رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
وأعود أتساءل وأبحث عن سر الأماكن، ولماذا تسكننا وتحتل مساحة داخلنا، ترفض أن تحررها وتلقيها في عمق النسيان، وكيف يمكننا أن نلغي الماضي بينما يحاصرنا المكان في كل مكان؟ لماذا ومع مرور الوقت تتحول الأماكن الى حصار من الذكرى تفرض نفسها، يصعب علينا تغييبها أو تجاهلها؟ تأخذنا لها الصدفة أحيانا، وأحيانا نبحث ونعود للأماكن التي كانت جزءا من حياتنا حلوها ومرها، يشدنا الحنين اليها، فان لسعتنا ذكراها نقرر أن لن نعود، لكننا ما نلبث مرة أخرى أن نعود اليها عند عودة الحنين. لماذا لا نراها صامتة كما هي، وانما تبقى الأماكن حية فينا مهما غادرنا أصحابها، تعيد لنا نفس النسمة، نفس الوجوه ونفس الطعم، وتزكم أنوفنا بنفس الرائحة، وتعيد لنا شريط الأحاديث. لماذا تبقى شاخصة حاضرة في الشعور واللاشعور؟ وعجبا كيف تحس فينا وتشاركنا مشاعرنا. لا شك أن حبنا لبعض الأماكن وارتباطنا بها وذكرياتنا التي نسجت نفسها فيها، هو ما يبعث في جماداتها نبض الحياة، فيجعلها حية فينا تعيد لنا كل ما مضى. وأذكر احدى صديقاتي التي كانت دائما ما تعود وتحوم حول السدرة التي كانت تتوسط فناء منزلهم، وكانت تجلس تحتها مع جدتها وهي تسوي ظفائرها، وتشرب القهوة وتتحدث مع الجارات، يجلسن على البساط الذي تفرشه تحتها، فقد كانت هذه السدرة جزءا من طفولتها ومن علاقتها بجدتها التي لا تنساها أبدا؟ والغريب أن ذلك المنزل القديم قد هدم منذ سنوات، الا أن السدرة ما زالت تقف بين مجموعة من أشجار المنازل في نفس المنطقة، ومع انهم أصبحوا في ساحة كبيرة واحدة، الا انها مازالت تعرف سدرة جدتها، وتشعر أنها تعرفها هي أيضا حين تعود اليها فتعيد لها ذكريات جميلة ولت. أما اذا قصدت البحر على شاطئ الشمال، المكان الذي كثيرا ما رافقت أبي اليه، عجبا كيف يبعث لي الهواء رائحة نفس النسمة، وأشعر بعمق بطعم الشاي الممزوج بحبات الهيل الذي كان يعده لنا أبي، ويعيد لي المكان صفحة واضحة بالصوت والصورة لأيام مرت بي منذ سنوات طويلة. وعندما مررت في الطريق المؤدي الى بيتنا في القاهرة، الذي طالما أحب أبي شرفته التي جمعتنا يوما وضجت بصخبنا وأحاديثنا وضحكاتنا، كنت أرى الحزن الذي في داخلي في عيون الناس ووجوههم، وأرى المطر الذي كان يهطل في تلك اللحظات، وكأنه دموع الشارع الذي أصر على أن يشاركني حزني ودموعي، فلسنا نحن، وانما حتى الشوارع والأماكن تبكي وتفتقد من غاب. قرأت وما أكثر ما قرأت عن ارتباط الانسان بالمكان، والذي يثبت بأن الانسان لا يستطيع أبدا أن يفصل سلسلة الماضي عن حاضر حياته. انه العشق الذي تتوارثه الأجيال، عشق الأماكن الذي يتأصل فينا مع مرور الزمن، يشدنا ويؤثر فينا رغما عنا، ويحول لنا كل الذكريات حلوها ومرها الى شعور واحد، وهو الحزن والأسف على رحيل كل تلك الأيام. فالمنزل والغرفة، والمقعد الذي نرفض أن نغير مكانه، الخزانة الخشبية والمدفأة، البحر والبر والشارع.،هي نفس الأماكن التي تجعلنا نتعلق بها مع مرور الوقت، ونشتاق اليها. ومهما كانت الذكرى، ومهما كان الحزن فينا، لنستعذب لحظة المكان، ونعيش حياتها، ونلبي نداءها، لتعيد لنا أغلى الذكريات، نعود لها، ولا نكف أبدا عن.. عشق الأماكن. [email protected]
10150
| 22 نوفمبر 2011
منذ أيام كنت أقضي الإجازة في مدينة برشلونة الإسبانية، التي يحتضن البحر فيها الجبل الذي تمتد عليه أشجار النخيل واللوز في منظر ساحر، وهي تطل على شاطئه الذي ترسو عليه السفن الشراعية البيضاء، وتغص فيه المقاهي بالبشر في كل مكان. صخب وحديث وأصوات تتعالى، ضحكات وابتسامات، وبشر يشعرون بروعة الطبيعة ومتعة الصحبة، ويستخدمون كل حواسهم، يمدون أنظارهم إلى البحر الممتد والفضاء البعيد، ويعودون يلونونها بلون الجبل الأخضر المخلط بأوراق الخريف الصفراء، وألوان الزهور الموسمية، يستمعون بكل كيانهم لمن يصحبون وصوت البحر وراءهم كأنه الموسيقى التي تصاحب المشاهد التصويرية، يلمسون أكواب الشاي وفناجين القهوة، ويشمون بعمق رائحتها التي تختلط بنسمة الخريف، يتذوقونها ويشعرون بطعمها ويتلذذون به، إنهم الباحثون الحقيقيون عن لحظات راحة واسترخاء واستمتاع تظل عالقة في أذهانهم، يسترجعونها ذكرى جميلة كواحة خضراء عندما تزحف الصحاري على أيام حياة، فيجدونها إنجازاً رائعاً كان بحياتهم يوما ما. قديماً كانوا يقولون اننا نحن العرب من يصنع المتعة والصخب والأحاديث، ومن لدينا الاهتمام بالتماسك العائلي والشعور بقيمة الصحبة والصداقة، وهذه كانت حقيقة في وقت من الأوقات، ولكن وللأسف هناك أشياء كثيرة أثرت على أسلوب حياتنا وعلى علاقاتنا، أشياء لا تعد ولا تحصى، ربما الكثير منها ما لا نملك تغييره وهو ما تجرفه رياح التغيير في الحياة علينا بقوة، ولكن هناك بالطبع ما اخترنا نحن أن نفرضه على حياتنا بقوة، ربما لايمكننا أن نكتشف سلبياته اليوم، إلا أنها لابد آتية. فلا أستطيع أن أصدق ما أحدثه جهاز البلاك بيري في كثير ممن حولي، فهم لم يعودوا متحدثين ولا مستمعين ولا منتبهين ولا موجودين، ففي نفس المدينة برشلونة دخلت عائلة خليجية إلى بهو الفندق كان واضحا أنها قد وصلت للتو، كل العائلة بلا استثناء منشغلة أيديهم باستخدام أجهزة البلاك بيري، وبينما موظفة الاستقبال تنتظر أخذ البيانات لتسلم الغرف،كان الأب والأم والأبناء يسألون أحد موظفي الفندق عن مكان شراء الشرائح لهواتف البلاك بيري في منظر مضحك مبك على إلحاحهم الشديد وكأن الحياة سوف تتوقف إن لم يحصلوا عليه، ورأيت نفس العائلة مرة أخرى صباح اليوم التالي على طاولة الإفطار، يستخدمون يدا واحدة فقط، أما الأخرى فتستخدم البلاك بيري. وفي المساء صادفتهم أيضاً في شارع المشاة الطويل الذي يعج بالحياة، بينما هم فقط من لا يعيش الحياة، لايرون شيئاً ولايسمعون ولا يتكلمون، وأصبحت أتساءل ماهي حصيلتهم الحقيقية من التعرف على ثقافة هذه المدينة؟ وما المتعة التي جنوها؟وماذا ستضيف لهم هذه الرحلة؟ وليست هذه العائلة فقط وإنما بلامبالغة كانت هذه صورة لحال غالبية العرب الموجودين من الخليج. لا أحب أن أتهم هذا الجهاز الذي لاشك أنه من الأجهزة التي دخلت حياتنا مع ما دخل من التقنيات الحديثة التي سهلت علينا الكثير، ولكنني أؤكد أننا نحن من لا يحسن استخدامه، ومن يجعله سببا كبيرا يفرق بيننا، يفسد متعتنا ويغتال حيويتنا ويفقدنا كل حواسنا. ما زلت ممن يؤمن بالاعتدال وبأن المبالغة في كل شيء تفقده قيمته وتجعلنا أحياناً نرى الجميل قبيحاً. جميل أن هناك أشياء تستطيع أن تجعلنا نتواصل بسرعة وقوة.. ولكن القبيح أن نجعل نفس هذه الأشياء هي من تفرقنا في عقر دارنا.. [email protected]
438
| 16 نوفمبر 2011
الذي يدعوني دائما للتساؤل، وقد يدعو الكثيرين مثلي، هو لماذا نصادف في حياتنا الكثير من البشر، قد تتعمق علاقاتنا معهم، لكننا لو سبرنا أغوار أنفسنا، لوجدنا أنهم لم يضيفوا لنا أية بصمة أو نتأثر بنواحي شخصياتهم المتعددة، وقد يمرون بحياتنا وينتهون منها دون أن تكلف ذاكرتنا نفسها ولو لحظة لتستعيدهم. بينما هناك من الناس من قد نصادفهم في حياتنا مرة واحدة فقط، لكنهم يحدثون بنا ذلك التأثر العميق، ويحفرون داخلنا لهم صورة وموقف وكلمة، قد تؤثر فينا بشكل مباشر، وأيضاً تغير أشياء فينا بشكل سريع. وقد صادفت من الناس الكثير ممن يمرون مرور الكرام، والقليل ممن يحفر تلك البصمة، وقد كانت (هميان) من أولئك الذين حفر تلك البصمة التي أقصدها.(هميان) التي لم أصادفها في حياتي سوى مرة واحدة فقط، كان هو اليوم الذي تعرفت عليها فيه، وهو اليوم الذي ودعتها فيه. كنت في رحلة علاجية قصيرة إلى لندن، ترافقني أختي التي تعرفها أكثر وقريبة منها أكثر، وتصادف وجودها لتلقي بقية علاجها الذي بدأته منذ سنوات، وقد أصرت أختي على ألا أفوت الفرصة عن لقاء هذه الإنسانة، وكانت تحدثني عن طيبتها وعن تخلقها العميق بأخلاق الإسلام، وعن عطائها وتضحيتها وإضاءاتها في حياة من يحيطون بها. فكان لقاء لي معها أذكره من أول لحظة تعرفت فيها عليها، وجدت الابتسامة والطيبة مرسومة على وجهها، وشعرت وكأنها مرت بحياتي وأعرفها منذ زمن طويل، تحدثنا سريعاً في مواضيع كثيرة، وضحكنا معاً من القلب لبعض المواقف التي دارت خلال حديثنا، والحقيقة أنني ذهلت أمام شخصيتها وقوة إيمانها وهي تنظر لكل معاناتها مع المرض بكل الرضا والأمل والتحمل والتماسك، وتردد كلمات عميقة وعظيمة في الصبر، وحديث رائع حول الغد مهما كان ما يخبئه لها فيه القدر، وتردد في طيات حديثها بأن كل ما يأتي من الله فهو خيرالله. ووجدتني أتماسك كي أحبس عبارة خنقتها بقوة في حلقي، فكم كنت ضعيفة وكم كانت قوية بإيمان واضح أنه لم يخلق جديداً بسبب مرضها، وإنما هو خلق وأخلاق تأصلت فيها وتربت نفسها عليها. فبالتأكيد ان معرفة الإنسان لحقيقة ما به من مرض قد يقوده إلى الانهيار، لكنني وجدتها صابرة محتسبة، تتحدث عن جمال الحديقة والجو والطيور، تتحدث عن الشوق للأهل والأحبة وقرب اللقاء، وتتحدث عن طعم الشاي وروعة المطر، ومضى الوقت سريعاً وكانت (هميان) سعيدة كما كنت سعيدة، وودعتنا سريعا قبل حلول المساء، تحمل في يدها كيساً تريد أن تصل به إلى الحديقة، كي تطعم الطيور التي اشتاقت لها ولم ترها منذ فترة، ودعتها بحرارة كحرارة اللقاء وتمنيت وتمنت أن تجمعنا الأيام مرة أخرى، فالحياة طويلة ولابد من اللقاء، وذهبت تمشي بردائها الأسود، وبهالة من عفاف وطهر وابتعدت وابتعدت، وتوارت واختفت خلف الزحام.. ولم أرها بعدها، تماماً كما توارت واختفت من الحياة بهدوء وسكينة ولن نراها بعدها. ووجدت أنني أشعر بالخجل، لأنني اعتبرت ما أعانيه من ضيق هو كل شيء، يطبق على أنفاسي ويفسد طعم الأشياء الجميلة، ولكنني بعدها شعرت بضآلة ما أعاني، وشعرت بضخامتها وعظيم إيمانها عند الأشد الذي تعاني. لقد مدت لي قناة من إيمانها العظيم، ومن إعجاب بأخلاق رفيعة، ومن شعور بصدق المشاعر الإيجابية التي مدتني بها. إنها (هميان) التي انتقلت إلى جوار ربها راضية مرضية، فكفى بها أن تثبت في ذاكرة وقلب إنسان لم يرها إلا مرة واحدة، تعلم بعدها أن يكون قوياً مهما كانت الظروف، فكيف بمن عاش معها وتعلم منها وتأثر بها أن يحزن على رحيلها وفراقها، ذلك الفراق الأبدي الأليم، وعزاؤنا أنها بجوار رب رحيم عظيم عالم بإيمانها، طالما كانت قريبة منه، راضية بعطائه وقدره. هناك من يقول إن علينا أن نخص بكتاباتنا شخصيات معروفة معينة من البشر، لكن الحياة فيها من العظماء من هم متوارون خلف الأبواب لا أحد يعرفهم، يستحقون أن نكتب عنهم، وعن أخلاقهم وعطائهم، أن نتعلم منهم، وأن نصل بتجربتهم للعالم، وتلك هي (هميان)..رحم الله (هميان).. وأسكنها فسيح جناته.. [email protected]
1416
| 01 نوفمبر 2011
ماذا يمكن أن يفعل الإنسان عندما يجد نفسه فجأة قد تخلى رغما عنه عن كل مخططاته التي كان يحلم بها في حياته، ليتسلم دورا جديدا مختلفا لم يكن ليخطر له على بال؟. فالحياة والواقع يفرز لنا حكايات لا تنتهي عن تبدل الأدوار المفاجئ، وقد قالت لي سيدة يوما إنها عندما لم تتجاوز الثامنة من عمرها، توفيت والدتها شابة تاركة وراءها أربعة أطفال كانت هي أكبرهم، وماتزال تذكر عندما اجتمع والدها وجدها لأمها بعد فترة قصيرة ليتباحثا في شأن تربية هؤلاء الأطفال، وكيف أن جدها أصدر قرارا صارما لا رجعة فيه، يرغم فيه خالتها أن تنفصل عن خطيبها الذي تحبه لسنوات كي تتزوج من زوج أختها، وتقوم بتربية أبناء أختها الصغار، فهم الأولى أن تقضي حياتها معهم، وتقوم بدور أختها الراحلة، وتذكر أن خالتها بكت بكاء مرا قبل أن تنتقل للعيش معهم، وما أن دخلت هذه الخالة إلى المنزل واستلمت دورها الجديد حتى بدأت في الانتقام من هؤلاء الصغار بضربهم لأتفه الأسباب، وتكليفهم بأعباء المنزل الشاقة، وتذكيرهم بأنهم كانوا السبب في دمار حياتها، وحرمانها ممن أحبته وخططت لحياتها معه، وعاشت معهم في حالة مزاجية سيئة وعصبية لا تنتهي. وبعيدا عن إعطاء العذر، أو إلقاء اللوم، فلا شك أن هذه المرأة رفضت كل حياتها، لأنها رفضت الواقع الذي فرضته عليها الحياة، ولم تستطع أن تقدر الدور الجديد المفاجئ الذي سلمته لها الأقدار. وقد رأيت أيضا من ارتضى دور الأم بعد وفاة زوجته، إلى جانب دوره كأب إلى أن كبر أطفاله، فأحيانا نجد أن الحياة فرضت علينا دورا جديدا، لم يكن في حسباننا، وقد نشك في مقدرتنا على القيام به. وهناك مَن يعيش حياة طويلة سهلة، وهو خال ومجرد من أية مسؤولية يتحملها، ويجد نفسه فجأة وبين ليلة وضحاها قد وقعت على كاهله أكبر مسؤولية يمكن أن يتحملها، وغالبا ما يذكرني هذا الموقف بفتاة كبرت بين والديها في رفاهية ودلال، لا تعرف للمسؤولية أي معنى، ولا أن تدبر أي من مهام المنزل، وبعد أن اختار لها والداها زوجا لا يقل عنها رفاهية، اختارت لها الحياة والأقدار أن تتحمل المسؤولية الكاملة عندما أنجبت طفلا مريضا معاقا، وكيف أنها تقبلت ذلك الدور الجديد الذي كلفتها به الحياة، ولم تر أي مبرر للألم الذي كان بوالديها، ونظرات الشفقة اعتقادا منهما بقصورها عن تحمل كل ذلك، وفي الوقت نفسه كانا ينظران نظرة إعجاب وتعجب إلى طفلتهما الصغيرة المدللة التي أجادت ببراعة دور الأم العظيمة والممرضة الصبور الرحيمة، فقد قامت بدورها بكل قوة وتحمل، مما أثر تأثيرا إيجابيا على كل جوانب حياتها، فاستطاعت أن تحيا الفرح وتتذوقه، كما استطاعت أن تشعر الضيق وتتحمله، فخلقت لنفسها حياة سعيدة رغم كل ما كان بها من مسؤولية وألم. علينا أن نتهيأ لما قد تعطيه الحياة لنا من أدوار فيها الكثير من التضحية وتقديم التنازلات، قد يصعب علينا تغييرها، فالحياة لا تتوقف، وتوزيع الأدوار مستمر. علينا أن نثق في قدراتنا وأن الأقدار لن تعطينا أبدا أكثر مما تتحمله أكتافنا، فلا بد أننا قادرون على تحمل كل دور جديد قد تكلفنا به الأيام، مهما كانت قسوته علينا، ومهما أرهبنا حجمه. إنها الحياة التي لا تخلو من مفاجآت، بالطبع قد تكون مريرة، قوية وقاسية، لكننا حتما خلقنا كي نكون.. الأقوى والأقدر. [email protected]
478
| 25 أكتوبر 2011
هناك قصة قرأتها منذ زمن للكاتب الروسي أنطون تشيكوف، وهي تتلخص في أن أحد كبار رجال الحكومة كان ذاهبا لزيارة أحد الجنرالات في مزرعته البعيدة، فوصل إلى محطة معينة، فلم يجد فيها إلا شخصاً واحداً، فسأله عن طريق الوصول إلى تلك المزرعة، فدله إلى مكان قريب يستطيع أن يجد فيه من يقودون العربات بالجياد، لكنه عندما وصل إلى ذلك المكان لم يجد سوى عربة واحدة فقط يقودها رجل غريب الشكل، يوحي بالخوف من ضخامة جسده، وتبدو عليه الشدة، عابس الوجه شرس، شبهه بالشيطان، ولكن لم يكن هناك خيار آخر فاضطر الرجل لأن يستقل عربته إلى المكان الذي يبعد عدة أميال، وكان الطريق الذي سلكه بين الغابات في ظلام الليل يزيد الرجل خوفاً، فبدأ يحاور سائق العربة ويهدده، بأن لديه من يتبعه ليضمن سلامته، وأن قوته لا تضاهيها قوة، وقد قتل أشخاصاً بالفعل، ويستطيع أن يقتله هو أيضاً في هذا المكان الخالي، وما كان من سائق العربة الذي كاد أن يموت هلعاً إلا أن ترك عربته وفر هارباً بين الأحراش، مما زاد من خوف الرجل، فبدأ يناديه ويبحث عنه ويقسم له بأنه لم يفعل ذلك إلا لأنه كان خائفاً من منظره، وأنه لا يستطيع أن يفعل أياً مما قال، وأخيراً ظهر سائق العربة المختبئ من خلف إحدى الأشجار، وقال له بأنك أسوأ رجل رأيته، ولو لم نكن في هذا الظلام الدامس لما كنت أخذتك معي ولو خطوة واحدة، ولو أعطيتني أكبر مبلغ أراه في حياتي. وما كانت ترمي له قصة تشيكوف تلك يمكن أن يتلخص بأننا يجب ألا نحكم على الآخرين من مظهرهم الخارجي أو ملابسهم وهيئتهم. وقد كنت أقف في طابور بأحد المتاجر في دولة أوروبية، وأحمل في حقيبتي مبلغاً مالياً كبيراً، فقد كنت في نهاية الرحلة، وكنت أنوي شراء أكثر الاحتياجات في ذلك اليوم، ووقفت خلفي فتاة أجنبية شابة ترتدي ملابس أنيقة، وتضع أقراطاً لافتة لأحد أفخم دور المجوهرات، وتحمل حقيبة جلدية فاخرة، وفي يدها فستان حريري كانت تنتظر خلفي لتدفع ثمنه، وتبادلنا الابتسامات والتذمر من الانتظار، ومن بطء موظفة صندوق الدفع، وعندما لم يتبق أمامي سوى سيدة واحدة شعرت بمن يلمس حقيبتي بهدوء بالغ، وما أن التفت للحقيبة المعلقة في كتفي، حتى رأيت المبلغ الذي معي في يد تلك الفتاة الراقية في الثواني الأخيرة، قبل أن يخرج بأكمله من الحقيبة، فنظرت إليها في ذهول تام، وهي تنظر إلي في رجاء تام، ووجدت نفسي أردد لها باستغراب شديد "أنتِ! لا أصدق!،وفرت هاربة في ثوان بين ذهول من رأى الموقف من السيدات. ولا أنكر أنني كنت مطمئنة وهي تقف ورائي بأن ليس هناك ما يدعو للشك، فوجهها يوحي بانتمائها لأرقى الطبقات، ولا يوحي أبداً بأنها لصة محترفة.. ومع أنني ممن يتذكر دائماً تلك القصة لتشيكوف ومعجبة بموضوعها، إلا أنني أول من ينساها، ولا يمكنني خلال السفر أن أستقل أي سيارة أجرة، إلا بعد أن أرى وجه سائقها وما يوحي به شكله، ومازلت ممن قد يصدق المظاهر الخادعة، وقد أولي الثقة من لا يستحقها، وما أكثر المواقف المشابهة التي مرت بالكثيرين ممن خدعوا بالمظهر، وكنت أتمنى أن أتعلم ألا أحكم على الآخرين من خلال مظهرهم الخارجي، لكنني ما زلت ممن يعتقد بأن المظهر جزء من شخصية الإنسان، وعامل أساسي لتقبل الآخرين له، ولكن هذا ما حدث وما قد يحدث للكثيرين مثلي، فمن الصعب أحياناً أن نكذب أعيننا ونصدق أحاسيسنا.. فهل أتعلم، ونتعلم.. لا أعلم مجدداً. [email protected]
5759
| 18 أكتوبر 2011
أغمض عينيك ترى الدنيا.. والبشر،أذكر أنني قرأت هذة الجملة في إحدى المجلات، وكنت أحاول أن أفهمها او أكشف الحقيقة التي وراءها، فكيف يستطيع من يغمض عينيه أن يرى بوضوح، إنها في الواقع أغمض عينيك، وافتح أبواب ذاكرتك. فكل البشر الذين مروا بحياتنا، وكل المواقف التي مرت وتمر بنا، هي حصيلة كبيرة لما هو مفترض بعدها أن نخلق به لنا نهجا جديدا في أيامنا القادمة، بما يتناسب مع نتائج كل تلك المواقف. التقيت مصادفة منذ فترة مع صديقة قديمة، ممن حالت ظروف الحياة ومشاغلها دون استمرار لقاءاتنا، وممن كنت أحب أن أتبادل معها الأحاديث والضحك بسبب نوعية شخصيتها التي تتميز بالبساطة والطيبة، فوجدت أن حديثها أصبح فيه الكثير من المرارة والشكوى والألم، والأسف على عطائها لمن جحد به، وعلى اهتمامها بمن أهملها، وعلى صدمتها ممن وثقت فيه، وعلى استمرار احترامها لمن لا يستحق، ووجدت نفسي وأنا أحاول التخفيف عنها وبأن الحياة لا تخلو من هذه المنغصات، ومن أشباه هؤلاء الناس، وحاولت أن أستفز في ذاكرتها بعضا من ذكرياتنا السابقة علني أجعلها تضحك بقوة، وتبسط وجهها عن ذلك الوجوم الذي كان عليه. لكنني وما ان تركتها حتى شعرت بتأثر كبير لما قالته، وربما أيضا لأنها أعادت بكلماتها أمامي وجوه البعض ممن لا ترحب ذاكرتي بهم، وممن شعرت بنفس الألم منهم..فهل يحتاج الإنسان أحيانا بين فترة وأخرى أن يغمض عينيه ليرى الدنيا والبشر على حقيقتهم؟ إنه استعراض مطول ودقيق لمواقفهم في حياتنا وتجاربنا معهم، نستطيع من خلاله أن نكتشف كم من المرات قد وقعنا في نفس الأخطاء؟ وكم أعدنا تكرار ما تألمنا بعده؟ وكيف لم نتعلم مما حدث في حياتنا؟ استعراض نستطيع بعده أن نرى الناس أوضح، وأن نضع من حولنا في مراتبهم التي يستحقونها بالنسبة إلينا، نبتعد عمن نبتعد، ونقترب ممن نقترب، ونتعلم ألا نعطي البعض ممن مروا في حياتنا حجما أكبر من ذلك الحجم الذي أعطوه لنا في حياتهم. ونتعلم أيضا أن نلتفت ونعدل مرتبة من وضعناهم في هامش اهتماماتنا، وأغفلنا أدوارهم العظيمة في حياتنا، ولا ننسى أن نتغاضى ونغفر عمن نستشعر أسفه وندمه على جرحنا. دقائق قليلة ليس إلا تجعلنا بعدها نستطيع أن نفرق بين الخيوط البيضاء والخيوط السوداء ولا نقبل بالرمادية، نستطيع أن نرى كل الألوان بوضوح، ونسجل تقييمنا الجديد في خانتين، إما الوصل وإما الإسقاط، نصل من يستحق، ونطرح من حياتنا البعض كي لا نسمح لهم مجددا بأن يخطفوا ضحكاتنا وحيويتنا ويستبدلوها بابتسامات ألم، وقد نضطر أحيانا أيضا أن نسقط بكل سهولة من اعتبارنا واهتمامنا من أجبرتنا الحياة على أن نعيش معهم. إنها الفرصة الأخرى التي نعطيها لعقولنا كي تعي وتفهم وتقرر، وتقودنا للشعور بالقوة، وعدم الشعور بالضعف ثانية..لنكف عن الوقوع في نفس الأخطاء مع نفس البشر، وتكبد نفس الآلام من نفس البشر.. لنغمض عيوننا قليلا، ونبدأ في استعراض شريط الأحداث، ونحدق فيه بقوة، لنرى الحقيقة، حقيقة الدنيا والبشر، وبعدها.. نقرر. [email protected]
2106
| 11 أكتوبر 2011
يقول العلم إن الهواء والماء هما العنصران اللذان لا تتحقق الحياة للبشر إلا بهما، وهذه حقيقة علمية يعرفها الجميع من البشر تقريبا، ولكن ما لا يعرفه الجميع أن الحب هو العنصر الثالث الذي لا بد أن يمتزج مع الهواء والماء كي يشعر الإنسان بطعم هذه الحياة الحقيقي، والذي يجعل لها المعنى ويكسبها القيمة. إنه الطاقة التي تحركنا وتنعشنا، وتغير أسلوب تعاملنا مع كل ما حولنا من أشياء. وهو الجمال الخفي الذي يغير ملامحنا ويكسوها بالقبول، فالحب الذي يتغلغل في خلايا البشر ويغمرها كفيل بأن يغير من رؤيتهم ويجعلهم يتقبلون الحياة بأفراحها وآلامها بكل رحابة صدر. إنه المشاعر الفياضة والفرصة الحقيقية ليصبح الإنسان أجمل وأرقى وأنقى، ولا يمكن أن نتخيل كمية القدرة على إنتاج كل ما هو إيجابي التي يمكن أن يحركها الحب، فالحب وحده هو من يزج بالإنسان في حياة الحياة. في رحلة صيف سابقة وفي الطائرة كانت تجلس على المقعد الذي بجانبي سيدة عربية تجاوزت الستين من العمر، وفي لحظات الصمت التفتت لتسألني عن البلاد التي أنتمي إليها، ثم بدأنا نتبادل الأحايث، فأعلمتني بأنها دائما ما تسافر هي وزوجها لزيارة ابنيهما في هذا البلد الأجنبي الذي تحب روعته. وقد كانت السيدة تتحدث بعفوية وطلاقة عن حياتها، وإنها تحب بيتها والطريق الذي يؤدي إليه، وطالما أحبت عملها الذي تقاعدت منه منذ سنوات، تحب أبناءها وأحفادها، ولديها جيران تحب زيارتهم، ولديها صديقات تحب أن تجتمع معهن أسبوعيا، تحب كل الفصول، وتحب كل الألوان، وكل أنواع الطعام، وتحب، وتحب ولا تتكلم إلإ بلغة الحب، أو لغة السلام مع النفس والسعادة، كما رأيتها واضحة تلمع في عينيها. فقد لاحظت بقوة بأن طيات كلماتها لم تتضمن أي مشاعر سلبية، ولا كلمة كراهية ولا أحد مرادفاتها، إنها تتحرك بالحب وتحيا به، فلم أشعر مع الحديث معها ما مر بنا من ساعات السفر التي طالما عانيت بطئها الممل، فحتى البشر الذين يبثون الحب ينقلون إلينا طاقتهم الإيجابية التي تؤثر بنا وتجعلنا نبتسم ونشعر بأهمية أن نحيا بالحب، وأيضا يستطيعون أن يطبعوا في ذاكرتنا صورة لهم تعجز ذاكرتنا أن تمحوها وتنساهم. ولو فكرنا قليلا في مشاعرنا ومشاكلنا الحياتية، لوجدنا حقا أنه الحب هو الذي يستطيع أن يسعدنا ويشفي داخلنا، ويعطينا الراحة. جرب أن تحب كل شيء في حياتك، جرب ألا تكره وألا تحقد، جرب أن تنهي بالحب كل ما يؤرقك من مشكلات الحياة، وستشعر بالنتيجة المذهلة حين تنبعث لك الابتسامة والسعادة وسط كل المعاناة والآلام، إنه البلسم السحري الذي يغير حياة البشر، ويعيد الشباب لتجاعيد الحياة. قد تكون المهمة صعبة، ولكن ما علينا سوى أن نسعى لأن نتعلم..لغة الحب. ملاحظة سوف تتوقف مقالاتي لفترة الإجازة الصيفية، شكري وتقديري لكل من تواصل معي، وليس هناك أجمل من أن يكون (لغة الحب) آخر مقال، قبل أن نلتقي إن شاء الله بعد الصيف بكل الحب، آملة للجميع إجازة صيف رائعة وآمنة. [email protected]
853
| 07 يونيو 2011
مثلما يحدث دائما عندما يلتقي الأصدقاء فتتفتح بينهم آفاق من الكلمات، وفي اجتماع ضم مجموعة من الصديقات والزميلات، أخذتنا الأحاديث المتنوعة في أمور الحياة، لكن ما لفت نظري هو حديث إحدى الشابات بانفعال وهي تردد في طيات كلماتها كل مرادفات سوء الحظ الذي تعتقد أنه يلازمها، وتذكر ذلك في مواقع مختلفة من الحديث ومع كل ما يدار من موضوعات بأنها غير محظوظة مهما فعلت، وإنها من أولئك الناس الذين خلقوا بغير حظ، وإن الحظ الذي تراه يعرف غيرها ليس له علاقة بها ولا يعرف طريقها أبدا، كانت تكرر كلماتها بجدية تارة، وبسخرية لا تخلو من ألم تارة أخرى. فوجدت نفسي ألفت نظرها بملاحظتي التي لاحظتها تظهر فيها بقوة، وأحببت أن أوضح لها رأيي فيما قالته عن الحظ، والذي استأثر موضوعه ببقية الحديث فيما بعد وأصبح موضوعا للنقاش وإبداء الرأي للجميع. فأنا أيضا ممن يؤمن كل الإيمان بوجود الحظ في الحياة، فقد ذكره الله تعالى في كتابه العظيم. والحظ موجود وهو هبة من الله سبحانه الذي يرزق من يشاء بغير حساب، ولا شك أن هناك المحظوظين من البشر الذين وهبهم الله بجمع كل أسباب السعادة والرخاء في الحياة من مال وصحة وبنين واستقرار وراحة دونما أي جهد وبعيدا عن الصعاب، ومنهم من يعترف بذلك بنفسه، وأنه يحصل على كل أمنياته بسهولة، وبأنه الحظ ولا شيء غيره. ولكن من الخطأ أيضا أن نعتبر كل أولئك الناجحين الذين نالوا من متع الحياة والنجاح فيها أكثر من غيرهم بأنه بسبب الحظ الذي يلازمهم، فليس من العدل أن نغفل الصابرين ونتجاهل كل معاناتهم وصراعهم في الحياة، واختيارهم وتصميمهم على النجاح والسعي الدؤوب من أجل تحقيق الأهداف، لنحكم في النهاية وببساطة على نتيجة تعبهم، وحصاد صبرهم، وسنوات من جهدهم بأنه الحظ فقط. وفي نفس الوقت نصيب بالإحباط واليأس أولئك الذين لا يزالون يصارعون ويكافحون من أجل النجاح بأنهم مهما فعلوا وبذلوا من جهد فلن يحصلوا على شيء ما لم يحالفهم الحظ. فمن المهم حقا أن يتعاون الإنسان مع الحظ بالتفاؤل واليقين بأنه حتما سيحصل على الأفضل، وطالما كنت من أولئك الناس الذين يؤمنون بما يسمى بقانون الجذب، وإن الإنسان عندما يتمنى أشياء إيجابية لنفسه، ويتوقع حدوثها بقوة، ويعد نفسه لاستقبالها لا بد أن يحصل عليها، فيستبعد بالتالي كل ما هو سلبي عنه ويجذب كل الأفضل الذي يريده. فمهما ساءت ظروف الإنسان فإن عليه أن يحاول أن يصنع فرصته التي قد تغير كل مسارات حياته، والأهم هو مقابلة الحظ بلهفة مهما كان الدرب مليئا بأشكال الفشل، فاسع وتفاءل وتوقع النجاح والأفضل تنبعث منك القوة التي تجذبه إليك وتجعله حليفا لك. وتذكر دائما.. لا تعبس في وجه الحظ، ابتسم له ورحب به، يلازمك ويخترك صديقه الوفي. [email protected]
1391
| 30 مايو 2011
الشيء المؤكد أن الحكم والمقولات التي توارثتها الأجيال لم تأت من فراغ، وانها لا شك نتاج خبرات وتجارب حقيقية مرت بمن عاشها فأنطقته كلمات هي خلاصة عمر وحياة. وفي كثير من الأحيان وفي بعض التجارب الشخصية نجد أنفسنا وقد كررنا من تلك المقولات التي توارثناها نلوم بها الناس أو الزمان أو الحظ، ونحملهم مسؤولية ما يحدث لنا، ونصب جام غضبنا عليهم، مثلما نقول أحيانا مؤكدين (اتق شر من أحسنت إليه)، والتي قيلت يوما لسبب ما من تجربة صادقة ربما لا نعرفها اليوم، لكننا شعرناها بقوة وأكدتها لنا الحياة وتوارها الناس يرددونها جيلا بعد جيل أسفا وندامة. فقد قرأت عن أحدهم ممن قضى ما قضى من العمر وهو يقدم الإحسان والبر لمن حوله، بهدف حب الخير والإحسان فقط، فقد كان لا ينتظر من وراء ذلك إلا سعادته حين يرى ثمرة إحسانه فرحا في وجوه من أحبهم وأحسن إليهم، لكنه عندما سئل عما يريد أن يوصي به بعد مماته قال بأسف: أن يكتب على قبري من بعدي (اتق شر من أحسنت إليه).! فالغريب ان الشر والأذى أحيانا لا يأتيان ممن قد تتوقعهما منهم، لكنك قد تسيل دماؤك بغرس أشواك من قدمت لهم الورود، ودائما الأسباب مجهولة، ولا تستطيع أن تفسر ذلك الجحود والنكران، ولا تحضرك حينها بأسف إلا أن تقول (اتق شر من أحسنت إليه). والغريب أيضا اننا نحن البشر بطبيعتنا، نجد أننا دون أن نشعر ننقاد وندين لمن أحسن إلينا، ورغم ان من يحسن دائما لا ينتظر معروفا، إلا أنه لاشك يأسف على لؤم ليس من لا يشكر ولا يذكر، وإنما من لا يكف الأذى. ومثل الكثير من حكايات الجحود والنكران، رأيت من انتشلت زوجها من أزمة مالية كبيرة، وما ان وقف بعد الانكسار حتى تخلى عنها وذهب ليسعد بمالها مع أخرى، وغيرها ممن وثقت بصديقتها ووقفت معها في كل أزمات حياتها، فكان جزاؤها منها أن نصبت شباكها حول زوجها وخطفته وانتزعت منها حياتها وسعادتها. وأخرى ممن قامت بتربية أحد أقاربها في منزلها، واحتوته بكل معاني الاحتواء، فما ان كبر حتى تركها، ليس دون أن يزورها أو يسأل عنها، ولكن دون أن يكف عداءه لها. كثيرا ما سألت نفسي ذلك السؤال الذي لا جواب له، لماذا قد يحدث ذلك؟ ولماذا لا يأتي الشر أحيانا إلا ممن نحبه ونحسن إليه؟. ومع كل هذا فلا يمكن لإنسان يمتلك قلبا سويا إلا أن يبر وألا يجازي إلا بالخير والأفضل لمن يحسنون له، والإنسان الخير بطبعه لا يستطيع أن يغير من طبيعته لمجرد أن هناك من الناس من خذلوه بنكرانهم وشرهم، ويظل كما هو خيرا، ولا يمتلك إلا أن يتوسم الخير والعطاء الذي يراه في طبعه في كل من حوله. ما زلت ممن يعتقد كثيرا بمقولة (اتق شر من أحسنت إليه)، وفي الوقت ذاته أعتقد أيضا بأن الإنسان الجاحد غير مأسوف عليه، وإن سوءه ليس قاعدة للجميع أبدا، فالحياة أيضا فيها الكثير من الخيرين الأوفياء الذين يقدرون من يحسن إليهم ويذكرونه أبدا، فهناك مقولة قديمة أيضا بأن (الإنسان عبد الإحسان).. إنها دعوة لاستمرار الخير مهما تألمنا من شرور البعض، فلا تزال هناك قلوب محبة صادقة، ولا يزال الخير هو أساس الحياة.. [email protected]
1963
| 24 مايو 2011
في خضم الحياة التي نعيشها كيفما كانت أعتقد أننا بأيدينا نفرط الكثير من حبات السعادة، ومع كل حبة تقع نخسر قسطاً من متعة الحياة التي ننشدها. أعتقد أن لدينا خللا في التعامل مع تفاصيل حياتنا اليومية، مما يفقدنا الاستمتاع بها، ورغم أننا قد نمتلك الكثير من مقومات السعادة في نظر غيرنا،فإننا قد لانستطيع أن نوجه لها نفس هذه النظرة التي يرانا بها الآخرون، ولانستطيع أن نتعامل معها بطريقتهم. وما ألاحظه دائماً في السفر وعند ارتياد بعض الأماكن أن الكثير من الأجانب يجيدون التعامل مع تفاصيل حياتهم الصغيرة، فإن كانوا في المتحف يمعنون النظر في كل قطعة، ويقرأون كل مايكتب عنها، وإذا كانوا في حالة استرخاء فستراهم يعيشون تلك اللحظة بهدوء واندماج، أما في المطاعم فعندما يطلبون طبقاً معيناً ترى في طريقة تعاملهم مع مكونات هذا الطبق أنهم يقدرون مايأكلونه ويتلذذون بطعمه حتى آخر قطعة، وإنه ليس مجرد مكونات تسد الجوع، بينما بعض العرب من حولهم تتراكم أمامهم على المائدة أصناف وأصناف من الأطباق التي لايستمتعون بتفاصيلها أبداً. ولا أنسى صديقتي السيدة الكندية التي أحببت في شخصيتها أسلوب تعاملها وقدرتها على خلق متعة من كل ماحولها من تفاصيل حياتها اليومية ابتداء من قهوة الصباح التي تخصص لها الوقت وتجلس لترتشفها بكل متعة، وتستطيع أن تفرح وتقدر أبسط الأشياء والهدايا ولو كانت قطعة صغيرة من الكعك، وتجعلني أستمتع بمشاركتها الطعام لما لديها من قدرة على التذوق، وعلى أن تفرق في الطعم بين مكونات الطبق، واكتشاف طعم التوابل وتستمتع بكل منها على حدة، فتجعلني أرى في طبق السلطة ألوان االطبيعة الرائعة، ولمعان ضوء الشمس. علينا أن نتعلم أن نعطي كل شيء حقه، وأن نقوي حاسة التذوق لدينا، تذوق كل مافي الحياة، فاللحظة التي نحتسي فيها كوب الشاي هي في الواقع لحظة تستحق أن نستمتع بما يرافقها من طعم وأحاديث وأن نفرح بها كي تقدم لنا السعادة. فنحن أحياناً إما في حالة استعجال أو في حالة تأجيل، وبمعنى آخر إما أن نكون ليس لدينا الوقت لاستحضار سعادة التفاصيل، وإما أن نريد أن نؤجل متعة اللحظة التي قد تكون أمامنا، وكلاهما يسقط الكثير من حبات السعادة. فهناك أمثلة كثيرة في الحياة نكتشف بعدها أنها كانت تستحق منا استدعاء السعادة، فقد يسافر البعض من بلاد لأخرى، قاطعاً آلاف الأميال، منفقاً الكثير من الأموال، باحثاً عن المتعة، لكنه يعود بلا سعادة، فقط لأنه يعود ويتذمر من غرفة الفندق الضيقة وينسى روعة الأجواء والتجوال.. وغيرهم بدلا من أن يرفه عن نفسه، يخلق الخلاف والمشاحنات بسبب تمسكه غير العادل برأيه في كل الأمور، وفي كل الحالات يخفق في اقتناص السعادة. مازلت ممن يعتقد بقدرة الإنسان على خلق لحظة سعادة من بين الآلام، وأن الإنسان وحده فقط من يستطيع أن يلون حياته بالألوان الزاهية، فأثرى أثرياء العالم قد يعجز أن يشتري السعادة لنفسه،لأنها قد لاتكمن في الأشياء الكبيرة اللماعة، وإنما في التفاصيل الصغيرة في حياته اليومية. وفي النهاية.. بالتأكيد السر يكمن فينا، تفاصيل صغيرة علينا أن نستشعرها. فالهدوء والعمل وصخب الحياة، واستنشاق رائحة الزهور بعمق، ولقاء ورفقة، وقهوة وشاي، كلها لحظات سعادة لاتجعلها تفوتك.. [email protected]
2289
| 17 مايو 2011
ما أكثر ما يصادف الإنسان في تعامله مع الناس حوله من اختلاف في شخصياتهم، وما أعجب كيف يجد الإنسان نفسه وقد اتجه دون أن يشعر للشخصية التي بينها وبينه أشياء مشتركة، وائتلاف يصنعه التعامل والحوار. عندما كنت في المرحلة الابتدائية، كان من أكثر ما يضايقني في إحدى زميلات الفصل، التي أصبحت أحب أن أجلس معها نتحدث ونلعب في وقت الراحة، انها كانت ذات شخصية غريبة، هي ما كرهته فيها وأصبحت بعدها ابتعد عنها. فقد كانت تأتي يوما مرحبة وصاخبة، ابتساماتها ملء الفم، وضحكها يملأ المكان، وتأتي في يوم آخر وبلا سبب تشيح بوجهها لا تريد أن تلقي تحية الصباح، وقد عقدت جبينها ولا تريد أن تتحدث مع الجميع. وقد كان شيء في داخلي وأنا طفلة صغيرة يرفض هذا الأسلوب المتقلب ويكرهه، ويشعر بالإهانة منه، وأصبحت لا أستطيع بطريقة آلية أن أتعامل معها، وأتجنب صداقتها، إلى أن فرقتنا الحياة، ولم أعد أراها. وعندما كبرت عرفت معنى تصرفاتها الغريبة التي لم أعرف تفسيرها سابقا، وإنها صفات للشخصية المزاجية، لأني عرفتها فيما بعد في الحياة الجامعية والعملية. وما أسوأ أن يكون الإنسان عبدا لمزاجه، يتحكم فيه ويجعله يفقد من حوله بشخصيته المليئة بالتناقضات، التي يريد منها أن يطبق حالته المزاجية على غيره، ويطلب من الآخرين أن يستمعوا لمبادئه ومثاليته يوما، ليأتي في اليوم الآخر ويقلب كل الموازين السابقة، ويتوقع من الآخرين أن يكونوا دائما على استعداد لاحتماله، خاضعين لمقياس درجة مزاجه. وقد أثبتت لي الأيام بعد ذلك، أنه من الصعب جدا التعامل مع الشخصية المزاجية، إلا إذا كانت تتعامل مع نفس طبيعتها. والغريب أنه بعد أن عادت الأيام وجمعتني بزميلة الطفولة تلك، والتي كادت لتصبح من أعز الأصدقاء، لولا تقلبها ومزاجيتها، ومع التعامل معها في مجال العمل أيضا، وجدت أن الحياة لم تغيرها أبدا رغم طيبتها، وان تناقضها ومزاجيتها إنما كبرت معها لتنصب نفس الحاجز القديم بيني وبينها، وعدت لا أستطيع أن أدرجها ضمن الصديقات. ووجدت أنها للأسف لم تكون في حياتها أي صداقات حقيقية، وإنما هشة ووقتية، وهذا ما حكته لي في أحد الأيام بأسى، وكنت في داخلي قد عرفت السر في ذلك. ومن السييء أن يطفئ الإنسان بريق حديثه وحضوره بعدم قدرته على التحكم في مزاجه وانفعالاته، الذي يعتبر سرا من أسرار جمال الشخصية وقبولها. فقد رأيت أيضا من يعانون ما لا يطاق من المشاكل والهموم، ووجدتهم دائما يقدمون ابتساماتهم ويستطيعون أن يسيطروا على انفعالاتهم ويفصلوا بين همومهم ومشاكلهم، وبين تعاملهم مع الآخرين. وقد يحدث أن تؤثر بعض الأمورعلى نفس الإنسان ومزاجه بقوة فالحياة لا تخلو من ذلك، بل وتجعل من حوله يتعاطف معه، لكن أن يتخذ البعض ذلك عادة وأسلوب حياة ليصب جام تقلبه على الغير، فهذا ما لا يستطيع الغير احتماله. فنحن لسنا مضطرين لمجاملة من يمارس علينا مزاجيته، ويجدنا أرضا خصبة لها، وعلى الإنسان أن يسأل نفسه دائما عن السبب الذي يجعله لا يستطيع أن يكسب من حوله ويتواصل معه، وقد يكون أقرب الناس إليه. وعلى من يعرف نفسه بهذه الصفة خاصة بأنني رأيت من يعترف بذلك، أن يحاول أن يسيطر على مزاجيته، ويدرب نفسه على التخلص منها، وسيشعر بالفرق عندما يتقبله الغير أكثر، ويولي لحديثه وآرائه اهتماما أكبر،عندئذ سيشعر بمتعة الرفقة والصداقة الحقيقية، وسيحرص كل الحرص على ألا يفقدها. يقول أحد الحكماء: (أتعس الناس من كان بلا صديق، وأتعس منه من كان له صديق وخسره ). [email protected]
1376
| 10 مايو 2011
على مدى سنوات من الاطلاع في المجلات المنتشرة، أو بعض الكتب، وحتى في بعض القنوات كبرامج اجتماعية، وفي كلها تقريباً كانوا يتطرقون إلى تحقيقات صحفية تبدأ بسؤال يدور حوله النقاش مثل: هل أنت نادم على زواجك؟ أو كيف ترى حياتك مع الشريك؟ لو عاد بك الزمن للوراء هل ستختار نفس شريك حياتك الذي تعيش معه؟ هل فكرت في الانفصال؟ وهل ترى في شريكك الحالي الصورة التي في أحلامك؟ وأسئلة كثيرة تختلف في أسلوب صياغتها، ولكنها تدور كلها حول الارتباط، والسعادة الزوجية والحياة بين الرجل والمرأة على حد سواء. ودائماً عندما أقرأ هذا النوع من التحقيقات الصحفية، أو البرامج الحوارية، أتذكر الأسطورة القديمة التي قرأتها ذات يوم منذ سنوات، وأذكر أن هذه الأسطورة القديمة منذ الأزل تقول: إن الرجل والمرأة كعملة معدنية انقسمت إلى نصفين بطريقة عشوائية غير مرتبة، بحيث لا يمكن أن يلتحم كل نصف بطريقة مستوية إلا إذا التقى النصف الأصلي الذي انقسم منه، فيتوافق معه ويكونان معا في النهاية عملة معدنية مكتملة دائرية وجميلة. ولكن أنصاف العملات المعدنية تاهت في زحمة الحياة، وانتشرت في أنحاء العالم، وأصبح على كل من الرجل والمرأة أن يبدأ رحلة شاقة، يبحث فيها عن نصفه الآخر بين ملايين البشر، وقد يحدث أن يكون النجاح حليف القلة القليلة من الناس في إيجاد ذلك النصف، وغيرهم ممن يكتشفون بعد التقائهم به بأنهم ضلوا وأن النصف الذي وقع عليه اختيارهم ليس هو ذلك النصف الآخر الحقيقي الذي يبحثون عنه، وبالطبع ليس كل انسان يستطيع أن ينجح في مهمته الصعبة في أن يجد ذلك الجزء المفقود، الموجود في مكان ما، ومنهم من قد يصادف في حياته هذا النصف الآخر، ويكاد أن يلتحم به فتلعب ظروف الحياة لعبتها في التفريق بينهما، فيضطر لأن يختار لنفسه نصفاً آخر يكمل به حياته وشكله الاجتماعي، وقد يكوّن التحام هذا النصف مع نصفه شكلاً متقارباً يكاد يكون جميلاً، وقد تكون الفجوات عند التحام النصفين كبيرة فيكونان شكلاً مشوهاً، وهذه باختصار هي قصة الحياة الزوجية، ولاشك أن التحام العملة المعدنية بشكل كامل ورائع هو ما يعني السعادة الكاملة، ولكن لاشك أن الحياة ملأى بالبيوت التي تحمل ذلك النوع من العملات المشوهة والمتقاربة، ومع ذلك نجد أنهم يعيشون الحياة كيفما كانت، بحثاً عن الاستقرار والسعادة، فقد لاحظت تذمر البعض على حياتهم الزوجية من الرجال والنساء بحثاً عن السعادة الكاملة المستحيلة، ومنهم من يهمل نصفه الذي يعيش معه ليبحث عن ذلك النصف الآخر المفقود، تاركا وراءه سعادات قد لا يلتفت إليها، فيفوت على حياته الاستقرار الذي ينشده. فهناك من هم يلغون من حياتهم أهم العناصر للاستقرار التي قد تغير الكثير في خريطة حياتهم، مهما كان نصفهم الآخر، وهو القناعة والرضا ومحاولة إيجاد أوجه السعادة الكثيرة التي قد تكون حولهم ولا يرونها بأعينهم، والإيمان بأن ما اختاره لهم القدر قد يكون أفضل كثيراً مما قد يختارونه لأنفسهم. باختصار.. ولأن الحياة لا تعطي الإنسان كل ما يريد، ومهما كان نصفك الآخر حاول أن تسعد بما أرادت أن تعطيه لك الحياة.. [email protected]
474
| 03 مايو 2011
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
5916
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
5595
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4470
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3336
| 29 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1596
| 26 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1320
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1185
| 28 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
861
| 02 أكتوبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
840
| 30 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية