رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عندما نعرف كيف نحب

كثيرة هي الدماء التي أريقت في العالم العربي خلال مدة لا تتعدى العام والنصف، ألم وأحزان وأكفان، عائلات مشردة، أطفال وشيوخ يغتالهم السلاح والبرد. كل ذلك لأن هناك نفوسا لا تعرف الحب، ولا تعرف كيف تصوغه في حياتها، لا تستطيع حتى أن تعتبره دواء مرا تتجرعه، كي يشفي ما بها من ضلال. دائما ما أحمل خلل الحب مسؤولية كل ما بنا من مشاكل، ودائما ما أصر على أن خلل الحب داخلنا هو الذي يفقد حياتنا ذلك التوازن الذي يشعرنا بجمال الحياة، إن الحب هو العلاج الناجع الذي يستطيع أن ينقذ الجميع من همومهم ومشاكلهم، أن نحب حياتنا كيفما كانت، ونحب من حولنا، أن نحب أن نعيش بأمان، إنه الشعور الذي يهذب داخلنا ويرقي نفوسنا. في العاشر من ديسمبر من العام 1936 كان الملك البريطاني إدوارد صاحب أشهر قصة حب في القرن العشرين سعيدا، حين رفض تاج الملك البريطاني، وخط بيد ثابتة وثيقة تنازله عن العرش من أجل المرأة التي أحبها. فعندما رفضت الكنيسة الموافقة له على الزواج بمطلقة، قرر أن يتنازل عن العرش لشقيقه الملك جورج السادس، وقال جملته الخالدة: (إنني لا أستطيع أن أصبح ملكا دون أن تكون بجانبي المرأة التي أحبها). وتزوجها وترك الوطن واستقر بعيدا عن بريطانيا، وسطر له التاريخ قصة حب خالدة. وقد كتب في مذكراته: (أنا لا أشعر بالندم، ولو عادت بي السنوات وخيرت من جديد بين العرش وبين قلبي، لاخترت من أحببت دائما). لقد ترك الحكم والسلطة والعرش والأضواء من أجل امرأة واحدة أحبها بصدق، حقا إن الحب هو ما ينزه الإنسان من كل أطماعه. تذكرت ما حدث ولا يزال يحدث الآن في بلاد الثورات العربية، وتساءلت عمن تجردوا من مشاعر الحب وكانت أطماعهم ورغباتهم لا يهم إن كانوا يدوسون بها الكرامة والأعناق تمسكا بالحكم والسلطة، وتساءلت أيضا إن كانوا فعلا قد تجردوا من أي مشاعر حب لشعوبهم، فأيضا أين مشاعر الحب لذويهم وابنائهم كي يعتقوا بهذا الحب رقابهم من الموت ومن إهانة الكرامة والذل الذي أوصلوهم إليه. لا شك أنهم لو كانوا يحملون بداخلهم ذرة من حب صادق لمن حولهم لاختلف الأمر كثيرا ولاتجهوا بسفينة رغباتهم إلى موانئ السلام. فمن عرف معنى الحب وتهذبت نفسه به يستحيل له أن يتسبب في آلام الآخرين وأوجاعهم، خاصة أولئك الناس الذين يحبهم، إنها لغة الحب السامية التي ترتقي بأي شيء تتدخل فيه إلى الأفضل. عندما نعرف كيف نحب نستطيع أن نغير وأن نتغير.. ونرسم لحياتنا طريق سعادة ينتهي بنهايتنا، فمن خسر مشاعر الحب.. فقد خسر الكثير. ومن لم يتعلم لغة الحب بعد.. لم يتعلم من الحياة بعد.. [email protected]

691

| 28 فبراير 2012

كي لا تتفوق علينا الدجاجة

عندما كنت صغيرة كنت أمتلك مجموعة كبيرة من قصص الأطفال، وكان من أحبها الى نفسى وما زلت أتذكر صفحاتها وصورها، هى قصة الدجاجة وحبة القمح، عندما وجدت الدجاجة حبة قمح فقررت ألا تأكلها، وأن تقوم مع أفراخها بزراعتها، لتصنع منها خبزا لعائلتها، وكلما طلبت من الديك والبطة مشاركتها فى العمل، فى زراعتها وسقيها ثم حصادها وطحنها، كانا يرفضان المساعدة ويتعللان بالتعب والانشغال، الى أن وصلت الى المرحلة التى تطلب فيها منهما المشاركة فى خبزها، الا أنهما رفضا ذلك أيضا، وبعد ذلك تأتى لحظة الاستمتاع، فكنت استمتع كلما تصفحت هذه القصة وأنا صغيرة بالنهاية العادلة فى الصفحة الأخيرة، حين تفوح رائحة الخبز الطازج، بينما يقف الديك وزوجته ينظران من النافذة الى الدجاجة وأفراخها وهم يستمتعون بحصادهم، ويعرضان المشاركة فى التذوق فترفض الدجاجة ذلك وتذكرهما بما مضى. وترمى هذه القصة بالتأكيد الى أهمية المشاركة، وان من لا يعمل ولا يشارك لا يستحق أن يحصد. انها الشكل المثالى للحصاد. لكن لماذا هناك اليوم الكثير ممن لا يشارك فى أى شيء، وهو من يحصد كل شيء؟ ومن هو المسؤول عن ذلك؟. تذكرت هذه القصة وابتسمت حين قرأت ذات مرة قصة لأحد الرجال الذى اشتكى وقال عن نفسه بأن كالدجاجة التى تزرع وترفض أن يحصد معها من لا يشاركها أفضل منه،! وانه يعيش حياة قاسية من العمل المتواصل المضنى، ومر به العمر بينما من يستمتع بحصاد كل شيء هى زوجته التى لا تشاركه فى أى شيء، فالخادمة والمربية هما من تقومان بكل أعمال المنزل حتى السهر على تربية الأبناء، بينما تحصد زوجته كل ماله مع نهاية كل شهر لنفسها فقط، دون حتى أن تشاركه وترفع من معنوياته بكلمة شكر وعرفان، فهى لا تقدم أى شيء سوى أن تقول له هل من مزيد. وتذكرت أيضا بمقابل ذلك سيدة عرفتها، كانت تأخذ ذلك الدور فى العمل المضنى خارج البيت صباحا، أما بعد عودتها فتعيش أشغالا شاقة لا تنتهي، ولا تعرف للراحة من سبيل، رأيتها حقا تقضى أياما من حياتها شبه نائمة من فرط التعب، أما زوجها فلا يشاركها فى أى شيء، الا انه من يحصد كل شيء فى النهاية، بينما تظل هى فى دوامتها تطحن نفسها ليستمتع هو بموسم الحصاد ويجنى كل شيء. حقا ان ما تعلمنا من قصص مثالية كى نطبقها فى حياتنا يعد شيئا، والواقع الذى نعيشه شيئا آخر، والسبب هو فهمنا الخاطئ للمشاركة وللعطاء ولحدودهما، فقد شاركنا بأنفسنا فى ترسيخ الأنانية وتغذيتها لدى البعض، وجعلناهم يستمتعون بها على حساب سعادتنا. لو أننا لا نقبل ان يحصد معنا الا من يشاركنا لتغيرت حياتنا كثيرا، ولو أننا لا نجعل الآخر يحصد من روحنا فرحا، دون أن يشاركنا الاما وشجونا، لكنا راضين أكثر ومستمتعين أكثر، ولما شعرنا بكل مشاكل الحياة وكآبتها تسيطر علينا وتحكمنا بارادتنا فى كل شيء، فى مشاعرنا، فى حياتنا مع شركائنا، وفى علاقاتنا مع الغير. وكى لا تتفوق علينا الدجاجة.. من يشارك معنا هو من يحصد معنا، ومن يرفض مشاركتنا، هو من تملأ رأسه رائحة الخبز الطازج، ولا يتذوقه..انها النهاية العادلة. [email protected]

572

| 21 فبراير 2012

لا بأس من.. الدموع

قرأت في الأسبوع الماضي بجريدة "الشرق" موضوعا عن أهمية البكاء للإنسان، وإن الإنسان الذي يبكي، هو من يتمتع بصحة نفسية وجسدية أكثر. فمن منا لا يبكي، فذرف الدموع هو من يخفف من وطأة الاكتئاب والحزن على النفس، ويغسل العيون والقلب، وقد يكون هو من يقوي الإنسان على ضعفه ثم يزيده قوة. وقد لاحظت عند الذهاب لتقديم واجب العزاء عند من أصيبوا بفقد أحد أقربائهم ممن يصعب فراقهم، ويعتصر القلب حزنا على رحيلهم، أن هناك من الناس من يبالغ بشدة في محاولة إيقاف دموع من أصيب بذلك الألم بأية وسيلة، معتمدا على أسلوب جاف يثير غضبي أحيانا، ففي أول أيام العزاء وأكثرها ألما، وجدت من تأمر بالتزام الهدوء والصمت، وأخرى تذكر بأننا مؤمنون وليس البكاء لمن يؤمن بقضاء الله وقدره، وغيرها تحدث بجدية بأن البكاء شيء لا يقبله الدين. وما أستغربه عند البعض أنهم يغفلون بأننا بشر ولسنا حجرا، ولنا قلوب ومشاعر، فقد بكى رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام على أبنائه وأصحابه من الشهداء. فالإنسان ضعيف بطبيعة خلقه، ولم يجعل الله تعالى الدموع لنا هباء، ولكن لتفريغ ما في النفس من آلام وتخليصها من ثقل الهموم والأحزان. فليس للإنسان مصادرة أحزان غيره ودموعهم، وكأنهم آلة من حديد يأمر فيطاع. وليس من السهل على الإنسان أن يكبح جماح دموعه وآلامه عندما يفقد من يحب. ومما لا شك فيه، أن الاستسلام للحزن الصامت هو بمثابة التدمير لنفس الإنسان، الذي قد يصيبه بالاكتئاب الشديد، الذي قد يحتاج بعده للعلاج الدوائي، بالإضافة الى تفريغ شيء من البكاء أيضا، تخفيفا لحدة هذا الاكتئاب. وقد قال أحد الفلاسفة مقولة طالما اعتقدت بها، وهي (إن الحب هو الدموع، وأن تبكي يعني أنك تحب). ففي حبك لله دموعك هي خشيته، وخشوع قلبك لآياته، وتضرعك عند دعائه. وفي حبك لنفسك دموعك هي من يطهرك، ويرفع عنك معاناة الشعور بالذنب وينقيك. وفي حبك لمن حولك فدموعك هي مشاركتك الحقيقية لهم في أوجاعهم وهمومهم. وفي حبك لمن فقدتهم فدموعك هي وفاؤك لهم، وما يواسيك لفراقهم. وما لاحظته في البعض إنهم يقاومون ويتجلدون بقسوة لمواقف تستفز العاطفة وتحرض على البكاء، ظنا منهم أن البكاء ذل وهوان، وإن التجلد قوة، لكن مما لا شك فيه أن للدموع سر يجب أن نفهمه، فهي من تصفو بها الروح. وفي رأيي أن الدموع ليست دليلا على الضعف الإنساني، وإنما هي رمز لرقي المشاعر وسموها ونقائها، ومن الانفعالات الحقيقية النابعة من القلب. وقد كنت أعتقد يوما ما عندما كنت صغيرة أن البكاء مقصور على النساء فقط، وأصاب بالدهشة عندما أرى الأبطال من الرجال يبكون في الأفلام القديمة، وقد كنت أعتقد بأنهم يبكون لأنها دموع لغرض التمثيل فقط، لكنها ليست حقيقة ولا تحدث في الواقع. لكن الحقيقة التي علمتها لنا الحياة بعدها، أن أقوى الرجال لا يستطيعون الصمود في وجه الدموع حين تكون الظروف أقوى منهم، وحين تقسو عليهم الأيام، وتلسعهم أحزان الحياة، فتكون الهزيمة هي حليفتهم في معركة التحدي معها. فلا بأس من بعض الدموع نذرفها في حزن أو فرح، تنقينا وترفع عن كاهلنا بعض أثقال الحياة. [email protected]

1801

| 07 فبراير 2012

ثق في أحاسيسك

أحيانا ينتابنا شعور غامض يجعلنا نتوقع شيئا ما، نحو أمر أو شخص ما بلا عوارض أو مقدمات، نشعر أن شيئا داخلنا يحذرنا منه، ولا شك أن الكثير منا لو عاد بذاكرته للوراء قليلا لوجد الكثير من المواقف التي تتوافق مع هذا الشعور لا بد أن تكون قد مرت به. هناك مثل أجنبي يقول: (ثق في أحاسيسك)، وهو ما اعتقد به كثيرا، فقد صادفت العديد من البشر كنت أكذب كل أحاسيسي الداخلية بشيء ما يرفضهم، ويشعرني بعدم مصداقيتهم رغم اتضاح عكس ذلك، فكنت أجبر نفسي على التواؤم معهم، لكن الحياة والأيام والمواقف تجعلني أعود لأذكر ذلك المثل وإنه كان عليّ أن أثق فيما صرخت به مشاعري وأحاسيسي عندما أكتشف بعدها أنها كانت في محلها. فهل علينا حقا أن نثق في أحاسيسنا تجاه أمور حياتنا؟. قرأت ذات مرة تحقيقا صحفيا يتناول هذا الموضوع عن فتاة ومع تجربتها في العمل من أول يوم، قالت إنها ما أن تسلمت مهام عملها الجديد ودخلت إلى الغرفة الكبيرة التي تضم مجموعة من المكاتب لمجموعة من الموظفات، انتابها شعور رهيب بالنفور من إحداهن وكانت على مدى الأيام تخبئ تلك الأحاسيس وتحاول أن تطرد ذلك الشعور البغيض وتشعر بنوع من تأنيب الضمير نحو مشاعرها غير المبررة بعدم الرغبة في مجالستها أو الحديث معها أو حتى احتمال صوتها، كل ذلك لمجرد ذلك الشعور الذي انتابها لأول مرة، وبعد أن توثقت علاقتها ببعض من معها من الزميلات أباحت لهن بذلك الشعور الذي يؤرقها بعدم الشعور بالطمأنينة نحو تلك المرأة الذي يصل أحيانا للدرجة التي تجعلها تتغيب عن العمل كي لا تراها، فاستنكرن ذلك وقمن بنصحها بمحاولة التخلص من هذه الأحاسيس المبالغ فيها، وحاولت جاهدة أن تبدأ في مد جسر ضعيف من الكلمات والتواصل طلبا لاستدعاء شيء من الود، ومع مرور الوقت ومن خلال بعض المواقف الصغيرة بدأت تفهم وتتضح لها صحة مشاعرها التي لم تتقبلها يوما، وبعد فترة حدث موقف كبير تسببت فيه تلك الموظفة بكل خبث ودناءة في مشكلة كبيرة للمقربين منها من الزميلات تمس صميم حياتهن الشخصية، واتضح للجميع أنها ليست سوى أفعى ملونة تعيش بينهم مما جعلها تغير عملها بأكمله. ولا أنسى جارتنا القديمة التي جاءت إلى أمي يوما تشتكي وتلوم نفسها لأنها أرغمت ابنها على الزواج ممن اختارتها هي له، وإنه قال لها إنه لا يشعر بالارتياح معها، وإن شيئا في داخله يصر على رفضها، وإنه حذرها يوما من الاستمرار بمشروع الزواج هذا، وإن إتمامه سوف يكون لإرضائها فقط، فأصرت بأن الحب والقبول سوف يأتي بعد الزواج، فلم يأت الحب ولا القبول، ولم يستمر الزواج. قد تكون أحاسيسنا خاطئة أحيانا، لكنها قد تصدق كثيرا، من المهم أن نثق في أحاسيسنا، نصغي إليها، نلتفت إلى إصرارها ولا نتجاهلها، ونتوجس الحذر ممن يصر داخلنا على رفضهم. فما زلت ممن يعتقد أن قلب المؤمن يستشف الخير ويستدل عليه، وينقبض من الشر وينفر منه. وفي النهاية وفي أي مكان وزمان أنت فيه، استمع إلى صوت قلبك، وثق في أحاسيسك. [email protected]

4636

| 31 يناير 2012

الغائب.. الحاضر

في كل مرة أركب فيها الطائرة مغادرة أو قادمة من عاصمة الضباب لندن، تصر ذاكرتي على أن تستعيد ذكرى مغادرة أبي الحبيب إليها جسدا، وعودته بعد أيام منها على نفس الطائرة جسدا بلا روح، أحاول في بداية كل رحلة أن أشيح بوجهي عن جسم الطائرة كي لا تلتقط عيناي الاسم الذي تحمله الطائرة، والذي لن تنساه ذاكرتي ما حييت. وأحاول جاهدة بعدها أن أشغل نفسي بجميع وسائل الترفيه المتاحة، أو قراءة مجلة أو جريدة، ولكن في كل مرة تنهار كل قواي في القدرة على التحمل وتتضح هزيمتي حين أتعرض لهجمة شوق شرسة، وبكاء بدموع وقحة لا تكترث لعيون الآخرين، أحاول أن أتوارى بها بيدي عمن حولي في خجل. خمس سنوات مضت، وما زلت أرسل الرسائل إلى هاتف أبي المغلق، وأحتفظ باسمه في قائمة الأسماء، لكن رسائلي اختلفت كثيرا، ففي أولى سنوات رحيله كانت رسائلي مليئة بكلمات الشوق المختلطة بالدموع الغزيرة على صدمة رحيله وألم غيابه، وبعد مرور هذه السنوات الخمس أصبحت رسائلي له تجمع بين كلمات الشوق الذي لا يخبو، وكلمات أخرى كثيرة يختارها داخلي له لما أصبحت أكنه له من احترام عظيم وتقدير على دوره الذي كان في حياتي، والذي أصبح كالدرب الذي رسمه كي لا أضل بعده، ومع مرور الأيام أدرك كم تعلمت منه، وأصبح كل يوم يمر في حياتي وينقص من عمري، يضيف في حساب حبه. كثيرا ما أتذكر قصة عن فيلسوف الهند طاغور انه بعد أن مرت سنوات طويلة والتقى أول حزن كبير في حياته قال له: ألا تعرفني، فرد عليه: اعذرني فالسنين مضت ولا أستطيع أن أراك جيدا، فقال له: أنا أول حزن كبير في حياتك، فرد عليه قائلا: ما كان حزنا يوما، أصبح الآن سلاما. من قال ان حبنا وشوقنا لمن غيبهم الموت ينطفئ بعد أن يرحلوا، نحن لا ننسى الأعزاء ولا نكف عن الحزن عليهم، إلا أن مرور السنين يجعلنا رغماً عنا نعقد معاهدة سلام مع أحزاننا كي تسير حياتنا، وفي الوقت نفسه لا نستطيع أن نمنع قلوبنا من أن تحتفل بمرور السنوات على الأحزان الكبيرة. الشيء الغريب أننا لا نرى ثمرة وجود الراحلين في حياتنا والأضواء التي أضاؤوها في طريقنا إلا بعد أن يمضوا ويرحلوا، فتقف بعدها أرواحنا وقفة حب وعرفان لهم ولكن بعد فوات الأوان أحيانا. من أهم الأشياء التي تفسد حياتنا نحن البشر أننا لا نتعلم من تجارب بعضنا البعض، ولم نتعلم بعد أن الأيام التي تمضي لا تعود، وأن اللحظات التي نبخل بتمضيتها اليوم مع الأعزاء متعللين بدوامة الحياة سوف نندم كثيراً عليها يوماً. ولا تزال تمر الأيام، ويرحل الكثيرون، ويندم الكثيرون، ومازال البعض لا يتعلم ويتعلل بنفس الدوامة. عزائي ان من أجمل الأشياء التي كانت بحياتي تلك الأيام التي قضيتها مع أبي واللحظات التي لم أبخل بها أبداً، لقد منحت نفسي فرصة أن يغمر حياتي بحبه واهتمامه، كما أعطيت نفسي فرصة أن أقدر وجوده العظيم الذي كان في الحياة.. خمس سنوات مضت، وعشرات السنوات قد تمضي.. لا يهم.. ستبقى الغائب الحاضر فأنت مازلت في قلبي... رحمك الله يا أبي.. ورحم موتى المسلمين. [email protected]

1618

| 24 يناير 2012

ويتجدد الحب

حين نحب بعمق ويخذلنا الطرف الآخر، أو يختفي من حياتنا بالموت وتسقط مشاعرنا فجأة من قمة الحب إلى القاع، نرفض غالباً أن نحاول أن نتسلق مرة أخرى في محاولة للوصول لنفس القمة كي نعيش مشاعر حب جديدة تكون كالبلسم الشافي لكل جروحنا. سمعت حواراً لفت انتباهي في أحد الأفلام الأجنبية، حين تحدثت بطلة الفيلم مع صديقتها، وقالت إنها عندما أحبت للمرة الأولى في حياتها، ثم تركها وتخلى عنها من تحب وهي في أوج مشاعر الحب نحوه، أصبحت تحدث نفسها متسائلة) أهذا هو كل الحب في الحياة؟ وهل استنفذته؟) لكن الحياة مرت بها وعادت لتعيش نفس مشاعر الحب وتتزوج وتعرف الحب في أوجهه الكثيرة التي تملأ الحياة. مثل هذه الكلمات تعيد إلى ذاكرتي بعض الوجوه التي صادفتها في حياتي، التي ربما تعلمت منها شيئا وإلا لما التصقت بذاكرتي بهذه القوة ورفضت أن تسقط في قعر النسيان، كان أحد تلك الوجوه لسيدة خليجية شقت لنفسها طريقاً عبر حب كل ما في حياتها فقد فقدت ابنها الوحيد الشاب في حادث أليم فتفككت حياتها وهجرها زوجها وانسحب من حياتها، فعادت لتبني نفسها بالحب الذي فقدت أكثره وتزوجت بآخر بعد سنوات ورغم إنها لم تنجب فإنها أحبت قدرها وحياتها الجديدة المليئة بالعمل والصداقات، متذوقة بعمق أنواعا أخرى من الحب. أما الوجه الآخر فقد كان لزميلة قديمة كانت تكن لزوجها كل الحب والاحترام، تعيش في دائرته وتتذوق الحياة من خلاله، وبمرور الأيام سمعت بمعاناتها وألمها لأنه تزوج بأخرى، ولأن حبها له كان أكبرمن كل شيء، عادت لتعيش في دائرته وتقبل بكل ما يجود به من فتات الحب ولا تأبه إن تزوج بأخرى وأخرى، لكنه وفجأة بعد سنوات اختار بنفسه بقرار ظالم الانفصال عنها بالطلاق الذي أنهى كل ما بداخلها من حب وجعلها تنهار. ولست ألومها إن تعرضت للانهيار، لكنني أكره الاستسلام والضعف رغم أني لا ألوم أصحابه، ولا يمكن أن أتوقع أن يحاول من سقطت مشاعره في القاع أن يتذكر أن يحاول أن يتسلق نحو قمة الحب مرة أخرى، فالسقوط دائما ما يأخذ من العزيمة، فغالبا ما يخالج الإنسان هاجس يعيش معه بأن ليس هناك ما يمكنه إصلاح ما انكسر، وليس هناك بعض من حب قد يعود، وكأن العالم قد انتهى والحياة قد توقفت. لكن الشيء الوحيد الرائع الذي يميز الحب أنه يستطيع أن يستعيد قوته وعافيته، فهو ما لا يتوقف فيه نبض الحياة، وتستطيع خلاياه التي قد نعتقد بأنها ماتت أن تعود تبني نفسها بقوة ولا تتوقف لأن أحدا قد جرح أو رحل. فالحياة فيها الكثير من الحب، والكثير من التعويض الذي قد لا نشعره في لحظات الألم واليأس، فأول هذه التعويضات عن كل ما فقد من حب وأعظمها نعمة النسيان التي تهيئ الإنسان كي يعود يبني نفسه، كي يحب ويبني مشاعره، وكي يعيش حياته كما يريد بشكل جديد. لنحيا بالحب، ونداوي جروحنا بالحب، إنه أكثر مما نعتقد، وأعظم مما نتصور، لنغمر حياتنا بالحب وحده.. وبقلوبنا معا يتجدد الحب. [email protected]

3875

| 17 يناير 2012

فما أطال النوم عمراً

في هذه اللحظة ومن أول الصباح لا أشك أبدا في أن الكثير ممن يتصفح الجريدة الآن، ويرتشف فنجان القهوة أو كوب الشاي المفضل لديه قد أفاق من نومه وهو مغمور بشعور التعب وقلة الراحة والنشاط، وإنه لو أغمض عينيه قليلا للاستسلم لنوبة نعاس حادة، والسبب في كل ذلك هو عسر النوم والقلق الذي أصبح داء يكاد يصيب الغالبية من الناس. لماذا لم نعد نستطيع أن ننام؟ لماذا أصبح النوم العميق أمنية غالية لكثير من الناس يفترشون الحرير ويلتحفونه؟ نلقي بأجسادنا على أسرة مريحة، وتغوص رؤوسنا في وسائد الريش الوثيرة، ونسكن في هدوء ومع ذلك لا نستطيع أن ننام، بينما هناك من يداعب جفونَهم النومُ في دلال وهم يستلقون على الأرض الصلبة، بألحفة متواضعة، في غرف قد تجمع عائلات بأكملها، ينامون ملء العين والجفن، ويُفيقون في راحة ونشاط. أترى السبب هو أمانيهم وأحلامهم المتواضعة كحياتهم، ولأن ليس هناك ما يأسفون عليه، وليس هناك ما ينتظرونه، وما يقلقون من أجله، ربما منهم من قد ينام قرير العين وهو لا يعرف قوت غده. ولا شك أن الحياة كلما تقدمت بالإنسان وعرف فيها الصدمات والأحزان، أصبحت الذكريات الأليمة هي زائر الليل الذي لا يعرف حدود الزيارة، فيعتاد الإنسان جفاء النوم، ولكن أرى أيضا أن تكالبنا على الحياة، ورفاهيتها الملونة، وطلب المزيد من كل شيء هو أحد الأسباب الكبيرة التي تسبب لنا هذا الأرق، لا نهدأ ولا نكف عن التفكير الذي ليس له نهاية إلا بمعركة ليلية مع الوسادة علها تتلطف علينا بساعة من الاستغراق في نوم هانئ. عندما اجتمعت مع بعض الأقارب لاحظت أن جزء من شكاوى الجميع هو النوم بصعوبة بسبب التفكير والقلق، فسألت كل شخص منهم على حدة، عما يعتقد بأنه السبب الدائم لقلقة وعدم نومه، كان السبب عند أحدهم هو انشغال تفكيره الدائم في بيع وشراء الأسهم الذي لا يجعله يهدأ، أما السبب لإحداهن فقد كان كل ما يتعلق بالتخطيط للتسوق أو الخروج والزيارات وقد يصيبها هذا القلق حتى لشراء حذاء أو رداء لحفلة ما، وآخر كان سببه هو ألم الأمعاء وعسر الهضم الدائم بسبب وجبات العشاء الدسمة قبل النوم، أما إحداهن فقالت بعصبية: إنها لا تنام بسبب مشاكل الحياة ومتطلباتها التي لا تنتهي، وأخرى قالت: إنها الذكريات الأليمة وليس غيرها، أما أنا فلست أفضل منهم فبالإضافة إلى أطياف ذكرى الراحلين التي أصبحت حصة رئيسية من حصص القلق الليلي، يسعدني أن أخبركم أيها القراء الأعزاء بأن الجزء الأكبر من القلق الذي يصيبني هو بسبب تفكيري الدائم وطمعي في موضوعات وكلمات تنال إعجابكم، والتي لا يحلو لها أن تنساب كالماء العذب إلا عندما أضع رأسي على الوسادة، فتجعل يدي تتخبط في الظلام كي أسجلها كأفكار متناثرة على الورق أفك شفرتها في الصباح. فلا شك أن السبب الأكبر في توتراتنا اليومية هو ما نعيشه من التغيرات الحياتية التي غيرت الأفكار والتطلعات وجعلتنا كمن يركض ليدرك كل شيء، وفي نفس الوقت لا نشعر بحقيقة التعب والصراع الذي نعيشه من أجل كل شيء نريده إلا عندما نعود لننام، فلا نستطيع أن ننام. لنهدأ قليلاً فالكثير مما نجري ونلهث من أجله كي لا يفوتنا لا يستحق أحيانا أن نضحي براحتنا وصحتنا من أجله، ونستهلك تفكيرنا فيه، لكن إن كان البعض مثلي يجد متعته وحياته في السهر، ويستعذب الأرق أحياناً، فلا بأس، فكما قال الخيام: فما أطال النوم عمراً ولا قصر في الأعمار طول السهر.. ولنا جميعا إن كان الأرق يرافقنا، والنوم يجافينا فلاً بأس أيضا فهناك يوم لابد آت.. سوف ننام طويلاً. [email protected]

1266

| 10 يناير 2012

كيف تحسب خسائرك؟

كل شيء يتغير بتغير الوقت وبمرور الزمن، الكون والناس والأشياء، وحتى حساب الخسائر في حياتنا يتغير بمرور الأيام، فكلما انقضت مرحلة من حياة الإنسان، كلما كان حسابه لخسائره يختلف عما سبقها من مراحل، وقد نمر بمرحلة نكتشف أن ما اعتبرناه خسارة فيها وأسفنا عليه، ما هو إلا ربح لم نجنيه إلا في مرحلة بعدها. قد نبكي ونتألم، نكتئب ونكره العالم والدنيا لأننا تكبدنا ما اعتبرناه خسائر جسيمة، ولكن هل نتريث ونتأمل حقيقة ما أحصيناه من خسائرنا. قرأت حوارا رائعا مع أحد الذين تحدثوا عن مراحل حياتهم، وعما أعطتهم الحياة وما أخذت منهم، وخاصة عن حساب الخسائر فيها، فقال إنه في مرحلة الشباب خسر فرصة كبيرة للالتحاق بإحدى الجامعات المرموقة، وتألم حينها وبكى واعتقد أنه ليس هناك شيء قد يعوض هذه الخسارة، واضطر أمام إلحاح والديه للالتحاق بجامعة أخرى تخرج فيها بتفوق وبتقدير مرتفع، ثم اتجه إلى المال والتجارة وحقق الكثير من آماله، لكنه وفي أوج نشاطاته التجارية تعرض لأزمة خسر فيها خسارة مالية كبيرة أثرت تأثيرا مباشرا في إنجازاته، وكادت تلك الخسارة أن تقضي على حياته حيث تعرض على أثرها لأزمة قلبية حادة، تعافى منها بصعوبة وعاد ليبدأ من جديد ومرت به الحياة، ثم اختار أن يترك بلاده بعد أحداث فيها، مقررا أن يسافر مع عائلته تاركا والديه وإخوته الذين رفضوا الخروج معه آملين له الحياة المستقرة الكريمة التي يصبو إليها، على أن يقوم بزيارتهم كلما أتيحت له الفرصة لذلك، ومر العمر في المهجر بين أشكال من الربح والخسارة لكنه في نهاية المطاف عندما سئل سؤالا عن أكبر خسارة في حياته قال: ( ما عدت أذكر أي خسارات، فالخسارة الكبرى في حياتي حين رحل والداي بعيدا عني وأصبحت يتيما في عمر الكهولة.). وغير ذلك هناك خسارات في الحياة قد نعتبرها حينها ربحا ولا نشعر بها إلا بعد فوات الأوان، تتضح أشكالها في شركاء أو أبناء قد نتخلى عنهم ونفقدهم، ونعتقد أننا ربحنا بتخلصنا منهم، تأخذنا الدنيا عنهم بعيدا، تلهينا فنسقطهم من حساباتنا، وبكل ألم نكتشف بمرور الأعوام أنهم أكبر خسارات حياتنا. لاشك أن الخسارات الكبيرة في الحياة هي تلك التي تخسرها قلوبنا وليست أيدينا، هي تلك الأشياء التي يصعب علينا أن نستبدل أخرى بها، هي تلك الأشياء التي تبقى تؤلمنا حين نصل لمرحلة في حياتنا نتوقف فيها عن حساب كل الخسائر ونحسبها. ماذا يعني إن خسرت المال، ماذا يعني إن خسرت الوظيفة، أو خسرت الصفقة، أو خسرت الدرجة أو المنصب؟. المهم ألا تخسر مَن تحبهم في حياتك، والأهم من ذلك ألا تخسر مَن يحبونك في حياتهم، ألا تخسر سعادتك، والأهم من كل الخسارات.. ألا تخسر آخرتك. [email protected]

1103

| 03 يناير 2012

قريبا.. وداعا عام 2011

لا شك أن لدورة الأيام فى حياتنا حكايا، وان هناك أعواما بذاتها نذكرها ونستعيد أحداثها كلما أوشكنا أن نودع عاما بعد عام، ومع الأيام القليلة المتبقية التى نودع فيها عام 2011، لا يمكننا أن نتجاهل بأنه عام فيه اختلاف كبيرعما سبقه من أعوام، فقد كان حافلا بالأحداث الكثيرة والكبيرة، وبالمفاجآت التى تفوق مستوى الخيال، انه عام الآيات والعبر لمن يعتبر، انه العام الذى أذهل العالم بالتغييرات، وقد رأينا فيه بأم أعيننا كيف انحدر فيه جبابرة من بروجهم العالية لأسفل سافلين. ولم يكن عام 2011 مختلفا على الصعيد العالمي، وانما كان كذلك على الصعيد الشخصى أيضا، فقد كان مختلفا عن كل ما مر بحياتى من أعوام، انه عام أعتقد أنه من الصعب على الذاكرة أن تنساه، تذوقت فى هذا العام طعمين متناقضين مختلفين، تذوقت مرارة الألم والحزن، كما عرفت فيه ومع نهايته لذة طعم الفرح، وذرفت فيه دموع الحزن الحارة، كما عانقت عينى فيه دموع الفرح الحقيقية. كان الأهم من كل ذلك، أننى تعلمت فيه ما لم أتعلمه فى أعوام مضت من حياتي، وهو ما سيكون طريقا انتهجه بعدها، فقد كان ما تعلمته وآمنت به كل الايمان جملة واحدة هى خلاصة كل ما مر بى هذا العام، وهى تتجلى فى قوله تعالى: (ان مع العسر يسرا)، تعلمت أن اليسر بعد العسر أحد القوانين العظيمة لله عز وجل رحمة بعباده، تعلمت أن كل ما يمر بنا من آلام مهما وصلت لذروتها فلا بد من الانفراج، انه قانون الحياة، فمهما طال علينا الليل لا بد من ظلامه أن ينجلي، ولا بد من نور الصباح أن يعود ينير حياتنا.كما أن فى العالم العربى هذا العام ولدت آلاف من القصص الحزينة، التى خلفت آلافا من الثكالى والأرامل واليتامى، ورغم ما ذرفوا من دموع، وما لفهم من أحزان، وما تكبدوا من خسائر، الا انهم رأوا أيضا فى انتصاراتهم يسرا بعد شدة، ونصرا بعد ذل وخذلان.ومع الأيام الأخيرة المتبقية فى عام 2011، أقول لكل من ودع حبيبا، أو فقد غاليا ان ذاكرة قلوبنا تطفئ داخلنا رغما عنا كل عام، فى نفس الزمن والتاريخ شموع جروحنا الكبيرة،فتحتفل بحزنها وتطفئ شموعها بشيء من دموع، فالأحزان الكبيرة فى حياتنا قد تستطيع أن تكسرنا، ولكن لا بد أن مرور الأعوام سوف يلقى بجبيرته على ظهورنا، يشدنا ويفقد كل حزن وهجه، ولا بد للفرح وان كان باهتا أن يتغلغل داخل قلوبنا ويشعرنا بلذته.وان ظننا أحيانا أن الحزن فى داخلنا أكبر كثيرا من البكاء ومن العزاء، فعزاؤنا رغما عنا أيضا أن الأعوام التى تحزننا، مرورها وتعاقبها فى حياتنا هو نفسه الذى يداوينا، ونجد أننا بدأنا نعقد صلحا مع الحزن، ونشق طريقا للفرح والابتسام. ورغم كل شيء، الحياة تستمر، ويستمر من عليها يطوى صفحة عام ويستقبل عاما جديدا آخر، ولا يكف عن التمنى والأمل..وبكل آلامك، وبكل أفراحك.. وداعا عام 2011 [email protected]

434

| 27 ديسمبر 2011

سيدة "هارلي ستريت"

أمام مدخل إحدى العيادات الخاصة بشارع هارلي ستريت الشهير بعيادات أشهر أطباء العالم، في وسط العاصمة البريطانية لندن، رفعت أصبعي لأضغط على جرس الباب، وبعد التعريف بنفسي من خلال آلة التحدث، فتحت لي فتاة شابة وأشارت إلى غرفة الاستقبال، وما أن وصلت أمام مكتب الاستقبال حتى ذهلت بالسيدة التي تعمل على تعبئة الأوراق الخاصة بالدخول، فقد كانت بلا مبالغة سيدة يتجاوز عمرها الثمانين عاماً، في أناقة شديدة، ترتدي قميصاً حريرياً أحمر لامعا مع ما يكمله من إكسسوارات فاخرة، أما وجهها فقد غطته تجاعيد شديدة كبيرة وصغيرة، وثنياث طوت فيها عمرا طويلا، كسته بألوان خضراء وحمراء ووردية، فأدخلت عليه ربيعا من صنعها. استقبلتني ورحبت بي بشدة، وأخذت تسألني وتملأ الورق بالبيانات بخفة ونشاط، بينما شعرت بأنني نسيت نفسي وأنا أنظر إلى وجهها ويدها التي ترتجف وتعمل بسرعة بإعجاب، ثم طلبت مني الجلوس في غرفة الانتظار، ولم تكتفي بالإشارة، بل قامت بتوصيلي إلى حيث الغرفة، فجلست في غرفة الانتظار بينما كانت كنحلة تتنقل بين الغرف، تبتسم وتمارس عملها بكل همة ونشاط، ومع إنني أكره لحظات الانتظار فإنني يومها لم أشعر بالملل، ووجدتني أضع خريطة لتوقعي لمسيرة حياة هذه السيدة وأتساءل، هل من وصل لهذه السن يستطيع أن يعود ينظر نظرة جميلة لما حوله؟ وهل يستطيع أن يعود يشعر بالفرح بعد عمر فارق فيه من فارق، ورأى فيه ما رأى من الألم والتعاسة في حياته؟ وهل هناك من يتحمل عنها بعض مسؤوليات الحياة وهي في هذه السن الكبيرة؟ يا ترى كيف تسير حياتها بهذا الترتيب لتكون منذ الصباح الباكر في كامل أناقتها وحيويتها، بينما لم أر ذلك في الكثير من شابات خلت حياتهن من أي مسؤوليات حقيقية. لكن البعض حقا هم من يصنعون تعاستهم بأيديهم، وهم من يقررونها على حياتهم، وتذكرت زميلة عرفتها يوما، كانت تمتلك الكثير، أو كما يقال وينظر له البعض بأنه من أساسيات السعادة والحياة الكاملة، فلديها المال والثراء، كما أخذت من التعليم قسطا كبيرا، وحصلت على شهادة جامعية، لديها بيت كبير وزوج طيب وأبناء أصحاء، ولكن ما لم تكن تمتلكه هو أهم من كل ذلك بكثير، فقد كانت لا تمتلك فن التعامل مع ما بحياتها من جمال، فقد كانت الشكوى هي أساس حياتها، تشتكي من زوجها ومن أبنائها، تشتكي من عملها ومن زميلاتها، ساخطة على كل شيء، تتوقع أنها ستكون فريسة الأمراض التي لابد وأن ستصيبها إن عاجلا أم آجلا، تنتقد الآخرين بشدة وتعتقد في الوقت نفسه بأن الجميع أفضل منها والأقدر على الاستمتاع بحياتهم والشعور بالراحة، وإن البلاد التي زارتها أسوأ بلاد، وإن المطاعم التي دخلتها هي أسوأ المطاعم، ومع ما تمتلكه من أموال فهي لا تمتلك شيئا، وإن الملابس التي ستقوم بشرائها لن تكون جميلة بالتأكيد! ومع إن هذه الزميلة في ريعان شبابها فإن الخطوط الكثيرة قد انتشرت في وجهها سريعا، ولم أعد أرى بها أي حيوية، وكثيرا ما كنت أحدث نفسي وأرثي لحال زوج هذه السيدة التي تقوم حياتها كلها على هالة من الطاقة السلبية والنكد الذي ينغص الحياة، ولا أنكر أنني أحيانا أتوقع في داخلي بأنني حتما سوف أسمع يوما بأن زوجها قد تزوج بأخرى هربا منها، فالحياة معها لا تطاق بلا شك. وعدت أنظر مرة أخرى لسيدة هارلي ستريت العجوز، وأكاد أجزم بأن حياتها لم تكن سهلة أبدا، ولم تحظ بالكثير مما حظيت به تلك الزميلة من حياة كاملة لا تستطيع أن تراها أو تتمعن فيها قليلا كي ترى كم هي سعيدة، وكم هي محظوظة، وإن هناك من الناس من استطاعوا أن يتجاوزوا تعاسات حقيقية وآلاماً كثيرة فقط لأنهم يريدون ذلك، يريدون أن يلمحوا السعادة ولو كانت بعيدة. نظرة لكل ما حولنا، وسنكتشف أن الكثير منه يستحق أن نصف أنفسنا معه بأننا..أسعد السعداء. [email protected]

532

| 13 ديسمبر 2011

انتفاضة الذكرى

مهما تشغلنا الحياة، ومهما نغوص في أحداثها وتأخذنا أيامها، فلا بد من لحظة الشوق، لحظة انتفاضة الذكرى وإلحاح الحنين، التي قد تداهمنا في أي مكان وأي زمان بلا استئذان، تدوس بقوة على كل قوة فينا، فنشعر لحظتها كم نحن ضعفاء أمام الشوق، يذلنا الشوق الذي في داخلنا فنشعر بقوة احتياجنا لحظتها لكلمة أو لمسة، لنظرة فقط نلتقي بها من نحب، لحظة ندفع العمر كله ثمنا لها. وفي قصة روسية قديمة إن رجلا قرر أن يهاجر من بلدته، لكنه عندما حانت لحظة الرحيل ووقف على نهر الفولجا انتفضت جوانحه، وأخذ يستعيد ذكريات حياته كلها على ضفافه، وخاف لحظتها من هجمات الشوق إلى مرتعه، فكان خوفه من أن يكتوي بنار هذا الشوق هو ما جعله يتراجع عن قرار الهجرة ويعود إلى بلدته في النهاية. فمن رحيل أو اغتراب أو غياب، عندما يتسرب من أيدينا من نحبهم تهاجمنا لحظة الشوق كالمارد المتخفي، أو كالطوفان الذي يجتاح قلوبنا، أو كاللهيب الذي يجعلها تحترق بإحساس الشوق الرهيب، بالاحتياج لمن نحبه في تلك اللحظة، فتنحدر دموعنا علها تطفئ شيئا من تلك النار التي تختبئ بين الجوانح، لتظل تشن هجومها القاسي علينا ولا تكف عن ذلك، وكلما مرت بنا الأيام واعتقدنا أن النسيان قد أتى على ما بداخلنا من شوق وحوله إلى رماد، هاجمتنا انتفاضة الذكرى مرة أخرى، لنرى الحقيقة المرة بعد كل مرة، بأن الشوق في حالة ازدياد، وأن الفراغ الذي خلفه مَن غاب عن عيوننا أكبر مما نتصور، فنقف مذهولين أمام كمية حب وشوق لا يمكن وصفها، نحاول أن ندسها بين الضلوع كي لا تعود. تأثرت عندما دخلت في أحد المرات إلى غرفة الممرضات بأحد المستشفيات، فوجدت إحداهن والتي كانت منذ دقائق فقط في قمة إنشغالها في العمل، وهي تبكي بحرقة بينما زميلاتها تحاولن التخفيف عنها بكلمات عن الحياة والصبر، أراها أحيانا تؤلم اكثر، وهي تمسك بيدها صورة صغيرة تنظر إليها وتسترسل في البكاء، وتتمتم بأنها تشتاق إليه وتعاني وحشة رحيله، فقالت لي زميلتها بأنها تبكي ابنها الذي رحل منذ ثمان سنوات. فعرفت لحظتها أنه المارد، إنه اجتياح الشوق الذي يأتينا بغتة، فيزلزلنا ويقهرنا ويحرقنا، هو نفسه الذي يحولني في لحظة إلى طفلة صغيرة تبكي بكاء احتياج الأطفال شوقا لأمها وأبيها، لا يفرق وقتها إن كنا وحدنا أو منشغلين بين آلاف البشر، وتذكرت الطالب الذي لا يتجاوز العاشرة عندما دخلت الفصل يوما فوجدته يبكي بين زملائه بقوة، وعندما سألته عن سبب بكائه قال: (أريد أبي.. لقد اشتقت إليه)، وكان والده قد توفى قبل ثلاث سنوات، وتألمت في داخلي عليه وحدثت نفسي بأسى، كم هو صغير وكم مبكرا عليه أن تباغت حياته هجمات الشوق. الشوق الذي يستطيع أن يغزو داخلنا، يضعفنا ويهدر دموعنا، ينبش بقوة كل الحنين الذي بداخلنا ويجعلنا نتساءل في هول، أيعقل أننا لن نراهم ثانية؟ هل حقا قد انتهت كل حلقات الوصل بيننا وبينهم؟ نشعر أننا نريد أن نراهم بشدة الآن في هذه اللحظة، نريدهم ولا نريد شيئا غيرهم. لكل مَن فرق القدر بينه وبين مَن يحب، مَن رحل ومَن اغترب ومَن غاب، ولأن القلب يعجز عن صنع أسلحة مضادة لغارة الشوق، ومع مرور العمر فلا شيء غير الاعتياد على تحمل انتفاضة الذكرى. ودائما.. نار الشوق لا تنطفئ، ولا تصبح رمادا. [email protected]

831

| 06 ديسمبر 2011

هذه يد يحبها الله

تحدث أحد الشباب ذو الخمسة عشر عاما عن زميله في المدرسة، والذي قال له: "إنني أتعلم لمجرد الحصول على الشهادة العلمية فقط، لكنني لن أعمل بأي وظيفة بعدها، فأنا لست في حاجة إلى المال الذي نملك منه الكثير". ثم عاد الشاب ليعقب على رأي زميله متسائلا: (حقا، فلماذا يعمل بوظيفة ولديه كل تلك الأموال)، فكان من الواضح تأثر هذا الشاب بأفكار زميله، والحق أن البعض لا يقدر قيمة العمل، ويعتبره نوعا من الذل والحاجة إلى المال فقط، ولست أعلم في هذا الوقت بالذات من أين جاء هذا الزميل بتلك الأفكار، في زمن العلم والعمل والمثابرة، فالعمل للجميع، وهو حياة ليس في ذلك شك، وأذكر أنني بعد أن تخرجت وعملت بإحدى المدارس، قالت إحدى قريباتي باستنكار وبأسلوب غير مباشر، لكنه كان مباشرا بالنسبة لي: (إن العمل لمن يحتاج فقط وليس لكل الناس)!، ومع أنني أبديت لها وجهة نظري، إلا أنني لم أشعر بأن ما قلته كان مقنعا بالنسبة لها، والمؤسف أن البعض ما زال يعتقد أن وجود المال يغني عن العمل، لكن الحقيقة أن للعمل في حياة الإنسان تأثيرا كبيرا، حيث تعطيه الحياة خلاله الخبرة والمعرفة والتجربة التي قد يجهلها طوال حياته، ففي إحدى السنوات السابقة، وخلال الإجازة الصيفية كنا نتجول في احدى المدن الأوروبية التي تتميز بجبالها الخضراء، فقمنا بإغلاق جهاز الملاحة لأننا قررنا أن نتجاهل تعليمات الطريق التي كان يصدرها، وسلكنا طرقا رائعة بين سهول الجبال الخضراء، ودخلنا في طريق ضيق نجهل نهايته، فانتهى بنا إلى بوابة منزل كبير، فجاءنا الرجل الذي كان يعمل على المحراث الآلي عندما رآنا نقف أمام البوابة، وظننا في البداية عندما رأيناه بملابس العمل والعرق يتصبب منه رغم برودة الجو، انه أحد العاملين بهذه المزرعة، لكنه جاء مرحبا ومتسائلا، فأجبناه بأننا كنا نتجول في هذا المكان الجميل، وأخذ يحدثنا بحفاوة ويسألنا من أين جئنا؟ وما هو وطننا؟ تحدثنا معه وأبدينا إعجابنا بمنزله، فقال لنا انه ينحدر من أسرة تنتمي لطبقة النبلاء، وان والده كان أحد أكبرهم، وانه ورث هذا المنزل عن والده، وخرجت زوجته من البوابة الكبيرة المفتوحة وانضمت إلينا وشاركتنا الأحاديث، بعد أن شرح لها زوجها باختصار عنا، وطلب منا مرحبا الدخول إلى ساحة منزله عبر هذه البوابة الكبيرة، ليرينا معمل الألبان الذي يملكه، وما أن دخلنا حتى ذهلنا عندما رأينا مجموعة من السيارات الفارهة الجديدة والقديمة ومنها الرياضية التي تباع بالملايين وقد اصطفت بجانب بعضها، فقال لنا: إنها سياراتي التي أتجول بها في المدينة بعد الاستمتاع بعملي الأساسي كموظف، ثم عملي الأمتع في المزرعة والذي أجني منه الكثير. والحقيقة أنني رأيت في ذلك الرجل الإنسان الذي يستطيع أن يخلق متعته من كل شيء، فقد جعلني أنظر نظرة إعجاب واحترام لرؤيته الراقية لأهمية العمل في حياة الإنسان، والذي كثير من الناس يفتقد هذه الرؤية له. فجميل أن يعيش الإنسان الحياة بكل جوانبها، ويخضع لكل دور في فتراتها، خاصة دور العمل والفترة الخاصة به، والتي يقضيها الإنسان في احتكاك مباشر مع الحياة والناس، يتأثر ويؤثر، يصطدم ويتعلم، ويثري نفسه بتجربته، وهو من يصقل الشخصية ويهيأها لكل مفاجآت الحياة. لا شك انه الكيان، مهما كان الإنسان يعيش حياة رغدة ومهما كان ما يملكه من المال، فمن يزج بنفسه في بعض مسؤوليات العمل الذي قد يكون خاصا يختاره بنفسه، هو من يختار أن يضيف لنفسه وحياته طعما وسعادة. ولا ننسى أن اليد التي تعمل هي اليد التي يحبها الله.. [email protected]

956

| 29 نوفمبر 2011

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

2328

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

807

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...

702

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
النهايات السوداء!

تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...

630

| 12 ديسمبر 2025

alsharq
موعد مع السعادة

السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...

600

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
قطر في كأس العرب.. تتفرد من جديد

يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...

594

| 15 ديسمبر 2025

alsharq
تحديات تشغل المجتمع القطري.. إلى متى؟

نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...

555

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
التمويل الحلال الآمن لبناء الثروة

في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص...

552

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
معنى أن تكون مواطنا..

• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...

531

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
الوطن.. حكاية شعور لا يذبل

يوم الوطن ذكرى تجدد كل عام .. معها...

516

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
مسيرة تعكس قيم المؤسس ونهضة الدولة

مع دخول شهر ديسمبر، تبدأ الدوحة وكل مدن...

504

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
قطر لن تدفع فاتورة إعمار ما دمرته إسرائيل

-إعمار غزة بين التصريح الصريح والموقف الصحيح -...

414

| 14 ديسمبر 2025

أخبار محلية