رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

بذرة الشر

منذ سنوات طويلة، وفي أيام البدايات، كنت أقف أمام جناح لناشر عربي معروف، في أحد معارض الكتب التي أحب زيارتها، وغالبا ما أقتني  ما أريده من تلك المعارض، ويغنيني عن الزيارات المتقطعة للمكتبات. كنت أتأمل الكتب المرصوصة بصبر وأناقة، وأفكر في اقتناء كتاب لسليم بركات، أو جورج طرابيشي، أو واحد من كتب التراث التي لم أقرأها بعد، حين وقف بجانبي ناقد أعرفه منذ بداياتي، ولم يقل شيئا عن تجربتي لا سلبا ولا إيجابا، وفي الغالب لم يقرأ منها شيئا. قال: هل تبحث عن مكان لاسمك هنا، ووسط كل هؤلاء الكتاب؟، لا أعتقد بأن ذلك سيحدث. ثم انصرف، يمشي بخيلاء. مثل هذا الكلام المؤلم، وبكل تلك الثقة واللهجة الفخمة المتعالية، ومن رجل ينقد الأدب، ويسعى لتطويره بالنصائح، واحتضان ما هو إبداعي، من أجل تنمية أدوات كاتبه، كما هو مفترض، يمكن بكل تأكيد أن يؤثر في كثيرين ممن بدأوا يسلكون الدرب، وما تزال الرؤية غائمة أمامهم. بمعنى أن هناك شيئا قدموه، لكنهم يطمحون في تقديم المزيد، وهناك من أضاء لهم شمعة، وينتظرون أن تضاء شموع أخرى. نعم، فكثير من الاهتزاز يحدث لهؤلاء، ويمكن أن يحدث لي أيضا وكنت في ذلك الوقت، أمشي في الربع الأول من الطريق، والرؤية ما تزال مهتزة، وثمة ضباب، أتمنى أن ينقشع.هذا الناقد لم يقدم خيرا نقديا، أي لم يكتب عن عمل ربما استحق الكتابة، وفي نفس الوقت، لم ينأى بالشر بعيدا، ويترك الكاتب المؤمل أن يتميز، ويصل إلى قراء، ولو معدودين، في حال سبيله، يسقط وينهض، ويسقط وينهض، حتى يقف في النهاية، أو لا يقف على الإطلاق، المهم أن لا دخل لأحد في سقوطه، وربما هناك دخل ما، في وقوفه، إن وقف. أنا أسمي هذا، ببراءة شديدة، وبعيدا عن أي ظن آخر: التعسف الإنساني، البعد بنوازع الإنسانية  الموجودة في كل شخص، عن المواقف التي تحتاجها، والفرار بها إلى بعيد. وكانوا يتحدثون دائما عن الكلام الطيب، حتى لو لم يقابله فعل طيب، مجرد كلام حلو ورائع، يتذوقه المعني بالأمر، ولا شيء آخر.

