رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قبل أن نستعرض مواقف المفكر (فوكوياما) وهو من أصول يابانية في فوز (ترامب) نؤكد أن أحداثا جديدة وقعت أعادت لقضية فلسطين اهتمام الرأي العام العالمي وهي كما وصفها الإعلامي التونسي صلاح الدين الجورشي تكشف عن دلالات لا يمكن التقليل من شأنها وذلك بعد أن اكتسب الحدث أبعادا دولية ويعدد (فوكوياما) تلك الأحداث التي منها إرسال حزب الله صواريخ أصابت ثكنة عسكرية إسرائيلية قتل فيها باعتراف إسرائيل عقيد وجنود. كما أن عالمة الاجتماع الأمريكية (نوامي كلاين) والتي عملت مديرة الحملة الرئاسية لـ (بيلي ساندرس) كتبت في كتابها الأخير الصادر منذ أسبوع بعنوان (رحلة في عالم المؤامرات) مايلي: «إن اليمين المتطرف الأمريكي الذي يتزعمه (ترامب) يقود المجتمع الأمريكي والعالم نحو البحث عن الربح المادي والمتعة الجسدية وذلك بإلغاء الأخلاق والأديان والقيم. وهذه التغييرات الكبرى في مجالات سياسية مهمة عددها المفكر الأمريكي الشهير (فوكوياما) تبدأ من ملف الهجرة إلى التلويح بعزمه إنهاء حربي أوكرانيا والشرق الأوسط لكن أهمية هذا الفوز للرجل ولحزبه الجمهوري تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك لأنها تمثل رفضا حاسما من قبل الناخبين الأمريكيين لليبرالية والطريقة الخاصة التي تطور بها فهم «المجتمع الحر» منذ ثمانينيات القرن الـعشرين لأنه بكل بساطة يختلف مجتمع الولايات المتحدة في سنة 2016 عن نفس المجتمع سنة 2024. بهذه الحقيقة البديهية افتتح المفكر الأمريكي مقالا تحليليا نشرته صحيفة (فايننشل تايمز) البريطانية قال فيه إن ترامب عندما انتُخِب لأول مرة عام 2016 كان من السهل الاعتقاد بأن هذا الحدث شاذ لأنه ترشح ضد خصم ضعيف لم يأخذه على محمل الجد ولكن بعد عهدة أولى ذات النتائج الشعبوية الكارثية استيقظ الشعب الأمريكي على حقائق جديدة بدأت بحادثة غزو مقر الكونغرس الخطيرة وانتهت بقرارات عجيبة منها مغادرة واشنطن حلف الناتو وهي زعيمته ومؤسسته ثم رفض المعاهدة الشهيرة الموقعة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والخمس دول غربية زائد روسيا سنة 2015!! ثم جاء قراره المفاجئ بتسليم القدس الى إسرائيل «عاصمة أبدية لدولة إسرائيل غير قابلة للنقاش عوض تل أبيب» فانقلبت كل الموازين التقليدية في الشرق الأوسط واستحال التخطيط لحل الدولتين فانطلق الفلسطينيون في الإعداد للمقاومة على إثر انسداد كل آفاق السلام والأمن بين إسرائيل وجيرانها وبعد الفوز الثاني لترامب حذر الرئيس الفرنسي (ماكرون) زملاءه الأوروبيين خلال القمة الأوروبية في بروكسل المنعقدة الأسبوع الماضي من خطيئة تسليم الدفاع عن دولهم الى قوة أجنبية مهما كانت عظمتها من خارج الاتحاد الأوروبي! وطبعا يشير بوضوح الى الولايات المتحدة. وفي نفس السياق كتب صحفي فرنسي شهير هو السيد (أدوي بلانال) مؤسس ومدير أشهر موقع سياسي (ميديا بارت) مقالا قال فيه: «حان الوقت لخروج أوروبا من الغيبوبة ومواجهة ما يحدث بغزة. لكن بعد تصويت يوم الثلاثاء يبدو الآن أن رئاسة (بايدن) هي «الحالة الشاذة»، وأن (ترامب) يدشن حقبة جديدة في السياسة الأمريكية وربما العالمية لأن الأمريكيين صوتوا وهم على علم تام بمن هو (ترامب) وبما يمثله. وتعليقا على الطبيعة الأساسية لهذه المرحلة الجديدة من التاريخ الأمريكي أبدى (فوكوياما) رأيه في الليبرالية الكلاسيكية التي يعتبرها عقيدة مبنية على احترام الكرامة المتساوية للأفراد من خلال حكم القانون الذي يحمي حقوقهم وقدرة الدولة على التدخل في هذه الحقوق وقال إنها تعرضت لتشويهين كبيرين في العقود الأخيرة: التشويه الأول كان صعود «الليبرالية الجديدة»، التي تقدس الأسواق وتقلل من قدرة الحكومات والنقابات على حماية المتضررين من التغيير الاقتصادي، والتشويه الثاني تمثل في صعود سياسات الهوية أو ما قد يطلق عليه «الليبرالية المستيقظة» واستخدام سلطة الدولة بشكل متزايد ليس في خدمة العدالة بل لتعزيز نتائج اجتماعية محددة لمجموعات المصالح الربحية العاجلة خاصة وقد أدى صعود هذه المفاهيم المشوهة لليبرالية -حسب فوكوياما- إلى تحول كبير في الأساس الاجتماعي للسلطة السياسية مما أشعر الطبقة العاملة أن الأحزاب السياسية اليسارية لم تعد تدافع عن مصالحها وبدأت في التصويت لأحزاب اليمين وبالتالي انتصر الجمهوريون بأصوات الناخبين من الطبقة العاملة البيضاء ومن الجاليات العربية والمسلمة والمكسيكية لأن هذه الجاليات أدركت عنصرية (بايدن) وشريكته (هاريس) مما جعلها تنتخب (ترامب) ببصيص من الأمل في وعوده الانتخابية بإنهاء حربي أوكرانيا والشرق الأوسط!. وأشار (فوكوياما) إلى أن (ترامب) لا يريد فقط دحر الليبرالية الجديدة والليبرالية المستيقظة بل إنه يشكل تهديدا على الليبرالية الكلاسيكية نفسها في عديد من القضايا وبالتالي لن تكون رئاسته الجديدة شبيهة بولايته الأولى، والسؤال الحقيقي الآن ليس عن خبث نواياه بل عن قدرته على تنفيذ ما يهدد به بالفعل. ومن الخطأ -حسب الكاتب- عدم أخذ العديد من الناخبين خطاب ترامب على محمل الجد وكذلك زعم الجمهوريين أن الضوابط والتوازنات في النظام الأمريكي ستمنعه من القيام بأسوأ ما لديه لأن (ترامب) يؤمن بالمنهج الحمائي المعلن المتمثل في «الأولوية للبضاعة الأمريكية» وقد اقترح فرض تعريفات جمركية عالية على جميع السلع المنتجة في الخارج مما سيخلف آثارا سلبية على التضخم والإنتاجية والعمالة ويؤدي إلى تعطيل شبكات التوريد ويوفر الفرصة لمستويات عالية من الفساد والمحسوبية ويستدعي ردودا انتقامية هائلة من جانب بلدان أخرى أولها الصين وفيما يتصل بملف الهجرة لم يعد ترامب يريد إغلاق الحدود فقط بل ترحيل أكبر عدد من المهاجرين غير النظاميين الى دولهم الأصلية مما سيخلف آثارا مدمرة على عدد من الصناعات التي تعتمد على العمالة المهاجرة كما أنه سوف يشكل تحديا هائلا من الناحية الأخلاقية. ويؤكد (فوكوياما) أن بعض التغييرات الأكثر أهمية ستتم في السياسة الخارجية وفي طبيعة النظام الدولي وستكون أوكرانيا الخاسر الأكبر على الإطلاق لأن ترامب يمكن أن يجبرها على التسوية بشروط روسيا من خلال حجب الأسلحة عنها كما فعل مجلس النواب الجمهوري لمدة 6 أشهر في الشتاء الماضي.
846
| 15 نوفمبر 2024
اليوم الجمعة يعرف العالم أن رئيس الولايات المتحدة هو دونالد ترامب ولن تحدث مفاجآت الطعن من جانب الخاسر، كما سبق أن شهدنا سنة 2020 بين ترامب وبايدن، بعد أن اعترفت منافسته هاريس بفوزه وهنأته ولكن ليعلم العرب والمسلمون بأن القضايا التي شغلت الرأي العام الأمريكي وتداولها المتنافسان طيلة عام من الحملات لا تحتل فيها جريمة الإبادة في غزة ثم في لبنان سوى الدرجة الخامسة في باب السياسة الخارجية لكلا المترشحين الاثنين والقضايا حسب الترتيب هي: -الاقتصاد ومعيشة الأمريكي. - التغطية الصحية للأسرة الأمريكية والتعامل مع الإجهاض والمخدرات. -غلق الحدود بين المكسيك وبلادهم والهجرة عموما. -حماية البيئة من التلوث. -برامج غزو الفضاء وتطوير السلاح النووي. -وأخيرا موقف واشنطن من سلوك إسرائيل الخارج عن القانون الدولي! نعم أي أن ما نعتبره نحن العرب أم القضايا والقضية المقدسة للمسلمين لا يعدو لدى الناخب الأمريكي بسبب جيناته التاريخية أن يكون أمرا هامشيا ودرجة خامسة! وفي هذا الصدد أعلن ترامب فوزه مبكرا وقال: حصلنا على الأغلبية بمجلس الشيوخ وفزنا في الولايات المتأرجحة وأصبحت الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة وتعهد ترامب بالقول: «سأجعل أمريكا عظيمة مجددا وسنصحح وضع حدودنا ووصف فوزه بولاية رئاسية جديدة بأنه انتصار تاريخي وسياسي لم تر الولايات المتحدة مثيلا له من قبل» ولنعرف أسرار النظام الانتخابي الأمريكي يجب نعرف أن الولايات الأربع والعشرين تستقل كل منها باختيار سياساتها وأولوياتها كما نرى في منع أو تحرير الإجهاض ومنع أو عدم منع بيع المخدرات أو الأسلحة النارية الى آخر القائمة ولدى كل ولاية حكومة وسياسة خارجية مستقلة وبرلمان جهوي يشرع ويراقب قبل الوصول الى الميثاق الفيدرالي الذي يلزم الجميع ويرفع للجميع راية واحدة ذات النجوم المعروفة، وكذلك عملة وطنية واحدة هي الدولار طبعا وهو المهيمن بإرادة الجميع على اقتصاد العالم كله شرقه مثل غربه قبل أن تتحرك روسيا والصين وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن وتتمتعان بحق الفيتو نفسه الذي عطل القرارات الأممية وانحرف بالشرعية الدولية الى تقزيم منظمة الأمم المتحدة فبعدما أرادتها الأمم جهاز تنفيذ قرارات الأغلبية أصبحت محل ازدراء الشعوب المستضعفة التي لا تجدها نصيرة للحق بل تعتبرها يدا مسخرة لطعن الحق وإشاعة الباطل وتبرير جرائم الابادة والتهجير وقتل الأطفال. تجدر الاشارة الى أن النظام الانتخابي الأمريكي منصوص عليه في المادة الثانية من الدستور، حيث تقوم كل ولاية باختيار الناخبين الذين يصوتون للرئيس وبشكل عام تقوم كل ولاية بتعيين الناخبين بالطريقة التي ترغب فيها وعادة ما تعطي أصواتها لتعكس التصويت الشعبي لولايتها وبعبارة أخرى إذا فاز الجمهوري بالتصويت الشعبي في ولاية ما فإن كل تلك الأصوات الانتخابية ستذهب إليه في حين أن فوز الديمقراطيين سيؤدي إلى ذهاب الأصوات الانتخابية إلى الديمقراطي المترشح ولم يتم اختيار هذا النظام إلا بعد استبعاد جميع الخيارات الأخرى أثناء صياغة دستور الولايات المتحدة، حيث اقترح الآباء المؤسسون أن ينتخب الكونغرس الرئيس لكن هذا تم استبعاده لأن من شأنه أن ينتهك الفصل بين السلطات من خلال منح السلطة التشريعية قدرًا كبيرًا من السلطة وكان هناك اقتراح آخر يقضي بانتخاب الرئيس بشكل مباشر، حيث يتمتع كل شخص بصوته الخاص وبالتالي فإن كل صوت له أهمية ولكن لم يكن من الممكن أن تقبل الولايات الجنوبية التي كانت تمتلك العبيد ولا تمنع العبودية هذا الأمر على الإطلاق لأن تعداد السكان هناك كان منحرفاً إلى حد كبير بسبب انتشار العبيد الذين لم يتمكنوا من التصويت، ولكن هذا يعكس أيضًا قضية أخرى قائمة على السكان كانت جزءًا رئيسيًا من كيفية هيكلة نظام الحكومة الأمريكية لأنه لن تتمكن الولايات الأصغر مثل ماريلاند وكونيكتيكت ذات السكان الأصغر عددا والأراضي الأصغر مساحة من الحصول على نفس مستوى السكان مثل الولايات الأكبر مثل نيويورك وجورجيا، وكان الحل الوسط في هذه القضية هو إنشاء كونغرس ثنائي المجلس، حيث يعتمد مجلس النواب على عدد السكان بينما يمنح مجلس الشيوخ تمثيلًا متساويًا لكل ولاية كما تمت تهدئة الولايات التي تعتمد على العبيد من خلال تسوية الثلاثة أخماس، والتي تنص على احتساب ثلاثة أخماس سكان العبيد في كل ولاية من إجمالي عدد ممثليها في الكونجرس وقوتهم في المجمع الانتخابي على الرغم من تصحيح هذا الخلل في التعديل الرابع عشر في عام 1868 كان هذا هو جوهر اختيار الهيئة الانتخابية؛ لأنه بما أن العبيد لم يُسمح لهم بالتصويت فإن الولايات التي يقطنها العبيد كانت تتمتع بقوة تصويتية أقل بطبيعتها إذا تم تحديد الرئاسة من خلال التصويت الشعبي فقط وباستخدام تسوية الثلاثة أخماس. كان لكل ولاية من ولايات العبيد قوة تصويتية أكبر. كان السبب الآخر لاختيار الناخبين هو ظاهريًا بمثابة حصن ضد الفساد والتصويت الجماعي. كانت الفكرة هي أن الناخبين باعتبارهم مسؤولين أذكياء ومتعلمين سيكونون على دراية بالسياسة وسيكونون قادرين على اختيار المرشح الأفضل إذا ضُللت عامة الناس بحملات ذكية تغشهم. وبما أن الدستور ينص صراحة على أن الناخبين لا يمكنهم تولي مناصب اتحادية فقد كان يُعتقد أنهم لن يكونوا تحت تأثير أي من المرشحين ويمكن بدلاً من ذلك اختيارهم من قبل الشعب. * ولنعرف نحن العرب ماذا ينتظرنا من انتخاب (دونالد ترامب) في طبعته الثانية علينا ألا نتشاءم ونخاف بل بالعكس سنضطر الى التحالف فيما بيننا والاستعداد للتعامل مع (ترامب) على أنه رجل أعمال وباحث عن الصفقات، وهذا أهم ما يميزه عن (بايدن) الزعيم السياسي الأيديولوجي الذي كان شريكا في حرب الإبادة، كيف وبماذا سنقايض رجل الأعمال؟ الغاز والنفط لا يهمانه فأمريكا لديها ما يكفيها بل تصدرهما، بالثروة المالية؟ حتما لا. فقد جربت هذه الصفقة وفشلت وكدنا نخسر كل فلسطين بمخطط «صفقة القرن» سنة 2017 التي روج لها صهره (جاريد كوشنير) وأفشلتها مواقف معروفة لزعماء عارضوها ورفضوها. بقيت لنا ثروة لا تقدر بثمن وهي مواقعنا الاستراتيجية في قلب الكرة الأرضية وهي مناطق النفوذ التي يبحث عنها العمالقة، ولهذا السبب ندرك أن (بوتين) صديق لترامب بل ساعد على انتصاره وأن الصين هي عدوه الأول؛ لأن ترامب أثقل منتجاتها بالضرائب في عهدته الأولى، وهي اليوم تتجرأ على منافسته في عقر أمريكا فتفاجئه مثلا بالسيارة الكهربائية ذات التكنولوجيا العالية التي ابتكرتها شركة (هواوي) هذا العام والتي يستحيل على الصناعة الأمريكية أن تنتج مزاحمة لها قبل عام 2029. علينا أن نتجه نحن العرب والمسلمين الى الصين فننخرط في منظمة البريكس دون أية قطيعة مع شريكنا الأمريكي التقليدي أو نعقد اتفاقيات تجارية لتوريد منتجات صينية نتعلم نحن تصنيعها وهو ما تضبطه معاهدات بينها وبيننا ونحن متحالفون، لهذه الأسباب نعتبر إعادة انتخاب ترامب فرصة لتحقيق وحدتنا.
648
| 08 نوفمبر 2024
في اليوم 390 من الحرب على غزة (نحن في يوم الخميس31 أكتوبر2024) واصلت إسرائيل ارتكاب المجازر المروعة بحق أبناء القطاع وفي غضون ذلك طالب حزب الله اللبناني سكان 25 مستوطنة إسرائيلية بإخلاء منازلهم بينما اعترف جيش الاحتلال الاثنين بمقتل 3 جنود وإصابة أكثر من 60 آخرين في معارك جنوب لبنان والخميس قتل 5 أشخاص بصواريخ من لبنان، وسط تصدي حزب الله للتوغل البري في بلدة الخيام جنوبي لبنان. هذا نموذج من أخبار يومية كأنما تؤكد انقلاب الأوضاع رأسا على عقب! ومن جهة ثانية زعم المراسل العسكري لـ»القناة 12» (نير دفوري) أن «سلاح الجو الإسرائيلي نفّذ ضربات دقيقة لتدمير القدرات الإيرانية وركزت العملية المسماة «أيام التوبة» على أهداف عسكرية في إيران من قواعد ومواقع دفاع جوي ومستودعات أسلحة رغم محاولة الإيرانيين تعطيل الهجمات بنيران مضادة للطائرات لكن يبدو أنهم لم يطلقوا الكثير من هذه النيران ربّما بسبب الأضرار الإسرائيلية التي لحقت بنظام الدفاع الجوي وبدوره ذكر الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية (عاموس يدلين) أن «الأربع ساعات الأخيرة فجر السبت الماضي التي استغرقها الهجوم على إيران تمّ الإعداد لها منذ عشرين عامًا وكان من الواضح للنظام الأمني الإسرائيلي أنه يتعين الاستعداد لمثل هذا الرد ويمكن وصف هذا الهجوم بأنه «عملية إعدام دقيقة» للقدرات الإيرانية تحمل رسالة استراتيجية مفادها أن دولة الاحتلال تعرف كيف تعمل ضمن هذه النطاقات. *وفي السياق ذاته قال مراسل الشؤون العربية (أوهاد حامو) إن «الأهداف التي اختارتها الطائرات الإسرائيلية هي قواعد الحرس الثوري دون مهاجمة أي شيء يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، ويبدو أن إيران «الرسمية» تحاول جاهدة التقليل من شأن هذا الحدث، وأشار مراسل الشؤون الحزبية (يارون أبراهام) إلى أن «المجلس الوزاري السياسي الأمني وافق على الهجوم خلال محادثة هاتفية وتم إبلاغ الولايات المتحدة بالتوقيت قبل ساعات قليلة من بدء الهجوم وهي لم تكن تريد أن يخرج الحدث عن نطاق السيطرة خاصة في هذا الوقت الحساس قبل انتخاباتها الرئاسية الأمريكية، أما الرئيس السابق لشعبة التخطيط في جيش الاحتلال (يسرائيل زيف) فذكر أن «الهجوم الإسرائيلي على إيران يوصل الصراع معها إلى لحظة الحقيقة ومن المتوقع أن يؤثر هذا الهجوم على نتيجة الترتيب الإقليمي برمته في ضوء انهيار أذرع إيران في المنطقة وهي التي بنتها طوال عقود ماضية وبالتالي فإن مفهوم التصعيد الإقليمي لم يعد قائماً وتابع: «لأن إيران لا تزال عاجزة ومكشوفة ودون طبقات خارجية من الحماية صحيح أن لديها مجموعة من الطائرات بدون طيار والصواريخ في نطاق مئات العناصر وتفاصيل صاروخية أكثر قليلاً ولكن كما تبين فإن بعضها في حالة سيئة من الخدمة. * إلى ذلك جاء في مقال نشرته القناة 12 وترجمته «عربي21: «سمعنا الكثير من تهديدات إيران في الأيام الماضية وتشير بشكل رئيسي إلى ضغوط كبيرة لكن ما تبين في الساعات الأخيرة أن قدرة دولة الاحتلال على الهجوم والتدمير أفضل بكثير من تهديدات إيران، وأضاف المقال نفسه: “الأمر الذي من شأنه أن يشكّل تحولاً في معادلة الردع الإقليمية لصالح دولة الاحتلال بحيث سيكون أمامها فرصة لتغيير الاتجاه والذهاب إلى الترتيب الإقليمي لأن ما قامت به في الفترة الماضية وصولا الى ساعات الفجر الأولى هو رصيد من شأنه أن يؤدي إلى إنجازات مستدامة وترتيبات من شأنها أن تضمن سنوات من الهدوء بأمان رغم أن أي ترتيب يتطلب تنازلات! وفي صحيفة يديعوت أحرونوت نجد تعليق المراسل العسكري (يوآف زيتون) الذي ذكر أن «جيش الاحتلال هاجم مجمعات عسكرية وأنظمة دفاع جوي ومنشآت إنتاج صواريخ ومنصات إطلاق صواريخ أرض-أرض في طهران وخوزستان وإيلام وقطعت الطائرات مسافة 1500 كيلومتر بعد 25 يوماً بالضبط من الهجوم الصاروخي الباليستي من إيران، وتابع: «استمر الهجوم لأكثر من ثلاث ساعات مكثفة في ثلاث موجات مختلفة أصابت 20 هدفاً مختلفاً لكن في طهران حاولوا التقليل من حجمه في ظل رسائل التحذير الأمريكية التي تلقوها وأضاف (زيتون) عبر تقرير ترجمته «عربي21» أن «هذا الهجوم الإسرائيلي أضرّ كثيرا بأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية للسماح بحرية العمل لطائرات القوات الجوية لمواصلة الهجوم وعلى صوت الانفجارات خرج الإيرانيون المذعورون إلى الشوارع وكان هناك قلق من استهداف المطارات لكن المقصود كان هو منشآت إنتاج صواريخ أرض-أرض انطلاقا من المعلومات الاستخبارية التي وفرها جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان). *من جهتها نشرت صحيفة (الغارديان) البريطانية تحقيقا يؤكد عداوة إسرائيل الجديدة لمنظمة الأمم المتحدة من خلال مهاجمة وكالة الغوث «الاونروا» ومنعها من القيام بواجب إعانة الفلسطينيين في حياتهم وهو ما نددت به 123 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتزعم الصحيفة أن واشنطن هي الوحيدة القادرة على ثني نتنياهو عن هذا المروق الشامل عن القانون الدولي وذكرت بقرار محكمة العدل الدولية الذي دعا إسرائيل الى التعاون الكامل مع منظمة الأمم المتحدة واحترام بنودها وعدم تجاوز مواثيقها الا أن رئيس حكومة الاحتلال لم يعر هذه التحذيرات أي أهمية كما نرى ذلك في مواصلة القصف الإبادي لغزة و لبنان!. حول هذا المحور قال الرئيس الفرنسي (ماكرون) الاسبوع الماضي: «إن الأمم المتحدة هي التي أنشأت دولة إسرائيل ومن العبث أن تتنكر إسرائيل لباعثها من عدم بقرار نوفمبر 1947 الذي يقسم أرض فلسطين شطرين شطر للعرب وشطر لليهود» من جهة موازية أعرب الدبلوماسي البريطاني (برايان أوركهارت) وكيل الأمين العام السابق للشؤون السياسية الخاصة عن أسفه بأن «تقوم دولة إسرائيل بتشويه صورة المنظمة وتمزيق سمعتها والمس من هيبتها كما لم تفعل أي دولة أخرى». ** وهنا أعود بقرائي الكرام الى الإجابة عن السؤال المطروح في عنوان مقالي لأقول إن واشنطن تملك القدرة بالقوة على رسم ملامح الشرق الأوسط الذي يناسبها ثم تأتي إسرائيل بمروقها عن الشرعية الدولية المتمثلة في ميثاق الأمم المتحدة هي الأقدر على فرض قواعد جديدة للتوازنات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط وفي آخر القائمة يأتي العرب وهم يرزحون تحت بلدانهم المثقلة بالمخاطر والمهددة باندلاع حرب كونية ثالثة تمتد من الشرق الى الغرب. في نفس الموضوع كتب الصحفي السعودي عبد الله خلف: «أمريكا دولة عظيمة بلغت القمر وتسعى لأقمار أُخرى ولكنها تسير في دروب المزالق... بسبب تأثير لوبيات (الأيباك) في توجيه سياساتها أما فلسطين فهي صاحبة التواريخ العريقة تقف بوجهها مع من تأسس بعد الحرب العالمية الثانية حيث انقلبت المفاهيم هل تعلمون أن المجند الأمريكي يُخيّر أين يريد تجنيده في أمريكا أو إسرائيل وكأن بلاده وإسرائيل وطن واحد؟.
423
| 01 نوفمبر 2024
يعيش العرب والمسلمون هذه الأيام مواكب تشييع جنائز شهدائنا الأبرار ولعل البعض منا يصاب بالإحباط والحزن ولكن ما نشاهده على قنوات المحتل من مواكب تشييع قتلاه يعيد الأمل للقلوب المؤمنة ويعطي الحق لمن اختار نهج المقاومة حتى نيل الحقوق المشروعة. وفي هذا المعنى نقرأ ما جاء في صحيفتين غربيتين، إذ تعتبر مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية أشهر المجلات المتخصصة في التحليل السياسي والإستراتيجي في العالم والمفككة الأكاديمية لكل الأزمات الخطيرة وبؤر العنف التي تهدد السلام والأمن الدوليين وتنذر بالانفجار دون إعطاء مؤشرات أو تمهيدات للحظة الحاسمة. و(فورين بوليسي) هي مجلة أمريكية تصدر كل شهرين أسسها سنة 1970 صامويل هنتغتون صاحب نظرية «صدام الحضارات». ولهذه الأسباب تزداد تقاريرها قيمة مضافة للحقائق التي قيلت لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023 عديد المرات بأن اغتيال قادة ومؤسسي التنظيمات المقاومة للاحتلال لا يخدم إسرائيل بل يقوي تلك التنظيمات ما دامت تستعمل حقها في التصدي للاحتلال والاستيطان وهو حق يقره ميثاق منظمة الأمم المتحدة بل ويضيف لوسائل المقاومة المسلحة منها بقصد استرجاع بلاد محتلة وحق مغتصب. *وأكد تقرير لمجلة فورين بوليسي في عددها الأخير أن قتل إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس يحيى السنوار لن يزيد الحركة إلا ضراوة، وبينما قد يبدو الأمر إنجازا كبيرا اليوم إلا أنه مع مرور الوقت سينهض مكانه آخرون - كما هو الحال دائما - وستستمر المقاومة. وقال المتخصص في شؤون الشرق الأوسط (ستيفين كوك) وهو كاتب عمود في المجلة إن التاريخ يشهد على «استحالة القضاء على حركة مقاومة» بقتل أعضائها ولن يردع «أصحاب القضية» قتل قادتهم بل سيؤدي بهم إلى مضاعفة جهودهم نحو تحقيق أهدافهم. وأشار الكاتب إلى أن المقاومة ليست مشروعا «عقيما» بل «جزء أساسي من هوية من ينتسب إليها»، ولهذا السبب بالتحديد كان السنوار يرغب ألا يموت ميتة طبيعية بل بقذيفة دبابة على أرض المعركة، معتقدا أن ذلك سيقوّي المقاومة. وحذر الكاتب الإسرائيليين من أن ينشغلوا بالاحتفال وتوزيع الحلوى عن الواقع وخاطبهم متسائلا: «أتذكرون أبرز مؤسسي حماس أحمد ياسين أو القيادي الفلسطيني خليل الوزير (أبوجهاد) ثم ماذا عن الأمين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي أو مؤسس حركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي لقد كانوا بمنزلة وحوش لإسرائيل في السابق واستطاعت اغتيالهم كلهم ولكن المقاومة استمرت!. وأضاف «بقدر براعة الإسرائيليين في الثأر لدماء قتلاهم إلا أنهم لم ينجحوا قط في وضع نهاية حقيقية للمقاومة طوال العقود الماضية فما الذي يجعلهم يظنون أن قتلهم السنوار سيؤدي إلى نتيجة مختلفة هذه المرة؟ وبرأي الكاتب فإن قتل إسرائيل لرئيس حماس يحيى السنوار لن يكسر حماس بل سيشعل الغضب والرغبة في الانتقام في قلوب أعضائها تماما كما لم يضعف حركة الإخوان المسلمين اغتيال مؤسسها حسن البنا سنة 1949. ويرى كوك أن إستراتيجية إسرائيل الفاشلة في القضاء على الحركات باستهداف قادتها تماثل عقلية الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 فعلى الرغم من قتل القوات الأمريكية مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وخلفه أيمن الظواهري فإن التنظيم نجا كما استيقظ من رقدته تنظيم الدولة (داعش) بعد مقتل مؤسسه أبوبكر البغدادي ولا تزال هذه التنظيمات تشكل تهديدا للولايات المتحدة وحلفائها حتى اليوم. *في نفس السياق من جهتها قالت صحيفة «أوبزيرفر» البريطانية واسعة التوزيع إن صور مقتل المحارب الأخيرة وهو يدافع عن قضيته إلى الرمق الأخير أعطت لرئيس المكتب السياسي الراحل لحركة حماس يحيى السنوار مكانة عالية في «مقبرة العظماء» الفلسطينيين وأشارت بكل أمانة إلى أن الرواية الإسرائيلية التي كانت تقول إن مقاتلي حماس كانوا يتمتعون في الأنفاق بشرب الماء وأكل الطعام هي نفس الرواية التي قيلت عن السنوار وأنه محاط بالأسرى كدروع بشرية وهو ما ثبت عكسه في مشهد مقتله أثناء اشتباك مسلح بين الجيش الإسرائيلي وفصائل حماس بثته القنوات الإسرائيلية نفسها. وأضافت (الأوبزيرفر) أن «إرث السنوار سيتعزز من خلال روايته «الشوك والقرنفل» التي عبر فيها عن استعداده للتضحية بكل شيء من أجل الكرامة والعزة والإيمان، متسائلا: فلماذا التفاوض مع إسرائيل من موقف المغلوب إذن؟ تساءل السنوار مضيفا: عندما تستطيع حماس فرض شروط أخرى للعبة وهو ما تم عندما أنجزنا السابع من أكتوبر. وقال الصحفي عندما خطط السنوار لهجمات العام الماضي فكر فيما سترثه الأجيال القادمة. ثم أكدت الصحيفة البريطانية: «ستظل الأسطورة التي رباها واعتنى بها وهو حي بعده من خلال آلاف الملصقات واللوحات الجدارية وقد غيرت هجماته قواعد اللعبة والسؤال سيظل مفتوحا: ماذا جنت إسرائيل من اغتيال القادة؟ ولفتت الصحيفة إلى أن حقيقة مقتله في ساحة المعركة وهو يرتدي البزة العسكرية ويرمي القنابل اليدوية ويحاول منع اقتراب مسيرة منه بعصاه الخشبية بيده الوحيدة التي ظلت سليمة في صورة أخيرة عن التحدي في ظل كثرة الروايات الإسرائيلية والتي تضع زعيم حماس في مقام خاص عن أسلافه الذين اغتالتهم إسرائيل بغارات جوية وإسقاط قنابل على الأماكن التي كانوا فيها. وقالت إن الاحتلال حين اغتال الشيخ أحمد ياسين في 2004 كان على كرسيه المتحرك خارجا من الصلاة ولا تزال صور الشيخ أحمد ياسين شائعة في غزة والضفة الغربية وهي صورة مشابهة لصورة الثائر الأرجنتيني (تشي غيفارا) الذي قاتل مع الثورة الكوبية وقتل على يد الجيش البوليفي عام 1967 وبعد مقتله سجي جسده على طاولة لكي تلتقط صور له وكانت عيناه المفتوحتان تحدقان في الفراغ على الكاميرا. وأشارت الصحيفة إلى أن قادة حماس احتفوا باستشهاد السنوار في ساحة القتال وبعبارات خالد مشعل «مقبلا غير مدبر ومقاتلا على الخطوط الأمامية ومتحركا بين المواقع القتالية». كما انتشرت مقاطع من قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش على مواقع التواصل الاجتماعي التي قال مستخدمون إنها تنبأت بوفاة السنوار بهذه الطريقة وهي من قصيدة «مديح الظل العالي»: «حاصر حصارك لا مفر سقطت ذراعك فالتقطها لا مفر وسقطت قربك فالتقطني واضرب عدوك بي فأنت الآن حر حر حر».
630
| 25 أكتوبر 2024
محطة تاريخية كتب الله سبحانه علينا نحن العرب والمسلمين أن نعيشها ومن مؤشراتها ما ورد في خطاب حضرة صاحب السمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يوم الثلاثاء الماضي في افتتاح دور انعقاد مجلس الشورى حيث أدان سموه بشدة تجاوز إسرائيل لكل الحدود القانونية والأخلاقية وارتكابها جرائم الإبادة الجماعية في غزة واليوم في لبنان. وهذا الموقف من زعيم عربي جريء و صادق لا يهادن ولا يتخفى وراء الشعارات يؤكد تلاؤم دولة عربية مع الواقع المتغير بعمق بمواقف ثابتة لا تتحول مع مصالح دول أخرى وقد استمر سموه على نفس النهج في القمة الخليجية الأوروبية ببروكسل ثم مما يدعم نظرية التحول الكبير هو مشهد دفن جثمان الرقيب بالجيش الإسرائيلي (يوواف أغمون) الذي قتل في هجوم نفذه حزب الله بطائرة مسيرة على ثكنة عسكرية في حيفا، وبهذه المؤشرات يتأكد لدى العالم أن صفوف المقاومين أصحاب الحق تتعزز وتقوى بينما تتشتت صفوف المحتلين وتنهار. ثم إن من الحقائق التي لا يتطرق اليها الشك حقيقة مفادها أن ما نعيشه نحن العرب من محن قاسية وأزمات رهيبة ماهي سوى مؤشرات على التغييرات الجذرية وانقلاب موازين القوى فيما يسمى الشرق الأوسط وهذه التحولات الكبرى تطرأ تقريبا كل مائة عام ويذكر المؤرخون أن الخلافة العثمانية سقطت عام 1924 من أجل ما سموه اقتسام تركة الرجل المريض! والغريب أن «الرجل المريض المحتضر» ظل هو نفسه خلال القرن كاملا لكن الطوفان فرض بالقوة والحجة واقعا جديدا من الأكيد أن قوى الاستعمار والعنصرية لم تحسب له حسابا ولم تتوقعه! فحين ترون مشهد رئيس حكومة إسرائيل يهرع جريا الى المخبأ وترى الطبقة الحاكمة هناك مدنية وعسكرية منقسمة ومشتتة وأن مئات الآلاف تكتظ بهم المطارات لمغادرة «بلادهم» و يهاجرون الى الدول التي جاؤوا منها وولدوا فيها لأنهم فقدوا الأمن وفقد العديد منهم مدارس عيالهم نظرا لصفارات الإنذار المتعاقبة في أغلب مدن وقرى إسرائيل. هذا من جهة ومن جهة فلسطين وقضيتها العادلة نكتشف التعاطف الدولي الواسع والشبابي خاصة كما بدأ في جامعة كولومبيا ثم تعمم في أغلب جامعات العالم الغربي من أمريكا الى أوروبا وصولا الى اليابان ويستمر الى اليوم فندرك أن ما خطط له أعداء العرب والإسلام من «شرق أوسط جديد» بدأ ينهار وتبزغ شمس جديدة مبشرة بالسلام والشرعية والعدالة الدولية وتعلمون أن عنوان (الشرق الأوسط الجديد) هو كتاب (كونداليزا رايس) و (شيمون بيريز) وهو نفس شعار صهر الرئيس ترامب ( جاريد كوشنير) الذي قام بجولته في دول الشرق الأوسط مبشرا بحلول «مالية بديلة « للقضية الفلسطينية سنة 2017. ويسعدني أن أعرج بكم الى مداخلة مثقف يهودي أمين هو الأستاذ (جاكوب كوهين) الذي يعبر في فيديو ليفصح عن رؤيته للعالم وأول ما قاله هو شكره العميق لقناة الجزيرة التي مكنته من متابعة الأحداث المؤلمة على مدار الساعة وفي الفيديو الأخير الذي خصص لانخراط الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أزمة الشرق الأوسط قال السيد (جاكوب كوهين): «إن إيران مستهدفة منذ سنة 2000 رغم أن ثورتها على الشاه تمت عام 1979 وذلك بسبب رفض ايران دخول بيت الطاعة ورفض الاعتراف بسيطرة إسرائيل على الشرق الأوسط كوكيلة وحيدة للغرب الأطلسي واستقلت بقراراتها وحافظت على سيادتها بل امتدت لها أذرع خارجها. ويضيف هذا الرجل قوله بأن ايران خططت عام 2000 لبرنامجها النووي للاستعمال المدني فقط و لم تفكر قط في امتلاك سلاح نووي لكنكم تعلمون أن اسرائيل بإيعاز من الغرب الأطلسي منعت أي دولة عربية من التمكن من التكنولوجيا النووية حتى السلمية منها لكن ايران المسلمة أعلنت عصيانها لهذه الأوامر وشرعت تؤسس مفاعلاتها على سطح الأرض ولا تخفي منها تفاصيلها وطبعا تذكرون كيف شيد العراق في مطلع الثمانينات مفاعله لأغراض مدنية وانتظر الموساد اكتمال البناء فهب لقصفه يوم 7 يوليو 1981 واغتيال قائد الفريق العلمي الذي كان يتدرب في معهد (ساكلاي) الفرنسي و قتله أعوان الموساد في فندق بباريس وأغلق الملف النووي العراقي نهائيا. ويواصل الاستاذ شرحه فيقول بأن ايران منذ سنوات قليلة شعرت بخطر التهديدات الإسرائيلية فاتصلت بالرئيس الروسي (بوتين) فما كان من (بوتين) الا توقيع معاهدة تعاون إستراتيجي مع طهران تنص على بند الدفاع المشترك فايران تشكل قوة إقليمية تعتبرها روسيا حليفة لها وحامية لمصالحها في المنطقة الأكثر إنتاجا للطاقة من بترول وغاز والمتمتعة بموقع جغرافي استراتيجي يقرأ له العالم حسابا في أي أزمة قادمة. ** وأجاب السيد كوهين عن سؤال هو:» كيف تتوقع نهاية الحرب القذرة ضد فلسطين؟ فقال:» لو كان على رأس حكومة إسرائيل شخص ثان غير الموجود حاليا لأوقف الحرب وابتكر وسائل دبلوماسية تحفظ له ماء الوجه لكن (ناتنياهو) يعاني من مركب العظمة فهو رئيس الحكومة الأطول مدة في تاريخ تلك البلاد ويدعي البطولة ثم إنه مطلوب من عدالة بلاده لتجرئه على تغيير صلاحيات المحكمة الدستورية أعلى هيئة قضائية وتورطه مع زوجته في جرائم اختلاس أموال عمومية وهو ما رفضته أغلبية ساحقة من الشعب الإسرائيلي وخرجت مظاهراته مطالبة بالتفاوض مع حماس وإيقاف حرب الإبادة التي شوهت سمعة إسرائيل بينما ترفع الى اليوم شعار (الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!) هذه حالة (ناتنياهو) اليوم بعد مرور عام على الطوفان أي لا يستطيع إيقاف الحرب ولا يستطيع تحقيق أي من الغايات التي رسمها لها بسبب صمود حماس وسرايا القدس وردهما على كل ضربة بضربة وإثبات حقيقة تواجدهما على الميدان بل من المسافة صفر لأن المقاومين هم أبناء الأرض الفلسطينية المولودون منذ أجيال فوقها ويرفضون مغادرة بيوتهم المهدمة في ملحمة أسطورية أبهرت العالم وفي سياق مشابه أصدر معهد (بروكنغس) تقريرا استشرافيا شارك فيه عديد الباحثين الأمريكيين وهم من قدماء المسؤولين الكبار في وزارتي الخارجية والدفاع بواشنطن انتهت خلاصته الى حدوث تغييرات في خريطة الشرق الأوسط بحجة أن جيوشا عربية نظامية لم تصمد أمام جيش إسرائيل سوى ساعات في حرب يونيه 67 بينما تصمد حماس والجهاد والحوثيون أكثر من عام وهي منظمات منفردة لكنها ذات عقيدة وإرادة.
720
| 18 أكتوبر 2024
كثيراً ما نقرأ أو نسمع على وسائل الإعلام العالمية محاولات فهم المواقف القطرية تجاه الملفات الحارقة والأزمات المهددة بالتوسع ونشعر طبعا بالارتياح لما نسجله من موضوعية وأمانة في هذه المقاربات - إذا استثنينا القلة القليلة من الأبواق المأجورة ذات النوايا الهدامة التي لا تخفى على المتأمل الحصيف - ولفت نظري شرح قدمه أحد الأساتذة الخليجيين الدكتور محمد ظافر العجمي الأستاذ الكويتي للعلوم السياسية في جامعة الكويت في فيديو قال فيه: «قطر هي الوحيدة التي تشرع نوافذها لحركات التحرير فهي التي فتحت قبل انتهاء الحرب مكتبا لحركة طالبان مثلا بينما تصنف هذه الحركة لدى دول كثيرة على أنها منظمة إرهابية كما أن قطر هي الوحيدة من الجيران العرب التي فتحت في الدوحة مكتبا لحركة حماس قبل سنوات من الطوفان وانظروا إلى النتيجة حين مالت واشنطن للانسحاب من أفغانستان والتفاوض مع طالبان لم تجد سوى القناة القطرية ودبلوماسيتها النشيطة لتيسير تلك المفاوضات وإنقاذ الآلاف من الضحايا المحتملين من الأمريكان والأفغان (عشرون ألف قتيل أمريكي خلال عشرين سنة من الحرب مع خسارة الخزانة الأمريكية من أموال دافعي الضرائب لأكثر من 46 مليار دولار واستشهاد حوالي المليون أفغاني أغلبهم من سكان الجبال المزارعين وليسوا من المقاتلين المسلحين). وأضاف د. ظافر مؤكدا بأن الدوحة كانت دائما تطلع جميع الجهات على هذه العلاقات وهي تؤمن أن تلك النوافذ المفتوحة لا تصب في خانة طرف دون آخر، بل غاية قطر هي خدمة السلام والأمن الدوليين لا غير والحث على اتباع نهج المفاوضات والوفاق عوض الإسراع للحرب والحلول العسكرية وشهد الرأي العالمي على المباشر بفضل تلفزيون الجزيرة بقنواتها الخمسة مشاهد الانفراج بينما كانت الأزمة منذرة بالانفجار وحصد المزيد من الأرواح والمليارات المهدرة في حرب بلا نصر وبلا هزيمة أي مرشحة للتأبيد وحصد المزيد من الضحايا». ونحن نعتقد أن الذي يقوي المواقف القطرية ويكتب لها السلامة هو تمسك دولة قطر بمبادئ الشرعية الدولية والقانون الأممي الذي رغم هناته وزلاته يبقى السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف العبثية بأقل التكاليف مع حقن الدماء وتجفيف منابع العنف والإرهاب وهما اليوم يتسعان ويتعولمان (من العولمة) بسرعة الضوء بواسطة وسائل الاتصال الاجتماعية وتطور التكنولوجيا المذهل وانتشار المعلومة في حينها من أدنى الأرض إلى أقصاها بشكل آني مدهش. ** نحن نعلق على كلام الدكتور ظافر بالتذكير بتاريخ مشرف للدبلوماسية القطرية بتوجيه من قيادة الدولة بنفس المواقف أيام توسطت قطر في أزمة لبنان عام 2008 حين كان لبنان بلا رئيس بسبب استحالة توافق جميع الفصائل فدعا صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني كل الأطراف اللبنانية إلى اجتماع في الدوحة وتم ذلك في فندق شيراتون وكنت شخصيا مدعوا وعشت ذلك الجو من النقاشات والترددات والمطالبات حتى أن بعض الزملاء الإعلاميين كانوا يتندرون في قاعة الاتصال بالفندق زاعمين بأن سمو الأمير أمر بإغلاق أبواب الفندق إلى حين يتفقون وينتخبون رئيسا للجمهورية اللبنانية! وتم ذلك بالاتفاق على انتخاب الرئيس ميشال سليمان الذي ظل رئيسا من 2008 إلى 2014 بفضل اتفاق اللبنانيين أنفسهم وبفضل الجرأة القطرية وأميرها ووساطتهم المباركة التي يذكرها اللبنانيون بكل اعتزاز وفخر وانفرجت أزمة لبنان الشقيق واستقر اللبنانيون فترة من تاريخهم رمموا خلالها ما استطاعوا من أنقاض حرب أهلية مدمرة دامت 16 سنة وحصدت أرواحا من خيرة شباب هذه البلاد من كل الديانات والانتماءات بل وخلفت جراحا لم تندمل وذكريات لم تمح. مع العلم بأن هذه المساندة القيمة للبنان تتواصل مع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حفظه الله. وكانت الزيارة التي أدتها سعادة السيدة لؤلؤة بنت راشد الخاطر وزيرة الدولة للتعاون الدولي إلى بيروت آخر المستجدات في العلاقات القطرية اللبنانية، حيث أكدت سعادتها على استمرار موقف قطر الراسخ والثابت تجاه لبنان وسيادته وحقه في المحافظة على أمنه، كما أدانت بشدة كل الاعتداءات ضد المدنيين قائلة بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تكن تستطيع توسيع رقعة الصراع لو أن المجتمع الدولي وقف وقفة جادة وحازمة أمام ما كان يحدث في غزة من مجازر وعمليات إبادة غير مسبوقة وأضافت في نفس السياق أنه تم إطلاق الجسر الجوي من الدوحة إلى بيروت وننوي خلال هذا الشهر إرسال عشر طائرات (سي 17) محملة بالمواد الطبية ومواد الإيواء والغذاء مؤكدة على أن دعم لبنان هو موقف قديم ومستمر وهو دعم كذلك لمؤسسات الدولة اللبنانية الوطنية والقوات المسلحة اللبنانية التي تلعب دورا محليا في هذا السياق. ** انتهى تصريح سعادة وزيرة الدولة في بيروت والذي نقلته قناة الجزيرة مباشرة وأعقبه الشكر الخالص الذي عبر عنه السيد نجيب ميقاتي باسم جميع اللبنانيين وتقديرهم للموقف القطري الناجع ودوره في تخفيف معاناهم اليومية ومواجهتهم لقوات الاحتلال الخارجة عن كل القوانين والأعراف ثم للحقيقة والتاريخ فدولة قطر بتوجيه من سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لا تكتفي بإعلان الموقف أو الدعم الدبلوماسي أو تفعيل الوساطة بل هي التي خصصت 100 مليون دولار لدعم الجنوب اللبناني كما كانت في فلسطين عوضت بـ 100 مليون دولار أولئك المساهمين في وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) ثم انسحبوا منه تاركين أهل غزة في أوضاع إنسانية وصحية متردية مستجيبة في ذلك لنداء السيد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة وهو الذي أطلق على دولة قطر اسم الدولة الأممية والشريكة الكاملة في تحقيق السلام. ** وقبل الختام لا بد أن أذكر عجائب التاريخ التي تقلب الموازين وتعيد تركيب الأحداث بمنطق نعجز عن فهمه فلبنان اليوم يجد نفسه في نفس وضع 2008 أي بلا رئيس ويكتشف اللبنانيون أن مصيرهم ليس بأيديهم بل ينتظر اتفاق باريس وواشنطن وهو أمر شبه مستحيل وهذا الوضع مريح لرئيس حكومة الاحتلال الذي يواصل قصف لبنان من شماله إلى جنوبه بجنونه العنصري وهو يهدد بمجازر شبيهة بما وقع لغزة رغم قوة حزب الله الذي هدد العدو بمخطط (هدهد). العبرة من كل هذا هي غياب تنسيق عربي إسلامي شامل يحول أمتنا إلى قوة عظمى بين القوى تحمي مصالحها وتحرس حدودها وترفض العدوان والإذلال والخنوع. وهذا لعمري يرونه بعيدا ونراه قريبا لأن الله سبحانه قادر على نصرنا بالحق.
456
| 11 أكتوبر 2024
في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بالرئيس الإيراني هذا الأسبوع أثار صاحب السمو أمير قطر بجرأته المعهودة وتمسكه بالشرعية الدولية جملة من الحقائق التي تأكدت من خلال الشهادات التي نقدمها حيث تتواتر منذ السابع من أكتوبر الماضي شهادات قامات أمينة من بلاد الغرب وأحيانا من إسرائيليين ظلوا مسكونين بهواجس زوال دولتهم وينبهون مواطنيهم الى مخاطر التطرف اليميني العنصري الذي لا يستغني عنه ناتنياهو حتى يستمر عهد حكمه وهو واثق أنه مهدد بقضايا عدالة بلاده لو غادر السلطة! * هذه الحلقة العبثية المفرغة هي التي يتواصل فيها منطق الإبادة والانتقام السهل من المدنيين الأبرياء في قطاع غزة منذ سنة كاملة وفي لبنان اليوم. وتساءل رجل الدولة الديغولية النزيه الذي كان رئيسا لحكومة فرنسا ووزيرا لخارجيتها (السيد دومينيك دو فيلبان) هذا الأسبوع على المباشر في قناة فضائية فرنسية قائلا: «لن ينام إسرائيلي واحد مطمئنا على صوت صفارات الإنذار والهرع الى المخابئ تحت الأرض وهو يعيش يومه مذعورا من رشقات الصواريخ التي تنفذها حماس والجهاد من القطاع وينفذها الحوثيون من اليمن كما ينفذها حزب الله من لبنان وربما الحشد الشعبي من العراق وأخطرها انطلقت من إيران نفسها فجر الثلاثاء الماضي في شكل صواريخ بالستية متطورة تصنعها إيران ولا تستوردها من الغرب وقد ضربت أغلب جهات فلسطين المحتلة وانطلقت من مناطق عديدة في إيران! هذه الجبهات المفتوحة يتكاثر عددها ولا تعبأ بردود الفعل من الكيان المحتل نظرا للفرق الكبير أولا بين مقاوم فلسطيني مولود في أرضه وأرض أجداده وبين جيش (تساحال) القادمة فلوله من أوطان بعيدة وغريبة عن فلسطين. * ويضيف السيد (دوفيلبان) مؤكدا الفرق الشاسع بين الجمهورية الإيرانية ذات الخمسة آلاف سنة من التاريخ والحضارة وبين دولة نشأت عام 1947 على الإرهاب والقتل بتهجير 700 ألف فلسطيني من بيوتهم وإحلال شتات دخيل مكانهم! ويقول الرجل السياسي الأمين بأن هنا يكمن الداء الحقيقي والأصلي الذي جعل أوروبا تشعر بالذنب إزاء اليهود لأنها شاركت ألمانيا النازية في محرقتهم التي يسمونها (الهولوكوست) ويضيف:» هذه المأساة ستتواصل وأفضل طريقة لإصلاح ما أفسده الدهر هو قبول إسرائيل لحل الدولتين حيث يتعود الجيل الجديد على التعايش بسلام دون تعصب أو إلغاء للآخرين ويعود الأمن تدريجيا الى الشرق الأوسط! * و نلخص لكم في نفس السياق ما صرح به نائب الشعب الفرنسي (أيميريك كارون) يوم 27 سبتمبر 2024 لقناة فرنسية حيث قال بأن حقيقة المعضلة الفلسطينية هي في الأصل قضية استعمارية بل هي آخر استعمار استيطاني في العالم و في القرن الحادي والعشرين وصنعتها أياد غربية منذ وعد بلفور 1917 و في نفس المرحلة وقع الوزيران سايكس البريطاني وبيكو الفرنسي باسم الامبراطورتين معاهدة لتقسيم الشرق الأوسط بينهما وبدأت مأساة الشعوب العربية وخاصة الفلسطيني وفي عام 1947 جاء يهود العالم من كل حدب و صوب ليستقروا في أرض اخترعوا لها جذورا تلمودية تزعم أن ربهم وهب لهم هذه الأرض وحدهم بعرق يهودي صاف لم يلوث وبلغنا اليوم منذ 7 أكتوبر درجة من الفظاعة غير مسبوقة أمام صمت دولي غريب تشبع بالأوهام والأكاذيب ليترك المجازر تتم بعيدا عن المساءلة والعقاب بينما لدينا القانون الدولي الذي يحدد قانون الحرب وأخلاق المتحاربين والعودة للسلام عوض قبول قتل الأطفال أو قطع أطرافهم ولهذه الأسباب أريد فضح الاستعمار المسلط بالقوة والإبادة برضا الدول العظمى التي تريد التخلص من ذنوب مجازر اليهود التي بدأت في ألمانيا في عهد هتلر ولكن شاركت فيها أغلب دول أوروبا من بعد ثم تلقيها على شعب فلسطين وأضاف عضو مجلس النواب الفرنسي أننا علينا ومن واجبنا تصحيح التاريخ المدلس منذ 70 عاما حتى نحقق السلام العادل لكل الشعوب. * ونأتي إلى الصحفي الأمريكي الشهير (توماس فريدمان) والمعروف بتعاطفه مع إسرائيل حيث كتب افتتاحية (نيويورك تايمز) يقول فيها بجرأة غير معهودة:» إن خطأ الإدارة الأمريكية القديم هو النظر الى القضية الفلسطينية بعيون إسرائيل عوض مراعاة المصالح الأمريكية قبل كل اعتبار وأضاف بأن الرأي العام الأمريكي وقع التغرير به فاعتقد في مجمله أن مصالح الولايات المتحدة هي في مصالح إسرائيل مهما ارتكبت من مروق عن القانون بما فيه القانون الأمريكي بعد أن كانت إسرائيل تفاخر بأنها دولة القانون والديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!. * ونأتي الى تقرير دقيق ونزيه نشرته صحيفة (التلغراف) البريطانية هذه الأيام فكتبت:» العيش في إسرائيل تحول الى كابوس مع انعدام الأمن وأصبح علماؤها يغادرونها بل تصاعدت موجة من الهجرة المعاكسة فقد رحل 30 ألفا من خيرة أطبائها وأساتذتها الجامعيين مع تفاقم الميز العنصري المتطرف وقالت نشرية (كوفاس بي دي أي) المتخصصة في رصد الحياة الاجتماعية والاقتصادية إن الهجرة لا تقتصر على الأفراد بل إن عائلات بأكملها شعرت بضرورة العودة الى أوطانها الأصلية لتضمن التمدرس والأمن لأبنائها بسبب عجز إسرائيل عن جلب أساتذة أكفاء لجامعاتها كما أن شركات صناعية واقتصادية وتجارية غادرت إسرائيل بسبب نقص الإنتاج وتعطل التنمية وأكدت النشرية أن حوالي 60 ألفا من الشركات العاملة في اسرائيل حولت نشاطها الى دول أخرى منذ السابع من أكتوبر 2023 أو هي تخطط للرحيل. * ثم حللت (التلغراف) أسباب هذه الانهيارات المتعاقبة فأرجعتها الى تهديد رئيس الحكومة بتغيير قواعد القضاء مما يجعل الناس عادة غير مطمئنين لعدالة مهزوزة وإصرار ناتنياهو على مواصلة الحرب مما يهدد باندلاع حرب إقليمية واسعة فبعد غزة تحرك نحو لبنان وشاركت قوة عظمى في دك الحديدة باليمن وضرب مناطق في سوريا والعراق! * وعلى ضوء هذه الحقائق نلمس في الشرق الأوسط إعادة رسم الموازين وتغير مواقع القوة فيوم الأربعاء 2 أكتوبر تأكد أن جبهات المقاومة ترد بالصواريخ على الصواريخ وتتحدى من كان يتفاخر بأنه الأقوى والأعتى سلاحا والذي لا يهزم! عودة مباركة لروح الغضب المقدس لدى أصحاب الحق والشرعية والذين لا يخرجون عن القانون الدولي وهو الذي يمنحهم حق مقاومة محتلي أرضهم بكل الوسائل وبلغ التهور يوم الأربعاء بوزير خارجية حكومة إسرائيل أن أعلن بأن السيد (غوديريتش) الأمين العام للأمم المتحدة يعتبر شخصا غير مرغوب فيه في «بلادهم» وهو سلوك غير مسبوق!
693
| 04 أكتوبر 2024
• شارك صاحب السمو أمير قطر حفظه الله كعادته منذ سنة 2013 ككل سنة في أشغال وأنشطة وجهود الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة التي سبقها في دورتها 79 الراهنة انعقاد مؤتمر المستقبل، وهو كما قال السيد (غوديريش) الأمين العام مخصص لتوضيح معالم مصير العالم في مرحلة تاريخية معقدة تهدد البشرية خلالها بالحروب والأزمات والمجاعات، مع العلم أن هذا المصير تقرره وتحلله كل دول المنظومة الأممية، لأنه ما من أحد يضمن لنفسه السلامة والأمان لو انعزل عن بقية الدول بينما نحن جميعا في عين العاصفة. وطبعا كانت قطر حاضرة بمشاركة معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الذي تكلم بلسان الحكمة والتمسك بالقانون الدولي والشرعية الأممية بتوجيه من صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ونذكر أن الخطب التي ألقاها سموه من على منبر الجمعية العامة قررت المنظمة اعتبارها وثائق مرجعية تحفظ في أرشيف الأمم المتحدة، والسبب كما نعلم هو تقدم دولة قطر في الطليعة لدعم كل مؤسسات الأمم المتحدة وتدشين أمينها العام لبيت الأمم المتحدة الذي أنشأته قطر في الدوحة ليأوي في صلبه جميع جهودها الإنسانية لمقاومة الإرهاب ونجدة الشعوب المنكوبة بالحروب والمهددة بالأوبئة والمجاعات. * والمشاركة القطرية ليست موسمية بل يومية بفضل نشاط سعادة الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني ومساهماتها في كل المؤتمرات والندوات التي تنظم في نيويورك من أجل تحقيق غايات السلام والأمن الدوليين. وجاء الخطاب الأميري المنتظر في موعده يوم الثلاثاء ليحرك السواكن ويصدع بالحقائق فكان بحق صوت الشعوب العربية والمسلمة بعيدا عما تعود عليه الآخرون من حذر دبلوماسي ومجاراة لرغبات القوى العظمى، فأعلن العديد من الخبراء الفلسطينيين والعرب أن سموه عبر عما يخالج ضمائر جماهيرنا في كل مكان، ومن بين هؤلاء الخبراء الدكتور عبد الحميد صيام الملاحظ للتحولات الكبرى في اللغة والمضامين اللتين طبعتا مواقف دولة قطر في كل المناسبات الأممية وخصص الشيخ تميم بن حمد حيزا محترما هو الأكبر للقضية الفلسطينية لإيمان سموه بأنها القضية المركزية والتي لو تواصل إنكارها أو تدليس تاريخها تصبح التهديد الأخطر للسلام العالمي. وهنا أعلن الأمير حفظه الله، أن أصل الأزمة هو الاحتلال، وأكد أن من يقول اليوم بأنه يساند إسرائيل في حقها في الدفاع عن أمنها هو في الواقع شريك في العدوان وفي حرب الإبادة؛ لأنه ينكر على الفلسطينيين حقهم في مقاومة الاحتلال بينما هم أصحاب الأرض ولدوا عليها وتشبثوا بها كما رأينا حتى فوق أنقاض ديارهم وعلى جثامين شهدائها من المدنيين، ومؤكدا سموه أن حل الأزمة الشرق أوسطية المعقدة يبقى الاعتراف بدولتين تتعايشان بسلام وتكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية كاملة السيادة واستقلال الخيارات. ومن جهتها تابعت وسائل الإعلام العربية والعالمية باهتمام كبير الخطاب الذي ألقاه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين التي عقدت هذه الأيام في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث أفردت له مساحات واسعة من تغطياتها الإخبارية. كما أبرزت وسائل الإعلام القضايا العربية والدولية التي تضمنها الخطاب مركزة على قول سموه حفظه الله، إن دولة قطر تواصل تمسكها بالموقف المبدئي من عدالة القضية الفلسطينية التي أصبحت امتحانا لمصداقية ساسة دول العالم تجاه منطقة الشرق الأوسط. فتحت عنوان: «أمير قطر يؤكد التزام بلاده بمواصلة الجهود في صناعة السلام وتيسيره» أشارت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) إلى تأكيد حضرة صاحب السمو أمير البلاد «ضرورة حل النزاعات بالطرق السلمية معلنا التزام بلاده بمواصلة الجهود في تيسير وصناعة السلام». ونقل رؤساء تحرير الصحف القطرية على القناة القطرية أهم الجمل الجريئة التي وردت على لسان سموه ومنها: «أوقفوا العدوان على غزة وعلى لبنان، والقوة لا تلغي الحق والحرب لن تجلب السلام، ثم الوساطة خيارنا الاستراتيجي وواجبنا الأخلاقي، والباحثون عن إدارة غزة بعد الحرب يريدون تفصيل المنطقة على قياس إسرائيل، وتبقى فلسطين عصية على التهميش لأنها قضية سكان أصليين، وتأكيد سموه أن الأونروا تعرضت الى افتراءات لتصفية قضية اللاجئين، ثم قال سموه «إن الاحتلال نظام فصل عنصري في القرن الحادي والعشرين ومع الأسف لم تستنتج الدول الكبرى بعد الكارثة ضرورة وقف الحرب، مؤكدا سموه أن زوال الاحتلال ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير ليس منة أو مكرمة من أحد. وعلق رئيس تحرير جريدة «الشرق» الزميل جابر سالم الحرمي بالقول: إن الأمير كشف للعالم همجية العدوان على غزة ومما قاله سموه حفظه الله: «نحن نعارض العنف والتعرض للمدنيين الأبرياء من أي طرف كان ولكن بعد مرور عام على الحرب ومع كل ما يرتكب لم يعد بوسع أي مسؤول الادعاء أنه لا يعلم، فالحقائق معروفة والتقارير عن قصف المدارس والمستشفيات واستخدام الغذاء والدواء سلاحا تصدر عن منظمات دولية ونوايا القادة الإسرائيليين منشورة وتقال على رؤوس الأشهاد. ولذلك فإن عدم التدخل لوقف العدوان هو فضيحة كبرى. وأضاف سموه أنه في كل عام يقف على هذا المنبر ويبدأ كلمته بالحديث عن قضية فلسطين وغياب العدالة ومخاطر الاعتقاد أنه يمكن تجاهلها وأوهام السلام من دون حلها حلا عادلا قائلا: «فعلت ذلك كل عام في الوقت الذي باتت قضية فلسطين تغيب عن خطابات ممثلي قوى رئيسية في عالمنا وثمة من يغريه احتمال تهميش هذه القضية والاستراحة من همها أو زوالها بدون حلها! لكن قضية فلسطين عصية على التهميش لأنها قضية سكان أصليين على أرضهم يتعرضون لاحتلال استيطاني إحلالي رغم إصرار السلطات الإسرائيلية على فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين وعلى العالم بكل أنواع القوة، لقد أطلقت الحرب الوحشية الجارية رصاصة الرحمة على الشرعية الدولية، وألحقت أضرارا فادحة بمصداقية المفاهيم التي قام على أساسها المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. كما قرأنا وعشنا الحدث وجرأة صاحب السمو الأمير في الصدع بالحق دون حذر، تعودنا أن نصفه بالدبلوماسي للهروب من مواجهة الواقع والمشاركة بوعي أو دون وعي في طمس الحقوق أو نكرانها وهي الحقوق الشرعية لشعب أصبح اليوم يحتل مقعدا بين الدول في المنتظم الأممي. هذه أهم الحقائق التي صارح بها سمو الأمير كل مسؤولي الدول الحاضرين في الجمعية العامة أينما كانوا وكيفما كانت مواقفهم وبسبب تلك الصراحة وذلك الوضوح وصفت نشريه (وورلد نيوز) الخطاب الأميري بكونه إلقاء حجر في بحيرة أسنة كان مفعولها سريعا يوقظ الضمائر ويحرك المواقف ويغير الاتجاهات. ومن قلوب جميع الفلسطينيين والعرب والمسلمين نهتف ألف شكر وتقدير يا سمو الأمير وعشت للحق نصيرا وبحقوق الأمة بصيرا.
543
| 27 سبتمبر 2024
بعد سنة من حدث 7 أكتوبر التاريخي السياسي المفاجئ الذي أدخل العالم في دوامة بدأ يتضح المشهد الإستراتيجي بكل ألوانه وأطيافه ليتبين منه ما كان مجهولا أو مسكوتا عنه. فالرأي العام الدولي يدرك اليوم أن حالة الجمود والتمسك بالمواقف الأولية الموروثة لم تعد تخدم الأمن والسلام الدوليين بل أصبحت إسرائيل عبئا ثقيلا على الدول العظمى حتى لو جنت منه بعضها «غنائم» مؤقتة. وسجل العالم جرائم إرهابية جديدة حين تفجرت آلاف الأجهزة الإلكترونية (بايجرس) في وجوه وجيوب مالكيها من إخوتنا اللبنانيين يوم 17 سبتمبر بعد أن جاءت المفاجأة من اليمن فجر يوم الأحد 15 سبتمبر الجاري متمثلة في صاروخ بالستي من الجيل الجديد انطلق من اليمن وقطع مسافة أكثر من ألفي كيلو متر في دقائق قليلة ولم تقتنصه رادارات القبة الحديدية فأصاب تل أبيب وكاد يدمر مطار بن غوريون الدولي وكانت هذه الجبهة اليمنية أقوى مما توقع العدو المحتل الذي فقد صوابه وتفرقت قياداته بينما تعززت فلسطين بمقاومة الاحتلال وتوحيد صفوفها. ولا أخفي قرائي الأفاضل أنني خلال إجازتي الأخيرة تجولت في عدة عواصم أوروبية حيث كنت دائم الاستئناس بتصورات واستشرافات عدد من الزملاء المحللين الكبار لملفات الشرق الأوسط وأعرف منذ عقود أنهم خلال عملهم الأكاديمي في مراكز البحث والتوقعات يصيبون في أغلب الحالات كبد الحقيقة ويتوفقون إلى وضع سيناريوهات مستقبلية للعديد من الأزمات على ضوء اطلاعهم اللصيق على مصالح الدول وتفكيك حساباتها الظاهرة والباطنة وعلى ضوء معرفة عميقة بجينات الدول الشرقية وتوقعات ردود أفعال قادتها ونخبها. وأقدم للقراء الكرام اجتهاداتي في استخلاص نتائج تفكير زملائي الأوروبيين إزاء حالة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية. يضع هؤلاء ثلاثة سيناريوهات أوجزها كالتالي: 1 - السيناريو الأقرب احتمالا هو أن تشكل الدول الخمسة الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن خلية أزمة مشتركة للاتفاق حول مشروع حل سلمي ومتكافئ لأزمة سياسية وأخلاقية نتجت عن حرب الإبادة التي يشنها يوميا (ناتنياهو) لا من أجل وطنه كما يدعي بل من أجل نجاته الشخصية من قضاء بلاده الذي ينتظر محاكمته عن العديد من الجرائم في السلم وفي الحرب فهذا المتطرف يعتبر استمرار الإبادة الانتقامية طريقه الوحيد للإفلات من المحاسبة. ولعل أهم خطوط هذا المشروع تنطلق من قراءة جديدة للملف الفلسطيني الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر 2023 بل بدأت المأساة من النكبة 1947 حين تم تعويض شعب أصيل بشتات دخيل وهو ما أكده معالي رئيس مجلس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن حين شرح موقف دولة قطر المنخرطة في جهود الوساطة بغاية إيقاف حرب الإبادة والتوفق إلى ابتكار حلول جذرية للأزمة وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه الطبيعي في دولة مستقلة وذات سيادة يكون مكانها السلمي في شرق أوسط أعدل وأكثر أمانا. ومن جهته أشار الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الدكتور ماجد الأنصاري يوم الثلاثاء الماضي إلى أنه: «يجب أن تتحمل إسرائيل مسؤوليتها في القصف الانتقامي أمام المحاكم الأممية». ويقول بعض زملائي الأكاديميين إن إدانة قطر بأشد العبارات استمرار حرب الإبادة ستفتح مجالا لتفسر دولة قطر توجهاتها الصادقة والناجعة في التمسك بالقانون الدولي والشرعية الدولية للوصول إلى حل معقول يعتمد تأسيس دولتين جارتين أي الرجوع لما قبل الخامس من يونيو 67 أي ما قبل الاحتلال بالقوة لأراض شاسعة لدول عربية جارة وهذا الموقف القطري الثابت يندرج في جهود قطر في الحرب على الإرهاب وتجفيف منابعه وملاحقة مرتكبيه ثم لتشرح لشقيقاتها وللرأي العام العالمي منطلقات علاقاتها مع الجمهورية الإيرانية باعتبارها شريكا في السلام بحكم الدين والجغرافيا مع مراعاة دولة قطر لمصالح كل دول الشرق الأوسط في كنف التعاون واحترام الشرعية الدولية وخدمة للسلام العالمي لتكون دولة قطر أول من يبادر بإقرار مناخ من الصفاء وعودة الثقة بين الأشقاء. والأرجح في تفكير هؤلاء الزملاء الغربيين أن الدول الخمسة وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا في حال اتفق دبلوماسيوها في لقاءاتهم على مشروع حل الدولتين سوف يقدمونه إلى المنتظم الأممي ويدعون إلى فرضه بقرارات مجلس الأمن الملزمة. 2) السيناريو الثاني هو أن تنجح الدول العربية والمسلمة النشيطة في تقديم مبادرة قريبة من مبادرة الدول الأعضاء في مجلس الأمن ومنها المبادرة التي قدمها الرئيس بايدن مثل التي عرفت بمبادرة السلام العربية تلك المبادرة التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية للسلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين هدفها إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل ونتذكر أن هذه المبادرة التي أعلنها الملك عبد الله رحمه الله سنة 2002 ضاعت أو كادت بسبب تعنت اليمين المتطرف في إسرائيل والذي يتحالف مع أحزاب تلمودية لا تؤمن بالسلام مع جيرانها بل تعتقد أن نصوص التوراة أعطت كل فلسطين للعرق اليهودي وفضلته على العالمين! وهؤلاء متمسكون بدولة يهودية صافية من النهر إلى البحر. 3) السيناريو الثالث الذي يبدو الوحيد عندما يصعب أو يستحيل تحقيق أحد السيناريوهين الأسبقين هو انتقال ملف الأزمة إلى مجلس الأمن بالتوازي مع المحكمة الدولية بلاهاي (وهي الجهاز القضائي الذي يتبع منظمة الأمم المتحدة وأحد الآليات المكلفة بحل النزاعات على أساس القانون الدولي وحفظ الأمن والسلام الدوليين).
819
| 20 سبتمبر 2024
مع رحيل آخر الرجال الثلاثة الذين صادقتهم في الغرب (الفيلسوف المسلم رجاء جارودي) ومع رحيل (ميشال جوبير وزير خارجية فرنسا الأسبق) ترجل عن جواده آخرهم المفكر الاقتصادي الأمريكي ومستشار الرئيس الأسبق (رونالد ريجن) صديقي منذ الثمانينيات (ليندن لا روش) والى يوم الناس هذا عندما يدلهم ليل الأحداث الجسام وتنزل على العالم صواعق مثل هذه التي نحياها في حرب إبادة شعب غزة باستمرار ارتكاب جرائم حرب بأيدي حكومة متطرفة في إسرائيل لا يهم رئيسها سوى بقائه في الحكم والإفلات من محاسبة عسيرة مبرمجة في قضاء بلاده! * أمام هذه المخاطر التي نبه اليها وسطاء السلام أستعيد من أرشيف ذاكرتي مواقف ثلاث قامات من صلب الغرب صنعوا جزءا من تاريخ الغرب الحديث بمشاركتهم في إنجاح مسار الحوار بين الإسلام والغرب الذي انطلق من دولة قطر في مؤتمرات سنوية عديدة وظلوا صامدين لم تزعزعهم نزعات التطرف والعنصرية ولا حتى المحاكمات الكيدية. جمعتني بهؤلاء الرجال الثلاث صداقات قديمة أصيلة حرصت على رعايتها وتنميتها خلال زمن المنفى الصعب ذلك الزمن القاسي الذي يخذلك فيه من اعتبرتهم ذات يوم أصدقاء ويتفرق من حولك المنافقون الذين جمعتهم بك مسؤوليات سياسية زائلة وأعراض دنيوية عابرة. ولكن (ليندن لاروش) رجل الاقتصاد الأمريكي المعروف والمرشح الأسبق لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية و(ميشال جوبير) وزير خارجية فرنسا الأسبق و(رجاء جارودي) الفيلسوف الفرنسي المسلم الذي نذر نصف قرن من حياته لخدمة حوار الحضارات وفضح أكاذيب الصهيونية هؤلاء الرجال الثلاث يظلون شامخين في ذاكرتي وفي ضميري من ذلك المعدن الأصيل الثمين الذي لا يتغير مع الأحداث وفي هذه المحنة التي تمر بها حضارة الإسلام وهي محنة متعددة الأبعاد: من العراق إلى فلسطين إلى نذر الفوضى في ليبيا ومصر واليمن مرورا بمحنة سوريا التي لا نرى لها أفق حل إلى تونس التي انطلقت منها أول شرارة رفض الاستبداد وحققت مكاسب غالية ولكنها فقدت الأمن والعافية! * استرجعت أحاديثي المطولة مع هؤلاء الأصدقاء الثلاث وقرأت محطاتها بعيون أخرى مختلفة وأنا دائس معكم جميعا أيها القراء الكرام على جمر هذه المصائب حين أذكر حديثي مع (ليندن لاروش) في يوم دافئ من أيام نوفمبر 1984 حيث دعاني إلى قضاء يوم في «رانشه» بولاية بنسلفانيا غير بعيد عن واشنطن وكنت في ذلك العهد عضوا بالبرلمان التونسي مقررا للجنة الشؤون السياسية في أواخر عهد بورقيبة وكان بالطبع لاروش كأي سياسي أمريكي يريد أن يطلع على مشاغل الطبقة السياسية المغاربية واتجاهات الرأي العام العربي إزاء العلاقات الأمريكية العربية وبخاصة قضية فلسطين وتعامل إدارة الرئيس رونالد ريجن في ذلك الزمن مع تلك القضية. وكنت بدوري حريصا على فهم ذلك الجهاز المعقد الذي اسمه أمريكا وكيف يتاح للعرب إيجاد قنوات للتعامل مع الرأي العام الأمريكي لأنه ذو التأثير الحاسم على مجريات القضية الفلسطينية وكانت تونس في ذلك العقد من الزمن تؤوي جامعة الدول العربية وتستضيف منظمة التحرير الفلسطينية وأبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد وأبو اللطف وكل القيادة المناضلة فاهتمام (ليندن لاروش) بما كنت أقوله هو اهتمام طبيعي بالنظر لموقع تونس القوي آنذاك ودورها في بلورة سياساته العربية. *قال لي لاروش ونحن نتغدى على مائدته مع زوجته هلجا: «أنا أعتقد أن ليس للإدارة الأمريكية سياسة عربية فهي منذ (دوايت ايزنهاور) تستعيض عنها بالسياسة الإسرائيلية.. هذا هو الخطر الكبير الذي يهدد مصالح أمريكا على المدى البعيد.. لأن البيت الأبيض ينظر للعرب بعيون إسرائيلية.. لاحظ مثلا اعتبار ياسر عرفات إرهابيا من قبل إدارة (ريجن) لا لشيء إلا لأن إسرائيل تعتبره إرهابيا وأكد لي لاروش أنه كتب مذكرة لريجن وقال له إن عرفات ينتمي إلى آخر جيل فلسطيني يقبل التفاوض وأن الجيل الذي سيأتي بعده سيأخذ حقوقه بالسلاح والعنف.. نحن نتوقع أن يتحول جزء من ذلك العنف ليضرب أمريكا ذاتها في يوم من الأيام.. لأننا لم نستقل بعد عن الرؤية والتصور والأنماط والمصالح السائدة في إسرائيل. هكذا تكلم ليندن لاروش منذ أربعين سنة. * أما ميشال جوبير وزير خارجية فرنسا المولود في المغرب العربي والقلم المنصف للعرب ولقضية فلسطين فأنا أذكر حديثه منذ ثلاثين سنة في مطعم سان فرانسيسكو الذي نلتقي فيه أسبوعيا كل يوم أحد ويحرص كلانا على احترام تلك المواعيد. قال لي ذات يوم صيفي عام 1996: إنني أعجب من العمى السياسي الذي يصيب الإدارة الأمريكية.. رئيسا تلو رئيس. وأعتقد أن الجهل هو سبب ذلك العمى وذلك التخبط فالأمريكي المتوسط الذي يصنع الرأي العام الضاغط عادة على قرارات الإدارة الأمريكية هو مواطن محدود المدارك السياسية ليس لديه طموح في أن يعرف حقيقة الصراع العربي الإسرائيلي. فإسرائيل بالنسبة إليه هي الدولة الموالية لأمريكا وحامية الغرب من شعوب عربية متخلفة «غير ديمقراطية» وهذه الرؤية لدى الأمريكي المتوسط هي رؤية إسرائيلية.. صاغتها وسوغتها وروجتها أجهزة إعلامية ذات تأثير خاصة القنوات التلفزيونية الأهلية والمحلية التي تبث لولاية أو لمدينة كبرى أو لمجموعة مدن. هذا هو المجتمع الأمريكي أمام قضية فلسطين.. كيف نغير هذه المعادلة؟ هكذا تكلم ميشال جوبير وهو الذي عاش طول حياته مسكونا بهاجس التخبط الأمريكي ويعتبره أم المعضلات أمام قضية فلسطين. وأني أقرأ مقالات جوبير الصادرة بعد 11 سبتمبر 2001 وأرى أنه حلل الأحداث بنفس المنطق بل إنه عندما كان يتحاور في عام 1973 مع زميله الأمريكي (هنري كيسنجر) ينصح الإدارة الأمريكية بقراءة حرب أكتوبر 73 بعيون أخرى وتوقع أزمة عالمية كبرى من جراء مساندة الظلم الإسرائيلي دون ضوابط. * أما الصديق المفكر رجاء جارودي رحمة الله عليه فكانت لي معه أحاديث مطولة في بيته.. قال لي منذ ثلاثين سنة «إني أكتب كتابا هذه الأيام سوف أضع له عنوانا هو : أمريكا تقود العالم إلى الهاوية! فقلت له: لعل هذا الاستنتاج مبالغ فيه.. فرد عليّ قائلا: لا إنها الحقيقة.. لم تدرك أمريكا بعد أن حجمها العملاق يفرض عليها اليوم رسالة في حوار الحضارات ونصرة المظلومين ورفع راية مبادئ حقوق الشعوب وحقوق الإنسان.. إلى اليوم لم تتعلم تلك القوة العظمى أن عالما خاليا من تلك المبادئ لن يصمد.. وسيجرف أمريكا معه ـ أو تجرفه أمريكا ـ إلى الهاوية. إن أمريكا تمهد مع الأسف لعالم دون قيم أو بالأحرى بقيم دون محتوى فهي ترفع شعارات الحرية ـ مثل تمثالها الشهير ـ لكنها لم تتحول إلى ممارسة سياسية وحضارية. هكذا تكلم ثلاثة رجال أقدرهم وأحترمهم.. والزمن أعطاهم الحق والمصداقية.
825
| 13 سبتمبر 2024
منذ إنشاء جامعة الدول العربية تكررت النداءات والمبادرات للعرب حتى يغيروا ميثاق جامعة الدول العربية ليحولوها الى جامعة شعوب عربية بعد أن ثبت أن هذه المنظمة العريقة التي تأسست قبل منظمة الأمم المتحدة أصبحت أداة طيعة في أيدي دولة عربية واحدة وهو ما عطل جهودها وضيع مكاسبها. طبعا مع الأسف لم تستجب الأطراف المعنية لتلك المبادرات واستمر العجز وتواصل الخروج العربي من التاريخ. اليوم رغم العوائق فإن حركة مباركة تشهدها الساحة المغاربية منذ الطوفان الذي قلب الموازين العربية والإقليمية والعالمية جسدتها النخب المثقفة والواعية بفرض وضع إعادة الاتحاد المغاربي في أولوية برامج الدول كما عززتها دعوات النخبة لإعطاء الأولوية لتأسيس اتحاد مغاربي قوي وحر وفاعل يقف أمام تهور الكيان المحتل ومروقه عن كل الأخلاق والقوانين الدولية ولكن الإشارة التي يجب التقاطها من قبل النخب والمجتمعات المدنية المغاربية هي أن خلايا العنف وفلول الإحباط تستعيد نشاطها وأن الذي أفشل عمليتها هذه المرة هو التنسيق المغاربي حتى في أدنى مستوياته ثم إنك لو تأملت محاولة بعض الأطراف تسميم أجواء تونس وليبيا ومصر والجزائر وموريتانيا بخلق بؤر التوتر الاجتماعي والأيديولوجي فإنك توقن بأن مكاسب التحولات العميقة في هذه البلدان تبقى مهددة بظهور حركات عنيفة تلبس رداء المطلبيات وتهدف إلى إشاعة مناخ من الفوضى لا يخدم سوى مصالح أعدائنا. ويمكن القول إن تعطل الاتحاد المغاربي في بناء مؤسساته وتنسيق سياساته كان له دور في تشكل اتحاد أعداء كل عمل عربي ومغاربي صالح فكلما تعثرت وحدة الدول والمجتمعات المدنية في البلدان المغاربية كلما تسارعت خطوات العصابات المنظمة من كل لون وطيف لملء الفراغ واحتلال العقول واختراق الحدود. وقد كانت المواجهات المسلحة المحدودة بين قوات الأمن التونسية والليبية والجزائرية والموريتانية وبعض العناصر المغرر بها خلال السنوات الماضية منعرجا خطيرا في ممارسات الجماعات المسلحة التي تلبس أقنعة الجهادية والقاعدة حيث تعولمت تحركاتها بشكل لافت فاستعملت أدوات العصر الإلكترونية وتلقت تدريباتها ومدت فروعها وأعلن فريق منهم الولاء والمبايعة لتنظيم القاعدة أو داعش بقصد تهديد الاستقرار الضروري لكل سلام مدني وكل بناء مغاربي ذلك الاستقرار الذي ثبت أنه يظل هشا ما لم تتعمق السلطة والمجتمع المدني في معالجة المشكلات سياسيا وتربويا وثقافيا وألا يقتصر التعاطي معها بالوسائل الأمنية وحدها وانفراد شخص واحد بالقرار دون ديمقراطية تبقى هي صمام الأمان لمستقبل الأمم. ونحن نثق في مجتمع مغاربي يعرف منذ التاريخ العريق بوداعة أهله وطيب العيش فيه وانعدام الطائفية ورفعة مستوى الحس المدني والثقافي والفكري وبلوغ النخبة درجات عالية من الوعي السياسي والمشاركة الحضارية. ونعيد للأذهان ما كانت نبهت إليه مؤسسة التميمي للبحث العلمي في تونس قبل الربيع العربي أثناء مؤتمرها الحادي والعشرين حول تكلفة اللامغرب حين طرحت سؤال: ماذا يخسر المغاربيون من غياب الوحدة أو تأجيلها! بمشاركة أساتذة بارزين وأصحاب قرار نافذين من كل بلدان المغرب العربي، وتدارسوا أسباب تعثر البناء المغاربي بينما هو حلم الأجيال التي جاهدت من أجل استقلاله وتأسيس دوله الحديثة واقترحوا وسائل تحقيق وحدته وهي نفس الوسائل التي ما انفك يقترحها المثقفون المغاربيون منذ عقود ولا من مجيب. وفي البيان الختامي عدد المشاركون في المؤتمر أسباب إحباط المشروع الوحدوي المغاربي كالتالي: النزعة السيادية المشطة لكل دولة ذات الطابع الانفرادي وغياب المشاركة الموسعة لمؤسسات المجتمع المدني في القرارات المتخذة وتغييب الأبعاد المغاربية في التعليم والبحث العلمي والإعلام وعجز السلطات المغاربية عن إيجاد حلول توفيقية لبعض المعضلات السياسية وضياع الوقت وإهدار الإمكانات في عقد اجتماعات ماراثونية لم تنتج سوى الشعور بخيبة الأمل وإعلان الفشل الذريع. هذه لمحة عن تشريح الإخفاق المغاربي من لدن نخبة متميزة من أبنائه وضعت أصابعها على أصول الداء واقترحت العلاج السياسي والثقافي الجريء الذي لا يقتصر على رفع العصا في كل اتجاه بدعوى الحفاظ على الأمن. ويتطرق بيان المؤتمر إلى دقة المتغيرات الجيوسياسية والمعرفية والاقتصادية وضرورة إعادة ترتيب البيت المغاربي على أساس بناء صرح إقليمي ديمقراطي منفتح على العولمة والتكنولوجيات وتأمين الحريات المواطنية الأساسية باعتبار الحرية هي المعيار الصحيح لأي تقدم ولأية تنمية حقيقية. فهل من خطاب أبلغ ومن رسالة أوضح يوجهها المؤتمرون المغاربيون لأصحاب القرار السياسي حتى تكون الوحدة المغاربية الديمقراطية هي الدرع الواقي لشعوبنا من مغبة الإرهاب القائم بغطرسة في فلسطين المحتلة؟ الى جانب الفوضى وقمع الحريات وهجرة العقول وضياع الاستقلال؟ ويأتي الربيع الجديد برايته الإسلامية ليهز الضمائر ويحرك المشاعر ويوقظ الهمم حتى نؤسس جبهة مغاربية حقيقية وقوية للتصدي للإرهاب والإحباط لا بالمعالجة الأمنية فقط والتي لم تعد تكفي رغم أهميتها لتوفير الأمن واتقاء الفتنة ولكن بمواجهة المعضلات التي عددها المؤتمرون بما سموه على استحياء ضرورة إيجاد الحلول التوفيقية للمشاكل السياسية القائمة وهنا نلتقي جميعا أبناء المغرب العربي حول استعجالية الوفاق الوطني والإقليمي وطي صفحات الماضي لنكون يدا واحدة ضد الاستبداد والردة الحضارية والعنف الأعمى. إنها أمانة في أعناق جيلكم وفي أعناقنا جميعا.
408
| 06 سبتمبر 2024
تحيي قناة الجزيرة هذه الأيام ذكرى تأسيسها وهو موعد لا يرتبط بيوم محدد لأن القناة تأسست على مراحل وقد تحولت مع الأحداث إلى ظاهرة حضارية أكثر من كونها ظاهرة إعلامية أو سياسية فتغير بفضل نقلها الذكي والموضوعي للحقائق ذلك المشهد العربي البائس لتتفجر عبقرية الأمة وتشارك الشعوب في حركة التاريخ. وأذكر عندما بدأ البث التجريبي لقناة الجزيرة في قطر أواسط التسعينيات كنت أستاذا مشاركا للإعلام في جامعة قطر وبالطبع مثل غيري من حملة الهموم الإعلامية اهتممت عن كثب بهذه القناة الوليدة خاصة وقد أعادت لي شخصيا بعض الزملاء والأصدقاء الذين فرق الدهر بيني وبينهم مثل الأخ الفاضل محمد كريشان والزميلة القديرة ليلى الشايب حين عادا من مغامرة (البي بي سي) العربية من لندن برصيد مهني احترافي ثري جمع في سنوات لندن بين الاستقلالية عن الإملاء والخبرة العالمية العالية. وجاء معهما فريق إعلامي رفيع المستوى يضم مؤسسي (البي بي سي العربية) أمثال سامي حداد وجميل عازر وفيصل القاسم وأحمد الشيخ وحسن إبراهيم وجمال ريان والأخوين الشولي وتعود لذاكرتي خاصة صورة المكلف بالأرشيف والدعوات (الذي هو صاحب أضخم مذكرة أرقام هاتفية للمسؤولين وأصحاب القرار والمحللين السياسيين في العالم) وصلاح نجم وغيرهم ولم يلبث أن انضم إليهم جمع طيب من الشباب الإعلاميين ذوي الإسهامات الطويلة في المجال الاتصالي أمثال مديرها العام الأسبق وضاح خنفر وأحمد منصور وغسان بن جدو وماهر عبد الله وهويدا طه وتيسير علوني وكثيرون قد أكون ظلمتهم عندما لم أذكر أسماءهم. وإلى هذه النخبة انضم شباب قطري مؤهل مثل مديرها الأول محمد جاسم العلي والمخرج جاسم المطوع وتشرفت شخصيا ومعي كل الزملاء بقسم الإعلام بالجامعة بأن زودنا القناة بخيرة خريجينا من الطلبة والطالبات القطريين والعرب الذين دربناهم في مختلف أقسامها ثم عملوا في القناة وللعلم فالشيخ حمد بن ثامر رئيس مجلس الإدارة والدينامو الحقيقي لقناة الجزيرة هو أيضا من أفضل من تخرج من الدراسات الإعلامية بكلية الإنسانيات بقطر. ولكن للحقيقة لم تكن الجزيرة لتؤسس لولا الإرادة السياسية الذكية والجريئة للأمير الوالد صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي تحمل برحابة صدر بعض الانتقادات من قبل بعض المدعوين للحديث في برامج الجزيرة الحوارية. وقد تشرفت عام 2000 بتعييني عضوا ضمن لجنة خبراء عرب لتقييم أداء القناة إلى جانب زملاء محترمين مثل الكاتب والمفكر السعودي تركي الحمد وأذكر أننا اتفقنا بعد أربع سنوات من بث الجزيرة حينذاك بأن رفع سقف الحرية الإعلامية أحدث نقلة نوعية في الإعلام العربي بالرغم من بعض صعوباته المعروفة. وقد عايشت الكثير من أخطر وأهم الأحداث العالمية التي قلبت موازين الدنيا رأسا على عقب ورأيت كيف تتحول « علبة الكبريت الصغيرة «كما سماها المرحوم حسني مبارك فتحولت القناة في لحظات إلى مختبر حساس لمعالجة قضايا ساخنة وملفات متفجرة مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حين كنت أنا المعلق الرئيسي في الاستوديو الوحيد المباشر آنذاك وعلى مدى ثلاث ساعات كاملة كان وجه العالم بأسره يتغير فيها وتتبدل ملامح الخرائط وتتسارع الأنباء التي فجرت استقرار الدنيا مع تفجير برجي التجارة العالميين.. وأذكر أن قنوات العالم وبخاصة (السي إن إن) نقلت أجزاء من هذه المداخلة العفوية ورأيت وجهي على شاشة (السي إن إن) لأول ولآخر مرة. كما أذكر أنني كنت على الهواء يوم التاسع من أبريل 2003 يوم إسقاط تمثال المرحوم صدام حسين أعلق على هذا الحدث العربي الجلل حين بادرتني الزميلة ليلى الشايب بقولها: ها... دكتور... انتهت الحرب اليوم؟ فأجبتها بسرعة: « لا فالحرب بدأت اليوم فالذي انتهى هو قصف بغداد ونظام البعث وتفكيك الجيش العراقي». ومهما كانت الانتقادات الموجهة إلى القناة فهي فتحت طريق المزاحمة والندية مع القنوات التي درجنا على تسميتها بالعالمية وهي في الواقع غربية تخدم مصالح الدول التي نشأت فيها واكتسبت أشواطا بعيدة في الحضور الدولي والمبادرة والسبق في عالم أصبح يعتمد على السرعة الضوئية في اقتناص الأخبار وعلى التألق في تغطيتها والتفرد في الوصول إلى قلب الحدث وصانعيه. ولا غرو أن نرى اليوم أغلب القنوات الفضائية العربية تتنافس في تقديم الأفضل والأهم في مجالات نقل الخبر وعلى صعيد البرامج الحوارية وقد تطورت عديد القنوات مهنيا ولو أن بعضها أصابه داء التطبيع والقائمة ستطول على ضوء التحولات الحضارية الكبرى التي صنعتها الثورات وشيوع مستحقات العولمة وارتفاع مستوى الرأي العام العربي الذي أصبح أدق وعيا بما يحدث حوله في وطنه وفي العالم وأشد اطلاعا بفضل وسائل الاتصال الآنية على كل ما يجري في الدنيا الواسعة فهنيئا للعرب و المسلمين جميعا بعيد الجزيرة والشكر الصادق من القلب لمن تجرأ على بعثها والتمسك بها رغم المناورات والتهديدات ولكل من وضع فيها لبنة. ولو فسرنا اليوم بعد الطوفان وجرائم الإبادة كيف انتصرت قضيتنا الأم وكسبت معارك الرأي العام العالمي سنجد وراء هذه الانتصارات الفذة قناة الجزيرة بقافلة صحفييها ومصوريها الشهداء هم والتحقت بهم في الشهادة عائلاتهم بسبب مروق الكيان عن القانون الدولي والأخلاق. تستمر الجزيرة في مقاومة الظلم بوجه رمزي هو أيقونة الفداء من أجل الحقيقة وائل الدحدوح رمز الشجاعة والصبر والرضا بقضاء الله سبحانه.
489
| 30 أغسطس 2024
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6546
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6429
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
3144
| 23 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2181
| 28 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1878
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1677
| 26 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1278
| 27 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1029
| 24 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
999
| 24 أكتوبر 2025
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
948
| 27 أكتوبر 2025
يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية...
906
| 23 أكتوبر 2025
“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
885
| 27 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية