رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثيرة هي الدورس التي تلقاها خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة لكن قليلة بل معدومة الاستفادة منها.. كم تمنينا أن ينجو خليل وجماعته من تهور ورعونة عاصفة التوثّب ضارية.. لم يرعوي الرجل رغم هزائمه النكراء واتضاح خطل تقديراته السياسية والعسكرية.. كان إعلان القوات المسلحة عن مقتل خليل بمثابة إسدال الستار على لعبة خطرة مارسها خليل طيلة (8) سنوات، حين أعلن في العام 2003، تمرده وتكوينه لحركة العدل والمساواة بعملية استهدفت مطار مدينة الفاشر، دمر خلالها كثيرا من الطائرات والمنشآت، وقتل فيها عددا من رجال الشرطة والجيش والمدنيين.. ارتكزت الحركة في قيامها على أسس جهوية حين كون 25 عضوا من دارفور لجنة لجمع معلومات عن الوظائف القيادية في الدولة ومن يشغلها وما هي قبائلهم وأعراقهم، وكانت النتيجة هي إصدارهم (الكتاب الاسود) الشهير في مايو عام 2000م، كوثيقة تثبت من وجهة نظرهم استحواذ اهل وسط السودان، بل قبائل معينة في هذا الوسط على كل مفاصل السلطة.. في العام التالي 2001م، أصدرت الحركة الجزء الثاني من الكتاب الأسود وبثته على موقعها على شبكة الإنترنت داعية لمحاربة التهميش في السودان، وعقد مؤتمر جامع تشارك فيه الحركات الجهوية لمعالجة ما أسمته بالمظالم والمآسي التي ارتكبتها في حق السودان والسودانيين مجموعة صغيرة من الحكام.
حادثة مقتل خليل رفعت درجة حرارة الأجواء السياسية بكشل خطير.. عقب يوم من مقتل الرجل وبعد أن أدى المصلون صلاة الفجر في مسجد حي المنشية وهو أقرب المساجد لمنزل زعيم المؤتمر الشعبي د. حسن عبد الله الترابي، التهبت مشادة (حادة) أشعلها أحد أنجال الترابي.. عقب الصلاة مباشرة وبعض النفوس يؤزها خبر مقتل خليل أزا.. قام شيخ يبدو عليه الوقار يتحدث ملمحا للحادثة دون أن يذكر خليل أو الإشارة إليه بالاسم، متناولا العبر والدروس التي يمكن الاستفادة منها في شأن الموت والحياة.. فجأة وبدون مقدمات قام نجل التربي غاضبا ومنفعلا بشكل لافت واتجه مباشرة نحو المتحدث وهو بين يدي الإمام.. قال الابن الغاضب وهو يرفع سبابته في وجه المتحدث وبصوت مرتفع: (أنت منافق كلكم منافقون.. خليل شهيد.. شهيد).. ثم خرج الابن مسرعا تكاد تسمع دقات قلبه من فرض الانفعال العنيف والمفاجئ.. الشيخ مضى مدافعا عن حديثه ومحذرا من رمي الناس بخصلة النفاق هكذا جزافا.. ثم قام د. بشير آدم رحمة وهو قيادي بحزب المؤتمر الشعبي وهو من سكان تلك المنطقة على ما يبدو وأحد المصلين المداومين في هذا المسجد.. رغم أن الرجل بدا أكثر تعقلا وهدوءا لكنه لم يستطع أن يصبر حتى يخلص الرجل الشيخ من كلامه ووقف بجانبه يقول له يطلب منه بعصبية الكف عن الحديث.. وعندما انتهى الرجل بدأ رحمة في الحديث مستنكرا ما أسماه (بتسيس) المساجد.. كما تحدث عن الحكام الطغاة ناقلا رؤية حزب المؤتمر الشعبي فأتى بفعل نهى عنه وأستنكره.
هذه الحادثة التي تابعتها حضورا، أبانت عكست تأثير مقتل خليل (العاطفي) على عدد من الناس خاصة أعضاء المؤتمر الشعبي.. ولم تكن زيارة د. الترابي وأبنتيه معزين لأسرة خليل في حي عد حسين جنوب الخرطوم وبقائه هناك زهاء الساعة، إلا تأكيدا لهذا الارتباط.. نشير إلى أن حركة العدل والمساواة صُنِّفت على أنها الذراع العسكرية لحزب المؤتمر الشعبي، فيما كان خليل يعوّل على الترابي لكي يكون منبراً سياسيا في الخرطوم لمطالب حركته.. نعم تقديم العزاء واجب لكن لا أظن أن منسوبي المؤتمر الشعبي قيادة وأفرادا تنادوا معزين في ضحايا عملية أم درمان التي قادها خليل في مايو 2008م وأسماها بالذراع الطويلة.. عشرات الضحايا سقطوا نتيجة لتلك المغامرة التي دعمها بالكامل زعيم ليبيا السابق معمر القذافي.
مقتل خليل لابد أن يكون مدخلا لمرحلة جديدة، عنوانها السلام.. لا أعتقد أنه من الحكمة أن تأخذ الدولة تصريحات جبريل إبراهيم الأخ غير الشقيق لخليل مأخذ الجد، فهي تصريحات مفهومة في مثل هذه الظروف العصيبة.. جبريل قال أنه (لن يكون هناك تفاوض بعد طريق القتل الذي سلكته الحكومة).. وهذا يجعل البعض يرجح بقاء خيار التصعيد العسكري قائماً لدى الحركة.. جبريل أكد كذلك إلتزام حركته بما جاء في ميثاق كاودا (إسقاط النظام في الخرطوم)، طالما كان الآخرون ملتزمون بالعهد (يقصد الحركات الأخرى الموقعة على الميثاق).. لابد أيضا أن تفهم تصريحات قادة الحركة بشأن طريقة مقتل قائدهم ودفنه في محاولة للتقليل من ما أعتبرته القوات المسلحة انجازا عسكريا، يدخل في باب التعويض النفسي لما أصاب الحركة في مقتل.
السؤال المطروح من هو بديل خليل إبراهيم؟.. ليس من السهل التكهن بذلك لكن قبيلة خليل مثّلت الرافد الأول لحركته، والتي كانت كذلك في نظر البعض سبباً في إعاقة الحركة من الوصول إلى أهدافها.. كثيراً ما شعر غير المنتمين إلى تلك القبيلة بالغبن تجاه قيادة الحركة، بعدما حصرت المناصب العليا في بطن واحد من بطون القبيلة حيث تتحدر منها عائلة خليل.. بيد أن ذلك تسبّب في حالة التشظي التي عانت منها الحركة لسنوات وخروج قادة مؤثرين من دائرة الفعل في الحركة.. مواقف (التحدي) التي أعلنها جبريل في ظل مجرى الأحداث الطبيعي نحو السلام، فضلا عن حالة التذمر من حصر القيادة في أسرة واحدة، معطيات قد تبعد جبريل إبراهيم من قيادة الحركة.. عموما أعلنت الحركة مؤخرا تولي الطاهر الفكي رئيس المجلس التشريعي للحركة، رئاسة الحركة لمدة (60) يوماً، وخلال هذه المدة تنتخب حركة العدل والمساواة رئيسها الجديد خلفاً لخليل إبراهيم.. الرئيس الجديد المؤقت الجديد خريج جامعة الخرطوم كلية الطب، وابتعث لجامعة إدنبرة ببريطانيا للتخصص في الطب قبل قيام حكومة الرئيس البشير لكنه فشل في ذلك، ويتميز الفكي بعلاقات جيدة مع المنظمات اليهودية التي تتكفل بالكثير من منصرفاته، وسبق أن أعلن ردَّته عن الإسلام في ندوة عن اتفاقية السلام الشامل بجامعة أكسفورد في بريطانيا في مايو الماضي.
لم يستفد خليل إبراهيم أو يعي الدورس والسياسي الحذق وربما السياسي العادي يستطيع أن يقرأ ويحلل الأحداث والتطورات المتعلقة بدارفور داخل وخارج السودان ويصل بكل بساطة إلى ما يجب فعله وقياس الأمور بمقياس العقل والمنطق.. أغرب مواقف الحركة إعلانها مطالبتها بحق تقرير المصير في دارفور وكردفان؟!.. سذاجة موقف الحركة ليس في المطالبة بحق تقرير المصير فحسب وإنما في اقحام منطقة كردفان في الأمر.. إن كانت حركة خليل حركة عنصرية تتمحور حول انتماء قائدها لقبيلة معينة فكيف تطرح نفسها كممثل لمنطقة دارفور دعك من منطقة كردفان؟!.. كذلك تعاملت حركة العدل والمساواة باستعلاء كبير جدا مع الحركات الدارفورية الأخرى ورفضت أن تشاركها في المفاوضات مع الحكومة لأنها في نظرها حركات بلا وزن وهي فقط التي يحق لها التفاوض باسم دارفور مع الحكومة.. إذا كان هذا حال الحركة مع الحركات الأخرى فيمكن استنتاج أن خليل يريد أن يقول أيضا أن أسرته لا قبيلته فحسب هي التي يحق لها أن تتحدث باسم أهل دارفور.
المعارضة المسلحة في كل الدنيا لا يتم التعامل معها إلا بالحسم العسكري، ليس هناك من دولة عاقلة تتسامح مع عمل معارض مسلح.. كثير ممن تصدى للعمل السياسي في السودان وقع في خطيئة الخلط بين الدولة والحكومة فتستحيل الفواصل بين الاثنين إلى سراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
قراءة أولية لسيناريوهات الفائدة
في الأسابيع التي سبقت اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هذا الأسبوع، شهدت التوقعات تقلبات غير معتادة. فقد تأرجحت... اقرأ المزيد
78
| 07 ديسمبر 2025
الإسلام منهج إصلاح لا استبدال
يُتهم الإسلام زورًا وبهتانًا بأنه جاء ليهدم الدنيا ويبنيها من جديد، أو أنه جاء ليسبح بالبشرية عكس اتجاه... اقرأ المزيد
276
| 07 ديسمبر 2025
توم باراك والهندسة الخفية لإعادة ترتيب النفوذ - 1
في عالمٍ تتزاحم فيه القوى الدولية فوق خرائطنا، وتتداخل فيه خيوط الاقتصاد والسياسة والأمن في نسيجٍ واحد، لا... اقرأ المزيد
135
| 07 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
3801
| 05 ديسمبر 2025
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله في ميادين العمل القانوني، حيث بدأت العديد من مكاتب المحاماة في مختلف الدول تستعين بتطبيقاته. غير أن هذه الاستعانة قد تثير، في بعض الأحيان، إشكالات قانونية حول مدى الاستخدام المنضبط لهذه التقنيات، ولا سيما عند الاعتماد على مخرجاتها دون التحقق من صحتها ودقتها، وهو ما تجلى بوضوح في حكم حديث صادر عن محكمة قطر الدولية، حيث تصدت فيه المحكمة لهذه المسألة للمرة الأولى في نطاق قضائها. فقد صدر مؤخراً حكم عن الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، (المعروفة رسمياً باسم محكمة قطر الدولية)، في القضية رقم: [2025] QIC (F) 57 بتاريخ 9 نوفمبر 2025، بشأن الاستخدام غير المنضبط وسوء توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل القانوني. وقد ورد في حيثيات الحكم أن أحد المترافعين أمام المحكمة، وهو محامٍ يعمل لدى أحد مكاتب المحاماة المقيدة خارج دولة قطر، كما هو واضح في الحكم، قد استند في دفاعه إلى أحكام وسوابق قضائية نسبها إلى المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. غير أن المحكمة، وبعد أن باشرت فحص المستندات والتحقق من الوقائع، تبين لها أن تلك السوابق لا وجود لها في سجلاتها الرسمية، ولم تصدر عن أي من دوائرها، وأن ما استند إليه المترافع إنما كان من مخرجات غير دقيقة صادرة عن أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المدمجة في أحد محركات البحث الإلكترونية المعروفة، والتي عرضت أحكاما وسوابق قضائية وهمية لا أصل لها في الواقع أو في القضاء.وقد بينت المحكمة في حيثيات حكمها أن السلوك الذي صدر عن المحامي، وإن بدا في ظاهره خطأ غير مقصود، إلا أنه في جوهره يرقى إلى السلوك العمدي لما انطوى عليه من تقديم معلومات غير صحيحة تمثل ازدراء للمحكمة. وقد أشارت المحكمة إلى أنه كان بوسع المحامي أن يتحقق من صحة السوابق والأحكام القضائية التي استند إليها لو أنه بذل العناية الواجبة والتزم بأدنى متطلبات التحقق المهني، لا سيما وأن جميع أحكام المحكمة متاحة ومتوفرة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي. وانتهت المحكمة إلى أن ما صدر عن المحامي يُشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (35.2.5) من القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال لسنة 2025، والتي نصت على أن إعطاء معلومات خاطئة أو مضللة يُعد مخالفة تستوجب المساءلة والجزاء. كما أوضحت المحكمة أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بوجه عام، في ميدان التقاضي هو أمر مرحب به لما يوفره من نفقات على أطراف الدعوى، ويُسهم في رفع كفاءة الأداء متى تم في إطاره المنضبط وتحت رقابة بشرية واعية. إذ إن الاعتماد عليه دون تحقق أو مراجعة دقيقة قد يفضي إلى نتائج غير محمودة. وقد أشارت المحكمة إلى أنها المرة الأولى التي يُستأنس فيها أمامها بأحكام منسوبة إليها لم تصدر عنها في الأصل، غير أنها أوضحت في الوقت ذاته أنّ مثل هذه الظاهرة قد ظهرت في عدد من الدول على خلفية التوسع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني. وفي هذا الإطار، أشارت المحكمة إلى ما قضت به محكمة بولاية نيويورك في قضية Mata v. Avianca Inc (2023)، إذ تبين أن أحد المحامين قدم مذكرات قانونية اشتملت على أحكام وسوابق مختلقة تولدت عن استخدام غير دقيق لتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أشارت المحكمة إلى حكم آخر صادر عن محكمة بالمملكة المتحدة في قضية Ayinde v. Haringey (2025)، والذي أكد على وجوب المراجعة البشرية الدقيقة لأي نص قانوني أو سابقة قضائية يُنتجها الذكاء الاصطناعي قبل الاستناد إليها أمام القضاء، باعتبار ذلك التزاماً مهنياً وأخلاقياً لا يجوز التهاون فيه.كما لفتت المحكمة إلى أن ظواهر مماثلة قد لوحظت في بعض القضايا المنظورة أمام المحاكم في كندا وأستراليا، ويُظهر ذلك اتساع نطاق هذه الظاهرة وضرورة إحاطتها بضوابط مهنية دقيقة تكفل صون نزاهة الممارسة القانونية واستقلالها. وقد بينت المحكمة أنها بصدد إصدار توجيه إجرائي يقضي بأن الاستناد والإشارة إلى أي قضية أو مرجع أمام المحكمة في المستقبل دون التحقق من صحته أو من مصدره يُعد مخالفة تستوجب الجزاء، وقد يمتد أثرها إلى إعلان اسم المحامي ومكتبه في قرار المحكمة. وفي تقديرنا، يُعد هذا التوجه خطوة تُعزز مبادئ الشفافية، وتُكرس الانضباط المهني، وتُسهم في ردع أي ممارسات قد تمس بنزاهة الإجراءات القضائية وسلامة العمل القانوني. وفي الختام، نرى أن حكم محكمة قطر الدولية يُشكل رسالة مفادها أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فإن أُحسن توظيفه كان عوناً في البحث والتحليل والاستدلال، أما إذا أُطلق دون رقابة أو وعي مهني، فقد يُقوض نزاهة التقاضي بين الخصوم ويُعد مساساً بمكانة المحكمة ووقارها.
2664
| 30 نوفمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1701
| 04 ديسمبر 2025