رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في قلب الأزمات الإقليمية العاصفة سافر حضرة صاحب السمو الأمير إلى أنقرة للتنسيق مع الشريك التركي (أردوغان) لجهود العمل المشترك من أجل السلام، حيث أصبح اليوم وخاصة بعد سقوط منظومة الأسدين من البديهي والمعتاد أن تستنجد دول العالم العظمى والإقليمية بالدبلوماسية القطرية التي سنها ووجهها صاحب السمو أمير البلاد لخدمة الأمن والسلام في الشرق الأوسط وفي العالم في كنف الشرعية الدولية وفي احترام كامل لبنود ميثاق منظمة الأمم المتحدة وأصبحت مبادئه هي المحركة للديمقراطيات في سائر بلدان العالم حتى لو مورست المظالم وحروب الإبادة لفترات من الزمن. كما أحيت دولة قطر يوم 18 ديسمبر ذكرى اليوم الوطني والــذي يستذكر فـيـه شعبها السيرة العطرة للمؤسس الشيخ جـاسـم بـن محمد بـن ثـانـي رحمه الـلـه الــذي أرســى قـبـل نـحـو 146 عـامـا لــدى تسلمه مقاليد الحكم في البلاد دعائم دولة ووضع أسس بنائها ونـهـضـتـهـا وكان إحياء الذكرى دون احتفالات إجلالا لما يستمر في غزة ولبنان وسوريا من عدوان همجي إسرائيلي مارق على القانون والأخلاق. وأكدت الدبلوماسية القطرية حرصها على أن تفعل وساطات الخير بين الدول وبين الفصائل المتناحرة في البلد الواحد وفي هذا السياق قالت وزارة الخارجية القطرية في منشور على حسابها بمنصة إكس إن معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي (جاك سوليفان) شددا على ضرورة ضمان وحدة سوريا وعلى العمل على انتقال سلمي في سوريا من خلال عملية سياسية جامعة استنادا إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وأكد الجانبان كذلك على ضرورة تعزيز الجهود لحماية المدنيين ومكافحة الإرهاب كما تلقى سعادة الشيخ سعود بن عبد الرحمن نائب رئيس مجلس الوزراء و وزير الدولة لشؤون الدفاع مكالمة هاتفية من نظيره الأمريكي (لويد أوستن) محورها ملفات الشرق الأوسط ذات الاهتمام المشترك.
* في نفس السياق دعت صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية الولايات المتحدة إلى المساعدة في بناء سوريا الجديدة قائلة إن الشرق الأوسط بحاجة لقصة نجاح متجسدة في بلد عربي تعددي وديمقراطي ملتزم بحقوق الإنسان بالإضافة إلى أن ذلك يعود بفوائد لأميركا وأوروبا والدول المجاورة وأضافت الصحيفة في افتتاحية لها أنه ومن خلال الدبلوماسية المنخرطة يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في كتابة فصل قادم أكثر إشراقا لهذا البلد «الذي يتمتع بموقع إستراتيجي والذي طالت معاناته». ولا ننسى أن للكيان الإسرائيلي مطامع قديمة في «اغتنام فرصة سقوط بشار للاستيلاء على مغانم التحول في سوريا وهي قلب الشرق العربي الإسلامي وتشكل تاريخ المنطقة وإرث أجدادها وأمجادها وفي هذا الصدد أشارت صحيفة عبرية إلى أن المعارضة المسلحة التي سيطرت على دمشق أعلنت أنها تريد دولة تعددية تسع الجميع رغم أن خلفيتها تشير إلى غير ذلك واستمرت الصحيفة تقول إن الحياة مليئة بالمفاجآت والحياة في الشرق الأوسط مليئة بالصدمات مشيرة إلى عدم توقع العالم سقوط حكم الرئيس المخلوع بهذه السرعة وقالت إن على أحمد الشرع الالتزام علنا بدعم قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي صدر في عام 2015 والذي يدعو إلى وقف إطلاق النار وإنشاء سلطة انتقالية تضم جميع الفصائل السورية باستثناء الجماعات «الإرهابية» وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة بعد 18 شهرا وأشارت إلى أن الاقتصاد السوري أصبح حطاما ويحتاج إلى مساعدة دولية لإعادة البناء وينبغي أن تتوقف تلك المساعدة على التزام الشرع بسوريا شاملة وتعددية.
* يجب ألا تغيب عن العرب استراتيجية واشنطن لعدم ترك الحبل على الغارب الروسي فيما حدث في سوريا لأن الولايات المتحدة حسب تحليل نشرته (واشنطن بوست) تصر على الحضور على مائدة الشرق الأوسط مهما تعاقبت الأحداث التي تبدو خارجة عن سيطرتها المباشرة وأشارت الصحيفة إلى وجود نحو 900 جندي أمريكي أما دول الاتحاد الأوروبي فهي تخشى موجات من النازحين نحو سواحلها وهي استراتيجية يستخدمها بعض زعماء اليمين المتطرف لتخويف جماهيرهم من غزو نازحين الى سواحلها ومن جهة أخرى تبحث الدبلوماسية القطرية عن حلول لأزمة الشقيق اللبناني كما كانت الوساطة القطرية سنة 2008 التي أدت الى انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية عندما جمع صاحب السمو الأمير الوالد جميع الفصائل في الدوحة. وجـاءت هذا الأسبوع الاجتماعات التي عقدها سعادة الدكتور مـحـمـد بـن عـبـد الـعـزيـز بـن صـالـح الـخـلـيـفـي وزيــر الــدولــة بــوزارة الـخـارجـيـة فـي بـيـروت وشملت دولـة السيد نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال في الجمهورية اللبنانية الشقيقة وسعادة السيد نبيه بـري رئيس مجلس الـنـواب والعماد جوزيف عـون قـائـد الجيش اللبناني والـتـي جـرت خلالـهـا مناقشة جهود سـد الـفـراغ الـرئـاسـي فـي لبنان حيث كـان سعادته حريصا على تأكيد موقف دولة قطر الثابت تجاه الجمهورية اللبنانية ووحدتها وسلامة أراضيها ووقوفها باستمرار إلى جانب شعبها الشقيق وأهمية تضافر الجهود الوطنية وتوحيد الصف اللبناني من أجل تجاوز التحديات الراهنة.
* هذه أزمة إقليمية تصدت لها الدبلوماسية القطرية بالعلاج الناجع والفوري إيمانا من القيادة القطرية الحكيمة بأن أمن وسلامة كل شعب من الشعوب العربية مرتبطان وثيق الارتباط بأمن وسلامة الجميع ورأينا كيف تؤدي قطر رسالتها الدائمة في الحفاظ على وساطتها الخيرة من أجل الأشقاء وتحقيقا لمبادئ الشرعية الدولية وتجنب الحروب في منطقتنا ذات البؤر الخطيرة المنذرة بالتفاقم والتوسع. وعندما أذن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بفتح المكتب الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة في الدوحة كان يهدف الى تفعيل غايات المجتمع الدولي وطموحاته المشروعة للسلام حتى نعت السيد (غوتيريش) دولة قطر بالشريك الأممي والمؤتمن على رسالة الأمم المتحدة باحتضان كل المؤسسات المختصة التابعة للمنظمة وتوفير العون السياسي والمالي لها لتقوم برسالتها على أفضل الوجوه. وكان الجسر الجوي الذي يحمل المعونات الأخوية للشعب السوري الخارج من جحيم الوحشية رمزا لإنسانية الشعب القطري وتحمله لرسالة التضامن الفعال بين الأشقاء.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4566
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3396
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون أعمق، لكن الوجدان لا يتحمل كل هذه الأوجاع. في الوقت الذي نقف في قلب الحسرة ونحن نطالع ذلك الجرح النازف في غزة دون أن نستطيع إيقاف نزفه، يتملكنا الشعور أحيانًا بأنها المأساة الوحيدة في أمتنا وذلك من فرط هولها وشدتها، ويسقط منا سهوًا الالتفات إلى مصائبها الأخرى، تأتي أزمة السودان في صدارة هذه المآسي. أوجاع السودان كثيرة ومتعددة، كلها بحاجة لأن تكون حاضرة دائما في الوجدان العربي الإسلامي، لكن أولاها في الوقت الراهن مأساة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تخضع منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024 لحصار خانق فرضته قوات الدعم السريع للضغط على الجيش الوطني السوداني. سكان مدينة الفاشر يفتك بهم الجوع والقصف المدفعي اليومي الذي يحول دون دخول المساعدات الإنسانية، في ظل ضعف التعاطي العربي مع القضية وتجاهل دولي تام لهذه المأساة، على الرغم من أنها تقترب من الإدراج في صفحات الإبادة الجماعية. قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تحاصر الفاشر، تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، لذا تقصف بوحشية مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخامسة (شمال دارفور)، التي تمثل أكثر من نصف مساحة الإقليم وتعادل حوالي 12 بالمائة من مساحة السودان، وذلك بهدف إتمام السيطرة على الإقليم بأسره. إضافة إلى الوضع الكارثي للمدنيين في الفاشر بسبب الحصار والقصف الهمجي، ينذر سقوط الفاشر ووقوعها بقبضة ميلشيات الدعم السريع، بكارثة عظمى للسودان بشكل عام. الفاشر ليست مدينة عادية في أهميتها، فهي مفتاح السيطرة على مساحات إستراتيجية واسعة تصل إلى حدود تشاد وليبيا، وهي كذلك تقع على الطرق المؤدية بين شرق وغرب السودان، بما يعني أن سيطرة قوات الدعم عليها سيحول دون قيام دولة مركزية، وفرض واقع عسكري يتحكم في جغرافيا المنطقة، إضافة إلى أن السيطرة عليها ستؤمن لقوات الدعم ممرات تهريب الأسلحة. سيطرة قوات حميدتي على الفاشر يؤمن لها كذلك خطوط الإمداد ويقوي شوكتها ويجعل الولاية مركزا لمهاجمة الولايات الأخرى والسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. لذا نستطيع الجزم، بأن الفاشر هي آخر الخطوط الفاصلة بين سودان موحد وسودان مجزأ، ولن يكون مجرد سقوط مدينة، بل انهيار وحدة الدولة السودانية، والذي سيتحول إلى شمال مركزي تحت سيطرة الجيش، وغرب تحت سلطة الميلشيات، وشرق تتجاذبه الانقسامات والنزعات القبلية، وجنوب منهك مهمش. إذا سقطت الفاشر، فإن الخطورة ستتجاوز حينئذ القتال بين الجيش وميليشيات الدعم، فمن أخطر تداعيات سقوط الفاشر – لا قدر الله - انفجار الصراع الإثني في السودان الذي يكتظ بالتنوع الإثني والقبائل المسلحة مختلفة الولاءات، لأن هذا البلد يرقد على بركان تسليح الهوية، وفي هذه الحال سيمتد الصراع الإثني بلا شك إلى الدول المجاورة. الدول العربية، والدول المحيطة بالسودان وعلى رأسها مصر، منوطة بالعمل الفوري الجاد على منع سقوط الفاشر والذي يعني تفتيت وحدة السودان وما له من تداعيات على الجوار، وذلك عبر مسارين، الأول هو كسر هذا الحصار على المدينة وإدخال المساعدات، والثاني تقدم الدعم العسكري واللوجستي للجيش السوداني المنهك لفرض سيطرته التامة على ولاية شمال دارفور ومنع سقوطها في أيدي حميدتي، والضغط كذلك على الدول والجهات التي تدعم ميلشيات الدعم السريع المتمردة. وعلى المستوى الشعبي، يتعين على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وضع مأساة الفاشر والملف السوداني بشكل عام في بؤرة الاهتمام، وتسليط الضوء على الأحوال الكارثية التي يعانيها أهل المدينة، وأهميتها الإستراتيجية وخطورة سقوطها في أيدي قوات الدعم على وحدة السودان، لتكوين رأي عام عربي ضاغط على الأنظمة والحكومات العربية لسرعة التدخل، إضافة إلى لفت أنظار الشعوب الغربية إلى هذه المأساة لإحراج حكوماتها والعمل على التدخل الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية.
1356
| 28 سبتمبر 2025