785

| 21 أغسطس 2018

محمود الباتع- حين يرحل الشاعر

الأسبوع الماضي، رحل الشاعر محمود الباتع، بعد أن نال كثيرا من مفردات الوجع، ذلك الوجع الذي جعله عنوانا لديوانه الأول والأخير: على ضفاف الوجع، وإن كان وجع محمود الشعري كان منصبا على عتاب الأمة العربية، ورصد مآسيها، وتراجع دورها، وتفريطها المزمن في حقها، كما  يسطر ذلك دائما شعراء فلسطين، فإن ثمة وجعا آخر كان يكمن في الديوان الجميل الممتع، وجع القافية نفسها حين تخاطب المحبوب، وربما وجع الابتسامة الخجولة، واللحظات الرائعة التي تهبها الحياة أحيانا. لقد خبر الشاعر الوجع إذن، وخبر غير الوجع حين عاش حياة جيدة، برفقة  أسرة ملهمة، وأصدقاء داعمون، وكان يوم توقيع ديوان على ضفاف الوجع، في معرض الدوحة للكتاب، عرسا ثقافيا كبيرا، احتشدنا فيه كلنا، وكنا في حضرة الشعر، وفي حضرة الشاعر الرقيق جدا، الخجول جدا، المهذب والمبتسم في كل وقت. حقيقة كان محمود الباتع نموذجا لما يجب أن يكون عليه الإنسان أولا، والشاعر ثانيا، هو بعيد عن كل رغبة في الظهور، وتصدر المجالس، وتشتيت الشعر هنا وهناك. هو بعيد عن كل ما يمكن أن يجرح أحدا، وفي الزيارات التي كنا نتبادلها، والجلسات القليلة التي جمعتنا، كان ثمة حديث واف ومثقف عن الأدب عامة، والشعر خاصة، وأذكر أنني أهديته روايتي مهر الصياح في أول صدورها، فقرأها في وقتها وبادر بكتابة مقال  مشجع، وواع عنها. إنها لغة المحبة من محب سنفتقده كثيرا، نفتقد صوته الهادئ العميق وهو يتحدث، نفتقد قصيدته التي لامت تقاعسنا، وانحسار مجدنا، وفي الوقت نفسه، حلقت بعيدا ولامست قلب المحبوب. هو يملك الكثير من الشعر الحقيقي، الشعر الذي يطرب، وما قام بنشره كان قليلا جدا، هو يملك تجربة، وكان يمكن لتلك التجربة أن تكون نبراسا في زمن، لم تعد للشعر هيبته القديمة، ووهجه القديم. سنفتقد محمود كثيرا، سنشتاق له حتما، وسنستظل بشعره في أوقات الشوق. هي الحياة ونهايتها التي تأتي لترحل الأجساد وتبقى الأرواح المحبة محلقة في أمكنة الحب.

1047

| 13 أغسطس 2018

العلم إبداع أيضاً

مثلما كان الأدب، حالة إبداعية صرفة، وفيها خيال يتخيل، وموهبة تترجم الخيال إلى كتابة شعرية أو نثرية، ومثلما كان الفن أيضا ويترجم إلى تخطيط بالريشة واللون، لنحصل على لوحة، فإن العلم أيضا وبرغم دراسته الأكاديمية الشاقة، إلا أن من ينتجون الخوارق فيه، ومن يسعون لاكتشاف جزيئيات مادية، وتساهم في خدمة الإنسانية في النهاية، ليسوا دارسين عاديين، بمعنى أنهم لا يكتفون بتحصيل العلم العادي الذي يمنح لهم، ويشغلون وظائف باردة وجامدة، يعملون فيها حتى التقاعد، إنهم يتخيلون ويتخيلون باستمرار، ولن يكتشف أحد مكونات الماء من ذرات الأوكسجين والهيدروجين إلا لو تخيل أن تلك الذرات موجودة في الماء بالفعل، وعمل بجهد على فصلها. لو تأملنا كل الاختراعات المدهشة في حياتنا، الاختراعات التي سهلت حياة البشر، وجعلتها أكثر سلاسة، بدءا من عقار البنسلين الذي اكتشفه فلمنج،، والكهرباء، إلى الأدوية الحيوية التي تسهم في علاج كثير من الأورام، وفي الحفاظ على الأعضاء المزروعة في الجسم، من خاصية رفض الجسم  لها، ومرورا بآلاف الأشياء الأخرى التي لا غني عنها، لوجدنا وراءها مواهب خارقة، وتفكيرا عميقا، وخيالا خصبا غاص فيها مليا وتخيلها بكل ما لها وعليها، وشرع بعد ذلك في تمرير الخيال إلى أنابيب اختباره أو كابلات الاختبار المستخدمة، ليحولها إلى شيء ملموس نافع. كل ذلك يحدث بالموهبة والتخيل والإبداع، وطبعا بعد جرعات العلم المكثفة التي قد يكون نالها أحد أول الأمر، وانطلق بعدها يبحث ويتخيل، ويتخيل ويبحث حتى يصل بخياله، وأبحاثه إلى الحقائق. ولطالما أدهشتني حقائق كثيرة، توصل إليها الباحثون القدماء بلا علم حديث طبعا، وإنما بمواهبهم وتجارب أجروها ونجحت.. مثلا:  تلك المجرات الغامضة، وطرق استكشافها وتأملها واستنباط حقائق علمية منها.. مثلا الجاذبية التي سهلت لقوانين حيوية كثيرا بعد اكتشافها، وأيضا علم مثل التحنيط الموجود عند قدماء المصريين، وربما عند غيرهم من الشعوب القديمة، والذي يحتفظ بالموتى كاملين، بلا تحلل. إنه فعل قوي ضد بكتيريا التعفن، نجح موهوبون في الوصول إليه، وتطور بعد ذلك إلى وسائل التحنيط الحديثة.

