رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إذا أراد المرء أن يتحدث عن حل أزمة أو معضلة فعليه أن يستعين بما يقوله المفوضون بحل هذه الأزمة ، وللتوضيح أكثر نجد أن الأشقاء السوريين يعيشون في مأساة إنسانية كادت تنهي عامها الثاني ، ولا يزال النظام الغاشم هناك يدك البيوت كأنه يحارب عدوا وليس بني وطنه، ومع ذلك لا يستجيب لأي مبادرة للخروج من تلك المعضلة.
وإذا كانت الأمم المتحدة قد عينت من قبل كوفي أنان أمينها العام السابق وفشل في مهمته تماما رغم مساعيه الحميدة لإنقاذ الشعب السوري من براثن نظامه، جاء خلفه الأخضر الإبراهيمي الذي عولنا عليه كثيرا نظرا لجنسيته ودينه وعروبته وسابق خبرته في حل المشكلات الدولية كمبعوث دولي مرموق، ليحبطنا هو الآخر على الأقل قولا قبل الفعل.
فكيف نفكر في حل لتلك الأزمة المستعصية بينما نجد أن مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الجديد إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي يعرب عن اعتقاده بأن المساعي الدبلوماسية لإنهاء الصراع في سوريا "شبه مستحيلة"، وأن الجهود التي تبذل حاليا غير كافية لإنهاء القتال.
ثم يزيد الإبراهيمي من وقع الصدمة ليبلغنا نحن العرب مستقبلي كلماته الصعبة بأنه يقف أمام جدار من الطوب باحثا عن شقوق ربما تسفر عن وجود حل. فالإبراهيمي اكتشف أن الوضع أصعب مما كان يعتقد، وأن النظام السوري أصعب مما تخيل حيث يستخدم كافة أسلحته العسكرية والأمنية والمخابراتية ، وبالتالي يكتشف أن الحوار المأمول شبه مستحيل هو الآخر خاصة إذا كان وليد المعلم وزير خارجية سوريا كشف عن مكنون الأزمة من وجهة نظر النظام بأن الحوار غير ممكن قبل تطهير البلاد من آخر إرهابي، أي يريد القضاء على كل الشعب السوري. فهكذا يرى النظام السوري معارضيه ، فكلهم إرهابيون وبالتالي لن يكون هناك حوار ، وهذا يشكل في حد ذاته شهادة الوفاة لأي مبادرة دولية او إقليمية.
وربما يكون كلام المعلم الذي قاله غداة تعيين الأخضر الإبراهيمي في مهمته شبه المستحيلة على حد تعبيره، جعل المبعوث الدولي يتردد ألف مرة قبل بدء مهمته، فالنظام السوري يستخدم كما أسلفنا كل الوسائل ولا يتورع عن تدمير البيوت، ولذلك فإن الحديث عن حلول دبلوماسية هو مجرد أوهام.
وإذا كان ما سبق هو وصف الإبراهيمي لمهمته، فما بالنا إذا تعرفنا أكثر على مواقف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نفسه.. فقد أقر بعدم قدرة المجتمع الدولي على التعامل مع الوضع في سوريا، وأن الأوضاع في ذلك البلد قد وصلت إلى درجة لا تحتمل. والسؤال :" ما الذي جعل بان كي مون يصل إلى هذه الدرجة من مشاعر الاحباط ؟".. والإجابة بسيطة للغاية ، وهى ضعف الضغوط على النظام السوري واستمرار القصف والاشتباكات في غالبية المدن السورية وتدهور الوضع الإنساني بشكل خطير في كل المدن والقرى . فمجلس الأمن الدولي لم يقم حتى الآن بفرض إجراءات بالقوة على بشار الأسد لوقف القتل والعنف. وكما يعتقد برهان غليون أحد قيادات المعارضة السورية ، فإن مجلس الأمن تهاون في حل الأزمة لأنه على سبيل المثال لم يفرض مناطق حظر جوي، لأن عندها سيصبح لمهمة الإبراهيمي حظ في النجاح. إما إذا استمر الحديث على سلمية مهمة الأمم المتحدة، أي تقوم على إيجاد انتقال سلمي للسلطة وإقناع الأسد بالتنحي أو الاستقالة ونقل البلاد إلى الحكم الديمقراطي، فهذا امر مستحيل أي شبيه تماما بما يتحدث عنه الأخضر الإبراهيمي عندما وصف مهمته بأنها "شبه مستحيلة".
فالأسد مصر على البقاء على الكرسي مضحيا بدماء كل الشعب السوري، في حين أن الشعب مصر على زوال الأسد حتى آخر مسئول أو شخص في نظامه وزمرته مهما كلفه ذلك من دماء وتضحيات، وبالتالي لا مكان للحل الرمادي، فإما ينجح رهان الأسد وإما خيار الشعب . وهذا يؤكد استحالة الحل الدبلوماسي للأزمة السورية، فالشعب السوري قد حسم خياره الذي لا رجعة عنه.
الجديد في موضوع الشأن السوري هو تحذير روسيا من " صوملة سوريا"، وأعتقد أن موسكو تقصد انهيار الدولة المركزية الصومالية لتكون أفشل دولة في العالم بعد انهيار نظام الرئيس سياد بري . بيد أن الجديد أيضا في هذه الأزمة هو استخدام فرنسا تعبيرا آخر لوصف الأزمة السورية عندما حذرت دول الجوار من "امتداد العدوى السورية" وضرورة تفادي استجلاب الأزمة السورية وتشعباتها ونتائجها إلى الأراضي اللبنانية.
وربما يقودنا هذا الوصف الفرنسي لتداعيات التطورات في سوريا إلى فهم أوضح لطبيعة موقف باريس من تلك الأزمة، خاصة وأن أبعادها ستؤثر حتما على لبنان وهو أشد ما تخشاه فرنسا نظرا لهشاشة الوضع الداخلي في لبنان. فباريس حتى الآن لم تتدخل بقوة ولكنها تكتفي بالمشاهدة تارة والتعليق تارة أخرى، فنراها مثلا تعلن رفضها التام للمبادرة المصرية لإطلاق مجموعة عمل إقليمية رباعية تضم مصر و السعودية وتركيا وإيران. وتبرر فرنسا موقفها الرافض هذا، بأنه سيمنح إيران أدوارا لا تستحقها. فإيران – كما أعلنت باريس – لا تضع حدا نهائيا لانتهاكات حقوق الإنسان على أراضيه ولا تعمل على توفير الاستقرار في المنطقة، وأخيرا، فهي جزء من المشكلة (لأنها تقدم الدعم غير المحدود للنظام السوري)، وبالتالي لا يمكن أن تكون جزءا من الحل.
وبنفس القدر من رفضها للمبادرة المصرية بسبب شراكة إيران المحتملة فيها ، ترفض باريس المساعي الروسية لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يكرس ورقة جنيف للحل في سوريا. فإن مثل هذه المبادرات توفر للنظام السوري مزيدا من الوقت للاستمرار في قمعه، كما أنها ترفض نصا "من غير أسنان " مما يعني الحاجة إلى أن ينص على عقوبات في حال لم يلتزم نظام الأسد بمضمونه. وفي أي حال، يبدو المشروع الروسي صعب المنال لأن خلافا جوهريا اندلع بين موسكو وبين العواصم الغربية على تفسير النص، إذ يؤكد الغربيون أنه يعني تنحي الأسد بينما يرى الروس أنه لا يدعو لرحيل النظام السوري.
وفي النهاية.. لك الله يا شعب سوريا العظيم
في مقابلة في إحدى القنوات الإخبارية ظهرت الأم الشابة التي تتحدث بألم وأسى عن الحالة التي وصلوا إليها... اقرأ المزيد
18
| 01 أكتوبر 2025
في رحاب معهد الدراسات الجنائية التابع للنيابة العامة في دولة قطر، خضتُ تجربة جميلة وجديرة بالتوثيق، إذ قدّمت،... اقرأ المزيد
21
| 01 أكتوبر 2025
في إطار الاهتمام المتنامي الذي توليه الدولة لفئة التدخل المبكر ورعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، جاءت خطوة... اقرأ المزيد
21
| 01 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
4593
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4332
| 29 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
4185
| 25 سبتمبر 2025