رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
"عامان تامان مرا منذ أحداث الربيع العربي شهد العالم العربي خلالها عددا من المتغيرات والتحديات، وأنها رغم اتخاذها أشكالا سياسية في ظاهرها، فإن مسبباتها الحقيقية لا يمكن أن تخطأها العين بأي حال من الأحوال.. ولا يمكن إغفال الأسباب التنموية أو تجاهل الطموحات التي تتطلع إليها الشعوب العربية وآمالها نحو حاضر مشرق ومستقبل مزدهر".. هذا ما أكده الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أمام الجلسة الافتتاحية للاجتماع المشترك لوزراء الخارجية ووزراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالدول العربية للتحضير لأعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة التي شهدتها الرياض. ولم يكن غريبا على الفيصل أن يطالب بان تكون القمة عاكسة للموضوعات والقضايا الرئيسة التي تلامس حياة الشعوب العربية مما يتطلب الارتقاء بقرارات القمة لتكون على مستوى تطلعات الشعوب.
فالواقع الذي أراد الفيصل التنويه إليه هو أن الأزمة الحقيقية التي تواجه العرب هي التعامل مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لأن هذا يتطلب المعالجة من منظور شامل يغطي جميع الجوانب بما يتوجب معه تفعيل ومتابعة مسيرة التكامل الاقتصادي العربي والمراجعة الشاملة والدقيقة لما سبق اتخاذه من قرارات في القمتين السابقتين لتكون منطلقا أساسيا للمضي في البناء وتحقيق الأهداف المنشودة. وأعتقد أن الفيصل وضع يده على الآمال بما يمكننا من دراسة أساليب واليات استغلالها الاستغلال الأمثل، ومن دواعي الآمال هو ما يزخر به الوطن العربي من ثروات متعددة من موارد طبيعية وبشرية ورؤوس أموال وموقع استراتيجي.. والأمل هنا ينحصر في ضرورة تيسير تدفقات الاستثمار والتجارة العربية البينية في سبيل بناء تكامل اقتصادي عربي قائم على أساس المنفعة المشتركة.
ولهذا، كان من بين إنجازات قمة الرياض اعتماد الاتفاقية الموحدة المعدلة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية، بما يؤدي إلى تعزيز دور القطاع الخاص كشريك رئيس يسهم في رسم وتنفيذ مسار مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية.. فالتنمية الاقتصادية الشاملة بما تمثله من تحديات وفرص تتطلب في البداية وضوح الرؤية والأهداف، ومن ثم العمل المتواصل اعتمادا على الموارد المتاحة لبلوغ الغايات المنشودة في النمو والازدهار. وهنا نشير إلى مكون آخر غاية في الأهمية يتعلق بتوفير موارد جديدة إضافية لدعم جهود الدول العربية الأقل نموا لتحقيق تلك الأهداف.. وهو ما يسمى في علم الاقتصاد بتعظيم الموارد.
وإذا كانت السعودية أشارت بوضوح إلى المكونات أو الموارد الطبيعية، فثمة معطيات أخرى تمثل عاملا مهما في نفس الوقت، فدول المنطقة العربية تمتلك جميع المقومات الجغرافية والمناخية والاقتصادية المثلى لتطوير صناعة محلية مستدامة ورائدة في مجال الطاقة المتجددة. ولهذا، فإن اعتماد قمة الرياض للإستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة خلال الفترة من 2010 إلى 2030، يعد إنجازا للآمال العريضة، لأن تلك الإستراتيجية ستفتح المجال أمام إقامة سوق عربية لأجهزة ومعدات الطاقة المتجددة، التي تعمل على توفير فرص عمل جديدة بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص. وبالتالي يمكن استغلال مصادر الطاقة المتجددة المتاحة ونقل التقنيات الخاصة بتصنيع معداتها إلى الدول العربية، وهذا أيضاً يعد خيارا استراتيجيا للدول العربية لضمان تأمين وتنويع مصادر الطاقة وإرساء قواعد صناعة أنظمتها عربيا، سعيا إلى تسويقها على المستوى الإقليمي في بادئ الأمر ومن ثم على المستوى العالمي في مرحلة لاحقة. ثم نأتي إلى مكون مهم أيضاً ويتمثل في توفير الآليات اللازمة لمشاركة القطاع الخاص بشكل أكثر فاعلية في الاستثمار في مشاريع البنية التحتية.
نحن لا ننكر كشعوب خليجية وعربية ما حققته الدول العربية من مكتسبات على صعيد العمل العربي المشترك خلال السنوات الماضية، بيد أنه من المهم التأكيد على أن واقع هذا التعاون وما حققه من إنجازات ملموسة على الأرض لا يزال قاصرا عن تلبية طموحات شعوبنا التي تدرك تماما أن لديها من الموارد والمقدرات ما يكفل لها حاضرا أفضل ومستقبلا أكثر إشراقا. وهذا يتطلب كما فعل الأمريكيون والأوروبيون والآسيويون قبلنا، الاعتماد على طرح الأفكار الخلاقة والرؤى الحديثة التي تكفل المضي قدما لهذه المسيرة والتصدي بكفاءة وفعالية لما يعترض طريقها من صعوبات وتحديات، حتى تستعد القيادات العربية بقوة لمواجهة التحولات الكبرى التي تعيشها الشعوب، وما أفرزته من تداعيات وتحديات غير مسبوقة، الأمر الذي تطلب من هؤلاء القادة اتخاذ المواقف المطلوبة لمواجهة هذه التحديات والتعامل معها وتعزيز التضامن والتكاتف العربي لتجاوزها.
كما أننا لا ننكر أهم إفرازات القمة وهي التأكيد على أهمية الاستثمار في الوطن العربي كأحد الحلول الجذرية لمواجهة ارتفاع معدلات البطالة وضعف نتائج برامج التشغيل والعمل في معظم الدول العربية.. أما إذا تحدثنا عن أهمية تعديل الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال بالدول العربية، فنقول هنا أنها ركيزة أساسية للموائمة مع المتغيرات الجديدة على الساحتين الدولية والإقليمية لتوفير المناخ الملائم لزيادة الاستثمارات العربية البينية والمساهمة في توجيه الاستثمارات العربية إلى داخل المنطقة العربية بدلا من إهدارها في الخارج، بهدف الحد من البطالة والفقر وزيادة رفاهية المواطن العربي.
وعلى سبيل المثال، كان ثمة تصريحات مهمة لعدنان القصار رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة العربية، أشار فيها إلى أن مصير الحلم العربي بالتكامل الاقتصادي يعتمد على إقامة السوق العربية المشتركة، وتأمين الغذاء ومعالجة البطالة، وتسهيل التجارة البينية والاستثمارات العربية. لم يكن هذا هو المطلب الوحيد للقصار، فثمة مطلب آخر وهو ضرورة تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية الحقيقية، ينتظر قرارات سياسية نافذة مشفوعة بآلية عمل فاعلة من القمة.. وعليه، فإن القمة الاقتصادية كانت منبرا هاما لإصدار القرار السياسي، الذي يتم من خلاله معالجة كافة العقبات التي تواجه حركة الاستثمار في البلاد العربية، وحرية التجارة العربية البينية، وقضايا النقل والتنقل، والمشروعات العربية، لتحقيق مشاركة فاعلة للقطاع الخاص في مبادرات التنمية والتكامل الاقتصادي العربي.
إذًا.. نحن أمام السوق العربية المشتركة، وبدونها، سينهار الحلم العربي وتصبح التوصيات مجرد فقاعات أطلقت في الهواء. والأمل، أن يكون القادة على قدر المسؤولية ويعملون بكل ما أوتوا من قوة وعزم على تبني القرارات الكفيلة لمعالجة كافة العقبات التي تواجه حركة الاستثمار في البلاد العربية، وتفعيل التجارة العربية البينية، ودعم حرية التنقل والمشروعات العربية، وصولا إلى إقامة السوق العربية المشتركة، خاصة أن هناك وقتا كافيا حتى عام 2020، سيما وأن القطاع الخاص ومؤسسات الغرف التجارية والصناعية العربية، مستعدة للعمل معا لبلوغ التكامل الاقتصادي.
وإذا عرجنا على القطاع الخاص، فقد تعرض لظلم بين، بسبب تباين واختلاف الأنظمة العربية وتغير السياسات الاقتصادية والعلاقات العربية - العربية، ما انعكس سلبا على ميلاد هذا الحلم، وبالتالي عدم تمكن القطاع الخاص العربي من تنفيذ أي خطة عملية بهذا الشأن، رغم ما يتمتع به القطاع الخاص على المستوى العربي من الإمكانات، بما يمكنه من تحقيق هذا الحلم، بهدف إحداث نهضة الأمة العربية من خلال تنشيط التجارة البينية وغيرها.
إجمالا.. كانت القمة لحظة فارقة وتحديدا في حياة ومستقبل مجلس التعاون الخليجي ومستقبل التكتل الاقتصادي العربي. فكان أمام الزعماء قوائم طويلة من آمال وطموحات الشعوب، خاصة وأن الواقع يؤكد أن معظم بلدان العالم العربي يأتي في موقع متأخر جدا على مستوى التقدم الحضاري والاقتصادي والعلمي، هذا رغم ما أسلفناه بأن العالم العربي ليس فقيرا في الموارد ولكنه فقير في حسن إدارة الثروات وفي عبقرية التعاون والتكامل بين بلدانه وحكوماته، وتوجد كثير من الموارد الاقتصادية المهمة في العالم العربي عاطلة وتحتاج فقط إلى إدارة اقتصادية حكيمة لتفعيلها لتسهم في تنمية بلدانها ورقي مواطنها.
ولهذا، مثلت قمة الرياض أملا عربيا عريضا لإنعاش الاقتصاد العربي، الذي أصابه التقهقر والوهن، نتيجة لعوامل متعددة من أبرزها تراجع الأداء في أكثر من دولة نتيجة تفاعلات الثورات العربية..سيما وأن قمة الرياض الاقتصادية أخذت على عاتقها تحدي الواقع، لتضع معالم الخروج من الوضع الراهن إلى عالم الواقع الجديد المليء بالخير لشعوب تنتظر التقدم والرقي، وهذا ما تستحقه في الوقت نفسه، لتكون بمنزلة التحدي الحقيقي لتداعيات الربيع العربي.
وكلمة أخيرة نوجهها إلى المملكة العربية السعودية، فهي وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تبقى الدولة الأم المؤهلة لقيادة العمل المشترك بعد التداعيات المتواصلة والسريعة التي أشغلت العقل العربي بهموم ضاعفت منها الاضطرابات السياسية التي تعيشها الشعوب العربية. فالسعودية تتسم بعلاقة متوازنة تجعلها تقف على مسافة واحدة من مختلف الأطراف، وفق سياسة متزنة تحكمها ثوابت المملكة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8670
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
6909
| 06 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4818
| 05 أكتوبر 2025