رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ماذا يجري بمصر؟.. تساؤل به كلمات قليلة ولكن إجابته ربما تتطلب كتبا ضخمة لوضع مجرد مقدمة لما تشهده أرض الكنانة.. فهي كل يوم بحال ولم تخرجها الثورة إلى بر الأمان حتى بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي هذا الرجل الأكاديمي الإخواني الذي تدرج في عالم السياسة من عضو نشط بالجماعة حتى دخول المعترك البرلماني ليكون برلمانيا ناجحا بشهادة خصومه - الوطني آنذاك - ليتولى رئاسة مصر في أصعب مراحلها بعد ثورة ٢٥ يناير، وليكون أول رئيس مدني بعد زمرة من العسكريين الذي ظلوا يسيطرون على سدة الحكم في مصر منذ الثورة اليوليوية كما يصنفها اليساريون بلغتهم. إذاً.. لقد اكتست مصر باللون الأخضر نسبة إلى حقبة حكم الإسلاميين الجديدة بسيطرة الإخوان على مقاليد السلطة – برلمان غائب في طريقه للعودة وحكومة ورئاسة وإعلام ومحاولة للهيمنة على القضاء في الطريق - ولكن ورغم هذه الكسوة الخضراء، فإن الانتقادات للحكم الجديد لم تسلم من فئة من المتأسلمين وهم الذين يطلق عليهم في مصر "السلفيون" وحزبهم السياسي المسمى بحزب النور، وكأن ماعدا ذلك هو الظلام بعينه. فليس عجيبا أن يكون بمصر تيار إسلامي واسع المجال مثل الدواء المضاد الحيوي واسع المجال الذي ينفع في شفاء الكثير من الأمراض.. ولكن مع الفارق، فالتيار الإسلامي واسع المجال يتكون من جماعات عديدة تختلف في الرؤى والتوجهات ولا يجمعها سوى المسمى الواسع الفضفاض (الإسلامي). ولو نظرنا للحقيقة بنظرة ثاقبة، نستكشف أن لكل جماعة أهدافها التي تختلف مع الأخرى، وفي هذه الحالة لا يربط المسمى الإسلامي بينهما، لأن الإسلام كدين يدعو إلى الاتحاد باعتبار أن الاتحاد قوة، في حين أن التيار الإسلامي مشتت ولا يجمعه سوى المسمى كما أسلفنا وضخامة العدد نسبيا إذا قارناه ببقية التيارات الليبرالية واليسارية والائتلافات الأخرى التي تكونت كنتيجة طبيعية لثورة 25 يناير والتي أطلقت الحريات فقط في تكوين الائتلافات والأحزاب والتيارات السياسية والدينية، ولكنها فشلت في تدشين اتحاد قومي شامل ينظر لمصلحة مصر أولا. وإذا أخذنا فصيلا مهما من التيار الإسلامي وربما يكون الثاني في القوة والعدد بعد الإخوان المسلمين وذراعهم السياسية حزب الحرية والعدالة، فنجد أن حزب النور قد حاز على ربع مقاعد البرلمان المنحل، وحل ثانيا بعد الحرية والعدالة، مما أعطاه قوة في التحرك ونبرة الحديث عن المشاركة في كل شيء في مصر، حكومة وصياغة دستور ولجان وطنية وغير وطنية، خاصة بعد اكتشاف أن السلفيين قوة لا يستهان بها في المجتمع المصري وأنهم أنفسهم لم يكونوا يتوقعون مثل هذه القوة لولا إجراء انتخابات برلمانية وحساب مدى انتشارهم في المجتمع. فالسلفيون الذين وقفوا في البداية ضد الإخوان وحزبهم الحرية والعدالة وتكتلوا وراء مرشحهم حازم صلاح أبو إسماعيل، أعلنوا تكتلهم وراء المرشح الإخواني المستقل عبد المنعم أبو الفتوح رافضين دعم المرشح الإخواني الرسمي محمد مرسي، ثم عادوا وأعلنوا تأييده في انتخابات الإعادة على اعتبار أن منافسه من الفلول ولا يجوز دعمه أو الاقتراب منه، وبالتالي فإن دعم منافسه الإسلامي في هذه الحالة هو واجب ديني وليس وطنيا، وبالقطع يفوز العامل الديني ويجب السياسي هنا، فالأمر وجب ولا مجال لمخالفته. وتمر الأيام والكل يراقب أداء محمد مرسي وعلى رأس هؤلاء السلفيون، ولو نجح في الاختبار لقالوا له نحن معك ونظل نبايعك، وإذا فشل لأخبروه بأنهم كانوا يرفضونه في السابق وإنما انتخبوه كرها في أحمد شفيق وليس حبا فيه.. وبالتالي، الخطأ هنا يستوجب المساءلة، وهو ما قام به السلفيون بالفعل، وبدأوا يستعدون لانتخابات برلمانية قادمة – إذا لم يعد البرلمان المنحل قريبا كما يشاع – عبر شن هجمات ثقيلة ضد الرئيس لكسب تعاطف الشارع الذي لم ير حتى الآن نتائج إيجابية من انتخاب مرشح الإخوان وتكاد المائة اليوم الأولى تمر بدون حلول للمشكلات الصعبة والتي تتمثل في عودة الأمن المنفلت واستعادة الاقتصاد لقوته وتوفير فرص عمل والسيطرة على الاحتجاجات الفئوية التي تهدر ملايين الدولارات يوميا في ضياع كامل لعملية الإنتاج. وجاءت الفرصة للسلفيين على طبق من ذهب، وإذا كانوا هم الذين يطالبون بأسلمة المجتمع المصري بكافة أشكاله من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية، إلا أنهم أعلنوا استياءهم من تصرفات الرئيس الإخواني الذي يضعونه الآن في عداد اليساريين . لماذا؟..لأن الرئيس خذلهم ولم يقف بجانب دعواهم بدعم صياغة إسلامية للدستور التائه بين جميع التيارات الدينية والسياسية في مصر. حتى إن حزب النور شهد انشقاقات داخلية كبيرة بسبب مواقفه التي رأى البعض أنها مهادنة للرئيس على حساب الالتزام بالشريعة، وقدم عدد من شباب الحزب استقالاتهم. أما الفرصة الحقيقية التي استغلها السلفيون للإطاحة بالرئيس الإخواني الذي أعلنوا أنهم انتخبوه ليكمل هدفهم بأسلمة مصر، هي لقاء الرئيس المصري الإخواني المسلم لمجموعة من الفنانين والمثقفين وتشجيعه لهم على استمرارهم في أداء مهامهم.. وهنا وقعت الواقعة، فوصف أحد الدعاة السلفيين الفنانين بأنهم "فاسقون وفجار"، وأنه لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يجلس هذه الجلسة.. الغضب زاد والأمر تطور ليظهر المتأسلمون على حقيقتهم من الفن والإبداع والثقافة . فالفن هو قوم لوط والحشاشين، وكيف لهم أن يجلسوا من الرئيس المسلم الذي انتخبناه ليؤسلم مصر . وخاطب شيخ سلفي آخر الرئيس في لهجة نذير ووعيد بأن الصوت الذي منحناك إياه سنسحبه منك، وقال هذا: "لم أخترك لأن تكون رئيسا للدولة المدنية كما قلت – يقصد كما قال مرسي للفنانين، بل لأنك رجل مسلم وملتح وحافظ للقرآن وشعارك (الإسلام هو الحل)، ومصر دولة إسلامية وليست مدنية. ثم يحرض هذا الشيخ مرسي لبث الوقيعة بينه وبين بقية الناس بقوله: " من التقاهم مرسي هم من صوتوا للآخر، في إشارة إلى المرشح المنافس أحمد شفيق. وللأسف، فإن مصر لم تشهد حتى الآن مليونية أو مظاهرة واحدة تدعو لعودة الإنتاج والهدوء والطمأنينة، ولكن كل ما بها يدعو إلى التفرقة والعصبية، ناهيك عن محاولات مستميتة من التيار الإسلامي للسيطرة على كل نواحي الحياة في مصر . ولم يتوقف الوعيد والتهديد من السلفيين للرئيس الإخواني، فيسخر آخر قائلا: " لم نبايع مرسي ليكون ناصرا للفن والإبداع، ولكن ناصرا لدين الحق وليقيم دين الله في الأرض.. لو كان مرسي قد قرب الفنانين وأبعدنا فتلك مصيبة لأنهم أساءوا إليه ونحن من ناصرناه". واعتبر آخر أن حراما شرعا أن يلتقي السيد الرئيس مع عاهرات!! كل هذا لمجرد أن التقى الرئيس المثقفين والفنانين وحاول طمأنتهم بأن حرية الإبداع والرأي مكفولة للجميع مؤكدا احترامه للفن والفنانين. ولم يسلم الاقتصاد من تدخلات السلفيين، فبمجرد دخول الحكومة في المرحلة الحاسمة لإنجاز قرض صندوق النقد الدولي، هب السلفيون واعتبروا أن القرض حرام وتنازل عن ثوابت الشريعة بسبب سعر الفائدة وهي " الفائدة" في عرفهم. هذا نزر قليل من كثير مما يجري في مصر اليوم.. فمصر حائرة بين هذا وذاك. ولا يسعنا سوى الدعاء إلى الله لنصرة مصر وأهلها من شرور أهلها.. لك الله يا مصر التي أحببناها.
