رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قبل أن نستعرض مواقف المفكر (فوكوياما) وهو من أصول يابانية في فوز (ترامب) نؤكد أن أحداثا جديدة وقعت أعادت لقضية فلسطين اهتمام الرأي العام العالمي وهي كما وصفها الإعلامي التونسي صلاح الدين الجورشي تكشف عن دلالات لا يمكن التقليل من شأنها وذلك بعد أن اكتسب الحدث أبعادا دولية ويعدد (فوكوياما) تلك الأحداث التي منها إرسال حزب الله صواريخ أصابت ثكنة عسكرية إسرائيلية قتل فيها باعتراف إسرائيل عقيد وجنود. كما أن عالمة الاجتماع الأمريكية (نوامي كلاين) والتي عملت مديرة الحملة الرئاسية لـ (بيلي ساندرس) كتبت في كتابها الأخير الصادر منذ أسبوع بعنوان (رحلة في عالم المؤامرات) مايلي: «إن اليمين المتطرف الأمريكي الذي يتزعمه (ترامب) يقود المجتمع الأمريكي والعالم نحو البحث عن الربح المادي والمتعة الجسدية وذلك بإلغاء الأخلاق والأديان والقيم. وهذه التغييرات الكبرى في مجالات سياسية مهمة عددها المفكر الأمريكي الشهير (فوكوياما) تبدأ من ملف الهجرة إلى التلويح بعزمه إنهاء حربي أوكرانيا والشرق الأوسط لكن أهمية هذا الفوز للرجل ولحزبه الجمهوري تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك لأنها تمثل رفضا حاسما من قبل الناخبين الأمريكيين لليبرالية والطريقة الخاصة التي تطور بها فهم «المجتمع الحر» منذ ثمانينيات القرن الـعشرين لأنه بكل بساطة يختلف مجتمع الولايات المتحدة في سنة 2016 عن نفس المجتمع سنة 2024. بهذه الحقيقة البديهية افتتح المفكر الأمريكي مقالا تحليليا نشرته صحيفة (فايننشل تايمز) البريطانية قال فيه إن ترامب عندما انتُخِب لأول مرة عام 2016 كان من السهل الاعتقاد بأن هذا الحدث شاذ لأنه ترشح ضد خصم ضعيف لم يأخذه على محمل الجد ولكن بعد عهدة أولى ذات النتائج الشعبوية الكارثية استيقظ الشعب الأمريكي على حقائق جديدة بدأت بحادثة غزو مقر الكونغرس الخطيرة وانتهت بقرارات عجيبة منها مغادرة واشنطن حلف الناتو وهي زعيمته ومؤسسته ثم رفض المعاهدة الشهيرة الموقعة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والخمس دول غربية زائد روسيا سنة 2015!! ثم جاء قراره المفاجئ بتسليم القدس الى إسرائيل «عاصمة أبدية لدولة إسرائيل غير قابلة للنقاش عوض تل أبيب» فانقلبت كل الموازين التقليدية في الشرق الأوسط واستحال التخطيط لحل الدولتين فانطلق الفلسطينيون في الإعداد للمقاومة على إثر انسداد كل آفاق السلام والأمن بين إسرائيل وجيرانها وبعد الفوز الثاني لترامب حذر الرئيس الفرنسي (ماكرون) زملاءه الأوروبيين خلال القمة الأوروبية في بروكسل المنعقدة الأسبوع الماضي من خطيئة تسليم الدفاع عن دولهم الى قوة أجنبية مهما كانت عظمتها من خارج الاتحاد الأوروبي! وطبعا يشير بوضوح الى الولايات المتحدة. وفي نفس السياق كتب صحفي فرنسي شهير هو السيد (أدوي بلانال) مؤسس ومدير أشهر موقع سياسي (ميديا بارت) مقالا قال فيه: «حان الوقت لخروج أوروبا من الغيبوبة ومواجهة ما يحدث بغزة. لكن بعد تصويت يوم الثلاثاء يبدو الآن أن رئاسة (بايدن) هي «الحالة الشاذة»، وأن (ترامب) يدشن حقبة جديدة في السياسة الأمريكية وربما العالمية لأن الأمريكيين صوتوا وهم على علم تام بمن هو (ترامب) وبما يمثله.
وتعليقا على الطبيعة الأساسية لهذه المرحلة الجديدة من التاريخ الأمريكي أبدى (فوكوياما) رأيه في الليبرالية الكلاسيكية التي يعتبرها عقيدة مبنية على احترام الكرامة المتساوية للأفراد من خلال حكم القانون الذي يحمي حقوقهم وقدرة الدولة على التدخل في هذه الحقوق وقال إنها تعرضت لتشويهين كبيرين في العقود الأخيرة: التشويه الأول كان صعود «الليبرالية الجديدة»، التي تقدس الأسواق وتقلل من قدرة الحكومات والنقابات على حماية المتضررين من التغيير الاقتصادي، والتشويه الثاني تمثل في صعود سياسات الهوية أو ما قد يطلق عليه «الليبرالية المستيقظة» واستخدام سلطة الدولة بشكل متزايد ليس في خدمة العدالة بل لتعزيز نتائج اجتماعية محددة لمجموعات المصالح الربحية العاجلة خاصة وقد أدى صعود هذه المفاهيم المشوهة لليبرالية -حسب فوكوياما- إلى تحول كبير في الأساس الاجتماعي للسلطة السياسية مما أشعر الطبقة العاملة أن الأحزاب السياسية اليسارية لم تعد تدافع عن مصالحها وبدأت في التصويت لأحزاب اليمين وبالتالي انتصر الجمهوريون بأصوات الناخبين من الطبقة العاملة البيضاء ومن الجاليات العربية والمسلمة والمكسيكية لأن هذه الجاليات أدركت عنصرية (بايدن) وشريكته (هاريس) مما جعلها تنتخب (ترامب) ببصيص من الأمل في وعوده الانتخابية بإنهاء حربي أوكرانيا والشرق الأوسط!.
وأشار (فوكوياما) إلى أن (ترامب) لا يريد فقط دحر الليبرالية الجديدة والليبرالية المستيقظة بل إنه يشكل تهديدا على الليبرالية الكلاسيكية نفسها في عديد من القضايا وبالتالي لن تكون رئاسته الجديدة شبيهة بولايته الأولى، والسؤال الحقيقي الآن ليس عن خبث نواياه بل عن قدرته على تنفيذ ما يهدد به بالفعل.
ومن الخطأ -حسب الكاتب- عدم أخذ العديد من الناخبين خطاب ترامب على محمل الجد وكذلك زعم الجمهوريين أن الضوابط والتوازنات في النظام الأمريكي ستمنعه من القيام بأسوأ ما لديه لأن (ترامب) يؤمن بالمنهج الحمائي المعلن المتمثل في «الأولوية للبضاعة الأمريكية» وقد اقترح فرض تعريفات جمركية عالية على جميع السلع المنتجة في الخارج مما سيخلف آثارا سلبية على التضخم والإنتاجية والعمالة ويؤدي إلى تعطيل شبكات التوريد ويوفر الفرصة لمستويات عالية من الفساد والمحسوبية ويستدعي ردودا انتقامية هائلة من جانب بلدان أخرى أولها الصين وفيما يتصل بملف الهجرة لم يعد ترامب يريد إغلاق الحدود فقط بل ترحيل أكبر عدد من المهاجرين غير النظاميين الى دولهم الأصلية مما سيخلف آثارا مدمرة على عدد من الصناعات التي تعتمد على العمالة المهاجرة كما أنه سوف يشكل تحديا هائلا من الناحية الأخلاقية.
ويؤكد (فوكوياما) أن بعض التغييرات الأكثر أهمية ستتم في السياسة الخارجية وفي طبيعة النظام الدولي وستكون أوكرانيا الخاسر الأكبر على الإطلاق لأن ترامب يمكن أن يجبرها على التسوية بشروط روسيا من خلال حجب الأسلحة عنها كما فعل مجلس النواب الجمهوري لمدة 6 أشهر في الشتاء الماضي.
في مقابلة في إحدى القنوات الإخبارية ظهرت الأم الشابة التي تتحدث بألم وأسى عن الحالة التي وصلوا إليها... اقرأ المزيد
66
| 01 أكتوبر 2025
في رحاب معهد الدراسات الجنائية التابع للنيابة العامة في دولة قطر، خضتُ تجربة جميلة وجديرة بالتوثيق، إذ قدّمت،... اقرأ المزيد
90
| 01 أكتوبر 2025
في إطار الاهتمام المتنامي الذي توليه الدولة لفئة التدخل المبكر ورعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، جاءت خطوة... اقرأ المزيد
81
| 01 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
5109
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4368
| 29 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
4236
| 25 سبتمبر 2025