1586

| 06 أغسطس 2018

آراء

لقد ذكرت من قبل بأنني من المهتمين بمتابعة ما يكتبه القراء، من حين لآخر، في مواقعهم المختلفة، من مدونات شخصية، أو مواقع أخرى اختصت بتوفير أغلفة الكتب مع نبذة عن الكتاب ومؤلفه، أو نسخ إليكترونية منها، وتركت لأعضائها المسجلين، حرية أن يتحدثوا عن تلك الكتب، ويدلوا بآرائهم فيها، من دون وصاية أو رقيب، ولعل هذه واحدة من أهم ميزات الإنترنت الكثيرة، أنها انتقلت بشؤون القراءة، من مقاهي المثقفين الروتينية وغرفهم المغلقة الهامسة، إلى فضاء أرحب، وبالتالي ساهمت إلى حد ما في انتشار الكتب. فالذي يقرأ تعليقا إيجابيا عن كتاب ما، يسعى بالضرورة لمحاولة امتلاكه، وحتى الآراء السلبية، مهما كانت عنيفة وقاسية، وفيها تجن أحيانا على الكاتب وكتابه، أيضا تساهم في الترويج لهذه السلعة التي لم تعد من أولويات هذه المرحلة، بظهور وسائل جذب أخرى أشد إغواء من شراء كتاب، ومحاولة العثور على وقت لمجرد تصفحه، لا قراءته كاملا. وأيضا يشكل سعر الكتاب الورقي، معضلة كبيرة، في الوقت الذي تكالبت فيه الأعباء على الناس، وأرهقت دخولهم البسيطة. متابعتي لتلك المواقع، لا تأتي من كوني كاتبا يبحث عن رأي في كتابته، ولكن بصفتي قارئا له تذوقه وآراؤه هو الآخر، فحين أقرأ كتابا ما، ويعجبني أو لا يعجبتي، أبحث عن آراء الآخرين فيه، وبالتالي أحدد موقعي في رقعة القراءة العريضة. لقد استطعت في متابعتي تلك، أن أخرج بعدة نقاط، خاصة من قراءتي للتعليقات التي كتبت عن مؤلفات واسعة الانتشار، ولمؤلفين بعضهم اخترع اسمه وبصمته الواضحة، وبعضهم ما زال يحاول، لكن حظا ما، أو اجتهادا مبكرا، أوقف كتابه على قدمين راسختين في سكة القراءة، وشد الكثيرين إلى التعليق عليه بهذه الكثافة. وإذا اعترفنا بأن القراءة، وحب الكتاب، مزاج في الآخر، لا يجب أن نحزن على رواية رائعة مكتوبة بإخلاص شديد، ولغة أخاذة، لم تنل حظا وافرا من التعليق، وإن علق عليها البعض، كتبوا كلاما بعيدا عن عالمها، ذلك ببساطة إن المزاج العام لم يتذوقها.