452
| 14 سبتمبر 2012
دخلت معاناة السوريين مرحلة جديدة من العذاب بعد الإعلان الصريح بدعم نظام بشار الأسد عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا ولوجستيا من جانب النظام الإيراني، وكذلك تراجع الولايات المتحدة الصريح بعدم دعم المعارضة والجيش الحر بالسلاح والمال. فواشنطن ادعت أن التدخل العسكري الأمريكي المباشر في سوريا على غرار النموذج الليبي سيضر الولايات المتحدة وسيزيد من العداء تجاهها بين العرب والمسلمين. وأعتقد أن هذا الكلام محض افتراء، فواشنطن وهي تعترف بأن الكارثة الإنسانية في سوريا واقع لا يمكن إنكاره، وأن نظام بشار الأسد قتل الآلاف من الشعب السوري، لاسيَّما وأنه يقاتل من أجل البقاء.. نراها تحذر من أن الدعوات التي وصفتها بـ"الخاطئة" لإجراء تدخل عسكري أمريكي في سوريا، لن ينتج عنها سوى الكثير من التداعيات. لماذا؟! فإيران التي استضافت أخيرا قمة عدم الانحياز، أقسمت بأغلظ الأيمان أنها ستدعم سوريا خلال تلك القمة، ورأينا كم كانت طهران تمارس سياسة الانحياز بعينها وليس عدم الانحياز، أي أن القمة جاءت على غير الهدف منها أو مسماها الطبيعي. الغريب أن سوريا كانت محطة رئيسية ومهمة لمسؤولين إيرانيين عديدين قبيل انعقاد القمة، وخرجت تصريحات من قلب دمشق منحازة تماما للنظام السوري ضد الشعب، فمثلا خرج المدعو علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي بتصريحات غاية في الصفاقة في دمشق وفحواها كلها " أن أمن سوريا من أمن إيران.. وعلى هذا الأساس كنا وسنكون إلى جانب الإخوة السوريين". الإخوة السوريون الذين يقصدهم ويعنيهم بروجردي هو النظام ومن يقف معه من السوريين، وليس بقية الشعب الذي يتألم ويموت ويتعذب ويعيش في الخيام في مراكز الإيواء ومعظمه بات بلا مأوى. ثم يدعي المسؤول الإيراني أن طهران ستطرح مبادرة سياسية للحوار بين السوريين ووقف نزيف الدم. وبينما كان بروجردي في دمشق يؤكد دعم إيران للأسد، لم تغفل العاصمة طهران عن تسريب أنباء عن تحركات لإنقاذ حليفها السوري، ليعلن حسين طالب رئيس دائرة استخبارات الحرس الثوري الإيراني أنه على بلاده مسؤولية دعم حكومة الأسد وعدم السماح بكسر خط المقاومة والممانعة، على اعتبار أن جيش الأسد يمثل المقاومة وأن المعارضة السورية هي الجهة الظالمة والغاشمة والمعتدية. وهذا ما أكده أيضاً تقرير للأمم المتحدة بأن إيران تدعم نظام بشار الأسد بتقديم أموال وأسلحة لسحق معارضيه. وقد أثبتت تحريات الجيش السوري الحر في وقت سابق أن المواطنين الإيرانيين المختطفين في سوريا هم أعضاء في الحرس الثوري الإيراني، أي مرتزقة ذهبوا إلى دمشق لحماية الأسد. والأخطر أن مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي أوعز صراحة في شكل تعليمات وأوامر مباشرة إلى الجنرال قاسم سليمان قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري بشن هجمات ضد الغرب وحلفائه في مواجهة مخاطر سقوط نظام الأسد. أما من ناحية أمريكا.. فواشنطن تدعي على لسان ما ورد في صحيفة واشنطن بوست أن تدخلها عسكريا من شأنه أن يزيد من عدد الخسائر البشرية خاصة من المدنيين.. وترك البيت الأبيض ووزارة الخارجية الصحيفة الأقرب إلى الحكومة لتوجيه الأسئلة والأجوبة حتى تبتعد الإدارة الأمريكية عن الالتزام بما يقال على المستوى الإعلامي. فقد تساءلت الصحيفة: " ما هو حجم عمليات القصف المطلوبة من القوات الجوية الأمريكية حتى يتم تدمير المضادات الجوية التي يمتلكها نظام الأسد؟".. وإذا كان البيت الأبيض هو الذي أوعز للصحيفة بتوجيه السؤال، فطبيعي أنه نفسه الذي يضع الردود والأجوبة التي جاءت على شاكلة أن الحملة العسكرية المطلوبة يجب أن تكون مستمرة وليست لمرة واحدة، وأن تلك الحملة قد تتعرض لمشكلات تتمثل في احتمال أن يخفي نظام الأسد العديد من دفاعاته الجوية في مناطق آهلة بالسكان في البلاد، مما سيسبب المزيد من الخسائر البشرية بين المدنيين. بمعنى آخر، تذرعت الولايات المتحدة بالسكان والمدنيين، رغم أن طائراتها دون طيار تدك مواقع سكنية في أفغانستان وباكستان، ولا تلقي بالا للسكان في مثل تلك العمليات القذرة، مع اعتراضنا بطبيعة الحال لتعريض المدنيين لأي عمليات عسكرية قد تودي بحياة إنسان واحد. وأشارت الصحيفة إلى أن التدخل العسكري الأمريكي في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا -بلد مسلم آخر- قد يشكل خطرا كبيرا على الولايات المتحدة حيث سينظر إليها فيما بعد بأنها السبب الرئيسي وراء قتل الآلاف من أبناء الشعب السوري جراء هذا القصف، لذا رأت -الصحيفة- أنه ليس هناك من سبب وجيه لهذا التدخل، وعلى واشنطن مقاومة إجراء أي تدخل ما لم يمكن لها أي مصلحة وطنية هناك. والأهم أن ما جاء في الصحيفة الأمريكية فضح واشنطن صراحة، نظرا لما أسفرت عنه نتائج الاستخبارات والتحليلات الأمريكية بأن المعارضة السورية عندما تتمكن من الإطاحة بنظام الأسد القمعي، فهي لن تعير الولايات المتحدة اهتماما.. وبالتالي، لماذا تدعم أمريكا تلك المعارضة في الوقت الراهن طالما أنها لن تستفيد منها لاحقا كعادة الأمريكيين الذين يريدون الاستفادة من كافة المواقع وفي أي وقت. ثم يزعم الأمريكيون أن السبيل الوحيد لدعم المعارضة السورية ليس بالدعم العسكري المباشر وإنما بإمدادهم بالمعلومات المخابراتية بشأن مواقع قوات الأسد وتحركاتها بهدف إنهاء الحرب الأهلية، ولأن مثل هذا الدعم المعلوماتي غير المباشر عسكريا يتفق مع المصالح القومية للولايات المتحدة. والسؤال هنا، إذا كانت أمريكا تتخوف من التدخل عسكريا ليقينها ربما في فشل هذا التدخل والتعرض لفضيحة إذا تعرضت مقاتلاتها أو أسلحتها للانهيار أمام القوة العسكرية للنظام السوري، فكيف يتسنى لجيش يتكون من هواة وبعض المحترفين من هزيمة جيش نظامي عتيق وضخم تموله الدولة نفسها. ثم لماذا تدخلت أمريكا في ليبيا رغم المناطق المأهولة بالسكان ووقوع قصر العزيزية مقر سكن القذافي في قلب العاصمة طرابلس. ولماذا لم يمنعها هذا من قصف القصر ومحيطه السكني بالطائرات العسكرية والصواريخ البحرية عن بعد؟! المؤكد أن أمريكا ترفض التدخل حتى يتعرض الجيش السوري إلى حالة إنهاك تامة وانهيار حتى لا تقوم له قائمة، وبحيث إن نظاما جديد يأتي لا يستطيع مواجهة إسرائيل أو التفكير في استعادة الجولان، لأن هذا الأمر سيتطلب وقتا كبيرا وأموالا ضخمة واستعدادات قد تطول. إجمالا.. فقد رأينا إيران تحاول ابتلاع سوريا كآخر خط مواجهة مع أمريكا والغرب وعلى اعتبار أن سقوط سوريا سيقطع عنها خطوط الإمداد المشبوهة لحزب الله. والحال كذلك، فإن الولايات المتحدة تجتهد أيضاً لابتلاع سوريا الضعيفة بعد سقوط الأسد لتقدمها فريسة سهلة للإسرائيليين. وهنا مكمن المعضلة السورية.
891
| 05 سبتمبر 2012
للمرة الثانية على التوالي يسبقنا أشقاؤنا الأتراك إلى نجدة المسلمين، فمن رأى مشاهد زوجة رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان وهي تجهش بالبكاء خلال تفقدها لأحوال مسلمي بورما (مسلمي الروهينجا) الذين يعيشون ظروفا صعبة بعد تعرضهم لحملة إبادة عرقية على أيدي جماعات بوذية متطرفة تحميها الحكومة، يصاب بحالة من الاكتئاب. لم تقف زوجة رئيس وزراء تركيا بعيدة ولكنها آثرت الذهاب إلى مكان المعاناة لتكون قريبة وشاهدة حقيقية على وقائع الظلم والقمع والاضطهاد. ولقد رآها كثيرون في أحد مقاطع اليوتيوب المنشورة على الإنترنت، ضمن وفد يقوده وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو، ودموعها تملأ عينيها من هول ما شاهدته. وأوضحت المشاهد الأوضاع المأساوية التي يعيشها مسلمو بورما من جوع ومعاناة دون أن يجد هؤلاء المسلمين من يساعدهم وينهي مشكلاته المستمرة مع الحكومات المتعاقبة في بورما.. وأعتقد أن جميعنا يتذكر ما فعله أردوغان وزوجته ووزير خارجيته ومعهم أكمل أوغلو أمين عام منظمة التعاون الإسلامي عندما زاروا الصومال العام الماضي في سابقة لم يفعلها زعيم عربي أو حتى مجرد مسؤول من جامعة الدول العربية.. ولكن فعلها الأتراك الغيورين على دينهم وعلى المسلمين في شتى بقاع الأرض. وللأسف الشديد.. فإذا كانت أخبار قمع مسلمي بورما قد هاجمتنا في شهر رمضان الماضي، فإن هذه المأساة تعود إلى عام 1948 أي منذ استقلال بورما أو ميانمار وهو الاسم الجديد لبورما التي عرفها العالم حديثا بأيقونة المعارضة هناك داو اونج سان سوتشي والتي كرمها العالم بمنحها جائزة نوبل للسلام. ويتذكر التاريخ جيدا محنة المسلمين في بورما، فهي ليست جديدة في قسوتها ولا في تجاهل العالم لها، رغم أن تاريخ المسلمين في تلك المنطقة يعود إلى عام 1430 حين أقيمت أول مملكة إسلامية في ولاية أركان أوراخين بقيادة سليمان شاه.. وكان معظم رعايا هذه المملكة من المسلمين البنغال والهنود والتجار العرب الذين تزاوجوا عبر القرون مع البورميين من سكان المنطقة (وهو ما أعطى مسلمي بورما سحنة مختلفة عن سكان بورما الأصليين). واستمر الحكم الإسلامي لثلاثة قرون قبل أن تدمرها مملكة البورميين المجاورة عام 1784. وفي عام 1824 دخلت بورما تحت الحكم البريطاني فزاد عدد المسلمين بفضل الجنود الذين جلبهم البريطانيون من الهند للسيطرة على بورما (وكان أكثر من نصفهم مسلمين). وبعد استقلال بورما عام 1948 فشل المسلمون في إنشاء دولة مستقلة بولاية أركان أو (آرخين)، كما فعل الهنود المسلمون في الهند الذين استقلوا بدولة باكستان. وهكذا تحولوا إلى أقلية مضطهدة بين أكثرية بوذية وحكومات عسكرية غير محايدة.. وزادت أعمال القمع تجاههم بعد استيلاء الشيوعيين على السلطة (عام 1962) وتطبيق خطط مدروسة لتهجيرهم أو تذويبهم في المجتمع البوذي. وتؤكد الوقائع التاريخية أن من الممارسات التي مورست ضدهم، هدم المساجد وإغلاق المدارس ومصادرة الأراضي ومنع ذبح الأبقار (في عيد الأضحى).. وفي عام 1982 أصدرت الحكومة الماركسية قرارا يقضي بحرمان المسلمين (من عرقية الروهينجا) من حقوق المواطنة والجنسية البورمية واعتبرتهم منذ ذلك التاريخ مهاجرين بنغاليين غير مرغوب فيهم (رغم أن بورما نفسها تتضمن 120 عرقا معترفا بها). وفي كل مرة يندلع فيها الصراع كانت الحكومة تقف بجانب الأغلبية البوذية وتستغل الصراع لتنزع من المسلمين أراضيهم وتحولهم إلى مشردين أو لاجئين دوليين.. وهكذا تم تهجير مليون ونصف المليون مسلم إلى بلدان عديدة في تواريخ مختلفة (ذهب القسم الأكبر منهم إلى بنغلاديش المجاورة). ولم يجد مسلمو بورما أحدا من العرب يتحدث عنهم ويشير إلى واقعهم الأليم، ولكنهم وجدوا خبيرة دولية تدعي باما اثريا متخصصة في سرد تاريخ المجازر الإنسانية.. فالمولى عز وجل أرسل إليهم هذه الخبيرة لتوقظ ضمير العالم إلى قضيتهم ووصفتهم بأنهم أكثر أقلية مضطهدة في العالم. ولم تتوقف اتهامات اثريا العضو النشط في منظمة الاتحاد لإنهاء الإبادة الجماعية على حكومة بورما، وإنما طالت اتهاماتها أيضاً حكومة بنجلادش بصفتها تساعد حكام دولة بورما في اضطهاد الأقليات من خلال عدم استقبال اللاجئين المسلمين. وفضحت الخبيرة الدولية المجتمع الدولي بمسلميه ومسيحييه، لأنها كشفت للجميع أن المساعدات الإنسانية الدولية لا تصل إلى المسلمين في بورما، مطالبة المجتمع الدولي بالسرعة في تقديم المساعدات والأموال لضحايا العنف في بورما. يأتي ذلك في وقت حاولت بورما احتواء غضب العالم الإسلامي بتوجيه دعوة مشوشة لإرسال لجنة إلى هناك، وقطعا ستذهب اللجنة إلى مناطق غير تلك التي يلقى فيها المسلمون أعتى أنواع العذاب. ثم ماذا فعل هذا العالم الإسلامي سوى إدراج قضية مسلمي بورما على جدول أعمال القمة الإسلامية الأخيرة وتخصيص بضعة ملايين من الدولارات لمساعدتهم وقتيا وليس لإنهاء محنتهم بصورة كلية وفاعلة بحيث يصلون لاتفاق مع حكومة بورما لوضع حد لاضطهادهم ودراسة أحوالهم وإدراجهم في الحياة المدنية هناك والحصول على كافة حقوقهم المهدرة. لقد اكتفت منظمة التعاون الإسلامية بإرسال بعثة إلى مسلمي بورما بعد دعوات من عدة حكومات عربية للتحقيق في الاضطرابات، ولكن مثل هذه البعثات لن تنهي أعمال القمع والتطهير العرقي التي تمارسها الحكومة البورمية ضد الروهينجا المسلمين. ولكن رغم استيائي من تصرف الحكومات العربية والإسلامية حيال تلك القضية الخطيرة، إلا أنني انحني لفئة الشباب التي انحازت لإخوانها المسلمين في بورما ودشنت المواقع العديدة للتعريف بقضيتهم ومحنتهم، وهي مواقع جذبت الآلاف من العرب والمسلمين. على الأقل قرأ هؤلاء عن معاناة مسلمي الروهينجا المضطهدين من قبل الجماعات البوذية وتعرضهم لجحيم لم يشهد له التاريخ الإنساني مثيلا له. وحسنا فعلت تلك المواقع من توجيه نداءات للشباب العربي والمسلم بضرورة الإسراع لنجدة مسلمي الروهينجا والتضامن معهم والوقوف إلى جانبهم محنتهم ونصرتهم.
571
| 24 أغسطس 2012
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد (المتنبي) يحتفل المسلمون بفضل الله تعالى في مشارق الأرض ومغاربها في هذه الأيام بحلول عيد الفطر المبارك، فالعيد هو الفرح وأيامه هي أيام الفرح. وإذا كان قد ورد في الحديث الشريف أنه يوم أكل وشرب وفرح وسرور، فإن كلمة العيد اقتبست لتدل على كل مناسبة سارة أو سعيدة. ويبلغنا المولى عز وجل في رسالة العيد بأن نفرح ونسعد بقدومه وأيامه على ما قدمه العباد من عبادة وصوم وصلاة وتعبد وتهجد، فإذا كنا نحتفل بالعيد، فهو ابتغاءَ مرضاته تعالى. لقد امتلأت المساجد في رمضان تضرعا لله وإقامة عباداته وتلاوة القرآن ودروسه والتدبر فيه، وتدربنا على التضحيات والتحلي بالأخلاق الحسنة، ولو واظبنا الآن على كل هذه الحسنات في حياتنا اليومية فسيكون هذا مدعاة للطاعة الكاملة لله تعالى ولرسوله والتقرب إليهما. وهذا هو العيد الحقيقي الذي يحظى به المؤمن بعد تقديم التضحيات وإحداث التغييرات الطيبة في نفسه. ها نحن نستقبل عيد الفطر المبارك ونودع شهر الصوم والخير والبركة، لنستكمل الفرحة بعد عبادات الشهر الفضيل، وعلينا أن نجعل من أيام العيد المباركة فرصة حقيقية للسعادة. فالعيد فرصة لتجديد أواصر المحبة والتواصل، بين الأهل والأقارب، وفي العيد نبدد الأحزان بالفرحة، ونترك الأوهام والخلافات لنسعد فقط بفرحة العيد وبهجته. واليوم؛ علينا أن نحتفي بالعيد بصورة يومية بحيث لا تحرمنا الدنيا من مرضاة الله، حتى يثيبنا الله لصيامنا وإصلاح نفوسنا، ولكي نستحق الجزاء الحسن ومضاعفة الأجر والأهم نيل رحمة ربنا. فرحمته وسعت كل شيء. قال الله تعالى عن وعده بإعطاء الأجر أضعافا مضاعفة: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (الأنعام 161). وإذا كنا قد صمنا أيام شهر رمضان الفضيل وأقمنا لياليه وقيامه، فلنا أن نفرح في يوم العيد ونشكره الله على نعمه ومنها اختبارنا ونجاحنا في الاختبار لنيل مثوبة العتق من النار والرحمة والمغفرة، فالله لا يضيع أي تضحية بغير حساب. ونحن نستقبل أيام العيد، علينا بجعلها مناسبة للترويح عن النفس وتبادل مشاعر الحب والألفة وهجر المشاجرات والخلافات، وعدم شحن النفوس بالغضب، حتى لا تنقلب فرحة العيد نفوس غاضبة ومكتئبة. فالعيد مناسبة ربانية لنشر المحبة والألفة والاستقرار بين أفراد الأسرة الواحدة والعائلة الكبيرة. والعيد مناسبة للأطفال الذين يرتادون الأماكن الترفيهية للترويح عن أنفسهم سواء كانوا مع أسرهم أم بمفردهم. والعيد مناسبة أيضاً لتجديد أواصر المحبة ولم شمل الأسر. ولكي نجعل من عيد الفطر مناسبة لتجديد الود والحياة السعيدة والعشرة الطيبة، ولتأكيد المعاني الرائعة للحب والألفة بين أفراد الأسرة، علينا أن نعرف كيف نقضي أيام العيد، وكيف نستمتع بها، ليصبح عيد الفطر عيد فرحة وبهجة كما هو في حقيقته. ونحن نحتفل بالعيد، علينا بصلة الرحم بصحبة كل أفراد الأسرة لتنتشر الفرحة والمحبة والتآلف بين ذوي الأرحام، وليكون هذا درسا في تربية النشء حتى يكبر الأطفال ليكونوا حريصين على صلة أرحامهم كما اعتادوا وهم صغار. ونحن نحتفل بالعيد ونستقبله بالفرحة والسرور والأمل، نكمل معا نحن شعيرة من شعائر شهر رمضان المبارك بعد صيام أيامه الجليلة التي تحمل معاني عظيمة. فالعيد يكمل فرحتنا برمضان، فالمولى عز وجل وهبه لنا لنشكره على تمام العبادة، وابتهاجا بزكاته التي تدل على التآخي بين الأغنياء والفقراء. وهنا نفهم الحكمة العظيمة من هذه السنة الحميدة، فالكل يفرح ويسعد بقدوم العيد وينتظر أيامه المباركة، فمن عدل المولى علينا جميعا أن وهبنا نعمة زكاة الفطر، لننشر بها فضيلة الإحسان وليعطي الموسرون والأغنياء ضريبة بسيطة من سعة الله عليهم لإخوانهم ليتذوق المعدمون طيبات الرزق، ويتنعموا بأطايبه، ولتقل الفجوة بينهم وتسعد البشرية بهذا الهبة الإلهية. وهي هبة يطبقها غيرنا على أنفسهم في جميع أوقات السنة وسبقونا إليها تأسيا بسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. والعيد ليس فقط رحمة وخيرا وسعة من العيش، فهو أيضاً هبة ربانية، فأيامه تسامح ورحمة وتزاور، وتجديد لأواصر المحبة بين الأقارب والجيران والأسر، ونسيان الخلافات لتتصافى القلوب بعد كدر، وتتصافح بعد ضغائن، والعيد بحق يعكس معنى بر الأرحام والتواصل بينها، لتأكيد معنى وصل ذوي القربى. وإذا كان العيد مناسبة دينية شرعها الله عز وجل للترابط والتواصل الأسري والاجتماعي، فهو مناسبة أيضاً تتوحد فيه الأمة الإسلامية، ومن نعمة الله علينا في العيد أن يتساوى الجميع، فالاحتفال والصلاة يشارك فيها جميع المسلمين وليس فئة دون الأخرى، والعيد مناسبة يسعد فيها الفقير والغني، ويلتقيان معا، الغني بقوته مع الفقير بضعفه على محبة ورحمة وعدالة، محبة وهبها الله للمسلمين ليتآلفوا بينهم، ورحمة منه بالغني ليزيده من فضله ونعمه عز وجل وبالفقير ليخفف عنه معاناته وآلامه وعوزه، وعدالة ليسوي الخير بينهما. والعيد مناسبة فرحة للكبير والصغير، تتألف فيه القلوب وتزول الأحقاد ويتواصل الناس فيه مع بعضهم البعض. وأخيرا.. على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عيدنا هذا أن نحمد الله عز وجل الذي شرع لنا في ديننا أعيادا حرم منها الآخرين، ونسأله جلَ وعلا أن يمن علينا باتباع السنة في حياتنا. فالعيد هو شكر لله على تمام العبادة لتطمئن النفوس وتعيش سكينة ووقارا تعظيما للخالق عز وجل، وشكرا على نعمه التي وهبنا إياها لنستبق إلى فعل الخيرات لنفوز بمكرمة الصوم والتصدق والزكاة وفرحة العيد. ففي العيد، تتجلى معاني الإسلام الاجتماعية والإنسانية، ففي العيد تتقارب القلوب على الود، ويجتمع الناس بعد افتراق، ويتصافون بعد كدر. وفي العيد تذكير بحق الضعفاء في المجتمع الإسلامي حتى تشمل الفرحة بالعيد كل بيت، وتعم النعمة كل أسرة، وهذا هو الهدف من تشريع "صدقة الفطر" في عيد الفطر. ويتجلى أيضاً المعنى الإنساني، عبر فرحة المسلمين وسرورهم في وقت واحد، ليظهر اتحادهم لتلقي الأمة الروابط الروحية.
1105
| 19 أغسطس 2012
تتشابك الأزمة السورية ويزداد سفك الدماء وتضيع أرواح بريئة في أتون حرب شبه أهلية.. فلا النظام يتنازل عن حربه الشعواء ضد شعبه المسكين، ولا المعارضة بإمكاناتها الحالية قادرة على حسم الحرب لصالحها في ظل سياسة عدم التوازن العسكري واللوجستي والدبلوماسي والسياسي. فالمعضلة في سوريا هي تشابك الخطوط الدولية والإقليمية والداخلية في بلد يتنازعه أكثر من طرف بغية حصد مكاسب ليست من حقه. وإذا تحدثنا عن اللاعبين الخارجيين في الأزمة، فنجد أن اللاعب الأول هو إيران ويكشف هدفه علي أكبر ولايتي مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية للشؤون الدولية، بقوله إن ثمة رغبة جامحة لدى الشعوب المسلمة لإقامة جبهة موحدة محورها إيران، مرجحا "أن يجعل ذاك التوجه، الإسلام أحد أقطاب العالم مستقبلا". وكعادة الإيرانيين، يضعون أمريكا في جملة سواء أكانت مفيدة أم غير مفيدة.. فولايتي الذي يعد أشهر وزير خارجية لإيران في العصر الحديث يتهم أمريكا بمحاولة تكريس سياسة القطب الواحد في العالم. غير أنه يستطرد قائلا "وهذا لا يمكن تطبيقه في الظروف الراهنة". إذا ً.. إيران تسعى هنا جاهدة لتكوين جبهة إسلامية موحدة تكون هي قائدتها ولتكون قطبا عالميا تواجه به الولايات المتحدة، أي مشروع خلافة إسلامية ولكن ليست سنية هذه المرة وإنما شيعية، وحتى وإن لم تفصح إيران عن الهوية الطائفية، فهي بالتأكيد ستسعى نحو تكريس مسألة الطائفية فيما بعد وتتاجر بها على حساب بقية المسلمين. وإنما نرى إيران على لسان ولايتي توجه التهم لأمريكا فقط، فهي تناست لاعبا آخر مهما في حلبة السباق نحو الفوز بالكعكة السورية.. وهي بالطبع روسيا، التي استخدمت سلاح الفيتو في مجلس الأمن للمرة الثالثة لعرقلة قرار دولي ضد نظام بشار الأسد واستخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فروسيا تحاول تحقيق نقاط على حساب الولايات المتحدة، خاصة بعد اتهامها واشنطن بتبرير الإرهاب ضد الحكومة السورية، وانتقادها الدول الغربية لأنها لم تقم بإدانة الهجمات التي أسفرت عن مقتل أعضاء كبار في الدائرة المقربة للرئيس السوري بشار الأسد. وطبيعي أن تزج روسيا بالقاعدة في الصراع على خلفية كراهية الأمريكيين لهذا التنظيم الإرهابي، ولكن هذه المرة تتهم روسيا واشنطن مجددا بأنها تغض الطرف عن عمليات القاعدة ضد نظام الأسد لأن الأمر في صالحها. من وجهة نظر روسيا، فإن الولايات المتحدة تستغل خطر حدوث المزيد من الهجمات للضغط على مجلس الأمن ليخضع خطة السلام للمبعوث الدولي كوفي عنان للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا ما تعتبره موسكو أمرا شنيعا. ثم الغريب أن روسيا عادت لتكرار موقفها السابق من بشار الأسد بأن رحيل الأسد يجب ألا يكون شرطا مسبقا لحوار سياسي لإنهاء الصراع المستمر منذ أكثر من 16 شهرا، وإن السوريين وحدهم هم من يقررون مستقبل بلادهم. وقد نشير هنا إلى حقيقة المغزى الروسي لاتهام القاعدة بالتدخل في الصراع السوري لصالح المعارضة.. ويتركز في تخويف الأمريكيين من تمويل الجيش السوري الحر أو المعارضة عموما، لأن هذا سيقف عائقا أمام أي عملية تمويل أمريكية أو حتى دولية للمعارضة السورية التي يتطلب عملها أموالا طائلة لتمويل شراء السلاح والتدريب وتمويل أعمال المخابرات وزعزعة استقرار نظام الأسد. فالروس يعلمون مدى حساسية الأمريكيين من الحديث عن القاعدة وبالتالي، فإذا كان ثمة حديث عن مشاركة نشطاء بالقاعدة في العمليات العسكرية للمعارضة على مناطق الحدود أو حتى داخل الأراضي السورية، فإن أمريكا في هذه الحالة قد تنسحب تماما من أي مؤتمر أو منتدى أو فكرة تمويل المعارضة.. خاصة وأن واشنطن أعلنت مؤخرا أنها لن تفكر في تدخل عسكري في سوريا ما لم يكن هناك موافقة من مجلس الأمن، وبالتالي منحت واشنطن روسيا الفكرة، حيث سترفض موسكو دائما أي مشروع قرار بالتدخل العسكري. ويبدو أن واشنطن تتعامل مع التلاسنات الروسية بحذر لأنه ربما تكون حقيقية وأن مشاركة القاعدة في الصراع أمر واقع على اعتبار أن انتماء بشار الأسد للطائفة العلوية هو أمر مشجع للقاعدة للإطاحة بهذا النظام من أجل العمل على إقامة نظام سني جديد في سوريا يكون معادلا قويا لإيران الشيعية وليكون هذا النظام الجديد أيضاً أول شوكة في الحلف الاستراتيجي بين سوريا وإيران والذي تم بناؤه منذ أواسط الثمانينيات تقريبا. وقد نجحت روسيا في مغزاها من تخويف أمريكا من دعم المعارضة السورية على الأقل بالسلاح تحسبا لانتقال هذا السلاح وهذا الدعم إلى القاعدة فيما بعد. ولهذا رأينا المسؤولين الأمريكيين يمتنعون عن التعليق مباشرة حول إمكانية توغل مجموعات متطرفة - القاعدة - في سوريا وفي صفوف الثوار. ولكن في الوقت نفسه ترفض واشنطن أن تكون هذه ذريعة روسية في عدم العمل على إسقاط نظام الأسد ودعم الثوار. وتعول واشنطن بشكل كبير على قدرة الثوار السوريين على السيطرة على مناطق محددة، والإبقاء على تلك السيطرة، من أجل تأسيس نقاط انطلاق ضد النظام السوري في المعارك الحاسمة لإسقاطه. ولكن الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند، التي أكدت أن نظام الأسد يفقد السيطرة بشكل متصاعد عن أجزاء من الأراضي السورية، لم توضح بالضبط ما شكل الدعم الذي ستقدمه للثوار لدعمهم في الاحتفاظ بمواقعهم الجديدة.. فهي اكتفت بالقول: " نحن ملتزمون بمساعدة المعارضة لتصبح أكثر اتحادا في خطتها السياسية، وفي التخطيط للمرحلة الانتقالية لما بعد الأسد". اللاعبون أو الأطراف لم تنته بعد، فهناك إسرائيل بمخاوفها من السلاح الكيماوي السوري خاصة بعدما أثيرت هذه المسألة عقب تفجير دمشق وإمكانية استخدام بشار لهذا السلاح كورقة أخيرة ضد معارضيه وضد إسرائيل أيضا، وإن كان إمكانية توجيه طلقة سلاح واحدة ضد إسرائيل مسألة مستبعدة من قبل بشار لأنه يعلم جيدا أن آخرته تكون أوشكت في هذه الحالة.. فشروط شراء الأسلحة من روسيا ليس توجيهها ضد إسرائيل وإنما ضد شعبه فقط. نحن حقيقة أمام معضلة حقيقية.. فهناك شعب يموت ورئيس يضحي بشعبه، وأعود وأذكر شعوب العرب والعالم، أن وقتنا الراهن بحاجة إلى موقف عربي قوي لمواجهة هذه الأزمة.
2055
| 15 أغسطس 2012
أتذكر أنني كتبت في السابق عن مساوئ مواقع الإنترنت الطائفية التي تنشر أكاذيب واتهامات وتلاسنات تسيء إلى الوحدة الوطنية والترويج للطائفية البغضاء في المجتمع وتمس الذات الملكية وتشعل الفتنة.. وحذرت وقتها من إساءات ومبالغات توجه عن بعد لواقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإصلاحي والأهم الديني، ناهيك عن حملة التشكيك في كل ما حققناه من إنجازات. وقتها تنفسنا الصعداء عندما قررت الحكومة مشكورة إغلاق تلك المواقع التي تكرس الطائفية والعنف في المجتمع، وقلنا إن الإسلام هو دين محبة وسلام ويحرم العدوان ويحارب الظلم ويحترم حرمة النفس الإنسانية وقدسيتها.. ولكن أن تطل علينا قنوات إخبارية أجنبية تقدم خدمة رديئة عديمة المضمون إعلاميا وخطر على المجتمع، فهذا يتطلب وقفة جادة. وأقصد هنا ما اعترف به مجلس أمناء قناة بي بي سي البريطانية بأن تغطية القناة لأحداث البحرين خلال الفترة من فبراير وحتى أبريل ٢٠١١ لم تكن محايدة وتضمنت تشويها وتحريفا للحقائق. ونحن ليس بحالة نشوة وامتنان لهذا الاعتراف بالخطأ المهني الذي وقعت فيه القناة العريقة في ممارسة العمل الإعلامي، وهذا مرجعه أن تقارير بي بي سي وقت الأزمة آتت أكلها وحققت الغرض غير السوي من بثها، فهي لم تكن محايدة بل عكست انحيازا لقلة ضالة كادت تحرق البلاد وتدمرها لمصلحة جهات أجنبية لا تريد خيرا بالبحرين. وما يهمنا الآن هو مضمون تقرير مجلس أمناء البي بي سي للعالم الذي يؤكد للعالم براءة البحرين مما نسب إليها وقت الأحداث التخريبية وتعترف لكل مشاهديها على مستوى العالم أنها أساءت استخدام مفاهيم العمل الإعلامي وتحيزت لجماعة استخدمتها دولة أجنبية وحرضتها لتخريب البحرين من أجل مصلحة تلك الدولة وليس من أجل مصلحة هذه الجماعة التي تركت وطنها وأهلها وعشيرتها وراء ظهرها. لقد بح صوتنا من انتقاد التقارير الوهمية التي اعتادت بعض الفضائيات على بثها عن تطورات البحرين وكأن المملكة تشهد انقلابا عسكريا، وكان ذلك بعيدا كل البعد عن الحياد والمصداقية. وتجاهلت بي بي سي تماما مبادرات القيادة الرشيدة لفتح الحوار مع كل الأطياف السياسية وكذلك ما تحلت به الأجهزة الأمنية من ضبط النفس. ولعلي ونحن نتحدث عن خطورة الفضائيات والقنوات الإخبارية المسمومة، أشير إلى ما وقع في الشقيقة مصر بسبب هذه التقارير المغلوطة، فقد اعتادت الفضائيات المصرية قبل ثورة 25 يناير استضافة ممن يدعون أنفسهم نشطاء سياسيين، ولكن عندما تحرى المصريون عنهم عقب الثورة اكتشف كنيتهم اليهودية والصهيونية وارتباط كل هؤلاء بمراكز بحثية على صلة وثيقة بإسرائيل ومراكزها الإستراتيجية. فمثلا عندما تستضيف فضائية مصرية ناشطة من أقباط المهجر، فهي مصرية وتتحدث العربية ولكنها تلفظ سما ضد مصر وشعبها وتدعي أنها تتحدث من أجل مستقبل مصر ومصلحتها، ثم يتبين لاحقا أن هذه الناشطة القبطية عضو فاعل في أكثر من مركز بحثي أمريكي موالي لإسرائيل، والمشكلة أن الفضائيات كانت تقدم هؤلاء على أنهم باحثون وخبراء في مراكز بحثية محايدة دون ذكر اسم المركز حتى تضلل المشاهدين ولا يتنبهون إلى هويتهم الصهيونية، وبالبحث والتحري اكتشفت جهات مصرية أن ضيوف البرامج والمحللين والخبراء السياسيين ما هم سوى ذراع لمنظمة إيباك، أكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا التي تعمد دائما على تشويه صورة مصر وتقويض فرص التواصل بين القاهرة وواشنطن. وكان من ضيوف البرامج الدائمين دبلوماسي أمريكي يتم تقديمه على أنه خبير في العلاقات، ولكن اكتشف فيما بعد أنه عضو في مجموعة عمل ضد مصر تعمل من واشنطن بغرض بث روح الفوضى العارمة وترنح مصر إقليميا وعالميا ومحليا. وبالتحري أيضا اكتشف المصريون أن هذا الضيف الخبير في العلاقات الثنائية يهودي الديانة ليكودي الفكر. ونحن لا نستبعد هنا أن تكون البي بي سي قد تعمدت استضافة مخربين تحت ادعاء مسمى الخبراء والمحللين ومنحتهم مساحات كبيرة من الوقت على حساب الوطنيين الشرفاء، وبالطبع هذا يتعارض مع ميثاق الشرف الإعلامي، ويعد تعمدا في تضليل الرأي العام. المشكلة أننا سكتنا كثيرا على تلك القناة حتى ظهر تقرير الأمناء ليفضحها، وليكون الشاهد من أهلهم وليس منا، وأعتقد أن المطلوب الآن محاسبة جادة مع كل قناة أو فضائية أغفلت أصول المهنة وخدمت فقط خلفيتها السياسية والدينية والفئوية والطائفية والأيدلويوجية المعادية للبحرين. إن دور الإعلام خطير ولاسيَّما أن الكلمة سلاح ذو حدين فهي قد تبني المجتمعات وتعمل على تطورها وقد تهدم ما تم بناؤه عبر سنوات طوال في حياة الشعوب والمجتمعات. وهذا ما فعلته البي بي سي، فكثيرا من موضوعاتها تتسبب في أزمات سياسية وتترك آثارا سلبية على المجتمع، إضافة إلى تشويه صورة الدولة والإساءة إلى شخصيات ورموز وطنية شريفة. وعلينا إذا كنا بصدد عدم تكرار التجارب السيئة لتلك القنوات، ضرورة التنبيه على المراسلين الأجانب أو المحليين الذين يعملون لدى قنوات أجنبية أن يتحروا مصداقية الخبر والتأكد من الأخبار والحقائق والابتعاد عن التشويه والتجريح وقلب الحقائق بهدف الإساءة ونشر الفتن، حتى لا يتعرض المجتمع للتدمير وتقويض بنيانه وأركانه. فالإساءة والتشويه والتجريح وممارسة التحريض ضد الآخرين وتجاوز الخطوط الحمراء وحدود الدين والأخلاق والآداب والذوق العام، أمر مؤسف بحق، وللأسف فإن العصر الإعلامي الذي نعيشه شاهدنا فيه إعلاميين كثيرين وقد فقدوا صوابهم وقلبوا الحقائق وشوهوها ولعبوا دورا كبيرا في تضليل الرأي العام وخداعه بهدف تحقيق مصالح ومنافع لمصلحة فئة قليلة. وعلى هؤلاء أن يعلموا أن المصداقية هي معيار المشاهد، وإذا اكتشف هذا المشاهد أن تلك القناة تلعب به وتغشه وتبثه ضلالا وفتنة، سيتحول إلى أخرى بضغطة زر، وربما يستطيع إعلامي أو قناة غش المجتمع لفترة، ولكنها لن تضلله للأبد، فمستوى الوعي والثقافة ارتفع وأصبح بمقدور المواطن التمييز بين الغث والسمين في المواد الإعلامية التي تنشر هنا وهناك. ولن أدعي جورا إذا دعونا إلى إعادة تشديد الرقابة مرة أخرى على القنوات الوافدة حتى نتجنب كوارث الإعلام والتقارير السامة على المجتمع فهي وسيلة من وسائل الهدم وليس البناء. فالإعلام له دوره الكبير في بناء المجتمعات وتَرسيخ مفاهيم حرية الرأي والتَعبير والديمقراطية السليمة، وليس التخريب والوقوف مع مجموعة ضالة ضد أخرى على حق. نحن لا ندعو هنا إلى وضع القيود على العمل الإعلامي، ولكن نطالب بوضع ضوابط مشددة وتشكيل لجنة علمية تراقب ميثاق الشرف الإعلامي، على أن تكون حرية الإعلام مكفولة وفقا لتلك الضوابط ومنح الإعلام الحق التنافس وتحقيق السبق، بشرط عدم إثارة التعصب والنعرات الطائفية والقومية، وفي حدود ضوابط مهنية وأخلاقية. على أن تكون مهام تلك اللجنة مراقبة التزام الفضائيات والقنوات الإخبارية بنشر الحقائق والأصول المهنية وعرض كافة وجهات النظر حول القضية المطروحة. وتوجيه تحذير للفضائيات في حال تعمدت تضليل الرأي العام والتلاعب بمشاعره، أو تعمدت بث تقارير تدعو للتعصب واعتمدت على صور مغلوطة ومشوهة للآخر، أو خرجت عن الآداب العامة.
498
| 27 يوليو 2012
كنت أتمنى أن أخصص مقالي هذا للتهنئة بقدوم شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا وعلى كل المسلمين باليمن والبركات، ولكن الظروف السياسية التي تحيط بالبحرين أبت أن أكتب عن خصائص الشهر الفضيل الذي يفترض أن ننسى فيه همومنا ونلجأ إلى المولى عز وجل لعلنا نبدأ الشهر المبارك وننهيه ونحن أقرب إلى العلي القدير بخير الأعمال وأصلحها. ولكن ما باليد حيلة كما يقولون، فالجيران لا يفضلون لنا ولهم خالص الأعمال وإنما يفضلون أسوأها، بدليل التصريحات الاستفزازية التي خرجت من إيران وتطالب بأن تكون البحرين على جدول أعمال المحادثات النووية الدائرة بين طهران وبين مجموعة (5+1) وهي المفاوضات الفاشلة والتي تستغلها إيران لتلعب على عامل الوقت وتسويف القضية لحين إطلاق صاروخها النووي الأول. ولكن الخطة الجهنمية مفهومة، فما تحاول إيران القيام به من تصرفات تمثل انتهاكا لسيادة مملكة البحرين ومحاولة إدخال اسمها في القضايا الإقليمية ذات الأولوية الإيرانية. ونحن نتفق جميعا مع النائب سوسن تقوى رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب عندما وصفت المطلب الإيراني بأنه مجرد محاولة يائسة لصرف النظر عن انتهاكاتها النووية وما تمر به طهران من عقوبات اقتصادية وظروف دولية صعبة. فإيران اعتادت أن تصرف الأنظار عن مشاكلها الداخلية، ولذلك فهي تحاول التدخل في شؤون الغير سواء بالتهديدات العسكرية (إغلاق أو إحراق مضيق هرمز في وجه الملاحة البحرية) أو تخويف الغير وترهيبهم بقوتها العسكرية الجبارة (تعلن كل يوم عن مناورة عسكرية وبحرية جديدة مع زعم استخدام وتجريب أسلحة جديدة من صنع إيران)، ثم رأيناها حديثا تماطل الغرب وتطلب إقحام البحرين في مسألة غير ذات اختصاص وهي دمج البحرين في المفاوضات النووية. اللعبة الإيرانية بدأت بكلام لا يخرج إلا من سفيه أو حاقد أو رجل ذهب عقله إلى غير رجعة هو وقادته، ولا يهمنا اسم هذا المعتوه ولكننا في إطار مبدأ الشفافية الذي نتحلى به ووفقا لما يتمتع به إعلامنا من حرية وهو ما لا يتوفر في إيران، نقول إن مزاعم تزويد الغرب للبحرين بغازات كيماوية قاتلة استخدمتها قوى الأمن ضد أبناء الشعب البحريني مثل من يقول إن إيران على وشك إطلاق مركبة فضاء غدا!.. ثم ما علاقة ما يجري في البحرين من أمور داخلية تشهدها معظم دول العالم من بعض القلاقل والتوترات – مع العلم بأن إيران تعلم تماما سبب تلك التوترات – وبين الملف النووي الإيراني الذي يبحثه الغرب مع السلطات الإيرانية. ويكشف هذا التداخل الذي تنتويه إيران ما يدور في عقلها الباطن تجاه البحرين، فمآربها لم ولن تنتهي، وتفكر كل يوم في أمر جديد لإخضاع البحرين لأغراضها وأهدافها وسلب حرياتنا وممتلكاتنا وإثنائنا عن بناء مشروعنا الوطني الإصلاحي التنموي الجاد. فمآرب إيران في البحرين معروفة وهي لا تنكر ذلك مستقوية بما تقول عنه امتلاكها لقوة عسكرية ضخمة وجبارة، وتناست أن الله يقف مع الحق وليس مع الباطل، وإلا نجح ابنها المدلل في سوريا بشار الأسد في إخماد ثورة شعبه ضده. وما يجهض مخططات إيران، أن قيادة المملكة تعلم تماما إبعاد هذا المخطط وكشفت أبعاده وأبلغت به القوى الدولية..فهو مخطط إرهابي يستند إلى مزاعم لا يرددها سوى أناس غير أسوياء. وهذا يتطلب من الشعب والحكومة والقيادة التكاتف معا من أجل مواجهة هذه المخططات المسمومة، فالوحدة قوة والتكاتف خيار لابد منه في الوقت الراهن، فنحن أبناء وطن مسلم واحد، لا فرق بين هذا وذاك، وكل بحريني وطني مخلص لشعبه ووطنه يتمسك ببلده ولا يبيعها للآخرين. وقد أدعو الإيرانيين شعبا وسياسيين ومسؤولين إلى تصفح موقع العربية نت لكي يستوعبوا كيف يفكر العرب في الشأن الإيراني، فقد تصفحت الموقع صدفة لاستبيان التصريحات الإيرانية الرسمية تجاه البحرين، ولا أكشف فرحتي واعتزازي بكل ما قرأته من تعليقات القراء، فإذا جاء ذلك في مقال أو تحليل سياسي لتعرضنا لاتهامات من إيرانيين بأننا ضد الفارسيين ، ولكنها آراء شعبية عفوية تعبر بحق عن مكنون العقل العربي. فمثلا جاء أول تعليق معبرا تماما عندما اتهم إيران بأنها تتخبط بمشاكل داخلية وخارجية وتريد خلط الأوراق وإقحام أي موضوع لصرف النظر عن مشاكلها ومشاكل أنظمتها وأعوانها التي تساندهم في البحرين أو سوريا - وهي وهم أنظمة وأعوان متهالكون ومنتهون الصلاحية ويلفظون أنفاسهم النجسة الأخيرة. ولكم أعجبني تعليق الشاب السعودي الذي أجاد فوصف "مؤسسة صناعة القرار" في إيران بأنها قوة صاعدة مدعومة من طرف الماسونية الصهيونية المتواجدة بروسيا وأوروبا وأمريكا. وقد تقدمت إيران في مشروعها النووي عبر ماسونييها الصهاينة لكي تصبح دولة نووية، والغبي من يظن عكس ذلك. ويعلق قارئ آخر – فلسطيني – قائلا: " ضحكوا علينا بصرخاتهم لتحرير الأقصى ونهايتهم اقتربت وستنكسر على عتبات دمشق على يد أحفاد خالد بن الوليد وأبناء الفاروق". ويستغرب ثالث من الكثيرين الذين ما زالوا يدافعون عن هذه الدولة كما استغرب هرولة بعض القادة الإسلاميين المفترض أنهم سنة إلى هؤلاء.. والعالم كله يرى ماذا تفعل إيران بأهل السنة في الأحواز وماذا تفعل مع أهل السنة في سوريا ومحاولاتها الفاشلة في قلب حكم البحرين. ويحذر رابع الجامعة العربية من ترك البحرين وسوريا لإيران
410
| 20 يوليو 2012
من المضحكات المبكيات في سوريا ما أعلنته دمشق الأسبوع الماضي عن تنفيذ القوات المسلحة مناورات عسكرية هي الأضخم منذ 20 عاما، وكأن سوريا تقول للعالم إن الثورة الدائرة بداخلها لا تثنيها عن القيام بواجبات الدفاع عن إلا من القومي وتوجيه رسالة قوية إلى الثوار والغرب وإسرائيل . وكان من الطبيعي أن يعلق الإسرائيليون على هذه المناورات التى لم يعتادوا عليها من الجانب السوري، متخيلين بشار الأسد يخرج لهم لسانه ليحذرهم من أنه إذا ما سقط نظامه ، فإن إسرائيل سوف تعاني الأمرين. ويحاول الأسد تصوير الموقف للأمريكان والإسرائيليين والغرب على أنه هو الوحيد القادر على حماية إسرائيل بتوفير الأمان للجولان وعدم إخضاعها لأي نوع من المعارك أو الحروب.. أما إذا انتصرت المعارضة فإن أول شيء ستفعله هو حشد الجيش والشعب من أجل تحرير مرتفعات الجولان المحتلة، وبالتالي تتذوق إسرائيل طعم المرارة ولتشعر بالندم لعدم حماية نظام الأسد في مواجهة المعارضة. ويبدو أن وجهة نظر الأسد هي الأكثر ميلا للتصديق، بدليل أنه حتى الأن ترفض الولايات المتحدة تمويل المعارضة السورية وإمدادها بالسلاح لتمكينها من مواجهة الآلة العسكرية السورية الضخمة بالجيش المدجج بالسلاح والذي يقتل العشرات والمئات كل يوم. وقد كان الأسبوع المنصرم هو أسبوع النكات بحق في سوريا، فالاعلام الرسمي اسهب في وصف تلك المناورات وكأن الجيش السوري قد دخل معركة حقيقية في مواجهة إسرائيل لتحرير الجولان. وتحدثت البيانات العسكرية عن تنفيذ المناورات العسكرية بكفاءة عالية. نأتي للهدف الثاني من الأكاذيب السورية وهو توجيه رسالة للجميع بأن الجيش ملتف خلف نظامه وقادته وأن الحديث عن انشقاق ضابط أو أي شيء من هذا القبيل لا يعني وجود حركة انشقاق أو تمرد داخل الجيش ، وأن معنويات كل الجنود والضباط مرتفعة وأن هؤلاء لا يتأثرون بما يجري على الساحة الداخلية من قلاقل.. ومن الرسائل المهمة ما ردده الإعلام السوري بكثرة خلال فترة المناورات – 3 أيام – بأن " سوريا جاهزة لتكون مقبرة الغزاة". ونأتي للرسالة السياسية التي أرادت دمشق بعثها للقوى الإقليمية والعالمية وهي التأكيد على أن الورقة السورية ورقة قوية خاصة إذا قرأنا قراءة المشهد الإقليمي كاملا، أي مقارنة حجم المناورات السورية الحاصلة مع مناورات "الأسد المتأهب" في الأردن و"نسر الأناضول" في تركيا، ومناورات "الرسول الأعظم" في إيران.. وتصف الروايات السورية المناورتين الأردنية والتركية بأنهما مناورات الحلف المعادي لسوريا وأنهما مناورتين ضعيفتين، بينما نفذ الحلف (السوري – الإيراني) مناورات أضخم بكثير، مما يعني أن القدرات الدفاعية لسوريا أعلى كثيرا من القدرات الهجومية للخصم. وطبيعي ألا يقترب الإعلام السوري من قول حقيقة إجراء هذه المناورات الوهمية ، لأنها لا تتعدى فكرة رفع معنويات ممن بقي في الجيش ومؤيديه في الداخل بعدما انهارت تماما. كما أن نظام بشار الأسد يوحي للغرب بأنه مستعد عسكريا لمواجهة ما قد يفكر فيه الغرب من تدخل عن طريق حلف الناتو . نأتي للشق الثاني من الموضوع ويتعلق بالجيش السوري أيضا، ولكن اللافت فيه أن موسكو هذه ورغم وقوفها سياسيا مع بشار الأسد على طول الخط منذ بداية الأزمة السورية ومناصرتها له والدفاع عنه وتحارب كل من يقترب منه أو يدعو لعزله أو تركه منصبه.. فهي أعلنت وبدون سابق إنذار أنها لن تسلم مقاتلات أو أي أسلحة جديدة أخرى لسوريا، ما دام الوضع هناك دون حل وغير مستقر. وبهذا تكون موسكو قامت بإجرأ خطوة من جانبها لتنأى بنفسها عن الرئيس السوري بشار الأسد، الذي دافعت عنه في الأمم المتحدة وحمته من عقوبات أشد يفرضها مجلس الأمن الدولي. وفي تطور لافت أيضا يدل على تغير في مواقف روسيا التى ساندت نظام دمشق منذ بداية الأزمة استقبلت ممثلين عن المعارضة السورية، في إطار خطتها الجديدة لإقناع العالم بأنها تقف إلى جانب الحل السلمي وليس التدخل الأجنبي أو إنها ليست ضد البحث عن حلول مرضية للأزمة ولكن بشرط عدم الإطاحة بحليفها الاستراتيجي بشار الأسد.. وذلك تجنبا لتكرار سيناريو ليبيا البغيض بالنسبة لموسكو عندما تركت صواريخ الناتو تقتل حليفها معمر القذافي في نهاية مأساوية. وقد أرادت روسيا بهذا التصرف أن تقول للغرب الذي يطالبها دوما بالتخلي عن موقفها المؤيد للرئيس السوري ، بأنها تقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف السورية، ويكفي موقفها من مسألة بيع أسلحة استراتيجية ومقاتلات حربية، وأن ما تطلبه موسكو هو تطبيق اتفاق جنيف الخاص بخطة الانتقال السياسي في سوريا التي اقترحها المبعوث العربي - الدولي كوفي أنان في اجتماع جنيف ، وأن بعض القوى الغربية تحاول تحريف هذا الاتفاق رغم أن صيغته كانت مقبولة من قبل الجميع. ويبدو أن الموقف الروسي المؤيد لاتفاق جنيف جاء تحديدا بعد ترحيب دمشق به نظرا لأنه يضم أكثر من نقطة في مصلحة النظام السوري مثل نزع سلاح المجموعات المسلحة وعدم عسكرة الوضع في سوريا، وحماية المدنيين، وإطلاق عملية سياسية يقودها السوريون ليكون القرار سوريا. ثم إن الاتفاق يتبنى حلا سياسيا مع الالتزام بسيادة واستقلال وسلامة ووحدة أراضي سوريا، ووضع حد للعنف ولانتهاكات حقوق الإنسان، والبند الأخير لم ترض عنه دمشق تماما ولكنها اعتبرته موجها للنظام والمعارضة معا، حيث تزعم دمشق أن قوى المعارضة تقوم بانتهاكات ضد حقوق الإنسان. و سرعان ما تنقلب موسكو إذا تعلق الموقف باسم بشار الأسد ، فهي تعترض على توصية لمؤتمر يكون ضد حليفها الأسد.. وهنا اعترضت المعارضة بشدة على موقف موسكو من بشار حتى أن الوفد الذي استضافته موسكو أبلغها رسميا ضرورة أن تفهم أن مصير سوريا الدولة يجب أن يكون أهم لدى موسكو من مصير بشار .. وأن الحل السياسي في سوريا يبدأ بإسقاط النظام ممثلا في بشار الأسد ورموز السلطة، وضمان محاسبة المتورطين منهم في قتل السوريين، وضرورة إقامة سوريا جديدة تحكم كنظام جمهوري ديمقراطي مدني تعددي وتطبيق العدالة الاجتماعية في الاقتصاد، وإصلاح سياسات الضرائب، وحماية الاستثمارات، ونظام اقتصادي يمنع الاحتكار. تطور أخير ربما ينم عن رغبة دولية في حث النظام السوري على سرعة إنهاء الأزمة الإنسانية الطاحنة، ولكن هذه المرة عن طريق الحليف الاسترايتجي لسوريا ونقصد إيران.. فكوفي أنان رأى في طهران خير معين للضغط على دمشق للقبول بمطالب المعارضة. والمشكلة في مهمة المبعوث الدولي أن المعارضة السورية لم تعد ترى فيها نفعا ، وأن المهم الآن هو التحرك العسكري تحت الفصل السابع، إذ لم يعد من الممكن إعطاء النظام السوري المهلة تلو الأخرى. لقد بات التشاؤم سيد الموقف في أوساط السوريين، فهم لا يتفاءلون بأي مساع دولية ، ويعتقدون فقط أن أملهم لن يأتي سوى بمحاربة النظام على الأرض ولم تعد لديهم أوهام تجاه الحلول السياسية في ظل تعنت النظام ، فحسم المعركة بأيدي الثوار، هو الطريق الصحيح لتغيير ميزان القوى ميدانيا .
412
| 12 يوليو 2012
اعتدنا أن تتحفنا إيران بمشروع عسكري واستخدام أسلحة جديدة خاصة من نوعية الصواريخ عابرة القارات وآلاف الأميال كلما تعرضت لنوع جديد من الحصار أو فشلت مفاوضاتها مع الغرب بشأن برنامجها النووي. وهذا ما خرجت به وسائل الإعلام الإيرانية في بدايات الأسبوع الماضي عندما اعتقدت أنها فاجأتنا بأنها اختبرت بنجاح صواريخ متوسطة المدى قادرة على ضرب إسرائيل وذلك ردا على تهديدات بعمل عسكري ضدها. ولكن هذا التهديد المبطن لم يأت ردا على تهديدات إسرائيلية أو أمريكية بتوجيه ضربة عسكرية ضد المفاعلات النووية الإيرانية لإجهاضها، وإنما ردا على الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على مشتريات النفط الخام الإيراني ودخوله حيز التنفيذ بالكامل اعتبارا من أول يوليو الجاري وذلك بعد جولة أخيرة غير مجدية من محادثات القوى الكبرى مع طهران. وسرعان ما أعلنت إيران عن مناورة التدريب الصاروخي "الرسول الأعظم 7" بعد وقت قصير من إجراء تجربة على صاروخ شهاب 3 الذي يصل مداه إلى 1300 كيلومتر حسب زعمها والقادر على الوصول إسرائيل بعد أن سبق وجربت صاروخي شهاب 1 و2 الأقصر مدى. اللعبة الإيرانية لم تتوقف عند إعلان المشروع العسكري، وإنما ترغب في المبالغة في سرد التفاصيل والهدف.. الهدف الأساسي هنا هو إظهار عزمها السياسي للدفاع عن قيمها الحيوية ومصالحها الوطنية، وذلك على حد زعم القادة العسكريين الإيرانيين، وكأن الشعب الإيراني يعيش في جزيرة معزولة عن الجيران والتاريخ والعالم ومنظومة المعلومات الافتراضية التي تفضح كذب الحكومات على شعوبها. وما يعلنه الإيرانيون هو بالضبط ما يسميه العسكريون ب" حرب الطاولة" أو ما كان يفعله القادة العسكريون زمان وهو وضع الخطة العسكرية على منظومة إسمنتية لإظهار خطوط العدو وكيفية مهاجمتها أو اختراقها قبل اختراع خاصية البعد الثالث. وأمامنا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي لم يتوان عن ترديد التهديدات لتلقين الأمريكان درسا لن ينساه التاريخ، ثم فوجئنا به يخرج من حفرة في صباح يوم لن ينساه العراقيون. الإيرانيون وكما هي عادتهم أيضا التي حفظناها عن ظهر قلب، هي اللجوء إلى تهديد الجيران وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي عن طريق إغلاق مضيق هرمز الذي تمر منه صادرات النفط الخليجية والإيرانية إلى العالم. ولا أدري لماذا تلجأ إيران دوما إلى مثل هذا التهديد وتؤكد هيمنتها العسكرية على المضيق لتثير قلق صناعة النفط التي تخشى إعاقة إمدادات النفط العالمية. والتساؤل الآن :" هل تنفذ إيران تهديدها بإغلاق المضيق كما أعلن رامين مهمان باراست المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن بلاده كما هي مستعدة بكل قوتها لتوفير الأمن في منطقة الخليج وأمن نقل شحنات النفط هي أيضا على أتم الاستعداد لحظر مرور الناقلات فيه؟".. ولهذا ولكي يقف القادة الإيرانيون على أرض صلبة في حالة تنفيذ تهديدهم، فقد أوعزوا إلى مجموعة من النواب الإيرانيين لتقديم مشروع قانون داخل البرلمان يدعو الجمهورية الإسلامية إلى محاولة وقف ناقلات النفط المتجهة عبر مضيق هرمز إلى بلدان تؤيد العقوبات ضد إيران. المهم في سريان الحظر الأوروبي على شراء النفط الإيراني ومنع تقديم الخدمة في موانئها للناقلات البحرية التي تحمل نفطا إيرانيا مع منع شركات التأمين العالمية من تقديم خدمة التأمين على تلك الناقلات، أن شحنات النفط الإيرانية ستشهد تراجعا نسبته 40 % بالفعل هذا العام مع قيام أكبر عملاء طهران - الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية - بخفض أو وقف مشترياتهم بسبب العقوبات الغربية التي تهدف إلى وقف برنامج إيران النووي. ويبدو أن إيران لم تمل لعبة تصريحاتها الزائفة وهي ممارسة الضغوط وأن فرض العقوبات ضدها سيكون له آثار سلبية على سير المفاوضات بين إيران والمجموعة (5+1). ولكن مثل هذا التصريح الأخير خرج من طهران هذه المرة عندما أعلنت الولايات المتحدة أنها وضعت تعزيزات عسكرية في منطقة الخليج بهدف ردع القوات الإيرانية من أي محاولة محتملة لإغلاق مضيق هرمز، كما زاد عدد الطائرات المقاتلة القادرة على ضرب مسافات عميقة داخل إيران في حال تصاعدت المواجهة بشأن برنامجها النووي الإيراني. ومن الواضح أن مسألة نشر القوات الأمريكية تعد جزءا من الجهود الطويلة المبذولة لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج ولطمأنة إسرائيل من معاونة أمريكا لها.. ولا يهمنا في هذا المقام أولوية الأهداف الأمريكية من تلك التعزيزات، أي طمأنة دول الخليج أم دعم إسرائيل وطمـأنتها أيضا، ولكن المهم هو أن واشنطن نجحت في إقناع شركائها الأوروبيين على تطبيق فرض حظر واسع على صادرات النفط الإيرانية لإجبار طهران على الحد من قدراتها النووية، حتى وإن ظهرت مخاوف من أن تلك التحركات والحشد الدولي الذي تعمد إليه القوى الغربية قد يسفر عنه مخاطر كبيرة تتضمن قيام الحرس الثوري الإسلامي الإيراني باتخاذ قرار للرد على النفوذ الغربي المتزايد. إذا.. الرسالة الأمريكية للإيرانيين هي تحذير طهران من التفكير في إغلاق المضيق وألا تفكر أيضا في مسألة إرسال الزوارق السريعة لعرقلة مرور ناقلات النفط العملاقة أو السفن التجارية. ويأتي التصرف الأمريكي عشية الانتخابات الأمريكية وفي إطار الحرب على تحقيق الانتصار الرئاسي بين الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري ميت رومني، فالرئيس أوباما يطبق سياسة المسارين السياسي والعسكري أي التفاوض في يد والتلميح بضرب إيران في اليد الأخرى، فإذا فشلت المفاوضات، حل دور فرض عقوبات جديدة بهدف الضغط على عائدات إيران النفطية، وإذا فشل الخيار الأخير، فليس أمام الأمريكيين سوى ممارسة الضغوط العسكرية. وكل هذا للرد على اتهامات المرشح الجمهوري للرئيس الديمقراطي بأنه يتعامل بضعف مع إيران. كما أن أوباما يطبق سياسة " المسارين" أيضا لإبراز صلابته دون ترجيح إمكانية نشوب أزمة في منطقة الشرق الأوسط من خلال سياسة الشدة واللين التي يعتمدها، ومن ثم يغازل الإسرائيليين حتى يقطع خط الود مع الجمهوريين،لإثبات مدى قلقه على أمنها والعمل على تحقيق الدعم لإسرائيل، ولكن ليس الدعم الذي يجعل الإسرائيليين ينظرون لهذا الحشد باعتباره فرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وأعتقد أن إيران على وشك مواجهة اقتصادية طاحنة وأن تهديداتها ليست إلا لحرف أنظار الداخل الإيراني عن خطورة تلك الأزمة، ولعل ما ذكره رئيس شركة النفط الوطنية الإيرانية أحمد غلابيني "إنه من المنتظر أن تنخفض صادرات النفط الخام إلى نسبة تتراوح بين 20% إلى 30% خلال النصف الثاني من العام الجاري وذلك نظرا للعقوبات الدولية المفروضة علينا "، ليؤكد خطورة الموقف الاقتصادي الإيراني والذي لا يتحدث عنه بقية المسؤولين بوضوح أمام شعبهم. يضاف إلى هذا، تقرير مؤسسة استشارات الطاقة في فيينا "جي بي سي " الذي أكد أن " معدلات إنتاج النفط الخام الإيراني قد انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1989 حيث أنتجت إيران 3 ملايين برميل يوميا خلال الشهر الماضي، مقارنة ب 3.7 مليون برميل في الفترة ذاتها من عام 2010 أي قبل منع تدفق الاستثمارات الأوروبية في قطاعي النفط والغاز الإيرانيين ". وأمام تلك الحقائق عن الاقتصاد الإيراني، لا يهمنا ما جاء على لسان وزير النفط الإيراني رستم قاسمي التي زعم فيها استعداد بلاده لمواجهة العقوبات الدولية المفروضة عليها، لأن ليس أمامه سوى ترديد مثل هذه الأكاذيب لإقناع الداخل بأن ليس هناك أزمات اقتصادية، في حين أن التقارير الواردة من إيران تؤكد شعور الإيرانيين بعبء العقوبات الاقتصادية وزيادة نسبة البطالة والتضخم واختفاء السلع الرئيسية من الأسواق وإغلاق بعض المشروعات الخاصة. ليس الخارج فقط الذي يعرف جيدا حجم المأساة، فالمواطن الإيراني العادي يشكو ويئن من تراجع مستوى المعيشة بسبب انخفاض حجم الدعم الحكومي نتيجة تقليص العائد الأجنبي.. المؤكد أن الأراضي الإيرانية مليئة بالنفط والغاز الطبيعي، ولكن ماذا يفعل الإيرانيون بمخزون الأرض طالما لم يخرج من باطنها ويصدر لبقية بقاعها والاستفادة بعائداته؟.. وهل يأكل ويشرب الإيرانيون النفط إذا لم يصدر للخارج؟
453
| 05 يوليو 2012
تعرضت الشقيقة مصر قبيل إعلان فوز الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة على منافسه الفريق أحمد شفيق، لحملة أمريكية سافرة، كانت نموذجا مرفوضا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، خرجت فيها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بتصريحات زعمت فيها أن المجلس العسكري المسؤول على إدارة المرحلة الانتقالية في مصر يتباطأ في تسليم السلطة للمدنيين وأنه يسلب صلاحيات الرئيس المقبل.. وما هي سوى لحظات قليلة على نطق هيلاري كلينتون بهذا الكلام غير المسؤول، حتى رد عليها الإعلام المصري بكل صوره تقريبا مستقل وحكومي وحزبي، ولم يتوان حزب أو حركة أو ائتلاف سياسي وإلا رد على التصريحات غير المسؤولة للوزيرة الأمريكية. وكان ملخص الردود المصرية الإعلامية والحزبية والسياسية وحتى الأحزاب الدينية أنه ليس من حق أي مسؤول أجنبي أيا كانت الدولة التي يمثلها أن يتدخل في الشأن الداخلي المصري، وقامت الدنيا ولم تقعد في مصر على أقوال كلينتون ووصفوها بأنها " صفاقة أمريكية". وأخرج كل المصريين كل ما في الأرشيف الإرهابي الأمريكي ليذكروا السيدة كلينتون بتاريخ بلادها الأسود في قتل الشعوب ومشاركتها في العديد من الانقلابات العسكرية ضد حكام لا ترغب في وجودهم وتراجعها عن مساندة حكام طالما ساعدوا واشنطن التي تتخلى عنهم بسهولة. وإذا كانت كلينتون قد استغلت حالة الفراغ السياسي عشية إعلان نتائج انتخابات الرئاسة مستغلة حالة الغليان بين المعسكرين المتنافسين هناك، فإن المصريين اجتمعوا على قلب رجل واحد وأفهموها أن تلعب بعيدا عن مصر وكفاها ما فعلته في العراق. وهنا في البحرين، اقترب الوضع نوعا بما فعلته كلينتون، أحد منسوبيها وهو سفيرها في البحرين والذي لم يراع الأعراف الدبلوماسية وخالفها وادعى زيفا بأن المملكة لا تراعي مبادئ حقوق الإنسان، وهي المبادئ التي نسيتها بلاده تماما في تعاملها مع شعوب العالم، والعراق أقرب نموذج أمامنا، ثم إن شعب أفغانستان ليس ببعيد عن آلة القتل الأمريكية التي تفتك بالعشرات والمئات هناك بحجة محاربة القاعدة هناك، في حين أن واشنطن هي التي خلقت القاعدة وطالبان في هذه البقعة من الأرض. ولعلي أتفق هنا مع رأي أحد النواب عندما علق على الحوار الذي أجرته إحدى الصحف مع السفير الأمريكي، فالحوار يكشف خطورة هذا الرجل الذي لا يكتفي بالعمل الدبلوماسي، فهو يمثل خطرا على الأمن القومي للبحرين خاصة ومجلس التعاون عامة. ولم نعرف حتى الآن لماذا كل هذا الاستعلاء الذي يتحدث به السفير الأمريكي خارجا عن اللياقة الدبلوماسية. وأعتقد أن النائب أصاب عندما وصف السفير الأمريكي بأنه سفير لدولة قاتلة مجرمة، ذبحت مئات الألوف في العراق وأفغانستان بدم بارد، وتزهق الأنفس البريئة في باكستان بطائراتها القاتلة، وتعيث في الأرض فسادا، وتعتقل الأبرياء بغوانتنامو، وتتآمر على قتل الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، ففاقد الشيء لا يعطيه. ولهذا، لا يحق لمثل هذه الشخصيات بأن تتدخل في شؤوننا الداخلية وتمنح لها الحق في تعليم الشعب البحريني دروسا عن احترام حقوق الإنسان والديمقراطية، ونحن لا نقبل منه دروسا، وعليه أن يوجهها لقياداته في بلاده. وإذا كنا تطرقنا إلى موقف أحد ممثلي الشعب فإن هذا المطلب هو مطلب جميع مكونات الشعب البحريني الذين يؤكدون على هذا الرأي فقد ضاق مجتمعنا ذرعا بهذه التصرفات غير المسؤولة وهنا لابد لنا أن نعيد ما أكد عليه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى خلال ترؤس جلالته جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء. فجلالة الملك طالب الإعلام البحريني بأن يكون له دور بارز واستباقي وألا يكون قائما على ردود الأفعال فقط، بل يجب أن يكون إعلاما فاعلا في خدمة الوطن واستقراره. ولهذا، نحاول إبراز مواقف السفير الأمريكي المخجلة والخطيرة في الوقت نفسه، انطلاقا من قول جلالة الملك بأن البحرين ولله الحمد قادرة برجالها المخلصين على حفظ أمنها مهما تنوعت أساليب الإرهاب. ولم تكن المطالب بضرورة تحرك أجهزة الدولة لوضع حد لهذا الرجل الذي يتحرك بأجندة خطرة على الأمن القومي، وأن تتقدم الخارجية بشكوى إلى الجهات الأمريكية ضده، سوى كون هذا المطلب المهم هو مجرد وسيلة لوقف تحركات هذا السفير المشبوهة. "نعم.. إرهاب" فما يفعله هذا الشخص غير المرغوب فيه وهو تحريض سافر لبث الكراهية والعنف والإرهاب في مجتمع يسمو للتسامح لولا تصرفات البعض البعيدة تماما عن الدين والتي تخل بالأمن والاستقرار.. وعندما يقول جلالة الملك المفدى إن شعبنا قادر على إدارة خلافاته والتحاور بشأنها دون وساطات خارجية، فالمعنى واضح وهو أن الشأن البحريني هو شأن بحريني ولا نريد تدخلا من أحد أو يعلمنا دروسا.. لا هذا السفير ولا غيره. ولنا في ملف العلاقات الخليجية – الأوروبية النموذج الأمثل للعلاقات الإستراتيجية بين كتلتين إقليميتين كبيرتين مثل مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، فمثلا الاجتماع الوزاري المشترك الأخير للحوار الاستراتيجي بين الجانبين حدد أولويات التعاون.. وهي العمل على تعزيز العمق الاستراتيجي للعلاقات، والعمل معا لتعزيز السلام والأمن والتكامل الإقليمي والنمو الاقتصادي والرفاهية والتنمية المستدامة وتشجيع التواصل بين الشعوب.. ولم يطلب الأوروبيون التدخل في شؤون دولة من دول المنطقة أو فرض الوصاية عليها أو الإيعاز بتبني موقف معين، وهذه هي أصول التعاون البناء والعلاقات المتميزة بين الدول. ويا ليت الأمريكيون يتعلمون هذا الدرس.
438
| 30 يونيو 2012
عاش المصريون ونحن معهم ساعات عصيبة بدأت من فجر يوم الإثنين الماضي عقب استباق المرشح الإخواني محمد مرسي إعلان اللجنة العليا للانتخابات نتائجها الرسمية وتسمية الفائز فيها سواء هو أم منافسه المرشح الأقرب للمجلس العسكري والحكومة الفريق أحمد شفيق.. فالإخوان لم ينتظروا وحاولوا استباق الأحداث ليعلنوا النتيجة بأنفسهم كمن يأخذ حقه بيده رافضا تنفيذ حكم القانون واللجوء إليه، فهم هنا يرون أنهم الأعلون ويمارسون سياسة الاستعلاء على الآخرين.. والإخوان بتبني تلك السياسة يطبقون نفس السياسات التي يتهمون النظام المصري السابق بأنه مارسها نحوهم وأقصاهم من العمل السياسي وهمشهم لنحو أكثر من 80 عاما متواصلة. في واقع الأمر، استغل الإخوان بعض الأخطاء من قبل المجلس العسكري الحاكم الفعلي في مصر بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، ونحن ليس بصدد حصرها، ولكن بعضها ساهم في خلق حالة من البلبلة والتوتر السياسي في مصر. ولعل أهمها إعلان المجلس عشية كشفه رئيس الجمهورية عن إعلان دستوري مكمل لحين التوصل إلى دستور دائم في مصر يعقبه انتخابات مجلس الشعب الذي حلته المحكمة الدستورية. كما يرى المصريون خطأ آخر ارتكبه " العسكري" وهو الإيعاز لقضاة المحكمة الدستورية لحل البرلمان حتى يأتي الرئيس الجديد مسلوب الإرادة والصلاحيات، وإن كانت التداعيات ترى أنه الإخواني محمد مرسي، فرأى العسكريون ومعهم قضاة الدستورية أنه من الخطورة بمكان أن يأتي رئيس دولة من الإخوان ويدعمه برلمان ذات توجه إخواني أيضا، ثم تأتي حكومة إخوانية، وهنا يتغير لون علم مصر إلى اللون الأخضر نسبة إلى الإسلام. ولهذا اشتد عود العسكري والدستورية معا لإلغاء مجلس الشعب حتى وإن أتى مرسي يأتي وحيدا.. ثم أعقب ذلك الإعلان الدستوري المكمل الذي نزع بقية الصلاحيات من الرئيس المقبل بغض النظر أكان مرسي أم شفيق. ثم تتطور الأمور أكثر ليعلن وزير الدفاع المصري رئيس المجلس العسكري ما يسمى بهيئة لجنة للدفاع الوطني والتي تضم رئيس الجمهورية والمشير حسين طنطاوي رئيس المجلس ورئيس المخابرات العامة وتضم بالإضافة إليهم تسعة عسكريين، ليشتعل الشارع السياسي في مصر أكثر على اعتبار أن إعلان المشير هو سكب المزيد من البنزين على النار. ولم يهدأ هذا الشارع رغم إعلان بعض العسكريين المصريين التزام المجلس العسكري بتسليم السلطة للرئيس المنتخب. ولم تصدقه القوى الثورية والإخوان والسلفيون عندما أكد هؤلاء العسكريون نيتهم تسليم السلطة ووفاء القوات المسلحة بالعهد وتنفيذ خريطة التحول الديمقراطي. أما ما رأته قوى التحرير – نسبة إلى القوى السياسية والدينية والثورية المنتشرة في ميدان التحرير - هو أن رئيس الجمهورية سيتسلم بعضا من صلاحياته، أما بقية صلاحيات الرئيس فذهبت إلى المجلس العسكري الذي اختطف السلطة في مصر. بيد أن المشهد المحزن في مصر أن بعض تلك القوى يستقوي بالشارع وباسم الثورة ليقف موقفا مناهضا للدولة الأم تحت زعم المطالب الثورية.. نعم من حق الذي حصل على أعلى الأصوات أن يتولى منصب رئيس الجمهورية لأنه جاء نتيجة اختيار الأغلبية التي قالت له نعم.. وإن كنت أعتقد بحكم قربي نوعا ما بالشارع المصري، أن المجلس العسكري تسرع نوعا ما بإقدامه على طرح الإعلان الدستوري المكمل، رغم أنه من حقه أن يصدر التشريعات لأنه الركن الأساسي في حماية الثورة وهو الجيش المصري.. وهو المجلس الذي حارب الفوضى بقدر الإمكان، وحارب كل من يتربص بالثورة المصرية. فالمجلس العسكري ورغم أخطائه فهو يمثل مجموعة من الضباط الشرفاء لا يريدون سوى مصلحة بلادهم، وهم غير طامعين في سلطة وكل ما يعنيهم هو حماية بلدهم. أعتقد أن المصريين سيتجاوزون هذه المحنة الخطيرة، وعليهم الإسراع بالعودة إلى رشدهم السياسي وإنهاء حالة التشرذم، وعليهم أن يفرحوا بالاحتفال برئيسهم المنتخب، وهو أول مواطن يتبوأ هذه المكانة نتيجة انتخابات حرة ونزيهة.. ويكفي أن حكمة الله للشعب المصري أنه وأثناء احتفال الإخوان بفوز مرشحهم – قبل إعلان النتائج الرسمية - ترددت أنباء قوية عن وفاة الرئيس السابق حسني مبارك – وهي لحظة فارقة لمن يفكر في ملكوت الله، ولعلها لحظة قد يعيد فيها المرء تفكيره مرة أخرى، وقد يتراجع البعض ويقول لنفسه:" لماذا التكالب على السلطة وهذه هي آخرة الإنسان؟".. فكثيرون يريدون حياة بعيدة عن الصخب والشهرة والمسئولية، وهؤلاء يقولون إنه من الأفضل الابتعاد عن عالم السياسة والسلطة والمحاسبة، فمن يخطئ اليوم سيحاسب غدا، وحساب الغد لعظيم. من المؤسف القول إن الجميع تلاعب بالمصريين في اللحظات العصيبة التي مروا بها أواخر الأسبوع الماضي، ومن أول المتلاعبين وسائل الإعلام التي ساهمت بقدر كبير في بلبلة الرأي العام، وهي الوسائل التي تضاربت تحليلاتها السياسية والقانونية لكل تطورات المشهد، فكل ضيف يناصر الفئة التي ينتمي إليها، حتى القانونيون اختلفوا رغم أن النص القانوني واحد، ولكن تفسيراتهم تعددت وتنوعت ليضطرب معها المشهد زيادة غير عابئين بعقول المصريين. اللحظة بصدق فارقة، فالإخوان اللاعب الرئيسي في المرحلة الانتقالية ورغم ثقلهم التاريخي، لن يتغيروا بين ليلة وضحاها، فهم يجيدون لعبة المواءمات وعقد الصفقات ثم التراجع عما اتفقوا عليه، والدلائل كثيرة منها أنهم أعلنوا عدم رغبتهم في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ثم دخلوا سباق الرئاسة، وهم الذين وقعوا على كل الوثائق الخاصة بالدولة المدنية، ثم أرادوا الهيمنة على الجمعية التأسيسية الأمر الذي دفع بالآخرين إلى اللجوء لمحكمة القضاء الإداري في مصر لوقف تلك المهزلة. والآن يخشى المصريون أن يتولى الإخوان بمفردهم إدارة المرحلة الانتقالية دون باقي القوى الوطنية والتيارات الأخرى، مما دفع الجيش هذه المرة إلى التدخل السريع وفرض إعلان دستوري مكمل لإحداث توازن بدفة الحكم عشية الإعلان عن الرئيس الجديد. وقد نستشهد هنا بما قاله النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين سابقا الدكتور محمد حبيب، بأن ترشيح الجماعة عضوا منها في انتخابات الرئاسة هو خطأ استراتيجي قاتل، ويفقدها مصداقيتها لدى الرأي العام. وإذا أضفنا لما قاله حبيب القيادي السابق في الإخوان، فربما يكون تساؤلا ويتعلق بمغزى استباق الإخوان الأحداث وإعلان فوز مرشحهم ولم تكن عمليات الفرز أو الطعون قد انتهت؟ وهناك لجنة من رجال قضاة المحكمة الدستورية تتولى هذا الأمر . فلماذا الاستعجال نحو السلطة والتهافت على اختطاف الكعكة؟. وختاما.. لعل ما نقلته صحيفة الوفد المصرية في عددها يوم الثلاثاء الماضي عندما استضافت رجلا مسنا يقترب عمره من الثمانين، وسألته الصحيفة:" ماذا تطلب من الرئيس الجديد؟".. فكان رده بالغا وبليغا ومعبرا رغم أنه بلغ من العمر أرذله، ولكنه فكر في المستقبل، ولم يخنه سنه في الإجابة وإنما أعطاه عمره حكمة في الرد.. فماذا كان الرد؟. الرجل لم يطلب المستحيل من الرئيس الجديد، إنما اكتفى بتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفساد وحرية التعبير.. فهل يستطيع رئيس مصر المقبل توفير كل هذه الاحتياجات والمطالب والأماني؟.
379
| 22 يونيو 2012
طرحت تداعيات الأزمة السورية خاصة بعد المجازر الأخيرة في الحولة والقبير وما سبقها من أعمال قتل وحشية ضد المدنيين تساؤلات عديدة بشأن حقيقة الموقف الروسي حيال تلك الأزمة، وهل موسكو تقف على الحياد أم هي منحازة بصور مطلقة للنظام السوري الذي لولا الدعم اللوجستي والعسكري الروسي وكذلك الدعم الإيراني السياسي والمعنوي والاقتصادي لما استمر بشار الأسد في مكانه يوما واحدا بعد اندلاع الثورة السورية؟ ويحق لنا مباشرة وبدون تناول الحيثيات والبراهين والأدلة أن نقول إن روسيا تخلت عن موقف المحايد واتجهت بقوة إلى الانحياز ضد رغبة الشعب السوري الذي يئن من جراء مجازره اليومية وضحاياه ومصابيه. وكان حري بروسيا التي تريد العودة بقوة إلى لعب دور استراتيجي عالمي لتعويض ما فاتها من ادوار، أن تقف بجانب الشعب وليس النظام حتى تخلق نظرة إيجابية في العلاقات الدولية، ولا تستغل الموقف لترتفع عالميا على حساب ضحايا أبرياء. ومن الواضح أن روسيا تنتقم من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا بسبب انتصاراتهم في ليبيا ومن قبلها في الأزمة اليوغسلافية والتي انتهت باتفاق دايتون الشهير والذي رفضته روسيا بشدة لأنه وقف إلى جانب جميع الفرقاء خاصة البوسنة ضد المجازر الصربية والتي دعمتها موسكو آنذاك أيضا لأنها أرادت لصربيا السيطرة على كافة أنحاء الاتحاد اليوغسلافي السابق. فروسيا تريد انتهاز الفرصة لتفرض موقفها في الأزمة السورية ويبدو أنها سعيدة للغاية وهى تستقبل كل يوم مسؤول دبلوماسي دولي يحاول خطب ودها للاستجابة إلى الخطة الدولية ودفع بشار الأسد نحو ترك السلطة طواعية والكف عن قتل وتعذيب شعبه وتلبية مطالب خطة كوفي أنان. ولكن هيهات، فروسيا وبدلا من أن تشارك في خطة إعداد ترتيبات ما بعد الأسد، تتهرب من مسؤولياتها الدولية وتدعي أنها "مسألة مبدأ".. أي مبدأ تدافع عنه سوريا وهى ترى القاتل والضحية ولا تتدخل بينهما، ثم تزعم أن غياب الأسد يعني نشر الفوضى وعدم الاستقرار في سوريا، ثم تدعي أيضا أنه من الأفضل أن يكون التغيير بيد السوريين أنفسهم وألا يفرض عليهم من الخارج. في حقيقة الأمر، أن الكرملين نجح في أن يجعل من نفسه لاعبا رئيسيا في اللعبة السورية، وهو هنا يحاول تعويض انتكاساته في الأزمة الليبية ومن بعدها اليمن، ولا يهم موسكو هنا استياء أوروبا والمجتمع الدولي والأمم المتحدة وأمريكا بسبب تواطؤ روسيا مع قوات الأسد، في الوقت الذي لم تتعرض موسكو لاعتراضات من جانب الدول العربية بسبب هذا التواطؤ بسبب المشاكل العربية الجمة التي تحول دون توجيه سهامهم إلى الدب الروسي، ويبدو أن بالموضوع بعض المواءمات السياسية، إذ ربما يرى العرب أن لروسيا منفعة لاحقة ولذلك فهم لا يريدون إغضابها في الوقت الراهن حتى وإن كانت تساهم بقدر لا بأس به في زيادة أعداد القتلى السوريين، فالطيران والقذائف والصواريخ روسية الصنع. ويبدو أن الروس لا يكترثون بما يحدث حولهم، فهم أسرى نظرية أزمة الشيشان عندما تعرضوا لانتقادات دولية جمة بأنهم يستخدمون القوة المفرطة لإجهاض هجمات الثوار الشيشانيين، ولذلك فإن هناك قناعة داخل المجتمع الروسي أيضا وليس فقط على مستوى الكرملين بان ما يصوره الغرب ووسائل الإعلام بشأن بشاعة الموقف في سوريا ما هو إلا أكاذيب يرددها الإعلام الغربي للتأثير على الشعوب عندما تتخذ قرارات جادة للتدخل العسكري في سوريا لمناصرة الثوار. ولذلك رأينا موسكو تقلل من أهمية ما ينشر يوميا بشأن المجازر والقتل الجماعي لتستعيد بذلك مخزونها من العقل الجمعي الروسي الذي يؤكد أن هجمات الثوار الشيشان كادت تقض مضاجع الدولة الروسية العريقة لولا التدخل القوي من قبل الجيش الروسي.. وهو ما تربطه موسكو بالوضع في دمشق، فهم يتصورون أن المعارضة ما هي سوى جماعة مرتزقة تحاول زعزعة استقرار سوريا وإزاحة بشار الأسد عن سدة الحكم تلبية لرغبة الغرب وأمريكا في إحداث التغيير الشامل في المنطقة. ولذلك نجد كثير من المسؤولين الروس يتعامون عما يجري داخل سوريا ويلقون مسؤولية استمرار العنف على قوات المعارضة السورية والدول الأجنبية. وهنا يقول مسؤول روسي إن الغرب وأمريكا تبعث بالمتطرفين والمتشددين بمختلف أنواعهم سعيا وراء تحقيق أهدافهم الخاصة، ثم يحذر من كارثة ستشهدها منطقة الشرق الأوسط بأكملها إذا تدخلت قوات دولية دون تفويض من مجلس الأمن. تداعيات الأزمة السورية تطال الرئيس الروسي نفسه فلاديمير بوتين، حيث إن لديه أسبابه الداخلية القوية التي تدفعه التمسك بموقف بلاده من الأزمة. والسبب أن سلفه ديمتري ميدفيديف فشل في مواجهة المتشددين داخل الحكومة الروسية بسبب قراره عدم التحرك للحيلولة دون التدخل الغربي في ليبيا، مما أدى إلى سلسلة متتابعة من الأحداث بلغت ذروتها بمقتل العقيد معمر القذافي، الذي كان هو الآخر حليفا لروسيا. وينطوي قبول تنفيذ خطة انتقالية في سوريا على مخاطرة بأن يلقى بوتين مصيرا مماثلا لميدفيديف، كما سيعني أيضا التراجع عن موقف ما زال يحظى بتشجيع أوساط السياسة الخارجية الروسية. الغريب أن بوتين يعلن وبملء فيه أن بلاده تتبع سياسة تعزيز الأمن العالمي ولديها التزام أخلاقي كبير للدفاع بقوة عن مواقفها خاصة وان دروس الحرب العالمية الثانية مازالت مفيدة وأن "احترام سيادة الدول" ضمانة مهمة لعدم اندلاع الحرب مرة أخرى وذلك في إشارة تحذير للجهود الغربية لتغيير النظام في سوريا. وبعد موقف بوتين يخرج علينا وزير خارجيته سيرجي لافروف بزعمه أن روسيا لا يمكن أن تقول للأسد "ارحل". بيد أن الذي لم يفصح عنه الدبلوماسي الروسي ان بلاده ستخسر المشتريات السورية الضخمة من الأسلحة الروسية، وكذلك نظام يعتمد على موسكو في كل شيء، وإذا انهار هذا النظام لوقعت منظومة الدومينو بالكامل.. وسيرجي لافروف يستغل هنا بعض المعطيات الحقيقية ولكنها لا تمثل الكثير بالنسبة للمعارضة السورية مثل أنها تلقى تمويلا من الخارج، وهو الأمر الذي يصوره الروس على أن أطرافا أجنبية تمول "مرتزقة سوريين" وتدعم قوى متطرفة لتحقيق أهداف جيوسياسية. ربما يبدو في الوقت الراهن أن فكرة دعم موسكو لإزاحة الأسد من سدة الحكم صعبة نوعا ما، ولكن ثمة بعض السيناريوهات التي طرحها الروس أنفسهم وتتعلق في أن للدبلوماسية الروسية خطة لخروج سلمي للأسد يجري التخطيط لها بعناية على أن يقتنع الشعب السوري وحده بأنه هو الذي حقق هذا الهدف.. ويدعم هذا التوجه أن موسكو وبوتين يعلمان تماما أن الأسد بات يفقد مستقبله السياسي وانه راحل لا محالة، وبالتالي يمكن الترويج للفكرة المشار إليها لكسب ثقة النظام السوري المقبل وعدم قطع العلاقة مع دمشق التي تعد بحق بيضة ذهب للروس.
401
| 14 يونيو 2012
مساحة إعلانية
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو...
17169
| 11 نوفمبر 2025
العلاقة العضوية بين الحلم الإسرائيلي والحلم الأمريكي تجعل...
8613
| 10 نوفمبر 2025
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس...
8034
| 11 نوفمبر 2025
في عالم تتسابق فيه الدول لجذب رؤوس الأموال...
7791
| 13 نوفمبر 2025
تستضيف ملاعب أكاديمية أسباير بطولة كأس العالم تحت...
3555
| 11 نوفمبر 2025
على مدى أكثر من ستة عقود، تستثمر الدولة...
2994
| 11 نوفمبر 2025
تشهد الصالات الرياضية إقبالا متزايدا من الجمهور نظرا...
2094
| 10 نوفمبر 2025
تحليل نفسي لخطاب سمو الأمير الشيخ تميم بن...
1623
| 11 نوفمبر 2025
عندما صنّف المفكر خالد محمد خالد كتابه المثير...
1158
| 09 نوفمبر 2025
يبدو أن البحر المتوسط على موعد جديد مع...
1086
| 12 نوفمبر 2025
شكّلت استضافة دولة قطر المؤتمر العالمي الثاني للتنمية...
1035
| 09 نوفمبر 2025
يشهد العالم اليوم تحولاً جذريًا في أساليب الحوكمة...
894
| 10 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية