رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مقطع من أمنيات الجوع

حين كتبت روايتي الأخيرة" أمنيات الجوع" في حوالي شهر واحد فقط، مدفوعا بإيحاءاتها الكثيرة، ومداخلها ومخارجها التي اتسعت أمامي فجأة، ونشرتها بعد ذلك، لم أكن أظن أبدا، أنني سأعلق في مشكلة بلا حل، وسيطاردني كابوس تداعياتها هكذا ولا أستطيع برغم جهودي التي بذلتها كلها، أن أفلت من مطاردته. كنت قد عدت من رحلة رائعة إلى كوالالمبور، تلك مدينة شرقية هزتني بشدة، وتمنيت أن أكتبها يوما وأكتب عنفوانها الشقي في نص يليق، التقيت هناك بمثقفين ورأسماليين، ومعلمين وفتيات ليل وصعاليك في الشوارع، وشدتني عدة شخصيات صادفتها، ولمحت في طلتها المميزة، إيحاءات شخصيات روائية، ستزين أي نص يحتملها.  كان ليونج تولي، أو الماستر تولي كما يسمونه، معالج الإبر الصينية المعروف بشدة في ذلك البلد، والذي راقبت تماسكه برغم العمر، وابتسامته المحبوكة جيدا وأناقته الشديدة، وتسليطه الضوء على مهنة قديمة، من تلك الشخصيات التي بهرتني بشدة، سكرتيرة عيادته أنانيا فاروق، التي لم أعرف لها جنسية محددة وسط ذلك الخليط من الأجناس في مدينة فائرة، هي أيضا شخصية سلسة، وتبدو بطولها اللافت للنظر، ومساحيق وجهها الكثيفة، وظلال عينيها الخضراء والحمراء، وفساتينها التي لا تخضع لأي موضة معروفة في أي مكان، وأحذيتها المفصلة حتى من الخيش والكرتون المضغوط، وجيش المرضى ومرافقيهم، الذي يغازلها إما علنا أو في صمت، نموذجا حيا لأميرة من الشرق الأقصى، تقوم بنزهة نزقة في بلد مرهق، من بلاد العرب، في نص من المفروض أن يكتب ذات يوم. التقيت بالبروفيسور الأمريكي سابقا: فيكتور جريلاند، والياباني حاليا: هوشي هيسوكا، أستاذ الموسيقى في أحد المعاهد اليابانية، وعازف الجيتار المدهش، ومطرب الأطفال في كل وقت، وأي مكان كما ذكر، والذي غادر بلاده في عام 1977، ولم يعد إليها أبداً بعد ذلك، تعارفنا في ممر ضيق بالسوق الصيني المحتشد بالسلع والناس والحيل، وتجادلنا طويلا في لقاءات عدة بعد ذلك، في مسألة الهوية، وكيف يصبح آسيويا صلدا، يحمل اسما يابانيا قديما يعني المحارب، من ولد في أمريكا، وعاش فيها حتى بلغ الأربعين. كان البروفيسور عجوزا، لكنه متماسك جدا، ونحيف حتى لكأنه طيف، وكان وجوده في ماليزيا، وجودا سنويا، حيث اعتاد زيارتها لأنه أحبها بجنون، ولأنه من زبائن عيادة تولي، للوخز بالإبر الصينية، لم يكن يشكو من أي شيء يستدعي ترصيع رأسه ويديه وساقيه بالإبر، كما أخبرني، ويأمل أن يبلغ المائة واقفا على قدميه، هي مجرد صيانة دورية يقوم بها لوظائفه الحيوية في كل عام، ويعود إلى بلاده المكتسبة، أكثر تفاعلا. وكانت فلسفته في محو هوية الغرب، واكتساب هوية الشرق ببساطة هكذا، هي أن الشرق، حين توده وتحترمه، وتؤدي له خدمات جليلة، سيبكيك حين تمضي، وستجد العجوز الذي جلست بجانبه في أحد المقاعد في حديقة عامة، أو قطار سريع، ذات يوم، يسير في جنازتك، وفتاة الجيران الصغيرة ذات الأحد عشر عاما، تضع الزهور على قبرك في كل يوم، على عكس بلاده، حيث يموت العباقرة والمكتشفون، ورواد الفضاء يوميا بحوادث الطرق، ورصاص القناصين الفجائي في الشوارع، ولا يفتقدهم أحد.

496

| 27 مايو 2013

طبعات الكتب

من التقاليد السائدة في الغرب، عند نشر أي كتاب، أن تقوم معظم دور النشر بعمل طبعات متعددة للكتاب، بحيث يطرح بغلاف ورقي عادي، وبغلاف سميك فاخر، ونسخة إلكترونية لتقرأ عبر أجهزة الكيندل والآي باد، إضافة إلى طبعة شعبية بسعر زهيد، ويمكن أن تكون في متناول أي عاشق للقراءة. هذا التقليد الذي اعتبره ممتازا، يراعي المستويات الذوقية وأيضا الاقتصادية للقراء، فالقارئ ليس موحدا على الإطلاق، بمعنى ليس كل القراء في مستوى واحد من حيث تذوق شكل الكتاب، أو القدرة على شرائه، أو طريقة القراءة المفضلة، أي الذي يقرأ ورقيا، غير الذي يقرأ إلكترونيا، ولأن الكتاب في النهاية، سلعة تجارية، وتدخل من ضمن منظومة السلع التي بحاجة إلى ترويج، وإلى الوصول إلى أكبر قدر من المستهلكين، تراعى تلك الأشياء التي ذكرتها، وبذلك يعثر كل قارئ على ضالته، في كتاب واحد في مضمونه، لكنه متعدد في وجوهه. وإذا ما اكتفت دور النشر بنسخ فاخرة فقط للكتاب، أو بنسخ ورقية، غاضة النظر عن النشر الإلكتروني، حتما ستخسر كثيرا من القراء، وأيضا يخسر القراء، كتابا لمؤلف ربما يكون مفضلا لديهم. دور النشر العربية على العكس تماما، فمعظمها يقوم بنشر طبعة موحدة للكتاب، وهي طبعة ورقية بغلاف ورقي، ويوضع السعر الذي ربما يقدر عليه البعض ولا يقدر عليه البعض الآخر، وبذلك يضيع الكتاب من عدد ليس سهلا من قراء ربما كانت الدار ستكسبهم لو اعتمدت تقليد الطبعات المتعددة. لكن مؤخرا التفتت بعض دور النشر إلى إمكانية ترويج الكتاب أكثر، فصرنا نرى في مواقع البيع على الإنترنت، نسخا إلكترونية لنفس الكتاب، تعرض مع النسخ الورقية، هذا إرضاء لقارئ الكيندل والآي باد بلا شك، لكن وبرغم ذلك مازلنا نفتقد إلى النسخ الشعبية الرخيصة، وحتى حين نشرت دارا مثل الشروق المصرية، نسخ جيب لبعض الكتاب، بأحجام صغيرة، لم تعدل السعر كثيرا، ونراه يقترب من سعر الكتاب في حجمه الكبير. في بعض الدول، اهتمت المؤسسات الحكومية بإنشاء سلاسل للكتب بأسعار جيدة، وفي متناول الجميع، وكانت مؤسسة الشؤون الثقافية العراقية قديما، تنشر سلاسل في شتى فروع المعرفة، وتوزع في كل أنحاء الوطن العربي، وهي السلاسل التي تعلمنا منها في بداية تعرفنا على سكة القراءة، أيضا في مصر، أنشئت سلاسل متعددة، لنشر الإنتاج الثقافي المصري، وأيضا لإعادة نشر الكتب المهمة لبعض الكتاب العرب، ومازالت هذه السلاسل تواصل عملها بنشاط، ويتلقف نشرها آلاف القراء. في قطر اهتمت وزارة الثقافة منذ زمن طويل، بالنشر، حيث نشرت للكتاب المحليين، ولكتاب وشعراء عرب، ونشرت كتبا هامة مترجمة من لغات أخرى إلى العربية، وتواصل هذه المشاريع بنجاح، وأيضا توفر هذه الكتب الأنيقة المهمة مجانا لمن يريد القراءة، أو المعرفة، وتعرضها في أجنحتها في المعارض الدولية، ولا أدري لم لا تباع هذه الكتب في منافذ البيع، حتى تعم الفائدة، وتشمل عددا أكبر من المهتمين.

12319

| 20 مايو 2013

الشاويش خضر

كان يوجد في حي النور قريبًا من العيادة، على بعد عدة شوارع، مركز صغير للشرطة، به عسكريان في كل وردية، وقد أنشئ لفض المنازعات القبلية، أو المشاجرات البسيطة التي تحدث أحيانا بين الجيران بسبب أمور تافهة، وأيضًا لتلقي الشكاوى في حالات السرقة والنهب المسلح المنتشرة في تلك الأحياء البعيدة. وصلنا للمركز أنا وعز الدين نتصبب عرقا، وكان بداخله في تلك الساعة من الليل، شرطيان، أحدهما شاب في مقتبل العمر، يشبه في ملامحه قبائل (البجا) المستوطنة في الشرق والتي لا يفضل رجالها عمل الشرطة إلا نادرا، والآخر يبدو قديما وعلى وشك التقاعد، وتدل ملامحه وتلك الخطوط الرأسية الموشومة على خديه، نوعا من الزينة التقليدية، على أنه من أهل الشمال الذين كانوا أول من طرق العسكرية وتوظف بها، في البلاد. حكيت عن موضوع العربة وسرقتها من أمام باب العيادة، واستخدامها في زفة عرس، كما ذكر أحد الشهود العابرين، فتولى العسكري القديم القضية، سجَّل البلاغ على دفتره الذي كان من ورق أصفر وبلا غلاف، وسألني إن كنت أتهم أحدا بالذات، بتلك السرقة، وخطر ببالي أن أتهم المحتال (إدريس علي)، والنشال شقيق المجنونة سماسم، لكنني لم أجرؤ، ولا أملك دليلا على أحد. قلت: لا أعرف.. فانشغل الشرطي بفتل شاربه قليلا ثم نهض مرددا.. - تفضلا معي لو سمحتما. لم يسألني حتى إن كانت العربة مسجلة باسمي أو اسم شخص آخر، ولا عن لونها وماركتها وأرقام تسجيلها، ولا سأل عز الدين، إن كان قد سمع شيئا أم لا؟، كما كان يفترض في تلك الحالات، كان ظهره منحنيا إلى الأمام قليلا وهو يمشي، جرابه المدلى من الخصر، مفتوحا وبلا سلاح، وقد تأرجح أحد أشرطته العسكرية على كتفه اليمنى، بسبب تمزق الخيوط. وقد خطر لي أن أسأله عن سلاحه الذي ربما يحتاج إليه في مهمته، في نفس اللحظة التي رأيته فيها يلتقط عصا ضخمة من أحد أركان الغرفة، ويطلب من زميله البقاء بالقسم حتى يعود. كان يصيح: -     لا تخرج يا تولاب من مكانك حتى لو وقع انقلاب عسكري.. هل تفهم؟ لم يكن بالمركز سيارة مخصصة لتنقل العسكريين، ولا حتى دراجة نارية تستخدم في المهام العاجلة، وصرخ الشرطي في رجل على عربة كارو يقودها حمار، وتحمل عددا من صفائح الماء، عبرت أمامنا بالتوقف، وركبنا كلّنا، وقد كان صاحب الكارو واسمه جبران، وزارني مرة في العيادة يشكو من ألم ركبتيه، بارعا في تخطي الحفر، والشوارع الموحلة، والدخول إلى أزقة ملتوية، لا تسمح حتى بمرور قطة، وقادنا مباشرة بعد أن عرف بأمر العربة المسروقة، إلى بيت متهالك من الخشب، يطل على أرض خلاء، كانت مضاءة بالفوانيس، وممتلئة بالناس وبقايا الأكل، وثمة مغنٍ لم أره من قبل، يرتدي القميص الأبيض القصير والصديري، يعزف على آلة العود، ويردد أغنية محلية اسمها (الشحم واللحم) كنتُ قد سمعتها من قبل تُردد في العديد من الأعراس رغم رداءة كلماتها ولحنها، وكانت المفاجأة، أن العربة بكامل زينتها المورَّدة، كانت هناك. نزلتُ من عربة الكارو مسرعا قبل الشرطي حتى، وأسرعت أتفقد عربتي من الخارج والداخل في قلق، وكانت كما هي، لم يفقد منها شيء، مسجلها العتيق ما زال يعمل، ولّاعتها تعمل أيضا، كساء الجلد الذي كسوت به مقاعدها موجود في مكانه ولا شيء جديد سوى عدة كيلومترات أضيفت إلى عداد السرعة الذي احتفظ في ذهني بقراءته دائما. توقف الغناء والرقص بأمر من الشرطي العجوز، وجيء بالعريس ونفر من أهله من وسط الساحة، وخضعوا لاستجواب سريع، اتضح منه ما حدث.