407

| 30 يوليو 2018

بؤس

اعتدت في معظم أسفاري، خاصة تلك التي تستهلك وقتا طويلا من الانتظار، والتلفت هنا وهناك، وملل المطارات الذي ربما لا يفلح تصفح الإنترنت في القضاء عليه، أن أصطحب كتابا، أمسكه في يدي وأبدأ مطالعته حالما بأن أعثر على ركن هادئ داخل صالات المغادرة، إنه كتاب أنتقيه عشوائيا من الكتب المكدسة في بيتي، وأحيانا لا أنتبه إلى عنوانه، إلا ساعة مطالعته، قد أجده ممتعا وتستمر قراءته معي وأنا أصعد إلى الطائرة أو داخل الطائرة، وقد يكون مملا من بدايته، وتصبح الرحلة أشد مللا، وأنا لا أستطيع المضي في القراءة. عادة القراءة في السفر ليست عادة تخص فردا أو أفرادا بالطبع ولكنها عادة قديمة ومهمة، يمارسها كثيرون، ولطالما شاهدت أشخاصا في المطارات ومحطات القطارات منشغلين في كتب يحملونها ولا يكادون ينتبهون إلى خطواتهم التي قد تتعثر في السلالم المتحركة، أو الأرصفة، أو إلى نداءات السفر التي تناديهم إلى القطارات والطائرات، وأذكر أنني كنت مرة أجلس في صالة المغادرة بجانب رجل إنجليزي يقرأ رواية لاستيفن كينج، هي رواية: بؤس أو "ميزري"، وكان يتابعها بشغف، ولم ينهض معنا حين طلب منا الذهاب إلى الطائرة، ولم يأت إلا حين أوشكت الطائرة على الإقلاع. لم أكن قرأت رواية بؤس في ذلك الوقت، ومنحني استغراق الرجل، وتلك المتعة الغامضة التي قرأتها في عينيه، دافعا قويا للبحث عنها والاستغراق فيها كما كان يفعل هو، ظل هاجس اقتناء تلك الرواية يطاردني زمنا وكنت بالفعل أبحث عنها، برغم عدم اهتمامي الكبير بروايات الجريمة، أو تلك التي تعالج موضوعا جنائيا، كنت أجدها برغم ما يبذل فيها من مجهود كتابة خارج تذوقي الفعلي، الذي يبحث عن الغرائب، واللغة الشعرية والعوالم التي نصفها واقع ونصفها أساطير، وحين عثرت عليها في النهاية، وجدتها بالفعل جاذبة، إنها قصة فيها الكثير من المواقف الإنسانية المؤثرة، قصة رجل مشلول يتابع أفكاره المسجونة في جسد مسجون بالمرض، بكثير من التسارع والمغص.

568

| 23 يوليو 2018

القلب الخشبي

تمتاز قصص الكاتب السوداني: عبد الغني كرم الله، ببساطة الحكي، لا غموض ولا فوازير ولا تشنج للغة يحتاج إلى ذهن يفكه، هي قصص تنبع من القارئ نفسه وتصب فيه، قصص ربما يحس بأنه شارك الكاتب في صياغتها، وفي الوقت نفسه تمنحه ما تجود به من إبهار، يظل مترسبا في ذهنه، وحين يكتب قصصا قصيرة للأطفال، يكتب أيضا لفئة، هضم أفكارها جيدا، ومنحها زادا للمستقبل القرائي الذي ينتظرها. في روايته القلب الخشبي الصادرة منذ عامين، يفاجئنا عبد الغني برواية قصة توجد في بيوتنا كلنا، ولكن قد لا ينتبه إليها أحد، أو ربما ينتبه لكنه يعجز عن تلك الوقفات التأملية في الذاكرة الطفلة لاستعادتها، إنها قصة دولاب كبير من الخشب، به ضلفة للأم وضلفة للأب ومساحات كبيرة من العطف والحنان، تسع أشياء الصغار والكبار كلها، هناك حيث يمكنك أن تختبئ في أي وقت، إن كان ثمة من يطاردك، أن تعثر على الحلوى المخبأة دائما من عبث الصغار، وتأكلها كلها، أن تعثر على رائحة أبيك الراحل، وثيابه القديمة، ووثائق سفره أو امتلاكه لأشياء، أيضا يدسها عن الناس. لقد تحولت خزانة قديمة، من الخشب، إذن، إلى مستودع أسرار وتفاصيل لا يكتبها إلا حكاء ماهر، إنها رواية لكنها كتبت بعين القصة القصيرة، وقصة قصيرة، كتبت بدمع الرواية، الدولاب الكنز، والدولاب المأساة والدولاب الذي سيبكي الطفل عند فراقه، بسبب الاضطرار. ورأيي أن عبد الغني من القلائل الذين يستطيعون التنقل بين أزمان مختلفة، ويعودون إلى زمنهم، يستطيع أن يكون الطفل الصغير فجأة، والناضج، وأيضا الكهل حين يروي عن جد أو جدة( حبوبة)، هو يستخدم مفرداتنا المحلية حين يأتي ذكر الجدة، لكأنما هي هويتنا بالفعل، والذي عاش في زمن الجدات القديمات، راويات الحكايات قبل النوم، ومانحات الملاليم التي تكفي لجلب الحلوى، يدرك بالفعل أن الجدة هي الوطن الذي يفتقده الكثيرون من أجيال الزمن الحاضر.

834

| 17 يوليو 2018

أخطاء

منذ فترة، وفي أي وقت للفراغ أجده، أحاول قراءة واحدة من الروايات المترجمة للعربية حديثا، وكانت قد اشتهرت منذ فترة، بعد ترشيحها القوي لواحدة من الجوائز الغربية، ومن ثم انتشرت في جميع أنحاء العالم وبكل اللغات، ووصلت إلينا عربيا. الرواية كبيرة الحجم إلى حد ما، وتستوحى من التاريخ والأسطورة، وهي كتابة تناسب مزاجي الشخصي، وتجد قراء كثيرين، وأيضا قد يعتبرها البعض كتابة مملة، ويفضلون عليها تلك الكتابات الخفيفة ذات الاتجاه المعاصر، والمسألة اختلاف في الأذواق والأمزجة كما نعلم. على أن القارئ المتعصب لنوع معين من الكتابة، يرى دائما أنه النوع الأمثل وعلى الآخرين الموافقة على ذلك حتى لو كانت وجهة النظر مختلفة، وقد جربت غيظي الشديد، حين أجد قارئا يتحدث عن رواية: الأشياء تتداعى للعظيم تشينوا تشيبي، أو رواية: المخطوط القرمزي للإسباني أنطونيو غالا، مثلا، باستخفاف، وآراء أعتبرها غير منصفة، برغم المجهود الكبير الذي بذله الكاتبان، وذلك الكم الهائل من المعرفة الذي سكب في عدد من الصفحات، تعادل خزانة للكتب، وقس على ذلك، كثيرا من الأعمال الأخرى لكتاب آخرين. المسألة حقيقة ليست وقاحة بقدر ما هي اختلاف في الرأي، وميل معين لنوع من الكتابة من دون سواه. لا أريد أن أتحدث عن جو الرواية المترجمة التي قلت أنني غارق فيها، وربما أعود إليه لاحقا، لكن أود الحديث هنا عما أزعجني في تلك الرواية، وكان من الواضح أنها مختلفة ودسمة، وتحمل معرفة أخرى جديدة علي. لقد فوجئت حقيقة بآلاف الأخطاء المتنوعة، من إملائية وطباعية ونحوية، وتحريرية، في صياغة الجمل، ولدرجة أنه يصبح من المستحيل إكمال كتاب كهذا برغم المتعة التي بداخله، وبرغم أن الترجمة تبدو جيدة، وتحمل كثيرا من شاعرية الكاتب في لغته الأصلية. فليس من المعقول أن تحمل الصفحة الواحدة كل هذا العبء، وبالتالي، أنت تقرأ أعباء، تحاول التخلص منها أثناء القراءة، وفي وقت ضيق جدا وبالتالي، يصبح مجهود الاستيعاب، ومجهود تجميل الصفحات حتى تستوعب جيدا، إضافة غير محتملة للقارئ، وقطعا سيترك الكتاب من دون أن يكمله.

567

| 09 يوليو 2018

حكي عربي وإفريقي

حقيقة ومنذ وعيت، كانت ثمة اختلافات كثيرة في ما تعلمناه وما تذوقناه من تراث، هناك أشياء عربية عديدة نحملها، منها بالطبع تلك اللغة الشاهقة المسماة لغة الضاد، التي كانت سائدة في مجتمع لدى معظم أقاليمه، وأطرافه البعيدة، لغات محلية يستخدمها، وأحيانا تصارع اللغة العربية لتبرز، خاصة لدى الأجيال التي لم تنل حظا من التعليم، وظلت أسيرة قراها وبلدانها البعيدة، وحتى الذين لا يملكون لغة أو لهجة محلية، تجد استخدامهم للعربية، مغايرا وفيه التواءات كثيرة، لكن في النهاية يظل فصاحة عربية لا يمكن إغفالها. وأذكر أننا كنا نقضي إجازتنا في الشمال، في فترة الصيف، في القرية الأصل، ونلتقي بالجدات والعمات والخالات وغيرهن من الأهل والأقارب، فتدهشنا انحناءات اللغة غير المعروفة لدينا، لكننا نألفها بعد أيام وربما نستخدمها أيضا. بالنسبة للحكي الذي نستلفه من البيئة ونحكيه، وجدت كثيرا من الذي يشبهه في حكايات الكتاب الأفارقة الذين ما زالوا ينبشون التراث ويحكونه، وإن كان الحكي الذي يوجد في تراثنا، قد تمت تنقيته من أشياء كثيرة، ربما لم تكن مناسبة لبيئتنا ومجتمعنا الإسلامي، لكن تجد الأصل واحدا، وتختلف تسمية الطقوس ليس إلا، فالغول الذي يلتهم الصغار هو نفسه غول الأفارقة، والصياد الشجاع الذي يتحدى الوحوش، ويتمشى في الغابات رافعا رأسه وحربته، هو نفسه في نكهتنا ونكهة الأفارقة الآخرين، وربما اختلفت ثيابه فقط، أو نظرة عينيه، أو تعبيره عن التحدي. ولعل ذلك ما يجعل الذين يصنفون الإنتاج السوداني حين يترجم لأي لغة، تحت خانة الأدب الأفريقي، وتجد جوائز للأدب الأفريقي حصل عليها سودانيون، وسلسلة للنشر الأفريقي عالميا، تنشر للسودانيين أكثر من أفارقة مصر وشمال أفريقيا، مثلا، بوصفهم الأقرب للهوية الأفريقية. حين نشرت عملي «إيبولا» 76 الذي تحدثت فيه عن الهبة الأولى لفيروس ايبولا، الذي يسبب الحمى النزيفية القاتلة، وجرت الأحداث في بيئة أفريقية صرفة هذه المرة، هي بيئة الكونغو وجنوب السودان،   واجهني كثير من الأسئلة التي كان بعضها جادا وبعضها مجرد أسئلة بلا قيمة: لماذا هذا النص الأفريقي الصرف، مكتوب بالعربية؟ لماذا لم يصغ فرنسيا أو إنكليزيا؟

865

| 03 يوليو 2018

فعل القراءة

جلست يوما أتأمل عبارة إعادة الناس للقراءة التي تطلق كلما انتشر كاتب معين، وبدت لي عبارة لا ترددها الأجيال الحديثة من الذين قد يقرأون وقد لا يقرأون بحسب أمزجتهم وأوقات فراغهم، أي تلك الأوقات التي لا تلهيهم فيها التكنولوجيا، فيمسكون بالكتب، يتصفحونها، إنها عبارة يرددها جيلنا وما قبله، أي الجيل الذي لم يكن يملك معنى أو إحساسا بالوجود، إن لم تكن ثمة قراءة متاحة. كان معظمنا قد تربى قارئا بالفعل، إما بواسطة أسرته أو أصدقائه المقربين، أو حتى بواسطة جيران مثقفين وطيبين، يمنحون الكتب بسخاء، ويمكن أن يقيموا ندوات توعية، أو يجلس أحدهم يسمك كتابا، ويقرأ حكاياته للأطفال، غارسا فيهم متعة غريبة لن يعثروا عليها إلا إن ركضوا خلف الكتب بعد ذلك. وقد تحدثت في شهادة لي عن القراءة، عما سميته: قانون تاج السر، وهو قانون وضعه أبي، حالما تعلمنا كيف نكتب ونقرأ في المرحلة الابتدائية، وكان إجبارنا على قراءة كتاب كل أسبوع، يأتي به صاحب مكتبة صديق له، يلقيه من خلف الحائط، عصر يوم الإثنين من كل أسبوع، ولأننا كنا نعرف التوقيت ونتوقعه، كنا ننتظر، ونركض في محاولة الإمساك بالكتاب، كل يتمنى لو فاز بالقراءة أولا. وفي حديثي عن مدينة بورتسودان، وذلك الحي الحجري الذي يقع بجوار السينما والمستشفى، ويقيم فيه موظفو الخدمة المدنية في بيوت ضيقة صغيرة، لكنها واسعة الصدر، تحدثت عن العم حمزة، وكان رجلا مسنا أذكر أنه في حوالي الستين أو أكثر في ذلك الوقت، كان رجلا غريبا فعلا، يملك كشكا من الخشب أمام المستشفى، يبيع فيه أشياء كثيرة متباينة، مثل الملابس الجاهزة، وألعاب الأطفال، وأيضا الحلويات المختلفة، وفي يوم الجمعة الذي لا يفتح فيه الكشك، يجمع أطفال الحي في البيت الذي يقيم فيه مع عائلة لم تكن من أقاربه، يقرأ لهم القصص من كتب كثيرة أذكر منها ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، ويجعلهم متشوقين لمعرفة المزيد. كان جو حمزة، هو غرس في القراءة بكل تأكيد، وتفعيلا للمادة الترفيهية الوحيدة التي كانت موجودة في ذلك الوقت.

909

| 25 يونيو 2018

أفكار الكتابة

في الماضي، كان العثور على الأفكار، أمرا صعبا للغاية، وكان على الكاتب من أجل أن يبدأ كتابته، أن يجلس جلسات التأمل الكلاسيكية، لساعات طويلة، محاولا استنباط فكرة، أو الركض خلف سراب فكرة، أو الإمساك بفكرة خطرت له بالفعل وتأبى أن تصبح كاملة في ذهنه، وهكذا قد تمتد تلك الجلسات إلى أيام وأشهر ولا يحدث شيء على الإطلاق، وربما يقلع الكاتب عن كتابة روايته التي يبحث عن فكرتها، وربما يبدأ كتابة رواية جديدة، يكرر فيها نفس أفكار سابقة، يخبرها جيدا وكتبها من قبل. على أن ذلك ليس بالضرورة قاعدة، وتنطبق على كل الكُتّاب، فهناك أيضا أفكار محلقة في سماء الإبداع، ويمكن أن تحط فجأة على أي ذهن مبدع، وتمنحه نصا جيدا ومختلفا، وسيكتب بطريقة يقدرها القراء بعد ذلك. والقارئ لروايات بديعة أضحت كلاسيكية الآن، لن يعرف كيف استنبطت أفكارها؟، هل كانت من جراء عصر الذهن في جلسات التأمل الطويلة تلك، أم من الأفكار المحلقة التي ذكرتها. ومهما كتب عن روايات توليستوي، وقصص كافكا وتشيكوف، وما كتبه توفيق الحكيم ويحيى حقي مثلا، في الكتابة العربية، لن يعرف أحد بالتحديد الظروف الحقيقية لولادة تلك الأعمال. الآن يقينا، أصبح العثور على الأفكار أكثر سهولة، فالطرق الضاجة بالبشر، واللهجات، والمنتجات الاستهلاكية، والثقافات المختلفة، تمنح الذي يسير فيها، أفكارا في غاية الجمال، تؤدي لنصوص جيدة. السفر والمطارات، وجلسات الانتظار في الأماكن العامة، أو الجلوس في المقاهي والاستماع لما يدور، بين جلساء آخرين، يمنح أفكارا أيضا، ثم الطفرة الأعظم في العصر الحديث، وهي تقنية الاتصال عن طريق الإنترنت والهاتف الجوال، وإمكان أن يصبح العالم متوفرا كله في ثوان معدودة، لا تمنح الأفكار فقط، لكنها تجعل أفكارا كثيرة وقوية في معظمها، تتصارع في ذهن الكاتب، من أجل أن تفوز إحداها وتصنع نصه القادم.

3711

| 14 يونيو 2018

ما لا يكتب الآن

كلنا يعرف أن كتابة العجائبي، أو الغرائبي، أو الواقعي السحري، جزء من حيل الكتابة السائدة، والتي تتطور باستمرار، كلما اندثر جيل من الكتاب، وأطل جيل جديد، ومن مشاهداتي، لا أجد أي نوع من الكتابة، حتى الواقعي الصرف، والمستوحى من السيرة الشخصية للكاتب، قد اندثر، وإنما هو باق ويتجدد باستمرار، ولا شك أن الأفكار الجديدة، المستوحاة من تطور الحياة والمجتمعات، وإمكانية التواصل مع كل شيء، والتقاط كل شيء، يعتبر من العوامل المساعدة، على التجديد. في الماضي، كان هبوط الروسي، يوري جاجارين، على سطح القمر، مثلا، يعد حدثا غرائبيا، قد تستوحي منه الكتابة، وتحاول أن تنقله بأدوات الأدب، إلى أكبر قدر من القراء، كان خروج قطار عن القضبان، وانقلابه، وموت عدد كبير من المسافرين، مرشحا بشدة، ليصبح حدثا روائيا، يتخيل فيه الكاتب، حياة كاملة لكل ضحية، ويربطها بالمأساة، وكان يوجد في مدينة بورتسودان، على شاطئ البحر الأحمر، مجنون متشرد، أبيض اللحية، لا يعرف أحد اسمه، لكنه يسمى: ابن السارة، كان شخصية مميزة، يحفظ أرقام باصات النقل العام، ويمكن أن يتعرف على أي باص قادم من بعيد، من صوت الماكينة فقط. كان الرجل من الذين خرجوا أحياء من حادث: أوبو، وهو حادث مؤلم، نتج عن خروج قطار من قطارات الركاب، عن مساره واحتراقه، وموت معظم مسافريه، في سبعينيات القرن الماضي. ابن السارة هذا، كان من المفترض أن يكتب في ذلك الزمان، رجلا غرائبيا، يصنف مجنونا في معظم الوقت، وعبقريا أحيانا، كل ما فيه يلفت نظر الإيحاء، وأقل الإيحاءات تجاوبا، تستطيع أن تستخرج منه حكايات مشوقة. لقد رأيت ذلك الرجل وكنت صغيرا، ورأيته عن قرب حين عملت في المستشفى، أوائل التسعينيات من القرن الماضي،  وكان هو بدروشته، وجنونه، وثيابه التي يهديها له الناس نظيفة، ولامعة، ولا يرتديها، حتى يمرغها في التراب، وتتسخ حتى يضيع لونها. هذه الشخصية وشخصيات عديدة تشبهها، في رأيي تجاوزها زمن الكتابة الآن ولن تصلح ليجلس روائي، يخترع لها نصا.

1169

| 09 يونيو 2018

مشاريع لا تكتمل

بناء على ما يصادفني من مشاريع كثيرة تخص الإبداع، خاصة إبداع الكتابة والسينما، يكتبها شباب على الإنترنت، سأتحدث عما أسميته المشاريع المحبطة، أي  المشاريع التي لا تقترح إلا رغما عن إرادة من حلم بها تحت ضغط الحاجة لأن يصبح ذا اسم وجمهور وحياة تسميه: المبدع. ولأن المسألة كلها، وأعني مسألة أن تعثر على مقعد صغير في غابات الحياة المعاصرة قائمة على المال، ولأن المال ليس متوافرا في الغالب لدى معظم من يكدون ويكدحون من أجل العيش ولا يحتمل كدهم تمويل أي نشاط لا علاقة له بالأكل والشرب، لن تنشر رواياتهم بطريقة جيدة، ولن تنشر مجموعاتهم القصصية والشعرية، ولن يمثلوا أحدا في المهرجانات الكثيرة التي تقام هنا وهناك، وقد لا يسافرون على الإطلاق، من قرية في أقصى بلد، حتى إلى قرية مجاورة، أو عاصمة البلد الذي يعيشون فيه. هنا يصبح الإنترنت المتاح حاليا في كل شبر من أشبار الكرة الأرضية، هدفا مؤكدا للأحلام، ولمجلات الكتابة المنفية، والتالفة، والبعيدة المدى، والسوداء والحمراء والملونة، والتي تذهب في الريح، ويأتي كثيرون ممن ظلمت نتاجاتهم أيضا ليدعموا تلك المشاريع، ثم المرحلة تأتي التي تحتاج فيها إلى دعم مكرسين، لتصبح في نظر من وضعوها، مشاريع ناجحة. أعتقد، أن الإنترنت وبقدر ما قدمت من شوارع مرصوفة، لتسير عليها الأفكار الجيدة، قدمت أيضا حفرا عميقة لتسقط فيها الأفكار غير الجيدة. صحيح أن كل من أبدع في أي مجال يحتاج إلى مساندة ما، ممن يستطيعون تقديم مساندة، وحتى المبدع المكرس يحتاج ليستمر مكرسا إلى مساعدة، ورأيي أن تقوم الدول بتفعيل أدوات الثقافة المعطلة لديها وتعمل على اجتذاب المشاريع الجادة، ورعايتها بأبوة حقيقية، بدلا من تركها تختلط بمشاريع الفوضى على الإنترنت وتضيع، ولو افترضنا أن المبدع  صاحب التاريخ الإبداعي، يستطيع الدعم فعلا، فلا ننسى أنه فرد في مواجهة قبائل كلها احتياج وتنتظر. السينما مشروع دولة، والمجلة الثقافية مشروع دولة، ونشر الإنتاج الشبابي الواعد، يحتاج لميزانيات تستخرج من الدول، ويأتي دور الكاتب المكرس هنا حين يشجع بتقديم الأعمال الجيدة للقراء.

1483

| 28 مايو 2018

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4542

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3387

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1350

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1197

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1095

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

849

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

750

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

669

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

627

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...

612

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية