رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أمير تاج السر

أمير تاج السر

مساحة إعلانية

مقالات

458

أمير تاج السر

إيبولا

03 يونيو 2012 , 12:00ص

بمناسبة قرب صدورها عن دار الساقي ببيروت، أنشر اليوم، مقطعا من روايتي إيبولا ٧٦ التي كتبتها عن الحمى النزيفية، التي ضربت جنوب السودان في عام ١٩٧٦.

تتبع (إيبولا) القاتل، (لويس نوا) ظهر ذلك اليوم الحار من شهر أغسطس، عام ١٩٧٦، وهو يتحرق شوقًا ليسكن دمه.

كان لويس من منطقة (أنزارا) الحدودية، في جنوب السودان، عامل نسيج بسيطا في مصنع صغير، لإنتاج الألبسة القطنية، يملكه ويديره محارب سابق في جيش المتمردين على سلطة الخرطوم المركزية، اسمه (جيمس رياك)، وقد جاء لويس إلى الكونغو في زيارة حزن مباغتة، حين علم مصادفة من أحد العائدين من كينشاسا، بموت امرأة دغدغت قلبه، في العامين الأخيرين، مستولية على كل ود، كان يكنه لزوجته في السابق. لم يمكث في وسط العاصمة كينشاسا إلا بمقدار تلفته في حذر، وعبوره الطريق غير المرصوف، بين موقف حافلة الركاب الصغيرة التي أقلته من أنزارا، وموقف حافلة أخرى، أراد استقلالها إلى مقبرة في الأطراف، حيث يرقد المئات من ضحايا إيبولا، حصدهم في انطلاقته الكبرى المحيرة تلك.

كان إيبولا حوله، وقريبًا منه بصورة كبيرة، ويتحين الوقت المناسب لافتراسه. دخل المقبرة المسورة بالحجر الأبيض، والمحاطة بأشجار بعضها مؤرق وبعضها زابل، والفيروس موجود، تحمله عشرات الأجساد التي صادفها هناك، كان في دم المتسولة العجوز، غائرة الخدين، التي مدت له يدها في صمت، ومنحها نصف فرنك وهو يدخل، في دم حارس الأمن المتسلط، الذي يقف عند البوابة، متكئا على سلاحه القديم ونظراته تتحاوم بين الداخلين والخارجين، في دماء الزوار العديدين، الذين ألقى عليهم نظرة هائمة أو لم يلق، وحتى حين انحنى على قبر المرأة التي جاء من أجلها في تلك الرحلة الشاقة، وبكى بشدة، كان ينحني ويبكي على قبر امرأة، كان الفيروس في جسدها الميت، وقضى عليها منذ يومين فقط.

لا يدري إيبولا القاتل، الذي يروع الناس منذ فترة في تلك البلاد، ما الذي لفت نظره في لويس نوا، ليضطرب كل ذلك الاضطراب، ليقرر الهجرة عبر دمه إلى بلاد أخرى، بعد أن كثر عليه النباح في بلده الأصلي، وجندت الدولة ثعابينها وعقاربها وكل ما تمتلكه من خير وشر لملاحقته، واكتشاف هويته، ووصلت عينات من دماء ضحاياه العديدين، إلى دول العالم المتقدمة مثل أمريكا وكندا، وأستراليا، والآن يدرسونها بعمق، تحت عدسات مرعبة، للعثور على لقاح ضده، أو دواء يعدمه إلى الأبد.

لم يكن لويس نوا في الواقع، جذابًا، لم يكن وسيمًا أبدًا، أنفه في غاية الضخامة وفيه بثور بيضاء، تختفي وتعود، كتفاه أعرض مما ينبغي لكتفين، شفتاه مشققتان بفعل الحر، وجفاف الحلق، وفي مقدمة جبهته العريضة، نُحتت بالنار، تلك الفصوص المقيتة التي اشتُهرت بها قبيلته، وتحمل معنى مقدسًا.

 كم كان عمره؟، لا أحد يدري بالتحديد، لكنه يبدو في الأربعينيات، أو بداية الخمسينيات، تاريخه المرضي يبدو ناصعًا حتى الآن، لا ضغط ولا سكر، ولا خفة في النظر، ولا احتقان في الكلى أو البروستاتا، ولا شيء آخر باستثناء حمى المستنقعات التي تنشط في خلاياه أحيانًا، والتي ليست مرضًا على الإطلاق في تلك المناطق.


 

 

مساحة إعلانية