2341

| 13 مايو 2013

الاندماج مع النصوص

لاحظت من تعليقات عدد من القراء، في مواقع القراءة المنتشرة على الإنترنت، أن البعض منهم تعاطفوا مع شخصيات معينة، في الأعمال الروائية، وأرادوا استمرار وجود تلك الشخصيات، بنفس تفاصيلها، في حياتهم، وبالتالي لم يكملوا قراءة أعمال بعينها، خوفا من النهاية المحتملة، أو مصير الشخصيات التي أحبوها، وبعضهم وضع نهاية خاصة به، أي نهاية تروقه، بعيدا عن الكاتب. هذا ما سميته الاندماج الكبير مع الأعمال الروائية، بمعنى أن القارئ هنا ليس قارئا فقط، ولكنه موجود داخل النص بطريقة أو بأخرى، وقد جند عواطفه ليكون كذلك. ولن تهمه النهاية الحقيقية للنص الروائي، بقدر نهاية معقولة لوجوده ووجود الشخصيات الأخرى. شخصيا أعتبر مثل هذا القارئ، نقيا إلى أبعد حد، وقد قرأ بكيانه لا بعينيه فقط، ويمكن لو التقى بالكاتب أن يحاوره عن وعي، وربما يضع له مقترحات، يستفيد منها في نصوص قادمة، بعكس القارئ الذي يكمل الكتاب حتى النهاية، ويخرج بانطباعات عادية، ثم ينسى كل شيء بعد ذلك. هذا أيضا ذكرني ببداياتي في القراءة، حين كنت أفعل ذلك مع نصوص بعينها، خاصة تلك التي تبشر بنهايات حزينة لشخوص أحببتها، كنت أقرأ حتى أقترب من النهاية، ثم أترك العمل وأضع نهاية له وحدي، وبذلك بقيت كثير من القصص والروايات بلا نهايات حقيقية عندي، وتقيم في وعيي بالنهايات التي وضعتها. على عكس رأيي، يرى كثيرون أن مثل هذا القارئ، غير ناضج كفاية للتعامل مع الخيال الكتابي، حين يحيله إلى واقع، وبالتالي، يلغي فائدة القراءة المرجوة، ويقول صديقنا الدكتور أحمد خميس، أستاذ المسرح، إن مثل هذا القارئ يحتاج إلى دروس في علم الجمال، حتى يتذوق الأعمال الروائية، بعيدا عن العاطفة. ربما يكون أحمد خميس على حق، لكن في النهاية، يظل مثل هذا القارئ المتفاعل، أفضل كثيرا من القارئ الذي يهمل النص تماما، بعد فراغه من القراءة، أو ذلك الذي ينبش النص، بنية البحث عن عيوب، ربما تكون موجودة، وربما لا تكون، ولأن القراءة هي أذواق وآراء مختلفة، نص يعجب البعض ولا يعجب البعض الآخر، يكون الكاتب في هذه الحالة، عرضة لكل شيء. أخيرا، أعتقد أن وسائل الاتصال الحديثة، بقدر ما سهلت التواصل بين الناس، وإمكانية أن يلتقي الكاتب بقرائه مباشرة من دون وسيط، ومن دون عوائق، قللت أيضا من احترام البعض للكاتب. في الماضي لم يكن يعرف أحد أصلا من قرأه ومن اندمج مع نصه، ومن انتقده، إلا مصادفة حين يعثر على صحيفة فيها رأي، أو يلتقي في ندوة ما بقراء متحمسين لتجربته، أو مناوئين لها، لذلك يظل في معظم الأوقات نظيفا من الصداع والانشغال بالركض خلف مؤلفاته، والتواصل مع الذين يتواصلون معه.

1351

| 06 مايو 2013

عن جائزة البوكر

في الأسبوع الماضي، وفي مدينة أبو ظبي، منحت الجائزة العالمية للرواية العربية، أو البوكر العربية كما يطلق عليها، لأول مرة، لكاتب شاب من الكويت، هو سعود السنعوسي، عن روايته ساق البامبو الصادرة عن الدار العربية للعلوم. لقد بدا لي ولعديد من المهتمين بالشأن الثقافي، والمتابعين لأعمال هذه الجائزة، وبمجرد ظهور القائمة الطويلة، ضامة لكتاب جدد، أن انقلابا ما سيحدث في رؤية المحكمين هذا العام، وحين ظهرت القائمة القصيرة بعد ذلك، لم تكن مفاجأة لي، برغم أنها استغنت عن أعمال جليلة لكتاب لامعين، مثل قناديل ملك الجليل لإبراهيم نصر الله، وأصابع لوليتا لواسيني الأعرج، لكنها بالمقابل ضمت عملين أعتبرهما جيدين للغاية، هما يا مريم للعراقي سنان أنطون، وساق البامبو التي منحت الجائزة بعد ذلك، وكان كثيرون يتوقعون أن تذهب للمصري إبراهيم عيسى، عن رواية انتقد فيها رجال الدين الذين يظهرون في الفضائيات العربية، هذه الرواية برغم فكرتها الجديدة، وجرأتها في مناقشة ذلك النشاط، إلا أنها كتبت بطريقة أشبه بطريقة المسلسلات التلفزيونية، وكان فيها كثير من الزوائد التي تحتاج لمعالجة. يا مريم، تحدثت عن الشأن العراقي، وكانت كتابة راقية كما أعتقد، وساق البامبو بالمقابل، تحدثت عن وجود العمالة الآسيوية في منطقة الخليج، وتداعياتها ومشاكلها، وأيضا مسألة الهوية الغائمة لبطل من أب عربي وأم آسيوية، لقد كانت جريئة في طرحها أيضا، وتخبر بموهبة حقيقية لسعود السنعوسي، استحق أن يحصد ثمارها باكرا. لا يوجد استغراب هنا، ما دامت الجائزة تتعامل مع النصوص بعيدا عن الأسماء كما يجب أن يحدث، تماما كما تفعل الجائزة البريطانية الأصلية، حين تقصي كاتبا كبيرا، وتتوج كاتبا صغيرا، سيكبر ذات يوم، وأذكر العام الذي منحت فيه لكاتب هندي شاب، وبرواية أولى، وخرج عدد من أباطرة الكتابة، ومحترفوها من القائمة الطويلة بلا أي ضغينة. وبعضهم لم يدخل القوائم أصلا، وحين منحت في عام آخر لجوليان بارنز عن رواية عاطفية صغيرة الحجم، وأقصت روايات ضخمة، لم يكن ثمة استغراب أيضا، فقد رأى المحكمون أن هذه الرواية الصغيرة، تستحق ومنحوها. هناك أمر آخر، لا بد من الإشارة إليه، وهو أن الأمر في النهاية يخضع للتذوق الشخصي للمحكم، ولا يعني بالضرورة أن الروايات التي استبعدت، سيئة، والتي فازت جيدة جدا، هي في النهاية مغامرة من الكاتب أن يلقي بنصه في المسابقات ودائما ثمة رابح وخاسر، وأعتقد أن الكاتب يجب أن يستمر في تنويره، وتزويد قرائه بالجديد، سواء إن ربح أو خسر في مسابقات الجوائز، وعلى الذين لديهم حساسية من الخسارة، ألا يغامروا بدخول المسابقات. أخيرا تهنئة شخصية للكاتب الكويتي سعود السنعوسي، متمنيا له إبداعا جديدا وكثيرا، بعيدا عن تداعيات الجائزة، التي ربما تشغله.

780

| 29 أبريل 2013

الرواية والشعر

هناك سؤال مهم كثيرا ما يطرح في حوارات المهتمين بالشأن الكتابي، وهو الفرق بين لغة الرواية ولغة الشعر، وهل يمكن للرواية أن تنجح حقيقة، وتصل إلى قارئها من دون مشكلة، إذا ما استعارت الشعر في الكتابة؟  هناك عدد من الكتاب، منهم بهاء طاهر الذي حصل على جائزة بوكر العربية في دورتها الأولى، يرى أن الشعر شعر، والرواية رواية، ولا يمكن لأي منهما أن يكتب بلغة الآخر، بينما يرى آخرون، أن الأمر ممكن ما دام الاثنان ينتميان إلى قبيلة الإبداع، ومن ثم يمكننا العثور في المكتبة العربية على عدد من الروايات بنت حكيها على لغة الشعر من دون إخلال بقواعد الكتابة الروائية، وأيضا تلك التجارب الشعرية العظيمة التي تحررت من ثياب الشعر الضيقة وأخذت الكثير من لغة النثر. الرأيان محل تقدير بلا شك، والرأيان يصفان طريقتين مختلفتين لكتابة الفن وتذوقه لدى عدد من الكتاب الآخرين، الذين قد يحملون نفس الأفكار وقد يناقضونها، ومنذ عرفنا كيف نكتب الرواية، وعشرات الروايات تكتب كل يوم وبطرق مختلفة. أنا أميل إلى مسألة تداخل الأجناس الإبداعية أثناء الكتابة، أميل إلى كتابة رواية لا ترتدي الثوب التقليدي الذي ولدت به، وتناقلتها الأجيال الكتابية به، ولكن رواية تسعى إلى متذوق الحكي وتقتنصه، إلى متذوق الشعر وتقتنصه، وحتى إلى متذوق الرسم والتشكيل لتعبر إليه، ولا أعتقد أبدا أن ثمة خللا ما يحدث، لأن العمل الإبداعي في النهاية هو عمل نخبوي لا يطارد متذوقيه حتى بيوتهم، ويغرقهم فيه، بل يكتب ويطرح نفسه في مواقع معينة، ليبحث عنه من أراد، ولا أعتقد أبدا أن الرواية عجزت عن الاستمرارية بلونها القديم عند بعض الكتاب، فسعت إلى سرقة الشعر لتباهي به، وبغموضه، كما يروج البعض، ولكن الأمر مشروع ما دام النص الروائي لا يتعدى ذلك الحد الفاصل بين كونه نصا روائيا أو قصيدة شعرية. سؤال آخر يطرح عادة، عن مغزى انتشار بعض الأعمال الروائية، مقارنة بعدم انتشار بعضها، والقارئ العربي، أو القارئ النخبوي يفترض أن يكون واحدا. هنا نستطيع أن نقول إن انتشار بعض النصوص وإعادة طباعتها عدة مرات لا يعنيان جودتها على حساب أخرى لم تنفد طبعاتها الأولى منذ سنوات.. هنا يوجد الترويج المبرر وغير المبرر، العلاقات التي لدى أحدهم وليست لدى آخر، والشيء الهام جدا، هو مسألة السينما التي تختار نصا لا لتنتجه في تلك الشاشة الساحرة فقط، ولكن لتلفت إليه أنظار القراءة، وبالتالي تساهم في نشره. الإبداع بلا شك مسألة شائكة جدا، مسألة ممتلئة بالشقاء، والوعورة، والإحباطات، لكل كاتب قلم يشقى، ولكل قارئ تذوق يختار ويترك.

4202

| 25 أبريل 2013

قمر

أول مرة حضر فيها قمر سعيد، المعروف في حيه وكثير من الأحياء المجاورة بقمر طلمبة منذ كان طفلا بلا أي إيضاح لذلك اللقب، ندوة ثقافية، تلك التي أقيمت في نادي الصفوة وسط المدينة، وذهب لحضورها، ليس حبا في الندوات أو المواضيع التي تخيل أنها تطرحها، ولكن لأن نجوم غالي، التي تسكن قريبا من بيتهم، كانت هي التي نظمتها، وستديرها، ووجهت دعوات صريحة لجميع سكان الحي، بمن فيهم نساء أميات، وأطفال لم يتعلموا الثقافة بعد، أن يزدحموا في أولى ندواتها بعد شهر قضته في ماليزيا، وكانت تطمح لتقديم كثير من الندوات المماثلة في المستقبل.  لم يكن طلمبة وثيق الصلة بفتاة الجيران الذين سكنوا منذ فترة وجيزة في الحي، وتحديدا منذ ثلاثة أشهر، وكان وقتها في المستشفى، يجري جراحة عاجلة لاستئصال الزائدة الدودية، ولا كانت تلك الفتاة الجميلة، ذات غطاءات الرأس الملونة، والأزياء الحديثة البراقة، تلتفت إليه في أي وقت تشاهده فيه، في الحقيقة حتى لم يكن متأكدا من نشاطها، ولا وردت سيرتها أبداً من ضمن سير البنات التي توزع في الحي بكثافة، أملا في العثور على زوج مستقبلي. كان يشاهدها أحيانا في الصباح، تنتظر في محطة الباص على الطريق العام وهي تطالع ساعتها في قلق، أحيانا تركض خلف عربة أجرة مسرعة، لا تود أن تتوقف، وفي أحيان قليلة جدا، تبتسم لجارة أو جارتين، ابتسامات فسرها طلمبة، بأنها ابتسامات بعيدة جدا عن التواضع. في البداية رتبها كثيرا في ذهنه وبعثرها، وفكر أن يصبح شقيا لأول مرة في حياته، يتعلم الكلام الناعم، ويطاردها في الشوارع، لكنه خاف من جرح لا ضرورة له إطلاقا، وحياته مستقرة بخيرها وشرها. كانت تصلح في رأيه المتواضع، شيطانا عربيدا، يمكن أن يفرق بين زوجين سعيدين، أو ملاكا محتشما غاية الاحتشام، يساهم في سعادة أحد ما. كانا رأيين متناقضين بكل تأكيد، ولم يحس أبداً بتناقضهما، والحقيقة أنه كان هزيلا إلى حد ما، ومرتبكا، ومتناقض الملامح، لدرجة أن لاعب سيرك عجوزا، مر بالحي ذات يوم، في مهرجان ترفيهي، نظمته اللجنة المحلية، مازحه أمام الناس بعد أن شم ملامحه جيدا، نبهه إلى استحالة أن يخرج المخاط مهذبا من أنفه الضيق، واستحالة أن تبكي عيناه بطريقة صحيحة، وهما مثل ثقبين على جدار. ذلك اليوم ابتهج كل من شاهد سيرك البهجة، وسمع انتقادات اللاعب العجوز، وهي ترسخ تناقضات وجه شاهدوه كثيرا، ولم يهتموا بتناقضاته قط.  لكن طلمبة لم يكترث كثيرا، ولا نقصت خيلاؤه الفقيرة، شبرا واحدا، ابتهج مثل الآخرين، ومضى إلى بيته عاديا بعد أن انتهى الترفيه. ليخترع حلم يقظة أخاذا عن لاعبة السيرك، التي كانت تصعد إلى سقف الخيمة، على حبل، وتتلوى في الفراغ. ولأن أمه هي التي أنجبته، ويعيش معها وحدهما، منذ توفي والده في حادث طريق، كانت تحس بمسؤوليتها تجاه ملامحه غير الجاذبة، وابتدأت منذ زمن طويل، تمجده بمناسبة وبلا مناسبة، وصيرته برغم تعليمه الناقص، ومهنته المتواضعة، ككاتب عرضحالات عادي أمام المحكمة الشرعية، أميرا غازيا لقلوب بنات الدنيا كلهن، وسعت كثيرا ليشاركها آخرون من الجيران والأهل والمعارف، ذلك الاعتقاد، ولا يعرف طلمبة إن كانت قد نجحت في سعيها أم لا، لأن لا بنت واحدة من بنات الدنيا، حامت حوله، بينما آخرون في نفس العمر، وفي وظائف أقل شأنا من وظيفته، كانوا يتحدثون عن فاتنات رائعات، يبادلنهم الغرام.

351

| 24 أبريل 2013

معرض الدار البيضاء للكتاب

بداية هذا الشهر، أتيح لي أن أكون ضيفا على معرض الدار البيضاء للكتاب، في دورته التي انتهت منذ عدة أيام. كانت المرة الأولى التي أزور فيها المغرب، وقد دعيت قبل ذلك عدة مرات لموسم أصيلة الثقافي السنوي، ولم أتمكن من الحضور. البلاد تبدو مبهرة من الوهلة الأولي، ويستمر الإبهار طوال مدة الإقامة، ذهبنا في جو ربيعي رائع وسط زخات المطر، وكانت ملاحظة أن الناس يمشون ويركضون، ويمارسون حياتهم العادية، غير عابئين بذلك المطر الرقيق، أيضا الشخصية المغربية التي أحتك بها لأول مرة، شخصية ساحرة، الكل مرحبون بالغرباء، والكل سعداء أنهم يستضيفون أحدا في بلادهم، وتبد الضيافة أصيلة وحقيقية. كان معرض الكتاب مفاجأة لي، فقد كانت أجنحة الناشرين واسعة بشكل ملفت، وترقد الكتب عليها في ارتياح تام، والذي يريد أن يوقع كتابا من الأدباء، يستطيع أن يفعل بسهولة في أي جناح من دون أن يؤذي البيع والشراء، أو يحد من حركة الناشر، كان الزحام كبيرا، أكبر تزاحم على الكتاب أشاهده في معرض، ولاحظت أن هناك اهتماما خاصا بالكتب الفلسفية، والنقدية، والكتب التي تتعرض للحياة اليومية، وثمة نقص في الاهتمام بالكتاب الإبداعي من شعر ونثر، رغم وجود عدد كبير من المبدعين المغاربة، أثروا الثقافة وما زالوا يثرونها حتى الآن، وبرغم ذلك كان هناك قراء من الجيل الجديد، يحتفون بالمبدعين الزائرين، ويظهرون لهم أنهم قرأوا لهم شيئا، وهذا أقصى ما يتمناه أي كاتب، أن يصل إلى أكبر شريحة من القراء، خاصة الشباب المتهمين دائما بأنهم ابتعدوا عن القراءة، ويلهثون خلف التكنولوجيا التي تستهلك كل شيء. بالنسبة للفعاليات المصاحبة، أعتقد أنها كانت جيدة، وتلائم الجو العام لأي معرض كتاب، لا بد من ندوة لمبدعين يتحدثون فيها عن تجاربهم الكتابية، من أين يستوحوون، وكيف يكتبون؟، وقد شاركت في ندوة بهذا الشكل مع الكاتب والناقد المعروف محمد برادة، والروائي المغربي مبارك ربيع، وكان من المفترض أن يشاركنا آخرون، لكنهم لم يحضروا لظروف خاصة. شهادة برادة شهادة قيمة، هي شهادة عن الكتابة والحياة، خاصة أن برادة يقوم بمهمتين كبيرتين، أن يكتب رواية، وأن يكتب نقدا للروايات، كذلك كانت ثمة شهادة أدبية راقية من الزميل مبارك ربيع، وهو من الكتاب المغاربة الذين عبروا إلى المشرق، بأعمال جليلة. كانت هناك فعاليات أخرى، منها حوار مع الروائي الصديق واسيني الأعرج، والروائي الصديق إبراهيم نصر الله، وسط جمهورهما، ويعقبه حفل توقيع للكتب، وأمسيات شعرية واحتفالات بتوزيع جوائز. أخيرا أعتقد بأن المغرب من دول المغرب العربي التي تهتم بثقافة المشرق كثيرا، وتحتك بهذه الثقافة، سوى عن طريق مثل هذه المعارض أو الندوات الثقافية المختلفة التي يستضاف فيها مبدعون من المشرق، أو عن طريق طباعة الكتب لكتاب من المشرق. تجربة معرض الكتاب كانت رائعة بحق، وتغري لتكرارها في معارض أخرى.

578

| 15 أبريل 2013

من النصوص المهملة

كان حليمو متأكدا أشد التأكيد أن جريرته في حق أحمد الأصلي تستحق موقعا مميزا في سلسلة جرائر الريف، وأن بوابات الطوارئ وأسوار السجن المركزي وإشارات المرور الحمراء التي وضعها كرسومات احتياطية في خط سير المسافر، قد ترتدي سحنة أساسية ويبدأ بها زحف الصعلكة في العاصمة. استخرج زكاة للفطر كان قد نسي استخراجها في عدة أعياد متعاقبة، تأكد من لياقة قميصه، ونظافة نعليه، وضع قليلا من ماء الكولونيا على رقبته، وكثيرا من بخار النشادر على أنفه، وذهب إلى بيت آل داريت. كانت كلاب الريف ما زالت طليقة النباح، عصافير الجنة الهزيلة ما زالت تحلم بغد مشرق، ومزارعو الدلتا، ما زالوا يعاندون النعاس. استقبلته التباشير المريبة لفقدان عضو في البيت، نفس التباشير التي تخيلها مرارا في بيت أسرته في حي (الوابورات) في العاصمة حين انقاد متهورا بعاطفة متأججة، إلى هذه البلدة، كانت أوعية الدموع أكثر من أوعية البن والشاي، وكانت أسرة داريت مكومة حول رامية للودع تبدو في وجهها علامات سهر متعمد، تقرأ طريق المسافر تماما كما ورد في رسومات حليمو عشرات المرات دون أن ينهها أحد، وكانت نقود النحاس التي يسحقها الصدأ تتقافز حول قراءتها بلا انقطاع. كان المسافر قد سافر بالفعل، سحبته عربة متعجلة دسها الليل في أحشائه، وكان خط السير المعوج قد بدأ. توغل حليمو في زيارته إلى أبعد مدى، شارك في قراءة خط السير، وبعثرة النقود النحاسية، وألقى بعدد من التمنيات الطيبة في ذعر العائلة، انتظر حتى تأكد من جفاف كل ينبوع للدمع، وعاد إلى ثلاثة عشر ليل مؤرق مشؤوم بلا ذرة من نعاس. كان يستبدل حجارة الراديو مرتين في اليوم، يستمع إلى نشرات الوفيات، وأوصاف خرج ولم يعد، يتمنى لو طلب المسافر أغنية، أو شارك في بث مباشر، أو حتى شتم معدي برامج الجماهير التي كانت بلا جدوى.. كانت مثانته تتلوى بعنف ورأسه يلتهب حرا كلما توقفت عربة في الجوار. أقلع عن كثير من عادات مؤاخاة الزبائن في مطعمه، والضحك لنكاتهم، وصار طهوه رسميا خاليا من أي نكهة أخوية. كلم أفرادا في الجيش والشرطة كان يعرفهم فيما مضى، وراسل أصدقاء قدامى ومسعفين، وجرسونات في مطاعم في العاصمة. جاملهم بالتحية والسلام وكلمهم عن ريفي من توجار له وجه طفل وقامة نخلة، وفوران أخدود ربما يلتقيهم جائعا أو شحاذا أو سجينا، أو ضائعا، أو مبقور البطن، سد أذنيه كثيرا بفلين الأجهزة الكهربائية حتى لا يسمع جريرته تتكرر على لسان زوجته المدرسة كحصة تربوية، بحث عن كتب في تحليل الشخصية عند مثقفين توهتهم الحياة في الريف، وانقاد إلى نظرية عظيمة، كانت تحلل شخصا كأحمد داريت تحليلا أراح أمعاءه من كثرة الانتفاخ.. كانت تقول إن أشخاصا كهؤلاء لا يمكن أن يساهموا في أي نفع لأحد، لن يساهموا في ترقية لعسكري مغمور، ولا تدريب لطبيب حديث التخرج، ولا ظهرا لأي سياط تبحث عن ظهر، استرخى صاحب المطعم المفخخ لتلك النظرية الخالدة، ادعى تأليفها، سردها أمام زوجته بتأن حتى أسكت حصصها التربوية، ونام في اليوم الرابع عشر نوما استفزازيا مطرزا بالشخير، لدرجة أن زبائنه المواظبين على المطعم تغدوا في ذلك اليوم بكسرة الماء.

453

| 09 أبريل 2013

الثقافة والإنترنت

في الآونة الأخيرة، وتحديدا في الأعوام الخمسة الأخيرة،، ظهرت على الإنترنت مجلات ثقافية ومدونات تحتفي بالأدب وتروج له، وصفحات خاصة لأدباء بعضهم معروف بشدة، وبعضهم بلا اسم ولا نتاج معروف، إلا ذلك الذي ظهر على صفحته. وبالمرور على تلك الصفحات أو المجلات أصبح من الممكن الإلمام بأي حدث ثقافي ــ مهما كان بعيدا ــ التعرف على صدور كتاب مهم، وأيضا الإعداد لكتاب ما بقراءة كل ما يتعلق بالمادة التي ستكتب. الإنترنت هنا وفر الكثير، أو فلنقل اختصر الكثير من الدرب على الكتاب الذين لا يستطيعون الوصول إلى النشر الورقي بسهولة في زمن أصبح النشر الورقي برغم العدد الكبير من دور النشر حلما مكلفا، وغالبا ما يستنزف الكاتب قبل أن يزهو بكتابه، ويتعذب به وهو يطارد أخبار توزيعه وقراءته. إنشاء المواقع على الإنترنت وتغذيتها أمر سهل للغاية، وهي أيضا اختصار كبير لجيش من العاملين يلهثون ويركضون وراء الخبر. هي مهمة شخص واحد مولع بمهمته وغالبا ما يكون كاتبا أو شاعرا، أو حتى محبا للآداب والفنون. وأنشأ الروائي العراقي سعد هادي مجلة إلكترونية أسماها الروائي، ويحررها بنفسه معتمدا على ثقافته ومثابرته وما يرسله له المهتمون والأصدقاء، وأحسب أن مجلته برغم عمرها القصير قد حققت الهدف من إنشائها. فعبر تلك المجلة تستطيع المرور المتأني بكل ما يمت للرواية بصلة، تجد أخبارا عن كتب صدرت وكتبا ستصدر، تجد حوارات ثقافية عميقة، وفصولا من روايات قيد النشر . الأمر هنا ليس تجاريا ولن يصطدم بمعوقات التسويق الروتينية التي تقف حجر عثرة دائما أمام كل المشاريع الثقافية. أيضا توجد مجلات أخرى عديدة مثل مجلة الكلمة التي يشرف عليها الناقد صبري حافظ، وتحمل رسالة فكرية، ومواقع أخرى فيها الكثير مثل موقع دروب، ومجلة ألواح التي يحررها الكاتب العراقي محسن الرملي. أستطيع القول، وقد تزايد عدد الذين يطرقون باب الإنترنت بشدة في السنوات الأخيرة، وأصبح لكل فرد (لاب توب) يلازمه في حله وترحاله، ويتصل لا سلكيا بأي شبكة حرة يصادفها في طريقه: إن ثقافة الشبكة العنكبوتية بدأت تأكل ثقافة الورق وغالبا ما تنتصر عليها قريبا.    

6346

| 01 أبريل 2013

‫تجارب

‫كانت الواحدة صباحا عندما فككنا الأحزمة، وتهيأنا للنزول في مطار الخرطوم. كنت قادما من بلدتي الساحلية، ذلك القدوم الذي يتكرر من حين لآخر، لقضاء مهمة ما، أو التنفض من إقليمية العيش والتنزه في العاصمة من سينما «كوليزيوم» إلى حدائق المقرن، وشارع النيل.. وربما جرني جوع مسائي لتناول طبق من الفول اللذيذ عند «أبي العباس» العريق. كان الجو خريفيًّا ناعمًا.. فراشات من مطر بلوري تلامس الوجه والجسد ثم تفر، وهواء نظيف يهدهدك حتى تنام واقفًا.. كانت الواحدة صباحا.. ساعة مضت على بدء حظر التجول الذي كان سائدًا في تلك الأيام. ألقيت نظرة على مبنى المطار الشبعان بأنفاس القادمين والذاهبين والعاملين والموجودين بلا سبب، وكان من المستحيل قضاء ساعة واحدة في وسط ذلك الزحام، ورغم أنني لم أكن من هواة التنقل في تجول محظور إلا أنني قررت الذهاب.على باب المطار كانت عربات التاكسي أغزر كثيرًا من متاع المسافرين، في كل مكان زرته لم أجد مهنة أشد إيذاءً وإيلامًا للشعور من مهنة «تاكسي المطار».. كان المسافر في نظر تلك المهنة خارجًا على القانون، تصادَر أملاكه وهداياه، وتبغه، وأشواقه إلى ذويه، وقد تمتد إلى جيوبه السرية لتبدل عملاته الصعبة في سوق أشد قسوة من السوق الرسمية. كنت أهيئ نظري لالتقاط سيارة حسناء من نوع «الكرسيدا» أو «الكراون» أو «929» على أقل تقدير، وذلك حتى أصادَر من قبل سائقها عن طيب خاطر، لكن تلك الفرصة لم تأت أبدًا، فقد وجدت جسدي وحقائبي ونظرتي المهيأة، كلنا، محشورين في سيارة «هنتر» متهدمة.. وانتبهت إلى السائق، كان عريضًا جدّا، ربما أعرض سائق تاكسي أصادفه في حياتي، لدرجة أن مقعده من شدة ضغطه على المقعد الخلفي، ألغى وجوده تمامًا.- ألم تسمع بأحمد ترينتي؟ خاطبني السائق وضغط على كتفي الأيسر حتى ولولت عضلاته..- أنا أفضل من يقودك في حظر التجول وفي غير حظر التجول، كل نقاط التفتيش تعرفني ويرتجف العساكر عند رؤية سيارتي، حتى قطاع الطرق في خور «أبوعنجة» يفرون حين يشمون رائحتي، سترى الآن بنفسك.قلت وقد شعرت بالقلق: ألا تحمل تصريحًا؟كشّر في وجهي بعنف:- لا أحد يسأل ترنتي عن تصريح.. مَن المجنون الذي يفعل ذلك؟ كلهم يخافون على أنوفهم وأسنانهم.. ولكن مع ذلك فمعي تصريح كنوع من الروتين لا أقل ولا أكثر. ثم أشار إلى طبق من «الطلس» على يمينه، وضعت بداخله ورقة التصريح.مررنا بعشر نقاط تفتيشية، كان السائق العريض يتوقف كأي سائق، يمد يده اليمنى، يلتقط التصريح، يريه لفوهة السلاح المصوب، ثم يعيده إلى مكانه، وعندما ننصرف، يلتفت إليّ بغطرسة، يقول: هل انتبهت؟ هل رأيت كيف كان الرجل يرتجف؟وأبحث في ذهني عن خوف أو رجفة أو اصطكاك أسنان صدر من خلف البنادق المشرعة، فلا أرى.في النقطة الحادية عشرة كنت قد ابتللت بصلفه حتى القدمين، وقررت أن أضع حدّا، مددت يدي إلى وعائه الطلس، من دون أن ينتبه، أخذت تصريحه الداعم للصلف، ووضعته في جيبي وعندما توقف وبحث ولم يجد التصريح، كان أحمد ترنتي السائق العريض جدّا، الممتلئ عضلات وصلفًا والذي أخاف قطّاع الطرق في خور «أبوعنجة»، مجرد خارق عادي للقانون، عرقان، ولاهثًا، وزاحفًا على يديه وركبتيه، يبحث عن كلمة يرد بها على «هرشة» السلاح، وعن تصريحه الذي كان مجرد روتين لا أقل ولا أكثر.

430

| 28 مارس 2013

وقائع

‫كان ميرزا، رجلا آسيويا غزير الأعوام. كان يتردد على العيادة يوميا، يرتدي ثوبا أزرق داكنا، وغترة من قماش أحمر، اخترعها بنفسه، وصندلا من جلد قديم ممزق، ويحمل في يديه مسجلا معطوبا، وحقيبة بنية، يحرص عليها بشدة ولا يفلتها من يديه أبدا. كانت شكواه واحدة، لا تتغير: "قدمي مكسورة ولا أستطيع المشي". ‫في البداية كنا نأخذ الأمر بجدية، نصور ساقه بأشعة إكس، ونردمه بالتحاليل، ولا نعثر على شيء، ثم اعتدنا على تلك الشكوى، واكتشفت لدهشتي الشديدة بعد ذلك، أن الرجل يمشي عشرات الكيلومترات في اليوم، بساقه تلك، يمشي في الأسواق والطرق الجانبية والـ(هاي ويز)، ولم يركب عربة في حياته، وإن توقف له أحد لا يعرفه في الطريق، بنية مساعدته، كان يغضب بشدة، وربما اشتبك مع الرجل في معركة. كان فضولي الآن قد تركز على تلك الحقيبة الغالية، الحقيبة التي يعض عليها الآسيوي ولا يفلتها من يديه، ظللت عشرة أعوام أتتبع تلك الحقيبة، أتمنى أن أرى ما بداخلها، وحاولت في أحد الأيام أن أشدها من يده وأفتحها، لكنه تشنج بشدة، وأخفقت. منذ عدة أيام جاء ميرزا. كان قد يبس، ولابد فقد تجاوز التسعين، وقد سقط قفل الحقيبة المسن أيضا، واستطعت أن أرى محتوياتها أخيرا: "كانت الحقيبة فارغة". -٢- كان موسى يعمل معلما، وكان وسيما، وشاعرا رقيقا تخصص في أغنيات الحب والجمال، واشتركنا معا عدة مرات في كتابة القصائد. في أحد الأيام، ولم أكن قد التقيته منذ فترة، جاء إلى المستشفى يبحث عني. كان منظره مؤلما، يرتدي قميصا أبيض متسخا، وسروالا ممزقا من القطيفة السوداء، يلف حول ياقة قميصه حبلا سميكا، بوصفه ربطة عنق، وعلى قدميه صندلا بيتيا منهكا، ويحمل قطعة مربعة من الكرتون مكتوبا عليها بحبر أحمر: تشهد كلية التفاهة، في جامعة الحياة التعسة، أن الأستاذ موسى، قد تخرج فيها بمرتبة الشرف، وأصبح أكبر تافه في العالم. دكتور أمير تاج السر عميد الكلية. وضع قطعة الكرتون أمامي، وصرخ في وجهي، وهو يرتجف: وقع يا سيادة العميد حتى أضعها في برواز وأعلقها على الحائط. وقعت له وأنا مصدوم، وظللت مصدوما، حتى بعد أن مات بعد ثلاثة أشهر. -٣- منذ أكثر من سبع سنوات، سلمني آدم مخطوطا لرواية كتبها، وكانت روايته الأولى كما قال. كان في نحو الأربعين، نحيلا وقلقا، لا تستقر عيناه على شيء. طلب مني قراءتها وإبداء رأيي، وظل يطاردني شهرين بالهاتف، ولا أجد وقتا لقراءة الرواية. في أحد الأيام جاء إلى مكتبي، كان متهيجا، وقد نبتت له لحية بيضاء، وقال لي بالحرف الواحد، وهو يلوح بيديه، إنه سيضطر لإيذائي، إن لم أقرأ الرواية. فكرت ساعتها بالإبلاغ عنه، ثم غيرت رأيي، تفرغت يومين وأمسكت بالرواية، لأفاجأ برواية بديعة، كتبت بإخلاص مجنون، رواية كتبها عن بلاده الصومال، عن عريها وتفككها، وجوعها وفقرها، وتلك الحرب المزرية، التي لم تترك حتى حشرات الليل الطنانة، كتبت له صفحتين وأنا منتش، وجاء ليأخذهما، ويسترد مخطوطه. منذ ذلك الحين، لم أر آدم مرة أخرى، ولم أسمع أبداً بتلك الرواية الفريدة.

773

| 18 مارس 2013

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

2325

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

1227

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

795

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...

693

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

669

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
النهايات السوداء!

تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...

600

| 12 ديسمبر 2025

alsharq
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة

أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام...

597

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
تحديات تشغل المجتمع القطري.. إلى متى؟

نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...

546

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
موعد مع السعادة

السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...

537

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
معنى أن تكون مواطنا..

• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...

531

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
الوطن.. حكاية شعور لا يذبل

يوم الوطن ذكرى تجدد كل عام .. معها...

510

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
مسيرة تعكس قيم المؤسس ونهضة الدولة

مع دخول شهر ديسمبر، تبدأ الدوحة وكل مدن...

498

| 10 ديسمبر 2025

أخبار محلية