رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مسؤول وتوصية حكيم وصائب

ما أروع أن يشعر المسؤول بهموم المواطن ويعمل جهده على تنفيذ توجيهات القيادة الرشيدة للوطن، ويتوجه إلى القائمين على شؤون المواطن ويعمل على طلب سرعة تنفيذ أمورهم والعمل على عدم تعطيل متطلباتهم الحياتية وإيجاد السبل اللازمة لتذليل أي صعوبة تواجههم.وهذا ما قام به معالي رئيس مجلس الوزراء الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني بتوجيه سرعة إنهاء إجراءات طلبات المواطنين الخاصة بالإسكان وإيجاد آلية عمل واضحة وسريعة لانتفاعهم بالإسكان سواء إسكان بقرض أو إسكان ذوي الحاجة وتخصيص مكان مناسب لاستقبال المنتفعين وخاصة كبار السن وذوي الإعاقة، بالإضافة إلى توجيهه بسرعة الانتهاء من تنفيذ خطة لإحلال المواطنين في الوظائف التي يشغلها غير القطريين ممن يتوفر فيهم شروط الوظيفة.نعم إن هذين الأمرين هما ما يهم المواطن القطري الذي للأسف يظل سنوات قد تصل إلى أكثر من 10 سنوات وهو ينتظر أمر الحصول على أرض وقرض لبناء مسكن العمر وخاصة الشباب المتزوج الذي يضطر لأن يعيش في غرفة واحدة في بيت الأهل حتى يفرج عليه من قبل القائمين على الإسكان وتخصيص المسكن المناسب له ولأسرته وهذا توجه الدولة وقيادتها التي تريد للمواطن العيش بكرامة ورفاهية في سكن يستقر فيه مع أسرته بعيداً على نار الإيجارات وخاصة الشباب الذين ليس لديهم مؤهل عال، حيث إن أغلب المساكن تعطي لمن يتخرج من الجامعة، ويظل الآخرون ينتظرون سنوات طوال بأمل الحصول على سكن مناسب!!بل إن هؤلاء قد يحرموا من الإسكان الحكومي أحياناً، بعكس الوافد الذي يتمتع بالحصول على المسكن المناسب الذي قد يزيد على حاجته وحجم أسرته، وبالتالي يقوم بتقسيم العقار المؤجر له من قبل الإسكان، وتأجيره، وهذا يحصل كثيراً ولكن ليس هناك رادع لذلك والمواطن ذو المؤهل الذي من غير الجامعة يضطر لتأجير السكن مما يؤثر على قدراته المالية!!وإذا ما جئنا إلى التوجيه الثاني لمعالي رئيس مجلس الوزراء حول إحلال القطريين محل غير القطريين، فهذا مطلب ملح ومطلوب فهناك العديد من الطلاب الذين أنهوا دراستهم وإلى الآن لا يوجد لهم وظائف والبعض منهم ضاع من عمره الكثير وهو يبحث عن وظيفة، فلماذا لا نبحث في دوائرنا الحكومية عمن يمكن الاستغناء عن خدماتهم وإحلال القطريين مكانهم، "فالأقربون أولى بالمعروف"، وهناك وظائف يمكن للقطري حتى ذوي المؤهل المتوسط إشغالها بعد تدريبه وتعليمه، وهي يحتلها غير القطري، وتنفق عليه الدولة السكن والتذاكر وغيرها!!إن الأمر يحتاج إلى أن يشغل المسؤولون أنفسهم ببعض الوقت ويبحثون عن الوظائف التي يحتاجها القطري وتتراكم أوراقه لديهم وشهاداته، والتي يشغلها غير القطريين ويجد لهم الوظيفة المناسبة، فأهل قطر أحق بوظائف مؤسساتها وحكومتها ومرافقها العامة والخاصة.وما زاد عن ذلك، فيمكن للغير أن يستفيد من الوظائف وخاصة وقطر في ورشة عمل كبيرة من المشاريع والنهضة في مختلف المجالات فلنكن أحن على أبناء الوطن من غيرهم ونحن في مواقع المسؤولية والعمل، فلا يحك ظهرك إلا ظفرك!

586

| 17 أكتوبر 2016

العراق بين نظارة نوري السعيد البيضاء ونظارة المالكي السوداء

ما نراه يحدث بالعراق في وقتنا الراهن يجعلنا نعقد مقارنة سريعة بين النوريين، نوري السعيد ونوري المالكي.. فنوري السعيد رأى مستقبل العراق مشرقا من خلال نظارته البيضاء،أما المالكي فأدخل بلاده في ظلام من خلال نظارته السوداء والتي يرى بها كل ما في العراق قاتما. فنوري السعيد الذي نتحدث عنه هو أبرز السياسيين العراقيين أثناء العهد الملكي والذي تولى منصب رئاسة الوزراء في العراق 14 مرة بدءا من وزارة مارس 1930 إلى وزارة الأول من مايو 1958.. كان جل هم السعيد هو الحفاظ على أمن المواطن العراقي ووحدة بلاده التي كان حالها أفضل بكثير من العراق اليوم. أعتقد أن الشعب العراقي لما له من رصيد عظيم من الوطنية يملك مقومات تغيير حاضره إلى الأفضل، والشعب العراقي صاحب قراره حقيقة، وأعتقد أنه من كثرة ما تعرض له من محن وآلام، فليس أمامه سوى الأمل وأن يرفع صوته ضد كل ما يلاحقه يوميا حتى يشعر العالم بمعاناته على يد حكامه. وأحسب أن الشعب العراقي على بينة بما يحيق به من شرور، وأن بعض سياسييه لا يحبون التغيير من أجل مصالحهم. ولكن المؤكد أن بالعراق الآن الكثير من نوري السعيد بنظارته البيضاء التي يرى بلاده عبرها مشرقة ومستقبلها مزدهرا.. رجال مخلصون ووطنيون لا يهمهم أي شيء سوى مصلحة العراق والشعب العراقي. والعراق أيضا مليء بنوري المالكي بنظارته السوداء المتشائمة التي لا ترى سوى أسود، وهؤلاء لن يقدموا لبلدهم سوى المحن والظلم والتخلف والارتماء في حضن الأجنبي وتأجيج الطائفية والمذهبية ونبذ الديمقراطية وإشعال الفتن وإقحام العراق في المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإقليمية بهدف الحفاظ على الكرسي فقط وليس غيره. وللأسف.. لا يعترف المالكيون بأخطائهم رغم أن الاعتراف بالخطأ فضيلة ومن حكم العقلاء، وهؤلاء يستغلون الديمقراطية لتنفيذ مآربهم السياسية فقط ثم ينقلبون عليها طالما استفادوا من عباءتها ثم يظلمون المواطن والشعب والبلد كلها، غير عابئين بالمواطن الذي أحضرهم إلى الحكم، ولكن على كل هؤلاء أن يعلموا أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة. وأعتقد أن الشعب العراقي هو الأكثر دراية بمتطلباته في الوقت الراهن، وعليه الحفاظ على مكتسباته وأهمها الديمقراطية التي انقض عليها المالكيون، وتطويرها لينعم بها كل الشعب.. ولا داعي لترديد ما يزعمه أعوان المالكي بأن بعض الدول المجاورة ونقصد الخليجية منها، تستهدف تدمير الديمقراطية العراقية.. أي ديمقراطية يتحدثون عنها؟! ومن المؤسف أن نسمع أن بعض العراقيين ينسون أفضال الخليج الذي أسهم بعوائده في دعم جيش صدام ضد الجحافل الإيرانية ونجا العراق بلدا وشعبا من الزحف الفارسي.. وبأي حق يتحدث هؤلاء أو ما هي مصادرهم في الحديث عن مؤامرة خليجية للانقضاض على الديمقراطية العراقية؟ وعلى أي أساس يرصدون تلك المؤامرة المزعومة تكلفة تصل لنحو (250) مليار دولار لتدمير الديمقراطية العراقية!!. أعتقد أنه لو كان نوري السعيد بين ظهرانينا الآن لرد بنفسه على مثل هذه الخزعبلات التي تصدر من قلة داخل العراق للأسف الشديد، فنوري السعيد كان مثالا لرجل الدولة الذي يعرف قدر بلاده وجيرانها وكان يحترم الجميع واحترمه الآخرون، بعكس آخرين يعبثون بالسلطة والبلد من أجل بلاد أخرى. ونقل عن نوري السعيد ذات يوم قوله : "العراق عبارة عن بالوعة وأنا أجلس على غطاء فوهتها، فإذا تنحيت عنها انتشرت رائحتها الكريهة".. ومع غرابة التشبه والحالة، فإن الوضع قد يكون صحيحا في وقتنا الراهن، فالعراق يقترب من تشبيه السعيد ولكن القائمين على الحكم هناك لا يستطيعون إحكام غطاء الفوهة وبذلك تنتشر المشكلات السياسية والاقتصادية وآخرها أزمة منطقة الأنبار التي تنبئ بربيع عربي جديد في العراق. وإذا كان أهل الحكم يريدون حقا مستقبلا أفضل لبلدهم، فأمامهم الديمقراطية التي تحل كافة المشكلات، فهي السبيل للقضاء على الطائفية سواء الدينية أو السياسية بشرط عدم حشر الدين في الشؤون السياسية. ويعلم القاصي والداني أن العراق في عهد نوري المالكي دخل في متاهات سياسية عديدة بسبب عدم وجود البوصلة الحقيقية التي تقود البلاد إلى بر الأمان، فالمالكي أدخل بلاده في أتون أزمات متعددة ومتلاحقة، ويرفض الحوار مع الآخر وصولا إلى حل للأزمات، وهو لا يأبه أصلا بمسألة تقسيم العراق. وأصبحت المراوحة هي سيدة الموقف في العراق، ونقصد هنا المراوحة التي تعني التخلف. الوضع السياسي في العراق اليوم يدعو للسخرية، فكل رجال المالكي يتحدثون عن الإنجازات في معرض تعليقاتهم عن الأوضاع الحالية، وهم يعتقدون بالخطأ أن التجربة الديمقراطية في العراق هي تجربة فريدة من نوعها وعلى العالم استنساخها. وهم للأسف لا يرون أصل المشكلة وهي أن شيعة العراق يتمسكون بالسلطة على حساب بناء دولة العراق القوية الديمقراطية حتى لو كان الثمن هو تدمير البلاد وتحويلها إلى أرض قاحلة. أما لو كان نوري السعيد هو الذي على رأس السلطة الآن، لوضع مصلحة العراق وشعبه في المقدمة وليس في نهاية المطاف. فالمالكي يريد فض المظاهرات الرافضة لسياساته الظالمة بالقوة لإشعال الحرب الأهلية في العراق، فهو يهدد بتدخل الجيش لقمع المظاهرات، وهذا يؤكد تعطشه للدم خاصة دماء السنة.. فهو لا ينسى تاريخه عندما كان موظفا في دائرة التشييع السياسي والأيديولوجي قبل غزو العراق، ودخل قصر الرئاسة على ظهر دبابة أمريكية، فهو صنيعة الأمريكيين الذين أعدوه للسلطة وفقا لعملية سياسية – عسكرية مشتركة. والخوف كل الخوف أن يستمر المالكي في الحكم، فكل يوم يقضيه في السلطة يعني مئات القتلى من شعبه. ثم يدعي نوري المالكي بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العراقي أن التوترات الطائفية في المنطقة ألقت بظلالها على بلاده، داعيا القوى السياسية إلى رفض التدخل الخارجي وحل المشاكل الداخلية. ثم يدعي أن التنافس الإقليمي والاستقطاب الموجود في المنطقة وما يحيط بالعراق من توتر طائفي أخذ يلقي بظلاله الثقيلة على العراق. وتناسى المالكي أن حكمه هو الذي كرس الاستقطاب وأصبح تركة ثقيلة بالعراق. ومع ذلك نراه يطالب بعزل العراق عما سماها بالتيارات التكفيرية التي تعصف بالمنطقة!! والداهي، أن المالكي يجرم الاستقواء بأي طرف إقليمي لتقوية طرف عراقي داخلي، لأن هذا يعد عملا خطيرا، يفتح أبواب الشر على العراقيين، في حين أن المالكي نفسه كرس سياسة الاستقواء بإيران والخارج لدعم حكمه وتقوية أواصره مقابل إضعاف بقية مكونات الشعب العراقي. ولا يسعنا هنا سوى السخرية من قول المالكي :" الدول لا تبحث عن مصالحنا ولا تبحث عن مصالح تلك القومية أو المذهب بقدر ما تبحث عن مصالحها وهي مستعدة لدعم أي جماعة تضع نفسها في هذا السياق".. ثم يعود ويدعو دول الجوار والأصدقاء للتعامل مع العراق وفق سياقين : الأول احترام الشأن الداخلي وعدم دس الأنف فيه، والثاني الابتعاد عن إشاعة جو الإرهاب لأنه عمل ارتدادي سيصيب بلدانهم. قد يتناسى المالكي أن سياساته هي التي إشاعة الفوضى والفساد والضغينة والكراهية بين العراقيين، وبالتالي، لا لوم على الآخرين أو الجيران اللهم إذا كان هؤلاء الجيران من أهل فارس الذين يدسون أنوفهم في شؤون كل الدول المجاورة. ولهذا، ليس من حق المالكي أن يصف الوضع الحالي في بلاده بأنه يمر بمنعطف خطير لأنه هو نفسه مسؤول عن هذه الأجواء، وليس من حقه اتهام أي طرف سوى إيران بإشاعة الفوضى في بلاده. الغريب أن المالكي ما إن رأى حجم المظاهرات بأم عينيه، إلا وحاول الانبطاح قليلا ليؤكد على أن جميع المشاكل يمكن حلها بالحوار الأخوي والانفتاح.. فهو الذي قال :" لا مطلب يصعب تحقيقه ولا خلاف يتعذر حله".. ولكنه للأسف، يعود لسياسة اللف والدوران ليرمي على غيره بالتهمة :" لكن إذا بقينا نتطلع إلى خارج الحدود ونراهن على هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، لن نجلب لبلدنا سوى الدمار والمآسي، وليكن عبرة ما يحدث حولنا". نعم.. فالمالكي يتفنن في سياسة الاستفزاز، عبر شخصيته الإقصائية، فهو محنك في هذا، واستطاع إقصاء كل المعارضين له حتى ممن كانوا أقرب الناس إليه في الماضي لمجرد أن نصحوه بالتحاور مع الآخر وخصومه السياسيين.. وأخيرا وليس آخرا، فالعراقيون اليوم بحاجة لمراجعة تاريخهم وقراءة أيام بلادهم إبان عهد نوري السعيد لمعرفة الفارق.

2771

| 02 يناير 2014

هل حققت القمة الاقتصادية طموحاتنا؟

"عامان تامان مرا منذ أحداث الربيع العربي شهد العالم العربي خلالها عددا من المتغيرات والتحديات، وأنها رغم اتخاذها أشكالا سياسية في ظاهرها، فإن مسبباتها الحقيقية لا يمكن أن تخطأها العين بأي حال من الأحوال.. ولا يمكن إغفال الأسباب التنموية أو تجاهل الطموحات التي تتطلع إليها الشعوب العربية وآمالها نحو حاضر مشرق ومستقبل مزدهر".. هذا ما أكده الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أمام الجلسة الافتتاحية للاجتماع المشترك لوزراء الخارجية ووزراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالدول العربية للتحضير لأعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة التي شهدتها الرياض. ولم يكن غريبا على الفيصل أن يطالب بان تكون القمة عاكسة للموضوعات والقضايا الرئيسة التي تلامس حياة الشعوب العربية مما يتطلب الارتقاء بقرارات القمة لتكون على مستوى تطلعات الشعوب. فالواقع الذي أراد الفيصل التنويه إليه هو أن الأزمة الحقيقية التي تواجه العرب هي التعامل مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لأن هذا يتطلب المعالجة من منظور شامل يغطي جميع الجوانب بما يتوجب معه تفعيل ومتابعة مسيرة التكامل الاقتصادي العربي والمراجعة الشاملة والدقيقة لما سبق اتخاذه من قرارات في القمتين السابقتين لتكون منطلقا أساسيا للمضي في البناء وتحقيق الأهداف المنشودة. وأعتقد أن الفيصل وضع يده على الآمال بما يمكننا من دراسة أساليب واليات استغلالها الاستغلال الأمثل، ومن دواعي الآمال هو ما يزخر به الوطن العربي من ثروات متعددة من موارد طبيعية وبشرية ورؤوس أموال وموقع استراتيجي.. والأمل هنا ينحصر في ضرورة تيسير تدفقات الاستثمار والتجارة العربية البينية في سبيل بناء تكامل اقتصادي عربي قائم على أساس المنفعة المشتركة. ولهذا، كان من بين إنجازات قمة الرياض اعتماد الاتفاقية الموحدة المعدلة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية، بما يؤدي إلى تعزيز دور القطاع الخاص كشريك رئيس يسهم في رسم وتنفيذ مسار مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية.. فالتنمية الاقتصادية الشاملة بما تمثله من تحديات وفرص تتطلب في البداية وضوح الرؤية والأهداف، ومن ثم العمل المتواصل اعتمادا على الموارد المتاحة لبلوغ الغايات المنشودة في النمو والازدهار. وهنا نشير إلى مكون آخر غاية في الأهمية يتعلق بتوفير موارد جديدة إضافية لدعم جهود الدول العربية الأقل نموا لتحقيق تلك الأهداف.. وهو ما يسمى في علم الاقتصاد بتعظيم الموارد. وإذا كانت السعودية أشارت بوضوح إلى المكونات أو الموارد الطبيعية، فثمة معطيات أخرى تمثل عاملا مهما في نفس الوقت، فدول المنطقة العربية تمتلك جميع المقومات الجغرافية والمناخية والاقتصادية المثلى لتطوير صناعة محلية مستدامة ورائدة في مجال الطاقة المتجددة. ولهذا، فإن اعتماد قمة الرياض للإستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة خلال الفترة من 2010 إلى 2030، يعد إنجازا للآمال العريضة، لأن تلك الإستراتيجية ستفتح المجال أمام إقامة سوق عربية لأجهزة ومعدات الطاقة المتجددة، التي تعمل على توفير فرص عمل جديدة بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص. وبالتالي يمكن استغلال مصادر الطاقة المتجددة المتاحة ونقل التقنيات الخاصة بتصنيع معداتها إلى الدول العربية، وهذا أيضاً يعد خيارا استراتيجيا للدول العربية لضمان تأمين وتنويع مصادر الطاقة وإرساء قواعد صناعة أنظمتها عربيا، سعيا إلى تسويقها على المستوى الإقليمي في بادئ الأمر ومن ثم على المستوى العالمي في مرحلة لاحقة. ثم نأتي إلى مكون مهم أيضاً ويتمثل في توفير الآليات اللازمة لمشاركة القطاع الخاص بشكل أكثر فاعلية في الاستثمار في مشاريع البنية التحتية. نحن لا ننكر كشعوب خليجية وعربية ما حققته الدول العربية من مكتسبات على صعيد العمل العربي المشترك خلال السنوات الماضية، بيد أنه من المهم التأكيد على أن واقع هذا التعاون وما حققه من إنجازات ملموسة على الأرض لا يزال قاصرا عن تلبية طموحات شعوبنا التي تدرك تماما أن لديها من الموارد والمقدرات ما يكفل لها حاضرا أفضل ومستقبلا أكثر إشراقا. وهذا يتطلب كما فعل الأمريكيون والأوروبيون والآسيويون قبلنا، الاعتماد على طرح الأفكار الخلاقة والرؤى الحديثة التي تكفل المضي قدما لهذه المسيرة والتصدي بكفاءة وفعالية لما يعترض طريقها من صعوبات وتحديات، حتى تستعد القيادات العربية بقوة لمواجهة التحولات الكبرى التي تعيشها الشعوب، وما أفرزته من تداعيات وتحديات غير مسبوقة، الأمر الذي تطلب من هؤلاء القادة اتخاذ المواقف المطلوبة لمواجهة هذه التحديات والتعامل معها وتعزيز التضامن والتكاتف العربي لتجاوزها. كما أننا لا ننكر أهم إفرازات القمة وهي التأكيد على أهمية الاستثمار في الوطن العربي كأحد الحلول الجذرية لمواجهة ارتفاع معدلات البطالة وضعف نتائج برامج التشغيل والعمل في معظم الدول العربية.. أما إذا تحدثنا عن أهمية تعديل الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال بالدول العربية، فنقول هنا أنها ركيزة أساسية للموائمة مع المتغيرات الجديدة على الساحتين الدولية والإقليمية لتوفير المناخ الملائم لزيادة الاستثمارات العربية البينية والمساهمة في توجيه الاستثمارات العربية إلى داخل المنطقة العربية بدلا من إهدارها في الخارج، بهدف الحد من البطالة والفقر وزيادة رفاهية المواطن العربي. وعلى سبيل المثال، كان ثمة تصريحات مهمة لعدنان القصار رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة العربية، أشار فيها إلى أن مصير الحلم العربي بالتكامل الاقتصادي يعتمد على إقامة السوق العربية المشتركة، وتأمين الغذاء ومعالجة البطالة، وتسهيل التجارة البينية والاستثمارات العربية. لم يكن هذا هو المطلب الوحيد للقصار، فثمة مطلب آخر وهو ضرورة تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية الحقيقية، ينتظر قرارات سياسية نافذة مشفوعة بآلية عمل فاعلة من القمة.. وعليه، فإن القمة الاقتصادية كانت منبرا هاما لإصدار القرار السياسي، الذي يتم من خلاله معالجة كافة العقبات التي تواجه حركة الاستثمار في البلاد العربية، وحرية التجارة العربية البينية، وقضايا النقل والتنقل، والمشروعات العربية، لتحقيق مشاركة فاعلة للقطاع الخاص في مبادرات التنمية والتكامل الاقتصادي العربي. إذًا.. نحن أمام السوق العربية المشتركة، وبدونها، سينهار الحلم العربي وتصبح التوصيات مجرد فقاعات أطلقت في الهواء. والأمل، أن يكون القادة على قدر المسؤولية ويعملون بكل ما أوتوا من قوة وعزم على تبني القرارات الكفيلة لمعالجة كافة العقبات التي تواجه حركة الاستثمار في البلاد العربية، وتفعيل التجارة العربية البينية، ودعم حرية التنقل والمشروعات العربية، وصولا إلى إقامة السوق العربية المشتركة، خاصة أن هناك وقتا كافيا حتى عام 2020، سيما وأن القطاع الخاص ومؤسسات الغرف التجارية والصناعية العربية، مستعدة للعمل معا لبلوغ التكامل الاقتصادي. وإذا عرجنا على القطاع الخاص، فقد تعرض لظلم بين، بسبب تباين واختلاف الأنظمة العربية وتغير السياسات الاقتصادية والعلاقات العربية - العربية، ما انعكس سلبا على ميلاد هذا الحلم، وبالتالي عدم تمكن القطاع الخاص العربي من تنفيذ أي خطة عملية بهذا الشأن، رغم ما يتمتع به القطاع الخاص على المستوى العربي من الإمكانات، بما يمكنه من تحقيق هذا الحلم، بهدف إحداث نهضة الأمة العربية من خلال تنشيط التجارة البينية وغيرها. إجمالا.. كانت القمة لحظة فارقة وتحديدا في حياة ومستقبل مجلس التعاون الخليجي ومستقبل التكتل الاقتصادي العربي. فكان أمام الزعماء قوائم طويلة من آمال وطموحات الشعوب، خاصة وأن الواقع يؤكد أن معظم بلدان العالم العربي يأتي في موقع متأخر جدا على مستوى التقدم الحضاري والاقتصادي والعلمي، هذا رغم ما أسلفناه بأن العالم العربي ليس فقيرا في الموارد ولكنه فقير في حسن إدارة الثروات وفي عبقرية التعاون والتكامل بين بلدانه وحكوماته، وتوجد كثير من الموارد الاقتصادية المهمة في العالم العربي عاطلة وتحتاج فقط إلى إدارة اقتصادية حكيمة لتفعيلها لتسهم في تنمية بلدانها ورقي مواطنها. ولهذا، مثلت قمة الرياض أملا عربيا عريضا لإنعاش الاقتصاد العربي، الذي أصابه التقهقر والوهن، نتيجة لعوامل متعددة من أبرزها تراجع الأداء في أكثر من دولة نتيجة تفاعلات الثورات العربية..سيما وأن قمة الرياض الاقتصادية أخذت على عاتقها تحدي الواقع، لتضع معالم الخروج من الوضع الراهن إلى عالم الواقع الجديد المليء بالخير لشعوب تنتظر التقدم والرقي، وهذا ما تستحقه في الوقت نفسه، لتكون بمنزلة التحدي الحقيقي لتداعيات الربيع العربي. وكلمة أخيرة نوجهها إلى المملكة العربية السعودية، فهي وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تبقى الدولة الأم المؤهلة لقيادة العمل المشترك بعد التداعيات المتواصلة والسريعة التي أشغلت العقل العربي بهموم ضاعفت منها الاضطرابات السياسية التي تعيشها الشعوب العربية. فالسعودية تتسم بعلاقة متوازنة تجعلها تقف على مسافة واحدة من مختلف الأطراف، وفق سياسة متزنة تحكمها ثوابت المملكة.

916

| 25 يناير 2013

السلام والحب في عامنا الجديد

في عامنا الجديد، نتمنى أن يحمل الجميع زهورا ليتبادلوها في الأفراح والأعياد والمناسبات الجميلة، وليس أن يحملوها إلى الأضرحة لزيارة الذين سقطوا نتيجة خلافات ومناوشات تستنزف رصيد الأوطان.. نريد زهورا في أيدي الأطفال ليعتادوا على شرائها منذ نعومة أظافرهم، ليكون مستقبلهم زاهراً آمنا من كل شر. نتمنى في أيامنا المقبلة أن نتبادل الزيارات الأسرية وأن يعم الفرح والمرح والبهجة أيامنا وليالينا، لننسى ما مر بنا من لحظات صعبة ومؤلمة أنهكت نفسيتنا المرهقة، في أحداث لا نريد تذكرها ونعمل على نسيانها وأن نتعافى من عواقبها. نتمنى في عامنا الجديد ألا يحرم أحد من شخص يحبه، أو صديق من صديقه، لينتشر  الفرح في القلوب، فالفرح هو عنوان المحبة، والمحبة بداية طريق الوئام والسلام. ولعلي ونحن نعيش أجواء العام الجديد، أتذكر قصة قرأتها يوما ما في هذا العالم الافتراضي المسمى بـ " الإنترنت".. وتحكي عن فنان تشكيلي أراد أن يرسم أجمل ما في الوجود، وبحث كثيرا  وفكر أكثر لعله يعثر على ضالته المنشودة. فالفنان غير الإنسان العادي ويرى ما تراه أعيننا، فعينه فاحصة وشاخصة، وربما ما نراه جميلا بأعيننا يراه هو قبيحا أو ليس كذلك، وأقصد أنه ليس بالجمال الذي نراه. وعندما طال تفكيره، هداه عقله إلى أن يخرج للبراري لعله يعثر على الجمال في الخضرة أو المياه أو السماء، أو أي مشهد ليرسمه ويبيع لوحته ليأكل هو وأسرته من ثمنها. وذات صباح مشمس، خرج الفنان  حاملا  لوحته وفرشاته ليبحث عن الجمال الذي يريده،  وكان أول ما قابله في الطريق جنديا عائدا من الحرب فسأله عن أجمل شيء فأجابه : "السلام هو أجمل ما في الوجود خاصة بعد الذي رأيته في الحرب من  ويلات ودمار ". لم يقتنع الفنان بما أبلغه به الجندي، فواصل السير في الطريق ليقابل فتاة جميلة ، وسألها عن أجمل ما في الوجود، فردت :" الحب هو أجمل عاطفة في الوجود لأنه يفتح أبواب الأمل فيجعل الحياة جميلة مشرقة ".  ولم يقتنع الفنان أيضا بما قالته الفتاة الجميلة، ومضى في طريقه ليلتقي بالصدفة رجل دين،  فسأله عن أجمل شيء، وبما أن رجل الدين لا يرى في الدنيا سوى الإيمان، فأجابه : " ليس سوى الإيمان ، فهو  يضيء قلب المؤمن إذا اظلمت الدنيا في وجهه". وعندئذ شعر الفنان بالإرهاق الشديد، وقرر أن يعود أدراجه بعدما فشل في العثور على مبتغاه وأصيب باليأس لأنه لن يرسم أجمل ما في الوجود ، وبالتالي سيعجز عن تلبية نفقات منزله. وبعد سويعات قليلة، نهض الفنان من على مقعده بعدما توصل إلى قناعة بأن أجمل ما الوجود فعلا هو، السلام كما أبلغه الجندي والحب وهو رأي الفتاة ثم الإيمان كما أقنعه رجل الدين. ولكن السؤال الأهم ، هو كيف يرسم " السلام والحب والإيمان " سيما وأنها مشاعر وليست مخلوقات أو حتى جماد.  وبينما هو يسير مجيئة وذهابا يفكر كيف يجمع تلك المعاني في لوحة واحدة لتكون أجمل ما في الوجود، فإذا به  يرى  الإيمان على وجه زوجته والحب في  وجه ابنته والسلام في بيته،  فرسم زوجته وابنته في لوحة أطلق عليها البيت. ففي عامنا الجديد ، ندعو  الله أن ينتشر السلام والحب في بيوتنا، و لتسود المحبة بين الناس وليس الأحقاد والأنانية، فالإنسان يكون إنسانا فقط عندما يفرح لأخيه ويهب لنجدته إذا تعرض لمحنة، والإنسان يكون إنسانا عندما يتشارك مع جاره في السراء والضراء لتعم الألفة وتسود بين أبناء الوطن الواحد، وهذا هو حالنا والحمد لله في هذه الأرض المباركة. في عامنا الجديد.. نتمنى الصحة والسعادة لأهلنا وأصدقائنا، كذلك الاستقرار والأمان، وعودة الضحكة والبشاشة والفرحة إلى الوجوه، وإنجاز خطوات إلى الأمام وليس إلى الخلف، وأن يظل الأصدقاء أوفياء، ونبذ الحقد والكيد  من القلوب. وإذا تجاوزنا حدود الوطن الصغير إلى وطننا العربي الكبير، فليس أمامنا سوى الدعاء للمولى عز وجل إلى أن يخلص شعوبنا من الاستبداد، فالذاكرة تأبى استحضار اللحظات المفجعة والحزينة، التي خطفت الأبرياء، وما تركته من مآس وجراح في شقوق الذاكرة الجماعية.. فالاستقرار والأمان والسلام ووضع حد لحمام الدماء الذي يغرق أراضينا العربية في ظل الأحداث السياسية والأمنية في أعقاب ثورات الربيع العربي، هو أمنية عظيمة نتمنى أن تتحقق في العام 2013 ، حتى لا تعود  تلك الاضطرابات السياسية التي بعض الشعوب العربية بعد ثورات اعتقدوا أنها ستخلصهم من براثن أنظمة فاسدة، ولكنها أتت بما لا تشتهي السفن. ولهذا، فإن نتمنى أن يحل الأمان في أراضي تلك الدول وأن يزيد الخير فيها، لتعود الشعوب متماسكة  في أجواء سلام ومحبة . فما ذنب الأجيال الشابة أن تستلم دفة الحكم في تلك الدول وبلدانها ممزقة سياسيا واقتصاديا، والمفروض أن تترك لها الأنظمة أرضا صلبة لإعادة البناء عليها ليعم الفرح وتهيئة  الظروف الملائمة لتعيش الأجيال بأمان وتحقق أحلامها وطموحاتها، متسلحة بالثقافة والعلم والمعرفة، وهذا يعود بالمحبة والألفة بين الناس. وأضم صوتي إلى صوت الشعوب العربية في أن يعمل القادة الجدد في  العام الجديد على الارتقاء ببلدانهم ، وأن يكون إسعاد شعوبهم  ضمن أولوياتهم من خلال خطط بناءة لتطوير الوضع الاقتصادي الذي هو أساس انتعاش  كافة المجالات، لكي تهدأ النفوس لتكون صافية ولتكون المعيشة هادئة مستقرة آمنة من دون قلق وتوتر. أمنيتنا الكبرى في وطننا العربي ، أن يحمل  العام 2013  أمنيات طيبة لشعوبنا من المحيط إلى الخليج، وأن يزيح الله الغمة التي تعيشها بعض البلدان ، وأن تهدأ النفوس وأن تعم المحبة والاستقرار والتكاتف لنصبح جميعا يدا واحدة، أمة واحدة بعيدا عن الفرقة.

908

| 04 يناير 2013

قمة المواطنة الخليجية

عكست قرارات وتوصيات قمة المنامة  استعدادا خليجيا  للتعاطي مع المخاطر التي يمكن أن تواجهها دول التعاون، سيما الداخلية منها مع صعود تهديدات لم يكن متصورا قبل سنوات حدوثها من قبيل عمليات التطرف والإرهاب التي شملها البيان الختامي للقمة بالإدانة، ولا ينفصل عن هذا ما تعرضت له المملكة طوال الفترة الماضية، وهنا قد نجد لزاما علينا أن ننقل إشادة قادة دول مجلس التعاون بحسن تعامل المملكة مع تلك المخاطر التي تعرضت لها ، وكذلك إعلان القادة الخليجيين تضامنهم الكامل مع جهود المملكة  للحفاظ على وحدتها وأمنها وسلامتها.  فالقمة عقدت في ظروف وأجواء داخلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد  القمة، ويمكن تلمس ذلك في هذا الوعي العميق بالمخاطر التي تواجه منظومة المجلس والمنطقة بفعل الظروف المحيطة. ومن حصاد قمة المنامة هو تأكيد  القادة على مبدأ الأمن الجماعي المشترك من خلال العمل على تطوير القدرات العسكرية والبناء الذاتي لكل دولة من دول المجلس، والالتزام بتعزيز وتطوير منظومة الدفاع المشترك عن مقدرات ومكتسبات دول وشعوب مجلس التعاون، باعتبارها رمزا للتكاتف ووحدة المصير والهدف وتجسيداً للدفاع المشترك. ومن هنا تصدر الأمن الخليجي أولويات عمل القادة ، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم لجهة محاولات زرع الفتنة بها والتدخلات في شؤونها الداخلية وخطر امتدادات التوترات الإقليمية إلى قلبها، ولهذا زادت حدة الاهتمام بهذه  القضايا التي  تمثل في الحقيقة الهاجس الأول والأكبر للمنظومة الخليجية برمتها.  ويعكس هذا الاهتمام ما مثله البيان الختامي للقمة من مواقف جادة حيال التصرفات الإيرانية، سواء أكانت بتدخل طهران في الشؤون الداخلية لبعض دول مجلس التعاون أو لجهة احتلال الجزر الإماراتية وأخيرا ما يتعلق بملفها النووي الذي يؤرق دول المنطقة والعالم أجمع. ويمكن وصف الموقف الخليجي الراهن من التصرفات الإيرانية بأنه يمثل في الواقع  إدراكا حقيقيا بالمخاطر التي يشكلها نظام دولة مجاورة، فضلا عن التوترات التي يسببها وتعاني منها دول قريبة تحيط بالمجلس وتشكل جوارا أساسيا له انعكاساته على أمن واستقرار دول التعاون. ويصب في هذا الاتجاه بالتـأكيد إقرار القمة إنشاء قيادة عسكرية موحدة وتطوير قوات درع الجزيرة ، وذلك حتى تكتمل مقومات وقدرات المظلة الدفاعية الخليجية في وجه أي طارئ يتعرض لها أمن المنطقة . وهذا في حد ذاته يعد تحقيقا لمطلب مهم جدا طالما رأته دول المجلس محفزا نحو التكامل الدفاعي والتعاون العسكري. ومما يؤكد إدراك القادة أهمية تكريس مبدأ التعاون العسكري والأمني لمواجهة أية مخاطر تهدد دول المجلس هو اعتماد الاتفاقية الأمنية التي أقرها وزراء الداخلية في نوفمبر الماضي بعد التعديلات التي أُدخلت عليها، وعمليات التنسيق وتبادل المعلومات المتواصلة بين وزارات الداخلية وقوات الأمن العام لرفع الكفاءة. ما سبق يعكس أهمية  الملفات التي عرضت على القادة الخليجيين وكانت محل مباحثاتهم سواء التحضيرية منها أو التي عُقدت خلال الجلسات المغلقة وتطلبت منهم في مداولاتهم المطولة إعطاء أولوية قصوى لقضايا العمل المشترك ومتطلبات استكمال المواطنة والوحدة الخليجية. ومما خرج به القادة هو أن  مشروع الاتحاد الخليجي الذي بادر خادم الحرمين الشريفين إلى الدعوة إليه في قمة الرياض العام الماضي أصبح مطلبا شعبيا ألزمت بها دول المجلس نفسها ويسعى قادتها إلى تجسيده على أرض الواقع.   ولعل الإرهاصات التي سبقت صدور البيان الختامي للقمة وإعلان الصخير، تعد تعبيرا واضحا عن ذلك، ورسالة جلية لشعوب المنطقة وأطراف إقليمية معينة بأن دول المجلس لن تقف بمفردها وحيدة أو مكتوفة الأيدي في وجه الاعتداءات الصارخة التي تحاول النيل منها ومن مواقفها وسياستها، وأنها بصدد التكتل معا وبشكل رسمي، وذلك عبر التحول مستقبلا إلى اتحاد حقيقي متكامل، لمواجهة مخاطر هذا الزمان الذي لم يعد يتحدث إلا بلغة التحالفات والتكتلات الجماعية. وواقع الأمر أن الدفع نحو تحقيق مطلب الاتحاد، مثلما ورد في البيان الختامي ، حيث الالتزام بتطبيق كافة قرارات المجلس الأعلى المتعلقة بالتكامل الخليجي في جميع المجالات، جاء ليعبر بصدق عن منطق الإنجاز الذي يحكم منظومة العمل بدول المجلس، والمضي قدما في البرامج والخطط الموضوعة نحو التكامل الفعلي، وذلك وفق خطوات متدرجة ومدروسة وتبعا لخصوصية الوضع الخليجي بعيدا عن أي قفزات فجائية لا تراعي ظروف المرحلة. ويستطيع من يرصد  مفردات البيان الختامي للقمة وإعلان الصخير أن يخرج بنتائج مهمة ، منها مسعى القادة الخليجيين الحثيث لدعم أمن واستقرار ومكانة المجلس كقوة يحسب حسابها في النظامين الاقتصادي والسياسي العالميين، ولا أدل على ذلك من تعزيز وضعيته الداخلية والثبات على مواقفه فضلا عن ترسيخ علاقاته وشبكة تحالفاته عبر الحوارات الإستراتيجية مع القوى العالمية  وغيرها مما يكشف التأثير الذي بات يحدثه في معادلة التفاعل الدولي والسمعة التي حققها ولا يمكن التنازل عنها كمنظومة عمل جماعية ومستقرة. وحسنا فعلت القمة برصد تطلعات الشباب وضرورة العمل على تحقيقها واستثمار طاقاتهم ، وتنمية مواهبهم والتوجيه  بإجراء دراسة شاملة للتعرف على البرامج المنفذة في مختلف الأنشطة الشبابية في دول المجلس ، لأن هذا يؤكد حرص قادة المجلس على دعم هذا القطاع العريض من سكان المنطقة، فهم عماد الوطن والاتحاد، ومنهم من سيقود هذا الاتحاد في المستقبل، ومن هنا ، فإن الاهتمام بقضايا الشباب – وهو ما تأخرنا فيه كثيرا – سيكون من أهم إنجازات المجلس ، ولا يجب أن نبكي على اللبن المسكوب، ولكن الأهم أننا وضعنا أيدينا على الجرح، وهو الشباب والذي باتت شريحة منه تفكر في الهجرة إلى الخارج طالما لم تتحقق طموحاتها في داخل أوطانها. إجمالا.. لقد فاقت النتائج التوقعات، خاصة بعدما شددت قمة المنامة على تعزيز التكامل والاندماج الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي وإقرار إنشاء قيادة عسكرية  مشتركة وتفعيل المواطنة الخليجية لدى مواطني دول مجلس التعاون في مختلف المجالات.. والتأكيد على ضرورة إنشاء "منظومة اتحادية" للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان قوي متماسك يلبي تطلعات مواطني دول المجلس. وسيكتب للبحرين  التي كانت على مدى الأيام الماضية ملء السمع والبصر في كافة أنحاء العالم، وهي كعادتها بلد مضياف.. أنها كانت المكان الذي خرج منه الوعد بتنفيذ تطلعات مواطني دول المجلس ويلبي طموحاتهم في مستقبل أكثر ازدهارا وإشراقا.

599

| 27 ديسمبر 2012

أيها الغرب لا نريد حقوقكم

يعجب المواطن العربي من تكرار الغرب تعبير" حقوق الإنسان " كثيرا خصوصا في هذه الآونة التي تشهد دعوات من دول شتى تطالب بعض الحكومات والأنظمة العربية باحترام حقوق الإنسان وحقوق مواطنيها، في حين أنه لو أمعنا النظر قليلا في شؤون تلك الدول لرأينا العجب العجاب.. فهي تتشدق فقط بحقوق الإنسان ولكنها لا تعمل بها، ورأينا كم من المواطنين المسلمين يعانون الأمرين في دول الغرب، أو دولة أوروبية ترفض بناء المساجد للأقليات المسلمة بها رغم أنهم يحملون جنسيتها ومن حقهم ممارسة شعائرهم الدينية. ولا يعلم هؤلاء أن الإسلام أقر حماية واحترام حقوق الإنسان وقدسها منذ أربعة عشر قرناً أي قبل هؤلاء الذين يصدعون أدمغتنا بها ليل نهار. وتلك الحقوق أصيلة في الإسلام لا تقبل حذفاً ولا تعديلاً ولا نسخاً ولا تعطيلاً، لأنها حقوق ملزمة شرعها الخالق سبحانه وتعالى. وهذا بعكس ما جاء به الغرب من حقوق، فحقوق الإنسان في الإسلام ليس من حق بشر أن يعطلها أو يتعدى عليها، ولا تسقط حصانتها الذاتية لا بإرادة الفرد تنازلاً عنها ولا بإرادة المجتمع ممثلاً فيما يقيمه من مؤسسات أياً كانت طبيعتها وكيفما كانت السلطات التي تخولها. ومن خصائص حقوق الإنسان في الإسلام أنها ربانية، فكل حق منصوص عليه في القرآن أو السنة مصدره من عنده سبحانه، وبالتالي فهو منزه عن الزيغ والضلال. وتتميز هذه الحقوق بالثبات والحياد، وهي منزهة عن أي تحيز أو تمييز عرقي وعن الهوى، وتتميز بالشمول لكونها تضم كل مصالح الإنسان العاجلة والآجلة، ومحمية بتشريعات تربوية ووقائية. ثم الأهم أنها حقوق صالحة لكل زمان ومكان لاستجاباتها لحاجات الإنسان الحقوقية الفطرية، ووضعها حلولا لأغلب مشاكله. أما فكرة حقوق الإنسان التي نسمع عنها الآن، فهي حديثة العهد في الغرب، وقد ظهرت جزئياً بشكل رسمي لديهم في القرن الثالث عشر الميلادي، الموافق للقرن السابع الهجري، أي بعد نزول الإسلام بسبعة قرون، وذلك نتيجة ثورات طبقية وشعبية في أوروبا، ثم في القرن الثامن عشر في أمريكا لمقاومة التميز الطبقي أو التسلط السياسي أو الظلم الاجتماعي. ويعلم الغرب وأولئك ممن يتشدقون بأفضليته علينا بأنه سباق على العرب والمسلمين في كل مناحي الحياة من علم وتشريع وتطور وحضارة حتى في حقوق الإنسان، إن للشريعة الإسلامية فضل السبق على كافة المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية في تناولها لحقوق الإنسان. فقد ركز الإسلام على تلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان كما أسلفنا. ويعلم هؤلاء أيضاً أن ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية اللاحقة ومن قبلها ميثاق الأمم المتحدة ما هو إلا ترديد لبعض ما تضمنته الشريعة الإسلامية. وتتميز حقوق الإنسان في الإسلام بأنها أعمق وأشمل من تلك البنود التي جاءت في الوثائق الوضعية، لأن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما مصدر حقوق الإنسان في الإسلام، بما يضمن جميع أنواع الحقوق التي تكرم الله بها على خلقه. والميزة هنا هي السمو بعكس مصدر حقوق الإنسان في القوانين والمواثيق الدولية التي تأتي نتيجة الفكر البشري، مما يعني محدودية هذه الحقوق لأن البشر يخطئون أكثر مما يصيبون، ويتأثرون بطبيعتهم البشرية بما فيها من ضعف وقصور وعجز عن إدراك الأمور. ثم إن حقوق الإنسان في القوانين الوضعية تفتقر للضمانات اللازمة لحمايتها من الانتهاك. كما أن مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948 لم تحدد الوسائل والضمانات لمنع أي اعتداء على حقوق الإنسان. ويكتب للإسلام خاصة في مجال حقوق الإنسان أنه اعتمد على أمرين أساسيين وهما إقامة الحدود الشرعية وتحقيق العدالة المطلقة التي أمر الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم وحثا عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. في حين أن الحماية الدولية لحقوق الإنسان في الغرب نجدها مجرد محاولات لم تصل إلى حد التنفيذ، لأنها تقوم على محاولة الاتفاق على أساس عام معترف به بين الدول جميعاً، ثم وضع جزاءات ملزمة تدين الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان. والأخطر هنا، إن كل ما صدر عن الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات بخصوص حقوق الإنسان يحمل طابع التوصيات ولا يعدو كونه حبراً على ورق يتلاعب به واضعوه حسبما تمليه عليهم الأهواء والشهوات، بدليل ما تشهده الأراضي الفلسطينية من انتهاكات واعتداءات إسرائيلية أمام بصر وسمع العالم أجمع من دون حتى التدخل اللغوي لإدانتها رغم أن حقق الإنسان تفرض على العالم أجمع التدخل الفعلي لوقف تلك الاعتداءات التي تودي بحياة مئات الفلسطينيين واللبنانيين ناهيك عن سرقة أراضي الغير. وقد وضع الإسلام مبادئ وأسسا عامة قابلة للتطوير حسب الزمان والمكان من طرف المجتهدين المؤهلين، ودعا إلى مبدأين أساسيين في الحياة السياسية، وهما مبدأي الشورى والبيعة. وهناك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام، وهذا يمنح المسلمين الإحساس بالمسؤولية الفردية والاجتماعية مع تكريس مبدأ التضامن والتكافل باعتبارهما وسيلة لحفظ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما حض الإسلام على محاربة الفساد الاقتصادي من خلال اجتناب المعاملات المحرمة كالربا والاحتكار. وهذا من شأنه تحقيق العدالة الاجتماعية بإشاعة العدل في الأرض وتقليص الفوارق الطبقية. كما كرس الإسلام حق التملك، هذا الحق الذي تفاوت فهمه لدى الغرب، فالرأسمالية أطلقت حرية التملك إلى أبعد الحدود وجردته من كل قيد حتى استبد الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال بمقدرات الأمم والشعوب واستنزفت خيرات البلاد وطبقات الفقراء والعمال. بينما تمادت الشيوعية في الإفراط والغلو وألغت الملكية الفردية وفرضت ملكية الدولة الكاملة، واستولت على جميع وسائل الإنتاج، وأصبح العمال مجرد آلات للعمل. ونأتي لأهم الحقوق التي كفلها الإسلام للإنسان، وهو حق الحياة، وهو الحق الأول للإنسان، وبه تبدأ سائر الحقوق. ويعتبر حق الحياة مكفولاً بالشريعة لكل إنسان، ويجب على سائر الأفراد أولاً والمجتمع ثانياً والدولة ثالثاً حماية هذا الحق من كل اعتداء، مع وجوب تأمين الوسائل اللازمة لتأمينه من الغذاء والدواء والأمن من الانحراف. وينبني على ذلك أحكام مثل تحريم قتل الإنسان وسد الذرائع المؤدية للقتل وتحريم الانتحار وتحريم قتل الجنين. أما ثاني تلك الحقوق هي حق الكرامة وتتعلق بالحقوق التي تحفظ للإنسان كرامته التي وهبه الله إياها، فمن تلك الحقوق النهي عن سب المسلم والتنابز بالألقاب وتحريم الغيبة وتحريم السخرية من الإنسان وتحريم التجسس على المسلمين وكشف عوراتهم وتحريم ظن السوء بالمسلم. ونختتم بالقول إن حقوق الإنسان ليست هبة إنسانية من إنسان لآخر أو من دول لأخرى، وإنما هي هبة ربانية للبشر، وقد كفل الإسلام تلك الحقوق كما أسلفنا عبر القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي أمرتنا بالتعاون والعمل والكف عن أذية البشر، هذا بعكس الغرب الذي يدعي أنه يدعم حقوق الإنسان ثم نراه يؤيد فئة دون الأخرى ويصل الغبن مداه بأن يسلح طائفة ضد الأخرى ويتوقف عن مساندة الضعيف بل يقف مع القوي ومثالنا المعمم هنا هو ما يعانيه الفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلي وأخيرا انضم إليهم مسلمو ميانمار الذين يتعرضون للاضطهاد من الحكومة هناك ولا حياة لمن تنادي.

2507

| 15 ديسمبر 2012

كيف يبرر الإرهابي بيريز ضرب غزة؟

من يريد أن يفهم ما يجري في إسرائيل فعليه تحليل ما يقوله قياديوها في مثل هذه الأوقات العصيبة، فكل ما ينطقون به كفر وكذب وإفك، وكل ما يهمم هو تبرير تصرفاتهم البربرية أمام شعبهم في الداخل ثم الولايات المتحدة وأوروبا اللتين للأسف الشديد أعلنا تفهمهما لما يجري في قطاع غزة من قتل وتدمير وتشريد، ثم يخرج علينا الرئيس الأمريكي في بداية ولايته الثانية ليبرر الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ويكتفي بمطالبة إسرائيل بعدم شن حرب برية ضد قطاع غزة.. حقا، منتهى الرقة والإحساس والإنسانية من رئيس دولة تدعي أنها دولة عظمى، ولكنها للأسف دولة تطير إلى الحضيض بتصرفاتها وعدم وقوفها مع الحق. نعود إلى التصريحات الإسرائيلية والموجهة في الأصل للداخل، ومن هؤلاء الذين نتحدث عنهم الإرهابي الإسرائيلي الكبير شيمون بيريز الذين رتبوا له على العجل مقابلة مع مجموعة منتقاة من الأطفال الإسرائيليين ليتحدث أمامهم عن أحداث الساعة ومن ثم الحرب على الفلسطينيين، وهي فرصة لبث السموم على أسماع هؤلاء الأطفال الذين سيشبون يوما ما ليكونوا شبانا ثم يتجندون في الجيش الوحشي ليمارسوا فيما بعد الحرب ضد الفلسطينيين. ولم لا؟ فطفولتهم كانت مليئة بالأكاذيب، فلم لا يكذبون هم أيضاً على أبنائهم في المستقبل؟ ويدعي الإرهابي شيمون بيريز ردا على سؤال أمام الأطفال لماذا الرد على هجمات حماس بشن نحو 1000 غارة خلال عدة أيام فقط؟ بأن إسرائيل ليست معنية بالحرب" العرب والمسلمون ليسوا أعداءنا وأنا أكرر بأننا نرغب بتجديد المفاوضات مع الفلسطينيين على أساس مبدأ دولتين لشعبين. مع ذلك، أريد أن أوضح، خاصة للفلسطينيين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية وللعالم العربي على وجه العموم أن حماس والمنظمات الأخرى في غزة تطلق الصواريخ على بلدات إسرائيلية بشكل يومي. حماس هي من بادر إلى جولة القتال الحالية. لا توجد أي دولة أخرى في العالم مستعدة لأن تتحمل أن يُطلق عليها وعلى قراها ومدنها وعلى رياض الأطفال وعلى المدارس الموجودة فيها صواريخ لفترة طويلة من الزمن. هذا وضع لا يحتمل ولا يطاق، وكان ينبغي على القيادة الإسرائيلية أن تتخذ قراراً لوضع حد ونهاية لهذا الأمر". ونترك هذه الإجابة للإرهابي بيريز ليرد بدهاء أكثر على سؤال آخر عن أن توقيت العملية الحالية يتعلق بالانتخابات في إسرائيل ولكي يكسب الثلاثي نتنياهو وليبرمان وباراك جولة الانتخابات من جديد، من منطلق أن الغاية تبرر الوسيلة؟ والرد التالي يؤكد لنا أن الذكاء اليهودي لا يفلح، فالإرهابي ينفي هذا الادعاء، ويقول " لا يوجد أي رجل سياسة في إسرائيل يخاطر بأبنائنا من أجل الحصول على مقعد في الكنيست. لقد خرجنا للحملة - ولم يكن أمامنا خيار آخر - من أجل حماية مواطنينا، كما لو كانت ستفعل أي دولة أخرى تحت تهديد إطلاق صواريخ". نترك الإرهابي صاحب مجزرة قانا والخليل لنتطرق إلى شق آخر في هذه الحرب المدمرة التي أرادت بها إسرائيل العرب والفلسطينيين ولتضع الرئيس الأمريكي في حيرة في بداية ولايته الجديدة، خاصة وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يدعمه أثناء الانتخابات إنما وقف مع منافسه الجمهوري ميت رومني. الأمر الجديد هذه المرة هو زيادة الدعم الدبلوماسي المصري والعربي في مجمله للشعب الفلسطيني في محنته، ففي الحروب السابقة، لم نر أن وفدا عربيا قد توجه إلى قطاع غزة والتقى مسؤوليها وشعبها المنكوب، ولكن هذه المرة ارتفعت الروح المعنوية للفلسطينيين بالزيارات العربية خاصة الوفد الوزاري العربي تضامنا مع أهل القطاع في مواجهة الهجوم الإسرائيلي الأخير، كما تم تكليف لجنة مبادرة السلام العربية بإعادة تقييم الموقف العربي إزاء مجريات عملية السلام المعطلة من مختلف جوانبها. فالوفد كان قريبا من احتياجات الفلسطينيين عن قرب لتقدير المتطلبات، ومن ثم التعامل الفوري مع احتياجاته الإنسانية ومتابعة الموقف وما يستجد من تطورات. ومن مستجدات الموقف هنا ما صرح به وزير الخارجية المصري أثناء الاجتماع الوزاري العربي بأن عملية السلام أصبحت فقط عملية وليس سلاما، فكل ما يقال ويتردد هو عمل من دون فائدة والأرض الفلسطينية يتم التهامها يوما بعد يوم، وبالتالي، فإن سنوات قليلة قادمة لن يكون هناك أرض للتفاوض بشأنها.  ونأتي للشق الثالث من الموضوع، ويتعلق بالمطالب الفلسطينية والإسرائيلية لإنهاء تلك الحرب الغاشمة، فحماس باعتبارها المسؤولة عن قطاع غزة تضع شروطها قبل التوصل إلى هدنة جديدة ومعها كل الحق فيما تطلبه، وبالمناسبة ما تضعه على الطاولة ليس جديدا ولكنه حيوي. ممثل في ضرورة أن ترفع القوات الإسرائيلية الحصار عن القطاع بالكامل وعن المعابر وعن المياه الفلسطينية، فمن غير المعقول ونحن نتحدث عن هدنة ألا يستطيع المواطن الغزاوي أن يذهب إلى البحر ليصطاد قوت يومه هو وأسرته، وكذلك المزارع الفلسطيني لا يستطيع الآن الذهاب إلى أرضه لاستزراعها لأنها محاصرة بالجيش الإسرائيلي الذي يستقطع مساحات كبيرة من القطاع الضيق جدا ووضعها تحت إطار محاصر بحجة أنها منطقة أمنية، ويضيع بالتالي مساحات كبيرة من أراضي المزارعين الفلسطينيين. ثم الشرط الثاني لحماس ولديها أيضاً كل الحق فيه وهو الحصول على تعهدات إسرائيلية بضمانات أمريكية بعدم اللجوء إلى خيار الاغتيالات السياسية. وحتى وإن لم تقبل إسرائيل هذين الشرطين الضروريين لحماس، فإن أمام المفاوض الفلسطيني والأطراف الراعية لأي هدنة معرفة أنه من حق الفلسطينيين العيش في سلام وأمن ككل شعب في العالم حتى يستطيعوا إعادة إعمار القطاع. ورغم تزايد الجهود للتوصل إلى وقف إطلاق النار وهدنة بين الفلسطينيين وإسرائيل، يخرج علينا إرهابي إسرائيلي آخر هو نتنياهو ليتفوه بعبارات غبية يتعالى فيها على جهود التهدئة ويهدد بأن العملية في قطاع غزة مستمرة ونحن نستعد إلى توسيع رقعتها، في إشارة إلى الهجوم البري. والسؤال.. هل يعقل والأجواء هكذا أن يستدعي الجيش الإسرائيلي نحو 40 ألف جندي في الاحتياط؟ طبعا في دولة تعشق الحرب والإرهاب والقتل، فإن هذا الأمر يكون عاديا جدا وإلا لما تمادى نتنياهو في صلفه ليضرب شعبا أعزل بأحدث الأسلحة الأمريكية بحجة الدفاع عن مواطنيه. لقد حاول نتنياهو التأثير على قرارات حماس بتصريحاته المتعالية من أجل التقليل من طلباتها، ولكنه فشل، كما يحاول الإسرائيليون تحميل حماس مسؤولية كل ما يجري داخل القطاع، وفي هذا ظلم لها، لأن القطاع يمتلأ بمنظمات أخرى غيرها وعلى رأسها الجهاد، وبالتالي فإن حماس لا تتحمل المسؤولية لوحدها. ومن الظلم تحميلها مسؤولية كافة العمليات، والإسرائيليون يعلمون هذا تماما. ونرى طلبات تعسفية أيضاً من قبل الإسرائيليين مقابل مطالب حماس الطبيعية والقانونية، وكل مطالب إسرائيل غير واقعية، فمثلا كيف يطلبون وقفا تاما لعمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة نحو المدن والبلدات الإسرائيلية وعدم استهداف وحدات الجيش الإسرائيلي التي تنتشر على الحدود والتوقف التام عن العمليات العسكرية وبعث المجموعات لتنفيذ العمليات ضد إسرائيل!!. فمن الطبيعي إذا كنت تطالبني بالتقيد بكل هذا، أن تجعلني قادرا على حماية شعبي وأهلي في قطاع غزة وإلا انقلبوا ضدي ليكون الأمر سهلا للاجتياح مرة أخرى، وهذا ما ترغب فيه إسرائيل للأسف الشديد.

684

| 24 نوفمبر 2012

تحديات أمام أوباما في ولايته الأخيرة

ربما نقترب من الصواب أكثر إذا قلنا إن الإسرائيليين كانوا أكثر من العرب قلقا انتظارا لمعرفة الساكن الجديد للبيت الأبيض، وهل يستمر باراك أوباما الذي عرفوه شخصا ضعيفا يدافع عن مصالح إسرائيل حتى من دون الضغط عليه من اللوبي اليهودي، حتى إنه تحمل صلف بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي جاهر إبان الحملة الانتخابية بالاقتراب من المرشح الجمهوري ميت رومني، ومع ذلك كان نيتانياهو أول من اتصل بهم الرئيس الأمريكي الفائز ليطمئنه على استمرار التحالف الاستراتيجي بين الطرفين. الموقف في إسرائيل لم يكن كله لمصلحة أوباما، فاليمين الإسرائيلي اتجه نحو رومني وأيده بالأموال عن طريق الملياردير اليهودي الأمريكي شيلدون أديلسون، الذي مول ببذخ حملة رومني الانتخابية، وهذا انطلاقا من رغبة أنصار اليمين في قدوم رئيس جديد غير الديمقراطي هذا الساكن القديم رغم ما أعطاه لهم في ولايته الأولي،ولكنه بالطبع نوع من الابتزاز المعروف. فيما كان اليسار يدافع عن أوباما ويحبذ نجاحه لاستمراره في ولاية ثانية. الموقف في إسرائيل لا يزال متوترا حتى بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية، فالانتخابات البرلمانية المبكرة على الأبواب، واليمين واليسار والوسط يسعون جميعا لنيل الرضا الأمريكي لأن الناخب الإسرائيلي غالبا ما يطمئن للتكتل الأقرب إلى قلب واشنطن ويمنحه صوته. هذا رغم أن غالبية الإسرائيليين كمواطنين وليس سياسيين لا يفضلون أيا من المتنافسين الأمريكيين، فوفقا لنتائج استطلاع للرأي لأحد المواقع الإسرائيلية، أيد 195 مشتركا أوباما، ردا على السؤال: من الأفضل للشرق الأوسط؟. مقابل 41 صوتا لرومني، ولكن الأغلبية الساحقة، 732 صوتا اختارت "لا أحد"، مما يدل على عدم رضاء نحو سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. نعلم أن أوباما هو الذي فاز في السباق وبدأ جولة آسيوية سريعة من أجل تعزيز التواجد الأمريكي في منطقة الباسيفيكي، ولكن الإسرائيليين يلاحقونه بتوقعات قد يراها الرئيس الأمريكي سخيفة، مثل أن الولايات المتحدة في عهده ستفقد دورها كدولة عظمى وأن واشنطن تلك العاصمة التي تجذب كل سياسي العالم، سينهار دورها القيادي في العالم، مع أفول أمريكا، اقتصاديا وسياسيا. وثمة قول لباحثة إسرائيلية يؤكد أن الأمريكيين انتابتهم الشكوك في قدرة بلدهم، المسمى "بلد الإمكانات اللانهائية"، على تحقيق الحلم الأمريكي المنشود، والحفاظ على مستوى معيشة عال. وللأسف نجد العرب متفائلون بفوز أوباما لأنه وحسب توقعاتهم فإنه سيميل نحو القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، على غرار ما فعل بيل كلينتون في ولايته الثانية وحاول أن ينهيها بالتوصل إلى اتفاق سلام تاريخي بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولكنه فشل. وحجة العرب في هذا هو أن أوباما سيتحرر من قيوده الداخلية ومن تحفظات اللوبي اليهودي وسيتفرغ أكثر للقضايا الدولية وبالقطع العربية ليهتم أكثر بملفات سوريا وإيران وفلسطين ولبنان وليبيا. ربما يكون كلام هؤلاء صحيحا، خاصة وأن أوباما لم يعد رئيسا مبتدئا رغم فصاحته المعهودة، فالفوز بولاية ثانية لم يحصل عليها جورج بوش الأب رغم أنه الذي أعاد للأمريكيين ثقتهم في أنفسهم منذ حرب فيتنام وهو الذي أعاد الجنود الأمريكيين رافعي الرؤوس بعدما عادوا منكسي الرؤوس من حرب فيتنام. بيد أن الأقرب للواقع أن أوباما وإذا كان سيتحلل من قيود الولاية الأولي، إلا أنه لن يعمل على إصلاح التشوهات التي لحقت بالسياسة الأمريكية الخارجية، وعلى سبيل المثال، قتل أسامة بن لادن، فرغم أن هذا عمل بطولي لأوباما في نظر الأمريكيين، ولكنه عمل خسيس في نظر العرب والمسلمين، ناهيك عن انتهاك حقوق الإنسان للمواطن الأفغاني والباكستاني وما قام به الأمريكيون في العراق، خاصة عندما سلموا هذا البلد لإيران تسليم مفتاح.  غير أن هذا لا يعنى أن الرئيس أوباما سيكون أمريكيا مائة في المائة، فأمامه تحديات عالمية أيضاً من أهمها تنفيذه وعده بإنهاء التورط العسكري الأمريكي في أفغانستان كما نفذ تعهده بسحب قواته من العراق. تحد آخر مهم بالنسبة للأمريكيين ويتعلق بمواصلة الحرب على تنظيم القاعدة، وإدارة ملف الأزمة مع باكستان، ومواصلة المواجهة مع إيران، والتعامل مع تداعيات ومضاعفات الانتفاضات والتغييرات التي عصفت ولا تزال تعصف ببعض الدول العربية، خاصة الحرب المدمرة في سوريا، ومضاعفات سيطرة اليمين الإسلامي على الحكم في تونس ومصر ودور هذا التيار في ليبيا وغيرها. كما أن الرئيس الأمريكي القديم الجديد على دراية تامة بالعلاقات المعقدة للغاية مع الصين التي تمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وعلاقات متوترة بعض الشيء مع روسيا. وللمتفائلين من العرب أذكرهم ببضعة كلمات من خطاب أوباما في شيكاغو تعليقا على فوزه وتهنئته لأنصاره "أعود إلى البيت الأبيض أكثر تصميما على تحقيق مهمتي وتحسين أوضاع الأمريكيين". وهنا نقول إن أوباما صادق في كلمته، لأنه يعلم علم اليقين أن المواطن الأمريكي لا يهمه العالم الخارجي وأن جل اهتماماته هو تقليص الضرائب وتحسين مستوى الدخل والتعليم. وبالتالي لن يتبنى الرئيس الأمريكي في ولايته الثانية مواقف العرب ولن يكون نصيرا لقضاياهم، وكل من يعتقد هذا فهو خاطئ ويجعل تركيبة سكان البيت الأبيض. فواقع السياسة الأمريكية والفهم الصحيح والعميق لها خاصة تجاه منطقتنا العربية يؤكد أن أوباما لن يعمل لمصلحتنا سواء كعرب أو مسلمين ولكن ربما يجتهد لتحسين صورة بلاده بعد الشروخ والتشوهات الحادة التي أصابتها عقب التدخل في أفغانستان واحتلال العراق والانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان وآدميته التي قام بها الجنود الأمريكيون في البلدين خاصة العراق. وقد تندم الولايات المتحدة على لعبتها المكشوفة عندما لعبت دورا أساسيا في تشجيع وخلق بيئة خصبة للإسلام السياسي في العديد من مناطق الصراع، لأن هذا التيار سينقلب على أمريكا وستدفع الثمن غاليا، فكما أسست تنظيم القاعدة وطالبان وانقلبا عليها، فاليمين الإسلامي الذي تتعامل معه واشنطن الآن كفصيل حاكم في بعض الدول العربية، سيضع أمريكا في حرج في وقت لاحق، لأنه من الطبيعي أن ينقلب السحر على الساحر. وإذا استبعدنا الأزمة السورية لكونها أزمة عابرة ستنتهي حتما بالإطاحة ببشار الأسد القاتل، فإن القضية المركزية للعرب وهي القضية الفلسطينية ستظل محورا أساسيا في التعامل العربي – الأمريكي، رغم أن السلطة الفلسطينية تتخوف من إدارة أوباما حيث إنها تعتزم كشف موقفها النهائي فيما يتعلق بمشروع الذهاب إلى الأمم المتحدة. ولذا، هي تنتظر معرفة البوصلة الأمريكية الجديدة لتقديم طلب رفع تمثيلها في الجمعية العمومية لتصبح "دولة غير عضو". وأيا كان الموقف، فإن أوباما أو حتى رومني، فإن السياسة الأمريكية لا تتعامل مع العرب كقوة يحسب لها حساب، وإنما وفقا لمصالح واشنطن فقط، وبالتالي، لا يهم من هو القابع في البيت الأبيض لأننا نحن العرب نفتقد للقوة المطلوبة لكي تتعامل معنا واشنطن بحيادية وندية.

539

| 17 نوفمبر 2012

قضايانا الضائعة من ذاكرة أوباما ورومني

أعتقد ونحن نكتب عن الانتخابات الأمريكية وتحديدا ما يتعلق منها بالشرق الأوسط وقضاياه المتشعبة، أن نستعين بما ذكره المفكر الأمريكي "ألبرت هانت" وهو يعلق على جولة المناظرات الثالثة الأخيرة، بين الرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني. فما ذكره هانت يؤكد لنا حجم الشرق الأوسط لدي الإدارة الأميركية. ووفقا لتعليق المفكر الأمريكي، فإن المناظرة فشلت في الكشف عن الرؤية والتوجهات الخاصة بكل من أوباما ورومنى، حول السياسات الأميركية الخارجية المستقبلية، ودور واشنطن من آخر التطورات في منطقة الشرق الأوسط. نعود إلى الانتخابات والمناظرة الثالثة، أولا نشير إلى أن الناخب الأمريكي لا يهتم بالقضايا الدولية ومنها العربية بالطبع، وكل ما يهمه هو الشأن الداخلي والتأمين الصحي والتعليم وتقليل الضرائب التي يتكبدها، وظهر هذا جليا في عدد المشاهدين للمناظرة حيث كانوا الأقل مقارنة بالمناظرتين الأولى والثانية. ومن ناحية أخرى، فشل المرشحان في إقناع الرأي العام الأمريكي برؤيتهما للمشكلات الدولية المتداخلة مع أمريكا وهي قضايا تتعلق بإيران وطبعا برنامجها النووي، ومستقبل العلاقات التجارية مع الصين ثم العدو اللدود وهو روسيا والتي يعتبرها الأمريكيون حتى العدو الاستراتيجي الأول. وجاء الربيع العربي في المرتبة الأخيرة في اهتمامات المرشحين الأمريكيين باستثناء مقتل القنصل الأمريكي في الهجوم الصاروخي على القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي الليبية. واستغل رومني تلك الواقعة التي تألم لها الأمريكيون كثيرا ليقلل من أهمية ما يردده معسكر منافسه أوباما بأنه يدرك تماما ملف العلاقات الخارجية. نقطة أخرى استغلها رومني واعتبرها ضعفا في إدارة أوباما الخارجية وهي الملف السوري وعدم قرار الإدارة الأمريكية تسليح المعارضة السورية للإسراع في القضاء على نظام بشار الأسد. نعلم أن السياسة الخارجية لا تعتبر عاملا حاسما في خيار الناخب الأمريكي باستثناء بعض الحالات الخطيرة، منها ما حدث مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في1980 حين خسر الانتخابات جراء أزمة الرهائن في إيران، أو مع الرئيس جورج بوش في2004 حين ربحها بعدما استفاد من شعور الوحدة الوطنية بسبب الحرب في العراق ونجاحه في اعتقال صدام حسين. ورغم أن الاقتصاد الأمريكي يحتل المرتبة الأولى في اهتمامات الرأي العام الأمريكي، إلا أنه بإمكان أوباما أن يعتمد في السياسة الخارجية على إنجازات وعد بها خلال الحملة الانتخابية وتمكن من تحقيقها وفي مقدمتها الانسحاب من العراق وبدء الانسحاب التدريجي من أفغانستان والحرب على تنظيم القاعدة. ويكتب له نجاح القوات الأمريكية في اغتيال أسامة بن لادن في باكستان في مايو2011 وهو ما يعد ضربة ديمقراطية قاضية للاتهامات التي كثيرا ما كالها الجمهوريون لخصومهم متهمين إياهم بالتراخي في كل ما يتعلق بالأمن القومي. وكما أسلفنا فإن الناخب الأمريكي لا يقترب من القضايا الخارجية إلا عندما يشعر بخطر تجاه تلك القضية أو أخرى، فمثلا يعتقد الأمريكيون أن الصين تتلاعب بهم تجاريا وترفض المطلب الأمريكي برفع قيمة عملتها حتى لا تتسبب في غلاء بضائعها في الخارج ومن ثم تكون أقل سعرا من مثيلاتها الأميركية بما يضر المنتج والمواطن الأميركيين.. ولهذا نرى الأمريكيين في هذه الحالة يتدخلون برأيهم خاصة وأنهم يشعرون بخطر الصين القادم نحوهم. ولهذا أيضا، ركز المرشحان أوباما ورومني على تبني موقف أكثر حزما من بكين وسلوكها التجاري، رغم أن الرئيس الأمريكي الحالي دعا بعد تسلمه منصبه عام 2009 إلى تعزيز العلاقات مع الصين. أما رومني فحاول التفوق في مجال السياسة التجارية التي يجب تبنيها لمواجهة الصين، وبالفعل نجح في جذب49 % من المشاركين في أحد استطلاعات الرأي عندما شدد اللهجة حيال الصين، وقال إن هذا يظل أفضل من تعزيز العلاقات معها، وهو ما يشكل انقلابا في التوجه مقارنة برأي سابق له في مارس الماضي. وفي نفس الاستطلاع تفوق أوباما في المسألة الإيرانية واعتبره الأمريكيون أكثر حنكة في التعامل مع هذا الملف الخطير بالنسبة إليهم إذ نال 47 % من الأصوات في مقابل 43 % لرومني. ويعود تفوق الرئيس الديمقراطي خصوصا في مسألة البرنامج النووي الإيراني، لما أبداه من موقف حازم تجاه هذا البرنامج حتى الآن رغم عدم تجاوبه في أحيان كثيرة مع الرغبة الإسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران. كما اعتبر الأمريكيون أوباما أفضل عموما في السياسة الخارجية، بفضل سحبه قواته من العراق وإرساله وحدة كوماندوز لقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان العام الماضي. وهنا حاول المعسكر الجمهوري توجيه السهام إلى المعسكر المنافس ووجهوا انتقادا لطريقة تعامل الرئيس أوباما مع ملف الشرق الأوسط، واتهموه بإهمال إسرائيل الحليفة والاستخفاف بتهديد ما أسموه بـ"الطموحات المتطرفة" التي أطلقتها ثورات العالم العربي ضد إسرائيل. ويبدو بعد القضاء على اسامة بن لادن، تراجعت حدة مخاوف الأميركيين من الإرهاب حتى إن المناظرة الثالثة بين أوباما ورومني لم تقف عند هذا الملف كثيرا، مما رجح كفة أوباما الذي نجحت إدارته ولو صدفة في القضاء على بن لادن وإراحة العالم من شروره كما يصفه الأمريكيون والأوروبيون. أيام قليلة وتحديدا يوم الثلاثاء المقبل وتبدأ الانتخابات الأمريكية ليتعرف الأمريكيون والعالم على رئيس الولايات المتحدة القادم، وهل سيكون أوباما لتستمر إدارته في الكلام المعسول من دون فعل خصوصا لقضايا الشرق الأوسط، أم يحقق رومني المفاجأة ويكتسح منافسه ويحتل مكانه في البيت الأبيض..النتيجة غير محسومة حتى الآن، وإن كان كل مرشح دخل في دوامة النيل من الآخر والتقليل من شأنه، فرأينا قبل أيام أن المرشح الجمهوري وصف منافسه بأوصاف عرقية مذكرا إياه بلون بشرته السوداء وتنوع جذوره للتشكيك في أصوله الأمريكية. ورأينا أوباما يتهم المرشح المنافس بأنه فاقد الذاكرة في واقعة وصفه الأمريكيون بأن رئيسهم أضاف عبارة جديدة إلى القاموس السياسي بوصفه حال خصمه بـ " رومنيزيا" نسبة إلى "أمنيزيا" التي تعني فقدان الذاكرة. ومن سوء حظ المرشحين الديمقراطي والجمهوري، ما تعرضت له ولاية أوهايو من الإعصار ساندي المدمر والذي جاء قبل أيام من الانتخابات الرئاسية، رغم أن المأساة مثلت ملفا مهما لكليهما في كيفية إظهار القيادة وقت الأزمات الوطنية. غير أن الأمريكيين يكرهون استغلال معاناتهم لتحقيق أغراض سياسية، حتى لو كانت الانتخابات التي ستسفر عن فوز أحد المرشحين سواء أوباما أو رومني، ولكن ما يهمنا نحن العرب هو كيف سيتعامل الرئيس الديمقراطي مع قضايانا في ولايته الثانية وهل سيسقط من حساباته الصوت اليهودي؟. أو ما إذا فاز المرشح الجمهوري رومني فهل سيعيد ملفاتنا إلى نقطة البداية والمربع الأول لتبدأ مشكلتنا القديمة الجديدة مع أي إدارة أمريكية جديدة؟! أيام قلائل وسنعرف النتيجة، وبعدها سندرك العواقب.

540

| 02 نوفمبر 2012

أدب التحاور بعد الخلاف

يسرني أن أتقدم لكم بأطيب التهاني بمناسبة عيد الأضحى المبارك، سائلاً الله تعالى أن يعيده على الجميع بالخير والصحة والعافية والسلامة وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، متمنيا لكم حياة ملؤها السعادة والفرح والسرور. إنها تهنئة واجبة وتحية لكل القراء، وإذا كنا ندعو المولى عز وجل أن يكون العيد مناسبة للخير والسعادة والفرح والسرور، فهذا الأمر لن يأتي إلا بنبذ الخلافات وتركها والعمل على تفعيل الحوار وإحقاق الحق. فالاختلاف وسيلة للتواصل والتكامل والأخوة والائتلاف خاصة أن شريعتنا الإسلامية في مصدريها الأساسيين من قرآن كريم وسنة صحيحة أرست قواعد عظيمة وأسسا متينة تؤسس لفقه الاختلاف بما يجعله طريقا للتعايش واللحمة لا وسيلة للتنابذ والفرقة. يا لها من سماحة لهذا الدين الحنيف، فالسنة تؤسس لفقه الاختلاف، ولابد لنا جميعا التفقه في أدب الخلاف، فليس مقبولا أن يتفق كل البشر أو جماعة من الناس في كل شيء، ولكن المقبول أن يوضع الخلاف في موضعه ولا يتجاوز به حده ليصير سببا للقطيعة والهجر، ولو فعل الناس هذا لما بقي اثنان على مودة وإخاء، فخلافات العلماء والأئمة كثيرة ولا تحصى، ومع ذلك لم يكن ذلك سببا في بغض بعضهم البعض. وعند حصول الخلاف، فلابد من أن نسعى جميعنا إلى رأب الصدع وإنهاء الفرقة تعظيما أعظم لأجرنا، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. وأعتقد أن علينا ونحن نعيش تلك الأيام المباركة أن نتجاوز ما نراه في الساحة السياسية وهي مليئة بكل أسف بالصراعات والخلافات واختلاف في الآراء بين أطراف متعددة وتباين في وجهات النظر، ويتشبث كل طرف برأيه وكل شخص بحجته من دون النظر إلى مدى صحتها. وهناك نوعان من الخلافات، خلاف مَرضي يدمر الأوطان وروابط الأسرة الواحدة، وآخر صحي، مثل الخلاف بين الدعاة الذي ربما يكون أحيانا رحمة بنا. وهذا يستلزم العمل على تجنب أسباب الفرقة ما استطعنا لذلك سبيلا، فالفرقة تضعف الصف وتفرق الجهود وتذهب القوة ويكون مصيرنا الفشل والتراجع وعدم التقدم. قال الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]. وعصريا.. قالوا إن الديمقراطية هي التوافق بعد الاختلاف، خاصة حينما تصل الأمور إلى الاستقرار ونبذ الخلافات مع الاعتراف بالوجود المكافئ للآخر، سواء أكان دينيا أو سياسيا أو عرقيا، فالديمقراطية هنا تعني اعتراف كل منا بحق الآخر في الوجود وليس ذبحه والإجهاز عليه حتى نجنب الوطن الشرور، وبما يسير به إلى بر الأمان. فعندما ينظر كل مواطن لأخيه في الوطن بعين المساواة وإقراره بحق الشقيق أو الصديق أو حتى الغريب في الاختلاف معه لونا أو جنسا أو دينا أو فكرا، فهذا من شأنه السير في طبائع الكون. ولولا ذلك لخلقنا الله جميعا نسخا مكررة متطابقة. أو كما جاء في سورة هود: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين" (118).  ترى هل ينطبق هذا القول الحكيم على واقع الحوارات في هذا الزمان الذي تحول فيه الحوار إلى تنابذ، واستبدل بلغة الإقناع الهادئة لغة الاتهامات العنيفة. ولذلك تحول الحوار إلى صراع وأصبح كل طرف على حق دائما، والآخر على باطل في كل الأحوال. ومن الأمانة الاعتراف بأن هذه الآفة هي نتيجة ادعاء البعض باحتكار الحقيقة، وهؤلاء يسارعون إلى توجيه السهام للمخالفين لهم في دينهم وآرائهم وأفكارهم، ويصل الحال إلى قمعهم، ويصل الحال أحيانا إلى استخدام العنف معهم، وهنا مكمن الخطر. ومن ثم، فلا ضرر من أن يختلف الجار مع جاره والأخ مع أخيه والرئيس مع مرؤوسيه، ولكن الضرر هو أن يكون الاختلاف جارحا وعدم العودة للحق، فالعودة للحق فضيلة. حتى الحضارة الإنسانية ليست واحدة بل هي متنوعة شرقا وغربا، دينا وسياسة وفكرا، وتؤكد القاعدة الحضارية أن تقدم الحضارة الإنسانية مرهون بتنوعها البشري والثقافي الخلاق. ويفضي إلى ضرورة إشاعة ثقافة الحوار. فالاختلاف الحق يفضي إلى الحوار الهادف بتعميق فهم الآخر أو محاولة استمالته إلى مواقفنا الفكرية أو حتى إقناعه بعدم صواب رأيه. ومن الخطر عدم احترام كل طرف للآخر، أو التسفيه من آرائه، لأن اللجوء إلى لغة العنف أو التهديد، يخرج بنا من إطار الحوار إلى التنابذ. مع ضرورة الإقرار بأن الأصل الحاكم للحوار هو الإدراك بأن المعارف والأفكار نسبية، طالما كانت من صنع الإنسان. ولذلك فلا أحد يمتلك الحقيقة أو يحتكرها. وقديما قال الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. ونحن نعيش في هذه الأيام المباركة، علينا التمسك بفضيلة اجتماع الكلمة ونبذ التباغض والتحاسد، لأنه إذا تكاتفنا وتوحدنا سنكون الأعلون حتى لا نتفرق ويشق صفوفنا، تطبيقا لقوله عز وجل (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم).

569

| 26 أكتوبر 2012

أين العرب من الحب .. الكعكة الأمريكية

دخل العام الانتخابي الأمريكي مراحله الصعبة والمريرة والمريبة أيضا، حيث تشهد هذه الفترة في أغلب الانتخابات الأمريكية تبادل الاتهامات بين المرشحين الرئاسيين من كلا الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي. وتحاول إسرائيل في هذه الفترة بالتحديد استمالة كلا المرشحين عبر التهديد والوعيد وكيل الاتهامات لهما معا أو كلاهما من أجل هدف واحد هو تحقيق مصلحتها العليا وليس مصلحة المواطن والشعب الأمريكي، ناهيك عن الابتزاز الذي تلعبه أي حكومة إسرائيلية في تلك المرحلة للخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب العسكرية والمساعدات الاقتصادية لتل أبيب بما يخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي على الجلوس في منصبه. ولم لا، فقد غرف من النعم الأمريكية لمصلحة إسرائيل. هذه المرحلة الصعبة يصورها حاييم صابان مدير مركز صابان للأبحاث السياسية أو مركز ( سابان) باللغة الإنجليزية ومقره الولايات المتحدة، بقوله :" إنه كيهودي -أمريكي - إسرائيلي سيرشح باراك أوباما في انتخابات الرئاسة المقبلة".. وهنا يدافع صابان عن الرئيس الأمريكي الذي يتعرض لحملة شعواء من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو حاليا. ويركز صابان دفاعه على أن أوباما أقام علاقات صداقة ممتازة مع إسرائيل وحافظ على أمنها وأكد أنه سيحميها من أي تهديدات أجنبية لتكون صخرة صعب الاقتراب منها. ويستنكر صابان وبالمناسبة هو من جذور مصرية، ما يقوله المرشح الجمهوري ميت رومني بأن أوباما رمى إسرائيل تحت الحافلة. ولكن الرئيس الأمريكي في نظر صابان على عكس ما اتهمه به منافسه، اتخذ إجراءات صلبة من أجل الحفاظ على إسرائيل قوية اقتصاديا وأمنيا وعسكريا، وهو ما سبق وصرح الرئيس الأمريكي بأنه " التزام غير قابل للنقاش أو التفاوض". ويشير صابان إلى أن أوباما عندما زار إسرائيل قبل انتخابه في السباق الماضي رأى كيف يتعرض القرويون الإسرائيليون للقصف من قبل سكان غزة، فقرر أنه في حال انتخابه كرئيس تقديم الدعم الأمني واللوجستي لنظام الدفاعي الصاروخي الإسرائيلي المعروف باسم " القبة الحديدية" لحماية سكانها، وهو ما نفذه بالفعل عندما جلس في البيت الأبيض. كما قرر زيادة حجم المساعدات لهذا المشروع في يوليو الماضي بمبلغ 70 مليون دولار بالإضافة إلى مبلغ الثلاث مليارات دولار التي تقدمها الولايات المتحدة سنويا لإسرائيل. كما أن أوباما لم يسبق أن يهدد بقطع المساعدات الأمريكية عن إسرائيل كما فعل جورج بوش الأب الذي قرر وقف المساعدات ما لم تلتزم إسرائيل بقرار وقف الاستيطان. ويوجه صابان سؤالا مهما إلى كل من يهتم بمستقبل العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، ويرد بنفسه الإجابة بأن أي مواطن إسرائيلي لم يكن يتخيل أن تكون العلاقات الإستراتيجية أفضل مما هي عليه الآن. ويقتبس عن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قوله في هذا الصدد :" تشهد العلاقات بين البلدين أفضل أوقاتها".. فالتعاون يشمل علاقات أوثق في المجال المعلومات المخابراتية بما فيها التعاون العسكري لإحباط أي مخططات إيرانية. ويستنكر صابان ما يردده المرشح الجمهوري ميت رومني الآن من توجيه الاتهامات والانتقادات إلى نظام أوباما المتعلق بالتعاون مع إسرائيل، ويحاول الباحث اليهودي الأمريكي تذكير رومني بأن جورج بوش الابن فشل في تحجيم النظام الإيراني من مد عضلاته في المنطقة، وأنه هو الذي سمح للإيرانيين باللعب في العراق. في حين نجح أوباما في إقناع روسيا والصين في المشاركة في الحصار الاقتصادي على إيران، وتحديدا في إقناع روسيا في منع توريد نظامها الصاروخي إلى إيران. وفي المقابل، لم يحدد رومني كيف سيمنح إيران من تطوير مفاعلاتها النووية، على العكس تماما من موقف أوباما الذي أعلن مباشرة خططه لإحباط المشروع النووي الإيراني وكذلك تحديد خطط بديلة لاحتواء الملف النووي الإيراني، مثل قراره بنشر قوات إضافية في منطقة الخليج وتعليماته لعسكرييه بوضع كافة التصورات العسكرية لمواجهة إيران في حال قررت توجيه أسلحتها نحو إسرائيل. خاصة وأن الرئيس الأمريكي الحالي وليس المرشح رومني يعلم علم اليقين بأن إيران لم يسبق لها تهديد الولايات المتحدة أبدا وإنما دائما توجه تهديداتها إلى إسرائيل، وكذلك يعلن أوباما دائما أنه سيظل داعما لإسرائيل. والأمر المؤكد الذي يريد صابان توجيهه للأمريكيين الديمقراطيين والجمهوريين في الوقت الراهن، إن عليهم أن يأخذوا مواقف أوباما مأخذ الجد وإلا يتخلوا عنها مستقبلا، وبالتالي التصويت له في الانتخابات المقبلة. ومن دلائل دعم أوباما لإسرائيل كما يحددها صابان أن العالم تخلى عن إسرائيل في المحافل الدولية بعكس الرئيس الأمريكي الذي أحبط خطط الفلسطينيين في إعلان الدولة من خلال مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. ناهيك عن التصويت ضد قرار دولي يندد بالمستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ثم بعد كل هذا يأتي السيد بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ليخاطب أوباما بلهجة آمرة ويطلب منه تحديد خطوط حمراء أمام النظام الإيراني بما يخدم دولة إسرائيل في شن هجوم عسكري شامل على المنشآت الإيرانية النووية لوقف الطموحات الإيرانية إلى الأبد. فنيتانياهو يستغل فترة الانتخابات ومدى حاجة كل مرشح إلى أصوات اليهود والدعم المالي لهذا اللوبي الخطير، ويطالب الرئيس الأمريكي بضرورة عدم التخلي عن إسرائيل في الوقت الراهن.. كما يستغل مزايدات رومني لأوباما بأنه لم يفعل بعد ما يفيد إسرائيل ويعمل على تأمينها!! ورغم ما سبق من تصريحات وموقف حاييم صابان الباحث اليهودي الإسرائيلي الأمريكي الذي شدد على أن أوباما فاق كل أسلافه في خدمة إسرائيل ومستقبل إسرائيل، وأن ما فعله أوباما يعادل كل ما فعله الرؤساء الأمريكيون السابقون له.. يصعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو، من تهديداته بمهاجمة إيران، قائلا إنه إذا رفضت القوى العالمية تحديد خط أحمر لبرنامج طهران النووي فلا يمكنها أن تطالب إسرائيل بعدم شن هجوم. وبادر مقربون من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بتصعيد جديد في الخلاف مع الإدارة الأمريكية، وهذه المرة من خلال مهاجمة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لأنها أعلنت عن رفض واشنطن طلب إسرائيل تحديد خطوط حمراء أمام إيران. واتهموها بأنها تسهل على الإيرانيين التقدم في عملية صنع قنبلة نووية. ويشترك نيتانياهو وبعض مسئوليه في هذا الزعم حيث يؤكدون أن إيران لن توقف مشروعها النووي إلا إذا وضع العالم أمامها خطوطا حمراء واضحة تقول إنه في حال امتناعهم عن كذا في موعد محدد ما فسوف يدفعون ثمنا باهظا.  فنيتانياهو يقول :" إنه حتى الآن، نستطيع أن نقول بوضوح إن الدبلوماسية والعقوبات على إيران لم تكن فعالة.. إنها أصابت الاقتصاد الإيراني، ولكنها لم توقف البرنامج النووي الإيراني. هذه حقيقة، وحقيقة أخرى هي أن كل يوم يمر تقترب إيران من القنبلة النووية. وإذا علمت إيران أنه لا يوجد خط أحمر أو موعد أخير (ديدلاين)، ماذا ستفعل؟ ما تعمل اليوم بالضبط - أنها تواصل العمل دون هوادة من أجل امتلاك القدرة على تصنيع أسلحة نووية ومن ثم امتلاك الأسلحة النووية". ثم يتساءل نيتانياهو :" يقول العالم لإسرائيل إنه يجب عليها أن تنتظر لأنه يوجد وقت كاف، وأنا أتساءل: لم الانتظار؟! إلى متى؟! وليس لأولئك في المجتمع الدولي الذين يرفضون وضع خطوط حمراء أمام إيران الحق الأخلاقي بوضع ضوء أحمر أمام إسرائيل".  ربما كان ما سبق رغم أنه يتعلق بالعلاقات بين إسرائيل وأمريكا، لدلالة واضحة على مكانة العرب في السياسة الخارجية الأمريكية.. وهذا نزر قليل من بئر عميق.

443

| 28 سبتمبر 2012

تداعيات "العدوى" السورية

إذا أراد المرء أن يتحدث عن حل أزمة أو معضلة فعليه أن يستعين بما يقوله المفوضون بحل هذه الأزمة ، وللتوضيح أكثر نجد أن الأشقاء السوريين يعيشون في مأساة إنسانية كادت تنهي عامها الثاني ، ولا يزال النظام الغاشم هناك يدك البيوت كأنه يحارب عدوا وليس بني وطنه، ومع ذلك لا يستجيب لأي مبادرة للخروج من تلك المعضلة. وإذا كانت الأمم المتحدة قد عينت من قبل كوفي أنان أمينها العام السابق وفشل في مهمته تماما رغم مساعيه الحميدة لإنقاذ الشعب السوري من براثن نظامه، جاء خلفه الأخضر الإبراهيمي الذي عولنا عليه كثيرا نظرا لجنسيته ودينه وعروبته وسابق خبرته في حل المشكلات الدولية كمبعوث دولي مرموق، ليحبطنا هو الآخر على الأقل قولا قبل الفعل. فكيف نفكر في حل لتلك الأزمة المستعصية بينما نجد أن  مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الجديد إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي يعرب عن اعتقاده بأن المساعي الدبلوماسية لإنهاء الصراع في سوريا "شبه مستحيلة"، وأن الجهود التي تبذل حاليا غير كافية لإنهاء القتال. ثم يزيد الإبراهيمي من وقع الصدمة ليبلغنا نحن العرب مستقبلي كلماته الصعبة بأنه  يقف أمام جدار من الطوب باحثا عن شقوق ربما تسفر عن وجود حل. فالإبراهيمي اكتشف أن الوضع أصعب مما كان يعتقد، وأن النظام  السوري أصعب مما تخيل حيث يستخدم كافة أسلحته العسكرية والأمنية والمخابراتية ، وبالتالي يكتشف أن الحوار المأمول شبه مستحيل هو الآخر خاصة إذا كان وليد المعلم وزير خارجية سوريا كشف عن مكنون الأزمة من وجهة نظر النظام بأن الحوار غير ممكن قبل تطهير البلاد من آخر إرهابي، أي يريد القضاء على كل الشعب السوري. فهكذا يرى النظام السوري معارضيه ، فكلهم إرهابيون وبالتالي لن يكون هناك حوار ، وهذا يشكل في حد ذاته شهادة الوفاة لأي مبادرة دولية او إقليمية. وربما يكون كلام المعلم الذي قاله غداة تعيين الأخضر الإبراهيمي في مهمته شبه المستحيلة على حد تعبيره، جعل المبعوث الدولي يتردد ألف مرة قبل بدء مهمته، فالنظام  السوري يستخدم كما أسلفنا  كل الوسائل ولا يتورع عن تدمير البيوت، ولذلك فإن الحديث عن حلول دبلوماسية هو مجرد أوهام. وإذا كان ما سبق هو وصف الإبراهيمي لمهمته، فما بالنا إذا تعرفنا أكثر على مواقف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نفسه.. فقد  أقر بعدم قدرة المجتمع الدولي على التعامل مع الوضع في سوريا، وأن  الأوضاع في ذلك البلد قد  وصلت إلى درجة لا تحتمل.  والسؤال :" ما الذي جعل بان كي مون يصل إلى هذه الدرجة من مشاعر الاحباط ؟".. والإجابة بسيطة للغاية ، وهى  ضعف الضغوط على النظام السوري واستمرار القصف والاشتباكات في غالبية المدن السورية وتدهور الوضع الإنساني بشكل خطير في كل المدن والقرى . فمجلس الأمن الدولي لم يقم حتى الآن بفرض إجراءات بالقوة على بشار الأسد لوقف القتل والعنف. وكما يعتقد برهان غليون أحد قيادات المعارضة السورية ، فإن مجلس الأمن تهاون في حل الأزمة لأنه على سبيل المثال لم  يفرض مناطق حظر جوي، لأن عندها سيصبح لمهمة الإبراهيمي حظ في النجاح. إما إذا استمر الحديث على سلمية مهمة الأمم المتحدة، أي تقوم على إيجاد انتقال سلمي للسلطة وإقناع الأسد بالتنحي أو الاستقالة ونقل البلاد إلى الحكم الديمقراطي، فهذا امر مستحيل أي شبيه تماما بما يتحدث عنه الأخضر الإبراهيمي عندما وصف مهمته بأنها "شبه مستحيلة". فالأسد مصر على البقاء على الكرسي مضحيا  بدماء كل الشعب السوري، في حين أن الشعب مصر على زوال الأسد حتى آخر مسئول أو شخص في نظامه وزمرته مهما كلفه ذلك من دماء وتضحيات، وبالتالي لا مكان للحل الرمادي، فإما ينجح رهان الأسد وإما خيار الشعب . وهذا يؤكد استحالة الحل الدبلوماسي للأزمة السورية، فالشعب السوري قد  حسم خياره الذي لا رجعة عنه. الجديد في موضوع الشأن السوري هو تحذير روسيا من " صوملة سوريا"، وأعتقد أن موسكو تقصد انهيار الدولة المركزية الصومالية لتكون أفشل دولة في العالم بعد انهيار نظام الرئيس سياد بري . بيد أن الجديد أيضا في هذه الأزمة هو استخدام فرنسا تعبيرا آخر لوصف الأزمة السورية عندما حذرت  دول الجوار من "امتداد العدوى السورية" وضرورة  تفادي استجلاب الأزمة السورية وتشعباتها ونتائجها إلى الأراضي اللبنانية. وربما يقودنا هذا الوصف الفرنسي لتداعيات التطورات  في سوريا إلى فهم أوضح لطبيعة موقف باريس من تلك الأزمة، خاصة وأن أبعادها ستؤثر حتما على لبنان وهو أشد ما تخشاه فرنسا نظرا لهشاشة الوضع الداخلي في لبنان. فباريس حتى الآن لم تتدخل بقوة ولكنها تكتفي بالمشاهدة تارة والتعليق تارة أخرى، فنراها مثلا تعلن رفضها التام للمبادرة المصرية  لإطلاق مجموعة عمل إقليمية رباعية تضم مصر و السعودية وتركيا وإيران. وتبرر فرنسا موقفها الرافض هذا، بأنه سيمنح إيران أدوارا لا تستحقها. فإيران – كما أعلنت باريس – لا تضع حدا نهائيا لانتهاكات حقوق الإنسان على أراضيه  ولا تعمل على  توفير الاستقرار في المنطقة، وأخيرا، فهي جزء من المشكلة (لأنها تقدم الدعم غير المحدود للنظام السوري)، وبالتالي لا يمكن أن تكون جزءا من الحل. وبنفس القدر من رفضها للمبادرة المصرية بسبب شراكة إيران المحتملة فيها ، ترفض باريس المساعي الروسية لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يكرس ورقة جنيف للحل في سوريا. فإن مثل هذه المبادرات  توفر للنظام السوري مزيدا من الوقت للاستمرار في قمعه، كما أنها ترفض نصا "من غير أسنان " مما يعني الحاجة إلى أن ينص على عقوبات في حال لم يلتزم نظام الأسد بمضمونه. وفي أي حال، يبدو المشروع الروسي صعب المنال لأن خلافا جوهريا اندلع بين موسكو وبين العواصم الغربية على تفسير النص، إذ يؤكد الغربيون أنه يعني تنحي الأسد بينما يرى الروس أنه لا يدعو لرحيل النظام السوري. وفي النهاية.. لك الله يا شعب سوريا العظيم

521

| 22 سبتمبر 2012

alsharq
كبار في قفص الاتهام.. كلمة قطر أربكت المعادلات

في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...

2571

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

2424

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
غياب المعرفة المالية عن الطلاب جريمة اقتصادية بحق الأجيال

في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...

2340

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
قطر في الأمم المتحدة.. السيادة والإنسانية

يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...

1044

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1014

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...

906

| 23 سبتمبر 2025

alsharq
الأمير يكشف للعالم حقيقة الكيان الإسرائيلي

صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....

864

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
حضور فاعل للدبلوماسية القطرية

تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...

822

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
1960.. أمّ الانقلابات في تركيا وإرث الوصاية العسكرية

بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...

756

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
أهمية وعي المُستثمر بالتشريعات الناظمة للتداول

يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...

729

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
خطاب صريح أقوى من السلاح

• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...

699

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...

606

| 26 سبتمبر 2025

أخبار محلية