدة، والنص الذي يعتبر عالميا. قلت إن الترجمة في حد ذاتها، ليست طريقا عالميا تسلكه الكتابة بجواز سفر معبأ بتأشيرات الدخول لأي مكان، وإنما وقفة قصيرة أو طويلة، أمام جوازات الإبداع، قد يحصل بموجبها على تأشيرة دخول وقد لا يحصل، بينما النص العالمي، هو ذلك يعبر ببساطة إلى التذوق بعد ترجمته. ذلك أنه أثار موضوعا عاما تتناقله البلاد كافة، أو تحدث عن مرض يصيب الناس في زيمبابوي ومونتريال على حد سواء، مثل الفيروسات، أو تنبأ بكارثة ستحدث في بقعة معينة، وحدثت تلك الكارثة، وثمة نصوص كثيرة، كتبت في بلاد العرب وفي الهند والصين انطبقت عليها صفة العالمية وأصبحت عالمية بالفعل. بخصوص كتابتي تلك، علق قارئ، وكان يعتقد أن العالمية أيضا سلوك للكاتب بقدر ما هي سلوك للنص، أي أن الكاتب العالمي ينبغي أن يشبه نصه في ارتداء المعرفة، والاستعداد لنشرها. وقد اعتبرت ذلك التعليق حيويا جدا، وبالفعل، كلما كان المؤلف أنيقا في سلوكه، وحضاريا، وممتلئا بالمعرفة، وله خبرات واسعة في مجالات المعرفة المتعددة، ويستطيع أن يملأ قاعات المحاضرات هنا وهناك برصانته، كان النص سريع العبور، ويتم تذوقه، والتنويه له في محافل عدة. أيضا كتبت عن المكتبات المنزلية، وشبهتها بالعنابر المملوءة بأرواح كثيرة، هي أرواح الكتب التي تتحاوم في بيوتنا، وتسعدنا بوجودها وقد لا نحس بها، لأننا نغفل شيئا مهما، هو تخيل ما قبل خلق تلك الكتب، وفي أي حالة من حالات النشوة أو الجنون كان كتابها حين صاغوها. وأيضا يجد بعض القراء نوافذ مشرعة في الموضوع ليلجوا عبره، ويؤكد بعض منهم أنهم فعلا ابتدأوا يتخيلون تلك الأرواح الموجودة في مكتباتهم، ويتصفحون الكتب تلمسا لها، وبالفعل عثر بعضهم على ذكريات له مع الكتب، حين اشتراها أو حين كان يقرأها، وهناك من تذكر تاريخ الشراء، وحتى من أين تم.

591

| 29 أكتوبر 2018

تكرار الأسئلة

من الأسئلة المكررة في الحوارات الثقافية، مهنة الكاتب التي أؤكد دائما، انها مجرد مهنة ليست ذات دلالة إيجابية في كثير من الأحيان. قد تكون هناك مثلا محطات كثيرة تتوقف فيها الحافلة لالتقاط شخصيات وإنزال شخصيات في نص لكاتب يعمل سائق حافلة. قد تكون ثمة مشارط تجرح الجسد، وأمراض مزمنة وحادة، في نصوص الكاتب الطبيب وقد تجد ماكينات، وقضايا ومجرمين، وطعاما يقدم عند كتاب أصحاب مهن لصيقة بتلك المعطيات لكن النصوص في أي موضوع، يمكن أن تكتب بقليل من الثقافة، ولا تحتاج لخبرات مهنية من أجل أن يكتب أي كاتب عن الجريمة أو الأمراض أو أي شيء يود الكتابة عنه. سؤال التأثير والتأثر، هو سؤال ملغى أيضا من الحوارات، أنا ألغيه حين أجده في حوار يصلني، لأنني لن أظل أردد في كل مرة بأنني تأثرت بأدب أمريكا اللاتينية حتى أموت، ولن أقول بأنني أثرت في أحد لأنني لا أعرف إن كانت تجاربي المتواضعة البسيطة قد أثرت في أحد أم لا؟ سؤال الغربة الذي يلازم كتابا ارتحلوا عن أوطانهم لأي سبب من الأسباب بما فيها عنت السلطات في تلك البلاد وعدم تذوقها للأدب في شتى صوره، وبالطبع منظومة شظف العيش أكثر المنظومات دفعا للناس نحو الرحيل. سؤال الغربة دائما جامد ودائما هو السؤال نفسه والإجابة نفسها التي لن تتغير، وحتى لو عاد الكاتب إلى وطنه، وحتى لو مات، هناك من سيشير بأنه كان مغتربا عن وطنه وكتب أدبا له علاقة بالاغتراب. وفي الواقع توجد منظومة أخرى تعادل تلك القيمة المتداولة، وهي منظومة الحنين التي تجعل الأدب المغترب يتعلق بأهداب الأوطان جيدا، ويخرج بلا أي رائحة أخرى غير رائحة تلك الأوطان. سنصدق أن هناك من رمى الوطن خلف تفكيره وأبدع أدبا بعيدا تماما عنه، لكن حين نقرأ آدابا يفترض أن تكون مثلا لذلك، لن نعثر على شيء يؤيد تلك الفرضية، وعندنا كتاب سودانيون مثلا، ترعرعوا خارج البلاد وربما ولدوا خارجا أصلا، ونجدهم يستلهمون كتاباتهم من جو البلاد لا غير.

1281

| 22 أكتوبر 2018

روايات وأمكنة

كان غارسيا ماركيز يبهرني بمكانه الأسطوري، ذلك المكان المخترع لنصوصه باستفادة كبرى من بيئة الكاريبي، وما تمنحه من تميز حتى على صعيد الفقر والتشاؤم وتذوق الأساطير المتجذرة والعابرة. والذي يتعرف إلى قرية ماكندو التي أنشأها الجد خوسيه أركاديو بونديا، في مئة عام من العزلة، وأضحت بعد ذلك مكانا جغرافيا محتملا، بملامح القرى الكاريبية، لا يحتاج لكثير عناء أن يلم بكتابة ماركيز بعد ذلك، سيلم جيدا بأحداث روايته العظيمة «الحب في زمن الكوليرا»، والعظيمة الأخرى «أحداث موت معلن»، وحتى في قصته الحقيقية «حادث اختطاف»، حين حكى عن صديقته التي اختطفتها عصابات بابلو أسكوبار، إمبراطور المخدرات في كولومبيا في تسعينيات القرن الماضي، وأطلقتها وهي على حافة الانهيار. في كل تلك القصص تتنوع الحكايات وقد تتنوع أسماء القرى والمدن التي تجري فيها الأحداث، لكن في النهاية، نحن إزاء المكان الجغرافي المستوحى نفسه، المكان بما وهبه وما قد يهبه مستقبلا. موراكامي، ذلك الياباني الملهم، هو أيضا وضع لبنات مكانه النصي في البداية ومن ثم نوع حكاياته بحيث لن تخرج من خريطة طوكيو الحقيقية، بالرغم من جعل العالم غرائبيا ومزدحما بتفاصيل كثيرة. القارئ لا تهمه أشياء كثيرة في النص، بقدر ما يهمه خيط قوي، أو عصا سحرية مستعدة لقيادته داخل النص، المكان، وإتاحة الفرصة له ليلم بالمعالم المهمة. لذلك ستبدو القراءة لموراكامي في البداية مغامرة كبرى، لكن بعد الإلمام ببيئته جيدا، تصبح القراءة ممتعة. من الروايات التي قرأتها وما تزال أصداؤها ترن في ذهني بسبب ما قدمته من خدمة جيدة بالتعريف بالمكان جغرافيا واجتماعيا واقتصاديا، رواية «الوله التركي» لأنطونيو غالا. إنها رواية ضخمة تدور أحداثها في اسطنبول، قصة حب قد تكون غير متكافئة بين فتاة إسبانية مرفهة، ودليل سياحي تركي على حافة الفقر، ويعيش بشخصية تحتوي على كل الصلف العثماني القديم. لقد نقل غالا ببراعة شديدة، مكانا زاره قطعاً، وتمعن فيه، وحفظ جزءا كبيرا من تفاصيله، وأظنها كانت رواية قصدية، أن تكتب فقط عن اسطنبول.

660

| 15 أكتوبر 2018

تاريخ

يلاحظ كثيرون، أنني مغرم بالكتابة في حقب تاريخية بعيدة، حقب قد تكون جرت فيها أحداث غير معروفة للناس، أو لم تجر فيها أي أحداث على الإطلاق، لكن البيئة كانت موجودة، والجغرافيا كانت موجودة، وكان ثمة ما يمكن حدوثه بالفعل. في الحقيقة، الكتابة هنا، أي في تلك الأزمنة غير المعروفة، ليست تاريخا موثقا كما قد يظن البعض، أنا لا أكتب أبطالا منتصرين، وخونة خاسرين، أو معارك بأسمائها دارت هناك. الذي يحدث أنني أدرس الحقبة الزمانية التي أريد لنصي أن يجري فيها، أدرس المجتمع آنذاك، وما كان متوافرا من نهج اقتصادي وسياسي واجتماعي، وحتى شكل المساكن والأسواق، واللغة التي كانت تجرى بها الحوارات آنذاك، وربما نظام الحكم، ونظام إرضاء الجماهير أو قهرهم، ثم أكتب نصي المتخيل. ببساطة أنا أتخيل التاريخ، ولا أوثق لتاريخ حقيقي. لقد فعلت ذلك في عدة أعمال مثل مهر الصياح، وتوترات القبطي، وزهور تأكلها النار، وروايتي الصادرة حديثا: جزء مؤلم من حكاية. من ناحية أخرى، هناك من يكتبون روايات عن تاريخ معروف وموثق في الكتب، وهذه هي الكتابة السائدة لدى كثير من الكتاب، بمعنى أنهم يدرسون التاريخ بنية تحويل المعطيات إلى عمل أدبي. لكن الكاتب في هذه الحالة، لا يحق له أن يغير شيئا.. قد يضيف بعض الجوانب الإنسانية الخافية، أو يتخيلها، لكن لا يمكن تعديل المصير. إذا كان أحد قادة الحرب المشهورين، مات في معركة وثقها التاريخ، فلابد أن يموت في المعركة نفسها داخل النص، فالذي يكتب رواية مثلا عن بطلنا القومي: عبد القادر ود حبوبة زعيم ثورة الحلاويين في منطقة الجزيرة، ضد الإنجليز، ربما يتخيل جوانب من حياته، لكن ستكون النهاية كما وردت. لذلك تجدني لا أكتب عن شخوص واقعيين، ذلك لا يتفق مع اعتمادي على الخيال بشكل كبير. سؤال هنا: هل تعتبر الرواية التاريخية وثيقة لقراءة التاريخ؟ في بعض الأحيان، نعم، حين تكتب عن شخصية رائدة أو حقيقية، وكما قلت كثيرا، فإنه لا مصلحة للروائي في تزييف التاريخ. هو يكتب من منطلق إبداعي نزيه إلى حد ما.

544

| 08 أكتوبر 2018

الذاكرة الإبداعية

من العوامل المهمة في تدريب الذاكرة كما أعتقد، مسألة الاغتراب، أي أن يفارق المبدع وطنه لفترة طويلة، هنا تأتي مسألة الحنين القوي للوطن، مما يوقد الذاكرة بشدة، يجعلها تستدعي كل لحظة عاشها المبدع في الوطن، حتى لو كانت بلا معنى، مثل أن يتذكر طفولته في الحواري والأزقة، وسط أصدقاء يستدعي ملامحهم أيضا، يتذكر حبه الأول لفتاة الجيران، ويتذكر أي سلوى عابرة يمكن أن تطفئ الحنين، هنا يعمل الكاتب بلا وعي منه، في تدريب ذاكرته باستمرار، وبالتالي يحتفظ بمفتاحه السحري، جديدا ولامعا، وجيدا لاستخدامه في أي كتابة يكتبها. لقد تعرض ماركيز لمسألة الحنين هذه في روايته: الحب في زمن الكوليرا، ووصفها بأنها تملك أحاييل شرسة ومتنوعة، لجر المغترب إلى وطنه، وأضيف لوصف ماركيز، أنها تملك أيضا مزيلا للصدأ عن الذاكرة، ورواية مثل موسم الهجرة للشمال للطيب صالح، التي كتبها أثناء اغترابه الطويل في لندن، الذي استمر حتى وفاته، أعتقد جازما أن الحنين أثر فيها بشكل أو بآخر، وأوقد ذاكرة مبدعها لتخرج هكذا رواية خالدة، وروايته عرس الزين أيضا، كانت عن شخصية عاصرها صغيرا، وكتب تفاصيلها كلها في مغتربه البعيد.  في رواية لي اسمها العطر الفرنسي، كتبت عن مسألة تدريب الذاكرة لدى بطل الرواية على جرجار، الذي كان يقاوم الشيخوخة بذلك التدريب اليومي، كتبت أحداثا تذكرها أثناء انهماكه في تدريب ذاكرته مثل زجاجة عطر الريفدور التي سقطت من رف في بيت أسرته وانكسرت، مثل شاي سقطت عليه ذبابة ذات مساء، وكنت بلا وعي مني، أكتب بعض الأحداث التي أتذكرها من طفولتي شخصيا. والذين قرأوا رواية: قصة عن الحب والظلام، تلك القصة المدهشة للإسرائيلي عاموس عوز، لا بد يستغربون من تلك الأصداء المتلاحقة من زمن بعيد، لطفل جاء إلى أرض الميعاد بصحبة أهله، وعاش طفولة غريبة، في وطن أقنعوه بأنه وطنه، وهو يرى أهل الوطن الحقيقيين، منفيين في وطنهم. أعتقد أن ذلك كان وليد ذاكرة مشعة، دربها عاموس على أن تشع بتلك العنصرية، وتلتقط كل ما كان من شأنه أن ينتج أدبا مواليا تماما للمشروع الإسرائيلي الكبير.

731

| 01 أكتوبر 2018

القصص العجائبية

عرفت في أيام السبعينيات في مدينة بورتسودان، شخصية عجائبية، عرفتها المدينة كلها، ووثقتها في قصتي: مرايا ساحلية، من ضمن شخصيات أخرى. ليس بمعلومات كاملة عن الشخصية، وإنما بمواقف عامة، كنت أشاهدها فيها، وتشاهدها المدينة كذلك، المرأة: مارجريت، جامعة الورق كما تسمى، صاحبة الجنون النظيف، وهذه صفة أطلقها عليها، وقد عهدنا الجنون في الغالب، متسخا، مزريا، وعنيفا، يجر صاحبه إلى الطرق الموحلة، والمزابل، ويحمله وزر اختراع ضحايا، بلا أي سبب. مارجريت كانت هادئة جدا، ونظيفة جدا في فساتينها، وربما متأنقة أيضا، كأنها تجاوزت الستين حين عرفتها في ذلك الوقت، ويبدو أثر السن واضح على وجهها الأبيض الخالي من أي تعابير توحي بالجنون أو غيره، إنها تسعى في الشوارع، تنحني على الأرض، تلم الورق من أي مكان، تضعه في سلة تحملها، ويصبح الطريق الذي تعبره  نظيفا آخر اليوم. وحقيقة لم أسأل نفسي في تلك الأيام، واستغربت كيف لم أسأل نفسي سؤالا واحدا: من أين تأتي القبطية، جامعة الورق؟، وإلى أين تذهب، حين تغيب عن الشوارع؟  ومنذ فترة قرأت في صحيفة محلية تحقيقا عن تلك السيدة، الغرائبية، ومعه صور بالأبيض والأسود، لفتاة مليحة، ترتدي ملابس قصيرة، وتقود دراجة هوائية، وذكر التقرير، أنها مارجريت التي فقدت عقلها من جراء قصة حب فاشلة. وبالطبع لا يمكن أن نصدق، أو نكذب تقريرا كهذا، لكننا نكمل قراءته، بدافع الفضول. مارجريت كان من الممكن أن تكون مشروع نص غرائبي محكم، في ذلك الزمان، أن يصنع لها ماض، يليق بنظافة جنونها، أن يدون حاضرها ذلك بترو، وتضاف له البهارات اللازمة، وأن يتريث من يكتبها في صناعة مفاجآت ما، قبل أن يفاجئنا بدفنها في مقبرة بلا اسم، ولا شاهد. هذا ما كان يمكن أن يكتب في الماضي، لأن الحاضر من زاوية الحب الذي يقود إلى فقدان العقل، تغير كثيرا، تطورت قصص الهجر والنسيان، وتعذيب الحبيب كثيرا، ولم يعد من السهل أن تجن امرأة، لمجرد أن حبيبا خانها.

3410

| 25 سبتمبر 2018

حديث الكتاب

منذ حوالي ستة عشر عاما تقريبا، كتب أحد كُتَّاب القصة المخضرمين عن رواية لي، من نصوص البدايات التي كنت أكتبها وأنا أرتدي عباءة الشعر ما أزال، وتبدو أشبه بالقصائد الطويلة، أن هذه رواية شبحا، لا تمسك بمعالم سردية لها، وتعطي أضواء متقطعة، لكن لا وجود لأي ضوء فعلي، وأن أولى بكاتبها أن يمارس مهنته التي درسها، بدلا من غزو عوالم لا يعرف كيفية غزوها. أذكر جيدا، أن هذه الفقرة كانت من الفقرات المؤلمة في مسيرتي التي كانت في بدايتها فعلا، لكن أتطلع بشغف لأمضي وألتقط في كل يوم عصا جديدة أتوكأ عليها، وأحيانا أحس بأنني لا أحتاج لعصي، فأسرع في الخطى. هكذا. قرأت مقال القاص المخضرم باهتمام كبير وألم، أخبرت أصدقاء عديدين يتابعوني عنه، وودت لو أنه كان إيجابيا، أو به فقرة إيجابية على الأقل، لكنت حسنت وضعي السردي بلا شك، وتساءلت بعد ذلك بيني وبين نفسي: ما هي شروط الكتابة التي لا تغدو كتابة شبحية؟ كيف يمكن أن تعاد الثقة لقلم كان يظن نفسه متميزا، والآن لا شيء؟ في الحقيقة، ظللت سنوات لا أستطيع العثور على إجابة ما، فكل من يكتب نصا، يبذل فيه مجهودا كبيرا، ويملأه بالأحداث والشخصيات، والحيل، يظن بأنه كتب نصا كاملا، بينما نصوص الآخرين ما هي إلا كتابات نيئة، بحاجة لمزيد من النار حتى تنضج، وربما لو جئت بنص قديم لكاتب ما، نسيه ونسبته لآخر، وسألته عن رأيه، لاستغرب أن تكون هذه كتابة، ولانتقدها بشدة، وكنا نجلس في المقاهي، ونتحدث عن الإبداع والمبدعين، ويدعي معظم من كانوا جالسين بأنهم أهم المبدعين، وتسأل أحدهم عن تجربته، فتستمع إلى أشياء مدهشة عن قراءاته، ومطاردته للجمل الموحية، والسهر وتأرجح النوم، من أجل أن ينجز نصه هذا، وتقرأ النص ولا تجد فيه أكثر من نص عادي، كان يمكن أن يكتب بلا سهر وحمى وثقافة، وأي شيء آخر له علاقة بالإبداع، ويصادف كثيرا أن يتحدثوا عن كتب معينة، نالت حظا من الشهرة والمجد، باعتبارها كتبا سخيفة، ولا تستحق، وأخرى لم تنل حظا، باعتبارها أعظم الإنجازات في مجال الإبداع.

873

| 13 سبتمبر 2018

استعارة

منذ حوالي ثلاث سنوات، وبعد زمن طويل من كتابة الروايات، فكرت في كتابة عمل جديد، مستخدما اسما آخر غير اسمي الذي يعرفه الناس، وتاركا الكاتب صاحب الاسم الذي سأستخدمه، مجهولا  تماما، لن يعرفه أحد، وذلك لمعرفة ردود أفعال كنت أجهلها بلا شك،عن كتابتي، وغالبا سأراها مجسدة عن كتابة واحد لا يعرفه أحد.  هذه الفكرة ليست جديدة كما هو معروف، وكثير من الكتاب في أماكن متعددة كتبوا بأسماء مستعارة، بعض الأعمال، قبل أن يعترفوا ببنوتها لاحقا، وهناك نساء خاصة في بلاد العرب، كتبن القصائد والقصص، ونشرنها بأسماء مستعارة، وكثيرا ما ترى أسماء مثل: بنت الصحراء، وبنت الموج، وراعية الظلال، وذلك خوفا من مجتمعات، ترى المرأة كائنا مسجونا في داخله، ولا تسمح بأي بوح أو إبداع ينتج منها. أيضا هناك روايات كتبت في أوروبا في القرون الماضية، وكانت تحمل أنفاسا معطوبة، وقدرا كبيرا من سوء الخلق والفضيحة، وربما تمس المجتمعات في صميم عاداتها وتقاليدها، في ذلك الوقت القاسي من أوقات أوروبا، ولم يستدل أحد على مؤلفيها قط، وهناك روايات مشهورة، ما زال الناس يخمنون، ويقترحون لها كتابا، ولا أحد يعرف بالتحديد. وكنت قرأت كتابا  أعده صحفي ألماني، يتحدث عن محاكمات الكتاب، أو وقوف الكتاب أمام محاكم التفتيش في أوروبا، وما نالوه من الأحكام بسبب الكتابة، ومنهم من نال أحكاما بالإعدام. المهم، وباستشارة أصدقاء لي، يتابعون ما أكتبه، أكدوا بأن الأوان قد فات على التخفي، فكل الذين فعلوا ذلك، ونشروا كتبا بأسماء مستعارة، ومنهم الكاتب المعروف: استيفن كينج، فعلوه في سن مبكرة، وحين كانت أساليبهم الكتابية ما زالت خطوطا عريضة، تجرب الوقوف،  بحثا عن  قامتها المستقلة، ولن يأتي واحد قضى وقتا في الكتابة، وجرب وانتهى، ليكتب باسم آخر، متوجها لقارئ ربما يكتشفه من الصفحة الأولى، وحقيقة لكل كاتب قديم، استخدامات معينة للغة، له لفتات ووقفات، وإيماءات، ودروب يسلكها وحده، وأي قارئ من قرائه، لا بد يعرف قوته وضعفه، وهناك قراء مبدعون حقيقة، يمكنهم أن يتخيلوا مواقف داخل النصوص التي لم يقرأوها بعد، ويصدق خيالهم.

669

| 27 أغسطس 2018

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

6033

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4470

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3336

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...

1599

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1323

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1185

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

945

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

873

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

828

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

651

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
خطاب عربي يكسر الصمت العالمي!

لم تكن كلمة سموّ الأمير تميم بن حمد...

624

| 26 سبتمبر 2025

أخبار محلية