رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ومن جديد "حلل يا دويري" 2-2

..... نواصل الحديث حول كتاب «الأمن الوطني» لمؤلفه/ فايز الدويري تعرض هذه المراجعة أبرز ما جاء في الفصول الثلاثة، اعتماداً على الطبعة الأولى الصادرة من الكتاب عام 2013 عن دار وائل للنشر والتوزيع، وباقتباس يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر): ليست الوطنية سوى سمة الانتماء للوطن! فانطلاقاً من مبدأ المواطنة وروح الانتماء، يتأسس ذلك الشعور الوطني للحقوق المشتركة بين المواطنين، الذي يؤسس بدوره مرجعية جديدة تقوم على الانتماء للوطن وحده، تجبّ ما دونها من المرجعيات.. عرقية أو دينية أو مذهبية. غير أن هذه الوطنية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالموقف تجاه الوطن، لا وحسب في مواجهة خطر خارجي، بل في موقف داخلي يمكّن من مواجهته فعلياً. يوضح اللواء في الفصل الأول هذا الموقف الذي يمسّ الأمن الوطني قائلاً: "إنه يتعلق بسلامة التكوين الوطني من أجل مواجهة ذلك الخطر. بمعنى أن تدمير التكوين الاجتماعي والحراك السياسي، وبناء مجتمع هش، كلها مسائل تجعل المواجهة مع الخطر الخارجي مستحيلة، ولهذا فهي مضادة للوطنية، فالوطنية هي تحضير كافة القوى من أجل مواجهة جادة مع كل خطر خارجي". يُسهب اللواء في حديثه عن الأمن الوطني في الفصل الثاني، فبينما يحدد مستويات الأمن بين فردي وقومي ودون إقليمي وإقليمي ودولي، فإن خصائصه تنطوي على النسبية والمرونة والوضوح والشمولية. ومع منظومة المفاهيم المتباينة التي تناولت صياغة الأمن الوطني، فقد أمكنه استخلاص أربع ركائز أساسية لها، هي: "إدراك التهديدات والتحديات الداخلية والخارجية. وضع الاستراتيجيات اللازمة لتنمية قوى الدولة والانطلاق المؤمن لهذه القوى. توفير القدرة على مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية لبناء قوات مسلحة وقوى أمن داخلي قادرة على التصدي والمواجهة لهذه التهديدات. إعداد السيناريوهات واتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة التهديدات والتحديات على أن تتصاعد هذه التحضيرات تدريجياً مع تصاعد التهديدات والتحديات سواء كانت داخلية أم خارجية". وبينما يستشهد اللواء برأي الفيلسوف البريطاني هربرت سبنسر القائل "إذا كانت التربية هي الإعداد الصالح للحياة العامة، فالتربية الوطنية هي إعداد المواطن الصالح"، فهو يجعل من هدف التربية العام تقوية انتماء الفرد الوطني أولاً، ومن ثم توجيهه نحو الإيمان بتوجهّات وطنه وإخلاصه لها، الأمر الذي سيسهم قطعاً في توليد شعور بالسعادة والحماسة نحو الدفاع عنه بكل ما يملك، والذي يعزز في نهاية المطاف قاعدة الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي. بيد أن المؤسسات التربوية هي الأكثر قدرة على تحقيق الهدف الاستراتيجي في تطوير المجتمع وتحقيق التنمية الوطنية الشاملة والتقدم في شتى مجالات الحياة، وإعداد آليات التنشئتين الاجتماعية والسياسية بقيمها ومبادئها ووسائلها المتفقة ومصالح الدولة. لذا، يلخّص اللواء أهم الأهداف المتعلقة بالتربية الوطنية في "تنمية الشعور بالقومية العربية والإيمان بها وبأصالتها وفضلها على الحضارة الإنسانية. تنمية شعور المواطن بوطنه وتكوين عاطفة الانتماء لهذا الوطن. تنمية الشعور بحق المواطنين في الفرص المتكافئة والمساواة الاجتماعية والسياسية. تنمية الوعي الاجتماعي والشعور بأهمية عادات وتقاليد ونظم وقيم الجماعة العربية. تنمية الوعي الاقتصادي والشعور بأهمية الاقتصاد والوطن والمنتجات الوطنية والمستقبل الاقتصادي الأفضل للوطن والمواطن. تبصير المواطن بالأخطار التي تهدد وطنه وتحصينه ضد التسلط الحزبي والطائفي والإقليمي. تربية السلوك الوطني على أساس التعاون والعمل المشترك، وتحمل أعباء الآخرين، وإيثار الصالح العام، واحترام حقوق الغير وآرائهم وعواطفهم. تربية الضمير العربي الذي يوجه المواطن العربي في كل ما يؤخذ ويدع، مستهدياً بمصالح الأمه ومستقبلها". وفي ختام هذا التحليل الموضوعي لمفهوم الأمن الوطني الذي حُق له أن يؤخذ بعين الاعتبار، فيُعمم ويُدرّس، إذ "ولا يُنبئك مثل خبير"، فإنه سيحفّز لا محالة عزيمة الشباب العربي الذي عقد عليه اللواء الأمل في مقدمة كتابه.. وقد عظّم موقفه الشرفاء حين تلقّف شامخاً صيحة المجاهد في كتائب عز الدين القسام المدوية في غزة بـ "حلل يا دويري"، فحلل بقول أمضى من السيف وأثلج صدور قوم مؤمنين.. في الوقت الذي حلل فيه، فأسمع وأوجع قوما آخرين.. فلا نامت أعين الجبناء!.

819

| 03 مايو 2024

ومن جديد «حلل يا دويري» 1-2

في خضم ما يواجه الأمة العربية من أزمات وتهديدات وتحديات تتسارع وتيرتها بشكل ملحوظ لا سيما مع أحداث الآونة الأخيرة، مقابل ما تشهده من تراجع وانحدار وانقسام وتبعية وما يلحق بها بالضرورة من تداعيات لا تُحمد عواقبها، يأتي هذا الكتاب في وقته ليلبي طموح الإنسان العربي الذي تُعقد عليه الآمال في إعادة الربيع الغائب لأوطانه ضمن المسار الصحيح، وضمن ترسيخ مفهوم (الأمن الوطني) كحاجة أساسية للفرد وللمجتمع وللوطن، كل على حد سواء. لذا، يضع الكتاب المعني بالأمن الوطني اللواء المتقاعد والخبير السياسي والعسكري والاستراتيجي (د. فايز محمد الدويري 1952)، والذي ذاع صيته بشكل لافت مؤخراً من خلال التحليل العبقري الذي تناول فيه عمليات طوفان الأقصى على شاشة قناة الجزيرة الإخبارية، إضافة إلى تخصصه في صراعات الشرق الأوسط ككل على رأسها القضية الفلسطينية. تعرض سيرة اللواء الذاتية مسارين، «عسكري وآخر أكاديمي»، فبالإضافة إلى المناصب التي تقلّدها في الجانب العسكري، كآمر كلية الأركان الملكية الأردنية، ومدير سلاح الهندسة الملكي، وقائد هندسة الجيش، وقائد كتيبة الهندسة الملكية، فقد عمل كمحاضر بالمعهد الدبلوماسي الأردني، وكباحث ومحلل استراتيجي في كلية الدفاع الوطني الأردني. تعود هذه الخبرة لذخيرة تحصيل أكاديمي مرموق، فاللواء يحمل درجة الدكتوراه في فلسفة أصول التربية مع درجتين في الماجستير، إحداهما في العلوم والفنون العسكرية المتقدمة والأخرى في العلوم الإدارية والعسكرية، كما يحمل دبلوما عاليا في الدراسات العملياتية، وآخر في اللغة الإنجليزية، إضافة إلى شهادة البكالوريوس في العلوم الإدارية والعسكرية، وأخرى في الدراسات الاستراتيجية. لا يتوقف نبوغ اللواء عند هذا الحد، بل امتد ليشمل عدداً من الدراسات التي نشرها. يحلل اللواء موضوع (الأمن الوطني) من خلال ثلاثة محاور رئيسية، يتناول في الأول الدولة والمفاهيم الوطنية، والثاني مفهوم الأمن الوطني ونظرياته ومستوياته وخصائصه ومقوماته وسياساته، بينما يخص الثالث بالتربية الوطنية ودور الجامعات الرسمية في تعزيز مفهوم الأمن الوطني. وبينما يضع المؤلف المملكة الأردنية ومرافقها العسكرية والتربوية كنموذج لنطاق بحثه، فإن النتائج قد لا تختلف حال إسقاطها على أي قُطر عربي آخر، لما يجمعها كافة من تاريخ مشترك وتحديات حاضرة وتطلعات مستقبلية.. وهو يهدي كتابه أولاً لروح والديه، خافضاً جناحيه إجلالاً لهما، وتلقّى عنهما الالتزام الديني والانتماء الوطني، ثم إلى كل عربي حر تبنّى ماضي وحاضر ومستقبل أمته العربية التي هي -وإن طالت كبوتها- خير أمة أخرجت للناس. ينشأ مصطلح (الأمن الوطني) مع نشأة الدولة الأمة في القرن السابع عشر الميلادي حسب معاهدة وستفاليا، وهذا ما يقود اللواء لتناول البيئة الوطنية في الفصل الأول، وتحديد مقوماتها وتوضيح الحالات التي مهدّت لعمليات إعادة بناء الدولة، إضافة إلى تسليط الضوء على المفاهيم الوطنية التي تعني في الأساس بتنشئة المواطن الصالح. أما الفصل الثاني، فقد خصّه اللواء لموضوع الكتاب الرئيسي، حيث تناول الأمن الوطني من ناحية تطور مفهومه التاريخي، وأهم ما جاء في تعريفاته وفي نظرياته المتباينة، إضافة إلى خصائصه العامة التي تُقاس ضمن مقومات (الحرية والعدالة والمساواة)، والتي تضمن تحقيق الأمن الوطني من خلال مظاهر الانتماء والولاء للوطن. كما تناول الأبعاد المرتبطة بالأمن الوطني، إنسانياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وبيئياً وجغرافياً وسياسياً وعسكرياً، ما يضمن للدولة البقاء والاستمرار في مواجهة تحدياتها الداخلية والخارجية. ومن هنا ينتقل اللواء للحديث عن ظاهرة الإرهاب لا سيما في ظل التوجه العالمي نحو إلحاقه بالعرب والمسلمين، فيتطرّق إلى الرأي القانوني المعني بتعريفاته، وإلى الفصل بينه وبين المقاومة المسلحة وحق الشعوب المحتلة في النضال ومواصلة الكفاح بالوسائل التي يضمنها القانون الدولي ويكفل لها النصر ونيل الحرية، كما هو الحال مع الشعب الفلسطيني. وبما أن للتربية دورا مؤكدا في الحفاظ على التراث وتوارثه عبر الأجيال، باعتبارها تنشئة وتنمية وإعدادا للحياة تختص تحديداً في تربية عقل الفرد وإعداده ليكون عضواً صالحاً ضمن جماعة ذات نُظم ومفاهيم وتقاليد، يركز اللواء في الفصل الأخير على دور المؤسسات التربوية في تعزيز الأمن الوطني، وأهمية تهيئتها وتأهيلها وتطويرها من أجل الاضطلاع بدورها الحقيقي في إعداد ذلك المواطن الصالح، والتي تمثّلها في العموم منظومة الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد والرفاق والأندية ووسائل الإعلام، كما يتطرق إلى فضيلة ربط الدنيا بالآخرة من خلال موضوع التنشئة السياسية في الإسلام، وركيزة العقد الاجتماعي التي لا تقوم بين الحاكم والمحكوم فحسب، بل بين الحرص على طاعة الله والالتزام بتطبيق شرعه. وربطت بعض تعريفات التنشئة السياسية بالتنشئة الاجتماعية، من حيث زرع القيم المطلوبة لدى الفرد، الكفيلة بصقل شخصيته وتعزيز سبل دفاعه عنها.

1002

| 25 أبريل 2024

مبادئ الإسلام مقابل توصيات مفكر أمريكي 4 - 4

..... نواصل الحديث حول كتاب «جدد حياتك» لمؤلفه/ د. محمد الغزالي وعلى الرغم من أن الله عز وجل يغفر اللمم من الذنوب ويتجاوز عن الصغائر لكل مؤمن يسعى إلى كمال إيمانه، غير أن البعض يقيم الدنيا ولا يقعدها لسيئة وقع عليها في سلوك شخص ما رغم ما هو عليه من شمائل الأخلاق. وعلى هذه الحقيقة المؤسفة يصرّح النائب العام في نيويورك (فرانك هوجان) بأن نصف القضايا التي يتم عرضها على محاكم الجنايات تقوم على أسباب تافهة «كجدال ينشأ بين أفراد أسرة، أو من إهانة عابرة أو كلمة جارحة أو إشارة نابية». إن الحل يكمن في «صقل مرآة الذهن» فلا تلتقط سوى صور حقيقية من أروقة الحياة لا تشوبها شوائب، ومن ثم وضع الصورة في نطاقها الأكثر رحابة بحيث لا يتم الحكم عليها بمنأى عن الصور الأخرى، ولا لحظة شر بمنأى عن جبل من الخير. يؤكد الغزالي في موضوع (قضاء وقدر) على أن المؤمن وهو يقرّ بأن مقاليد السماوات والأرض بيد الله وحده، كفيل ببث أعظم مقادير الطمأنينة في قلبه، إذ مهما تقلبّت الأحوال واضطربت الأحداث فإنها تحت مشيئة الله العليا. يقول عز وجل: «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ». وهذا يفسّر ركون المؤمن إلى ربه بعد أن أدى واجبه على أكمل وجه، فمن توكّل عليه وحده استراح، وليس للقلق معنى في أمور تخرج عن نطاق الإرادة البشرية، وإن كان للمرء تقريع نفسه على تفريط ما استوجب عليه سوء، فإن القدر الذي وقع ولم يطلّع عليه من قبل لا يستلزمه ندم، وهو بهذا لا عليه قلق أو تربّص أو ريبة. غير أن كثيرا من الناس لا يفقه هذه الحقيقة سواء كان جهلاً أو جحوداً، فيباشر أحدهم أعماله وهو يحمل هموماً مقيمة لا تقتصر على ما فات وحسب بل على ما قد يرميه به المستقبل لاحقاً، وهو الأمر الذي يتم استغلاله بسوء كما أوضح كارنيجي من خلال المثال الذي ضربه في شركة (لويد) العالمية للتأمين، فقد حققت أرباحاً طائلة خلال المائتي عام السابقة، وستحقق، طالما هواجس الغيب والخوف من المستقبل والخسائر المتوقعة والوهن من تحملّها جميعاً، تثقل كاهن البشر، فيقول: «لكن كثيراً من الرجال الناضجين لا تقل مخاوفهم سخفاً عن مخاوف الأطفال والصبيان، وفي استطاعتنا جميعاً أن نتخلص من تسعة أعشار مخاوفنا تواً لو أننا كففنا عن اجترار خواطرنا، واستعنّا بالحقائق المدعومة بالإحصاء، لنرى إن كان هناك حقاً ما يبرر تلك المخاوف». وليس خيراً من وصية النبي ﷺ إذ قال: «ارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس». أما في موضوع (بالحق أنزلناه وبالحق نزل) يرى الغزالي أن الإسلام يعنى بالجانب العقلي من ناحية تنظيم الأفكار التي تنتظم بها مقدمات الأشياء فتنتج الصواب وتحقّ الحق، بينما يعمل في الجانبين النفسي والاجتماعي كأداة لتنظيم المشاعر على أسس من الإيثار والأخوّة والفضيلة ونبذ ما سواها من رذائل. وهو بهذا يمهّد السير نحو الهداية وطريق الحق ومسعى الكمال، فلا تُصبح الغاية من العبادات المفروضة تقمّص صوّرها واعتياد حركاتها وسكناتها، بل كل ما يعزز إدراك العقل ويقرّبه أكثر فأكثر نحو الصواب، وما يساعد على إحكام الأهواء والسير في الحياة بإحسان من غير دنايا أو مظالم. وهو المقصد في قوله تعالى: «فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ». غير أن طبيعة الإنسان تحيد به في بعض الأحيان نحو نزوات وشهوات، وليس الخوف من هذه النزعات سوى مغبّة الاسترسال، فلا تلبث حتى تطرحه في مهالك لا يعود بعدها سالماً. يقول ابن المقفع: «المؤمن بخير ما لم يعثر، فإذا عثر لجّ به العثار». والحل هو أن يحرص المؤمن على ألا يلج هذه اللجاجة، فإن وقع فعليه الاستدراك سريعاً ومجاهدة النفس ألا يعود أبداً. ومع هذه المفارقة في توفيق المبادئ الإسلامية على يد أحد علماء الإسلام، بمنهج حياة دعا إليه مفكر أمريكي لا يعتنق الإسلام ديناً، يصبح لا أطيب مسك للختام من كلام الله عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بيديه ولا من خلفه: «فِطرةَ اللهِ التي فَطَر النَّاسَ عَلَيْهَا».

828

| 11 أبريل 2024

مبادئ الإسلام مقابل توصيات مفكر أمريكي 3 - 4

نواصل الحديث حول كتاب «جدد حياتك» لمؤلفه/ د. محمد الغزالي. ويعرّف الغزالي العلم في موضوع (علم أثمره العمل) بأنه إدراك وقواعد وملكة، فالإدراك هو تصّور مجرّد للأمور، والقواعد هي المبادئ والقوانين، والملكة هي الخبرة المكتسبة، غير أن الأخيرة هي ثمرة الإدراك الوافر وإعمال القواعد معاً. وبعيداً عن أي مفهوم نظري، فإن الدين منهج تهذيبي في الإيمان والأخلاق والسلوك والعمل، إذ لا تكمن الفائدة المرجوة منه في تداوله بين الألسن وحفظه في الذاكرة، فلا بد من العمل به. فهذا الأديب الإيرلندي (برنارد شو) ينهى عن التلقين قائلاً: «إذا لقنت إنساناً شيئاً فلن يتعلم أبداً»، وكان أحد التابعين يقول: «كنا نستعين على حفظ أحاديث رسول الله بالعمل بها». فالقلوب يُحيها العمل بالمعرفة، وأي علم تحصّل عن طريق العمل فهو الملكة التي تبعث على الاستنارة. ويضرب مثلاً في الصلاة التي تبدأ بالدروس ومحاولات إقامتها وتنتهي بالخشوع والتسامي والإخلاص بعد الإقبال وطول الإتقان لشكلها وموضوعها. وينقل عن أحد المدراء أسلوبه الإداري في التعاطي مع المشكلات التي يعرضها عليه فريق عمله بين حين وآخر، إذ كان قد فرض عليهم قبل عرض المشكلة عليه تقديم إجابات رسمية عن أربعة أسئلة، وهي: (ما هي: المشكلة، منشئها، الحلول الممكنة، أفضلها)؟ وهو الأسلوب الذي كان يجده الموظفون قد حلّ ثلاثة أرباع المشكلة قبل عرضها عليه، فلم يجدوا داع لمعونته، وبهذا تقلّص الوقت المخصص للنقاش وطال وقت العمل وحقق أفضل الإنجازات. ثم يحذّر الغزالي من العلم دون العمل، حيث إن مجرد «تعشّق الكمال» عادة لا تتجاوز حدوده طيب الحديث عنه، وهو السلوك الذي كرهه الله لعباده لما يحوطه من شبهة رياء وادعاء، فيقول عزّ من قائل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ». يحذّر الغزالي كذلك في موضوع (آفات الفراغ) من البطالة التي ليست سوى مرتع للرذائل ومجلبة للفساد والفناء، وكيف أن العاطلين في حقيقتهم موتى في الوقت الذي يكون فيه العمل رسالة لكل حي. وقد نبّه النبي ﷺ عن الغفلة في ظل تواتر نعمتي الوقت والعافية إذ قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ «، لذا فإن أفضل ما يصون حياة الإنسان منهج يملأ وقته، فلا يتخلله فراغ يتسلل فيه الشيطان بوسوسة أو غواية. ويضرب في المصباح الكهربائي مثلاً مستعيناً بعلم الطبيعة، إذ إن بمجرد إحداث ثقب صغير في مصباح ما فإن الهواء يندفع فيه دفعاً تلقائياً لتعبئة المساحة الخالية «كذلك تسرع الطبيعة إلى ملء النفس الفارغة» لكن بمشاعر من خوف وقلق وغضب وحسد وغيرة «فهي تندفع بقوة بدائية عنيفة متوارثة من عهد الغابة»، وهي من العنف ما تبدد استقرار العقل والسلام الداخلي. ثم يقرّ الغزالي بحقيقة مؤلمة مفادها أن الفراغ الذي يعاني منه الشرقيون يدّمر كل طاقة إبداعية وموهبة تحت ركام التجاهل والاستهانة كما في المعادن النفيسة في مجاهل المناجم، ويقول: «وعندي أن العلة الأولى لتخلّف الأمة العربية والشعوب الإسلامية ما غلب على أحواله النفسية والاجتماعية من قعود واستكانة وتقاعد». لذا فهو يرى استحالة أن تحصد هذه المجاميع الغفيرة أي نجاح دنيوي وأي فلاح أخروي ما لم تُغير أساليبها في الحياة وتمحو من ميادينها كل شرور البطالة والفراغ. ثم ينتقل إلى موضوع (لا تدع التوافه تغلبك على أمرك) وهو يرى المؤمن يتهيّب الكبائر فتردعه عن اقترافها، غير أن منهم من لا يبالي بصغائر الذنوب حتى إذا تراكمت عليه أهلكته! ويقرّب الصورة برجل تحاشى تناول السم بجرعة كبيرة لكنه دأب على تناوله بجرعات صغيرة في ماء ملوث أو طعام مكشوف. لذا، فقد أهاب النبي ﷺ بأمته من اقتراف الصغائر وأوصاها بأن تتطهر حيناً بعد حين من آثارها، فقال: «إياكم ومحقّرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يُهلكنه». وينقل كارنيجي عن (الأدميرال بيرد) عندما قاد معسكراً في القطب الجنوبي في درجة حرارة تنخفض إلى الثمانين تحت الصفر، وبدلاً من الانتباه إلى الأخطار المحدقة، فقد كان رجاله يتخاصمون لأتفه الأسباب، كأن يتعدى أحدهم على المساحة المخصصة لنوم رفيقه بقدر بوصات أو أن يتقزز الآخر من رفيق آخر له يمضغ الطعام ثمان وعشرون مرة، فيعقّب قائلاً: «ولست أعجب لهذا، فإن صغائر كهذه في معسكر قطبي يسعها أن تسلب عقول أشد الناس دربة على الطاعة والنظام».

492

| 04 أبريل 2024

مبادئ الإسلام مقابل توصيات مفكر أمريكي 2 - 4

نواصل الحديث حول كتاب «جدد حياتك» لمؤلفه د. محمد الغزالي.. وبينما ينصح (د. أوسلر) طلبته في جامعة (ييل) بأن يبدأوا يومهم بدعاء مأثور عن السيد المسيح يقول فيه: «خبزنا كفافنا أعطنا اليوم»، فقد ورد عن إبراهيم الخليل دعاؤه في كل صباح يطلع عليه: «اللهم إن هذا خلق جديد فافتحه عليّ بطاعتك واختمه لي بمغفرتك ورضوانك وارزقني فيه حسنة تقبلها مني وزكها وضعفها لي وما عملت فيه من سيئة فاغفرها لي إنك غفور رحيم ودود كريم»، وهو به يكون قد أدى شُكر يومه. غير أن البعض وهو لا يستشعر الآلاء العظيمة التي انغمس بها من طمأنينة وسكينة وسلامة في نفسه وأهله، يسخط على حرمانه من الثراء، وهو بهذا يكون قد غمط واقعه وأتلف دينه ودنياه. غير أن العيش في حدود اليوم لا يعني تجاهل المستقبل والتخطيط له، بل إن هذا يُعدّ من رجاحة العقل، إنما الفارق هو بين «الاهتمام بالمستقبل والاغتمام به». ويتساءل الغزالي بدوره ويجيب قائلاً: «أتدري كيف يُسرق عمر المرء منه؟ يذهل عن يومه في ارتقاب غده، ولا يزال كذلك حتى ينقضي أجله ويده صفر من أي خير». ثم يتساءل في موضوع (الثبات والأناة والاحتيال) عن ردة فعل المرء الذي تداهمه شدّة تهدد كيانه كله، ما هو صانع؟ أيقف شامخاً مطمئناً أم يدعها تهوي به؟ يجيب كارنيجي بخطة عملية ثلاثية، هي: أولاً: تحديد أسوأ ما قد يصيبه، ثانياً: الاستعداد للتقبل، ثالثاً: المواجهة ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه. إن هذا يتفق وقوله ﷺ: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى»، وكما قال الفيلسوف الصيني (لين يوتانغ): «إن طمأنينة الذهن لا تتأتى إلا مع التسليم بأسوأ الفروض» وهو ما يؤكده علم النفس الحديث من أن التسليم يحرر من القيود، وكلما بقي المرء يقظاً لا يستبعد وقوع النوائب، ويقلّب وجوه الآراء ليختار أحكمها «فإن النجاح لن يخطئه». والغزالي بهذا ينبّه على الفرق بين التسليم واللامبالاة، فيقول: «إذا وجدت الصبر يساوي البلادة في بعض الناس فلا تخلطّن بين تبلّد الطباع المريضة وبين تسليم الأقوياء لما نزل بهم.. وأول معالم الحرية الكاملة ألا يضرع الرجل لحاجة فقدها». وإن الإيمان الحق هو ما يشدّ من عود المرء فلا يهزّه ريح، وإن صبر المرء على فجاءة النوازل لا يبرره سوى نفس أبية تهوّن كل فقد. وشتّان بين نظرة المؤمن وغير المؤمن، فإذا تصوّر أحد الماديين الحياة من التفاهة كصرصار يموت من ضربة عابرة يعود بها إلى العدم ويذهب طي النسيان، فإنها تُصبح عند المؤمن كذكرى حافلة بعد أن ينتقل إلى حياة أخرى أجلّ وأصدق وأكثر وعياً. ويحصر الغزالي في موضوع (هموم وسموم) ما أورده كارنيجي من الإحصائيات التي يظهر فيها بني جلدته الأمريكيين مرضى للقلق، تتلاعب بهم علل عضوية وعصبية ونفسية وعقلية، وفي مراحل عمرية متفاوتة لا يسلم منها حتى فئة الشباب، وقد تم تصنيف القلق بالقاتل الأول في أمريكا، وكل هذا سببه اللهاث المحموم نحو إحراز ما أمكن من المال ومتع الحياة الدنيا. ويتساءل «أهذا هو ثمن النجاح؟ هل يعد ناجحاً ذاك الذي يشتري نجاحه بقرحة في معدته ولغط في قلبه؟ وماذا يفيده مرضه إذا كسب العالم أجمع وخسر صحته؟». ثم يستتبع الغزالي هذا التساؤل بحكمته ﷺ: «إن هذا المال خَضِر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع». لا يجد الغزالي في موضوع (كيف نزيل أسباب القلق؟) مظلوماً تواطأ الناس على بخسه وتراخوا عن نصرته مثل (الحقيقة)! وإن هذا المظلوم له من العاملين به والعارفين لقدره القلة من الناس. وعن هؤلاء القلّة يقول: «والحق أن الرجولات الضخمة لا تُعرف إلا في ميدان الجرأة». فكم من دين تأسس على خرافة وأساطير وكم من سلطة حكّمت الهوى وأحالت الخير شرّا. فيقول: «على أن الاهتداء إلى الحق والثبات على صراطه يحتاج إلى جهد ودأب، ويحتاج كذلك إلى استلهام طويل من عناية الله. وقد كان رسول الله إذا حزبه أمر جنح إلى الصلاة يضم إلى عزيمته وجلده حول الله وطوله». غير أن السكينة في تلّقي الحقيقة مهما كانت وضبط النفس حول ما قد يشوبها من شكوك لهو مطلب أساسي في الوقوف على الحقيقة الدامغة ولا شيء غيرها، ومن ثم التصرف بحزم وإنفاذ القرار بعزم خالص.

1047

| 28 مارس 2024

مبادئ الإسلام مقابل توصيات مفكر أمريكي 1 - 4

كتاب تفاؤلي تكمن روعته في الدعوة للانفتاح على الحياة من خلال ما ورد فيه من آراء واقتباسات، توقظ العقل وتعزّز الشعور الصادق والكامن في الفطرة الإنسانية، والتي ولا عجب، حملها من يختلف عنّا عرقاً وعقيدة وثقافة. هذا ما فعله الداعية المجدد د. محمد الغزالي عندما أفرد قلمه ليسطّر ما استلهمه من خواطر الكاتب الأمريكي الرائد عالمياً في تنمية الذات (ديل كارنيجي)، في كتابه الأشهر (دع القلق وابدأ الحياة)، لكن بمنهج إيماني خالص، وبأسلوب يبتعد عن التعصب أو رفض الآخر. وجد الغزالي فيه من آراء الفلاسفة والمصلحين وأحوال الخواص والعوام ما يتفق إلى حد كبير مع المبادئ الإسلامية، فعزم على وضع كتاب باللغة العربية يرد فيه هذا الكتاب إلى «أصوله الإسلامية» كما ارتأى، وقد انتهج في هذا نهجين: عرض النصوص الدينية وعرض ما يقابلها من النقول المذكورة في كتاب الأمريكي. لم يفت الغزالي وهو يضع كتابه أن يحرص على إحياء اللغة العربية وما تزخر به من حكمة، كصدّ للتوجه العالمي المعادي للعرب وللغتهم، فيقول مخاطباً قرّاءه: «وإذا كان ديل كارنيجي يحيا بقرّائه في جو أمريكي بحت، فمن واجبي أن أعيش مع قرائي في جو عربي خالص، لا أتركه إلا للمقارنات الإنسانية الأخرى وهي مقارنات لا صلة لها بجنس معين». إنه د. محمد الغزالي (1917- 1996) عالم دين ومفكر مصري، عُرف بمنهجه التجديدي للخطاب الديني وبأسلوبه الأدبي الرصين، وبمناهضته للآراء الدينية المتشددة التي واجه بها ردود فعل معادية. حفظ القرآن الكريم في صغره ودرس أصول الدين في جامعة الأزهر الشريف، ثم عمل في الدعوة والإرشاد، حتى انخرط في جماعة الإخوان المسلمين بعد أن تعرّف على مؤسسها حسن البنا، ليلتحق أخيراً بسلك التدريس الجامعي. لُقب بالغزالي تيمناً بالإمام أبو حامد الغزالي الذي رآه والده في منامه يبشّره بمقدمه ويوصيه بإطلاق اسمه عليه. وبينما يعرض فهرس الكتاب أربعة وعشرين موضوعاً، تعرض هذه المراجعة ما جال في المواضيع العشرة الأولى فقط. ففي المقدمة، يعبّر الغزالي عن الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها في تمييز الخير من الشر، والتي تظهر لدى أصحاب العقول والأنفس والأمزجة والطباع السليمة بصرف النظر عما يعتنقون من أديان، وهم الذين خصّهم النبي ﷺ في وصيته «استفت قلبك»، لما لهم من قدرة على التمييز الصحيح. غير أن تلك الفطرة عرضة لأن يعتريها الانحراف والعلل ما يقود إلى ظهور الفساد في الأرض، وهو الأمر الذي بعث الله لأجله أنبياءه الهادين المهديين. والشواهد تشير إلى كثير ممن لم يحظ من تراث الأنبياء بشيء لكنه حظي من صفاء الفطرة ما لا يجعله يضل عن الله الواحد الأحد، بل ولعلّه يكون أحسن حالاً وأرجى مآلاً ممّن مكّنه الله من هديه لكنه أخلد إلى الأرض، وكما يُقال: «الناس رجلان: رجل نام في النور ورجل استيقظ في الظلام». بيد أن انحراف الأمم السابقة عمّا أُرسل إليهم قد ختمه الله برسالة إسلامية خالدة تكفّل بحفظها، إلا أن انحراف المسلمين أنفسهم يشكّل افتراءً على الإسلام الذي قد يوصم بسبب انحرافهم بما ليس فيه. يقول الغزالي: «إن التاريخ سجَّل هزائم كثيرة للطوائف التي تُسمى رجال الدين»، وما أحدثوا في فقه النصوص من فوضى تعرض الدين في قالب مشوّه، فما كانت هزيمتهم تحيق بالدين، إنما جاءت كانتصار للدين وتأصيل للفطرة على «الغباء والجمود والنفاق». ينبّه الغزالي في موضوع (جدد حياتك) على أن تمنية النفس بالتحسّن في الحال، والتحوّل في المكان، وإقران الصفحة الجديدة من الحياة بموعد مع أقدار مجهولة، ليس سوى ضرب من التسويف! وعلى الرغم من استشعار القوة مع هذا التسويف وبالنشاط بعد الخمول، فهذا في حقيقته شعور واهم ما يلبث أن يؤول إلى انحدار أشد وأهوى، إذ إن «تجدد الحياة ينبع قبل كل شيء من داخل النفس»، فهذه النفس التي بين جنبات الإنسان، وحاضره الذي يحيا فيه، والظروف المحيطة به بحلوها ومرّها، هي فقط من ترسم له طريق المستقبل. وفي موضوع (عش في حدود يومك)، يرى الغزالي البعض وهو مستغرق في خط لا ينتهي من التفكير المسترسل الذي لا يقطعه سوى وحوش الوساوس، والتي ما تلبث أن تتحول إلى هواجس وقلق وهموم جاثمة، وذلك يُعدّ من الأخطاء التي يغفل فيها المرء عن حاضره لينوء بأعباء المستقبل.

777

| 20 مارس 2024

هذه روايتنا: لماذا طوفان الأقصى؟

صاحب الطوفان الذي أثاره صناديد كتائب عز الدين القسام منذ السابع من أكتوبر الماضي ضد العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة، مشاهد حية تصف النضال الصادق وتفضح دموية الاحتلال، حتى حان الوقت لسرد رواية هذا الطوفان ككلمة حق في وجه السطوة العالمية الجائرة! ففي الحادي والعشرين من يناير، نشر المكتب الإعلامي لحركة المقاومة الإسلامية حماس بياناً رسمياً يضع فيه نقاطا ضخمة على حروف سيكتبها التاريخ، عن حقيقة ما جرى، وأسبابه، وسياقه المتصل بالقضية الفلسطينية، مع دحض الادعاءات الصهيونية. وهو يهديه إلى أهل فلسطين المرابطين، والشعبين العربي والإسلامي، وإلى أحرار العالم أينما كانوا. يرتكز بيان (هذه روايتنا: لماذا طوفان الأقصى؟) على خمسة محاور. ففي الأول (لماذا معركة طوفان الأقصى؟) يروي أسباباً أولها تاريخي يعود إلى 105 أعوام من احتلال فلسطين، كان للاستعمار البريطاني نصيب من 30 عاما، بينما جاء 75 عاما من نصيب الاحتلال الصهيوني، إضافة إلى تهجير 57% من أهلها والاستيلاء على 77% من أراضيهم، مع ارتكاب مجازر وتدمير للقرى تمهيداً للاستيطان الصهيوني عام 1948. وتأتي المنهجية في ممارسة القهر ومصادرة حقوق سكان القطاع كسبب آخر للطوفان، فضلاً عن سياسة الفصل العنصري وتحويل غزة إلى «أكبر سجن مفتوح في العالم». أما استمرار العدوان الهمجي على المدنيين مقابل التجاهل الأمريكي وحلفائه، فضلاً عن توفير الغطاء اللازم لحماية الكيان المحتل، فهو سبب مضاف، يُضاف إليه التعجرف الإسرائيلي ضد التقارير الدولية التي توثّق انتهاكاته، و»تدمير إمكانية قيام دولة فلسطينية» عن طريق مضاعفة الاستيطان على الأراضي الفلسطينية خلافاً لمسار التسوية السلمية في اتفاقية أوسلو. لذا، يثور طوفان الأقصى لسد خطط تهويد المقدسات والاستيطان في الضفة الغربية وفرض السيادة على القدس، ولإطلاق سراح الأسرى القابعين في سجون الاحتلال، وللمبادرة في تحقيق أمل 7 ملايين فلسطيني في العودة. ثم ينتقل البيان للمحور الثاني (أحداث 7 أكتوبر والرد على ادعاءات وأكاذيب الاحتلال) ليؤكد على أن عمليات طوفان الأقصى منذ البدء لم تستهدف سوى المواقع العسكرية الإسرائيلية، بهدف أسر الجنود كخطة للمقايضة وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وقد تم ذلك بالفعل خلال الهدنة الإنسانية. وقد حرص مقاتلو القسام على عدم استهداف المدنيين الإسرائيليين، وذلك كمبدأ لا تحيد عنه حماس منذ تأسيسها عام 1987، مع التأكيد على انتفاء القصد في حال تم ذلك. وقد قصد البيان التذكير بمذبحة الحرم الابراهيمي حيث أطلقت حماس حينها «مبادرة تقضي بأن يتم تجنيب المدنيين ويلات القتال من قبل كل الأطراف»، والتي ضربت بها إسرائيل عرض الحائط. أما ما روجه الإعلام الإسرائيلي من استهداف حماس للمدنيين مع بث بعض المشاهد، فقد أكد البيان مقتلهم بسلاح الجيش الإسرائيلي نتيجة ارتباكه ورعونته بل ولمهانة الشعب الإسرائيلي لديه مقابل تحقيق أهدافه، وهو الأمر الذي أكدته صحيفتا (هآآرت ويديعوت أحرونوت) فيما بعد. كما أن عدد القتلى من الجانب الإسرائيلي لا بد أن يأتي مضاعفاً ما دام يؤمن بفكرة «الشعب المسلح» ويسلح رعاياه في سن الثامنة عشرة، وهو ما جعله «جيش له دولة» لا «دولة لها جيش». ينتقل البيان بعد ذلك إلى المحور الثالث (نحو تحقيق دولي نزيه)، ليؤكد أنه رغم انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن التعنت الإسرائيلي -يسانده الانحياز الدولي- يرفض مطالبات التحقيق في جرائمه. لذا يدعو البيان الدول العظمى -أمريكا وبريطانيا وكندا- إعلان دعم مسار التحقيق في المحكمة، ويدعو فريق التحقيق لزيارة فلسطين المحتلة عاجلاً لمعاينة تلك الجرائم. والبيان إذ يستحضر الأمثلة التاريخية في النضال ضد الاستعمار والفصل العنصري، يؤكد أنه «بمقدار ما كان هناك اضطهاد من قبل المحتل، فإن ذلك كان يستجلب رداً ومقاومة أكثر قوة من قبل الشعب الخاضع للاحتلال، وإن استمرار هذا الاحتلال يمثل تهديداً لأمن العالم واستقراره». أما في المحور الرابع (تذكير للعالم من هي حماس)، فيذكّر البيان بأن حماس «حركة تحرر وطني ذات فكر إسلامي وسطي معتدل، تنبذ التطرف وتؤمن بقيم الحق والعدل والحرية». وهي إذ تؤمن بالحرية الدينية، تؤكد على أن صراعها مع الكيان المحتل لم يكن يوماً قائماً على اضطهاد اليهود أو اليهودية، بل إن التاريخ يشهد على رفض الفلسطينيين للجرائم النازية ضده. كما أن حماس كحركة مقاومة مشروعة الأهداف، فهي «تستمد شرعيتها في مقاومة الاحتلال ومن حق شعبها الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، وفي السعي للتحرر وتقرير المصير، وإنهاء الاحتلال والعودة إلى وطنه». ينتهي البيان بالمحور الخامس (ما هو المطلوب؟) ليطالب بالوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على غزة، ثم معاقبة إسرائيل دولياً وتكبيدها خسائر الحرب، ومطالبة القوى العظمى بالكف عن توفير الغطاء السياسي للكيان باعتباره «دولة فوق القانون»، مع تفعيل دعم العالم الحر للقضية الفلسطينية، ومواصلة النضال عربياً وإسلامياً وعالمياً حتى إنهاء الاحتلال بشكل تام. ولعل أصدق ختام لهذا البيان، الدعاء لمد طوفان الأقصى بالاستمرار في الاندفاع، حتى لا يذر على أرض فلسطين من الصهاينة ديّارا.

918

| 12 مارس 2024

النازية «الإسرائيلية» ومحرقة أرض الميعاد

على الرغم من مرور أكثر من عقدين من الزمان على صدور كتاب (إسرائيل النازية ولغة المحرقة) للمفكر الراحل د. مصطفى محمود، إلا أن الأحداث التي عرض لها لا تقل دموية عن الأحداث الدائرة في طوفان الأقصى منذ شهور، إن لم تكن الأخيرة أشد بطشاً وأثقل وطأة في التخاذل وقلة الحيلة! يبدأ المفكر بمقالة (النبوءة) التي شهدت صعود ظاهرة عالمية يُطلق عليها (الإسلام)، من بنوك واستثمار وأزياء وصحافة، إضافة إلى الجهاد كما في أفغانستان والشيشان وجنوب لبنان، والتي تقرأ ظهورا ثانيا للإسلام يحشد القوى لمواجهة الظهور الثاني لدولة إسرائيل، كما في وعد الآخرة القرآني، وذلك بعد أن يزيل ما تبقى من «الأراجوزات الكبار» ويلحم الجبهة العربية بعد طول تمزق وفرقة. ذلك الصعود الثاني هو أخشى ما تخشاه إسرائيل التي ستفتعل ضده الحروب مستعينة بالتأييد الأمريكي، غير أن المفكّر يتنبأ في مقالة (إنهم يلعبون بالنار) لهذا التأييد بالتلاشي مستعيناً من جديد بالقرآن الكريم! فليست أمريكا سوى (عاد الثانية) التي سيجري عليها ما جرى على (عاد الأولى) وقد جاء في وصف الأولى من العلو والبطش، ما يتطابق ووصف الثانية! يقول المفكّر: «وذلك لغز آخر يجلوه القرآن في إشارة عابرة يصف فيها قوم عاد بأنها عاد الأولى، والمعنى أنه ستكون هناك عاد ثانية! دولة عملاقة تتعملق في صناعاتها كما تعملقت عاد الأولى، هي أمريكا.. ثم يجري عليها حاصد الفناء فيأتي عليها ربنا من القواعد. والمعنى المهموس بين السطور: أن أمريكا لن تظل أمريكا». يتبع المفكر نبوءته بمقالة (النازية الجديدة) التي بها يوصم إسرائيل وغلوها، وإن غاب عنها هتلر! فالفرق كبير بين جنود الصاعقة الألمان وأندادهم من اليهود، «وهو فرق بين شجاعة وجبن.. وبين صمود وفرار.. وبين ثبات وانهيار.. وبين إيمان وكفر»، وعليها ستأتي النتائج كمفارقة أكبر، والموعد هو التاريخ كله، وإن مأساة إسرائيل قد بدأت أولى فصولها وستتوالى! غير أن المفكّر يحذر في مقالة (المختصر المفيد) من «اختصار التاريخ» الذي ستهرول إليه إسرائيل! حيث سيستمر العرب في الاستماع إلى خبر عقد قمة أو على وشك عقدها أو بتأجيلها على أمل عقد أفضل منها، في الوقت الذي تحشد فيه إسرائيل ترسانتها العسكرية وصواريخها النووية، وتعمل على تحقيق مرادها عن طريق التركيع إن لم يُجدِ التطبيع.. وقد عني بالمختصر المفيد سياسة التعقيد والتأييد، وأسلوب حل المشاكل بإقحام العرب في مزيد منها، «واختصار المراحل باستئصال الأوائل والأواخر». وكم كانت مفارقة أن يأتي المفكر في مقالة (نداء إلى الكل) على موقف التلفزيون البريطاني المندد بسياسة إسرائيل ضد المواطنين العرب في داخل إسرائيل ووصفها بالعنصرية، وهو يستعرض تقريراً يفضح مظاهر العزل العنصري، كحادثة إطلاق النار على متظاهرين مؤيدين للانتفاضة، وحادثة قتل اثني عشر شاباً في عملية وحشية، وهدم البيوت بالمدافع على رؤوس ساكنيها «بما أعاد للأذهان جرائم التمييز العنصري في جنوب أفريقيا.. وقد اشتعلت المظاهرات في جنوب أفريقيا ذاتها تنادي بنجدة أهل غزة والخليل ودمغت إسرائيل بالعنصرية في مؤتمر ديربان». ثم يذهب المفكر إلى أبعد من مجرد التغيير الديموغرافي المتمثّل في التطهير العرقي في فلسطين وحدها، وهو يتطرّق إلى خطط إسرائيل المستقبلية في تجريد العرب من كل أشكال القوة لا سيما السلاح والثروة والموارد، وقد عدّت تلك القوة خطر آخذ في الاتساع ليشمل المستقبل بأسره. فيقول: «إن الحكاية أكبر بكثير من تغيير الجغرافيا في فلسطين، وهي أكبر بكثير من تشريد الفلسطينيين! فهي تهدف إلى تشريد كل العرب واقتلاعهم واقتلاع ديانتهم واقتلاع سيادتهم من المنطقة ومن الأرض ومن التاريخ قاطبة». يعود المفكّر من جديد لإسرائيل وأمريكا ليربط بينهما في مقالة (العولمة: الصنم الجديد)، فمن النظام العالمي الجديد وصندوق النقد الدولي إلى اقتصاد السوق، تم تنصيب «آلهة آخر الزمان» التي سنّت العقلية الاستعمارية وشرعنت السيطرة على مقدّرات الأمم باسم (العولمة)، فما يحدث من تخطيط أمريكي ظاهراً هو صهيوني في حقيقته، وإن النظام العالمي الجديد الذي وضعه (عصبة روتشيلد) وصكّوا وسمه على ورقة الدولار الأمريكي مع عين الهرم الماسوني، هو امتداد لتآمر اليهود على العالم منذ القدم، وقد وضع بروتوكولاته حكماؤهم، مرجعهم فيه كتابهم الجامع (التلمود). فبينما يخطط البروتوكول الثاني إلى إغراق البشر في مستنقع الفساد الأخلاقي، يسعى السادس إلى رفع أسعار حاجياتهم الضرورية، في حين ينشر السابع الأحقاد بينهم ويصنع الثورات، ويعمد التاسع إلى القبض على زمام التعليم وضخ المبادئ الماسونية في مقرراته مع نشر الإرهاب والآراء المتطرفة. أما العاشر فيختصّ بنشر الأوبئة، في حين يتسلّط الثاني عشر على وسائل الإعلام ليروّج للأكاذيب ويختلق الإثارة.. وأخطرها «الويل والاغتيالات لمن لا ينفذ تعليماتنا، والقتل لمن يبوح بأسرارنا». ومع أحداث الليلة التي جاءت تحاكي أحداث البارحة، فإن المفكّر الراحل لا يزال حاضراً بما حباه الله من ملكة فكرية وصدق في المنهج وإخلاص لما يعتنق، ما جعل من كتابه هذا كفيلاً لتذكير المؤمنين.

1170

| 22 فبراير 2024

أخبار العرب واليهود قديماً

جاء كتاب (تاريخ اليهود في بلاد العرب: في الجاهلية وصدر الإسلام) عن رسالة لنيل درجة الدكتوراه حول تاريخ اليهود في شبه جزيرة العرب، والتي وضعها المستشرق اليهودي إسرائيل ولفنسون (1899-1980) والملقب بـ (أبو ذؤيب) في إحدى الجامعات المصرية وتحت إشراف عميد الأدب العربي د. طه حسين. وُلد المستشرق في فلسطين ثم انتقل إلى مصر ودرس اللغتين العبرية والعربية ودرّس في جامعاتها، ثم عاد إلى فلسطين وأصدر العديد من الكتب أشهرها الذي بين أيدينا. ولأن إصدار الكتاب جاء في عام 1927، أي قبل احتلال فلسطين بما يقرب العقدين من الزمان، ما يجعله في منأى عن تحيزات الرأي بطبيعة الحال، إلا أنه لم يخلُ من نبرة تعظيم لكل ما هو يهودي، من مكانة رفيعة أساسها شعب الله المختار، وفضل يدين لهم الإسلام وأمة العرب به! رغم هذا، فقد اعتمد المستشرق منهجاً استدلالياً مستعيناً بالمصادر العربية والإسلامية إضافة إلى المراجع العبرية وأبحاث المستشرقين السابقة. ينقسم الكتاب إلى تسعة أبواب. يظهر في الأول (اليهود في بلاد الحجاز) انتقال اليهود من فلسطين إلى أرض الحجاز وقد انقسموا إلى أحبار وأميين، واشتراكهم والعرب في منظومة الأعراف والأخلاق وقرض الشعر، وتفوقهم على العرب في صياغة الذهب وصناعة الدروع الحربية، في حين يظهر في الثاني (ظهور اليهودية في بلاد اليمن) انتشار اليهودية في اليمن كحركة مقاومة للأطماع السياسية التي خاضتها الإمبراطورية الرومانية المشبّعة بالفكر المسيحي، وذلك لانصهار اليهودية كمعتقد مع عقيدة العرب، ويأتي الباب على ذكر قصة أصحاب الأخدود وجيش أبرهة وعام الفيل. أما في الثالث (بطون يثرب وحوادثها وعلاقاتها باليهود)، فيظهر انتقال اليهود إلى يثرب مع حادثة (سيل العرم) التي تسببت في انهيار سد مأرب، والذي بيّنت الأبحاث الاستشراقية في شأن انهياره حوادث متتالية تسببت في إهماله بالتدريج. وفي الرابع (أحوال العرب الاجتماعية والدينية والسياسية في بلاد الحجاز قبيل ظهور الإسلام)، تظهر محافظة اليهود على معتقدهم الديني وإرثهم الفكري رغم الهزائم التي تعرضوا لها على يد أحباش اليمن، في حين لا يعمد اليهود إلى نشر دينهم بين الأمم لإيمانهم باقتصاره على من وُلد لأم يهودية. أما في الخامس (مكة ويثرب إزاء الحركة الإسلامية) فيثير المستشرق أسئلة جدلية حول موقف قريش ويهود يثرب من بيعة العقبة والتي لا تأتي المراجع الإسلامية على ذكرها كشبهة تجاهل، في حين يعرض السادس (هجرة الرسول إلى يثرب وإجلاؤه بني قينقاع والنضير عنها) هجرته ﷺ وصحبه إلى يثرب التي استبشروا بها، حيث اليهود -وهم أهل الكتاب- الأقرب في جوهر عقيدتهم إلى دعوة التوحيد، غير أن اليهود -رغم تلهّفهم لملاقاة النبي الجديد- استغربوا دعوة نفس العقيدة على يد غير يهودي، فهم وإن استقر لديهم أمر محاربة الوثنية، فقد استهجنوا فكرة نبذ العقيدة الابراهيمية التي ترسّخت في قلوبهم والتي اختتمت بالتوراة، تماماً كما القرآن الذي يؤمن به المسلمون ككتاب خاتم. أما السابع (غزوة بني قريظة) فيتعرّض إلى انضمام بنو قريظة مع بني قينقاع وبني النظير إثر حادثة إجلائهم -فيما يعرف بالأحزاب- للحرب ضد الإسلام، وهي الحرب التي أنهت الوجود اليهودي في يثرب تماماً. ويعرض الثامن (غزوة خيبر) تحريض اليهود لقريش ضد المسلمين كسبب رئيسي لشنّ الحرب، إضافة إلى نقض اليهود العهد الذي كان بينهم وبين الرسول، ورغم حصون خيبر المنيعة فوق الجبال، فقد انتهت الحرب بهزيمتهم وإبرام الصلح مع المسلمين. وفي الباب التاسع والأخير (إجلاء اليهود عن البلاد الحجازية) يقوم الخليفة عمر بن الخطاب بإجلاء ما بقي من اليهود لا سيما ممن لم يكن على عهد مع الرسول، حيث تفرّق بعضهم في الشام في حين انتقل البعض الآخر إلى تيماء والحجاز ووادي القرى، حتى انعدم وجودهم شيئاً فشيئاً. وعن الوضع الديني والسياسي والثقافي للعرب في بلاد الحجاز قبل مجيء الإسلام، يقول المستشرق: «وقبيل ظهور الإسلام، وجدت في الديار العربية نهضة فكرية عظيمة كان الاضطراب من علاماتها، وقبيل الإسلام أيضاً أصبحت القلوب صالحة لقبول دعوة دينية جديدة. لو كان واحد من المفكرين الحنيفيين دعا لتوحيد الإله مع إبقاء النظم العربية الاجتماعية التليدة لكانت دعوته قد صادفت أرضاً خصبة. وبقيت أفكار أهل الجزيرة العربية مضطربة اضطرابا عنيفاً بين اليهودية والنصرانية والوثنية إلى أن ظهر رجل رفع علم النبوة وصار غرة ناصعة في جبين الدهر ومجداً باقياً ما بقي الزمان وأرغم التاريخ على أن ينحو نحوا جديداً.. وكان اسمه محمد بن عبد الله من آل قريش من مدينة مكة». ختاماً، ومع هذا البحث الأكاديمي الذي حذّر بعض أصدقاء الباحث من احتمالية تهييجه عواطف الطائفتين، خصوصاً فيما ثار من خلاف بين نبي الإسلام ويهود يثرب، والسخط المرافق حال ميل الرأي ضد الأخرى، فهو يؤكد بدوره في تصدير الكتاب: «أن رسالتنا موجهة إلى طائفة المفكرين الذين لا ينشرون دعوة خاصة في كتاباتهم، بل يقصدون دائماً البحث المجرد عن العواطف القومية والدينية».

2631

| 08 فبراير 2024

كنعان العماليق وأرض كنعان الجديدة

عبر الكلاسيكيات العبرانية التي حرص مؤدلجوها على رسمها بعناية خلال القرنيين الماضيين، يعرض كتاب (تلمود العم سام: الأساطير العبرية التي تأسست عليها أمريكا).. (فكرة إسرائيل) ومولدها على أرض فلسطين مع طلائع الاحتلال البريطاني للقدس في التاسع من ديسمبر لعام 1917، وهي تتضمن المهمات الأساسية الثلاث التي لا تتحقق إلا بالعنف وحده، وهي: «احتلال بلاد الآخرين. استبدال سكانها بسكّان غرباء واستبعاد من يعصي منهم على الاستبدال. استبدال ثقافتها وتاريخها بثقافة المحتلين الغرباء وتاريخهم». كانت هذه الفكرة التي محقتها إرادة الكنعانيين الأسطورية في صورتهم البدوية من أرضهم مرة تلو أخرى، قد ألهبت مخيلة الحجاج الإنجليز قبل غزوهم القارة الأمريكية أواخر القرن السادس عشر! فمدينة (كايب كود) التي أصبحت فيما بعد (نيو إنجلاند-إنجلترا الجديدة) قد أطلق عليها أولئك القديسون الذين تسمّوا بـ (المستعبرين) قبل إبحارهم نحوها بـ (كنعان الجديدة)، أو بتخصيص أدق (كنعان الإنجليزية) بل و(إسرائيل الله الجديدة) و(أرض الميعاد)، وقد اعتبروا أنفسهم الورثة الحقيقيين لليهود الذين تخلو عن جوهر رسالتهم المتمثلة في (فكرة إسرائيل)، فما عاد من (شعب مختار) يحمل رايتها وهو يمجّد الإله سواهم، وهو الشعب الأبيض المتحضّر الديمقراطي الذي نصّب عرشه فوق مقبرة جماعية لهنود حمر ينتمون لشعب بربري إرهابي منحط.. كما يؤكد المؤلف في مقدمة كتابه. والمؤلف هو د. منير العكش، أستاذ الإنسانيات واللغات الحديثة في جامعة سفُك الأمريكية، والذي أصدر العديد من المؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى مشاركته في إدارة أحد أبرز مراكز الأبحاث العربية في الولايات المتحدة الأمريكية. ويُذكر عنه تكريس جهوده في دراسة تاريخ الهنود الحمر وثقافتهم منذ وصوله، وقد حصل على (وسام أوروبا) من البرلمان الأوروبي تكريماً لجهوده في مشروع حوار الحضارات العالمي. وككاتب ومفكر ومؤرخ، فإنه «سوري بالمولد.. فلسطيني بالاختيار» كما يحب أن يُعرف. إن هذه النسخة الإنجليزية من (فكرة إسرائيل) قد لازمت التاريخ الأمريكي قبل ولادة الأب الروحي للصهيونية العالمية (تيودور هرتزل) بأكثر من ثلاثة قرون، وهي التي تبنّاها -إلى جانب اللاهوتيين في صيغتها المقدّسة- العلمانيون فيما يُعرف بالدين المدني، وهو الذي كان يعبّر عن «تاريخ القناعة الراسخة بأن الأمريكيين هم الإسرائيليون فعلاً وشعب الله حقاً»، وذلك عندما تلبّست (فكرة إسرائيل) جوهر (فكرة أمريكا) وأصبح من المسلمّات، حسب رأي عالم الأديان الأمريكي كونراد «أن الأمة الأمريكية أقرب إلى الإسرائيليين الأوائل من أي شعب آخر على وجه الأرض. لهذا شاعت تسمية (أمريكا الإسرائيلية) على بلادنا». ولأن الأرض، أي أرض، لا يفرّط بها أبناؤها، فقد كانت لتلك الفكرة المزدوجة أن تقدّس طقوس العنف، حيث إن «كل بلاغة العنف الأمريكية كانت وما تزال تستمد استعاراتها من أدبيات (فكرة إسرائيل) وقصصها المقدسة وأنماط سلوك أبطالها». ففي الخطبة التي ألقاها «أحد أبرز أنبياء أمريكا الإسرائيلية» أمام كتيبة الجنود المتوجهة لغزو الهنود، استعارات تنفخ الروح في الأساطير العبرانية وتسقط المعنى الإسرائيلي على أمريكا، فما أولئك الجنود سوى «بني إسرائيل في مواجهة العماليق» وما عليهم كأبناء إسرائيل الجدد «إلا أن ينقضّوا على أعدائهم بالطريقة التي انقض بها العبرانيون على أعدائهم العماليق! فليُسحقوا كغبار تذروه الريح، وليُسكنوا مثل الوسخ في الشوارع، إلى أن يبادوا فلا يبقى منهم أثر». وهكذا كانت أخلاق العنف التي اعتنقتها (فكرة أمريكا) في حرب الإبادة التي شنّتها على الهنود الحمر، كما تحلّت بها من قبل (فكرة إسرائيل) التاريخية. غير أن لهذا العنف بُعدا مقدّسا يبيح قتل الهنود وإخضاعهم وسلب أرضهم وأرض آبائهم، وذلك من جانبين «تارة لأنهم عماليق أو عمونيون أو كنعانيون أوصت السماء بقتلهم أو تشتيت شملهم حتى يتم أمر الله بتأسيس إسرائيل الجديدة، وتارة لأن إبادة الرجال والنساء والأطفال وقتل المواشي وتدمير المدن وتقويض المعالم الثقافية لازم للحفاظ على نقاء شعب الله». وكم تتقاطع هذه التبريرات مع ما لفّقه الصليبيون من أعذار لشن حملاتهم في القرون الوسطى، والتي استعذبها الإنجليز وتساموا في جرائم القتل والنهب والإبادة ضد الهنود الحمر إلى «مرتبة العبادة». قدمت (فكرة إسرائيل) للشعب الإنجليزي المختار ما يحتاجه من منظومة أخلاقية متكاملة لاجتياح مجاهل القارة الأمريكية وإفراغها من شعبها الأصيل، وكانت (المجاهل) حينها تُعرّف بـ «كل أرض لا يسكنها إنسان أبيض»، فضلاً عن إيمانهم التام «بأن الله يحارب معهم» والذي انضم من قبل مع ميليشيات المستعمرين الأوائل «وأرسل الأوبئة رحمة منه لقطع دابر الهنود وإفراغ الأرض للإنجليز.. وهو الذي يزور البيت الأبيض من آن لآن ليكلم الرؤساء ويأمرهم بتحرير هذا البلد او ذاك». ومع هذه القناعة التي ميّز بها إله الإنجليز الخبيث من الطيب، ورسم بهم الحد الفاصل «بينه وبين أولياء الشيطان»، فقد «تحولت كل مجاهل الأرض المرشحة للمصير الكنعاني إلى ممالك شر لا بد من تدميرها»، وأصبح «حق الحرب» الذي منح الإله شعبه الأنجلوسكسوني، تفويضاً سامياً لاجتياح تلك المجاهل، وكأمانة في أعناقهم يعيدون بها صياغة العالم.

2877

| 01 فبراير 2024

التوراة وفرية اليهود

بينما يوجز الحديث الصحيح المعنى الوارد في قول النبي الأكرم ﷺ: «وَحَدِّثُوا عن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ»، يتكفّل هذا الكتاب بالشهادة على صدقه فيما يعرض من جبلة اليهود وما هي عليها من صفاقة وتضليل وتدليس، كحقيقة لا لبس فيها! كطبيعة بشرية جُبلت على تقديس قوة عظمى تعلوها، يصبح من الصعوبة بمكان المس بالذات التي تم تنصيبها كرمز سامٍ أو كمثل أعلى، بل وقد كانت تُشن الحروب عندما تسبق دابة قبيلة بهيمة الأخرى، حتى تأتي التوراة بأشنع ما يمكن تصوره في حق صفوة خلق الله، بل في ذاته تبارك وتعالى «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا». فعن التوراة ككتاب سماوي أوحي به إلى موسى عليه السلام -وهو أحد أولي العزم من الرسل- فإن الجدل حول مدى مصداقيتها قد تلقفته الأديان السماوية الأخرى بالأخذ والرد، إضافة إلى فرق اليهود أنفسهم. حيث لا يعترف السامريون سوى بالأسفار الخمسة الأولى من التوراة والتي تأتي على الحقبة من آدم إلى موسى عليهما السلام، بحيث يصبح ما تبقى من الأسفار مجرد ذكريات تاريخية تصف أحداثاً وقعت لأصحاب موسى بعد وفاته بمئات السنين ولا يد له فيها، فما هي إلا كتابات أصحابها ولا يصح تضمينها الكتاب المقدّس. وبحجة أنها غير محسوبة على التوراة كأسفار مقدسة، تحذف الكنيسة البروتستانتية أسفار باروخ وطوبيا ويهوديت والمقابين الأول والثاني، وبعض من سفر أستير وسفر دانيال، في حين تعترف الكنيسة الكاثوليكية بها جميعاً. أما المسلمون، ومع إيمانهم بموسى عليه السلام كنبي مرسل إلى قوم يهود بكتاب التوراة المنزّل من الله، فإنهم لا يؤمنون بصدق التوراة المتداولة، وذلك لما طالها من التحريف والتبديل على أيدي اليهود أنفسهم، وكما جاء في النص القرآني عن ديدنهم: «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ». يضع كتاب (التوراة) المفكّر الراحل د. مصطفى محمود في تسعينيات القرن الماضي، وهو إذ يؤكد من ناحية على تأصل الحمض النووي في خلقة اليهود الأولين والآخرين وفي أفعالهم -وما أشبه الليلة بالبارحة- يؤكد من ناحية أخرى على أصالة الفكر الحر، وحضور المفكر -وإن كان غائباً- بجزالة فكرة، وصدق منهجه، وإخلاصه لما يعتنق. ويُعتبر الكتاب القصير نسبياً بمثابة مقدمة تعريفية لما جال وصال في التوراة، وكدافع تحفيزي للاستزادة والاطلاع على مراجع أكثر تفصيلاً، بل وعلى التوراة نفسها. يبدأ المفكّر في فضح أباطيل اليهود من خلال توراتهم المزعومة، إذ أن «القراءة المتأنية للتوراة المتداولة لا يخرج منها القارئ بأنه أمام كتاب أوحى به الله! فالأنبياء الذين تعارفنا على إجلالهم واحترامهم نراهم في التوراة عصبة من الأشرار، سكيرين ولصوصاً وزناة وكذابين ومخادعين وقتلة.. والله نراه يفعل الفعل ثم يندم عليه، ويختار رسوله ثم يكتشف أنه قد أخطأ الاختيار، وكأنه لا يدري من أمر نفسه شيئاً ولا يعرف ماذا يخبئه الغيب! نرى الله في التوراة ينام ويستيقظ، ونقرأ في سفر زكريا الاصحاح ‎الثاني: (واسكتوا يا كل البشر قدام الرب لأنه قد استيقظ من مسكن قدسه). والرب في التوراة يخلق العالم في ستة أيام ثم يتعب، ويحل عليه الإرهاق ‎فيستريح». يستمر فجور اليهود ليمس أنبياء الله بعد تطاولهم على مقامه جلّ وعلا، فيقول المفكّر: «أما الأنبياء فقد قارفوا جميع الخطايا. نقرأ عن نوح عليه السلام أنه شرب خمراً حتى سكر وتعرى داخل خبائه، ورأى ابنه حام عورته فأخبر أخاه سام فجاء سام ويافث وسترا عورة أبيهم، فلما تيقظ الأب وعلم بالأمر دعا باللعنة على حام ونسله من الكنعانيين، يكونون عبيداً لسام مدى الدهر (والغرض السياسي هنا واضح بالنسبة لليهودي الذي كتب هذا الكلام، فهو يدعو على أبناء حام -وهم الفلسطينيون والمصريون- بأن يكونوا عبيداً للساميين اليهود، وتحت حكمهم مدى الدهر». بل إن أولئك الساميين الذين لم يتورعوا عن عبادة الأصنام، قد دفعوا بموسى ليتبجّح عند الله معاتباً حين غضب عليهم، وهو يأمره: «ارجع يا رب من غضبك واندم» فيتأثر ذلك الرب ويطيع من فوره «فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه». ومع الفحش الذي يقابله قول ابن داوود الملك في أورشليم كما ورد في سفر الجامعة: «رَأَيْتُ كُلَّ الأَعْمَالِ الَّتِي عُمِلَتْ تَحْتَ الشَّمْسِ، فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ».. يختم المفكّر كتابه بالتنبؤات التوراتية التي وافقت القرآنية فيما يخص علو شأن بنو إسرائيل في آخر الزمان، مع فارق الخاتمة! ففي حين تصفه التوراة «علواً إلى نصرة مطلقة وسيادة على العالمين إلى يوم الدينونة»، يصفه القرآن الكريم بالطغيان «علواً ينتهي بهزيمة وخراب وتحطيم لما بنت إسرائيل ولما عمرت». وبما أن الأيام يداولها الله بين الناس، فيترك المفكّر ذلك العلو للتاريخ، ولليهود الابتهال لربهم وحدهم، وللمؤمنين التضرّع لرب العالمين، وللأقلام التي كتبت التوراة أن تتحطم، وللقلم الذي تجري عليه المقادير أن يستكمل كتابه في مشهد آخر الزمان «ليسطر نهاية الكتاب بما يرى ويشهد».

1422

| 25 يناير 2024

حين تتحدث الآثار عن القدس

يبدو أن تاريخ القدس -في حد ذاته- يفتح أبواباً واسعة على مجالات غامضة تستعصي على البحث، وهي لا تزال مثار جدل بين المختصين حتى الوقت الحاضر! إذ يعتقد المؤرخ مؤلف الكتاب أن هذا التاريخ يتداخل من جهة مع ظهور المستوطنات الرعوية والزراعية في حقبة ما قبل التاريخ، ومن جهة أخرى مع الهجرات الأولى لشعب الآموريين إلى بلاد الشام، ومن جهة ثالثة مع هجرات الكنعانيين واستيطانهم أخيراً أرض فلسطين. والمؤرخ إذ يعرض لهذه الهجرات، فهو يحذّر من الوقوع في فخاخ المرويات التوراتية التي تحلّق بالتاريخ بعيداً نحو الملاحم والأساطير والحكايات الشعبية، والتي من شأنها إعاقة تمييز ملامح التاريخ الحقيقي.. وهو يرى أن هذه المرويات قد أطاحت بآراء أكثر العلماء جدية ورصانة. لذا، ينحي المؤرخ في منهج البحث التاريخي الذي اعتمده عند تناوله تاريخ القدس القديم أيا من تلك المؤثرات الدينية التوراتية، لا سيما فيما يتعلق بنشأة مدينة القدس في العصرين البرونزي والحديدي، أي خلال ما يقرب ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، التنحية التي قد يجدها البعض صادمة لما درج عليه البحث التاريخي من أخذ الخلفية التوراتية بعين الاعتبار، ويعتمد بدلاً عنها على علم الآثار واكتشافاته الحديثة القائمة على تطور العلوم والبحوث التاريخية الرصينة، وتحديداً الآثار المنقولة والثابتة عن أرض مدينة القدس.. في محاولة استقرائية منه لكشف خفايا تلك الآثار من أحداث تاريخية، والإجابة على العديد من التساؤلات المفصلية. لذا، يقول المؤرخ بعد أن يستعرض مادة بحثه: "أملنا كبير جداً ألا يقع الباحثون (والعرب منهم بشكل خاص) في شرك المرويات التوراتية وهم يتناولون تاريخ فلسطين والقدس، وأن يعودوا إلى علم الآثار الذي يقف بقوة صارمة أمام المرويات ويفنّدها، وهو الذي أعاننا على كتابة هذا الكتاب". وعن المؤرخ، فهو (د. خزعل الماجدي 1951)، أكاديمي وباحث ومؤرخ وشاعر، حاصل على درجتين في الدكتوراة، الأولى في التاريخ القديم والثانية في فلسفة الأديان، ويعمل كأستاذ جامعي في تاريخ الفن والحضارات والتاريخ القديم، كما أنه عضو في اتحاد المؤرخين العرب واتحاد الكتّاب العرب. وبالإضافة إلى مؤلفاته المسرحية، فقد أصدر أكثر من خمسين كتاباً في المجالات الفكرية والعلمية والأدبية، بين الأديان والفن والشعر والاستشراق والتاريخ والحضارات والأساطير، وقد تُرجم بعض منها إلى لغات أجنبية. تعتمد مراجعة كتاب (تاريخ القدس القديم: منذ عصور ما قبل التاريخ حتى الاحتلال الروماني) على الطبعة الثالثة الصادرة منه عام 2021 عن (دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع)، وهو ينقسم إلى أربعة فصول رئيسية يندرج تحت كل منها عدد من المباحث. هي: (الفصل الأول: فلسطين في عصور ما قبل التاريخ): ويبحث في أرض القدس -قبل تأسيسها كمدينة- عن قرى ومستوطنات رعوية وزراعية، كمحاولة للتعرف على النمو الحضاري الذي ساد الشرق الأدنى ككل مع نهاية العصر الحجري القديم ونشأة الحضارتين الكبارية والنطوفية على أرض فلسطين، ما عمل على نقل الأرض إلى مستوى حضاري رفيع ومبكّر نحو العصر الحجري الحديث ومن ثم العصر النحاسي، وقد عجّل بنشأة المدن ككل ومهّد لولادة مدينة القدس. (الفصل الثاني: القدس في العصر البرونزي): وهو العصر الذي شهدت بداياته تأسيس مدينة القدس على يد الآموريين، خلاف ما يذهب إليه بعض الباحثين من تأسيسها ابتداءً على يد اليبوسيين، حيث إنه -وفق البحث الآثاري- فقد شهد العصر البرونزي المبكر ظهور مدينة القدس الأولى (الآمورية)، بينما برزت مدينة القدس الثانية (الكنعانية) في العصر البرونزي المتوسط، في حين توّج العصر البرونزي المتأخر ظهور مدينة القدس الثالثة (اليبوسية)، وقد كان لكل مدينة على حدة تاريخها وأحداثها وآثارها وعمرانها ودياناتها. (الفصل الثالث: القدس في العصر الحديدي) وهو يختص بتاريخ القدس في الألف الأول قبل الميلاد، وهو العصر الذي يُعتبر الأكثر إثارة للجدل من حيث تأثير الروايات التوراتية في صنعه عند معظم المؤرخين والباحثين، بحيث استعصى تنقية البحث العلمي النزيه من أوهامها! ففي هذا العصر، لا يظهر أي دليل أثري على غزو القبائل الإسرائيلية المزعوم لأرض فلسطين، ولا نشأة مملكتي إسرائيل ويهوذا وتوحيدهما، ولا بعثة النبيين داوود وسليمان، إذ يخلو تاريخ فلسطين ومنطقة الشام بل وتاريخ الشرق الأدنى ككل من تلك الأحداث. غير أن العصر الحديدي الثالث -والذي يتقاطع مع الاحتلال الفارسي للقدس ثم الهيلنستي- فيشهد ظهور الدين اليهودي كمكمل للدين اليهوذي السابق له، ومعه يستهل تدوين نواة التوراة. الفصل الرابع: (القدس في العصر الهيلنستي-أورشليم الهيلنستية) وهو يفتح الأبواب المؤصدة حول نشأة الدين اليهودي الحقيقي لا التوراتي، حيث يتعرّض للفترات البطلمية والسلوقية التي تبدو أنها قد صقلت الدين اليهودي وأتمّت كتبه وشرائعه وطقوسه، إلى الاحتلال الروماني للقدس والذي يشكّل مع الاحتلال البيزنطي لها مادته التاريخية الأساسية. ختاماً، لقد كان المؤرخ من العزة أن يقدم كتابه إلى "فلسطين الصابرة على جرحها، ولشجاعتها في الصمود والقوة" وهو يتمنى أن "يعزز من أصالة شعبها الفلسطيني الحاضر (العربي الكنعاني الآموري) الجذور فيها". [email protected]

1203

| 18 يناير 2024

alsharq
طيورٌ من حديد

المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...

2781

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
المدرجات تبكي فراق الجماهير

كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...

2466

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
انخفاض معدلات المواليد في قطر.. وبعض الحلول 2-2

اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...

1752

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
طال ليلك أيها الحاسد

نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...

1467

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
حين يوقظك الموت قبل أن تموت

في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...

1101

| 29 أكتوبر 2025

alsharq
من المسؤول؟

أحيانًا أسمع أولياء أمور أطفال ذوي الإعاقة يتحدثون...

732

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
مِن أدوات الصهيونية في هدم الأسرة

ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن...

723

| 02 نوفمبر 2025

alsharq
الشعبوي.. كظاهرة صوتية

من الشيق استرجاع حدث سابق تم تحليل واقعه...

690

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
بعد آخر توقيع... تبدأ الحكاية

ليست كل النهايات نهاية، فبعضها بداية في ثوب...

690

| 29 أكتوبر 2025

alsharq
الإزعاج الصوتي.. تعدٍ على الهدوء والهوية

في السنوات الأخيرة، أصبحت الأغاني تصدح في كل...

639

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
المقامة الكَوّارية عن الصمدة القطرية في مكتبة قطر الوطنية

الحمدُ للذي أنطقَ اللسان، وجعل للكلمةِ سُلطانا وللبيانِ...

582

| 02 نوفمبر 2025

alsharq
عمرانٌ بلا روح: كيف نخسر هويتنا في سباق التنمية؟

نقف اليوم أمام صروحٍ زجاجية تناطح السحاب، ونمشي...

555

| 29 أكتوبر 2025

أخبار محلية