رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

كيف كانوا.. وكيف كنا؟

قبل كل شيء فإن هذا المقال يمثل رأيي الخاص وإن اختلف معي أحدهم. لا شك أن ديننا العظيم هو دين الرحمة، وقد تعلمنا منذ الصغر أن نتكاتف حين نجد من المسلمين من يشكوا ضيقا أو فاقة، وأننا حين نهب جميعا لجمع التبرعات لدولة أو أمة تطلب العون هو جزء من إيماننا بديننا العظيم. وأذكر أنني منذ أن كنت في المرحلة الابتدائية كنا نتعاون مع المدرسة لجمع التبرعات لأهالي فلسطين فكان ذلك من دواعي فرحنا نحن الصغار رغم أن ما كنا نتبرع به لا يتجاوز الريالات المعدودة من مصروفنا الشخصي. ومنذ أيام قليلة بثت إحدى القنوات الخليجية برنامجا يضم عددا من الضيوف بهدف جمع التبرعات، وكان أحد الضيوف يحاول أن يردد كلمات مؤثرة، كي يؤثر بها على المشاهدين، ويحثهم للمشاركة بالتبرع، وقال: إن أبناءهم يخرجون للعمل لإعالة أسرهم وهم أطفال صغار، بينما أبنائنا سعداء يتمتعون بالرفاهية، ويفكرون في أرقى مراتب التعليم، وفي بناء مستقبلهم الزاهر. وجميل جداً قول بعض الكلمات المؤثرة للناس كي يشعرونهم بمعاناة إخوانهم المسلمين، ولكن من غير الجميل أن يعقدوا المقارنات بين أبنائنا وشبابنا وكيفية عيشهم الرغيد وكأنهم يستكثرون عليهم الخير الذي منحه الله تعالى لهم، والذي جعلني أحب كثيراً أن أبدي وجهة نظري. هناك أشياء يجب ألا ينساها الجميع، إننا في ماض غير بعيد، وفقط قبل ما يقارب الخمسين عاماً مضت، قد عرف آباؤنا وأجدادنا الأهوال، حين أرسلوا صغارهم الذين تستكثرون على أبنائهم اليوم ما حباهم الله تعالى من نعمة إلى عمق البحر، فعندما دخل والدي رحمه الله البحر كان سنه لا يتجاوز الثانية عشر عاماً فلا مفر من ذلك، فقد وجد والده يوماً وهو ملقى ميتاً على الشاطئ بصعقة البرق في شتاء قارص لم يمنعه من أن يخرج لعله يجد بضع سمكات يعود بها لهم. أين كان هذا العالم كله حين كانت النساء تفترش شواطئ ارتبطت بالوداع والدموع، ثم الامل والانتظار بعيون تترقب عودة الصغار قبل الكبار الذين ذهبوا مبكرا لرحلة الشقاء والموت، ومعاناة كثيرة عاشها إنسان هذه الأرض يصعب وصفها على الورق، فورائهم أرض صحراء قاحلة وأمامهم أهوال البحر، تفرقوا وخرجوا من بيوتهم وعبروا البحر بحثا عن الرزق، ثم عادوا رغم ما رأوه من تعب لأرضهم الطيبة. وما يلفت نظري في العلب الخاصة بالحلويات المتنوعة التي تأتينا من بعض الدول العربية هوالعام الذي تأسست فيه والذي غالبا ما يتعدى المائة عام، حين كانت بضع تمرات هي أقصى أمنيات أجدادنا. وما أراه من قصور وأزياء وبذخ في الأفلام القديمة كان تاريخ عرضها في دور السينما آنذاك ينم عن أسلوب حياتهم في تلك الحقبة الزمنية، بينما هو نفس الوقت الذي كان أجدادنا لا يعرفون فيه من الحياة شيئا سوى كيفية جمع قوت يومهم، وأيضا عندما رآهم الآباء بعدها على الشاشة لم يكونوا ينظرون لهم بعين الحاسدين أبدا، بل كانوا ينظرون لهم بعين الانبهار والاعجاب، ورغم كل الشقاء كانت قلوبهم أنقى من أن تحسد أو تحقد، فمن رزقهم هو من رزقنا، فهنيئا لهم وهنيئا لنا. نعم جميل أن نتعاون ونعطي من مالنا لمن يحتاج ممن حولنا وأن نهب لنصرة أهلنا في كل مكان، ولكن ليس من الجميل أن ينظر لنا بعين حاسدة نسيت أننا كنا يوما في وضع أسوأ. إن ما نحن فيه الآن من نعمة نحن وأبنائنا الذين مَنْ الله عليهم بطيب العيش، إنما هو نتاج صبر آباؤنا وأجدادنا، ومن حقنا أن نفكر في تعليمهم، وفي بناء مستقبل زاهر لهم. لقد كبرنا ورأينا قصورا عتيدة لملوك وسلاطين بعض البلاد الأخرى التي كانت تعيش البذخ وفي نفس الوقت كبرنا ونحن نرى بيوت حكامنا وأهليهم لا تفرق عن بيوتنا كثيرا وهم يعيشون بيننا في بيوت أسوارنا وأسوارهم تكاد تتلاصق بعضها ببعض، وعندما أنعم الله على هذه البلاد كان الخير عميما للجميع، ولم تبخل به بلادنا الكريمة على البلاد الأخرى ممن حولنا، وكانت هذه جائزة السماء لآبائنا وأجدادنا الذين تحملوا من أجل هذا الوطن وعرفوا معنى الشقاء. بالله عليكم لا تكفوا عن جمع التبرعات ومساعدة ونصرة أهلينا في كل مكان. وبالله عليكم كفوا عن أسلوب الحاسدين الذي يولد الاحقاد أكثر مما يثير الشفقة، والتذكير بأن أبناءنا يعيشون في خير ورفاهية، وكأن تفكيرنا في رفاهيتهم وبناء مستقبلهم جريمة. إن وطننا وأبناءه يستحقون كل ما بهم من نعمة، هذا الوطن الذي استمد قوته العظيمة من الضعف، وبنى مجده بقوة أبنائه الطيبين وصبرهم وعزيمتهم، فليهنأ الجميع على هذه الارض، وليتمنى الجميع الأفضل، وليتمتع الجميع بالخير، فمن أعطانا هو الله، والحمد.. كل الحمد لله رب العالمين.

937

| 11 يونيو 2012

ستائر النسيان

هل يستطيع الإنسان عندما يقرر أن ينسى أحداثاً كثيرة مرت في حياته أن ينفذ قراره؟ وهل يستطيع لمجرد هذا القرار أن يلغي مساحات من الماضي؟ أشك في ذلك. من الصعب جداً أن نقرر متى نتذكر ومتى ننسى، بل أحياناً لا نتذكر إلا ما نريد أن ننساه، ولاننسى إلا ما نريد أن نتذكره. فقد يستطيع الإنسان أن يتحكم في حركة يده أو وجهه أو جسمه الكبير كله، لكنه يعجز عن التحكم في ذاكرته الصغيرة التي تحمل أرشيف حياته، ماضيه وحاضره. والتي لا يستطيع أن يرمي من أوراقها أو يعدمها أويخفيها، ويتركها لمرور الأيام والزمن الذي يكون غالباً كفيلاً بدفن الكثير من صفحاتها. ولا شك أن النسيان نعمة عظيمة على الإنسان لما قد يسببه الاستسلام لبعض الذكرى من آلام للنفس، وصعوبة في الاستمرار، والتعايش مع الواقع. وجميل أن يستطيع الإنسان أن يسدل ستائر النسيان السميكة الداكنة، على أشياء لا يحب أن يسترجعها، لأسباب كثيرة، رغبة منه أن يلغيها من ذاكرته. وقد يتفق الجميع على فائدة نعمة النسيان العظيمة للإنسان، إلا أنني كثيراً ما اعتقدت بأهمية أن يعتاد الإنسان بين فترة وأخرى أن يجلس لحظات مع نفسه قليلاً، ويفتح ستائر النسيان المسدلة، ليلقي نظرة على الماضي مهما كانت قسوته، فنحن في حاجة لتذكر الكثير مما مضى، كي نتعلم الكثير لما هو آت. نحن في حاجة لأن نستعيد ذكرى بعض مواقف الضعف في حياتنا، والتي استغلها البعض ضدنا، مخلفاً لنا جروحاً كبيرة، حتى نستمد منها القوة، ونتجنب أن نقف موقف الضعيف أبداً. ونحن في حاجة أن نستعيد ذكرى كل ما ندمنا عليه، من أخطاء ارتكبناها في حق أنفسنا، أو في حق الآخرين، حتى نتخذ منها العبرة التي تجعلنا لا نكرر نفس هذه الأخطاء، ولكي تذكرنا بأن علينا ألا ننسى أن نستغفر الله كثيراً. ونحن في حاجة لأن نستعيد ذكرى الصدمات التي أصابتنا، بسبب سوء تقديرنا واختيارنا، لنتعلم أن نفكر كثيراً، وأن نتمهل قليلاً قبل أن نختار. ونحن في حاجة لأن نتذكر أياماً مضت، ونستعيد وجوهاً غالية رحلت وغابت، لا لنذرف دمعة وفاء فقط، وإنما شكراً وامتناناً لما أورثونا من تجاربهم، التي تعلمنا منها الكثير، ولنتذكر أن ندعو لهم كثيراً بالرحمة والمغفرة. ونحن في حاجة لنفتح هذه الستائر حتى نتذكر كيف كنا؟ وما هي حقيقتنا التي نخفيها؟ ونتذكر كل ما مر علينا من ضعف، حتى وصلنا لما نحن فيه من قوة، كي لا تسول لنا أنفسنا أن نترفع على غيرنا، وننظر لهم من أعلى. ونحن في حاجة لأن نستعيد ذكرى كل الهموم والآلام التي مضت، لنشعر بطعم ما نحن فيه الآن من سعادة، ولنتذكر أن نحمد الله كثيراً على كل شيء. ولكل ذلك وغير ذلك، فلا بأس من فتح ستائر النسيان قليلاً، ولا بأس من أشعة قد نشعر بعدها بحرقة تأتينا من ذكريات، كنا نحب أن ننساها، ترسل الضوء على حياتنا، فتبعث لنا النور الذي يجعلنا نبصر جيداً بعده، ونرى الأشياء بوضوح، وتمد عظامنا بالقوة التي تجعلنا أصلب في مواجهة الكثير من محن الحياة وتجاربها. لنتوقف قليلاً، وللحظات، ونفتح ستائر النسيان.

1237

| 05 يونيو 2012

هان الود

أحيانا أتساءل كيف يمكن لأسمى العلاقات وأوطدها أن تنتهى بسرعة، كيف يمكن لما قد تبنيه سنون العمر من حب وود لأن يفقد كل أوكسجينه ويختنق، ويموت فى دقائق تقتلعه من جذوره، وتقضى عليه نهائيا. نعم يحدث أن يهون كل الود ويباع كل الحب فى لحظة غضب، لا يستطيع بعدها أن يستعيد عافيته أبدا ولا تقوم له بعدها قائمة، وان لملمنا أجزاءه كى نعيد شيئا من شكله القديم. فالغضب كالضباب الذى ينتشر بقوة ويختفى سريعا، ولكن فى ظل صعوبة الرؤية فيه نكتشف بعدها ما خلفه من خسائر، كالاعصار السريع الذى لا يخلف بعده الا الدمار. من الأشياء التى لا تنسى انه فى احدى السنوات كانت العائلة التى تبدو السعادة والود على وجه أفرادها القادمين من اجازتهم الصيفية فى أحد المطارات، يتبادلون الأحاديث والضحك، وفجأة حدث بين الزوج وزوجته شجار سرعان ما تحول الى مشادة كلامية فما كان من الزوج وهو فى حدة غضبه الا أن رفع يده وصفع زوجته أمام جميع من كان حولهما من المسافرين، فى منظر مؤسف حقا، فما كان من زوجته فى تلك اللحظة الا أن يرتفع صوتها أمام الجميع مطالبة بطلاقها الفوري، ورفضها التام أن تصعد معه على نفس الطائرة، ولا شك أن استجابتها السريعة تلك لم تكن من رغبة حقيقية لكنها نوع من الثأر واستعادة شيء من كرامتها التى أهينت، وردا لاعتبارها كى لا ينتهى الموقف بضعفها. ورغم ان لحظة الغضب الطائشة تلك قد بدت انها انجلت عند ذهول الزوج لما فعله، الا أن ذلك لم يغير فى الموقف شيئا فقد أهدر الحب وهان كل الود، وما سقط وتفتت يصعب كثيرا تجبيره واخفاء آثاره. هناك الكثير من الناس فى حياتنا نعتقد بأنهم الذهب الذى لا ينضب بريقه، ولا تغيره صروف الزمن، نحفظهم فى حيز من قلوبنا كمن يحفظ قطعة ثمينة فى صندوق مقفل بأقوى الأقفال، ونعتقد أن ودنا الكبير لهم كفيل بألا يغيرهم تجاهنا، وأن يجعل احترامهم وتقديرهم لنا أهم ما بحياتهم، وانهم لن يقسوا علينا لمجرد لحظة غضب يدعونها لتسيطر عليهم، لكن عندما تأتى لحظة الغضب قد نهون عليهم كثيرا، ويهون ودنا الذى طالما سقيناهم من نعيمه. قد نستصغر الغضب أحيانا ونرى أنه جزء من التركيبة الحياتية لكل انسان وطبيعة لا يستطيع أن ينسلخ عنها، لكن هناك لحظات من الغضب قد يدفع الانسان من ثمنها الكثير، وقد يخسر الكثير، وما أسوأ أن يخسر الانسان من يودونه بسبب لحظة غضب يسترسل فيها ولا يكبح جماحها، ويكسر قلوبهم بشدة بسبب هوان كل الود عليه. اغضب كما تشاء.. ولكن انتبه ولا تخسر من تحبهم ويودونك كثيرا بسبب لحظة غضب.

3123

| 21 مايو 2012

أيام الزمن الجميل

في دائرة حياتنا ومع مرور الوقت، ومع الالتقاء ببعض الأصدقاء القدامى وتذكر بعض المواقف والذكريات الماضية، ومع متابعة بعض أحاديث الأمس الجميل من خلال بعض البرامج، أو مع أغنية قديمة من أغاني الماضي يعيد سماعها لآذاننا في لحظة ذكريات الأمس الجميلة، نجد أنفسنا ونحن نردد كثيرا عنها أيضا بأنها أيام الزمن الجميل..وما أروع أيام الزمن الجميل التي ذهبت ولن تعود. كنت منشغلة بترتيب بعض الأوراق حين توقفت لوهلة ورددت هذه الجملة بينما كانت تبث على شاشة إحدى القنوات أغنية للراحلة أم كلثوم. فهل الحقيقة اننا عندما نردد ونتمنى عودة ذلك الزمن الجميل لأننا نريد أن نعيشه بحذافيره، أم اننا نعني بذلك أشياء أخرى؟. لا شك أننا عندما ننعته بالزمن الجميل فنحن في الواقع لا نعني العودة للعيش في نفس بيوتنا القديمة، أو استخدامنا لبعض أدواتنا القديمة آنذاك، فلا شك أن الوقت وازدهار الحياة جعلنا نعيش الأفضل والأنسب لحياتنا اليوم، وإن كانت نظرتنا لتلك البيوت وتلك الحياة نظرة فخر واعتزاز كجزء لا يتجزأ من ماضينا، لكننا لو خيرنا بأن نعيش في نفس ظروف بيوتنا القديمة والعودة لحياة فيها كثير من المشقة، لما اخترنا ذلك، لكنه في الواقع هو الحنين إلى روح الإنسان في تلك الأيام، وبساطة نفسه، ورقي ذوقه. إن ما فقدناه هي أشياء جميلة كثيرة ارتبطت بذلك الزمن، فكثيرا ما تستعرض ذاكرتي بعض المواقف لبساطة ذلك الوقت حين كان الجيران يجودون بالقليل من القليل الذي لديهم كي يشاركوا بعضهم البعض، ولا أنسى جارتنا العجوز التي كانت تقول إن الحب في الجود بالقليل من كل شيء لدينا نشارك به من نحبهم، وليس الكثير دليل الحب أبدا، كان جمال المشاعر في تلك الأيام يختلف تماما عن اليوم، فهناك اليوم من يجود بالكثير الكثير الخالي من مشاعر الحب والمليء بالرياء والاهتمام بالمظهر. وكانت رسائل الزمن الجميل مختلفة تماما عن رسائل اليوم فقد كنت وأنا صغيرة أكتب لجارتنا العربية رسائل كثيرة لترسلها لأهلها، ما زلت أذكر الكثير من كلمات الحب والشوق المعبرة فيها، والمختلطة بدموع حارة صادقة وهي تملي علي ما تود كتابته، فقد كانت كلمات الشوق والحب عميقة وغالية ونابعة من القلب، وأصبحت اليوم كثيرة ورخيصة ومشاعة للجميع وبعيدة كثيرا عن صدق المشاعر. وأما نفوس الزمن الجميل فقد كانت مختلفة تماما في نقائها وعفويتها وصدقها، وقد كان اجتماع الأصدقاء والجيران آنذاك علاجا لأي نفس متعبة حين لا يترددون في إلقاء همومهم وأحزانهم، ومواساتهم بعضهم لبعض، مجردين من الكثير من أساليب المجاملات، أما اليوم فما أكثر النفوس البلاستيكية التي لا تفقه من أمر المشاركة وصدق المشاعر شيئا. حتى أذواق الناس وإحساسهم بالكلمة كان جميلا، ومختلفا، في وقت كان الناس يتذوقون فيه الفن أكثر مما ينظرون إلى الشكل والمظهر، حين اشتهرت الكفيفة لأنهم نظروا إلى فنها وعطائها وموهبتها، بينما اليوم فقد اختلفت كثيرا مقاييس الفن والموهبة والعطاء!! لا شك ان ما كان يميز الزمن الجميل، هو جمال النفوس، وجمال الذوق، جمال البساطة، وجمال المشاعر. فهل يعود كل ما كان يميز الزمن الجميل،؟ كتبت هذه الكلمات الأخيرة بينما كانت سيدة الغناء تصدح في المقطع الأخير، وكأنها ترد على سؤالي.. (وعايزنا نرجع زي زمان..قول للزمان إرجع يا زمان)..

24410

| 14 مايو 2012

نحن والضعف

كان أضعف من أن يبدي رأيه ويعبّر عما يريد، أضعف من أن يرفض كل ما يرفضه داخله، يعود إلى منزله ليرى قرارات زوجته وقد صدرت وأصبحت على وشك التنفيذ وهي تجر حقيبتها لتقضي بعض الوقت مع صديقاتها خارج حدود الوطن، ويجد نفسه مبتسماً ابتسامة الخنوع وهي تملي عليه ما يتوجّب أن يقوم به من مهام خلال غيابها، يستسلم للصمت والضعف غير قادر على التعبير أو التغيير، وعندما تعود للوطن يبتسم لها استسلاماً لا سعادة، ويعود يقلب صفحات متشابهة من حياته يرفضها جميعها مندساً داخل ضعفه خوفاً من أشياء كثيرة قد تقلب موازين حياته رأساً على عقب فيفقد منها ما يفقد، ويأسف على ما يأسف. ولأن حدود الصبر قد استنفدت داخله، خرج ذات يوم ذلك المارد المختبئ داخل الضعف ليسلخ ذلك الجلد السميك ليقول كلمته ويبدي رأيه، ليقبل ما يقبل ويرفض بإصرار ما يرفض، ويصدر الأوامر ويسن القوانين في البيت، ولأوّل مرة يكتشف قدراته وإن ذلك لم يكن ليصعب عليه أبدا، وليكتشف أمرأ أكبر من ذلك بكثير، وهو أنها لم تكن أقوى منه أبدا. نعتقد أحيانا أن الضعف هو الجلد الذي يكسو أجسادنا ولا نستطيع أن نسلخ أنفسنا منه، نعتقد أننا ضعفاء جداً للدرجة التي قد تجعل العمر يمرّ بنا طويلاً ونحن محتمين بضعفنا، أما الرعب كل الرعب هو أن نتخيّل فقط أن نتجرأ يوما ونخرج أنفسنا من دائرته. أعتقد أن مرور الوقت أيضا قد يجعلنا نكتشف أنفسنا من جديد، وإن خوفنا ما هو إلا وهم يسكننا وإننا أقوى مما نتصور وإن قدرتنا على مواجهة الأشياء التي نهابها لا حدود لها، وإننا نحتاج إلى تجربة أولى لا بد أن نخوضها كي نعرف بعدها كم نحن أقوياء وكم ما قد نخافه لا يستحق كل ذلك الخوف.. أذكر أن أحد الطلاب الذي كان في سنته الأخيرة من المرحلة الثانوية قال لي إن مدير مدرستهم الجديد عاقب تلاميذ الفصل لأنهم ذهبوا إلى المقهى الذي يقع داخل أسوار مدرستهم في الفترة المخصّصة للغداء، وإن التلاميذ أبدوا ضيقهم على عدم السماح لهم، وإنه كان دائما ما يعترض بأنهم ليسوا أطفالا وإن من حقهم أن يذهبوا لذلك المقهى لأنهم يفضلونه، لكنه كان خائفا من ملاحقة مديرهم وتوبيخه لاختراق قوانينه، فما كان منه يوما إلا أن سأل المدير عن أسباب رفضه وأين الجريمة في أن يستمتع الطلاب الكبار في اختيار المكان الذي يفضلون الجلوس فيه خلال يومهم الدراسي الطويل داخل أسوار المدرسة، وفي اليوم الثاني تفاجأ جميع الطلاب باستدعائهم لاجتماع سريع طلبه المدير، ليبلغهم فيه أن ارتياد مقهى المدرسة الخارجي أصبح أمراً مسموحاً، ولهم حق اختيار الذهاب إليه أو عدمه، أما الطلاب فقد أيقنوا أن مديرهم لم يكن سيئا أو متسلّطا، وإنه كان يتوجب عليهم أن يخرجوا من ضعفهم وخوفهم ليبدوا له وجهة نظرهم بكل أدب واحترام. هناك عشرات الأمور في حياتنا تستدعي منا أن نخرج من ذلك الضعف الذي فرضناه على أنفسنا بإرادتنا وصدقنا بأننا لا يمكن أن نخترق دائرته. أشياء يجب أن ندركها في حياتنا كي نستطيع أن نخرج من ضعفنا ونكتشف قدراتنا، أساسها أننا لسنا مضطرين لتحمل الكثير، ولسنا مضطرين لقبول ما نرفضه، وليس التعبير عن أنفسنا وعن رغباتنا جريمة. لا شك أننا نستطيع أن نعبّر ونستطيع أن نغيّر، لا شك أننا نملك الكثير من القوة والقدرة، لكننا أحيانا نكتشفها متأخرين، متأخرين جدّاً حين يذهب العمر وحين لا يجدي أن نعيد اكتشاف أنفسنا.

625

| 07 مايو 2012

يا من يسلم لي على الغالي

عجباً للذاكرة كيف تستطيع أن تغافلنا في لحظة، عندما يخالجنا شعور يجعلنا نتيقن أحيانا بأنها شاخت، وأن مشاغل الوقت ومرور الأيام قد أحكم قبضته عليها ليجعلها عاجزة على أن تأتيَ لنا بما مضى، عجبا كيف تخوننا وتباغتنا في لحظة لتثبت لنا كم هي وفية للماضي.. جلست كعادتي في كل مساء أمام التلفاز ممسكة بجهاز التحكم، ووجدتني حائرة بين الكم الهائل من البرامج والأخبار والأفلام، وكالعادة ظللت أتابع مقتطفات مما يشدني من كل منها، إلى إن استوقفتني إحدى القنوات التي تبث أغنية (يا من يسلم لي على الغالي.. وهي أغنية من الأغنيات الخليجية القديمة، ووجدت نفسي قد رسوت عليها، وأناخت ذاكرتي ركابها عندها، وأنهت علاقتي بجهاز التحكم، لتغوص ذاكرتي مع الغالين، لأرى مشهداً قديماً لجهاز الراديو الذي كان يلازم يد أمي إن كانت في غرفتها أو إن ذهبت إلى المطبخ، ولأسمع هذه الأغنية بوضوح وأنا صغيرة ألعب بجانب أمي، بينما تنطلق هذه الأغنية، وأمي منهمكة ترتب أغراضها في غرفتها. وعادت بي الأغنية وكلماتها لتذكرني بالكثير من الغالين الذين رحلوا، لتعيد لي مشهد سجادة خضراء فرشتها جدتي بجانب الحائط في المكان الذي يأتيه الظل والهواء في ساحة منزلنا القديم، ورأيت أمي وأبي وجدتي وهم يستمتعون بارتشاف القهوة وسمعت صوت ارتطام الفناجيل، بينما هذه الأغنية تصدح من جهاز الراديو الذي يتوسطهم على السجادة الخضراء. وبينما لا تزال الأغنية أمامي تبث على الشاشة، ومع أنني لم أستطع أن أراها بوضوح لأن دموعي التي انحدرت غزيرة حالت دون ذلك، إلا أنها أعادت وجوه حينا القديم إلى ذاكرتي، جيراننا، وصديقات الحي القدامى، واجتماع جاراتنا مع أمي وجدتي في فترة الضحى، وجارتنا التي كانت تبكي عند سماع هذه الأغنية ابنها الغالي الذي أخذه والده منها ورحل. ومن أهم ما أصرت ذاكرتي على أن تعيده، هو صورة هذه الأغنية على التلفاز آنذاك، حين تأتي أحيانا مشوشة جداً بسبب الطقس الذي يستلزم منا الصعود إلى سطح المنزل كي نحرك جهاز الإيريال يمنة ويسرة، بينما هناك منا من يراقب وضوح البث من الأسفل، وما كان يحدث دائما أن تنتهي الأغنية دون أن يستمتع الجميع برؤيتها بوضوح. فمن المؤسف أنه عندما عادت تلك الأغنية القديمة لتبث الآن بوضوح الصوت ونقاء الصورة، كان كثير من الغالين قد رحلوا. ولم نعد نملك إلا ذكراهم، وأن نعيد تلك الأغنية داخلنا ونقول، من كل قلوبنا: (يا من يسلم لي على الغالي، ويجيب لي منه مراسيله).. انتبهت إلى أن الأغنية قد انتهت، وعدت أبحث عن جهاز التحكم من جديد، وعادت أصابعي لتتنقل بين القنوات، وعادت ذاكرتي لتتظاهر بأنها قد هدأت، وبأنها لن تأتي بالذكرى والدموع ثانية، وعادت مشكلتي وهي أنني ما عدت أثق في ذاكرتي، فما زال داخلي يردد (يا من يسلم لي على الغالي).

1062

| 01 مايو 2012

الغيرة الحمقاء

دائماً ما أصر على أن نحب، على ألا نترك مشاعرنا لتتآكل وتتفتت وتنضب، أن نعيد صياغة الحب في حياتنا بكل أشكاله، ما زلت ممن يصر على ألا شيء يستطيع أن يغير داخلنا مثل الحب. أن تحب هو أن تعيش حياتك وتستلذ بطعمها، ولا شيء يمكن أن يجعلها أسوأ مما تتصور بقدر مشاعر الغيرة. فكرت كثيرا ألا أكتب عن الحقد والغيرة، ربما لأنني ممن يعتقد بأن من يحمل قلبه مشاعر الغيرة والحقد لا يستطيع أن يغير من نفسه لمجرد كلمات نصح تقال، ولن تغيره هذه الكلمات أبدا لأنهما شعوران يطمسان على كل جميل داخل الإنسان ويكسوانه بالسواد فلا يعد يرى غير ظلامهما الذي يجعله يتخبط هنا وهناك ولا يستطيع إلا أن يحقد وأن يستسلم للغيرة الحمقاء. وقد يختلف معي البعض في ذلك إلا أن الحياة دائما ما تؤكد هذا الاعتقاد لدي وتدعمه. أما ما أعنيه حقا هنا هي بعض القلوب النقية التي نسيت جذورها واختارت أن تدخل في ظلمات الغيرة والحقد، ولأنني أصبحت آسفة على البعض من هؤلاء في أكثر من صورة مرت بي، في صديقتين كانتا من أكثر البشر التي اعتقدت بصفاء صداقتهما وجمال علاقتهما الطيبة الوثيقة، إلا أن ما أن دخلت الغيرة في قلب إحداهما تجاه الأخرى للتميز الذي وصلت له في أحد جوانب حياتها، وجعلت هذه الغيرة تتغلغل داخلها وتنشر توابعها من حقد وحسد حتى أفسدت أسمى علاقة كانت يمكن أن تكون لها سند في الحياة. وليس بين الأصدقاء فقط وإنما استطاعت الغيرة ومشاعرها الطائشة المسمومة أن تفعل أكثر من ذلك وتفرق بين الأخوة وأبناء الرحم الواحد في عقر الديار. ولا شك أن مشاعر الغيرة هي مشاعر سلبية يمكن وأدها وكبحها لمن يفهم خطورتها ويقدر ما تعنيه وما قد تجره عليه. علينا أن نتعلم لغة الحب، ونتعلم أن القناعة والحب الذي نكنه لكل ما وصلنا إليه هو وحده الدواء الشافي لكل مشاكلنا الداخلية، وهو من يجرد الإنسان من أخطر مشاعرالغيرة والحقد. استحضر في ذهنك مجموعة ممن عرفتهم ومروا بحياتك ممن حولك، وستكتشف أن من كان منهم محبا راضيا بكل ما وصل إليه هو من تجرد من تلك المشاعر التي تفسد على الإنسان متعته بكل إنجازاته وكل ما يحققه في حياته. لا يمكنني بالتأكيد أن أقضي على مشاعر الغيرة لدى البعض بمجرد كلمات، لكنه هو الإنسان وحده من يستطيع أن يسيطر على مشاعره وألا يسقي بذورها داخله كي لا تكبر وتتشعب وتقضي على كل جميل في حياته. تستطيع الغيرة أن تجعلك أعمى فلا ترى الحقيقة. تستطيع أن تجعلك مريضا لا تستمتع بما أنت فيه من صحة. تستطيع أن تجعلك فقيرا رغم كل ما لديك من مال. تستطيع أن تفسد حياتك فتجعلك تعيسا، لا تقدر ما أنت فيه من سعادة. إنها الغيرة الحمقاء، فهل تقتلعها من جذورها، وتستبدلها بالحب والقناعة.. وتضمن لنفسك السعادة، جرب فقط وسترى الفرق... [email protected]

1757

| 24 أبريل 2012

كفانا.. أكفانا

لم نعد كما كنا، فقد امتلأت قلوبنا بالخوف وعقولنا بالفكر والهواجس، يرعبنا صوت أي سيارة إسعاف، نرتعد ونجد أنفسنا نفكر في أحب وأقرب الناس. لقد أصبحت هذه المخاوف جزءا لا يتجزأ من حياة الكثيرين من الآباء والأمهات... كفى.. كفانا حزنا على الشباب الضائع، كفانا بكاء وألما، كفانا آباء وأمهات يتذوقون مرارة الحزن وألم الفراق مبكرا، كفانا أكفانا يافعة نوريها تراب الأرض، حتى تراب الأرض أصبح يبكي حزنا ويذرف دمعا على أكفان الشباب وأعمارهم الغالية التي ذهبت هباء. إن أبناءنا أغلى البشر علينا لا يعرفون أحيانا ما يفعلونه بنا، ولا يقدرون ما يعنيه أن بعض أفعالهم يتحول به آباؤهم الشباب الى الكهولة، وأمهاتهم إلى حطام في لحظة، حين يوارون أغلى وأثمن ما لديهم الثرى، ويقبلون أكبادهم قبلة الوداع الأخيرة، حين يكسر الحزن ظهورهم، ويخفت إضاءات حياتهم، ويطفئ فرحتهم.. وبلا شك نحن لا يمكننا أن نقف أمام أقدارنا، ولا أمام ما يكتبه لنا الله تعالى، لكن الأسباب دائما تكون أكثر ألما وأعظم مصيبة. فحين يرحل عنا من قد شاء الله أن يودعنا بعد مرض عضال يأخذ منه ما يأخذ، نجد أننا أحيانا لشدة حبنا العميق نحمل داخلنا ألمان، ألم الفراق العظيم، وألم آخر نشعر معه بالخجل بأننا لا نكره الموت أبدا، حيث كان رؤوفا بمن أحببنا حين أنهى آلامه التي تؤلمنا، ونستسلم لحزن ممزوج بسلام داخلي. لكننا حين نفقد من شبابنا من هو في أوج قوته وعافيته وشبابه في حادث لأنه لم يقدر مسؤولية قيادته، بانشغاله بما يشغل الشباب الآن من هواتف وأجهزة اتصالات، بالإضافة إلى السرعة الجنونية التي لا يقدر عقباها، والتفاخر بعدم الاكتراث؛ فهنا تكمن المصيبة والخسارة العظيمة والألم، حين يرحلون ويتركون مبكرا صورتهم الحزينة التي لا تمحى في قلوب وعيون ذويهم وأصدقائهم. تحدث أحد الآباء بأسى عن الألم والحزن الذي يعانيه ابنه الذي فقد أعز أصدقائه في حادث منذ فترة، وانه يضع صورته على عجلة القيادة في سيارته، لكنه للأسف يرى أن ابنه لم يتعظ، وانه لا يزال لا يكترث رغم كل من رحلوا من الشباب ممن عرفهم وممن سمع بهم، وانه لا يهتم بأي نصيحة من والده أووالدته، ولا يزال يكرر نفس أخطائهم ويقود سيارته بسرعة جنونية. فلا شك أن الآباء يريدون أن يقدموا لأبنائهم كل ما يسعدهم وما يقودهم لمستقبل أفضل، فالآباء والأمهات يحلمون بالمستقبل الباهرلأبنائهم، فيترجمون حبهم عطاء سخيا لهم، ولكن ليس الجميع يقدر قيمة العطاء. لقد رحل من رحل، وبقي حيا ميتا من تعطلت كل حياته وحواسه بسبب حادث، وتركوا بصمة حزن عميقة وألما وانكسارا في وجوه ذويهم لا تخطئها عيون الآخرين. إنها رسالة لمن لا يزال لا يفكر ولا يقدر، لا ينظر ولا يتعظ، إليكم أيها الشباب الغالي، إذا كنتم لا تعرفون لنفسكم الغالية ثمنا، فلا تنسوا آباءكم وأمهاتكم الذين يتمتمون ليل نهار بأعظم الآيات والدعوات بأن يحفظكم الله، الذين ينتظرون بشغف أن يروا مستقبلكم الباهر وحياتكم كأعظم وأجمل حياة، فلا تفجعوهم باستهتاركم وتتركوا لهم الحزن والألم، فكفانا أكفانا وآلاما وأحزانا. رسالة إلى كل ابن.. لا تفكر في نفسك فقط، خذ ثواني من وقتك قبل قيادتك، وفكر فيمن حولك، ممن تحبهم ويحبونك كثيرا، وينتظرون عودتك بشغف.. إنك لديهم أثمن مما تتوقع.. فعد لهم سالما. [email protected]

1711

| 10 أبريل 2012

السنوات الضائعة

منذ فترة تلقيت مجموعة كبيرة من الرسائل الإلكترونية ردا وتعقيبا على مقال (السنوات الضائعة)، وما لاحظته حقا ان هناك من الموضوعات تلمس داخل البعض مباشرة وكأنهم يرونها صورة لحياتهم، فتنعكس صدقا على آرائهم التي أتلقاها عبر البريد الإلكتروني، والتي أقدر أصحابها كثيرا، وأشكرهم لأنهم قد منحوني من وقتهم كلمات أثرت بي وأسعدتني. ويبدو أن موضوع "السنوات الضائعة" قد مس قلوب البعض بقوة، لما تلقيته من ردود. ومن بين تلك الرسائل التي وصلتني رسالة كانت لإحدى القارئات، وجدتني أبكي تأثرا من كلماتها المعبرة الصادقة، وربما لأنني قد عرفت في حياتي من تطابقت كلماتها مع معاناته، وقد قالت في رسالتها: (عندما قرأت مقالك (السنوات الضائعة) تذكرت نفسي، فأنا من مرت بي السنوات وأنا أرضي فيها الجميع إلا نفسي، وأفكر في الآخرين ما عداي أنا، ومضى الزمن سريعا طوى سنين عمري برضاي ومباركتي، لأني وضعت أهدافا لحياتي وربطت سعادتي بتحقيقها، وأنا في الفصل الأخير من تحقيق أمنياتي لم أكن سعيدة يوما إلا لأنني وضعت هدفا، فاعتبرت سنواتي الضائعة في النهاية غير ضائعة، وربما أعظم سنوات العمر). لقد شعرت بأن كلمات كاتبة الرسالة مثقلة بعمر وسنين، وقد اختصرت حياتها في كلمات وأسطر معدودة، وجاءت صورة صادقة مطابقة لما كنت أعنيه من كتابة هذا الموضوع. أحيانا قد نصدر أحكاما جهلا منا على حياة البعض واختياراتهم بأنها خاطئة وليست في محلها، كأن ننتقد شخصا رجلا كان أو امرأة لأنه اختار أن ينفصل عن شريكه ليختار لنفسه حياة أخرى وسنين أخرى، وقد ننتقد أيضا من فضل الاستمرار في حياة لا تلوح فيها أي سعادة من أجل اعتبارات أخرى هو من يقدرها، وقد ننظر إليها نحن على انها اختيار خاطئ لا يستحق كل ذلك الصبر. ولكن لا شك إن الإنسان وحده من يستطيع تقييم حياته في النهاية، وقناعته هي من تقوده إلى السعادة في كل الأحوال، فليس من الخطأ أن نختار ما يرضينا، لكن الخطأ أن نتمرد على اختيارنا واختيار القدر. ولا شك أن هناك من يقدمون سنوات العمر الغالية هدية لمن يحبون، كي يصلوا بهم للسعادة التي لم يصلوا هم لها. وفي كل الأحوال فالأهداف السامية النبيلة هي التي ترتقي بسنوات العمر الضائعة، لتجعلها سنوات ثمينة، وتجعلنا نقف لها ولأصحابها حبا واحتراما. وفي النهاية، شكرا لكل القراء الذين يتوقفون لدقائق ليقرأوا زاوية (من الحياة)، وشكرا لكل من يتواصل معي عبر البريد الإلكتروني، آملة للجميع سنوات خصبة بالحب والرضى والسعادة.. ودائما تهمني آراؤكم.. ويسعدني تواصلكم. [email protected]

893

| 03 أبريل 2012

إليك أمي.. الغائبة الحاضرة

عادت كل الجرائد والمجلات والشوارع لتعرض لنا هدايا العيد، وكلمات عميقة للأم في يومها الذي يأتي كل عام ليسعد الكثيرين ويبكي الكثيرين، عاد ليحكم حصاره على نفسي المحاصرة بحبك يا أمي، الذي لم يعد ينتظر يوم الأم كي يستفز بداخلي سنوات عشق وحب طويلة بدأت عندما احتضنتني يداك الحنونتان يوم مولدي. طالما كنت ممن يؤمن بالقدر، وإن رحيل الأعزاء قد يعتصرنا ألما وقد نعيش نحيا به، ولكن لا بد للأيام أن تأخذ دور الدواء الذي يسكن لنا الألم ويصالحنا عليه. دائما ما أتذكر مقولة الفيلسوف طاغور حين صادف أول حزن كبير في حياته ولم يعرفه، لأن الأيام مضت ولم يعد يراه جيدا، حين قال له مذكرا: ألا تعرفني، أنا أول حزن كبير في حياتك، فرد عليه قائلا: (ما كان حزنا يوما، أصبح الآن سلاما). نعم، فعندما يمر بنا العمر وتأخذنا أيامه، تتحول الأحزان الكبيرة داخلنا إلى سلام، غير أن حزني عليك يا أمي لم يصل بعد لمرحلة السلام، وما يزال يشعل بداخلي حروبا تشتعل شوقا إليك كلما وصلت إلى مسامعي كلمة أم. قبل رحيلك كان يوم الأم وأغنية (ست الحبايب) علامة لهذا اليوم حين أحتضنك وأغنيها لك بينما تملأني سعادة وجودك. واليوم أعجب كيف للأيام أن تحول حتى أغانينا السعيدة، وتجعلها تعود إلى مسامعنا وتحولنا إلى الحزن بذاته. لم يبق لي بعدك يا أمي إلا أن أعود بين الحين والحين زائرة مشتاقة إلى خزانتك، إلى ملابسك، إلى عباءتك، إلى رائحة عطرك العربي الذي يرفض أن يغادر مكانك. لم يبق إلا أن أحتضن أشياءك التي غدت حزنا كبيرا. لقد عاد يوم الأم مرة أخرى كما كان يعود معك، لكنه اليوم بعد أن تركتني ومضيـت، بعد أن رفعت كفك تلوحين لي بسلام الوداع الأخير، عاد حزينا بلا أم. أيامك يا أمي معي قصة حب طويلة، حكاية حب أول لا تنتهي، فكيف ننسى من عرفنا معة الحب الأول، فأنت من سكنت الجوانح، وكيف لمن سكن الجوانح أن يغيب. في يوم الأم يا أمي، في يومك أيتها الغائبة الحاضرة، فلك في داخلي حياة لن تغيب.. لم أعد أستطيع اليوم أن أقدم هدية، وقد أصبحت كل الهدايا في قلبي حزينة، لكنني أستطيع أن أهديك اليوم ما هو أعظم من كل الهدايا. أهديك يا أمي دعائي لك بالرحمة والمغفرة اليوم وكل يوم.. أما أكثر ما أثار حزني في يوم الأم حين أرسل طفلا فقد أمه منذ فترة لصديقه كلمات كبيرة في الألم، علمته إياها الأيام مبكرا حين قال: (كم أتمنى أن أعود إلى الوراء، لأعانق أشخاصا لم يخبرونا بموعد رحيلهم..ضمه يا يمه). [email protected]

5275

| 20 مارس 2012

من الحياة...السنوات الضائعة

عندما يمضي العمر تصبح هناك رؤية أوضح، وإن كان النظر أقل، نستطيع أن نرى بوضوح،ونعرف الفروق بقوة وبصفة أدق بين الأشياء التي قد نعتقدها متشابهة، كالفرق بين مشاعرالحزن ومشاعر الندم التي هي خليط بين الأسف والحسرة. ليس هناك أسوأ من أن يمر العمر ويجعلنا نستطيع أن نرى بوضوح ونفرق بين السنوات في حياتنا وان الأيام لا تتشابه أبدا، ونكتشف أن هناك سنوات لم تكن مدرجة ضمن سنوات العمر الحقيقي قد ضاعت هباء دون فائدة، ودون أن نحقق فيها شيئا. عندما نغفو وتمر بنا الفصول فنفيق وأوراق الخريف الصفراء قد تناثرت قي حياتنا دون أن نتذكر مساحة العمر الخضراء وزهوره. فلا شك أن سوء تقديرنا لسنوات العمر الغالية، وتقييمنا وحلولنا الخاطئة لتجاربنا الشخصية في الحياة، هي ما قد يفوت علينا ضياع سنوات من العمر دون أن نحقق فيها شيئا. كم من شخص أفاق في لحظة على هذه الحقيقة المرة التي لا تجدي فيها العودة للوراء، فلا الزمن يعود، ولا عقارب الساعة تغير مسارها وتدور عكس اتجاهها. من المهم أن نطلق النظرة الشاملة التي تستطيع أن تعطينا رؤية أكبر لخيارات أكثر في الحياة. كثيرا وعندما أستقل القطار في بعض الرحلات، وأجلس بجانب النافذة العريضة أتذكر ما يسمى بالسنوات الضائعة في الحياة، وأتساءل عن وجه الشبه بين القطار وبين الحياة، هما يتشابهان كثيرا في المضي بسرعة، فالقطار يطوي المسافات، كما تطوي الأيام العمر، وهناك فرق كبير بين من يركز نظره خلال مضي القطار على شيء واحد، ومن يستمتع بنظرة شاملة ترى كل ما يمر به القطار بشكل أكبر وأجمل. وكثيرا ما أتذكر سيدة رأيتها يوما حين قالت بأسى: لسنوات طويلة انتظرت أن أرزق بالأولاد، ولم ترد مشيئة الله تعالى ذلك، فمرت السنوات وأنا أنسج في الأيام الحزن واليأس، وأرفض كل متع الحياة الأخرى من سفر، ومشاركة في المناسبات، لأفوت على نفسي الفرح والسعادة التي أراها في عيون الآخرين وحديثهم، ومر العمر وأنا أركز كل تفكيري ورغبتي في شيء واحد، وأشعر بالندم على كل ما فاتني وعلى سنوات العمر الضائعة، خاصة انني لم أنتبه أن كل الآخرين الذين كنت أرى السعادة في وجوههم كان منهم من لم يقدر له الزواج، ومنهم من لم يقدر له الأبناء ومنهم من لم تقدر له الصحة أو المال، وأشياء كثيرة كثيرة كنت أنعم بها بينما هم يرونها. فالسنوات الضائعة من حياتنا، هي تلك السنوات التي حكمنا نحن على ضياعها، فهناك من الناس من يسخر حياته لغيره، كمن يرعى أبناءه بعد رحيل شريكه، أو من يرعى أحد والديه ويمر به العمر دون ان يفكر أن يبني لنفسه أسرة جديدة، ومع ذلك فهو لا يشعر أبدا بأنها سنوات ضائعة في حياته، ولا يتعامل معها بهذا المنطق، بل يراها أخصب سنوات العمر لأنه قدم فيها شيئا يحبه ويرغب فيه وأحد أسباب سعادته. لا شك أن السنوات التي نعتبرها سنوات ضائعة في حياتنا هي في الواقع ليست ضائعة أبدا، بل هي التي نخطئ فيها باختيار الأفضل، ونؤجل فيها وضع الحلول لمشكلاتنا واختيار القرارات المهمة ويمر بنا العمر دون أن نحقق سعادتنا، وبعدها ننظر للوراء لنحصي كم من سنوات حياتنا قد ضاعت هباء. علينا أن نقبل أقدارنا، فليس المهم أن نحصل على كل شيء في الحياة، فالأهم من ذلك أن نقدر ما حصلنا عليه. علينا ألا نركز على ما أخذته منا الحياة ونعيش نندب حظنا العاثر، وننسى أن ننظر للكثير الذي أعطتنا إياه، نحن من علينا أن نرضى، وليست الأقدار هي من ترضينا. ومع كل ما يمر بحياتنا نحن من علينا الاختيار، ومع علينا أن نسير حياتنا ونرضى بأقدارنا، وإلا فسوف تكون الكثير من سنوات حياتنا مدرجة ضمن.. السنوات الضائعة. لولوة الكواري [email protected]

3963

| 13 مارس 2012

الرومانسية.. هل تعود؟

منذ سنوات قرأت في احدى الجرائد العربية خبرا كان مدرجا ضمن الأخبار الطريفة، عن الرجل الذي باع قصره الثمين ليشتري بثمنه زهرة توليب واحدة نادرة كي يقدمها هدية لمن يحب.. وأذكر أن الغالبية ممن قرأ هذا الخبر ممن عرفتهم وصفوا ذلك الرجل بالجنون المؤكد، بينما لم يصدق بعضهم ذلك وإنه نوع من الأكاذيب لجذب انتباه القارئ أو تسليته. ومنذ فترة كنت في زيارة لاحدى الدول الأوروبية، فاتصل أحدهم بسائق السيارة العربي الذي كنا نستأجره، كي يطلب منه أن يذهب لأحد محال الورد ليتسلم طلبا لباقة تضم إحدى وثلاثين وردة حمراء، ويقوم بتوصيلها إلى زوجة الرجل في المنزل، كهدية لها بمناسبة ذكرى زواجهما الذي يصادف هذا اليوم، أما عدد الورود الحمراء فهي بعدد سنوات الزواج التي أمضياها معا. وافق السائق على القيام بهذه المهمة مبتسما ومباركا، لكنه ما أن أنهى المكالمة حتى بدأ في التندر على الرجل الذي ما زال يعيش على وهم الرومانسية، وعلى جنونه بمشاركة من في السيارة، ووجدتني أتألم في داخلي على الرومانسية الضائعة، وعلى الحب الذي أصبحت ترجمته فكاهة، وصاحبه مجنون. فهل انتهى زمن الرومانسية، ولم تعد كلمات (الأطلال) تؤدي لنفس طريقها السابق في القلوب؟، أم انها ما تزال موجودة حتما، لكنها اختنقت وبدأت تتلاشى وتضيع لأسباب كثيرة، وأثر فيها كل ما طرأ علينا من تغيرات حياتية؟ ومن هو المسؤول عن انحسار الرومانسية أو قرب انقراضها، أهو الرجل أم المرأة، أم الرجل والمرأة معا؟ لو كنت قد كتبت هذا المقال قبل سنوات قليلة فقط، لكنت قد أحمل الرجل تلك المسؤولية كاملة، وأطرح عليه هذا السؤال وأقول له، لماذا ينسى غالبية الرجال أن يقدموا ولو وردة واحدة فقط خلال سنوات حياتهم مع شريكاتهم، لا يهم وإن كانوا اقتطفوها من شجرة في منزلهم، لكنهم فقط يفكروا في التعبير عنها كحب وامتنان لمن تشاركهم الحياة. فمع ان بعض الرجال بلا شك قد أصبحت لديهم أمورهم ومشاغلهم التي تستهلك تفكيرهم وحياتهم من أجلها وتأخذهم من لحظة الرومانسية، إلا أنني اليوم اشعر بأنني ألقي اللوم كثيرا على المرأة أيضا، وأحملها الكثير من مسؤولية ضياع الرومانسية، فبعض النساء اليوم أصبحت أطماعهن أكبر كثيرا من مجرد وردة أو كلمة حب، ولأن بعض النساء اليوم لم يعدن يقدرن الوردة ولا صاحب الوردة، ولم يعدن يقدرن الأشياء الصغيرة ذات المعاني الكبيرة. فحياة الحرية والاستقلالية التي تركض وراءها بعض النساء، هي من جعلت الجمود يغزو حياتهن، ويتغلغل في مشاعرهن، ويجعلها أقسى من الثلج. إننا رجالا ونساء نحتاج للعودة للحظة الرومانسية التي فقدت بريقها بسببنا، تلطف ما بداخلنا من جمود وتآكل. نحن في حاجة أولا لأن تخفض المرأة من صوتها، وتعود لتلبس فستانها الحريري الوردي، وأن تتذكر بأنها أنثى، ونحن في حاجة لأن لا يهمل الرجل بانشغاله صوت الطفل الذي يتوق للحظة الرومانسية داخله. هناك لحظات تفتقد أحيانا لمن يقدرها، هي حقيقة في داخل كل البشر، وإن لم يظهروها لأي سبب، هي لحظات نفتقدها أحيانا بشدة، نحتاجها ولو لدقيقة واحدة فقط تكسر ما بداخلنا من هموم، قد يكمن كل عمقها في نظرة حب أو كلمة أو وردة. وأعود أسأل بأسف مرة أخرى عن الرومانسية.. هل تعود؟ [email protected]

472

| 06 مارس 2012

alsharq
غياب المعرفة المالية عن الطلاب جريمة اقتصادية بحق الأجيال

في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...

2070

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...

699

| 23 سبتمبر 2025

alsharq
المسرح السياسي وديكور التعليم

من يراقب المشهد السياسي اليوم يظن أنه أمام...

675

| 18 سبتمبر 2025

alsharq
آن للمنظومة الدراسية أن تتغير

منظومة دراسية منذ القرن الثامن عشر وما زالت...

663

| 18 سبتمبر 2025

alsharq
1960.. أمّ الانقلابات في تركيا وإرث الوصاية العسكرية

بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...

660

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
أهمية وعي المُستثمر بالتشريعات الناظمة للتداول

يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...

636

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
منصات وزارة العمل.. من الفكرة إلى الأثر

منذ تولي سعادة الدكتور علي بن سعيد بن...

600

| 18 سبتمبر 2025

alsharq
لأجل عينج يا قطر

الأحداث التي فُرضت علينا وإن رفضناها بعد الاعتداء...

531

| 16 سبتمبر 2025

alsharq
عيسى الفخرو.. خطاط الإجازة

يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...

489

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
قمة الدوحة الأعلى سقفاً في تاريخ القمم العربية والإسلامية

مشاركة غير مسبوقة للقادة والرؤساء ورؤساء الحكومات.. قمة...

462

| 16 سبتمبر 2025

alsharq
رواتب العاملات

يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج...

456

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
بطة الذهب وثقافة يوم الجمعة.. هل خسارتنا أكبر من أرباحنا؟

بين الحين والآخر، يتجدد في مجتمعاتنا الخليجية نقاش...

447

| 17 سبتمبر 2025

أخبار محلية