رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عاصفة من الجدل أثارتها تلك المذكرة التي قدمها عدد من منسوبي المؤتمر الوطني الحاكم في السودان الأسبوع الماضي.. المذكرة أفقدت الحزب بعض التوازن، لأن أدب المذكرات في السياسة السودانية، يعني الاحتجاج بل هي نوع من أنواع التظاهر ضد الراهن السياسي.. أهمية المذكرة أنها جاءت في توقيت حرج ولم تفرق بين الحركة الإسلامية في السودان وبين حزب المؤتمر الوطني، واستهدفت القيادات التي هي قيادات لكلا الجسمين السياسيين في أغلب الأحيان.. الرئيس عمر البشير رئيس الحركة الإسلامية بينما نائبه الأول علي عثمان محمد طه هو أمينها العام.. على المستوى القاعدي؛ كل منتم للحركة الإسلامية هو بالضرورة عضو في المؤتمر الوطني، لكن ليس كل عضو في المؤتمر الوطني هو عضو في الحركة الإسلامية.. تناولت المذكرة انتقادات (مؤلمة) لمآلات الوضع السياسي في السودان، أهمها ما أسمته المذكرة (انحراف عن جادة الطريق) والمقصود هنا التعبير عن إحباطات أصحاب المذكرة جراء ما يرونه من تخلي عن الأهداف (السامية) التي من أجلها صعدت الحركة الإسلامية وجناحها السياسي (المؤتمر الوطني) لسدة الحكم في السودان.. القيادات تعاملت بذكاء أو (بخبث) مع المذكرة، حيث حاولت امتصاصها باستخدام تكنيك أفصح عن خبرة سياسية مقدرة.. رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني سارع ووصف المذكرة بأنها عادية وأنها لو عرضت عليه لوقع عليها!!. وهكذا توالت التصريحات على هذا النحو في الأيام الأولى، ولكن بعد عملية (الامتصاص) تغيرت اللهجة ومالت إلى التهديد والتوبيخ حين أعلن قيادي مسؤول عن ما يعرف بلجنة الحسبة في الحزب عن إجراءات لمحاسبة الذين كتبوا المذكرة لأنهم (خرجوا عن المؤسسية).. هذا التطور اللاحق ربما يؤكد تحليل البعض أن ما نشر باعتباره المذكرة ليس كذلك وإنما كانت مذكرة (مزورة) ومخففة أعدها مسؤولو التأمين في الحزب في إطار تكنيك الامتصاص، بينما أصل المذكرة كانت حادة وصارخة في النقد وتم التعتيم عليها وساعد على ذلك أن الذين كتبوا المذكرة أرادوا ربما خوفا أن يكونوا خلف الكواليس في انتظار ردود الفعل.. عموما فإن المذكرة مسألة جادة لابد أن يأخذها الحزب بجدية ويدرس أسبابها ويتدارك أي (ربيع داخلي) يطيح بالقيادات الحالية التي يرى فيها كثير من شباب الحزب أنها (تكلست) وأصبحت غير فاعلية ولا تواكب التطورات السياسية الراهنة وأصبحت تتمسك بكراسيها التنظيمية والتنفيذية. من المعروف أنه لابد لكل حزب أن يعتمد استراتيجية لقبول الآخر داخل أطره وهياكله.. هذه الاستراتيجية تكسب الحزب خاصية التطور والاستمرارية والتواصل وتلقيح أفكاره وسياساته.. الموقعون من شباب حزب المؤتمر الوطني على المذكرة يرون أن القادم لحزبهم يجب أن تكون لديه قناعة بأن حزبه الجديد يتفوق ويتميز على حزبه القديم، وهو على استعداد تام لكي يلبس ثوبا جديدا بعد أن يخضع نفسه لعملية (Format) أو (فرمطة).. الأصل عند أولئك الشباب أن يستوعب نظام و(System) المؤتمر الوطني القادم الجديد لكنهم يرون أن كثيرا من أولئك القادمين الجدد يفرضون رؤاهم أكثر من أن يفرض حزب المؤتمر رؤاه عليهم.. بمعنى أن منطق البصل الفاسد يسود في كثير من الأحيان وتصبح عملية الاستيعاب وبالا على الحزب فيصبح كيانا موبوءا بأمراض الأحزاب الأخرى. الشباب يرون أنهم بذلوا الغالي والنفيس من أجل الفكرة وينظرون اليوم بدهشة من موقعهم على حواف الحزب وهامش الزمن لما يجري داخل أروقة ودهاليز المؤسسة الحزبية.. ما يؤلمهم أن روحا مغايرة تبدو أنها تسري في أوصال الحزب، روح كادت تحذف جل المرتكزات الفكرية. الشباب ينعون في مذكرتهم الشورى التي يرون أنها جزء من الدين، وطاعة لله، وقدوة صالحة يُؤمر بها الأنبياء قبل غيرهم؛ حتى لا يتعاظم عليها من يدَّعون النزاهة والأهلية والفقه، فليس بعد الأنبياء في الصلاح والعصمة أحد. فالشورى هي السبيل إلى الرأي الجماعي الذي فيه خير الفرد والمجتمع.. هي حق للأمة وواجب على الحاكم، وهي نظام سياسي واجتماعي، وحلقة وصل بين الحاكم ورجاله.. والحقيقة أن ما بين مفهومي الشورى والديمقراطية ليس أمرا جدليا، لأن الأمر بكل بساطة بيّنٌ وواضحٌ.. المفاضلة بين الشورى والديمقراطية مقارنة عبثية لا تقوم على نهج قياسي صحيح، وهي تشبه المقارنة بين الهدف والطريق التي تؤدي إلى ذلك الهدف.. فالشورى مبدأ والديمقراطية واحدة من تطبيقاته المختلفة. الشورى ثقافة وقيم ومبادئ، والديمقراطية مشروع وخطة.. الشورى من الثوابت الإنسانية التي لا يختلف عليها اثنان، كالحرية والمشاركة والمساواة والتعددية، واحترام الرأي الآخر، أما الديمقراطية هي مجموعة الوسائل والتكتيكات والأدوات التي يسخرها شعب من الشعوب لبناء نظامه.. لهذا تتعدد الأنظمة الديمقراطية، حتى في أعرق الأنظمة الديمقراطية في هذا العالم.
603
| 21 يناير 2012
العولمة شرٌّ لابد منه، يراد لها أن تكون شاملة لكافة مناحي الحياة؛ الثقافية، والسياسية، والاقتصادية، ويستخدم في سبيل ذلك سياسة العصا والجزرة.. والعولمة أو الثقافة العالمية ليست شيئا سوى الثقافة الغربية، أو هكذا يراد لها أن تكون ثقافة تُعمّم، وذوقاً واحداً يفرض على جميع البشر، تُلغى بموجب ذلك الاختلافات والتمايزات الحضارية.. فهذه القوى الغربية العُظمى تستهدف ترويض الهمم وإفقاد المجتمعات المستهدفة الثقة في كل شيء لتصبح على استعداد لقبول أي شيء ثم إعادة تشكيل أفكارها وأحلامها بوسائل عديدة تبدأ بالكلمة والصورة وقد تنتهي بالمدفع والدبابة والقذيفة. إعلام الآخر كان على الدوام ناقلا رئيسا للعولمة بيد أنه من واجب إعلام ينتمي إلى حضارة أصيلة ضاربة الجذور، كالحضارة العربية الإسلامية، أن يُكافح أية تشوهات تتربص بحضارته، بل أن يسعى إلى إحداث تغيير إيجابي في الرأي العام سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، إضافة إلى إيضاح الحقائق وإقامة جسور التفاهم من خلال استخدام شتى الفنون الاتصالية.. السياسات الإعلامية للدول الاستعمارية منذ الحرب العالمية الأولى ثم الثانية سبق لها أن سعت إلى استخدام وسائل الاتصال سياسياً بهدف الوصول إلى نتائج محددة تهدف إلى التأثير على الرأي العام العالمي. الإعلام خاصة الفضائي يُنظر له باعتباره من أهم أدوات الصراعات الدولية الحالية، يحدثنا التاريخ القريب جدا نقلا عن وكالة أورينت برس في تقرير لها قبل نحو تسعة أعوام أنه "بعد الخطاب الذي أدلى به وزير الخارجية الفرنسية الأسبق دومينيك دوفيلبان في فبراير 2003م معارضاً فيه خطة أمريكا لغزو العراق، والذي قامت شبكات الإرسال الأمريكية باقتطاع أجزاء من بعض فقراته والتي تضمنت تصفيق المستمعين المدوّي له، قرر الوزير الفرنسي (المجروح) دعم مشروع إعلامي جديد لتأسيس شبكة إعلامية عالمية باللغة الفرنسية. وهكذا بدأ التأسيس لمرحلة جديدة من الحرب بين الأمم، سلاحها محطات فضائية إخبارية عالمية، وذلك بعد سيطرة قناتي الـBBC والـ CNN على السوق الإعلامية العالمية على مدى عصر كامل". في أعقاب سقوط الإمبراطورية العُثمانية غدا التغريب أشدّ خطورة لا على الأمن الثقافي فحسب، وإنما على الأمن القومي العربي برمته. فالتنافس المحموم بين الإرساليات الكاثوليكية والإنجيلية أدى إلى قيام منظومتين ثقافيتين عالميتين، هما الفرانكوفونية والأنجلوساكسونية. وهما إلى اليوم تخوضان "حرباً" ثقافية باردة بمعنى أن الصراع الدائر بينهما لم يعد يقتصر، كما كان بالأمس على التبشير؛ وإنما تخطاه إلى كل ما يمت بصلة إلى الشؤون الثقافية والفكرية والإعلامية والفنية والأدبية والعلمية والتكنولوجية واللغوية وغيرها. وما يستدعي الانتباه أن العالم العربي لا يزال محور هذا التنافس وموضع تجاذب كبير من جانب المنظومتين، بحيث لم يخل أي قُطر من أقطاره من ظل وتأثير كل منهما فيه. والعولمة في رأي كثير من الباحثين ليست مفهوماً جديداً؛ فهي باعتبارها فكرة عمرها أكثر من خمسة قرون ظهرت مع الكشوف الجغرافية، غير أن ثورة الاتصالات والمعلومات أشاعتها، لكن ضمن النمط الغربي للحياة، في مقابل محو الهويات الأخرى، صاحبة الميراث والتاريخ. ولذا فإن العولمة بواقعها الحالي أكثر من أنها انتقال من المستوى الوطني والقومي إلى المستوى العالمي أو الكوني لتندمج النظم وتتكامل، وتعتبر العولمة الثقافية واحدة من أهم ركائز ظاهرة العولمة وأكثرها مثاراً للجدل الخلاف بين بني الإنسان؛ ولاسيَّما أن الكثيرين يعتبرون أنها تعني سيادة ثقافة واحدة بلغتها وفكرها وأنماط حياتها وسلوكها وتدمير الخصوصيات الثقافية الأخرى. ونظراً لأن الإعلام أصبح من الظواهر الأساسية في المجتمعات الحديثة زاد نفوذ مؤسسات الاتصال في المجتمعات الغربية بحيث أصبحت تشكّل تهديداً للاستقلال الثقافي والفكري في الدول النامية.. وفي عصر العولمة، يصبح للخطاب الإعلامي دورٌ أكبر وأهم، حيث تواجه الأمة الإسلامية حرباً حضارية شرسة وفتناً دينية وعرقية وتحديات كبيرة تحتاج لخطاب في مستوى التحديات. ويدور الحوار اليوم والنقاش بل السّجال، حول فكرة الاندماج التي تطرحها نظرية العولمة في عصرنا الحديث، ويؤكد محور المناقشات على وجود تحديات من شأنها القضاء على فكرة التنمية والخصوصية. لقد طُرح على المنطقة العربية العديد من المشروعات في الآونة الأخيرة منذ مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط في بداية تسعينيات القرن المنصرم، ولا تنتهي عند "الشرق أوسطية" التي طرحها في السابق الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بعد اتفاقيات أوسلو، ثم "السوق الشرق أوسطية".. وفيما بعد أضحى هذا المشروع مشروعاً قديماً جديداً، يُطرح في كل مرةٍ تحت مُسميات تختلف قليلاً عن بعضها البعض، فعندما تتحدث الإدارة الأمريكية عن "شرق أوسط جديد"، يبقى جوهر الفكرة كما هو من دون أي تغيير بيد أن وسائل وأساليب تحقيقها كانت ولا تزال قابلة للتعديل والتغيير وفق تطور وملابسات الظروف المتجددة. وفي إطار هذا المشروع، تعود السيطرة الاستعمارية شبه المباشرة، وتعود معها علاقات الامتيازات التي حكمت الثروة النفطية لحوالي نصف قرن قبل حملة التأميم في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.
682
| 07 يناير 2012
كثيرة هي الدورس التي تلقاها خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة لكن قليلة بل معدومة الاستفادة منها.. كم تمنينا أن ينجو خليل وجماعته من تهور ورعونة عاصفة التوثّب ضارية.. لم يرعوي الرجل رغم هزائمه النكراء واتضاح خطل تقديراته السياسية والعسكرية.. كان إعلان القوات المسلحة عن مقتل خليل بمثابة إسدال الستار على لعبة خطرة مارسها خليل طيلة (8) سنوات، حين أعلن في العام 2003، تمرده وتكوينه لحركة العدل والمساواة بعملية استهدفت مطار مدينة الفاشر، دمر خلالها كثيرا من الطائرات والمنشآت، وقتل فيها عددا من رجال الشرطة والجيش والمدنيين.. ارتكزت الحركة في قيامها على أسس جهوية حين كون 25 عضوا من دارفور لجنة لجمع معلومات عن الوظائف القيادية في الدولة ومن يشغلها وما هي قبائلهم وأعراقهم، وكانت النتيجة هي إصدارهم (الكتاب الاسود) الشهير في مايو عام 2000م، كوثيقة تثبت من وجهة نظرهم استحواذ اهل وسط السودان، بل قبائل معينة في هذا الوسط على كل مفاصل السلطة.. في العام التالي 2001م، أصدرت الحركة الجزء الثاني من الكتاب الأسود وبثته على موقعها على شبكة الإنترنت داعية لمحاربة التهميش في السودان، وعقد مؤتمر جامع تشارك فيه الحركات الجهوية لمعالجة ما أسمته بالمظالم والمآسي التي ارتكبتها في حق السودان والسودانيين مجموعة صغيرة من الحكام. حادثة مقتل خليل رفعت درجة حرارة الأجواء السياسية بكشل خطير.. عقب يوم من مقتل الرجل وبعد أن أدى المصلون صلاة الفجر في مسجد حي المنشية وهو أقرب المساجد لمنزل زعيم المؤتمر الشعبي د. حسن عبد الله الترابي، التهبت مشادة (حادة) أشعلها أحد أنجال الترابي.. عقب الصلاة مباشرة وبعض النفوس يؤزها خبر مقتل خليل أزا.. قام شيخ يبدو عليه الوقار يتحدث ملمحا للحادثة دون أن يذكر خليل أو الإشارة إليه بالاسم، متناولا العبر والدروس التي يمكن الاستفادة منها في شأن الموت والحياة.. فجأة وبدون مقدمات قام نجل التربي غاضبا ومنفعلا بشكل لافت واتجه مباشرة نحو المتحدث وهو بين يدي الإمام.. قال الابن الغاضب وهو يرفع سبابته في وجه المتحدث وبصوت مرتفع: (أنت منافق كلكم منافقون.. خليل شهيد.. شهيد).. ثم خرج الابن مسرعا تكاد تسمع دقات قلبه من فرض الانفعال العنيف والمفاجئ.. الشيخ مضى مدافعا عن حديثه ومحذرا من رمي الناس بخصلة النفاق هكذا جزافا.. ثم قام د. بشير آدم رحمة وهو قيادي بحزب المؤتمر الشعبي وهو من سكان تلك المنطقة على ما يبدو وأحد المصلين المداومين في هذا المسجد.. رغم أن الرجل بدا أكثر تعقلا وهدوءا لكنه لم يستطع أن يصبر حتى يخلص الرجل الشيخ من كلامه ووقف بجانبه يقول له يطلب منه بعصبية الكف عن الحديث.. وعندما انتهى الرجل بدأ رحمة في الحديث مستنكرا ما أسماه (بتسيس) المساجد.. كما تحدث عن الحكام الطغاة ناقلا رؤية حزب المؤتمر الشعبي فأتى بفعل نهى عنه وأستنكره. هذه الحادثة التي تابعتها حضورا، أبانت عكست تأثير مقتل خليل (العاطفي) على عدد من الناس خاصة أعضاء المؤتمر الشعبي.. ولم تكن زيارة د. الترابي وأبنتيه معزين لأسرة خليل في حي عد حسين جنوب الخرطوم وبقائه هناك زهاء الساعة، إلا تأكيدا لهذا الارتباط.. نشير إلى أن حركة العدل والمساواة صُنِّفت على أنها الذراع العسكرية لحزب المؤتمر الشعبي، فيما كان خليل يعوّل على الترابي لكي يكون منبراً سياسيا في الخرطوم لمطالب حركته.. نعم تقديم العزاء واجب لكن لا أظن أن منسوبي المؤتمر الشعبي قيادة وأفرادا تنادوا معزين في ضحايا عملية أم درمان التي قادها خليل في مايو 2008م وأسماها بالذراع الطويلة.. عشرات الضحايا سقطوا نتيجة لتلك المغامرة التي دعمها بالكامل زعيم ليبيا السابق معمر القذافي. مقتل خليل لابد أن يكون مدخلا لمرحلة جديدة، عنوانها السلام.. لا أعتقد أنه من الحكمة أن تأخذ الدولة تصريحات جبريل إبراهيم الأخ غير الشقيق لخليل مأخذ الجد، فهي تصريحات مفهومة في مثل هذه الظروف العصيبة.. جبريل قال أنه (لن يكون هناك تفاوض بعد طريق القتل الذي سلكته الحكومة).. وهذا يجعل البعض يرجح بقاء خيار التصعيد العسكري قائماً لدى الحركة.. جبريل أكد كذلك إلتزام حركته بما جاء في ميثاق كاودا (إسقاط النظام في الخرطوم)، طالما كان الآخرون ملتزمون بالعهد (يقصد الحركات الأخرى الموقعة على الميثاق).. لابد أيضا أن تفهم تصريحات قادة الحركة بشأن طريقة مقتل قائدهم ودفنه في محاولة للتقليل من ما أعتبرته القوات المسلحة انجازا عسكريا، يدخل في باب التعويض النفسي لما أصاب الحركة في مقتل. السؤال المطروح من هو بديل خليل إبراهيم؟.. ليس من السهل التكهن بذلك لكن قبيلة خليل مثّلت الرافد الأول لحركته، والتي كانت كذلك في نظر البعض سبباً في إعاقة الحركة من الوصول إلى أهدافها.. كثيراً ما شعر غير المنتمين إلى تلك القبيلة بالغبن تجاه قيادة الحركة، بعدما حصرت المناصب العليا في بطن واحد من بطون القبيلة حيث تتحدر منها عائلة خليل.. بيد أن ذلك تسبّب في حالة التشظي التي عانت منها الحركة لسنوات وخروج قادة مؤثرين من دائرة الفعل في الحركة.. مواقف (التحدي) التي أعلنها جبريل في ظل مجرى الأحداث الطبيعي نحو السلام، فضلا عن حالة التذمر من حصر القيادة في أسرة واحدة، معطيات قد تبعد جبريل إبراهيم من قيادة الحركة.. عموما أعلنت الحركة مؤخرا تولي الطاهر الفكي رئيس المجلس التشريعي للحركة، رئاسة الحركة لمدة (60) يوماً، وخلال هذه المدة تنتخب حركة العدل والمساواة رئيسها الجديد خلفاً لخليل إبراهيم.. الرئيس الجديد المؤقت الجديد خريج جامعة الخرطوم كلية الطب، وابتعث لجامعة إدنبرة ببريطانيا للتخصص في الطب قبل قيام حكومة الرئيس البشير لكنه فشل في ذلك، ويتميز الفكي بعلاقات جيدة مع المنظمات اليهودية التي تتكفل بالكثير من منصرفاته، وسبق أن أعلن ردَّته عن الإسلام في ندوة عن اتفاقية السلام الشامل بجامعة أكسفورد في بريطانيا في مايو الماضي. لم يستفد خليل إبراهيم أو يعي الدورس والسياسي الحذق وربما السياسي العادي يستطيع أن يقرأ ويحلل الأحداث والتطورات المتعلقة بدارفور داخل وخارج السودان ويصل بكل بساطة إلى ما يجب فعله وقياس الأمور بمقياس العقل والمنطق.. أغرب مواقف الحركة إعلانها مطالبتها بحق تقرير المصير في دارفور وكردفان؟!.. سذاجة موقف الحركة ليس في المطالبة بحق تقرير المصير فحسب وإنما في اقحام منطقة كردفان في الأمر.. إن كانت حركة خليل حركة عنصرية تتمحور حول انتماء قائدها لقبيلة معينة فكيف تطرح نفسها كممثل لمنطقة دارفور دعك من منطقة كردفان؟!.. كذلك تعاملت حركة العدل والمساواة باستعلاء كبير جدا مع الحركات الدارفورية الأخرى ورفضت أن تشاركها في المفاوضات مع الحكومة لأنها في نظرها حركات بلا وزن وهي فقط التي يحق لها التفاوض باسم دارفور مع الحكومة.. إذا كان هذا حال الحركة مع الحركات الأخرى فيمكن استنتاج أن خليل يريد أن يقول أيضا أن أسرته لا قبيلته فحسب هي التي يحق لها أن تتحدث باسم أهل دارفور. المعارضة المسلحة في كل الدنيا لا يتم التعامل معها إلا بالحسم العسكري، ليس هناك من دولة عاقلة تتسامح مع عمل معارض مسلح.. كثير ممن تصدى للعمل السياسي في السودان وقع في خطيئة الخلط بين الدولة والحكومة فتستحيل الفواصل بين الاثنين إلى سراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
546
| 31 ديسمبر 2011
سريعا حاولت كينيا تهدئة أزمة بدأت تلوح في الأفق مع السودان.. وذلك على خلفية القضية التي رفعها فرع اللجنة الحقوقية الدولية (ICJ) لمحكمة كينية تطالب النائب العام في كينيا ووزير الأمن الداخلي بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير، ونص قرار المحكمة الذي أغضب الخرطوم أيما غضب على أنه "يتوجب على الإدعاء الكيني ووزير الداخلية في كينيا إلقاء القبض على البشير حالما تطأ قدماه الأراضي الكينية".. الخرطوم سارعت واتخذت قرارا بطرد سفير كينيا لدى السودان دون أي إشارة لقطع العلاقات وتركت باب إصلاح ذات البين مواربا بل عبرت عن استعدادها لحل الأزمة دبلوماسيا ولم تنفذ أمر طرد السفير الكيني.. كينيا انزعجت كثيرا للإجراء السوداني وبعثت على عجل وزير الخارجية موسى ويتانجولا، وسبقت زيارة وزير الخارجية الكيني إلى الخرطوم تصريحات كينية تؤكد إمكانية استئناف قرار المحكمة، وقال موسيز ويتانجولا وزير الشؤون الخارجية الكيني إن حكومته "تعبر عن قلقها العميق من هذا الحكم الضار الذي أصدرته المحكمة العليا وستفعل ما في وسعها لحماية العلاقات".. مسؤول آخر بارز في وزارة الخارجية الكينية وهو باتريك واموتو قال: "هدفنا النهائي استئناف العلاقات الدبلوماسية حتى قبل تقديم الطعن في قرار المحكمة" لكن الإشكال أن إجراءات الطعن والاستئناف قد تستغرق عاما أو أكثر.. ويبدو أن نيروبي واقعة في ورطة كبيرة، فهي متأثرة بجماعات ضغط كينية وفي الوقت نفسه حريصة على عدم إغضاب الخرطوم، فذلك المسؤول البارز شدد قائلا وربما متوسلا: "لقد فاجأنا قرار المحكمة، لسنا في حرب مع السودان، مسألة الحصانة لرئيس دولة في السلطة لا خلاف عليها".. ومعلوم أن كينيا عضو في المحكمة الدولية الجنائية وعليها الالتزام بقراراتها وفي الوقت نفسه كان الاتحاد الإفريقي قد أبلغ أعضاءه بمن فيهم كينيا بعدم الالتزام بمذكرة الاعتقال الصادرة بحق البشير قائلا: "إنه لا يؤيد الإفلات من العقاب لكن المحكمة الجنائية لا تستهدف على ما يبدو سوى الزعماء الأفارقة". الخرطوم تعلم أن المحكمة الجنائية الدولية نفسها التي لا تملك أي آليات لتنفيذ قراراتها لأنها لم تستطع من قبل القبض على أحمد هارون والي ولاية جنوب كردفان ويرى محللون أنها كذلك ستبقى في شأن الرئيس البشير تطارد خيط دخان. لويس مورينو أوكامبو مدعي المحكمة والذي أصبح في مواجهة سياسية وليست قانونية مع حكومة السودان يتصف بصفات غريبة ليس من بينها العدل والنزاهة والحياد وهي الصفات الضرورية المفترضة في رجل القضاء والقانون، فهو شخصية متناقضة الأقوال والأفعال مضطربة الأفكار ومتهورة تدفعها النوايا السيئة.. كثير من اختصاصي القانون الدولي يرون أنه ليس من حق مجلس الأمن إحالة قضية تتعلق بسيادة الدول إلى تلك المحكمة. فالقضاء هو من سيادة الدول. فلا يجوز للمجلس أن يسمح لنفسه بإحالة هذه القضية إلى جهة خارجية مثل المحكمة الجنائية فضلا أن قراراتها غير ملزمة للسودان الذي ليس عضوا كما الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي لا تسمح لها بتوقيف جندي أمريكي واحد دعك من مسؤول بحجم رئيس دولة. بقي أن نشير إلى أن هذه المحكمة والتي تُعرف أحيانا بمحكمة الجزاء الدولية تلفها الشكوك والسمعة غير الحميدة فقد قال عنها محامون في بريطانيا خلال سنوات مضت إن سمعتها تمرغت بالوحل على مشهد من قبور ضحايا البوسنة. فقد أعلنوا أنهم يراقبون بقلق محاولات غربية لعرقلة محاكمة العنصريين الصرب والكروات الذين ارتكبوا مجازر بحق مسلمي البوسنة من قبل هذه المحكمة خلافا للقوانين والوقائع المعروفة.. تلك المحكمة المنوط بها تحقيق العدالة أنفقت من قبل نصف مليون يورو لتغطية فضيحة مدعيها أوكامبو مع الصحفية الجنوب إفريقية.. فالخطيئة تصنع جحيمها الخاص.. هذا هو أوكامبو الذي ظل يتقلب على آرائك الغفلة ويطلق تأوهات الموجوعين عن بعد. المدهش أن البرلمان الكيني سبق وأن صوت وبأغلبية ساحقة لصالح الانسحاب من تلك المحكمة.. ولدى الأفارقة قناعة متزايدة بأن المحكمة تنفذ (عدالة) الرجل الأبيض وهذا ما تستبين صحته يوم بعد يوم.. القادة الأفارقة هم وحدهم الذين تسلّط عليهم سيوف هذه المحكمة.. فهي أداة ضغط سياسي جديدة على الدول الصغيرة التي لا تنصاع لإرادة الدول الكبرى.. في هذه الجو الدولي المفعم بالظلم والإغواء، لن تصبح معايير العدالة واحدة على كوكب الأرض، ستبقى فلسطين المغتصبة معتدية وإسرائيل المعتدية مظلومة!!. لم يلتفت أحد من قبل إلى أبو غريب أو غوانتنامو أو إلى البطش والتنكيل في العراق وأفغانستان.. سيبقى سيف هذه المحكمة مسلطا على السودان فيما يبقى الضغط الإعلامي عليه متصلا.
747
| 03 ديسمبر 2011
يعتبر الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وآخر رئيس وزراء في السودان حتى العام 1989م، صاحب أكبر فرص سياسية مهدرة.. يبلغ الصادق المهدي من العمر حوالي خمسة وسبعين عاما قضى منها أكثر من (45) عاما في العمل السياسي، فللرجل مسيرة حافلة من العمل السياسي جديرة بالوقوف عندها وقراءتها بتأن.. تسليط الضوء على مواقف الرجل السياسية يأتي بعد تأكد مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي في حكومة الرئيس عمر البشير وهو حزب منافس لحزب الأمة ولهما مواقف متضادة عبر الحقب السياسية التي مر بها السودان.. ويسمى الحزبان بالحزبين التقليديين، وكلاهما يعود لطائفة دينية، فحزب الأمة مرجعيته طائفة الأنصار، أما الحزب الاتحادي فمرجعيته طائفة الختمية.. وشغل المهدي منصب رئيس الوزراء لفترة وجيزة بين عامي (1966م و1967م) لكنه اعتقل وأُرسل إلى المنفى بعد انقلاب جعفر نميري في العام (1969م). كانت فترة ما عرفت بالديمقراطية الثالثة (1986م – 1989م) امتحانا لقدراته حيث ترأس خلالها كل الحكومات التي كانت تنفض قبل أن يكتمل تشكيلها حيث الأمر كان أشبه بمسرحية هزلية.. فقد منحت الانتخابات العامة التي جرت في العام 1986 حزب الأمة حضوراً قوياً في الجمعية الوطنية.. ما يؤخذ على الصادق المهدي في تلك الفترة أنه قام بإلغاء اتفاقية التكامل المشترك مع مصر والتكامل مع ليبيا طمعا في التوصل لاتفاق مع زعيم التمرد في الجنوب حينها العقيد جون قرنق زعيم الحركة الشعبية.. وقيل إن الصادق المهدي كذلك سرعان ما ألحق السودان الذي طالما تمتع بميزة الاستقلالية والوسطية في علاقاته الخارجية بأحد المحاور الإقليمية فتوترت العلاقة مع العراق ومصر وربما السعودية ولم يستطع رغم (ليبراليته) أن يقيم علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية. الصادق المهدي الذي يستحوذ على منصبي إمامة الأنصار ورئيس الحزب تنازع من قبل مع عمه الإمام الهادي المهدي رحمه الله متمسكا بضرورة الفصل بين الإمامة وبين المناصب السياسية، ولكنه اليوم يجمع بين الإمامة والمنصب السياسي وينازع عمه الإمام أحمد المهدي الذي يكتفي بالإمامة ولا يريد منصبا سياسيا لكن ابن أخيه انتزع منه الموقعين معا.. ويأخذ الأنصار على الصادق المهدي أن عقد الحزب قد انفرط وانقسم لعدة أحزاب، بينما يسيطر أبناؤه وبناته وأصهاره على مفاصل الحزب.. يقول بعض أعضاء حزب الأمة المشفقين إن حزبهم يحتاج اليوم بعد الخراب الذي ضربه إلى قيادة تعيد له هيبته ووقاره وفوق ذلك هويته الخالية من شوائب العلمانية و(الحداثة) المغلفة بالأفكار الغربية. رغم أن الصادق المهدي ظل يعلن بشكل مستمر عن ما يسميه بالجهاد المدني أي تغيير الحكم بالوسائل السلمية إلا أن للرجل من المواقف ما يناقض ذلك.. شكّل الصادق المهدي الجبهة الديمقراطية الوطنية وقام بمحاولة انقلاب فاشلة ضد نميري في العام (1976م) بمساعدة معمر القذافي.. جيش الأمة كان الذراع المسلح لحزب الأمة تورط بتعليمات من زعيم الحزب مباشرة في تفجير الخط الناقل للبترول بالقرب من مدينة عطبرة في أواخر التسعينات من القرن الماضي. لكن حزب الأمة استأنف نشاطه فيما بعد من داخل البلاد في العام (1999م)، وأيّد في وقت لاحق اتفاق السلام الشامل مع الجنوب.. ترشح الصادق لمنصب الرئاسة في آخر انتخابات في أبريل (2010م)، وحصل على (0.96%) من الأصوات.. لكن الرجل غضب لهذه النتيجة وأعلن أنه سيعد تقريرا عن أداء المراقبين الدوليين يبين أهليتهم للمراقبة.. غضب وانفعال على المراقبين لأنهم تحدثوا عن (مقبولية) هذه الانتخابات، وأنها لم تتعرض للتزوير وأن ما اعتراها من شوائب كانت أخطاءً فنية ولوجستية وارد حدوثها في أي انتخابات خاصة في بلد مثل السودان يزخر بمساحة شاسعة، فيما وصل عدد مراكز التصويت (13) ألف مركز فضلا عن أنها انتخابات متعددة في آن واحد، فقد كانت انتخابات لرئاسة الجمهورية، وانتخابات للبرلمان الاتحادي، وأخرى للبرلمانات الولائية، وولات الولايات.. يشار إلى أنه أعلن انسحابه واعتبر انسحابا غير قانوني لأن فترة الانسحاب القانوني قد انقضت.. وجاء تبدل مواقف الرجل من الانتخابات محيرا فقد تحدث عن الانتخابات وقال إنها تستحق التنافس فيها ووصفها بأنها أفضل من كثير من التجارب في دول عربية وإفريقية. لاشك أن الصادق المهدي سياسي مخضرم ويتمتع بكثير من الصلات الدولية والإقليمية، لكن كل تلك الخبرات السياسية المتراكمة لم تمكن الرجل من استغلال الفرص التي أتيحت له كما ظل مواجها بتحدي ترتيب حزبه من الداخل والقضاء على حالة التشظي الممسكة بتلابيبه.
830
| 26 نوفمبر 2011
لعل تشكيل ما عرف الجبهة الثورية السودانية في دولة جنوب السودان كان أبرز أحداث الأسبوع الماضية في السودان.. التحالف العسكري الجديد شُكّل من حركات مسلحة متمردة على الحكومة السودانية منها حركة العدل والمساواة التي رفضت اتفاق الدوحة لسلام دارفور، والحركة الشعبية التي تطلق على نفسها قطاع الشمال وأبرز قادتها ملك عقار والي ولاية النيل الأزرق الذي دخل إلى دولة الجنوب بعد هزيمة قواته الأخيرة في مدينة الكرمك آخر معاقله في تلك الولاية المحاذية لدولة جنوب السودان.. هدف التحالف أعلن بشكل سافر وهو إسقاط حكومة الرئيس البشير بكافة الوسائل بما في ذلك العمل العسكري!!.. هذا السفور أحرج الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، مما اضطرهما للإعلان صراحة عن انتقادهما لهذا التحالف حيث أدانت وزارة الخارجية الأمريكية المعارضة المسلحة ضد حكومة الرئيس البشير، وقالت إن الحرب لن تحل المشكلة. وقال مسؤول في الخارجية الأمريكية: (الولايات المتحدة تؤيد تغيير النظام في السودان عن طريق عملية ديمقراطية شاملة)، مضيفا: (وقلنا لهم إن هدفهم المتمثل في تأسيس نظام حكم ديمقراطي يجب أن يتحقق بإشراك حكومة السودان في حوار سياسي، بدلاً من الاشتراك في صراعات مسلحة).. وقال رئيس عمليات حفظ السلام لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ايرف لادسوس: (إن هذه خطوة أخرى في نمط من التصعيد سيأتي بنتائج عكسية)، وأضاف لادسوس: (الأمم المتحدة مستمرة في التشديد على أنه يجب على كل أطراف الصراعات المختلفة بين حكومة السودان ومناطقها الحدودية العودة غلى مائدة التفاوض وحسم خلافاتها من خلال الحوار السياسي). حرج الولايات المتحدة يأتي لأنها تدعم بصورة أو أخرى هذه الحركات وبالضرورة حكومة دولة الجنوب، ولديها وسائلها وطرائقها دون أن تتحدث صراحة عن عمل عسكري ضد النظام ربما يوقعها في طائلة القانون الدولي.. الولايات المتحدة أصبح لديها قناعة أن الحركة الشعبية الحاكمة في دولة جنوب السودان لم تتعلم السياسة دعك من إدارة دولة وليدة.. كانت آمالها عراضا أن تتمكن الحركة من أن تكون عنصرا فاعلا في محيطها الإقليمي، وأن تتجاوز مربع حرب العصابات وعقلية العسكرتاريا.. منذ أن كانت الحركة الشعبية شريكا في حكم السودان قبل الانفصال ظلت تخالف سنن الحياة التي لا تنسجم معها ثنائية الشيء وضده، حيث كانت تجمع بين المعارضة والحكومة في آن واحد!!.. المتعاطفون والمؤيدون لدولة الجنوب لا يستطيعون بأي حال من الأحوال الوقوف بجانب إعلان صريح بالحرب على دولة مجاورة وهذا ما قامت به حكومة الجنوب برئاسة سلفاكير ميارديت.. في الموقع الرسمي لحركة العدل والمساواة كتب أحد منسوبيها عن ذلك التحالف قائلا: (إننا أمام جيش محترف يقود هذا التحالف, فجيشا الحركة الشعبية وحركة العدل والمساواة كحركتين فاعلتين في هذا التحالف لديهما قوات مدربة وهما القوتان الرئيستان في الحراك الثوري في السودان والقوتان الوحيدتان اللتان تلقتا تدريبا محترفا من ضباط سودانيين وغير سودانيين, وفي دورات متقدمة في فنون القتال, فقوات العدل والمساواة التي نفذت عملية الذراع الطويل في مايو 2008م في الخرطوم)!! فى نفس الوقت حاولت الحكومة السودانية استغلال أخطاء الحركة الشعبية متمثلة في حكومة دولة الجنوب الوليدة وتعاملت (ببرود) مع إعلان التحالف وقال المتحدث باسمها إن السودان لا يرفض استئناف التفاوض مع دولة الجنوب بشأن القضايا التي يقودها وفد اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة ثامو امبيكي.. واعتبر وزير الداخلية السوداني أن المعارك التي تدور مع مسلحين في الحدود مع دولة الجنوب جزء من تأمين الحدود، وقال إن الجيش السوداني حقق انتصارات في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، واعتبر أن ما تثيره دولة الجنوب من اتهامات للخرطوم بقصف مواقع للمدنيين داخل حدودها (حملة جائرة لمواجهة انتصارات الجيش والحد منها بادعاءات كاذبة عن قصف مخيمات للاجئين). قلة الخبرة السياسية لدى قادة دولة الجنوب جعلتهم يخسرون معركة مهمة بتبنيهم (السافر) لتحالف عسكري لإسقاط النظام في السودان، والبعض يرى أن ذلك التحالف ليس إلا (ظاهرة صوتية) وفرقعة إعلامية ولا يمثل تهديدا جديا للنظام في السودان، ولن تجني جوبا من ورائه أي فائدة بل العكس لأن ذلك التحالف بدأ يجر عليها الكثير من الانتقادات واللوم.
1154
| 19 نوفمبر 2011
أكبر مشروع تنموي في السودان، يثير أعاصير اجتماعية تزيد من تحديات الحكومة السودانية.. أهالي المنطقة التي غمرتها مياه السد، يطالبون ويضغطون على الحكومة لتوفير التمويل اللازم لتوطينهم في مناطق حول البحيرة وهو ما سمي بالخيار المحلي لعملية إعادة التوطين.. البروفيسور يعقوب أبوشورة وزير الري الأسبق حذر من الخيار المحلي حيث إنه من المتوقع أن تنحسر بحيرة سد مروي لأكثر من كيلومترين في أحسن الأحوال وهو ما يجعل إقامة طلمبات للري على البحيرة أمر مستحيل، وبالتالي فشل ذلك الخيار.. المطلوب ليس إقامة منازل ومساكن فحسب، بل المطلوب إقامة مشروع زراعي على أسس اقتصادية.. وزارة السدود تقول إنها أنشأت (3) مشاريع لإعادة التوطين بموافقة الأهالي عبر ممثليهم فيما عرف باللجان الشعبية وهي ليست معنية بإقامة مشروع جديد ليس فيه جدوى اقتصادية، فضلا عن أن ملايين الجنيهات صرفت في المشاريع الثلاثة التي استوطن فيها بالفعل أعداد كبيرة من أهالي المناطق المتأثرة بمشروع سد مروي.. الحكومة السودانية محاصرة بمطالب المناصير وخائفة من اختطاف المعارضة للقضية بيد أنها حرضت – أي المعارضة - المناصير على تدويلها!!. كلام الخبير الضليع أبو شورة خطير جدا وهو كلام فني بحت ولا علاقة له بالشد والجذب الذي يدور هذه الأيام.. من قبل حديث أبو شورة، قامت شركة موننكواقرا الكندية بدراسة لصالح وزارة الري والموارد المائية والهيئة القومية للكهرباء في العام 1991م، حيث أوصت الدراسة بضرورة إعادة توطين جميع المجموعات المتأثرة في منطقة الفداء (مشروع الكحيلة شرق)، وعدم ملاءمة أي خيارات محلية أخرى.. كذلك أعقبتها دراسة هيئة جامعة الخرطوم الاستشارية وهي هيئة مستقلة تتبع جامعة الخرطوم وتعتبر أعلى جهة بحثية بالبلاد فقد أوصت الدراسة برفض المقترحات المقدمة كخيارات محلية في مشاريع (الحويلة – سهل البان – كحيلة غرب – سهل الحراز – أم سرح) وأوصت بتنفيذ مشروع (المكابراب) (المناصير الجديدة) ومشروع الكحيلة شرق (الفداء) وهي المشاريع التي نفذتها وحدة السدود بالفعل.. أيضا قامت شركة يام (وهي شركة خاصة) في عام 2006م وبناء على طلب ولاية نهر النيل ولجان المتأثرين بدراسة خيار توطين المناصير حول البحيرة، حيث تم تكوين لجنة فنية برئاسة وكيل وزارة الري وعضوية عدد من الخبراء والمختصين لتقييم الدراسة وأوصت برفض الدراسة لأسباب فنية والتركيز على وسائل ومشاريع أخرى أكثر جاهزية.. أبو شورة أكد أن إقامة مشاريع خيارات محلية للمناصير حول البحيرة يمكن أن يؤدي إلى فشلها وطالب الدولة بعدم الرضوخ للحلول التي لا تعتمد على رؤى فنية وعلمية والتي تتجاوز المعايير الفنية ومخرجات الدراسات السابقة.. المنطق يقول إن ما توصلت إليه تلك الدراسات يدحض بالضرورة ما يروج من إمكانية قيام أي جهة ببيع الأراضي حول البحيرة لمستثمرين فليس هناك مستثمر (مجنون) يلقي بأمواله هكذا.. من يستقرئ التاريخ يجد أن هنالك تجربة سابقة لحكومة الفريق عبود في خيارات توطين أهالي حلفا حول بحيرة السد العالي حيث رفضها مجلس وزرائه في ذلك الوقت لعدم وجود دراسة فنية تعضد ذلك الاتجاه. أعتقد أن القضية برمتها قضية مطلبية، مرتبطة بعوامل فنية.. لكنها تحولت إلى قضية سياسية، بل حولها اعتصام نفر من الأهالي إلى قضية على صفيح ساخن، قضية لا تستطيع حكومة ولاية نهر النيل حلها، فالمركز حمّل الولاية ما لا تطيقه.. القضية تحتاج لحل عاجل على المستوى الاتحادي.. حكومة ولاية نهر النيل وجدت نفسها أمام مأزق وتحدٍ لا قبل لها به.. ما يدهش أولئك الذين يريدون إثارة الأعاصير لأجل الكسب السياسي.. ما يسمى بـ(الجبهة السودانية للتغيير) أصدرت بيانا قالت فيه إنها (تقف مع قضية المناصير العادلة).. أحدهم كتب مقالا بعنوان (المناصير.. استعدوا للأعاصير).. وآخر كتب يقول: (التهجير تم بطريقة ممنهجة لمجموعات معينة من شمال السودان من أجل إبادة ثقافاتها ومحو تاريخها من المنطقة لتتم عملية الإحلال والإبدال بطريقة سلسة دون أن يلتفت إليها النائمون)!!. المدهش حقا أن ما يسمى بقوى الإجماع الوطني طالبت بتدويل هذه القضية وقال الأمين السياسي بحزب المؤتمر الشعبي (نتمسك بمشاركة المجتمع الدولي في القضية)!!. رئيس لجنة المتأثرين بقيام السد قال (إن قضيتنا تتعلق بالحقوق وليس لها علاقة بالسياسة ولن نسمح بدخولها في هذا المسار رغم محاولة بعض الأحزاب اختطاف القضية). مشروع سد مروي الذي بسببه برزت هذه القضية هو مشروع طاقة مائية متعددة الأغراض، يهدف في الأساس لتوليد الطاقة الكهرومائية.. الشلال الرابع على نهر النيل في مروي كان المكان المناسب وفقا لعدة دراسات قبل عدة عقود.. كثير من المداد سينفد حتى نعطي ذلك المشروع حقه، وهو ببساطة مشروع تنموي غير مسبوق.. لم يكن طريق مشروع سد مروي مفروشا بالورود على الإطلاق، فقد مرّ عمل إقامة هذا الصرح بظروف صعبة في ظل حصار اقتصادي ضُرب على السودان.. سواعد السودان هناك عند التلال الرملية التي غدت رياضا غناء أحيط بهم فما وهنوا ولا جزعوا.. الفقر والجفاف وقسوة الطبيعة بقيت سمات رئيسة للولاية الشمالية التي تحتضن السد.. سكانها ظلوا ممسكين على الجمر زغب الحواصل لا ماء ولا شجر.. اليوم ليست تلك الولاية فحسب بل كل ولايات السودان بلا استثناء تنعم اليوم بخيرات مشروع سد مروي العظيم. يقيني أن المناصير وهم القبيلة التي تطالب بالخيار المحلي وغيرهم من أهل الشمالية قد ضحوا كثيرا وواجب على الدولة أن تقف معهم وتعوضهم.. صحيح أن الإجراءات التي اتبعت كانت إجراءات فنية ومنصفة، لكن ليس من الحكمة أن ينفد صبر الدولة أو تلوذ بالصمت وتدع والي نهر النيل في (حيص بيص).. نعم لقد راعت الدولة وإدارة السد محورين أساسيين في اختيار مواقع إعادة التوطين وهما: إعادة توطين المتأثرين في بيئة شبيهة لبيئتهم، والحفاظ على ممارسة المتأثر لنفس نشاطه الاقتصادي والاجتماعي في موقعه الجديد وذلك تمشيا مع الأسس والقوانين الدولية في عمليات إعادة التوطين والاستفادة من التجارب المحلية والعالمية في هذا المجال.. نعتقد أن الحوار ولا شيء غير الحوار هو أقصر الطرق لإرضاء أهلنا المناصير وإقناعهم بأن الدولة تبذل كل ما في وسعها ولا تضن عليهم بشيء تستطيع عمله.. على الدولة أن تصدق نواياها وعلى المناصير الابتعاد عن من يريدون المتاجرة السياسية بقضيتهم، وبذلك تفشل مخططات مثيري الأعاصير الاجتماعية.
3561
| 17 نوفمبر 2011
ما بال سلفاكير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان الوليدة يكيل الاتهامات ويتحدث باستخفاف عن الرئيس عمر البشير؟.. سلفاكير الذي آوته اتفاقية السلام الشامل بعد أن كان مطرودا ومهمشا من قبل زعيم الحركة الشعبية السابق جون قرنق في أدغال الغابات الاستوائية، بل مهددا بالتصفية مثل زملائه من الرعيل الأول من قادة الحركة الشعبية مثل كاربينو كوانين وغيرهم؟.. كل مايربط الحزبين في السابق المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قد وصل إلى نهايته باتفاق السلام الذي تم تطبيقه على أفضل ما يكون حسب المراقبين الدوليين.. سلفاكير وبتناغم وتنسيق محكم مع الولايات المتحدة اتهم القوات المسلحة بقصف منطقة (قفة) بولاية أعالي النيل الجنوبية على الحدود مع النيل الأزرق، بل مضى سلفاكير أكثر من ذلك واتهم الخرطوم بالتحضير لانقلاب في جوبا!!.. في توقيت (بديع) دانت الولايات المتحدة الامريكية ما أسمته بالقصف الجوي لتلك القرية على الحدود الدولية بين السودان وجنوب السودان.. مارك تونر المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية قال في بيان إن "الولايات المتحدة الأمريكية تدين بشدة ذلك القصف الجوي.. وأعتبره قصفا عشوائيا لأهداف مدنية غير مقبول وغير مبرر. سلفاكير الذي تحيط به المشاكل والإحن من كل جانب قال في كلمة له أمام قوات الحركة الشعبية التي اعتبرت قوات جنوب السودان الدولة الجديدة إن اتهامات البشير وتصريحات في مدينة الكرمك بولاية النيل الأزرق في صلاة عيد الأضحى محاولة للهروب من المشاكل التي تواجهها الخرطوم. وأضاف "كلما يواجه البشير أزمة يقوم بارتداء زيه العسكري ويذهب للرقص مع قواته رغم أنه يقول: إنه منتخب من قبل الشعب".. أعتقد أن على دولة الجنوب وعلى رأسها الحركة الشعبية أن تتعامل مع السودان بموجب القانون الدولي في كافة المحاور والقضايا المرتبطة مع الدول وليس كما يعتقد بعض قادة دولة الجنوب الذين لا يزالون يتحدثون عن قضايا عالقة تناقش حزبيا مع المؤتمر الوطني.. القضايا الموجودة هي قضايا دولية تحكمها معايير قانونية متفق عليها عالميا. اتهامات سلفاكير وهو يمثل رأس الرمح في أجندة دولية معروفة، وفي زمن يراد فيه تعميم الفوضى ورسم خرائط جديدة، لا يريد أن يكون الانفصال نهاية المطاف، بل المطلوب اجتزاء أطراف أخرى ربما النيل الأزرق أو جنوب كردفان أو حتى دارفور.. صحيفة الخليج الامارتية كتبت في افتتاحيتها على خلفية تلك الاتهامات الجنوبية تقول: (الخرطوم تتعرض لابتزاز واضح من جنوبها واستخدام دعم المتمردين في دارفور وغير دارفور ورقة ضغط للحصول على مكاسب أكبر في أبيي ومنابع النفط المتنازع عليها.. ومضت الصحيفة تقول: (يعني ذلك أن ثمة نوايا غير سليمة تحمل من الأطماع الكثير، والخطر الأكبر الكامن فيها أنه يراد للسودان ألا يستقر، وألا يكون انفصال الجنوب نهاية المطاف ونهاية الآلام، بل هناك من يسعى ويعمل على أرض الواقع، بدعم خارجي معلن أيضاً، من أجل اقتطاع أجزاء جديدة من هذا البلد، غير الجنوب، ليتحول بعد حين إلى مجموعة دويلات متناحرة). قبل فصل جنوب السودان وبينما كانت الحركة الشعبية تسيطر وتتحكم في كامل أرض الجنوب بصلاحيات أقرتها اتفاقية السلام الشامل، أرسل سلفاكير استغاثات عديدة ومتكررة للخرطوم للمساعدة في انتشال الجنوب الغارق في الصراعات القبلية حتى الثمالة.. ولو أن للمنظمات الدولية أجندة سياسية وعداء تجاه حكومة الجنوب لأصبحت هذه الصراعات العنيفة حديث المجتمع الدولي ولأصدر مجلس الأمن سلسلة من القرارت تتضمن الاتهامات بالإبادة الجماعية مثلما فعل في قضية دارفور. كان على سلفاكير – وعليه اليوم أيضا - قبل أن يطلق استغاثاته أن يبحث الأسباب الحقيقية وإعمال الأدوات والوسائل المتوفرة لديه لمعالجة تلك الصراعات.. إن الجنوبيين الذين لا ينتمون للحركة الشعبية وهم الأغلبية يجدون مضايقات سياسية كبيرة، فالحركة لاتعترف بحرية العمل السياسي وتمنع استخباراتها أي نشاط سياسي مخالف بقوة السلاح ولا يفت السلاح إلا السلاح.. كذلك الفساد المستشري في كل ركن من أركان الحكم في الجنوب ، حتى الصرف الظاهري على الرواتب يفوق الصرف على الرواتب في شمال البلاد ولذا نجد أن وظائف الخدمة المدنية التي سبق أن خصصت للجنوبيين في الشمال حسب ما نصت عليه الاتفاقية لم تجد من يشغلها لأن المستفيدين يجدون رواتب أعلى بكثير في وظائف حكومة الجنوب لأنها تصرف صرف من لا يخشى الفقر.. ذلك الفساد وتلك المحسوبيات تفعل فعل السحر في إثارة الصراعات الدموية، وهذا داء يريد سلفاكير أن يتهم به السودان.. ما يشير بل يؤكد انعدام مساحة الحرية في دولة سلفاكير تلك الإدانة التي أعلنتها منظمة مراسلون بلا حدود من الاعتقال غير الشرعي لصحفيين أوقفتهما قوات الأمن في جنوب السودان في أول شهر نوفمبر الجاري.. ودعت المنظمة إلى الإفراج الفوري عنهما وإعادة فتح جريدتهما الصادرة باللغة الإنجليزية (دستيني) التي علّقتها السلطات لأنها نشرت خبرا جاء فيه أن ابنة سلفاكير اقترنت بمواطن أثيوبي!!.. التعاطي السلبي للحركة الشعبية واستخباراتها مع الرأي الآخر ليس جديدا بل ظهرت بوادره ما قبل الانفصال.. قبل عامين تقريبا صادرت استخبارات الحركة الشعبية جميع نسخ عدد السبت من صحيفة (جوبا بوست) بمطار جوبا لنشرها تصريحات منسوبة لضابط رفيع ينتمي لمجموعة المنشق جورج أطور عن الجيش الشعبي.. من قبل بطشت استخبارات الحركة بمحطتين إذاعيتين تعملان في جوبا هما (ليبيرتي اف.ام) و(باخيتا). مديرا المحطتين قالا إن قوات الأمن (استخبارات الحركة الشعبية) داهمت المحطتين واعتقلت العاملين فيهما بعد أن بثت إحدى المحطتين مقابلة مع الفريد لادو قوري المرشح المستقل لمنصب حاكم ولاية الاستوائية الوسطى التي تضم جوبا.
592
| 12 نوفمبر 2011
ليس من السهل أو المنطق أن تقف الصين متفرجا على الصراع المتسارع بين السودان ودولة جنوب السودان، خاصة أن النار بدأت تلتهم أطراف الجلباب الصيني.. تهديد صريح وجاد أطلقه السودان بإيقاف تصدير النفط الجنوبي عبر أنبوب النفط الذي يمر عبر الأراضي السودانية انتهاء بميناء التصدير في أقصى الشمال الشرقي على البحر الأحمر في الضفة المقابلة لمدينة جدة السعودية.. الخرطوم تقول إن جوبا لم تدفع فلسا واحدا منذ إعلان الانفصال في يوليو الماضي كرسوم عبور مثلما هو متعارف عليه دوليا.. الصين ستتضرر كثيرا في حالة تنفيذ السودان تهديده ولذا سارعت مهرولة بإرسال مبعوثا إلى الخرطوم وجوبا.. المبعوث الصيني الخاص للشؤون الإفريقية لوي قوي جين قال: (نأمل ألا يتأثر إنتاج النفط سلبا، وأن تسفر المحادثات بين الشمال والجنوب بشأن النفط عن اتفاق جديد). الصدام المسلح بين السودان وجنوب السودان عبر حرب الوكالة في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق خلال الفترة الماضية لم ينجح في تحريك الصين إلا عندما وصل الأمر لتهديد تدفق إمدادات النفط .. مبعوث الصين دعا من الخرطوم البلدين إلى تقديم أقصى ما يمكن من التنازلات للوصول إلى حل مرضي يحفظ سيادة البلدين.. وفي لهجة تنم عن قلق ظاهر أضاف لوي قوي جين: (مستعدون لقبول أي اتفاق يتم التوصل له تجنباً للسيناريو الأسوأ)، في إشارة إلى التوقف التام لضخ النفط.. السودان الذي على ما يبدو في وضع دفاعي قوي، قال إنه قدم أقصى قدراً من التنازل والدليل على ذلك استمرار تدفق نفط الجنوب عبر البنيات التحتية في أراضيه دون دفع أي مبالغ مالية في هذا الصدد.. في الوقت نفسه والمبعوث الصيني مازال موجود في الخرطوم، أجاز البرلمان السوداني تعديل قانون رسوم عبور وخدمات البترول، ويمنح التعديل الجديد في المادة (5) وزارة المالية الحق في وضع يدها على البترول في حال تقاعس جهة ما عن الدفع على أن يتم تقييم هذا الأمر في العقود التي تبرمها الحكومة مع الشركات العاملة في هذا المجال. أقصر طريق لحل الإشكال أن تقنع الصين دولة الجنوب بضرورة تسوية الأمر فنيا وتجاريا بعيدا عن القضايا السياسية العالقة بين البلدين.. صحيح أن ما دفع الحكومة السودانية لذلك الموقف المتشدد الأزمة الاقتصادية الخانقة كأحد تداعيات الانفصال الذي ذهبت معه حوالي (70%) من إيرادات النفط من إجمالي إنتاج السودان البالغ نحو 500 ألف برميل يوميا قبل الانفصال، إلا أن الصين ودولة الجنوب أيضا تعتبران الأكثر تضررا من توقف تصدير النفط.. الصين تعتبر المستثمر الرئيسي في قطاع النفط السوداني (شمال وجنوب)، وتمتلك حصة في الأنبوبين اللذين يمران عبر شمال السودان إلى ميناء بورتسودان، فضلا عن عشرات من العمال في حقول النفط بالمنطقة. العلاقات السودانية الصينية تجاوزت (50) عاماً، حيث شهدت تطوراً ملحوظا في شتى المجالات، وبدأت تزدهر بصورة واضحة في فترة السبعينيات، وحدثت نقلة نوعية في علاقات البلدين أواخر القرن الماضي بالتعاون في المجالات كافة، إلى أن بلغت مرحلة متقدمة من التطور مع حكومة الرئيس البشير؛ إذ أسهمت (بكين) في استخراج النفط، والمساهمة في عمليات التنمية خاصة بمناطق البترول.. وكان من الطبيعي أن تساندت الصين، السودان في المحافل الدولية، خاصة في مجلس الأمن الدولي، بمعارضتها لأي قرار يعتزم الغرب إنفاذه في حق السودان. ولعل أكبر ضربة تلقاها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص من السودان علاقاته الإستراتيجية مع الصين.. الانفتاح على الصين صاحبة الحضارة العريقة و(المبرأة) من النزعة الاستعمارية والاستغلالية والدعم المرتبط بالأجندة كان طريقا سليما ورؤية إستراتيجية آتت ثمارها فتدفق البترول السوداني لأول مرة من دون شيفرون الأمريكية أو بريتش بتروليوم البريطانية.
743
| 10 نوفمبر 2011
مفاوضات ماراثونية يبدو أنها وصلت إلى طريق مسدود بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان وحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) لبحث مشاركة الأخير في أول حكومة عقب انفصال جنوب السودان ختمت بلقاء قيل إنه عاصف بين زعيمي الحزبين (عمر البشير ومحمد عثمان الميرغني).. المؤتمر الوطني طالب الحزب الاتحادي بأن يختار ما بين أن يكون في الحكومة ويشارك فيها بكامل المسؤولية أو المعارضة ويتحمّل مسؤوليته.. اعتراض المؤتمر الوطني يتمثل في أنه يرى الحزب الاتحادي سيشارك في المعارضة والحكومة في آن واحد وهذا ما عانى منه إبان شراكته مع الحركة الشعبية قبل الانفصال.. المؤتمر الوطني رفع (فيتو) ضد قياديين بالحزب هما الطيب هجو وعلي محمود حسنين وقد اختارا العمل المعارض المسلح وقيل إن البشير طالب الميرغني في ذلك الاجتماع العاصف بفصلهما.. في الوقت نفسه أبدى (الاتحادي) زهده في مشاركة لا تليق بقيمة وقامة الحزب، مما يشير إلى أنه تلقى عرضا من حيث عدد الوزارات ونوعها لم يرض طموحه.. قضية (الاتحادي) ليست في رفض المشاركة مبدأً ولكن في نصيب الحزب وقيل إنه عُرض عليه 20% من الحقائب الوزارية في حين طالب بـ30% خاصة بعدما علم بعدم مشاركة حزب الأمة القومي.. يمكن أن نتخيل أنه عندما رفض الاتحادي العرض طالبه (الوطني) بفصل القياديين، فإن قبل (الاتحادي) العرض تغاضى (الوطني) عن طلبه بفصل القياديين. لاشك أن مشاركة (الاتحادي) قضية مهمة لحزب المؤتمر الوطني الذي يجابه في الوقت نفسه ضغوطا داخله خاصة من الهيئة البرلمانية بالحزب بعدم إعطاء الأحزاب أكثر مما تستحق استنادا إلى نتائجها في آخر انتخابات حيث نال فيها (الاتحادي) فقط مقعدين.. (الوطني) يريد دحض الاتهام الموجهة له بالانفراد بالحكم وتهميش الأحزاب الأخرى، فضلا عن الضغوط الخارجية التي يواجهها.. المشكلة أن ما يعرف بالحزبين (الكبيرين) (الاتحادي الديمقراطي) و(الأمة القومي) برئاسة الصادق المهدي يعانيان من مشاكل داخلهما تقعدهما عن مشاركة فاعلة تفيد (المؤتمر الوطني) كما يظن ويطمح.. الحزبان طائفيان يفتقدان للمؤسسية والديمقراطية داخل هياكلهما إن كانت هناك هياكل بالفعل، ففاقد الشيء لا يعطيه.. محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي لأكثر من (26) عاما ومرشد الطريقة الختمية الصوفية، هو سليل عائلة السيد علي الميرغني زعيم طائفة الطريقة الختمية القوية النفوذ بالسودان وهو مثال جيد للقيادي القابض بكل المفاصل وقد أعانه على ذلك بجانب شخصيته الدينية.. أسس الحركة محمد عثمان بن محمد أبو بكر بن عبدالله الميرغني المحجوب ويلقب بالختم إشارة إلى أنه خاتم الأولياء، ومنه اشتق اسم الطريقة الختمية كما تسمى الطريقة أيضا بالميرغنية. يعتبر الحزب الاتحادي الديمقراطي أقدم حزب سياسي سوداني، وهو اتحاد من حزبين سياسيين هما الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي. كان إسماعيل الأزهري أول رئيس وزراء لجمهورية السودان بعد الاستقلال رئيس الحزب عندما كان باسم الحزب الوطني الاتحادي قاد به معركة الاستقلال. يرأس الحزب حالياً السيد محمد عثمان الميرغني مرشد الطريقة الختمية الصوفية. في العام الماضي وقبل أن ينجلي غُبار المعركة الانتخابية غادر محمد عثمان الميرغني البلاد.. البعض قال إنه كان غاضبا، خاصة أنه أطلق تصريحا ينم عن غضب حينما قال إنه شخصيا لم يصوت في الانتخابات، هذه الواقعة المدوية أذهلت الكثيرين في حزبه، ويبدو أن غضبه ناتج عن صدمة وذهول لأن حزبه (العريق) لم ينل أكثر من دائرتين.. الميرغني قال أيضا متسائلا ومستنكرا أين الذين خرجوا لاستقبالي في مدينة كسلا؟! والمنطق يقول بكل بساطة إن لم يصوت قائد تلك الجماهير وهاديها فكيف يصوتون هم؟! إن لم يعقد مؤتمر واحد للحزب وتجدد هياكله وتدفع بالدماء في عروقه فلن يكون الحزب (الاتحادي) حزبا فاعلا.. تلك الجماهير التي خرجت في كسلا لم يقدم لها الحزب أي برنامج مقنع.. برنامج يلبي طموحات جماهيرك ذات التوجه الإسلامي استنادا إلى أدبيات طائفة الختمية، بل ترك الحبل على الغارب للعلمانيين واليساريين الذين غزو الحزب ليتصدوا للعمل السياسي.. جماهير الختمية لا يمكن تصوت للعلمانيين واليساريين الذين رشحهم الحزب في تلك الانتخابات حتى لو وضع فوق رؤوسهم الريش.. في الثقافة السودانية احترام الزعماء وتبجيلهم واجب وإن اختلفوا معهم سياسيا.. هناك اعتقاد بأن أهل كسلا أيضا استقبلوا الميرغني خير استقبال لكن لا أحد يجزم أنهم يتفقون مع خطه السياسي (العلماني اليساري).. الحقيقة المرة أن جماهير الأحزاب المختلفة لم تتبين أي خط سياسي أو برنامج محدد يمكن أن تصوت له، لم يكن هناك غير المواقف الضبابية المتلجلجة.
1382
| 05 نوفمبر 2011
انتهى نظام معمر القذافي في ليبيا، لكن بقيت صورة (مؤلمة) بل (بشعة) يتردد صداها وتسترجعها عقولنا المنهكة بشكل متكرر.. صورة جعلت المجلس الانتقالي الذي يتولى السلطة اليوم في ليبيا يعلن تحت (ضغط) تلك الصورة عن أن تحقيقا سيجرى عن الكيفية التي قتل بها القذافي.. تلك الصورة حيث كان الرجل مضرج بدمائه بعد أن نالت منه طلقات الثوار ما نالت كرست في أذهان الغرب تلك الصورة التي يريدها عن الأمة العربية وربما الإسلامية.. المجلس الانتقالي قال باسم المتحدث باسمه إن القذافي اعتقل سليما (أي أصبح في حكم الأسير)، ثم من بعد ذلك أصيب في ذراعه ثم في رأسه!!. جرائم القذافي ونظامه عظيمة وبشعة، بيد أن الثوار جاءوا ليؤسسوا لنظام جديد يقوم على قيم الإنسانية والعدل والحرية.. معظم الدراسات والأبحاث العلمية أشارت إلى الصورة المشوهة للعرب في الإعلام الغربي والأمريكي على وجه الخصوص.. على سبيل المثال يظن الرأي العام الأمريكي أن هناك دولة عربية واحدة، وأن كل العرب بدو يسكنون الصحراء ويتزوجون بأربع نساء. يقول محمد حسنين هيكل وهو بلا شك مرجعية إعلامية: "ما فيش إعلام لوجه الله"، وهذا يفسر الكثير ما يقوم به الإعلام الغربي تجاهنا، ويفسر بشكل أكثر تحديدا قيام قنوات أجنبية ناطقة باللغة العربية وموجهة إلى المنطقة العربية؛ فهو من ناحية يكرس لصورة نمطية مكروهة لدى الغربيين ومن ناحية أخرى يريد من العرب المكروهين لديه أن يحبوه وتكون صورته لديهم إيجابية!!. يقول ديفيد بولوك وهو دبلوماسي أمريكي سابق وأستاذ زائر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: "لا نستطيع أن نقلب الصورة ونجعل أمريكا محبوبة، هناك خلافات حقيقية، ولن يمكن لأي قدر من البرامج الذكية أن تغير هذا الوضع"، والرجل يتحدث عن قناة الحرة الأمريكية باعتبارها فشلت في تحقيق الهدف الذي أنشأت من أجله.. لقد أخذ المجهود الإعلامي الأمريكي نحو الجماهير العربية بالتطور والتبلور بشكل لافت للانتباه، وبصورة تتماشى مع تصاعد المجهود الحربي الأمريكي في المنطقة. وأصبح بالإمكان توفير مخصصات مالية سخية من الكونجرس لصالح برامج الإعلام الخارجي في وزارة الخارجية الأمريكية. واختير اسم "الحرة" لقناة فضائية جديدة وهو اسم بديع، يبدو أنه امتداد للإعلام الأمريكي الموجّه كإذاعة أوروبا الحرة، وراديو الحرية التي وجّهت إبان الحرب الباردة نحو الكتلة الاشتراكية.. تقول الدكتورة وداد البرغوثي من فلسطين المحتلة في ورقة قدمتها الأسبوع الماضي في مؤتمر الإعلام والتحولات المجتمعية الذي عقد بالأردن وكان لنا شرف المشاركة فيه: (تلجأ قناة الحرة إلى انتقائية مواضيع تخدم فلسفتها وهي الترويج لنمط الحياة الأمريكي، فالمواضيع يتم اختيارها من الزوايا المعتمة في الدول العربية. من ناحية ثانية تلجأ إلى انتقائية الضيوف؛ فالضيوف في أغلبهم موجودون في الخارج إما في الولايات المتحدة أو في بريطانيا، ممن يستعدون لمناقشة الظاهرة دون أن يناقشوا أسبابها، وممن هم جاهزون للدفاع عن الغرب).. تناقش القناة ومن الزاوية المعتمة قضايا مثل: اعتقالات في الإمارات، وعملية اختطاف في عمان، والشعوذة وضرب الودع في السودان والدعارة في المغرب وحياة الليل في لبنان واللقطاء في موريتانيا، والدجل والشعوذة في مصر، الختان والمعاشرة دون عقد زواج في اليمن، والرياضة النسائية المحرمة في السعودية. وغير ذلك من الظواهر الموجودة في هذا البلد العربي أو ذاك.. تقول البرغوثي أيضا: (تطرح قناة الحرة ما يمكن أن يقال عنه حق أريد به باطل، فهل هذه الظواهر تخص المنطقة العربية فقط؟ وهل المنطقة العربية لا يوجد فيها إلا هذه الصورة السلبية؟ فمن يرى هذا البرنامج يجد نفسه أمام عالم عربي متخلف مشعوذ جاهل.. إلخ من السمات السلبية. بالمقابل نجد الحرة تلقي الضوء على الجوانب الإيجابية في الولايات المتحدة. بمعنى آخر تسلط الضوء على الزوايا الأكثر إظلاما في الدول العربية وبالمقابل تسلط الضوء على الزوايا الأكثر إشراقا في الولايات المتحدة). قضايا جسام وتحديات عظيمة تنتظر تصديا إيجابيا من إعلام عربي مسؤول.. اليد الواحدة لا تصفق مثل عربي قد ينطبق على قناة الجزيرة التي يبدو أنها غرقت وسط طوفان تلك التحديات في (ربيع الثورات العربية) نحتاج إلى عشرات القنوات على شاكلة قناة الجزيرة، قنوات ذات أهداف قومية ورسالة واضحة.. تقول الدكتورة ألفة لملوم المحاضرة في جامعة باريس العاشرة في كتابها (الجزيرة المرأة الثائرة والغامضة في العالم العربي): "إن الجزيرة أصبحت الحزب السّياسي الأكثر شعبيةً وشفافيةً لدى جماهير المنطقة وخارجها في بلدان المهجر مستقطبة بذلك أكثر من 50 مليونا لبرامجها". مضيفة "أن قناة الجزيرة قد احتلت مركزاً إعلامياً رئيسياً بين المحطات العربية منها والدولية. ويقول محمد حسنين هيكل "لا أظن أن أحدا يختلف على حقيقة أن شبكة الجزيرة هي العنوان الأكبر في مجال الإعلام العربي هذه اللحظة من الزمان العالمي". ويرى هيكل أن "تفرّد" الجزيرة بسبب أن "الرؤية حلت مكان محل القوة دون حاجة إلى سيادة دولة وسلطتها، أو هوية وطن وسياسته.
716
| 29 أكتوبر 2011
أهم أسباب تأخرنا ـ ونقول ذلك تأدبا تجنبا لاستخدام تعبير (تخلفنا) ـ كثرة الكلام وإضاعة الوقت فيما لا يفيد.. العلامة ابن القيم رحمه الله كان موسوعة متعدد التخُصصات، وقيل له ذات مرة ما أكثر الأوقات التي نضيَعها من دون مردود إيماني أو دعوي، فما عاقبة إضاعة الوقت في نظرك؟ فقال: إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها..إذا لم نضع لأنفسنا في حدود استعداداتنا وحاجاتنا وواجباتنا وكذلك طموحاتنا أهدافاً بعيدة وقريبة واضحة، فإننا لن نتقدم قيد أنملة.. لن تتحرر فلسطين وسنظل أبد الدهر خاضعين للاستكبار الإسرائيلي.. عامل مهم جدا لا نلقي له بالا، ألا وهو عامل الزمن واحترام المواعيد والقانون. كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل متأخرا عن اجتماع لمجلس الوزراء فاستعار سيارة ابنته وانطلق مع مرافقه بسرعة تجاوزت المسموح. أوقفه شرطي وحرر له مخالفة رغم علمه بهوية تشرشل وسبب الاستعجال. أما ابنته فتأخرت عن محاضرتها في الجامعة بسبب اضطرارها إلى البحث عن وسيلة مواصلات أخرى، ما دفع الأستاذ إلى منعها من دخول الصف بسبب التأخير. التقى تشرشل وابنته مساء وكانا متكدرين.. أبلغها بما حصل معه وأبلغته بما حصل معها، فابتسم وقال: "بوجود نظام كهذا، الكلمة الأولى فيه للقانون، أستطيع أن أقول إن بريطانيا يمكنها الآن المشاركة في الحرب" العالمية الثانية. لابد لنا في خضم حياتنا اليومية أن نكون على علاقة دائمة مع الزمن.. لنصَنِّف أهدافنا على حسب الأولويّات، الأهمُّ منها أولاً، ثمّ ما بعدَه.. لنقدّر بدقة الزمن اللازم لكل هدف أو مرحلة.. لابد من تنظِّيم أمورنا وحياتنا وأوقاتنا حتى نتمكن من التنفيذ والإنجاز.. من المهم أن نُقبل على أعمالنا بشغَفٍ وحماسة، ونقدم أفضل ما نستطيع من إتقان.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".. الإرجاء والتأجيل آفة الكثيرين فإن قررنا عملا فلابد من أن نباشر فوراً تنفيذه فلنحاولْ جميعُنا دائماً أن نصون وقتنا وجهدنا، ونُحْسِن استخدامه والانتفاع به.. فهذا ما يعرف حديثا بإدارة وضبط الوقت. الاستفادة من الوقت هي التي تحدد الفارق ما بين الناجحين والفاشلين في الحياة، إذ إن السمة المشتركة بين كل الناجحين هي قدرتهم على الموازنة ما بين الأهداف التي يرغبون في تحقيقها والواجبات اللازمة عليهم تجاه عدة علاقات، وهذه الموازنة تأتي من خلال إدارتهم لذواتهم، وهذه الإدارة للذات تحتاج قبل كل شيء إلى أهداف ورسالة نسير على هداها. كثرة السؤال آفة من الآفات المجتمعية وقد حذرنا القرآن من كثرة السؤال، وكثرة السؤال دون مبرر إضاعة للوقت، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) المائدة 101، أي وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تبين لكم، ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه فلعله يحرَّم من أجل تلك المسألة، ولهذا جاء في الصحيح: "إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحُرِّم من أجل مسألته". وثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. وفي صحيح مسلم:"ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإن نهيتكم عن شيء فاجتنبوه". قيل إن رجلا جاء إلى الشعبي – وكان ذا دعابة ومن أصحاب الأجوبة المفحمة – وقال الرجل له: إني تزوجت امرأة ووجدتها عرجاء، فهل لي أن أردها؟ فقال الشعبي: إن كنت تريد أن تسابق بها فردها! والشعبي هو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الهمداني الحميري، من أهل الكوفة. وأحد الرواة الثقاة من التابعين. يُضرب المثلُ بحفظه. اتصل بعبد الملك بن مروان فكان نديمه وسميره ورسوله إلى ملك الروم، وكان إلى جانب ذلك فقيها وشاعرا، هو أكبر شيوخ أبي حنيفة، غضب عليه الحجاج لتأييده عبدالرحمن بن الأشعث فاعتذر إليه بكلام حسن فعفا عنه. استقضاه عمر بن عبدالعزيز في الكوفة. وسأل الشعبي رجلٌ أيضا قائلا: إذا أردت أن أستحمّ في نهر فهل أجعل وجهي تجاه القبلة أم عكسها؟ قال: بل باتجاه ثيابك حتى لا تسرق! وسأل الشعبي رجلٌ آخر عن المسح على اللحية فقال: خللها، قال الرجل أتخوف أن لا أبلها، فقال مجيبا: إذا تخوفت فانقعها من أول الليل. وسأله حاج: هل لي أن أحك جلدي وأنا محرم؟ فقال الشعبي: لا حرج. فقال الحاج إلى متى أستطيع حك جلدي؟ فقال له الشعبي: حتى يبدو العظم!! كم من الأوقات التي تضيع في الدواوين الرسمية؟ هل من عقوبة مغلظة ضد من يضيعون الأوقات سدى؟
1084
| 22 أكتوبر 2011
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
5865
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
5595
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4455
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3318
| 29 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1596
| 26 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1314
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1185
| 28 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1053
| 29 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
831
| 30 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
819
| 30 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل