رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ربما اختار الدكتور التيجاني سيسي رئيس السلطة الانتقالية في دارفور التوقيت الخاطئ ليضيء الإشارة البرتقالية محذرا من (تلكؤ) الحكومة السودانية في الإيفاء بتعهداتها لصندوق إعمار دارفور والبالغة 200 مليون دولار.. وكان سيسي يخاطب البرلمان السوداني بشأن سير إنفاذ وثيقة سلام دارفور، وشدد الرجل على أن المال يشكل حجر عثرة في انطلاق السلطة الانتقالية.. الحكومة السودانية تعيش وضعا حرجا بسبب حربها مع دولة جنوب السودان التي استولت على مدينة هجليج النفطية التي تشكل ركيزة مهمة من ركائز الاقتصاد السوداني.. صحيح أن الجيش السوداني طرد قوات الجيش الشعبي بعد احتلال دام (10) أيام، إلا أن دمارا مريعا أحدثته القوات الغازية في المدينة حيث تم تدمير البنية التحتية لإنتاج النفط بالكامل.. منطقة هجليج تضم حوالي (70) بئرا نفطية تنتج (65) ألف برميل يوميا، أي أكثر من (50%) من كامل إنتاج البلاد البالغ (115) ألف برميل وهو الإنتاج المتبقي للخرطوم بعد انفصال جنوب البلاد في يوليو من العام الماضي.. إذن تواجه الحكومة السودانية مشكلة معقدة، وعليها أخذ الإشارة المضاءة بكامل الجدية حتى لا تتحول إلى اللون الأحمر ومن ثم ينفرط العقد.. سيسي أيضا قال إنه يرفض أن تعامل سلطة دارفور كوحدة حكومية تستجدي المال من وزارة المالية، مع العلم أن وزير المالية أحد أبناء دارفور.. فالرجل يواجه صعوبات تقعده عن تنفيذ المشروعات التي بشّر بها مواطنو الإقليم.. وفي مفارقة تشبه جدلية (البيضة ـ الدجاجة) يقول سيسي إن عون المانحين الدولي والإقليمي في إعمار دارفور مرهون بالتزام الحكومة السودانية بتسديد المبلغ القاعدي البالغ 200 مليون دولار. على الأرض حدث تقدم كبير واستقرت الأوضاع الأمنية لكن لسان حال سيسي يقول ليس بالأمن وحده يعيش إنسان دارفور، فالحاجة إلى المال ماسة وملحة الأمر الذي يلقي مسؤولية كبيرة على الخرطوم والوسطاء ولابد أن يتفق الجميع على حل جدلية (البيضة والدجاجة).. على الوسطاء والمانحين أن يضعوا في اعتبارهم المستجدات التي غلّت يد الحكومة السودانية ولم تكن في الحسبان ومساعدتها على توفير المال اللازم.. النجاح الذي تحقق يحتاج لحراسة وصيانة لتمضي وثيقة الدوحة قدما.. إعلان مسؤول كبير في الأمم المتحدة أمس الأول الخميس أن الأمم المتحدة تنوي خفض عناصر قوة حفظ السلام في دارفور بنسبة تفوق 20%، يشير للتحسن الأمني الذي حدث مما دعا ارفيه لادسو مسؤول عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام بتوصية مجلس الأمن الدولي بخفض القوة المشتركة مع الاتحاد الإفريقي بواقع 3260 رجلا من أصل 17 ألفا و700 جندي. قبل حوالي شهرين وفي ندوة سياسة كبرى نظمها الاتحاد العام للصحفيين السودانيين شارك فيها سيسي كمتحدث رئيسي لاحظ الجميع تلك الإرادة والثقة المطلقة التي أبداها الدكتور سيسي فتحدث عن آخر تطورات الأوضاع في دارفور خاصة بعد أن تسلم سلطة دارفور وحينها رسم لوحة دارفورية مستخدما ألوانا رئيسية، هي ألوان السلام والتفاؤل والانشراح.. لكن تحدث الرجل في الوقت نفسه بإشفاق ممزوج بالتحدي موضحا أن مشوار التفاوض كان شاقا إلا أن مشوار إنفاذ اتفاق الدوحة هو الأكثر صعوبة ومشقة.
464
| 28 أبريل 2012
عجبا انتبه المتنفذون في الخرطوم أخيرا لأهمية صياغة استراتيجية للتعامل مع دولة جنوب السودان!!.. فقد تم تكوين لجنة أخيرا برئاسة مستشار الرئيس عمر البشير تضم كبار المفكرين لإعداد استراتيجية ووصف الأمر بالعاجل؟! للتعامل مع دولة جنوب السودان.. بعد وقوع منطقة هجليج النفطية الاستراتيجية في قبضة الجيش الشعبي التابع لدولة الجنوب انتبهت الحكومة إلى أن الأمر يحتاج لاستراتيجية؟!.. ولا حرج على اللجنة في أن تأخذ وقتها وتعقد الاجتماع تلو الاجتماع، ويعاد كلام كل اجتماع لمن يأتي متأخرا وتستمر عملية (اللت والعجن)، وبعد أن تحتل الحركة الشعبية الخرطوم تكون اللجنة قد فرغت من عملها واستراتيجيتها التي (ما تخرش المية).هل أدركتم لماذا أُحتلت هجليج؟.. عبثية التفاوض والحرب هذا هو العنوان المناسب لما جرى ويجري بسبب غياب الرؤية والاستراتيجية الواضحة للتعامل مع ما يفترض أنها أهم دولة مجاورة.. بدون مقدمات وبطريقة درامية وبينما كانت كلمات الغزل تنساب بين الخرطوم وجوبا يعلن سلفاكير أمام أعلى هيئة قيادية للحركة الشعبية الحاكمة في جوبا أن قواته قد احتلت منطقة هجليج.. هرج ومرج وصيحات ابتهاج عالية أعقبت ذلك الإعلان المستفز والغريب.. وجه الغرابة أن سلفاكير يعترف أمام العالم بأنه أقدم على احتلال أراض دولة أخرى ذات سيادة.. سلفاكير كان قد بعث بوفد وزاري رفيع المستوى إلى الخرطوم يحمل دعوة منه للرئيس عمر البشير لزيارة جوبا والاحتفال بالتوقيع النهائي على ما عرف باتفاق الحريات الأربع الذي كان قد وقع بالأحرف الأولى بين وفدي البلدين في أديس أبابا بأثيوبيا في وقت سابق.. وفد سلفاكير قوبل بترحاب حكومي كبير ووجد رئيس الوفد الجنوبي باقان أموم وهو الأكثر تشددا تجاه الخرطوم احتفاء زائدا وكرما لم يعرفه حاتم الطائي.. ليس من سبيل إلا وصف قضية التفاوض والحرب بين البلدين بالعبث.. في الخرطوم انقلبت أجواء الغزل بين ليلة وضحاها إلى حديث غاضب وقرار جمهوري بتشكيل لجنة عليا برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه للتعبئة والاستنفار وربط الأحزمة لمواجهة جوبا. ومثلما يجر التنفيذيون خيبات الأمل على الجمهور، فإن البرلمانيين يفعلون الشيء نفسه.. إن أقوى دليل على رسوخ العملية الديمقراطية، أن نشاهد برلمانا قويا صاحب زئير وصولات وجولات.. جمهور الناخبين السودانيين لا يرغبون في رؤية نمرا من ورق يدخل إليه الوزراء والمتنفذون وكأنهم داخلون إلى منتزه للتنزه والاسترخاء.. لن يقنع الشارع بالأصوات الجهيرة ولا تطربه البيانات المرصعة ببليغ القول.. الشارع يريد نمرا بل أسدا حقيقيا تفر من زئيره الجبابرة من الوزراء والمسؤولين.. حملت أخبار الخرطوم أن البرلمان هاجم وزير الداخلية وانتقد أداء وزارته في قضايا المخدرات والوجود الأجنبي حتى أنه وصفها بالضعيفة بل انتقد سياستها تجاه منسوبيها الذين يعانون الأمرين من ضعف رواتبهم.. أبرز نقاط الانتقاد الارتفاع الخطير في حوادث المرور حتى أن السودان يأتي في صدارة الدول من حجم هذه الحوادث المميتة وزعمت سامية أحمد نائبة رئيس البرلمان أن من يموتون بسبب الحوادث أكثر من الذين يموتون بسبب الحرب!!.. وزير الداخلية الذي تصبب عرقا وهو يكابد الهجوم على تقريره وتحاشى الرد المباشر وتحول بسرعة لانتقاد قانون الصحافة والمطبوعات حيث أشار إلى أن هذا القانون عاجز عن كبح جماح الصحف الاجتماعية التي يرى أنها تتناول أخبار الجريمة بطريقة سلبية ربما تسهم في زيادة حجم الجرائم!!.. لا أعتقد أن وزير الداخلية جزء من الحملة التي تستهدف نزع السجل الصحفي من اتحاد الصحفيين عبر تعديل قانون الصحافة لكن الرجل ربما أراد التخفيف من الهجوم عليه والهروب إلى الأمام والعبور عبر (الطوفة الهبيطة).. رغم قناعتي بمبررات هجوم البرلمان على تقرير وزير الداخلية إلا أن (الزوبعة) ستنتهي بانتهاء الجلسة ويعود الوزير لمكتبه ويتناول المشروبات الباردة التي ستعوضه فاقد السوائل جراء العرق الذي تصبب هدرا؟!، بينما يظل نمر الورق نهبا لرياح حيرة ودهشة الناخبين.
609
| 21 أبريل 2012
لأول مرة منذ انفصال جنوب السودان في يوليو من العام الماضي تضع الحركة الشعبية المتنفذة في دولة جنوب السودان الوليدة حكومة الرئيس عمر البشير في امتحان عسير.. تحد (سافر) أقدمت عليه جوبا ودخلت بقوات (تقدر بحوالي 11 ألف جندي)، إلى منطقة هجليج النفطية، (70) كيلو مترا داخل حدود السودان وأعلنت احتلالها بالكامل وتوقف العمل في حوالي (70) بئرا نفطية، وتنتج المنطقة ما يقارب (65) ألف برميل يوميا أي أكثر من نصف إنتاج السودان البالغ (115) ألف برميل في اليوم وهي الكمية التي ظلت الخرطوم تنتجها بعد الانفصال حوالي (30%) من إجمالي إنتاج سودان ما قبل الانفصال. غضب عارم عم الأوساط الشعبية في الخرطوم ورسائل (SMS) انتشرت تطالب بإقالة وزير الدفاع الذي يحتفظ بعلاقة (خاصة) مع الرئيس البشير.. التساؤل المرير كيف عجزت وزارة الدفاع عن رصد تحركات (11) ألفا من قوات الجيش الشعبي بيد أن رئيس دولة الجنوب سلفاكير أعلن صراحة أنه سوف يحتل هجليج.. الكثيرون ما زالوا يحمّلون وزير الدفاع وصول قوات حركة العدل والمساواة في مايو من العام 2008م إلى أم درمان غرب العاصمة الخرطوم، صحيح أنها كانت مغامرة وصفها البعض بالغباء خاصة بعد الخسائر الضخمة التي تكبدتها الحركة، إلا أن ذلك أبان خللا كبيرا في المنظومة الأمنية والعسكرية.. الجيش الثالث في إفريقيا يعجز عن صد عدوان معلوم مسبقا أمر أثار حفيظة الأوساط الشعبية وطرح تساؤلات جدية حول أداء وزير الدفاع الفريق عبد الرحيم محمد حسين وهو من الوزراء الأطول بقاء خلال العقدين الماضيين.. هل تتم مساءلة الوزير بشكل جدي أم أن الأمر سيمر مرور الكرام كما حدث في مايو 2008م؟!. ربما يكابر البعض ويتحدث عن أن الخرطوم قد كسبت المعركة الدبلوماسية، استنادا إلى (الاستنكار) الدولي لما حدث ومطالبة مجلس الأمن لجوبا بالانسحاب من المنطقة المحتلة وكذلك الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.. لكن (الإهانة) التي تعرضت لها الخرطوم لا تزيلها البيانات الدولية مهما كانت لغتها قوية، ومنذ متى كان مجلس الأمن جادا؟ وسوريا أقرب مثال لطغيان المصالح الخاصة لأعضاء المجلس على مبادئ القانون الدولي.. عربيا، صحيح أن إدانة صريحة صدرت من مجلس التعاون الخليجي إلا أن خيبة أمل عظيمة أصابت الخرطوم من الموقف المصري.. السفير محمد مرسي مساعد وزير الخارجية االمصري لشئون السودان قال فى تصريح: "إن مصر تدعو الطرفين إلى ضبط النفس وتجنب أعمال العنف واحترام الحدود والالتزامات وفقا لاتفاقية السلام الموقعة بين الدولتين والعمل على تهيئة مناخ يناسب استئناف الحوار فيما بينهما".. فالاعتداء واضح وسافر بل أن مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي قد رفعا الحرج عن كل متردد وأدانا جوبا فما بال الخارجية المصرية هكذا تردد بعض الأوساط السودانية. ليس أمام حكومة الخرطوم إلا القيام بعمل عسكري يعيد سيطرتها على هجليج لأن ذلك الضامن الوحيد لشرعيتها.. لأن تحدي جوبا قائم بإصرار سلفاكير الذي قال مستخفا: "اتصل بي الأمين العام للأمم المتحدة وطلب مني الانسحاب من هجليج فقلت له لن أفعل وأنا لا أعمل تحت إمرتك". ولاحقا أعلنت جوبا لائحة شروط محددة، على الخرطوم الموافقة عليها قبل سحب قواتها من منطقة هجليج ومنها أن تمنح الخرطوم منطقة أبيي لقمة سائغة لجوبا، وهددت حكومة الجنوب بأن جيشها سيدخل أبيي "عنوة" كما دخل هجليج في حال لم ينسحب الجيش السوداني!!. إن احتلال هجليج أمر عظيم سيكون له ما بعده.. صحيح أن المؤشرات تشير إلى تمكن الجيش السوداني من استعادة المنطقة المحتلة (قريبا)، لكن بأي ثمن؟ وإلى متى ستبقى حالة الكر والفر بين جوبا والخرطوم؟ وما سر طغيان حالة التحدي السافر التي تعتري جوبا؟ أين إسرائيل مما يجري؟.
843
| 14 أبريل 2012
أتيحت لنا نحن مجموعة من الصحفيين السودانيين الجلوس و(الدردشة) مع رابع مرشح للرئاسة في مصر، الفريق أحمد حسام خير الله الذي يزور الخرطوم هذه الأيام زيارة وصفت بأنها خاصة لحضور احتفالات إحدى الطرق الصوفية في السودان.. معلوم أن الفريق أحمد حسام كمال حامد خير الله، وشهرته حسام خير الله، تقدم بأوراق ترشحه، مرشحاً رسمياً عن حزب السلام الاجتماعي.. الجلسة أبانت انزعاج الرجل من تصاعد ما يعرف بالتيار الإسلامي في مصر ورأيه السلبي فيه.. حسام قال إن نسبة الأمية في مصر تصل إلى 30% معتبرا أن ذلك يفسر نتيجة الانتخابات الأخيرة في مصر أي أنه يرى أن تزايد أعداد السلفيين في البرلمان الحالي بسبب ارتفاع نسبة الأمية!! الرجل صاحب خلفية عسكرية وهو الوكيل السابق لجهاز المخابرات العامة، ولم يكن مستغربا إعلان أنصار حملة اللواء عمر سليمان آخر رئيس لجهاز المخابرات المصري قبل الثورة، الانضمام لحملة الفريق خير الله، وذلك بعد أن حسم سليمان موقفه بأنه لن يخوض انتخابات الرئاسة.. حتى أن المكتب الإعلامي لحسام خير الله أشار إلى أن انسحاب سليمان أسهم في ازدياد أنصار خير الله لدرجة كبيرة. أعتقد أن الرجل لا يريد ما يعرف بالإسلام السياسي وفي مقابل ذلك يسعى لمحاربته عبر دعم نوع آخر من الإسلام – إن جاز التعبير - وهو الإسلام المدجن أو البعيد عن السياسة، فهو يسعى بصورة أو أخرى لشكل من أشكال العلمانية بإبعاد الدين عن الحياة السياسية على عكس ما تشتهي التيارات الإسلامية.. خير الله الذي جاء إلى الخرطوم خصيصا لحضور احتفالات إحدى الطرق الصوفية في السودان، قال من قبل في تصريحات صحفية: (إن حالة الفساد الأخلاقي المنتشرة حالياً أحد أسبابها تقصير الدعاة وخروج دعاة جدد في المجتمع المصري يهتمون بالدعوة إلى تياراتهم أكثر، مما يهتمون بالدعوة).. إذا يريد خير الله إطارا وأسلوبا معينا للإسلاميين لا يقربون السياسة البتة. عموما كان جو (الدردشة) أريحيا تناول علاقات الشعبين في البلدين.. الجميع اتفقوا على ضرورة مغادرة المحطة العاطفية في علاقات البلدين.. إذ إن الحديث (الكلاسيكي) بشأن أن مصر امتداد طبيعي للسودان وكذا السودان امتداد طبيعي لمصر، قد حان الوقت لأن يتم تجاوز تلك المحطة إلى محطة الفعل الحقيقي.. آمال وأحلام الشعبين في تحقيق التكامل الذي أصبح ضرورة ملحة؛ لاشك أنها متسوّرة بأسوار العقلانية والموضوعية.. أول رئيس يزور مصر بعد الثورة كان الرئيس السوداني عمر البشير، وكانت أول زيارة خارجية يقوم بها رئيس الوزراء المصري بعد الثورة إلى السودان.. اتفق معنا الرجل على حرج الموقف الأمني في مصر.. إن خوفي أن تتحول بعض الثورات إلى حالة فوضوية دائمة، لا الثوار يبلغون أهدافهم ولا النظم المتشبثة تنهار وتنـزوي وتتحول المنطقة برمتها إلى حالة من الفوضى تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من ترتيب أوضاع المنطقة وفقا لمصالحها وإستراتيجيتها.. هدف ما يعرف بنظرية الفوضى الخلاقة في العقل السياسي الأمريكي ليس إزالة الدولة إزالة تامة بل المطلوب إعادة تأهيلها على نحو يخدم مصالح أمريكية إستراتيجية.. فالدولة مستهدفة في بقائها لا زوالها بشرط خضوعها لإعادة تأهيل تخدم الغايات الأمريكية.. ما نراه اليوم في العراق دليل إشارة ودليلا قويا على نظرية الفوضى الخلاقة. "الفوضى الخلاقة" مصطلح صمم في معهد "أمريكان إنتربرايز" وهو قلعة المحافظين الجدد، يلخص إستراتيجية كاملة أعدت للمنطقة العربية، تهدف إلى إجراء "حملة طويلة من الهندسة الاجتماعية" تفرض بالقوة.. مايكل ليدن، العضو البارز في المعهد، يقول: "إن الوقت قد حان لكي تصدر الثورة الاجتماعية من أجل إعادة صياغة المنطقة العربية ليس عبر تغيير النظم فقط، بل والجغرافية السياسية كذلك، انطلاقاً من رؤية خاصة تقود إلى "تصميم جديد لبناء مختلف"!! لقد فوجئت الولايات المتحدة الأمريكية بسقوط الأنظمة الموالية لها في المنطقة مثل قطع الدومينو.. قبيل سقوط أول الأنظمة المنهارة وقد كان النظام التونسي، كانت الافتراضات الأمريكية تقول: إن الأنظمة الحليفة قوية جدا وعلى استعداد لنشر أجهزة أمنها لغرس الخوف واستخدام القوة إذا لزم الأمر.. والجماهير خائفة وأملها ضئيل جدا في تحدي هذه الأنظمة.. تلك الافتراضات أعلن عنها أحد دهاقنة السياسة الخارجية الأمريكية.. دينيس روس أقر وفي محاضرة طويلة ألقاها في مؤتمر رابطة مكافحة التشهير في واشنطن بأن الولايات المتحدة تفاجأت بالأحداث التي تشهدها المنطقة، وقال بلغة الخائف والمتوجس أنها "تحمل في طياتها فرصا هائلة ومخاطر كبيرة".. (الفرص الهائلة) ليس من بينها بالطبع نشر الديمقراطية والسلام ولكن هي الفوضى الخلاقة التي من خلالها تفتيت الدول وجعلها شذرا مذرا.
538
| 07 أبريل 2012
بدون مقدمات وبطريقة درامية وبينما كانت كلمات الغزل تنساب بين الخرطوم وجوبا يعلن رئيس دولة جنوب السودان أمام أعلى هيئة قيادية للحركة الشعبية الحاكمة في جوبا أن قواته قد احتلت منطقة هجليج البترولية (7 كيلو مترات داخل حدود السودان من جهة الجنوب).. هرج ومرج وصيحات ابتهاج عالية أعقبت ذلك الإعلان الغريب.. وجه الغرابة أن سلفاكير يعترف أمام العالم بأنه أقدم على احتلال أراض دولة أخرى ذات سيادة، والأمر الثاني تأكيده على أنها أرض سودانية بينما تيارات داخل الحركة تعتبرها أراض تابعة لدولة جنوب السودان.. سلفاكير كان قد بعث بوفد وزاري رفيع المستوى إلى الخرطوم يحمل دعوة منه للرئيس السوداني عمر البشير لزيارة جوبا والاحتفال بالتوقيع النهائي على ما عرف باتفاق الحريات الأربع الذي كان قد وقع بالأحرف الأولى بين وفدي البلدين في أديس أبابا بإثيوبيا في وقت سابق.. وفد سلفاكير قوبل بترحاب حكومي كبير ووجد رئيس الوفد الجنوبي باقان أموم وهو الأكثر تشددا تجاه الخرطوم احنفاء زائدا أثار حفيظة المعارضين لأي تقارب مع جوبا. لاشك أن ما يجري بين الخرطوم وجوبا لا يحتاج لمجرد تحليل أو تفسير بل يحتاج لـ(كونسورتيوم) يجمع أساطين العلوم السياسية لفك طلاسمه.. ليس من سبيل إلا وصف قضية التفاوض والحرب بين البلدين بالعبث.. في الخرطوم انقلبت أجواء الغزل بين ليلة وضحاها إلى حديث غاضب وقرار جمهوري بتشكيل لجنة عليا برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه للتعبئة والاستنفار وربط الأحزمة لمواجهة جوبا التي اعتبرت الخرطوم أن ما صرح به سلفاكير بمثابة إعلان حرب.. خلال (24) ساعة كان وزير النفط السوداني في منطقة هجليج يتجول بين عمال الشركات العاملة وكأن شيئا لم يكن، كاميرات التلفزة نقلت صورا لبعض الآليات العسكرية المحترقة ولكنها بعيدة كل البعد عن المدينة والمنشآت النفطية.. وكالة رويترز نقلت عن مراسلها الذي شارك في جولة نظمتها الحكومة السودانية في حقل نفط هجليج عقب الأحداث مباشرة قوله إنه لم يشاهد أي علامة على اشتباكات لكن الوجود الأمني كان كثيفا وقام جنود وشاحنات خفيفة مزودة بمدافع رشاشة بحراسة المنطقة.. (الزوبعة) التي أثارها سلفاكير وما تبعها من ردود فعل للحكومة السودانية تحكي بأسى الحالة العبثية التي تتربص علاقة البلدين.. فلا هناك احتلال لمدينة هجليج من جانب جوبا ولا هناك من داع لحالة الاستنفار الحربي عالية الدرجة في الخرطوم. المجتمع الدولي كذلك ولشيء في نفس يعقوب خاض مع الخائضين.. الولايات المتحدة توجه سهام الاتهام إلى الخرطوم وتركب موجة اتهامات جوبا للخرطوم بقصف ولاية الوحدة في دولة الجنوب وهي اتهامات من طرف واحد لم تعترف بها الخرطوم مثلما الحال في جوبا حين (تبرع) سلفاكير وأقر باحتلال مدينة هجليج وهو ما لم يحدث.. الاتحاد الإفريقي طالب الطرفين بسحب قواتهما من مناطق التماس متجاهلا ما أعلنه سلفاكير معترفا على نفسه باحتلال أراض دول ذات سيادة عضو في الاتحاد الإفريقي.. الجامعة العربية بالطبع غارقة في الملف السوري رغم أنه اختطف وأصبح ملفا أمميا واكتفت في قمتها الأخيرة ببغداد بالحديث المعمم في بيانها الختامي فيما يتعلق بالسودان رغم حضور الرئيس البشير للقمة في ظل مخاطر حقيقية تحيط بتحركاته خارج بلاده.. مكتب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اكتفى ببيان عبر فيه عن (قلقه العميق) بشأن هذه الاشتباكات العسكرية وحث الطرفين على الاستغلال الكامل للآليات السياسية والأمنية القائمة لمعالجة خلافاتهما بطريقة سلمية. واشنطن تريد وبكل صراحة إسقاط النظام في الخرطوم عبر الضغط الاقتصادي وإخراج الصين من البترول سواء في الجنوب أو الشمال.. جوبا مستعدة وباستمرار لأن تكون رهن إشارة واشنطن ومخلب قط لتحقيق الهدف الأمريكي المعلن.. الخرطوم مرتبكة وليس لديها استراتيجية واضحة للتعامل مع جوبا سلما أو حربا وتتنازعها تيارات داخلية مختلفة بشدة حول طريقة التعامل مع جوبا. رغم توقيع البلدين على اتفاقية عدم اعتداء وأخرى بخصوص الجنسية وثالثة بشأن إعادة ترسيم الحدود فلا توجد مؤشرات تذكر لاستعداد أي منهما لتقديم تنازلات ويستمر مسلسل العبث. وأوقف جنوب السودان إنتاجه من النفط الذي يبلغ 350 ألف برميل يوميا للحيلولة دون مصادرة السودان لأي كميات من الخام مقابل رسوم تقول الخرطوم إنها لم تسدد. ويصدر معظم النفط إلى الصين.
578
| 31 مارس 2012
يبدو أن معركة كسر العظم قد اشتعل أوارها بين الاتحاد العام للصحفيين السودانيين والمجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية.. السجل الصحفي هو محور الصراع بين الاثنين، بيد أن عملية تنظيم تسجيل الصحفيين ومنحهم السجل الصحفي (رخصة ممارسة المهنة) هي من سلطة الاتحاد الذي آلت إليه مع صدور قانون الصحافة والمطبوعات الحالي الصادر في العام 2009م بعد سنين عدد وطول اغتراب ظل خلالها السجل الصحفي (معتقلا) لدى المجلس الذي هو هيئة حكومية يتم تعيين رئيسه وأمينه العام وعدد من أعضائه بقرار جمهوري يصدره رئيس الجمهورية.. هناك اتفاق على تعديل قانون الصحافة الحالي وتنعقد لجنة مشتركة بين الاتحاد والمجلس والبرلمان لتقديم مقترحات التعديل، إلا أن كل طرف يريد تقديم التعديلات التي تروق له وتخدم معركته ضد الطرف الآخر.. المجلس يريد تعديلات تفضي إلى نزع السجل من الاتحاد، بينما يريد الاتحاد تعديلات تمنع جهاز الأمن من مصادرة وإغلاق الصحف استنادا إلى أن قانون الصحافة والمطبوعات هو المرجعية الوحيدة التي تنظم عمل الصحافة.. في تطور مفاجئ أعلن اتحاد الصحفيين انسحابه من اللجنة متهما المجلس بتضمين مقترح سحب السجل الصحفي من الاتحاد من وراء ظهره (مستغفلا) أعضاء اللجنة من البرلمان وأصدر الاتحاد بيانا (ناريا) عقب اجتماع عقده المكتب التنفيذي جاء فيه أن الاتحاد يؤكد تأييده التام لموقف قيادة وأعضاء الاتحاد في لجنة صياغة قانون الصحافة بالبرلمان بالانسحاب من أعمال اللجنة طالما أن المشاركة تعرض حقوق الصحفيين ومكتسبات اتحادهم للهدر.. وجدد الاتحاد ما اعتبره موقفا ثابتا ومبدأ مناهضا لإغلاق ومصادرة الصحف وتشريد الصحفيين وتعريض حقوقهم للضياع.. وطالب الاتحاد وزارة العدل بعدم التراجع عن المنشور الصادر في العام 2002م بمركز قضايا النشر في مرحلتي النيابة والمحاكمة وأعلن مناهضته توسعة نيابات ومحاكم الصحافة بالولايات، معتبرا ذلك بمثابة سيف مسلط على الحرية الصحفية كما طالب بأن تكون قضايا النشر قضايا مدنية وليست ذات طابع جنائي. الكثيرون يرون أن من واجب المجلس معالجة الاختلالات التي تمسك بتلابيب واقع الصحافة السودانية بدلا عن التنازع مع الاتحاد في حق أصيل باعتباره اتحادا مهنيا ويسري عليه ما يسري على الاتحادات المهنية الأخرى وكذلك نظرائه في الدول المجاورة.. يشار إلى أن الاتحاد الدولي للصحفيين قد يسحب اعترافه باتحاد الصحفيين السودانيين في حال انتصار الحكومة ممثلة في المجلس القومي للصحافة في معركة نزع السجل من الاتحاد.. ليس بالضرورة أن يمهد مجرد استكمال الاجراءات القانونية والشروط المهنية الطريق لإصدار صحيفة أو مجلة فالأمر ليس هكذا؛ فكرة أو رغبة جامحة تُسيطر على شخص أو مجموعة أشخاص ويقررون بين ليلة وضحاها إصدار صحيفة يدفعهم حماس ضاري.. فالصحافة أصبحت صناعة مكلفة وتحديا تشفق من حمله الجبال.. لأن الشعب السوداني شعب مثقف وقارئ نهم فإن أغلب الصحف تقوم وتتأسس على الرغبة الجامحة والتشجيع المعنوي أكثر من كونها تقوم على أسس اقتصادية متينة تضمن استمراريتها وعدم توقفها أو تدهور خدمتها الصحفية.. لذلك نجد أن المجلس القومي للصحافة والمطبوعات صادق خلال في دورة سابقة له على إصدار أكثر من (60) صحيفة ومجلة تغطي مختلف ضروب العمل الصحفي، سياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، ورياضيا. هموم الصحافة تؤرق الصحفيين وتقض مضاجعهم بشكل يومي.. يقول الصحفيون لا تغرنكم ابتساماتنا رغم كل الصعاب.. القارئ يعيش مع الصحفيين في السودان عنت الحياة واللهث اليومي وراء لقمة العيش.. لولا ذلك لما كان نصيب القارئ السوداني فقط نسخة واحدة لكل 125 شخصا بينما على سبيل المثال في مصر نسخة لكل 25 شخصا وفي قطر نسخة لكل 7 أشخاص. إن من أهم العقبات التي تواجه الصُحفي هنا في السودان تجاهل الاعتراف به وبدوره وبحقه في أن يسأل وأن يستوضح وأن يُناقش المعلومات التي يتلقاها. هذا إذا وجد من يستقبله ويستمع إليه أو يعطيه معلومة تكشِف عن "الحدث". كان للصحافة السودانية دور مشهود ومقدر عبر تاريخ البلاد.. قامت الصحافة بوظيفتها في الإخبار والشرح والتحليل والتفسير والحفز والدفع والمبادأة والمراقبة والتنبيه.. النبهاء من السياسيين تيقظوا لأهمية الصحافة، فالسياسي النبيه استطاع إقناع الصحافة بأن خططه وبرامجه يمكن أن تصبح أهدافا تتبناها.. والفهم الصحيح يقود إلى قناعة تامة بأن الصحافة هي رسالة، والصحافة المطلوبة في مجتمعنا هي صحافة الكلمة الطيبة.. والوعاء النظيف، الذي يسهم في إعادة بناء الإنسان، واسترداد إنسانيته، وتخليصه من العبودية لغير الله.
756
| 24 مارس 2012
جدل واسع استعر في السودان بعد توقيع ما عرف بالاتفاق الإطاري بين جوبا والخرطوم حول الحريات الأربع حيث أقر الاتفاق الذي وقعه ممثلو البلدين في أديس أبابا بمنح الجنوبيين المقيمين بالسودان حق الحصول على كافة الأوراق الثبوتية التي تمكنهم من البقاء في السودان وحق التمتع بالمواطنة بالشمال. أقسى هجوم على الاتفاق شنه منبر السلام العادل وهو حزب شمالي كان يدعو صراحة لفصل الجنوب وأقام المهرجانات فرحا حين وقع الانفصال.. الاتفاق بالنسبة للحزب المتشدد (نكسة) تشبه نكسة العرب في العام 1967م حين هزمت إسرائيل العرب في ذلك العام الذي سمي بعام النكسة.. بيان (عنيف) أصدره الحزب الذي يترأسه خال الرئيس البشير وصاحب الصحيفة الأعلى توزيعا، فقد تضمن البيان عبارات قاسية وجاء في صدر البيان: "إنه الانبطاح يأتينا في ثوب جديد بل إنها نيفاشا (2) وربِّ الكعبة تتسربل بزي آخر وتُبرَم خارج السودان على أيدي ذات الأعداء وإن أتوا بوجوه جديدة تحت الضغط الأمريكي الذي ذُقنا زقُّومه المُر في نيفاشا حيث يتحرّك الكونجرس بنفس الوجوه القديمة مستخدماً نفس العصا". أعتقد أن الاتفاق مستفز لحد بعيد للشعب السوداني خاصة في ظل تعبئة بدأت ضد دولة جنوب السودان التي تخوض حربا بالوكالة ضد السودان في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الحدوديتين.. إنه قفزة متسرعة في ظلام القضايا العالقة التي لم تحسم وهي قضايا مهمة كالنفط والحدود المشتعلة بين الطرفين.. الغريب أن عضو الحركة الشعبية السابق وهو شمالي غازي سليمان المحامي اعتبر أن الحكومة السودانية توقع اتفاقيات قد تصب في مصلحة إسرائيل، وقال إن الاتفاق يمكِّن الموساد من التغلغل في السودان وتنفيذ مخططاته الصهيونية.. وذهب غازي بعيدا ليؤكد بأن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في أديس أبابا تفريط صريح في سلامة واستقرار وأمن واقتصاد ودين وثقافة جمهورية السودان (الشمالي). الفكاهة عنصر أصيل في الأدب السياسي وعبر الفكاهة المصرية وصلتنا الكثير من الرسائل القوية.. من الطُرف والقصص الفكاهية ذات المدلول السياسي العميق التي أفرزتها الثورة المصرية تلك اليافطة التي رفعها بعض المتظاهرين والتي تقول موجهة الكلام للرئيس السابق مبارك (نحن نقابة النجارين نسأل: ما هو نوع الغراء الذي تستخدمه) في إشارة ذكية إلى تمسكه وتشبثه بكرسي الحكم رغم المظاهرات والاحتجاجات العنيفة.. نحن بدورنا نقول للحركة الشعبية التي تحكم دولة الجنوب وهي التي عزفت الألحان وسيرت المسيرات لانفصال الجنوب (ما هو نوع الغراء الذي تستخدمينه؟) عجبت لتمسك الحركة الشعبية بالبقاء في الشمال بأي طريقة واللهث وراء أي مسوغ.. إن المرء ليعجب ويظن تأسيسا على مواقفها العنصرية والعدائية تجاه كل ما هو شمالي أنها سوف تطلق الشمال فور إعلان الانفصال وتدعو مواطنيها في الشمال الذين تقارب أعدادهم مليون نسمة للعودة لجنة دولتهم الجديدة لكن يبدو أن لديها نوعا نادرا من (الغراء) تستحق أن يسجل باسمها (ماركة) خاصة. ما يثير الهواجس فعلا علاقة دولة الجنوب بإسرائيل وحتى قبل الانفصال حين رفض نواب الحركة الشعبية في البرلمان السوداني التصويت على بيان بشأن إدانة مجازر غزة، فلم تكن صور عذاب أطفال ونساء غزة التي ارتفعت وتفوقت على كل خيال تعني الحركة في شيء.. غزة أيتها (الحركة) لم تخسر شيئا لكنك خسرت كثيرا بذلك الموقف المتخاذل. ربما تسعد الخرطوم بترحيب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالاتفاق لكنها قطعا لن تسعد بأي ترحيب داخلي بالاتفاق وربما أضطر الرئيس البشير إلى إلغائه تحت الضغط الإعلامي والشعبي المناوئ مثلما حدث مع ما عرف باتفاق أديس أبابا الذي كان قد أعطى الحركة الشعبيىة قطاع الشمال (متمردي النيل الأزرق وجنوب كردفان وضعا مميزا يحتفظون فيه بقوات عسكرية).
639
| 17 مارس 2012
لم أكن مستوثقا مثلما استوثقت بالأمس القريب من الإرادة والثقة المطلقة التي يتمتع بها الدكتور التيجاني سيسي رئيس السلطة الإقليمية لدارفور ورئيس حركة التحرير والعدالة.. في ندوة سياسة كبرى نظمها الاتحاد العام للصحفيين السودانيين كلفت بإدارتها، كان الرجل متحدثا رئيسا حول آخر تطورات الأوضاع في دارفور خاصة بعد أن تسلم سلطة الإقليم.. الرجل رسم لوحة دارفورية مستخدما ألوانا رئيسة، هي ألوان السلام والتفاؤل والانشراح.. صحيح أن للرجل قدراته الخاصة والكاريزما التي تميزه عن غيره من سياسيي دارفور، بيد أن العلاقات القوية بين الخرطوم والدوحة شكلت أرضية قوية مكنت السيسي من السير عليها بخطوات واثقة.. لقد تولى السيسي من قبل حكم دارفور وعمره 35 سنة كأصغر حاكم لدارفور، وقد عينه الصادق المهدي زعيم حزب الأمة ورئيس الوزراء السوداني آنذاك في ذلك المنصب المهم، وقد اتصفت إدارته حسب مقربين منه بالتوازن بين قبيلته الفور والقبائل الأخرى دون انحياز.. يعلم السيسي بل يفهم جيدا مشكلة دارفور وطبيعتها، فقد تم تعيينه خلفاً للدكتور عبد النبي علي أحمد وذلك على خلفية صراع مسلح انفجر بالإقليم في عهد (الصادق المهدي).. وقبل ذلك تولى السيسي مهام وزارة المالية في إقليم دارفور. في تلك الندوة شخص السيسي الأوضاع في دارفور ببراعة، وتحدث بإشفاق ممزوج بالتحدي موضحا أن مشوار التفاوض كان شاقا إلا أن مشوار إنفاذ اتفاق الدوحة هو الأكثر صعوبة ومشقة.. وتناول السيسي بجرأة سلبيات اتفاقية أبوجا التي رأى أن من سلبياتها أنها لم تستصحب آراء أهل دارفور مثلما الحال في وثيقة حيث برز مصطلح (أهل المصلحة) من زعماء الإدارة الأهلية والنازحون ومنظمات المجتمع المدني.. ويرى أن مدخل في السابق كان جهويا بينما في الراهن كان قوميا. ولعل أبرز ما أشار إليه السيسي في تلك الندوة، وهو ما لفت نظرنا كإعلاميين، تأكيده بأن قضية دارفور أصابتها الكثير من التشوهات نتيجة للتناول الإعلامي الخطأ خاصة في بداية المشكلة.. السيسي أشار بأسى إلى أن الإعلام الخارجي اليوم لا يتناول قضية دارفور رغم أن ما أنجز في ظل السلام يستحق الإبراز.. وشدد السيسي الذي بدا مهموما بدور الإعلام، على أن تنفيذ اتفاق الدوحة لن يتم بطريقة فعالة إلا من خلال خطة إعلامية استراتيجية ونرى من جانبا أن الأمر يحتاج لمشروع مارشال إعلامي يستوعب تلك التشوهات. أشرنا قبل عدة سنوات إلى تلك القرية السعودية المسماة "تلعة نزا" التي نشرت عنها صحيفة الحياة في لندن تقريرا مطولا جاء فيه أنها تقع على مسافة لا تزيد على 40 كيلو متراً عن مدينة ينبع الصناعية، إحدى أهم مدينتين صناعيتين في السعودية حالياً، حيث تعيش في هذه القرية 170 أسرة حياة بعيدة عن تطورات ومجريات القرن الحادي والعشرين.. يمضي التقرير الصحفي يقول: خدمات البنى التحتية الرئيسة تسير ببطء نحوهم، ولم يعد كبار السن فقط في حاجة إلى الضمان الاجتماعي، فشبان في العقدين الثاني والثالث، يرزحون في غياهب الجهل بحاجة أيضاً إلى مثل هذا الضمان. خصوصاً، وأن بعضهم يعيش على الاحتطاب، وآخرين على ما تبقى لهم من مواشٍ لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، ومعظم السكان، الذين بدأ يتقلص عددهم، يعيشون تحت خط الفقر، ويرزحون في ظلمات الجهل، ويعيشون على جمع الحطب، وتربية الأغنام والإبل، والتي بدأت في الهلاك بعد انتشار مرض غير معروف مصدره أو سببه، بيوتهم المصنوعة من الحجارة، بدت كالهياكل ويمكن وصفها بكل شيء إلا بالبيوت، وكذلك الخيام.. لا شك أن نمط الحياة والثقافة المتوارثة سبب رئيس في هذه الحالة التي جعلت هذه القرية تبعد مئات السنين عن المدنية المعاصرة. لكن ماذا لو كان للإعلام الخارجي الموتور أجندة سياسية معينة في هذه المنطقة؟ يقيني أنه لجلب عليها بخيله ورجله، وأنتج مئات الصور والأفلام والتقارير التي تستجدي عاطفة الضمير الإنساني ولخرجت هذه الواقعة من سياقها الطبيعي وأصبحت قضية دولية يوعز فيها لمجلس الأمن لإصدار القرار تلو القرار ولقامت قائمة منظمات حقوق الإنسان ولم تقعد. بعض المتفائلين يرون أن المشكلة في قضية دارفور وفي سائر قضايا العالم الثالث تتعلق بنقص المعلومة الصحيحة والدقيقة بيد أن المسألة أكبر من ذلك بكثير إذ يتعلق الأمر بالنوايا السيئة المبيتة والمرتبطة بالأغراض السياسية.. لأن الأجندة السياسية حاضرة بقوة في قضية دارفور فقد خرجت هذه القضية من سياقها الطبيعي المتمثل في الصراع المتوارث بين القبائل الرعوية وتلك التي تعتمد الزراعة مكونا رئيسا لاقتصادها، وأضحى نمط الحياة والثقافة المتوارثة مكوّنا أساسا لتقارير ذلك الإعلام الظالم المأزوم بالنوايا السيئة.
439
| 03 مارس 2012
توالت وبصورة مزعجة قصص إغلاق وتعليق صدور الصحف في السودان والمتهم الوحيد جهاز الأمن والمخابرات الوطني.. تلك (الإجراءات) ينظر إليها الوسط الصحفي باعتبارها قرارات (تعسفية) ومؤشرا لضيق الجهاز التنفيذي في السودان بهامش الحرية الصحفية المتاح.. الذين يقفون خلف تلك القرارات في الجهاز القابض يستندون إلى المادتين (24، 25د) من قانون الأمن الوطني لعام 2010م، واللتين تخولان للجهاز مصادرة وإغلاق أي مطبوعة تهدد الأمن القومي.. الخلل أو (الميوعة) في هاتين المادتين أن تقدير تهديد الأمن القومي يختلف من ضابط إلى آخر.. الجهاز يعلق الصحيفة أولا ثم من بعد ذلك يحيل الأمر إلى القضاء، بيد أن قراره غير قابل للنقض أو الاستئناف كما هو الحال بالنسبة لصلاحيات المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الذي كثيرا ما طُعن أوامره بإغلاق الصحف حتى يبت القضاء في المسألة موضوع النـزاع.. سبق للجهاز بأن أغلق صحيفة (الجريدة) تحت طائلة تهديد الأمن الوطني وبعد (3) شهور من الإيقاف القسري قال القضاء كلمته وفرض غرامة لا يعتد بها وأمر القاضي بعودة الصحيفة إلى الصدور، وكانت تلك الواقعة دليلا على عدم واقعية تلك الصلاحيات المطلقة لجهاز الأمن.. اليوم بلغ عدد الصحف التي تم إيقافها (3) صحف.. لا أدري ما هي المصلحة في إثارة النقع حول هامش الحرية الصحفية المتاح وفي الحقيقة هو هامش له اعتباره إذا ما تمت المقارنة بينه وبين الحال في العديد من دول الجوار الإقليمي.. صحيح أن بعض الصحف تتجاوز الخطوط الحمراء وتقع في المحظور ربما في ظل حماس طاغ أو سباق غير محسوب النتائج لتقديم الجديد والمثير الذي يرفع نسبة التوزيع في ظل منافسة شرسة بين (50) صحيفة بينها حوالي (22) صحيفة سياسية في السودان، لكن يظل المطلوب أن يقتصد جهاز الأمن في استخدام تلك المواد المزعجة وأن يعمل على اجتراح وسائل غير الإيقاف والمصادرة تمنع الصحف من تهديد الأمن القومي. بالإضافة إلى (سطوة) جهاز الأمن فهناك معاناة أخرى ويبدو أن الحكومة (مبسوطة) من التداعي المخيف في الجسم الصحفي عموما.. الوضع الاقتصادي الضاغط لا يصيب الحلقات الضعيفة في العملية الاقتصادية بل يدمرها تدميرا.. الصحف باعتبارها مؤسسات اقتصادية تعتبر أضعف الحلقات.. إن ماطل المعلن ولم يدفع ما عليه من التزامات للصحف، فإن الصحف ستنشر له رغم ذلك، لأن (الخسارة) حاصلة سواء نشرت له أو لم تنشر.. فتكاليف الصدور اليومي مستمرة ما دامت الصحيفة تصدر، وليس من المنطق الامتناع عن نشر أي إعلان.. المعلن والشركات واحدة من الحلقات القوية في صناعة الصحافة، يسدد متى شاء وكيف ما شاء.. والمطابع تستطيع أن تمنع طباعة أي صحيفة إن تأخرت في دفع ما عليها من التزامات وهي غير معنية بعدم سداد المعلن لالتزاماته تجاه الصحيفة (المسكينة).. بل إن اتفاق (جنتل مان) بين المطابع وبرعاية المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، بأن تلتزم أي مطبعة بعدم طباعة أي صحيفة ما لم تقدم (خلو طرف) أو (صك براءة) من المطبعة التي تطبع فيها الصحيفة.. دعم الدولة للصحافة (المزعجة) يتلخص في (المطاردات) التي يشنها مجلس الصحافة على الصحف التي تتأخر في سداد الرسوم السنوية، وديوان الضرائب أبداً لا يتأخر من جانبه في إرهاب الصحف التي تعجز عن سداد الضرائب المفروضة عليها.. الصحفيون في السودان هم أشبه بمغامرين لا يجرؤون، ولم يجرؤ أسلافهم، على تقدير نهايات مشوارهم المهني، خصوصاً أن اللا استقرار يسمُ حياة كل منهم منذ لحظة نشر مقالته الأولى، أو حمله بطاقة من مؤسسته.
491
| 25 فبراير 2012
آخر أوراق الضغط التي تلوح بها جوبا في وجه الخرطوم كانت قضية إيقاف ضخ النفط عبر أراضي السودان.. الويل والثبور وعظائم الأمور بإيقاف التصدير لم تجد فتيلا مع الخرطوم التي تعتقد أنها استنفدت مع جوبا كل مساحات المرونة وقبلت مقترح الوسطاء.. لم يبق أمام جوبا إلا التلويح بالحرب حيث أمر سلفاكير ميارديت رئيس دولة الجنوب قواته بالانتشار على طول الحدود الممتدة على طول حوالي (2 ألف كيلو متر).. تاريخيا هناك فكرتان متضادتان لدى كل من جوبا والخرطوم؛ فالخرطوم ظلت تعتقد أنها تصرف على الجنوب بلا مقابل بل إن التمرد على مر السنوات ظل يهدم ما يقام في الجنوب من مشروعات تنموية منها على سبيل المثال مشروع جونقلي، صحيح أن الجنوب غني بموارده الطبيعية لكن هذه الموارد لم تدخل فلسا واحد في الخزينة المركزية، وأكثر ما (يغيظ) الخرطوم أنه عندما تكبدت المشاق وخاضت الصعاب واستخرجت البترول الذي ترقد معظم حقوله في أرض الجنوب، انفصل الجنوب بعد سنوات قليلة و(أهدت) الخرطوم للجنوبيين دولة بموارد بترولية ضخمة وخط أنابيب هو الأطول في إفريقيا والشرق الأوسط (1600 كيلو متر).. الفكرة التي تتأبط جوبا أن الشمال ظل يستنزف موارده ويستأثر بها وحتى بعد الانفصال تريد الخرطوم أن تتقاسم معهم ثروتهم من خلال فرض رسوم (مرتفعة) نظير عبور نفطهم لأراضي الشمال في طريقه للتصدير. منذ انفصال الجنوب في التاسع من يوليو 2011م وحتى ما قبل ذلك التاريخ كانت كثير من النخب في الشمال تحذر أن الخرطوم عليها أن تتعامل مع قادة في الجنوب يعانون أعراض (المراهقة السياسية)، لكن فيما بعد ومع تعقد المشاكل بين الدولتين ذهبت تلك النخب إلى القول إن الأمر أكثر من مراهقة سياسية، فعلى الخرطوم أن تتعامل مع طفل أرعن، أم اليوم فهم يرون أن الخرطوم عليها أن تتعامل مع رجل مجنون ومختل العقل تماما.. وقف ضخ النفط على ذلك النحو رغم أنه يمثل (98%) من إيرادات جوبا كان عملا (مجنونا) مهما كانت الدواعي حتى لو كانت مرارات تاريخية وشعور بالدونية والظلم، فضلا عن أي محاولة أخرى لاستئناف الضخ يتطلب عمليات فنية معقدة لإعادة تشغيل خط الأنابيب تستغرق (6) أشهر على الأقل. الحديث عن الحرب ليس فيه جديدا لأن الحرب عمليا مشتعلة عبر الوكالة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق المحاذيتين لدولة الجنوب، لكن في اعتقادي أن حربا شاملا بالفهم التقليدي أمر غير وارد.. جوبا والخرطوم جربتا الحرب خلال سنين عددا وذاقتا مرارتها، بل ليس هناك إمكانات لدى الطرفين لاستخدامها في تلك الحرب.. الظروف السياسية الداخلية لكلا الطرفين غير مواتية تماما، لكن البعض يرى أن عمليات التسخين التي يقوم بها كل طرف تعمل على توحيد الجبهات الداخلية وتمكن كلا الطرفين من تجاوز مشاكلهما الاقتصادية باعتبار أن الأولية لمواجهة التهديد الخارجي. المحصلة سيعاني البلدان مزيدا من الضعف ربما كانت جوبا الأكثر معاناة لكونها دولة وليدة تفتقر للكثير من المقومات والبنيات التحتية فضلا عن أنها دولة مغلقة ليس لديها منفذ بحري.. ربما ترتفع الأصوات أخرى في دولة الجنوب ترى في معالجات سلفاكير لملف العلاقات مع الخرطوم تجاوز لمنطق المصالح وغلو في عداء غير المبرر لكل ما هو شمالي.. سيجد سلفاكير نفسه في ورطة كبيرة أو على الأصح في مصيدة أعدها بخبث شديد أفراد مجموعة (أولاد قرنق) بقيادة الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم.. هذه المصيدة تهدف للإطاحة بالرجل وخلق صورة ذهنية عنه باعتباره رجلا لا يجيد فن السياسة فقد كان في أغلب الأوقات في أدغال غابات الجنوب لا يتعاطى السياسة إطلاقا ويجزمون أن ذلك لم يترك له أي فرصة لاكتساب الخبرة السياسية الضرورية.. فسلفاكير في نظرهم جاء قائدا (طارئا) وجد نفسه في صدارة الأحداث دون سابق إنذار بسبب الغياب المفاجئ لقائد الحركة الشعبية السابق العقيد جون قرنق.. سلفاكير يعينهم على نفسه أيضا فهو رجل يحب الميل إلى العزلة والغموض، ولا يمكن لأي شخص مهما أوتي من فراسة أن يخرج بأي انطباع في حالة تعمّد قراءة تقاسيم وجهه الجامدة والصارمة فهو بخيل بإبداء أي مشاعر لمحدثه فلا يمكن أن تعرف ما إذا كان سعيدا أو غاضبا، يوافقك القول أو يعارضك.. تحركات أولاد قرنق دائما مضادة لمزاج سلفاكير وينصبون أنفسهم أوصياء عليه، لأن قرنق كان في نظرهم منفتحا على عالم السياسة وله قدرة ما على المناورة، بينما سلفاكير لم تترك له الغابة وأدغالها أي فرصة ليكتسب أي خبرة سياسية.. فهل وقع سلفاكير في المصيدة؟
488
| 11 فبراير 2012
الزوبعة الفنجانية التي يثيرها باقان أموم رئيس وفد دولة جنوب السودان المفاوض في أزمة النفط بين الخرطوم وجوبا، تذكرنا باستغلال النازية السيئ للإعلام في التدافع السياسي بين الدول.. باقان وعبر الصراخ عبر الإعلام صوّر بلاده وكأنها (الضحية) بينما الخرطوم (الجاني) بيد أن الخرطوم نقلت نفط الجنوب لأكثر من (6) شهور دون أن تسدد جوبا أي رسوم نظير استخدامها لمنشآت ومرافئ تصدير النفط في السودان، علما بان الخرطوم ظلت ترسل شهريا فواتير الرسوم إلى جوبا دون أن تتلقي أي رد!!.. حكومة الجنوب وضعت شروطاً تعجيزية من أجل الوصول إلى اتفاق كإصرارها علي تضمين بعض المواضيع الأخرى (إقرار حكومة السودان تبعية أبيي إلى الجنوب والتخلي عن المناطق الحدودية المختلف عليها) والمعلوم أن ترسيم الحدود بين البلدين (نحو 2175 كلم) يستغرق وقتا طويلا فضلا عن الاتفاق على مناطق الخلاف قبل الترسيم الميداني.. باقان ظن أن جوبا هي واشنطن عندما قال: "عندما نتفق على رسوم نقل البترول فإننا سنعتبرها (مساعدات) من جوبا للخرطوم لحل أزمتها الاقتصادية وسنشترط ألا تستخدم هذه المساعدات ضد (المقاتلين) في دارفور؟!!". لم يكن الظن يوما أن يصل استخدام الإعلام في السياسة فظاعة باقان والنازية.. نعم ازداد أثر الخطاب السياسي بسبب انتشار الفضائيات التي تنقل هذا الخطاب صوتاً وصورةً إلى جمهور غائب، وهو ما يجعله أكثر تأثيراً من الخطاب المسموع والمقروء لأنه بذلك احتفظ بانفعالات المرسل وأدواته الأدائية التي تؤثر في المتلقي وتقنعه وتثيره تجاه الحدث.. تقوم عمليات التحول السّياسي والاستمالة، وذرع المعتقدات الجديدة، على استخدام أساليب قتل العقل Menticisol كما يقول عالم النفس الهولندي ميرلو، لأنها تحيل الإنسان إلى كائن لا حول له ولا قوة، وتخضعه إخضاعاً للتعاليم الجديدة، إذ تتضافر فنون الضغط الثقافي والعاطفي مرتبطة بالضغط البدني للسيطرة على الإنسان الضحية، وتحويله إلى فرد له عقلية جديدة عن طريق حمله على الاعتراف بأخطائه وإزالة هذه الأخطاء توطئة لتثقيفه من جديد.. تاريخيا كان استخدام الإعلام في السّياسة أمرا ليس بالغريب فذاك ابن خلدون يقول في كتابه "مقدمة ابن خلدون": "أعلم أن السيف والقلم كليهما آلة لصاحب الدولة يستعين بهما على أمره.. والقلم منفذ للحكم السلطاني" ويمضي يقول إنه في مرحلة من مراحل الدولة: "يكون أرباب الأقلام أوسع جاهاً من أرباب السيوف وأعلى رتبةً وأعظم نعمةً وثروةً وأقربُ من السلطان مجلساً وأكثر إليه تردداً وفي خلواته نجيّاً.. ليس من السهل أن نعيش بعيداً عن معطيات عصر الصورة التليفزيونية، فقد كانت هناك أهمية سياسية وإعلامية متعاظمة لتلك الصورة التي ربما التقطت مصادفة للرصاص الإسرائيلي الذي انهمر على الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي كان يحاول الاختباء منه في حضن والده. وقد صنعت هذه الصورة تأثيراً كبيراً في الرأي العام العربي وحتى العالمي. في التاريخ السوداني استفاد قادة عظام من ضغط الإعلام في مواجهة المستعمر البريطاني، وإجباره على اتخاذ قرارات سياسية لصالحهم. فعندما رفع سجناء سجن رشيد بمصر من قادة المهدية - من بينهم عثمان دقنة - تظلماً إلى مصلحة المخابرات وسلاطين باشا مفتش عام السودان في العام 1908م يشكون فيه من سوء أوضاعهم في السجن، سرعان ما أبدت الصحافة المصرية اهتمامها بالقضية وظهرت المقالات في صحف "الأهرام" و"المنبر" و"اللواء" خاصة "السياسة" الناطقة باسم حزب الأحرار التي نشرت مقالاً نارياً بعنوان "الرحمة فوق العدل.. عثمان دقنة: السجين الخالد" حيث عبّر صاحب المقال عن قناعته بأن أولئك السُجناء ليسوا مجرمين وإنما هم عظماء بلادهم وإن ما قاموا به لا يتجاوز حدود الحق المقدس للدفاع عن أراضيهم ضد الغزو الأجنبي. وفيما بعد غيّرت السُلطات البريطانية معاملتها لأولئك السُجناء ونقلتهم إلى سجن في مدينة حلفا داخل السودان وسمحت للقائد عثمان دقنة بأداء فريضة الحج. في حقيقة الأمر أن رئيس وفد حكومة جنوب السودان كان يهدف إلى خلق أزمة من خلال استمرار بياناته الإعلامية السالبة بالإضافة إلى قرار إغلاق حقول النفط في وقت كانت فيه الاجتماعات منعقدة بين الطرفين في أديس أبابا.. في ظل رفض حكومة دولة جنوب السودان المتكرر للمقترحات التي قدمت من الوسطاء وتقاعسها عن تسديد الرسوم المستحقة لحكومة السودان، وعدم تقديمها لأي مقترحات من أجل الوصول إلى اتفاق، فقررت حكومة السودان أخذ مستحقاتها وأداء لواجبها الدستوري. وقد أخطرت حكومة السودان حكومة الجنوب والشركات قبل وقت كاف بقرارها.. لكن باقان مارس دعاية سوداء وأشاع عبر الإعلام أن السودان يسرق نفط الجنوب!!.
446
| 04 فبراير 2012
لا يستطيع أحد فهم تصرفات حكومة دولة جنوب السودان، إذا ما أراد أن يقيس الأمور بمنطق الأشياء.. ربما في إطار الكيد السياسي أو ربما في إطار (التكتيك) الذي يستهدف تحقيق نقاط في المفاوضات، أقدمت حكومة دولة جنوب السودان على توقيع اتفاق مع كينيا لمد خط أنابيب نفط ينتهي بأحد الموانئ الكينية بهدف ما تعتبره جوبا تحريرا من الاعتماد على الخرطوم التي يمر خط تصدير نفط الجنوب الحالي عبر أراضيها بطول (1600) كيلو متر كأطول خط أنابيب من نوعه في إفريقيا والشرق الأوسط.. وجه الغرابة أن منطق الأشياء ومنطق الجدوى الاقتصادية لا يتفق وخطط إنشاء خط جديد عبر كينيا.. يستغرق إنجاز خط مثل هذا حوالي (5) سنوات بتكلفة عالية جدا لا تسمح الظروف الحالية في العالم بأن تغامر جهة دولية ما بتمويل مثل هذا المشروع الخيالي.. الخط المزمع يسير في اتجاه يتعارض مع جغرافية المنطقة حيث الارتفاع كل ما اتجهنا جنوبا حيث مسار مرور الخط الجديد على عكس الخط الحالي الذي يمر عبر أراضي السودان في الشمال، وهذا يعني كذلك تكلفة تشغيل مضاعفة حيث يتطلب الأمر في إطار معالجة اتجاه الخط إلى أعلى مضاعفة محطات إعادة الضخ.. إن تجاوزنا تمويل إنشاء الخط ومن ثمّ تكلفة تشغيله، هل تستطيع دولة جنوب السودان التي تعتمد على إيرادات النفط بنسبة (98%) الانتظار لخمسة أعوام؟، كما لابد أن تتفق جوبا مع كينيا على تسعير خدمة مرور النفط عبر أراضي كينيا التي لن تتنازل لجوبا بأي حال من الأحوال أو تمنحها الخدمة مجانا!!. يشار إلى أن خبراء يقولون إن نفط جنوب السودان سينضب خلال أقل من عقدين من الزمان!! الأزمة الحالية بين الخرطوم وجوبا، أزمة مفتعلة وقضية فنية تجارية بحتة حشرت حشرا في لجة العراك السياسي بين البلدين.. تسعير إيجار خط الأنابيب ليست قضية جديدة، فالعالم فيه نماذج عديدة وأمثلة متكررة، فهناك قوانين وأعراف تواضعت عليها الدول المختلفة في هذا الصدد.. الخرطوم تأخذ على جوبا أنها وضعت شخصية شديدة العداء للشمال على رأس وفدها المفاوض وهو السيد باقان أموم وهو أحد عناصر التأزيم في العلاقة بين الشمال والجنوب منذ ما قبل توقيع اتفاقية السلام في 2005م.. باقان سبق وأن صرح بأنهم (في الجنوب) على استعداد للعيش في ظل فقر مدقع ولا تهدر كرامتهم!!. إن كانت القضية فنية وتجارية فما دخل الكرامة هنا؟! بتلك الذهنية يقود باقان مفاوضات بلاده مع الخرطوم ولذا لم تتخط تلك المفاوضات المربع الأول. وقف إنتاج النفط عملية انتحار يمارسها قادة دولة الجنوب وسط معارضة داخلية كبيرة.. أعضاء بمجلس تشريعي جنوب السودان (البرلمان) أبدوا عدم موافقتهم على قرار حول إيقاف ترحيل نفط الجنوب عبر منشآت الشمال. ويرى أنرو أكونج عضو المعارضة داخل المجلس أن القرار سيترتب عليه أضرار بالغة، أجملها في تدني مستوى المعيشة للشعب الجنوبي، وارتفاع حدة البطالة والمجاعة، بجانب انخفاض مستوى دخل الفرد؛ باعتبار أن الجنوب يعتمد كلياً في موارده على عائدات النفط.. أكونج أبدى عدم رضائه عن القرار معتبره غير صائب في هذا التوقيت، لأن الجنوب دولة وليدة تعاني أزمات وحروب طاحنة عقب الانفصال. ويرى أن الخرطوم دولة مؤسسة تتميز بإمكانات هائلة وبدائل اقتصادية كثيرة. قد نتفق مع من يعتقد بأن نهج المزايدات السياسية الذي اتخذته الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا سلاح لتغطية فشلها في تحقيق التنمية واستحداث البنى التحتية، في الوقت الذي اعتبروا أنه سيعود بنتائج سلبية خاصة أنه يأتي بعد وقت وجيز من إعلان ميلاد الدولة الجديدة، وهو يؤكد بصورة واضحة سوء الأوضاع الإنسانية والأمنية بالجنوب في ظل حروب طائفية عرقية طاحنة تمثل قنبلة موقوتة قابلة لاشتعال نيران الحرب الأهلية بين المورلي والنوير من ناحية، وبين المنشقين والجيش الشعبي من ناحية أخرى.
593
| 28 يناير 2012
مساحة إعلانية
عندما أقدم المشرع القطري على خطوة مفصلية بشأن...
1734
| 25 نوفمبر 2025
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
1614
| 30 نوفمبر 2025
أصبحت قطر اليوم واحدة من أفضل الوجهات الخليجية...
1584
| 25 نوفمبر 2025
شهدت الجولات العشر الأولى من الدوري أداءً تحكيميًا...
1281
| 25 نوفمبر 2025
في زمن تتسارع فيه المفاهيم وتتباين فيه مصادر...
846
| 25 نوفمبر 2025
الصداقة من خلال الرياضة.. الشعار العالمي للمجلس الدولي...
750
| 24 نوفمبر 2025
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات...
636
| 28 نوفمبر 2025
* يقولون هناك مدير لا يحب تعيين المواطن...
519
| 24 نوفمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
492
| 30 نوفمبر 2025
منذ فجر الحضارات الفرعونية والرومانية وبلاد ما وراء...
492
| 24 نوفمبر 2025
في كلمتها خلال مؤتمر WISE 2025، قدّمت سموّ...
483
| 27 نوفمبر 2025
كل دولة تمتلك من العادات والقواعد الخاصة بها...
483
| 30 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل