رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

زلات الإخوة والأخوات

ماذا يفعل المسلم إزاء زلات إخوانه معه ؟وكذا المسلمة عندما تتكرر زلات أخواتها وجاراتها معها؟ الجواب : الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله  والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد أولا : معنى الزلة : هي هنا السيئة تقع بلا قصد وقيل للذنب يقع من غير قصد زلة تشبيهاً له بزلة الرجل كما ذكره الراغب . وقد تحمل على الصغيرة، أو على أول معصية زل فيها مطيع معك. قال تعالى: "فإن زللتم"البقرة:209]، وقال:" فأزلهما الشيطان"البقرة:36]، واستزله: إذا تحرى زلته، وقوله:"إنما استزلهم الشيطان"آل عمران:155]، أي: استجرهم الشيطان حتى زلوا، فإن الخطيئة الصغيرة إذا ترخص الإنسان فيها تصير مسهلة لسبيل الشيطان على نفسه.وقد علمنا النبي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – أن نتوجه إلى الله تعالى بالاستعاذة من عدة شرور تقع منا أو علينا وخاصة عند خروجنا من بيوتنا وتوجهنا إلى أي جهة سواء كان موقع العمل أو السوق أو ... أو …وجهنا - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – إلى أن نستعيذ بالله من أن يصدر عنا ذنب بغير قصد أو قصد ومن أن نظلم الناس في المعاملات أو أن نؤذيهم في المخالطات أو أن نفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء والإساءة قال الصديق عليه السلام لإخوانه وقد أمكنه الله تعالى منهم بعدما ألقوه في غيابة الجب " قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ"[يوسف : 89]هذا النص الكريم يقرر أنه ما من أخ يؤذيه أخوه ويسيء إليه إلا ووراء هذه الإساءة أو الأذي جهل ، ثم إن الإنسان إذا خرج من منزله لا بد له أن يعاشر الناس وأن يزاول أمور حياته فيخاف أن يعدل عن الصراط المستقيم فإما أن يكون في أمر الدين فلا يخلو من أن يَضل أو يُضل، وإما أن يكون في أمر الدنيا فإما بسبب جريان المعاملة معهم بأن يَظلم أو يُظلم وإما بسبب الاختلاط والمصاحبة فإما أن يَجهل أو يُجهل فاستعيذ بالله من هذه الأحوال كلها  عَن أُمّ سَلَمَةَ - رَضِيَ الله عنها - "أَنّ النبيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قالَ: "باسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ، اللَّهُمَّ إني أَعُوذُ بِكَ أنْ أضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أوْ أزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أوْ أجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عليَّ" سنن الترمذي كتاب الدعوات عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. باب منه. قال أبو عيسى: هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.. وكان من دعاء معاوية حين احتضاره"اللَّهُمَّ أَقِلِ العَثْرَةَ، وَاعْفُ عَنِ الزَّلَّةِ، وَتَجَاوَزْ بِحِلْمِكَ عَنْ جَهْلِ مَنْ لَمْ يَرْجُ غَيْرَكَ، فَمَا وَرَاءكَ مَذْهَبٌ" وقال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول في صلاته: الحمد لله حمدا لا يبلى جديده ولا يحصى عديده، ولا يبلغ حدوده؛ اللهم اجعل الموت خير غائب ننتظره، واجعل القبر خير بيت نعمره، واجعل ما بعده خيرا لنا منه؛ اللهم إن عينيّ قد اغرورقتا دموعا من خشيتك؛ فاغفر الزلة، وعد بحلمك على جهل من لم يرج غيرك. العقد الفريد (4/ 8. ثانيا : بعد بيان معنى الزلة نقول يجب على المؤمن أن يتخلق بأخلاق الله تعالى في العفو والصفح والمسامحة والإغضاء عن زلات معارفه وإخوانه معه ، فإذا زل أحدهم معه زلة غفرها وبات طاويا سليم الصدر فلا مبرأ من عيب ولا سليم من نقص (ومنْ ذا الذي ترضى سجاياهُ كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعدَ معائيه) قال كثير عزة: ومن لم يغمض عينه عن صديقه.. وعن بعض ما فيه يمت وهو عائب ومن يتتبع جاهداً كل عشرة .. يجدها ولم يسلم له الدهر صاحب وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: الذي يَسُد خَلَّتي ، ويغفر زلتي ، ويقيل عثرتي. وقيل: من عاتب على كل ذنب ضاع عتبه، وكثر تعبه. المستطرف في كل فن مستطرف (ص: 131) والإنسان لا يخلو من زلات وتبعات في مدة عمره، إما من باب الصغائر وإما من باب ترك الأفضل ،حتى المتقين لا يسلمون ولعل هذا هو سر التعبير القرآني في الآية الكريمة في مس الشيطان لهم بأداة الشرط إذا المفيدة لكثرة وتيقن وقوع المس والوسوسة والنزغ قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ"[الأعرف: 201] ولكنهم لتقواهم يسترجعون من الشيطان ما اختلسه منهم ويستردون منه ما افترسه في سلوكهم بالاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله عز وجل بالذلة وإعلان الضعف والافتقار والاعتراف بالغفلة فلا تتركهم تقواهم للإصرار على المخالفة والاستمرار على الزلة بل ربما كانوا بعد المعصية والزلة أكمل منهم قبلها لعظيم ما ينشأ عن هذه الزلة من الذلة والانكسار والالتجاء والافتقار إلى الله تعالى ، ومن رام سليما من هفوة والتمس بريئا من نبوة ، فقد خادع نفسه إذ الكمال لله تعالى وحده ولا عصمة إلا للنبي ولا نبوة بعد محمد - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – " مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً"[الأحزاب:40] وقد جاء في صفةِ مَجْلِسه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – "ولا تُنْثى فلَتاتُه" أي لا تُشاع ولا تُذاع زَلاَّتُه. والفَلَتاتُ: الزَّلاَّتُ؛ والمعنى أَنه –- صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - لم يكن في مجلسه فَلَتاتٌ أَي: زَلاَّتٌ فَتُنْثى أَي: تُذْكَرَ أَو تُحْفَظَ وتُحْكى، لأَن مجلسه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - كان مَصُوناً عن السَّقَطاتِ واللَّغْو، وإِنما كان مَجْلِسَ ذِكْرٍ حَسَنٍ، وحِكَمٍ بالغةٍ، وكلامٍ لا فُضُولَ فيه.كما ذكر ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر. ثم إن الدهر لا ينيل كل إنسان ما يتمنى ويطلب ولا يعطي كل راغب ما يحب لذا لزمت المياسرة للإخوة في الصفح والإغضاء خذ من خليلك ما صفا           وذر الذي فيه الكدر فالعمر أقصر من معا           تبة الخليل على الغير وللمرء من إخوانه ما ظهر وما بطن فأمره إلى الله تعالى من غير تقص وتفحص للبواطن قال أسماء بن خارجة الفزاري ( ما شتمت أحدا قط لأنه إما كريم كانت منه زلة فأنا أحق أن أغفرها وأن آخذ عليها بالفضل فيها .أو لئيم فلم أكن لأجعل عرضي له غرضا ويتمثل بقول الشاعر وأغفر عوراء الكريم اصطناعه            وأعرض عن شتم اللئيم تكرما هذا رأي يذهب إليه بعض أهل العلم فقد أحب أبو الدرداء - رَضِيَ الله عنه - شابا حتى غلب على مجلسه وكان يقدمه على الأشياخ ويقربه  حتى وقع ذلك الشاب المحبوب في كبيرة من الكبائر وعلم بذلك أبو الدرداء فقال - رَضِيَ الله عنه – لا نترك صاحبنا لشيء من الأشياء إنما أبغض عمله فإن تركه فهو أخي وإلا فلا وتمثل قول الله تعالى " فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ"الشعراء:" 216] وقال أبو الدرداء:"لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم"في هذا من أبي الدرداء - رَضِيَ الله عنه - نظرة تربوية فيها دعوة إلى  إصلاح من فسد وتقويم من اعوج ورد من خرج عن الجادة إليها فالمؤمن لا يهلك  كله ولا يذهب جملة وإذا تغير وحال عما كان عليه فلا يترك لأنه يعوج مرة ويستقيم أخرى ومداواته خير من تركه فما مثل هؤلاء الذي يرجى صلاحهم واستقامتهم إلا كمفاصل الجسم إذا طرأ لمفصل منها علة أو آفة فالأنفع علاجه وتقويمه ما دام ذلك ممكنا فذلك خير من قطعه إذا راب منى مفصل فقطعته           بقيت وما في الجسم منى مفصل ولكن أداويه فإن صح سرني          وإن هو أعياني فللعذر محمل وهكذا يذهب أصحاب هذا الرأي مذهب الرفق والنظرة التربوية البعيدة إزاء أصحاب الزلات مادام يرجى استقامتهم  فالإبقاء عليهم أولى من قطعهم لما فرط منك من زلة أو سهوة أو هفوة أو جفوة. ولست بمستبق أخا لا تلمه            على شعث أي الرجال المهذب وفي مجمع الزوائد للهيثمي كتاب الحدود والديات. باب ما يقال لمن أصاب ذنباً. عن ابن مسعود - رَضِيَ الله عنه - قال: إذا رأيتم أخاكم قارف ذنباً فلا تكونوا أعواناً للشيطان عليه تقولون: اللهم أخزه اللهم العنه ولكن سلوا الله العافية، فإنا كنا أصحاب محمد - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - كنا لا نقول في أحد شيئاً حتى نعلم على ما يموت فان ختم له بخير علمنا أنه أصاب خيراً وإن ختم له بشر خفنا عليه عمله.رواه الطبراني ورجاله ثقات إلا أن عبيدة لم يسمع من أبيه.‏وعلى هذا يحمل ما ورد في السنة من احتمال رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – لزلات وفلتات برزت من بعض رجال حوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – ولكنهم في غالب أحوالهم عدول بتعديل الله تعالى ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه  منْ حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ……أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ -  فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ أَسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ - ثُمَّ قَالَ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً"[النساء: 65]‏ صحيح البخاري كتاب المساقاة. باب سَكْرِ الْأَنْهَارِ.قول الأنصاري هنا لرسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ – " أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ ": زلة من الشيطان تمكن به منها عند الغضب، وليس ذلك بمستنكر من غير المعصوم في تلك الحالة، فأمثال هؤلاء يجب الستر عليهم والإغضاء عن هفواتهم العارضة وزلاتهم الطارئة.ما دام لم يجاهروا بها ولم يصروا عليها وقد قيل لا يزهدَّنك في أخِ             لكَ أن تراهُ زلَّ زلَّةَ والمرءُ يطرحُه الذ             ينَ (الذين) يلونَه في شَرِّ إِلَّة ويَخُونُه من مأمنٍ               أهلَ البِطانةِ والدِّ خِلَّة والموتُ أعظمُ حادثٍ          مما يَمُرُّ على الجِبِلَّهْ وقال آخر ابْلُ الرجالَ إِذا أردتَ إِخاءَهم          وتوسمنَّ أمورَهم وتَفَقَّدِ فإِذا رأيْتَ أخا العفافةِ والنهى          بِرَّ اليدينِ قريرَ عينٍ فاشْدُدِ فمتى يزلَّ ولا محالةَ زلةً             فعلى أخيكَ بفضلِ حلمِك فارددِ هذا والأصل في الزلة أنها تقال للذنب يقع فيه العبد من غير قصد ولهذا كان من الحكمة الستر والغفر لصاحبها ما دامت مغمورة في حسنات كثيرة أو ما دامت غير مقصودة.أو ما دامت أول مرة ، أو كانت صغيرة لا تتجاوز بأضرارها حد طاقة البشر. والفريق الثاني يرى أن طرح الإخوان إذا فسدوا أولى ، وأن نبذهم إذا نفروا أصلح للنفس وأبقى للوقت والطاقة كالثوب الخلق إطراحه بالجديد أجمل له وينشد أحدهم قد أكثرت حواء إذ ولدت           فإذا جفا ولد . فخذ ولدا ولنا أن نقول بالبصيرة النافذة والرأي السديد والنظر الثاقب وفراسة المؤمن يدرك المسلم طبيعة من حوله استقراء للغائب واستشفافا له من الشاهد واستلهاما للمستقبل من قراءة الحاضر الواقع أن هذا كريم حيي رب زلة أورثته ندامة حقيقية إيجابية تجعله لا يقع في هذه الهوة ثانية ولا يلدغ منه أخوه أو صاحبه ثانية إذ ليس في كل مرة تسلم الجرة فتراه يصلح ما أفسد سريعا ويرمِّم ما صدَّع عاجلا ويرقع ما أقدم على خرقه ويرف ما مزَّق دون أدني ريث ويعود سريعا إلى نفسه فليلومها وضميره يؤنبه وقلبه يضطرب وصدره لا يسكن فيه فؤاده وتظل زلته عليه سبعا هائجا وأسدا ثائرا يقض مضجعه ويغص عليه لقمته ويكدر عليه عيشه فيأتي من الأعمال الصالحة والسلوكيات الحميدة ما يرأب به ما تصدع من بنيان الأخوة وشقق من جسد الوحدة والألفة له في الكرام الكاتبين وكذا الأنبياء المرسلين عليهم السلام قدوة وأسوة فهاهم الملائكة المقربون ما إن بدت منهم زلة وبدرت منهم فلتة حتى بادروا إلى حسن الأدب وجميل الاعتذار تقرأ في هذا عقدا منظوما في فسطاط القرآن "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ "[البقرة:" 30] لعلك تلاحظ أن هؤلاء الأطهار الأبرار قد سارعوا الرجعة من الهفوة، وبادروا الإنابة من الزلة." قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ"[البقرة: 32] وكذا شيخ المرسلين لما بدت منه هفوة في حوار ربه عز وجل معه بشأن ابنه وسأل الله تعالى ما ليس له به علم وأرجعه الله تعالى إلى الأدب الرباني ما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا سرعة اللجأ والاعتصام بالله تعالى من أن يسألها ثانية بله أول مرة تتلو هذا في هود "وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ"[هود: 45- 46] لعلك تلحظ هنا أن الله تعالى  قد عاتب نوحا عليه السلام  في مسألته هذه في شأن ابنه فما أسرع ما رجع نوح إلى ربه عز وجل :" قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ "[هود: 47]وكذلك فعل كل مسدد للحق موفق له، سريعة إلى الحق إنابته، قريبة إليه أوبته. وهوعز وجل للأوابين بعد الزلة، والتائبين بعد الهفوة غفور لهم وذلك لتخلقهم بالتوجيه النبوي " أتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن‏" رواه أحمد في مسنده وكذا الطبراني في الكبير فمن كان من الناس على هذه الشاكلة – تكون زلته صغيرة أو مرة تقع منه الإساءة – وكلتاهما عن غير قصد . فحقه إقالة عثرته والأخذ بيده وإعانته على العود إلى طريق الجادة استحياء له فهذه الشاكلة أو النوعية من الناس يصلحها الغفر والستر أما من رأيت أنه قد استمرأ الزلات واستحلى الهفوات ينال منك المرة بعد المرة وما إن تبرأ من هفوة سلفت وما يكاد يلتئم جرحك السابق إلا ويكون قد ألحق الهفوة والزلة السابقة بواحدة هي أكبر من أختها - ولئن كانت الأولى عفوية فمن المستبعد أن تكون الثانية هكذا - وتتعدد وتتنوع جراحاته لك فيكاد يرسم بزلاته خريطة جراحات في حياتك تترك آثارها على نفسياتك ومعنوياتك يقطع عليك الطريق وما أدراك ما قطاع الطريق وترويعهم الآمنين وعيثهم في الأرض فسادا وسلبهم حقوق وممتلكات الآخرين وما رصد الله تعالى لهم من عقاب يجتث جرثومتهم ويستأصل شأفتهم ويقتلع جذورهم من المجتمع نكاية لهم ليذهب غيظ قلوب المؤمنين ويشف صدروهم ومن هنا فهذا الصنف الأخير أولى به القطع والبتر وعلى ضوء هذه المعاني نستطيع أن نفهم مدح الله تعالى الانتصار من الباغي والانتصاف من الظالم في موطن وكذا مدحه تعالى العفو والصفح في موطن آخر والاثنان في مقابل زلات أو قل إساءات متعمدة قال ابن العربي: ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح؛ فاحتمل أن يكون أحدهما رافعا للأخر، واحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى حالتين؛ إحداهما أن يكون الباغي معلنا بالفجور؛ وقحا في الجمهور، مؤذيا للصغير والكبير؛ فيكون الانتقام منه أفضل. وفي مثله قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق. - وهذا فيمن يتعدى ويصر على ذلك.-  الثانية: أن تكون الفلتة، أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة؛ و يأتيك نادما مقلعا فالعفو ها هنا أفضل استحياء واستبقاء له  وفي مثله يوجه الوحي المعصوم بقول الله تعالى :"وأن تعفوا أقرب للتقوى" [البقرة: 237]. وقوله تعالى : "فمن تصدق به فهو كفارة له" [المائدة: 45]. وقوله تعالى: "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" [النور: 22] وقديما قيل (إنَّ الْجَوَادَ قَدْ يَعْثُرُ) فمن يكون الغالبُ عليه في سلوكه معك فعل الجميل، وليس يعرف بالشر ثم تكون منه الزَّلَّة حقه سترها فهي مغمورة في حسناته ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة وما أجمل ما قال الشافعي رحمه الله في هذا المعنى عفوا وصفحا عن الهفوات الطارئة والزلات العارضة العابرة وإن قصرها على هفوات المسافرين إلا أنها كما تليق بالمنتقلين تصلح للمقيمين إَذَا رَافَقْتَ فِي الأَسْفَارِ قَوْمَاً          فَكُنْ لَهُمْ كَذِي الرَّحِمِ الشَّفِيقِ لَعَيْبُ النَّفْسِ ذَا بَصَرٍ وَعِلْمٍ           وَأَعْمَى العَيْنِ عَنْ عَيْبِ الرَّفِيق وَلاَ تَأْخُذْ بِعَثْرَةِ كُلِّ قَوْمٍ              وَلكِنْ قُلْ هَلُمَّ إِلَى الرَّفِيقِ فَإِنْ تَأَخُذْ بِعَثْرَتِهِمْ يَقِلُّوا                وَتَبْقَى فِي الزَّمَان بِلاَ صَدِيقِ وعلى كل حال كما قال تعالى:" بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ"[القيامة:14] ومن هذه البصيرة النافذة ما يمكن أن تدرك بها من يصلح معه الغفر والستر ومن لا يصلح معه إلا القطع والبتر.والله تعالى ولي التوفيق.

8593

| 26 سبتمبر 2012

بشاعة جريمة قتل الولاة لمعارضيهم الأبرياء العزل

هل كل وال خالفه أحد من أفراد رعيته في الرأي، يحق له أن يقتله؟!! وما أكثر تعدد القضايا، وتجدد الموضوعات أفكلما خالف أحد من الرعية رأي راعيه قتله،؟؟!! يحكم من إذًا ؟؟!! أين الجدال بالتي هي أحسن، أين دفع الحجة بالحجة؟؟!! أين مواريثنا الشرعية ؟؟!! أين قدواتنا الصالحة ؟؟!! أذلك صنيع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، أذلك سبيل المؤمنين ؟؟!! ليس لنا مثل السوء، تعجب عندما تسمع أقوالا تفضح خبيئة ولاة السوء في ديار المسلمين، ما حدث في بلاد الربيع العربي  ليس ببعيد؟؟ هاهي ليبيا المنكوبة بالأمس وسوريا اليوم،- تجأر إلى الله أرضها وسماؤها ورطبها ويبسها، وشعبها بكل طوائفه إلا شرذمة مفتونة مأخوذة العقل، ذاهلة اللب، شاردة الفؤاد،تجأر وتئن من بغي واليها، وظلمه وطغيانه، وعدوانه، وقدواته التي بها يكيد بل ويدمر ويقتل شعبا مسلما بغير حق،جريمة شعبه،  أنه رفع رأسه، وباشر حقه في الرقابة على واليه، وأراد أن يضع حدا لسفهه وفساده، وبغيه وعناده، فأعمل فيهم القتل والسفك والتشريد ظاهرا بعدما باشر ذلك باطنا على مدار عقود مضت، وقدوته، الشيوعيون الملحدون فى روسيا والصين. فى الأولى، عندما اعتصم نواب البرلمان في روسيا، مطالبين ببعض حقوق، ورافضين لسياسات، عمد رئيس روسيا يلسن إبان ذلك إلى الدبابات أسلوبا للحوار، فدك مبنى البرلمان، والأعضاء بداخله، وواقعة أخري أستخدم فيها الغازات السامة، كل ذلك فى مواجهة المعارضة، وفي الصين عندما تظاهر الطلاب في ميدان السماء، مطالبين بالحرية، أيضا استخدمت الدبابات في مواجهة أبرياء عزل من كل سلاح، واتخذ من هذه النماذج قدوات له في صنيعه مع شعب أعزل، يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا،وصدق الله تعالى إذ يقول "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً" لقد غاب عن أمثال هؤلاء الولاة البغاة الطغاة الذين يُعملون القتل والسفك في دماء رعيتهم وشعوبهم غاب عنهم الصواب والرشاد الذي سار عليه سلف هذه الأمة عندما تنبت نابتة معارضة، رسول الله صلى الله عليه وآله  وسلم يوم الحديبية ماذا كان منه ؟؟!! مع الفاروق الذي أخذته الحمية لشروط المشركين المجحفة، يوم الحديبية؟؟ وماذا كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما امتنع علي رضي الله عنه عن تعديل بداية وافتتاحية وثيقة المعاهدة التي تم توقيعها مع المشركين، ثم لماذا أصلا قدر الله تعالى وقوع صلح الحديبية : يقول تعالى :" وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً إذًا قد كانت الحكمة من إمضاء وإنفاذ صلح الحديبية على الرغم من الإجحاف في شروطه على المسلمين، هو حقن دماء المسلمين، وصونها من أن تراق هدرا، إلى آخر ما هنالك من الحكمة البالغة لله تعالى في هذه الواقعة، وما أكثر ما وقع في التاريخ الإسلامي من معارضة للولاة. ولم تكن المواجهة أبدا بالسلاح والقتل والسفك للدماء والإزهاق للأرواح، وسأذكر بعضا منها: أولا : الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه – في معارضة الخوارج له أولا راسلهم وكاتبهم، وناظرهم  وجادلهم بالتي هي أحسن سواء بنفسه أو بابن عمه عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين. واستشهد على بعثه إليهم ومراسلته لهم بهدي الكتاب العزيز في الخلية الأولى من بناء المجتمع وهي الأسرة حيث قال تعالى:"وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً  وقال  أُمَّةُ مُحَمَّدٍ أَعْظَمُ مِنِ امْرَأَةِ رَجُلٍ" وكذلك بقوله تعالى فيما هو أكبر من الأسرة قليلا "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا " ولا صلح إلا بمراسلة ومباحثة وفحص لما سيتم الصلح عليه هذه سبيل المؤمنين لا القتل ولا السفك ولا التخريب ولا التدمير وعلى هذا كان صنيع خليفة المسلمين الرابع رضي الله عنه أرسل إليهم وحاورهم حتى رجع منهم ألوف ومن بقي منهم "أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ كُونُوا حَيْثُ شِئْتُمْ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا تَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا تَقْطَعُوا سَبِيلًا وَلَا تَظْلِمُوا أَحَدًا فَإِنْ فَعَلْتُمْ نَبَذْتُ إِلَيْكُمُ الْحَرْبَ" وأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ فَوَاَللَّهِ مَا قَتَلَهُمْ حَتَّى قَطَعُوا السَّبِيلَ وَسَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْخِلَافِ عَلَى الْإِمَامِ لَا يُوجِبُ قِتَالَ مَنْ خَالَفَهُ وإنما لا بدمن المراسلة كما رأينا وقد راسل علىٌ أهل البصرة قبل وقعة الجمل, وأمر أصحابه أن لا يبدءوهم بقتال، ثم قال: هذا يوم من فَلَج فيه فَلَج يوم القيامة, ثم سمعهم يقولون: الله أكبر يا ثارات عثمان، فقال: اللهم أكب قتلة عثمان على وجوههم. كذلك بعث عبدَ الله بن عباس للحرورية فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم ألوف فيجب أن يتقدم ما قدمه الله وهو الصلح ويتأخر ما أخره وهو القتال، لدواعيه الشرعية وإنما وجبت المراسلة والدعوة للطاعة لأن المقصود من القتال هو كفهم ودفع شرهم لا قتلهم؛ فإذا أمكن بمجرد القول كان أولى من القتال لما فيه من الضرر بالفريقين  وحتى البغاة – وليس المتظاهرون بغاة – نقول حتى البغاة إذا أمكن دفعهم بدون القتل لم يجز قتلهم لأن المقصود دفعهم وليس إهلاكهم، ولأن المقصود إذا حصل بما دون القتل لم يجز القتل من غير حاجة .لبشاعة وشناعة جرم قتل النفس المعصومة بغير حق ولأن الله جل شأنه قال:{فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} فمن فاء فلا يقاتل، وإنما حل قتال الباغى بمقاتلته ولم يحل قتله قط فى غير المقاتلة  فَهُوَ سبحانه لم يَأْذَن ابْتِدَاء فِي قتال بَين الْمُؤمنِينَ بل إِذا اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا والاقتتال هُوَ فتْنَة وَقد تكون إِحْدَاهمَا أقرب إِلَى الْحق فَأمر سُبْحَانَهُ فِي ذَلِك بالإصلاح وَكَذَلِكَ فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اقتتل بَنو عَمْرو بن عَوْف فَخرج ليصلح بَينهم وَقَالَ لِبلَال إِن حضرت الصَّلَاة فَقدم أبا بكر ثمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ فَقَاتلُوا الَّتِي تبغى حَتَّى تفئ إِلَى أَمر الله   فَهُوَ بعد اقتتالهم إِذا أصلح بَينهم بِالْقِسْطِ فَلم تقبل إِحْدَاهمَا الْقسْط بل بَغت فَإِنَّهَا تقَاتل لِأَن قتالها هُنَا يدْفع بِهِ الْقِتَال الَّذِي هُوَ أعظم مِنْهُ فَإِنَّهَا إذا لم تقَاتل حَتَّى تفئ إِلَى أَمر الله بل تركت حَتَّى تقتتل هِيَ وَالْأُخْرَى كَانَ الْفساد فِي ذَلِك أعظم والشريعة مبناها على دفع الفسادين بِالْتِزَام أدناهما وَفِي مثل هَذَا يُقَاتلُون حَتَّى لَا يكون فتْنَة وَيكون الدّين كُله لله لِأَنَّهُم إِذا أمروا بالصلاح والكف عَن الْفِتْنَة فبغت إِحْدَاهمَا قوتلت حَتَّى لَا تكون فتْنَة والمأمور بِالْقِتَالِ هُوَ غير المبغى عَلَيْهِ أَمر بِأَن يُقَاتل الباغية حَتَّى ترجع إِلَى الدّين فقتالها من بَاب الْجِهَاد وإعانة الْمَظْلُوم المبغى عَلَيْهِ. روت كتب التاريخ أن معاوية رضي الله عنه – قال : ما أخاف على ملكي إلّا ثلاثة: الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، قيل: فلم لا تقتلهم؟ فقال: فعلى من أتأمر؟  عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا فيه إشعار بالوعيد على قتل المؤمن متعمدا بما يتوعد به الكافر، قال ابن العربي: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول، وحاصله أنه فسره على رأي ابن عمر في عدم قبول توبة القاتل. وَقَالَ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأمُورِ الَّتِى لا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ  والمعنى: أَي ذَنْب وَقع كَانَ لَهُ فِي الدّين وَالشَّرْع مخرج إِلَّا الْقَتْل، فَإِن أمره صَعب والورطات جمع ورطة: وَهِي كل بلَاء لَا يكَاد صَاحبه يتَخَلَّص مِنْهُ. يُقَال: تورط واستورط. وعن جابر لما افتتح النبي صلى اللّه عليه وسلم مكة استقبلها بوجهه وقال: أنت حرام ما أعظم حرمتك وأطيب ريحك وأعظم حرمة عند اللّه منك المؤمن وقال تعالى:" وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً  وقال الحسن البصري – رضي الله عنه -  يَا سُبْحَانَ اللَّهِ الثلاثة الذين خلفوا مَا أَكَلُوا مَالًا حَرَامًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ أَصَابَهُمْ مَا أصابهم وَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ فَكَيْفَ بِمَنْ يُوَاقِعُ الْفَوَاحِشَ وَالْكَبَائر،  وَقد ورد في هذا الحديث زَيادَة فِي رواية " فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا نُزِعَ مِنْهُ الْحَيَاءُ"وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ قَتَلَ عَامِدًا بِغَيْرِ حَقٍّ تَزَوَّدْ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ فَإِنَّكَ لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ زَوَالُ الدُّنْيَا كُلِّهَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قُلْتُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ لَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْبَهِيمَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْوَعِيدُ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ بِقَتْلِ الْآدَمِيِّ فَكيف بِالْمُسلمِ فَكَيْفَ بِالتَّقِيِّ الصَّالِحِ، إن شأن القتل – بغير حق - في الإسلام عظيم، ولو لغير مسلم ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة))  قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ إِذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ يَسْهُلُ عَلَيْهِ أُمُورُ دِينِهِ وَيُوَفَّقُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ يُرْجَى لَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ وَلُطْفُهُ، وَلَوْ بَاشَرَ الْكَبَائِرَ سِوَى الْقَتْلِ، فَإِذَا قَتَلَ ضَاقَتْ عَلَيْهِ وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْآيِسِينَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ".قال فى مرقاة المفاتيح: "وَيَجُوزُ أَنْ يُنَزَّلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مُعْنِقًا صَالِحًا ". أَيِ الْمُؤْمِنُ لَا يَزَالُ مُوَفَّقًا لِلْخَيْرَاتِ مُسَارِعًا لَهَا مَا لَمْ يُصِبُ دَمًا حَرَامًا، فَإِذَا أَصَابَ ذَلِكَ أَعْيَا وَانْقَطَعَ عَنْهُ ذَلِكَ لِشُؤْمِ مَا ارْتَكَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا أَوْ مَنْ يقتُلُ مُؤمنا مُتَعَمدا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وفى الحديث أيضا تجريم حمل السلاح على المسالمين ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) وكلام أهل العلم في مثل هذا بحمله على الخروج عن الإسلام والحكم عليه بالكفر المخرج عن الملة إن استحل ذلك، إن استحل قتل المسلم المعصوم معصوم الدم؛ لأن من استحل المحرم المعلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام كفر، كما أن من حرم ما أحله الله المعلوم حله بالضرورة من دين الإسلام كفر. وبعد يقال: لا تتشبث بالسلطان في وقت اضطراب الأمور عليه، فإن البحر لا يكاد يسلم منه راكبه في حال سكونه، فكيف عند اختلاف رياحه واضطراب أمواجه. عجيب صنيع باغي ليبيا وطاغيها بالأمس، وباغي سوريا وطاغيها اليوم !!!، كأنه يؤثر الإمارة ولو على الحجارة.إذ ماذا يبقى له بعد تدمير وطنه وقتل شعبه،؟؟!!!، واللافت للنظر أن طاغية ليبيا قد اتخذ من طغاة وبغاة  المعسكر الشيوعي قدوة له في صنيعه بشعبه، وباغي سوريا وطاغيها اليوم يستقوي بهؤلاء الملاحدة الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، كان رجلٌ يساير عاملا فمرّ بقصر خرب عليه زوجا بوم، والذكر يُصرصر  للأنثى، فقال العامل للرجل: ما يقول هذا البوم؟ فقال: إن أمنّتني أخبرتك بما يقولان؟ فقال: أنت آمن. قال: إن الذكر خطب الأنثى، فقالت: لا أجيبك حتى تجعل مهري عشرين قرية خربة. فقال الذكر: إن بقي لنا هذا العامل سنة أمهرتك خمسين قرية. فغضب العامل وقال:لولا أني أمنّتك لعاقبتك. والخلاصة حرمة وشناعة وبشاعة قتل المتظاهرين المطالبين بحقوقهم، ونصفة مظلومهم لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ لَا قِتَالَ مِنْهُمْ وَلَا بَغْيَ وَ يَحْرُمُ أَخْذُ مَا لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ، وَيَحْرُمُ أَخْذُ وَقَتْلُ ذُرِّيَّتِهِمْ؛ وَيَحْرُمُ قَتْلُ مُدَبَّرِهِمْ وَقَتْلُ جَرِيحِهِمْ، رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: " صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلْنَ مُدَبَّرٌ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ؛ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ  قلت : هذا من الخليفة الراشد على بن أبي طالب رضي الله عنه – فى الخوارج وليس المتظاهرون اليوم بالخوارج فهم أشد حرمة دماء وأموالا وأعراضا، هذا وبالله التوفيق وللحديث صلة بحول الله وقوته.

2662

| 17 سبتمبر 2012

حكمة تكرار السجود دون الركوع في الصلاة

السؤال: ما الحكمة في تكرير السجدة؟ الجواب: الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد، فلأمور أربعة أولا : ترغيما للشيطان ، أَي دحرا لَهُ وإغاظة له وإذلالا ورميا لَهُ بالرغام . مأخوذ من الرغام وهو التراب ومنه أرغم الله أنفه ، وَإِنَّمَا يكون إرغاما لِأَنَّهُ  يبغض السَّجْدَة لِأَنَّهُ مَا لُعن إِلَّا من إبائه عَن سُجُود آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَثْقَلُ مِنَ السُّجُودِ لِمَا لَحِقَهُ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لِامْتِنَاعِهِ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ والمعنى أن الشيطان لبَّس عليه صلاته وتعرض لإفسادها ونقصها فجعل الله تعالى للمصلي طريقا إلى جبر صلاته وتدارك ما لبَّسه عليه وإرغام الشيطان ورده خاسئا مبعدا عن مراده وكملت صلاة ابن آدم، بسجدتين فأضل الله سَعْي الشيطان حَيْثُ جعل وسوسته –التي يريد بها إضلال العبد وإبعاده عن ربه – جعل الله تعالى هذه الوسوسة لابن آدم سَببا للتقرب منه جلَّ مذكورا وعزَّ مرادا ، بينما اسْتحق هُوَ بِتَرْكِ سجدة الطرد من رحمة الله تعالى عندما  أُمر بسجدة واحدة فلم يفعل، فنحن نسجد سجدتين ترغيما له، للحديث الصحيح عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ؛ قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاَثاً أَمْ أَرْبَعاً؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْساً، شَفَعْنَ لَهُ صَلاَتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَاماً لأَرْبَعٍ، كَانَتَا تَرْغِيماً لِلشَّيْطَانِ). ‏صحيح مسلم.. كتاب المساجد ومواضع الصلاة.  باب السهو في الصلاة والسجود له وفي الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: "إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ" وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ: "يَا وَيْلِي أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ".صحيح مسلم  كتاب الإيمان. باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصَّلاة وعن ربيعة بن كعب الأسلمي – رضي الله عنه – قال: كنت أبيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آتيه بوضوئه وبحاجته فقال: "سلني" فقلت: مرافقتك في الجنة قال: "أو غير ذلك" قلت: هو ذاك قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود" ‏صحيح مسلم كتاب الصلاة. باب فضل السجود والحث عليه إن مرافقة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في الجنة من الدرجات العالية التي لا مطمع في الوصول إليها إلا بحضور الزلفى عند اللّه في الدنيا بكثرة السجود انظر أيها المتأمل في هذه الشريطة وارتباط القرينتين لتقف على سرّ دقيق فإن من أراد مرافقة الرسول صلى اللّه عليه وسلم لا يناله إلا بالقرب من اللّه ومن رام قرب اللّه لم ينله إلا بقرب حبيبه {قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه} أوقع متابعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم بين المحبتين وذلك أن محبة العبد منوطة بمتابعته ومحبة اللّه العبد متوقفة على متابعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم وفي نفس التخريج قال  ثوبان مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ أَوْ قَالَ قُلْتُ: بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ:"عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ، فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً" فالسجود لهذا أفضل أركان الصلاة عند العلماء: (فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء)؛ وذلك لأن الله يقول: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]، فكلما سجد الإنسان زاد قرباً من الله سبحانه وتعالى. وهاهو الشيطان يتميز غيظا وأغيظ ما يكون يوم العج والثج ، يوم تعج الأصوات ملبية وموحدة ، معلنة تفرد المولى تبارك وتعالى بالملك والحمد ويوم الثج يوم تذبح القرابين تقربا إلى الله تعالى في الأثر " ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أغيظ ولا أحقر منه يوم عرفة، وما ذلك إلا مما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر رأى جبريل يزع الملائكة. رواه مالك في الموطأ كتاب الحج باب جامع الحج.. وقال هذا مرسل وقد وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء - رضي الله عنه  - ولذا كان مشروعا للمسلم إغاظة وإذلال أعداء الله تعالى  بالإقدام على ما يحب الله عز وجل ، وإقامة شريعته ، ونصر دينه، ومخالفة أصحاب الجحيم، قال تعالى :"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"التوبة: {73} + التحريم :9 وقال تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ"(التوبة: 123) واسمع ما يقول المولى تبارك وتعالى فيما رصده لمن يغيظ أعداءه بطاعته له عز وجل "مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ"التوبة: (120) وكلُّ أمر يقع مخالفا لما يتوقع أحدهم ، مباينا لما يظن ، سُمِّي مراغمة ، في الصحيح ، أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- وَهُوَ نَائِمٌ، عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لاَ إِلَهِ إِلاَّ الله ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ" قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ" قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ" ثَلاثاً ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: "عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ" قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرّ" صحيح مسلم كتاب الإيمان باب من مات لا يشرك باللَّه شيئاً دخل الجنَّة، ومن مات مشركاً دخل النار ثانيا : عندما أمر الله تعالى الملائكة بسجدة آدم ، سجدوا ، فلما رفعوا رؤوسهم رأوا الشيطان لم يسجد، فسجدوا ثانيا شكرا لله تعالى فجرى ذلك في شريعتنا ، وهو المراد من قول بعضهم ، إن السجدة الثانية سجدة شكر. لقد حكى الله تعالى قصة خلق الإنسان الأول وأمْره تعالى الملائكة بالسجود له في أكثر من سورة من كتابه بترتيب المصحف أولا : البقرة: قال تعالى "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" البقرة 34. ثانيا : الأعراف: قال تعالى " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ "{الأعراف:11}‏ ثالثا: الحجر : قال تعالى"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ*فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ*إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ"{الحجر:28-31} رابعا: الإسراء : قال تعالى "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً"{الإسراء:61- 62} خامسا: الكهف: قال تعالى "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً"{الكهف:50} سادسا: طه : قال تعالى "وإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى"{طه: 116} سابعا: ص:  قال تعالى "إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ*فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ* قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ *قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ*قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ *وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ *قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ*إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ *قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ"ص:71-83} هذه أخبار الملأ الأعلى عند واقعة خلق الإنسان الأول وتكريم الله تعالى له ورفع شأنه بالعلم ، وتوجيه الأمر الإلهي للملائكة بالسجود له عليه السلام فلعل السجدة الأولى منهم امتثالا للأمر الإلهي ، وكانت الثانية : شكرا لله تعالى على توفيقه لهم وخذلان عدو الله تعالى إبليس لتكبُّره واستعلائه ، وقياسه الفاسد الذي سوَّغ له الامتناع عن السجود ، ولا غرو أن تكون السجدة الثانية من الملائكة شكرا لله تعالى فهم الذين طبعهم الله تعالى على  طاعته فهم يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ، لا يعصون الله ما أمرهم ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون ،  وقد كان من هدي  المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم  فيما رواه أبو بكرة - رضي الله عنه - ؛ أنه - صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمْ كان إذا أتاه أمر يَسرُّه أو يُسَرُّ به، خر ساجداً، شكراً لله تبارك وتعالى. ‏سنن ابن ماجه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها.  باب ما جاء في الصلاة والسجدة عند الشكر. ومعنى – أمر- في  قول أبي بكرة – رضي الله عنه -  أنه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمْ كان إذا أتاه أمر يسره أو يسر به - أي عظيم، جليل القدر، رفيع المنزلة، من هجوم نعمة منتظرة أو غير منتظرة مما يندر وقوعها].‏ومنه يُشرع سجود الشكر عند حصول نعمة واندفاع نقمة إذ السجود أقصى حالة العبد في التواضع لربه وهو أن يضع مكارم وجهه بالأرض ويُنَكِّس جوارحه وهكذا يليق بالمؤمن كلما زاده ربه محبوباً ازداد له تذللاً وافتقاراً فبه ترتبط النعمة ويجتلب المزيد ومن عجيب ما ورد عن أبي حنيفة – رحمه الله تعالى - في عدم ندب سجود الشكر - قوله لو ألزم العبد بالسجود لكل نعمة متجددة كان عليه أن لا يغفل عن السجود طرفة عين فإن أعظم النعم نعمة الحياة وهي متجدّدة بتجديد الأنفاس والرد عليه بأن المراد سرور يحصل عند هجوم نعمة يُنتظر أن يفاجأ بها مما يندر وقوعه ومن ثم قيدها في الحديث بالمجييء على الاستعارة ومن ثم نكَّر أمر للتفخيم والتعظيم كما مر قال الحاكم في مستدركه تعقيبا على الحديث الآنف الذكر أنه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمْ كان إذا أتاه أمر يسره أو يسر به، خر ساجداً، شكراً لله تبارك وتعالى " قال هذا حديث صحيح ولهذا الحديث شواهد يكثر ذكرها: منها: أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى القرد فخر ساجدا منها: أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا به زمانة فخر ساجدا ومنها: أنَّه - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - رَأَى نغاشيًّا ، فَخر سَاجِدا- شُكْرًا لِلَّهِ - ومنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - أتاه جعفر بن أبي طالب  – رضي الله عنه -  عند فتح خيبر، فخر ساجدا.‏فى المستدرك على الصحيحين كتاب الصلاة باب التأمين نغاشا : أي قصيراً جداً ضعيف الحركة ناقص الخلق فخر ساجداً ثم قال أسأل اللّه العافية أخرجه الدارقطني والبيهقي نقول إذا رأي المسلم مبتلى في دينه - ومصيبة الدين جلل – عاصيا خلع ربقة الإسلام من عنقه بينما هو موفق لطاعته ومهتد بهدي المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم - يسن له السجود لذلك شكراً للّه على سلامته في دينه وفي أذكار النووي : إذا رأي المسلم مبتلى بنحو مرض أو نقص خلقة قال العلماء: ينبغي أن يقول هذا الذكر سراً – يقصد – قوله صلى الله عليه وآله  وسلم - الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي عافاني مِمَّا ابْتلاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً، " فمن فضل ذلك أن من قال هذا الدعاء " لَمْ يُصِبْهُ ذلكَ البَلاءُ" يقوله سرا بحيث يسمع نفسه –فقط - ولا يسمعه المبتلى في بدنه أو دنياه - لئلا يتألَّمَ قلبُه بذلك - إلا أن يكون المبتلى بليته في دينه كمعصية لله تعالى فيسمعه إن لم يخف مفسدة أو مضرة وفي مغنى المحتاج من كتب فقه الشافعية تسن سجدة الشكر .. بعدما عدد بعضا من المواطن التي تشرع فيها قال : ومنها رؤية عاص يجهر بمعصيته ، ويظهر الساجد هذه السجدة للعاصي.مستدلين بحديث أبي بكرة - رضي الله عنه -  الذي ذكرناه آنفا وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رضي الله عنه - قَالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَوَجَّهَ نَحْوَ صَدَقَتِهِ   (فَاتَّبَعْتُهُ) (فَدَخَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَخَرَّ سَاجِدًا، فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ - عز وجل - قَدْ قَبَضَ نَفْسَهُ فِيهَا "، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَجَلَسْتُ، " فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ "، قُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: " مَا شَأْنُكَ؟ "، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَجَدْتَ سَجْدَةً خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ - عز وجل - قَدْ قَبَضَ نَفْسَكَ فِيهَا، فَقَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ - عليه السلام - أَتَانِي فَبَشَّرَنِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - يَقُولُ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ - عز وجل – شُكْرًا رَواهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وفي ‏نظم المتناثر من الحديث المتواتر للشيخ محمد بن جعفر الكتاني كتاب الصلاة  ، نقلا عن مرقاة الوصول لنوادر الأصول ما نصه "فسجدة الشكر معلوم رسمها في أفعال الرسول فتواترت عنه صلى اللّه عليه وسلم قد فعلها غير مرة ثم بعده أصحابه رضوان اللّه عليهم" ، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم – ليصوم شكرا لله تعالى على ما أنزله بعدو الله فرعون من الغرق ، وأنجى أخاه موسى من بطشه وكيده،كما في صيام عاشوراء ، ‏صحيح البخاري،. كتاب الصوم. باب: صيام يوم عاشوراء. كما أنه صلى الله عليه وآله  وسلم كان يصلى حتى تتورم قدماه شكرا له عز وجل على مغفرته لذنوبه ما تقدم منها وما تأخر ‏صحيح البخاري، أبواب التهجد.  باب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم حتى ترم قدماه. صحيح مسلم كتاب صفة القيامة والجنّة والنّار. باب إكثار الأعمال، والاجتهاد في العبادة ثالثا:لما صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلف جبريل ، عندما أرسله الله تعالى إليه ليعلمه الصلاة، لما سجد جبريل سجد صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما رفع رأسه ، وجد جبريل لا زال ساجدا وهو الإمام عاد فسجد، فكأنه سجد سجدتين ، فوجب في شريعته  ما فعله صلى الله عليه وسلم لما كان الأصل في العبادات كلها الاتباع ، وقال صلوات ربي وسلامه عليه :"صلوا كما رأيتموني أصلى " وقد صلى هو صلى الله عليه وآله وسلم ، كما رأي أمين الوحي جبريل عليه السلام يُصلى به كما في سنن أبي داود من حديث ابنِ عَبّاسٍ – رضي الله عنهما - قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَمّنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلاَمُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرّتَيْنِ فَصَلّى بِيَ الظّهْرَ حِيْنَ زَالَتِ الشمس وكانَتْ قَدْرِ الشّرَاكِ، وَصَلّى بِيَ العَصْرَ حِينَ كَانَ ظلّهُ مِثْلَهُ، وَصَلّى بِي ـ يَعني الْمَغْرِبَ ـ حِينَ أَفْطَرَ الصّائّمُ، وَصَلّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشفَقُ، وَصَلّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطّعَامُ وَالشّرَابُ عَلَى الصّائّمِ، فَلمّا كَانَ الْغَدُ صَلّى بِيَ الظّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلّهُ مِثْلَهُ، وَصَلّى بِيَ الْعَصرَ حِينَ كَانَ ظِلّهُ مِثْلَيْهِ، وَصَلّى بِيَ المَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصّائّمُ، وَصَلّى بِيَ الْعَشَاءَ إِلَى ثُلُثِ الّليْلِ، وَصَلّى بِيَ الفَجْرَ فأَسْفَرَ، ثُمّ الْتَفَتَ إِلَيّ فقال: يَا  مُحمّدُ وَقْتُ الأَنْبياءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْوَقْتُ مَا بَيْن هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ".‏ سنن أبي داود،  كتاب الصلاة. باب في المواقيت وعن مشروعية عودة المأموم إلى السجود إذا رفع رأسه من السجود فوجد الإمام لا زال ساجدا في الصحيح قال صلوات الله  وسلامه عليه "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْد.." ‏ صحيح البخاري كِتَاب الصَّلَاةِ. باب الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ وَالْمِنْبَرِ وَالْخَشَبِ.صحيح مسلم كتاب الصلاة. باب ائتمام المأموم بالإِمام ‏والمراد بهذا الحديث أن الائتمام يقتضي متابعة المأموم لإمامه في أحوال الصلاة، فتنتفي المقارنة والمسابقة والمخالفة إلا ما دل الدليل الشرعي عليه وعند الشافعي معنى "ليؤتمّ به" ليُقتدَى به في الأفعال الظاهرة، ولهذا يجوز أن يصلِّي المفترض خلف المتنفل، وبالعكس وعند غير الشافعي أن الإقتداء يكون في الأفعال الباطنة والظاهرة وفي رواية " وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا " وهو يتناول الرفع من الركوع والرفع من السجود وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه -  "إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ يَعُودُ فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ ثُمَّ يَتْبَعُ الْإِمَامَ" أخرجه البخاري في صحيحه معلقا في كِتَاب الْأَذَانِ. باب إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ.ووصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح وسياقه أتم ولفظه " لا تبادروا أئمتكم بالركوع ولا بالسجود، وإذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد فليسجد، ثم ليمكث قدر ما سبقه به الإمام ". مصنف ابن أبي شيبة – باب الرجل يرفع رأسه قبل الإمام من قال يعود فيسجد (ج 1 / 402) رقم 4620 - وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم "إنما جعل الإمام ليؤتم به " ومن قوله " وما فاتكم فأتموا". وعند عبد الرزاق عن عمر نحو قول ابن مسعود ولفظه " أيما رجل رفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود فليضع رأسه بقدر رفعه إياه " مصنف عبد الرزاق باب الذي يخالف الإمام 2/ 373 رقم / 3759 وإسناده صحيح، قال الزين بن المنير: إذا كان الرافع المذكور يؤمر عنده بقضاء القدر الذي خرج فيه عن الإمام فأولى أن يتبعه في جملة السجود فلا يسجد حتى يسجد وقد روي هذا الحديث جمع من الصحابة منهم أبو هريرة وأنس وجابر وأبو موسى الأشعري وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم أجمعين – من هذا كله كانت الحكمة هنا من مشروعية السجدتين ما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله  وسلم أول يوم عمله جبريل عليه السلام الصلاة، ولما كان هو الإمام للأمة وأسوتها وقدوتها، فأوجب الله تعالى على أمته الاقتداء به صلوات ربي وسلامه عليه. رابعا: السجدة الأولى : إشارة إنه خلق من الأرض ،  والثانية : إلى أنه يعاد إليها ، والجلسة الخفيفة بين السجدتين إشارة إلى مقدار الدنيا  الدنية قال تعالى عن هذه النشأة والنهاية ". مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى"{طه 55}‏ وعن قصر مدة الحياة على ظهر الأرض قال تعالى :"فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ" {الأحقاف: 35}‏ وقال عز من قائل " وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ"يونس : 45}‏ وقال:"وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ "الروم {55}‏ وثمة ملمح آخر في الصلاة عن قصر عمر الإنسان ، عند الموت من حق المسلم على المسلمين صلاة الجنازة ، وهي صلاة بلا أذان ولا إقامة، فمتى الأذان والإقامة؟ والجواب : عند الولادة مشروع الأذان للصلاة في أذن المولود اليمنى، والإقامة للصلاة في الأذن اليسرى ، فعند الولادة أذان وإقامة بلا صلاة ، وعند الوفاة صلاة بلا أذان ولا إقامة ، وذلك إشعارا بقصر مدة حياة الإنسان على ظهر هذه الأرض، كقصر ما بين الأذان والإقامة والنهوض للصلاة ألا ما أقصر عمر الإنسان على ظهر هذه الأرض، بل عمر الدنيا كلها، فما هي إلا ساعة أو قريبا منها ، فلا بقاء ولا دوام هنا ، إننا هنا أشبه ما نكون بمسافر، توقف في مطار من المطارات، حينا من الوقت ، ثم ما يلبث أن يستأنف رحلته إلى قراره ومستقره الذي يقصده، مع هذا الاجتهاد في محاولة فهم حكمة التشريع الرباني، ليزداد المؤمن يقينا وتمسكا بشرع الله تعالى ويؤديه ، عن فهم عميق وحكمة بالغة  ، فما أدركنا حكمته شكرنا الله تعالى عليه وحمدناه فهو مصدر كل نعمة، وما لم ندركه لخفائه سلمنا الأمر لله تعالى فله الحجة البالغة والحكمة السامية ، وربما تقاصرت العقول عن فهم مراد الشارع مما أمر ، وله عز وجل الأمر من قبل ومن بعد كما له الخلق بعد ذكر هذه الحكم الأربع من وراء مشروعية تكرار السجود ، نقول ثمة حكم أخري وكم في الصلاة من أسرار وفي الحديث " صَلَّى عمار بن يَاسر صَلَاة فأخفَّها فَقيل لَهُ: خففت يَا أَبَا الْيَقظَان فَقَالَ: هَل رَأَيْتُمُونِي نقصت من حُدُودهَا شَيْئا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: إِنِّي بادرت سَهْو الشَّيْطَان، إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: “إِن العَبْد ليُصَلِّي الصَّلَاة لَا يكْتب لَهُ نصفهَا. وَلَا ثلثهَا وَلَا ربعهَا وَلَا خمسها وَلَا سدسها وَلَا عشرهَا” وَكَانَ يَقُول: “إِنَّمَا يكْتب للْعَبد من صلَاته مَا عقل مِنْهَا” المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، في تخريج ما في الإحياء من الأخبار وقال : أخرجه أَحْمد بِإِسْنَاد صَحِيح وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ. "مَا عقل مِنْهَا " أي ما تدبر وتأمل وأعمل فكره وقدح ذهنه ،هذا والله تعالى أعلى وأعلم.   هوامش: كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 162) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (7/ 313) "المستدرك": (1/276) النُّغاشي - بِضَم النُّون وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة المخففة ثمَّ ألف ثمَّ شين مُعْجمَة - وَهُوَ الرجل الْقصير، وَكَذَا فسره بِهِ ابْن فَارس وَابْن الْجَوْزِيّ فِي “تَحْقِيقه” (وَزَاد فِي “غَرِيبه” : الضَّعِيف الْحَرَكَة، وَكَذَا هُوَ فِي “المعرب” للمطرزي فَقَالَ: هُوَ الْقصير فِي [الْقَامَة] الضَّعِيف الْحَرَكَة (وَقَالَ فِي (زنيم) “رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى رجلا نغاشيًّا يُقَال لَهُ: (زنيم) فَخر سَاجِدا” قَالَ: فَهَذَا عَلَى هَذَا اسْم علم الرجل بِعَيْنِه وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن: النغاشي: النَّاقِص الْخلقَة. وَقيل: هُوَ مختلط الْعقل. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ: هُوَ النَّاقِص الْخلق. وَقيل: الْمُبْتَلَى. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي “خلاصته” : النغاشي [بتَشْديد الْيَاء] والنغاش - بحذفها - هُوَ: الْقصير جدًّا الضَّعِيف الْحَرَكَة (النَّاقِص الْخلق. وَكَذَا ذكره ابْن الْأَثِير، وَهَذِه الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة) هي أرضٌ جعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقة لابن السبيل (حم) 1664، (ك) 2019، وحسنه الألباني في المشكاة: 937، وصَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1658، وفضل الصلاة على النبي بتحقيق الألباني ح7

12541

| 12 سبتمبر 2012

إحدى وثلاثون حكمة ودَلالة في صيام ستة أيام في شوال أو بعد شوال

1- استحب صيام ستة من شوال أكثر العلماء هذا هو مذهب السلف والخلف وجمهور العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ، والشافعي وأحمد .للحديث الصحيح عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".‏صحيح مسلم  كتاب الصيام. باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان.عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: "الصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار . قال أبو السعادات ابن الأثير في النهاية: أي إذا ترك الناس الطاعات ورغبوا عنها . كان المتسمك بها له ثواب كثواب الكار في الغزو بعد أن فر الناس عنه.وقد قال تعالى :"فإذا فرغت فانصب"  في هذه الآية الكريمة حث على الاجتهاد في العبادة والنَّصَب فيها، وأن يواصل بين بعضها وبعض، ويتابع ويحرص على أن لا يخلى وقتا من أوقاته منها. فإذا فرغ من عبادة ذنبها بأخرى، فنحن لتوِّنا فرغنا من صيام الفرض (شهررمضان ) فلننهض لصيام السنَّة بأنواعها على مدار العام  وفي مقدمتها الأيام الستة . 2- وجه كون صيام ستة أيام بعد رمضان يعدل صيام الدهر وإنما كان صيام رمضان واتباعه بصيام ست من شوال يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها لقوله تعالى :" مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا"الأنعام/160. وقد جاء ذلك مفسرا من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام سنة" صححه الألباني في الإرواء تحت حديث: 950، وصَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1007 وهذا من عظيم فضل الله  تعالى أن تتاح للعبد فرصة الحصول على ثواب عبادة الدهر على وجه لا مشقة فيه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .ومن ذا الذي يتأتي له صيام الدهر مع القيام بباقي التكاليف والمسؤوليات والتبعات المنوطة به للخالق سبحانه وللخلق ؟؟!! انظر مثلا  قيام الليل كله ، يكره صلاة كل الليل دائماً لكل أحد،لأن في صلاة الليل كله لا بد فيها من الإضرار بنفسه وتفويت بعض الحقوق، لأنه إن لم ينم بالنهار فهو ضرر ظاهر، وإن نام نوماً ينجبر به سهره فوَّت بعض الحقوق، بخلاف من يصلي بعض الليل فإنه يستغني بنوم باقيه، وإن نام معه شيئاً في النهار كان يسيراً لا يفوت به حق ولهذا رأينا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، لا يُقر من عزم على قيام الليل كله بلا نوم ، كما في الصحيح عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالُ جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" صحيح البخاري،. كِتَاب النِّكَاحِ. باب التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ. لقد أرشد هذا الحديث إلى طريقة النبي صلوات الله وسلامه عليه الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل.وقس على هذا الصيام كما رأينا في هذا الحديث الصحيح وسائر التكاليف الأخرى .فسبحان من يمن بالفضل على من يشاء من عباده. 3- حكمة النص على شوال أن ثواب الصيام فيه ثواب  الفرض فإن قال قائل: فلو صام هذه الأيام الستة من غير شوال يحصل له هذا الفضل؟ فكيف خص صيامها من شوال؟ قيل: صيامها من شوال يلتحق بصيام رمضان في الفضل  والأجر والثواب فيكون له أجر صيام الدهر" فرضا" ذكر ذلك ابن المبارك وذكر: أنه في بعض الحديث حكاه الترمذي في جامعه ولعله أشار إلى ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها: أن من صام الغد من يوم الفطر فكأنما صام رمضان. وأكثر العلماء على: أنه لا يكره صيام ثاني يوم  الفطر وقد دل عليه حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لرجل: [ إذا أفطرت فصم] ومما لا شك فيه أن ثواب وأجر الفرض أعظم وأكبر من ثواب وأجر النافلة ، هذا من ناحية وأخرى أنه إذا تحقق صيام الدهر أو تحصَّل ثواب صيام الدهر بصيام ستة أيام مع رمضان ، وكان الأجر بحساب الفريضة ، فإنه ثمَّة طريق أخرى لتحصيل ثواب صيام الدهر ولكن بحساب النافلة وذلك للحديث الصحيح عن عبد الله بن عَمْرو – رضي الله عنهما – قال : قَالَ لي رَسُول الله صلوات الله وسلامه عليه - صم من كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن لَك بِكُل حَسَنَة عشر أَمْثَالهَا، فَإِن ذَلِك صِيَام الدَّهْر " الجمع بين الصحيحين (3/ 430)  وثمَّة روايات عن عائشة وأم سلمة ، وأبي ذر عبد الله بن مسعود وغيرهم – رضي الله عن الصحابة أجمعين . 4- ثاني حكمة في النص على شوال إرادة اليسر والسهولة على المكلفين أن المراد به الرفق بالمكلف، لأنه حديث عهد بالصوم، فيكون الصوم أسهل عليه وأيسر ، ومما لا شك فيه أن صيام اليوم العشرين وما يتلوه لا يكون فيه من المشقة ما يكون في اليوم الأول وتاليه ، من نقص لنسبة السكر في الدم ، وتغيير نمط الحياة ، فيسهل الأمر بعد ذلك ويهون، ولذا تم النص على شوال لأنه الأيسر والأسهل ، فيُستحب للمسلم أن يعمد إلى الأسهل والأيسر من أمور عبادته وطاعته إيلافا للنفس على الطاعة وعونا لها، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت {ما خُيِّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعدَ الناس منه ... }   ألم تر إلى الحديث الشريف عن عامر بن مسعود الجُمَحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة}  رواه أحمد ، ومراعاة اليسر على النفس في القيام بالعبادة متوافق مع روح الشريعة السمحاء يقول تعالى وسط آيات الصيام : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)البقرة/185 ويقول تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)البقرة/286 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ."صحيح البخاري،  كِتَاب الْإِيمَانِ. باب الدِّينُ يُسْرٌ. وقال رسول صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتاً وَلاَ مُتَعَنِّتاً، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّماً مُيَسِّراً".صحيح مسلم.كتاب الطَّلاق.  باب بيان أن تخيِّير امرأته لا يكون طلاقاً إلاَّ بالنِّية. وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل ولأبي موسى الأشعري عندما بعثهما إلى اليمن: " "يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا". ‏ صحيح البخاري، كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ. باب مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْحَرْبِ وَعُقُوبَةِ مَنْ عَصَى إِمَامَهُ. صحيح مسلم كتاب الجهاد والسِّير. باب في الأمر بالتَّيسير، وترك التَّنفير. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً 5- ثالث حكمة في النص على شوال المشقة في الصوم بعده لبعد العهد  إذًا في ذكر شوال تنبيه على أن صوم هذه الأيام الستة في غير شوال أفضل، -لما كان الثواب على قدر المشقة - حكاه القرافي من المالكية، وهو غريب عجيب.ويشهد له قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنّ لَكَ مِنَ الأَجْرِ على قَدْرِ نَصَبِكَ ونفقتك) صحيح الجامع حديث رقم: 2160 عن عائشة رضي الله عنها - [الألباني] وفي الرواية الأخرى: (أجرك على قدر نفقتك)وفي الصحيح عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال:" إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَء.."[صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقم: 4031، وَفي الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 2111، 146] موسوعة الرقائق والأدب - ياسر الحمداني (ص: 4894، بترقيم الشاملة آليا) 6- رابع حكمة في النص على شوال القصد إلى المبادرة بالصيام قبل العوارض والموانع أن المقصود به المبادرة بالعمل، وانتهاز الفرصة، خشية الفوات.أو قبل أن تعرض العوارض ، وتمنع الموانع ، قال تعالى {فاستبقوا الخيرات} وقال تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وهذا تعليل طائفة من الشافعية وغيرهم.وفي الأثر "بادِرُوا بالأَعْمالِ هَرَماً ناغِصاً وَمَوْتاً خالِساً وَمَرَضاً حابِساً وَتَسْوِيفاً مُؤْيِساً  "هب - عن أبي أمامة" وفى رواية أو "ندمًا قائمًا" ومن غريب الحديث: "ناغصًا": مكدرًا. "خالسًا": يأتى خلسة.وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَّرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ . رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب، وأخرجه الحاكم ومعنى بادر الشيءَ: عجل إليه، واستبق وسارع.  قالوا: ولا يلزم أن يعطي هذا الفضل لمن صامها في غيره، لفوات مصلحة المبادرة والمسارعة المحبوبة لله.وأقول لا حرج على فضل الله تعالى وظاهر الحديث "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ،صحيح مسلم  كتاب الصيام. باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان مع هذا القول. أي المبادرة قبل أن تمنع الموانع ومن ساعده الظاهر فقوله أولى. ولا ريب أنه لا يمكن إلغاء خصوصية شوال، وإلا لم يكن لذكره فائدة. 7- خامس حكمة في النص على شوال استدراك الرسول Iفيه ما فاته  فى رمضان قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله تعالى - قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي ما فاته من أوراده في رمضان في شوال فترك في عام اعتكاف العشر الأواخر من رمضان ثم قضاه في شوال فاعتكف العشر الأول منه كما في صحيح البخاري  عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً فَأَذِنَتْ لَهَا فَضَرَبَتْ خِبَاءً فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْأَخْبِيَةَ فَقَالَ مَا هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَالْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ" صحيح البخاري كتاب الاعتكاف. باب اعْتِكَافِ النِّسَاءِ. فيه دليل على أن النوافل المعتادة إذا فاتت تقضي استحبابا وقضاؤه صلى الله عليه وسلم له فعلى طريق الاستحباب لأنه كان إذا عمل عملا أثبته لم يدخل فيه؛ لأنه Iكان أوفى الناس بما عاهد عليه الله ، قال المهلب: فى قوله عليه السلام: (آلبر ترون بهن) من الفقه أن من عُلم منه الرياء فى شىء من الطاعات فلا بأس أن يُقطع عليه فيه ومنعه منه، ألا ترى قوله عليه السلام: (آلبر ترون بهن) . يعنى أنهن إنما أردن الحظوة والمنزلة منه عليه السلام، فلذلك قطع عليهن ما أردنه وأخر ما أراده لنفسه. 8- سادس حكمة في النص على شوال استنهاض أم سلمة أهلها قضاء الدَّين فيه فقد ورد عن أم سلمة رضي الله عنها - أنها كانت تأمر أهلها من كان عليه قضاء من شهر رمضان فليبدأ أن يقضيه الغد من يوم الفطر فمن كان عليه قضاء من شهر رمضان فليبدأ بقضائه في شوال فإنه أسرع لبراءة ذمته، وبمثل ما قلنا في المسارعة إلى مرضاة الله تعالى نقول هنا بل إن المسارعة في أداء الفرض أولى منها في النافلة ، لمَّا كان الحساب بين يدي الله تعالى عن الفرض أولا ثم السنة . 9- سابع حكمة في النص على شوال المسارعة إلى جبر الخلل لما كان صوم رمضان لا بد أن يقع فيه نوع تقصير وتفريط، وهضم من حقه وواجبه ندب إلى صوم ستة أيام من شوال، جابرة له، ومسددة لخلل ما عساه أن يقع فيه. فجرى صيام  هذه الأيام مجرى سنن الصلوات التي يتنفل بها بعدها جابرة ومكملة، قلت وعلى هذا المعنى المسارعة إلى جبر الخلل والاعتذار عن السهو والتفريط خلال صيام الشهر فَحَسُن صيام الأيام الستة خلال شوال مثلها في ذلك مثل سجود السهو في الصلاة ، ولمَّا كان سجود السهو منه ما يكون قبل السلام ومنه ما يكون بعد السلام ، فكذا من لم يتمكن من صيام هذه الأيام الستة حلال شوال ، فليبادر بها بعده ، وفضل الله لا حرج فيه ، وتظهر فائدة اختصاصها بشوال إذا ما بادر بها المسلم، والله أعلم. 10- هل يمكن أن تُصام هذه الأيام الستة في غير شوال وتحصل نفس المزية والأجر ؟ نعم إن شاء الله تعالى للحديث الصحيح عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ) قال تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}  (جة) 1715، صححه الألباني في الإرواء تحت حديث: 950، وصَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1007 فهل الْمُرَادُ بقوله "...بَعْدَ الْفِطْرِ .." الْبَعْدِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا: "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمثالها} صحيح الجامع حديث رقم: 6328 عن ثوبان[الألباني] صحيح الترغيب 997و صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1084) قال الملا الهروي القاري فى مرقاة المفاتيح (..لَا يَخْفَى أَنَّ ثَوَابَ صَوْمِ الدَّهْرِ يَحْصُلُ بِانْضِمَامِ سِتٍّ إِلَى رَمَضَانَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي شَوَّالٍ فَكَانَ وَجْهُ التَّخْصِيصِ الْمُبَادَرَةَ إِلَى تَحْصِيلِ هَذَا الْأَمْرِ، وَالْمُسَارَعَةَ إِلَى مَحْصُولِ هَذَا الْأَمْرِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذكَرْنَاهُ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ" مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1417) ودليل من ذهب إلى أن ثوَابَ صَوْمِ الدَّهْرِ يَحْصُلُ بِانْضِمَامِ سِتٍّ إِلَى رَمَضَانَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي شَوَّالٍ ما أخرجه أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ والدارمي وَالْبَزَّار من حَدِيث ثَوْبَان عَنهُ[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَآله وَسلم أَنه قَالَ: "من صَامَ رَمَضَان وَسِتَّة أَيَّام بعد الْفطر كَانَ تَمام السّنة من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا "حيث قال "وَسِتَّة أَيَّام بعد الْفطر" وهناك استنباط آخر دقيق في المسألة من نص حديث أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".‏صحيح مسلم  كتاب الصيام. باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان" وذلك كالآتي : نقول "مِنْ " تأتي في كتاب الله تعالى على نحو بضعة عشر معنى اتفق النحاة على أن المعنى الرئيسي لهذه المعاني  لــ(من) الجارة هو ابتداء الغاية ؛ مكانية: مثل: قوله تعالى {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، أو زمانية مثل: قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ} ، أو مطلقة من المكان والزمان مثل: قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} وفي الحديث الشريف قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) “مطرنا من الجمعة إلى الجمعة” ومن معاني "مِنْ" أيضا في اللغة  التبعيض بأنْ تسدّ "بعض " مسدَّها، نحو: (حتى تُنْفِقوا مما تحبون) .وقرأ ابن مسعود "بَعْض ما تحبّون" وعلى هذا إذا اعتبرنا أن " مِنْ " في قوله صلوات الله وسلامه عليه " مِنْ شَوَّالٍ " تبعيضية فعليه تكون الأيام الستة بعض شهر شوال، وإذا اعتبرناها ابتدائية  فيكون الصيام لهذه الأيام الستة في أي وقت من أشهر الإفطار ابتداء من شوال ، على اعتبار أنه أول أشهر الفطر ، ويكون النص على شوال في الحديث لأنه أول هذه الأشهر وللمعاني الأخرى التي سقناها ، ويشهد له الروايات الصحيحة التي سبقت فى هذا المبحث والتي جاء بها ذكر الأيام الستة دون قيد شوال : "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمثالها} قلت :وهذا الاستنباط الدقيق المفيد لكون صيام الأيام الستة يتحقق فضله وأجره ، وإن لم تقع في شوال – إن كان على صواب وهدي وفتح من الله تعالى  - يكون باب رحمة من الله تعالى لعباده فلا نُحجِّر واسعا ، وتبقي حكمة النص على شوال ما سبق أن أشرنا إليه والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم.     11- المسارعة إلى ما فيه مرضاة لله تعالى في النهوض من ثاني أيام شوال إلى صيام الأيام الستة مسارعة إلى مافيه مرضاة لله تعالى قال تعالى:"وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى"طه/84 وقال تعالى:"وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"آل عمران/133 وقال تعالى:"سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"الحديد/21. 12- استكمال أجر صيام الدهر كله بحساب فرض رمضان بها من هذه الحِكَم أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله بحساب فرض رمضان ، فعن الشعبي قال: لأن أصوم يوما بعد رمضان أحب إليّ من أن أصوم الدهر كله وإلا فإن صيام الدهر يتحصل بطرق أخري عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".‏صحيح مسلم  كتاب الصيام. باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان" ومن صور صيام الدهر وتحصيل أجره بيسر وسهولة ما ورد في الصحيح أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ له : رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:  صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ". صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ.  باب حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ.صحيح مسلم كتاب الصيام. باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرّر به أو فوّت به حقاً أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم، ولكن هذه الصورة الأخيرة صيام ثلاثة أيام من كل شهر يكون ثوابها ثواب النافلة بينما صيام ستة أيام بعد رمضان يكون ثوابها ثواب صيام الدهر بحساب الفريضة والحديث الصحيح قدَّم الفريضة على النافلة "..وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّه.." صحيح البخاري،  كِتَاب الرِّقَاقِ.  باب التَّوَاضُعِ.فافترق النوعان والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم. 13- كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها من هذه الحِكَم  أن الصيام  فى شعبان وشوال كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها  في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنهما - قالت: “مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ” (رواه البخاري ومسلم.).هذا عن الصيام القبلي – أي قبل صوم رمضان- كما أن للصلاة سننا قبلية وأخرى بعدية فكذلك الصيام في الحديث الصحيح ،عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيْقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَنْ تَطَوُّعِهِ؟ فَقَالَتْ:كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعَاً، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الْوِتْرُ، وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلاً طَوِيلاً قَائِمَاً، وَلَيْلاً طَوِيلاً قَاعِداً، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِداً رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.صحيح مسلم  كتاب صلاة المسافرين وقصرها.  باب فضل السُّنن الرَّاتبة قبل الفرائض وبعدهنَّ، وبيان عددهنَّ. وعند البخاري منْ حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ"صحيح البخاري كتاب التهجد. باب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى. وكذا الشأن في الزكاة للحديث في المال حق سوى الزكاة.وإن لم تكن بنفس التراتبية.القبلية والبعدية. 14- إكمال النقص وجبر الخلل من حِكْمة مشروعية صيام الأيام  الستة بعد رمضان جبر الخلل ، وتعويض النقص الذي عساه أن يكون قد وقع خلال الصوم فالإنسان لا يخلوا من خطأ ونقص ومعصية، فكانت مشروعية النوافل التي تكمل الناقص من الفرائض ومن ذلك الصوم، فهناك مكروهات كثيرة قد يقع فيها صائم الفريضة تنقص أجر صومه، فشرعت النافلة لسد ذلك النقص وترقيع ذلك الخلل. فكل ابن آدم خطاء، والكل يجوز عليه الذنب والخطيئة، فشرع التطوع لجبر ذلك النقص، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة " [رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند]، فالمسلم يسعى لزيادة الأجر، وتحصيل المثوبة من الله تعالى، ولا يتأتى ذلك إلا بفعل الواجبات والإكثار من المستحبات، ومنها صيام ستة أيام بعد رمضان ، ومنها صوم يوم عرفة. وهناك أيام وأشهر رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تحري صيامها لما فيها من أجر ومثوبة، وهي من صوم التطوع. فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال ولهذا في الحديث النهى أن يقول الرجل صمت رمضان كله أو قمته كله ،عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ صُمْتُ رَمَضَانَ وَلاَ قُمْتُهُ كُلَّهُ. وَلاَ أَدْرِي كَرِهَ التَّزْكِيَةَ، أَوْ قَالَ: لاَ بُدَّ مِنْ غَفْلَةٍ وَرَقْدَةٍ. - وفي رواية: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي قُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ. قَالَ قَتَادَةُ: فَاللهُ أَعْلَمُ أَخَشِيَ التَّزْكِيَةَ عَلَى أُمَّتِهِ، أَمْ يَقُولُ: لاَ بُدَّ مِنْ رَاقِدٍ، أَوْ غَافِلٍ . حم (20795) هذا والأصل في هذه الحكمة ما ورد عن أبي هُريرَةَ رضي الله عنه قال سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنّ أولَ ما يُحَاسَبُ به العبد يومَ القيامةِ من عملهِ صَلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خابَ وخسرَ، فإن انتقصَ من فريضته شيءٌ قال الرب عز وجل: أنظروا هل لَعْبْدِيَ منْ تطوعٍ؟ فيُكْمِلُ بها ما انتقصَ من الفريضةِ، ثم يكونُ سائرُ عملِهِ على ذلك".سنن الترمذي كتاب الصلاة عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ـ باب مَا جَاء أن أولَ ما يحاسَبُ به العَبْدُ يومَ القيامةِ الصّلاة. قال العراقي في شرح الترمذي: هذا الذي ورد من إكمال ما ينتقص العبد من الفريضة بما له من التطوع يحتمل أن يراد به ما انتقص من السنن والهيئات المشروعة المرغب فيها من الخشوع والأذكار والأدعية وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة وإن لم يفعله في الفريضة وإنما فعله في التطوع، ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأساً فلم يُصَلِّه فيعوض عنه من التطوع، والله تعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عوضاً عن الصلاة المفروضة ولله سبحانه أن يفعل ما شاء، فله الفضل والمن، بل له أن يسامح وإن لم يصل شيئاً لا فريضة ولا نفلاً (ثم تؤخذ الأعمال على ذاك): أي إن انتقض فريضة من سائر الأعمال تكمل من التطوع، وفي رواية لابن ماجه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك. قال المنذري: وأخرجه ابن ماجه. فالإنسان عليه أن يحرص على الفرائض ويحرص على النوافل، ولا يتهاون بالنوافل؛ لأن التهاون بالنوافل قد يؤدي إلى التهاون بالفرائض والعياذ بالله – 15- مشروعية الصيام عند العجز عند صدقة الفطر كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: من لم يجد ما يتصدق به فليصم يعني من لم يجد ما يخرجه صدقة الفطر في آخر رمضان فليصم بعد الفطر فإن الصيام يقوم مقام الإطعام في التكفير للسيئات كما يقوم مقامه في كفارات الإيمان وغيرها من الكفارات في مثل كفارات القتل والوطء في رمضان والظهار فإنه في كفارات كثير من الذنوب قد تمت المراوحة بين الصيام والإطعام – في كفارة اليمين قال تعالى:"لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"المائدة/89}‏ في كفارة الظهار قال تعالى:"وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ"المجادلة/3-4 وفي كفارة الجماع في نهار رمضان جاء الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "وَمَا أَهْلَكَكَ؟". قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: "هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟". قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟". قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟". قَالَ: لاَ. قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَقٌ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: "تَصَدَّقْ بِهَذَا". قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّىَ بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ.  باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ. ‏صحيح مسلم كتاب الصيام.  باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها، وأنها تجب على الموسر والمعسر وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع. وفي مشروعية  صدقة الفطر جاء في الحديث "طعمة للمساكين ، وطهرة للصائم من اللغو  والرفث"ومن ذلك استنبط الخليفة الخامس قيام الصيام مقام الإطعام عند العجز عن صدقة الفطر ، لاشتراكهما في تكفير السيئات كما أصَّلنا وفصَّلنا. 16- نقض دليل سقوط النوافل بعد أداء الفرائض في الحديث الصحيح  عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً، أدخل الجنة؟ قال: "نعم". رواه مسلم  كتاب الإيمان.  باب بيان الإِيمان الَّذي يدخل به الجنَّة، وأنَّ من تمسَّك بما أمر به دخل الجنَّة.هذا الرجل السائل هو النعمان بن قوقل وعن طَلْحَة بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرَ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَصِيَامُ رَمَضَانَ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ." صحيح البخاري كِتَاب الشَّهَادَاتِ. باب كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ.هذا الرجل لعله ضمام بن ثعلبة ، والحديث الصحيح هنا دليل على أن الإنسان إذا اقتصر على الواجب في الشرع فإنه مفلح ولكن لا يعني هذا أنه لا يسن أن يأتي بالتطوع لأن التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة وكم من إنسان أدى الفريضة وفيها خلل وفيها خروق وفيها خدوش تحتاج إلى تكميل وإلى رتق الصدع. ومن ناحية أخرى، يحتمل أن يكون هذا الحديث الأخير فى أول الإسلام قبل ورود كامل الفرائض ، فإنه لم يُذكر هنا الحج ، وشرائع وشعب أخرى للإيمان مما يقطع بأنه قد كان في أول الإسلام ولا يجوز أن يسقط فرض الحج عمن استطاع إليه سبيلاً، كما لا يجوز أن تسقط عنه فرائض النهى كلها، وهى غير مذكورة فى هذا الحديث، ولا يجوز ترك اتباع النبى (صلى الله عليه وسلم) والاقتداء به فى سنته، لقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر: 7] وفي الحديث تأويل آخر: يحتمل أن يكون قوله: تمت والله لا أزيد على هذا ولا أنقص - على معنى التأكيد فى المحافظة على الوفاء بالفرائض المذكورة، من غير نقصان شىءٍ من حدودها، كما يقول العبد لمولاه إذا أمره بأمر مهم عنده: والله لا أزيد على ما أمرتنى به ولا أنقص، أى أفعله على حسب ما حددته لى، لا أخلُّ بشىءٍ منه، ولا أزيد فيه من عند نفسى غير ما أمرتنى به، ويكون الكلام إخبارًا عن صدق الطاعة وصحيح الائتمار. ومن كان فى المحافظة على ما أُمِرَ به بهذه المنزلة، فإنه متى ورد عليه أمرٌ لله تعالى أو لرسوله فإنه يبادر إليه، ولا يتوقف عنه، فرضًا كان أو سُنَّةً. فلا تعلُّق فى هذا الحديث لمن احتج أن تارك السُّنن غير حَرِجٍ ولا آثمٍ، لتوعد الله تعالى على مخالفة أمر نبيه. في قوله تعالى :" ً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "النور/63. وبهذا التأويل تتفق معانى الآثار والكتاب، ولا يتضاد شىء من ذلك.شرح صحيح البخارى لابن بطال (1/ 105) قال صاحب المفهم: لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم للسائل في هذا الحديث شيئاً من التطوعات على الجملة وهذا يدل على جواز ترك التطوعات على الجملة لكن من تركها ولم يفعل شيئاً فقد فوَّت على نفسه ربحاً عظيماً وثواباً جسيماً، ومن داوم على ترك شيء من السنن كان ذلك نقصاً في دينه وقدحاً في عدالته، فإن كان تركه تهاوناً ورغبة عنها كان ذلك فسقاً يستحق به ذماً. قال علماؤنا: لو أن أهل بلدة تواطئوا على ترك سنة لقوتلوا عليها حتى يرجعوا. ولقد كان صدر الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم يثابرون على فعل السنن والفضائل مثابرتهم على الفرائض ولم يكونوا يفرّقون بينهما في اغتنام ثوابها. وإنما احتاج أئمة الفقهاء إلى ذكر الفرق لما يترتب عليه من وجوب الإعادة وتركها وخوف العقاب على الترك ونفيه إن حصل ترك بوجه ما. وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تنبيهه على السنن والفضائل تسهيلاً وتيسيراً لقرب عهده بالإسلام لئلا يكون الإكثار من ذلك تنفيراً، له وعلم أنه إذا تمكن في الإسلام وشرح الله صدره رغب فيما رغب فيه غيره أو لئلاَ يعتقد أن السنن والتطوعات واجبة فتركه لذلك. وإنما شرعت لتتميم الفرائض فهذا السائل والذي قبله إنما تركهما النبي صلى الله عليه وسلم تسهيلاً عليهما إلى أن تنشرح صدورهما بالفهم عنه، والحرص على تحصيل المندوبات فيسهل عليهما. وهذا يسمى بمحافظته على فرائضه وإقامتها والإتيان بها في أوقاتها من غير إخلال بها - فلاحاً كثير الفلاح والنجاح - وليتنا وفقنا - كذلك ومن أتى بالفرائض وأتبعها النوافل كان أكثر فلاحاً منه. شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 83) 17- رد شبهة ودفع تَوَهُّم قيام النافلة مقام الفريضة ولكن هل تقوم النافلة مقام الفريضة؟ في ذخيرة القرافي قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَا وَرَدَ مِنَ أَنَّ النَّوَافِلَ فِي الصَّلَاةِ تُكَمَّلُ بِهَا الْفَرَائِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعْنَاهُ تَجْبُرُ السُّنَنَ الَّتِي فِيهَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْدِلَ النَّوَافِلُ وَإِنْ كَثُرَتْ فَرْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ (مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ) فَفَضَّلَ الْفَرْضَ عَلَى النَّفْلِ وَإِنْ كَثُرَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا بِهَذَا الظَّاهِرِ غَيْرَ أَنَّهُ يُشْكِلُ بِأَنَّ الثَّوَابَ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَالْعِقَابَ يَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ فَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ إِنَّ ثُمُنَ دِرْهَمٍ مِنَ الزَّكَاةِ يُرْبِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمِ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ وَإِنَّ قِيَامَ الدَّهْرِ لَا يَعْدِلُ الصُّبْحَ. الذخيرة للقرافي (13/ 358) وقال الإمام جلال الدين السيوطي في حاشيته على سنن النسائي "..وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ يُكْمِلُ لَهُ مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ سَائِرُ الْأَعْمَالِ تجرى على حسب ذَلِك قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُكْمَلَ لَهُ مَا نَقَصَ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَأَعْدَادِهَا بِفَضْلِ التَّطَوُّعِ وَيَحْتَمِلُ مَا نَقَصَهُ مِنَ الْخُشُوعِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ كَذَلِكَ وَلَيْسَ فِي الزَّكَاةِ إلا فرض أَوْ فَضْلٌ فَلَمَّا تَكَمَّلَ فَرْضُ الزَّكَاةِ بِفَضْلِهَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ وَفَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَعُ وَوَعْدُهُ أَنْفَذُ وَكَرَمُهُ أَعَمُّ وَأَتَمُّ وَفِي أَمَالِي الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنَّ النَّوَافِلَ مِنَ الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُكْمَلُ بهَا الْفَرَائِض المعني بذلك أَنَّهَا تَجْبُرُ السُّنَنَ الَّتِي فِي الصَّلَوَاتِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْدِلَ شَيْءٌ مِنَ السُّنَنِ وَاجِبًا أَبَدًا إِذْ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ أَحَدٌ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ فَفُضِّلَ الْفَرْضُ عَلَى النَّفْلِ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ يُعَضِّدُهُ الظَّاهِرُ إِلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ مُرَتَّبَانِ عَلَى حَسَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَلَا يُمْكِننَا أَنْ نَقُولَ إِنَّ ثَمَنَ دِرْهَمٍ مِنَ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ تَرْبُو مَصْلَحَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمِ تَطَوُّعٍ وَأَنَّ قيام الدَّهْرِ كُلِّهِ لَا يَعْدِلُ رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ). حاشية السيوطي على سنن النسائي (1/ 236) 18- أمارة عدم السآمة والملل من عبادة الله تعالى النهوض إلى صيام ستة أيام بعد رمضان دليل عدم السآمة والملل ، وأمارة انتفاء التضجر من هذه العبادة وفي الحديث الصحيح "...فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا"‏ صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. باب أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ. وفي الرِّواية الأخرى: "لاَ يَسْأَمُ حَتَّى تَسْأَمُوْا" وهما بمعنىً. والملال: استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته، وهو محال على الله تعالى باتفاق. إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازا كما قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) ، قال القرطبي: وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالا، عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه. وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه. وقال غيره: معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم، وقد ذمَّ الله من اعتاد عبادة ثمَّ فرَّط  فيها فقال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27 ولم يقبل رسول الله صلوات الله وسلامه ، التشدُّد في العبادة على النفس ، وإنما أحب أخذ النفس بالعزيمة على الطاعة عند قوتها وحيويتها ونشاطها، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْجِدَ، وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ: "مَا هَذَا؟" قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ. فَقَالَ: "حُلُّوْهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ" صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها. باب فضيلة العمل الدَّائم من قيام اللَّيْل وغيره والأمر بالاقتصاد في العبادة وهو أن يأخذ منها ما يطيق الدَّوام عليه. وقد ندم عبد الله بن عمرو بن العاص عَلَى تركه قبول رخصة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في تخفيف العبادة ومجانبة التَّشديد على النفس مراعاة لأحوالها التي لاتدوم ،  ففي الصحيح أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يَقُولُ: لأَقُومَنَّ اللَّيْلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهَارَ، مَا عِشْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "آنْتَ الَّذِي تَقُولُ ذَلِك؟". فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِك. قَالَ: "صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ" قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ: "صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً، وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَامِ" قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ". قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي. وفي رواية: قَالَ: فَشَدَّدْتُ، فَشُدَّدَ عَلَيَّ. قَالَ: وَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّكَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمْرٌ". قَالَ: فَصِرْتُ إِلَىَ الَّذِي قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنَّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ.صحيح مسلم كتاب الصيام. باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرّر به أو فوّت به حقاً أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم. واتخذ صلوات الله وسلامه عليه من أسلوب المدح وسيلة لإنهاض العزائم على فعل الخير ، ففي الصحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يَا عَبْدَ اللهِ لاَ تَكُنْ مِثْلِ فُلاَنٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ". صحيح مسلم  كتاب الصيام. باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرّر به أو فوّت به حقاً أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم. 19- أمارة الإخلاص الصيام أفضل أعمال العباد التطوعية ، لأنه لا يدخله الرياء ، جَمِيعُ أَعْمَالُ العباد تَظْهَرُ بِفِعْلِهَا لأَنها لَا تكون إلاَّ بالحركات فيُمْكِنُ أن يَدْخُلَهَا الرِّيَاءُ إلاَّ الصَّوْم فَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّيَّةِ الَّتِي تخفى على النَّاس، ولذا الصَّوْمُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ - أحد من الخلق - بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ – إلاَّ إذا أخبر عن نفسه ، فَدُخُولُ الرِّيَاءِ فِي الصَّوْمِ إِنَّمَا يَقَ

5545

| 08 سبتمبر 2012

إيذاء بعض المُصلِّين جيرانهم في الصف بتركيب أقدامهم على أقدامهم

س: أري بعض المصلين في أثناء الصلاة يقومون بفرد أقدامهم وامتدادها حتى يتأذي منهم جيرانهم وفيهم الكبير والضعيف والمريض ومن لا قوة لهم على تحمل ذلك  فما المراد بتسوية الصفوف في الصلاة وكيف تكون إقامتها وما معنى المحاذاة الواردة في أحاديث الصلاة؟ ‏ج :أقول بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على نبيه ورد في الجامع الصغير.للسيوطي {رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق فو الذي نفسي بيده، إني لأرى الشيطان يدخل من خلال الصف كأنها الحذف} المعنى صِلوا الصفوف بتواصل المناكب وقاربوا بينها بحيث لا يسع مكان بين كل صفين لصف آخر وحتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم ويصير تقارب أشباحكم سبباً لتعاضد أرواحكم وحاذوا بالأعناق بأن يكون عنق كل منكم على سمت عنق الآخر يُقال حذوت النعل بالنعل إذا حاذيته به وحذاء الشيء إزاؤه يعني لا يرتفع بعضكم على بعض ولا عبرة بالأعناق ذاتها إذ ليس على الطويل ولا له أن ينحني حتى يحاذى عنقه عنق القصير الذي بجنبه، ذكره القاضي _وفي الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها قال تعالى {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} البقرة /43 وفي الصحيح عند مسلم كتاب الصلاة. باب تسوية الصفوف وإِقامتها وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها، وتقديم أولى الفضل وتقريبهم من الإمام. من حديث أبي مسعود رَضِيَ الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) قال أبو مسعود (فأنتم اليوم أشد اختلافا). زاد من حديث عبد الله (وإياكم وهيشات الأسواق) وقوله (استووا) أمر بتسوية الصفوف  أقول – وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل : المراد بالمسح كونه من الأمام بحيث لا يترك متقدما ولا متأخرا فكلاهما من مظاهر اختلاف واعوجاج الصف. وليس بالضرورة أن يكون المسح رأسيا بحيث تكون كل المناكب في مسطح واحد لاستحالة ذلك ففي الناس القصير والطويل ومن بين ذلك - ومما يرشح هذا المعنى ما قد ورد في كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 205) . لابن الجوزي – رحمه الله تعالى- الْمعْنَى أَنه كَانَ يسويهم فِي الْوُقُوف، فَيرد الْخَارِج ليَقَع الاسْتوَاء.وكذلك رواية النسائي - في سننه كتاب الإمامة/كيف يقوم الإمام الصفوف - عن البراء بن عازب رَضِيَ الله عنه  -قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصفوف. من ناحية إلى ناحية يمسح مناكبنا وصدورنا ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وكان يقول إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المتقدمة.- ويشهد له كذلك ما في النيل للشوكاني في / أبواب موقف الإمام والمأموم وأحكام الصفوف/باب الحث على تسوية الصفوف ورصها وسد خللها./عن النعمان بن بشير رَضِيَ الله عنهما قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسوي صفوفنا كأنما يسوي به القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوماً فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال: عباد اللَّه لتسون صفوفكم أو ليخالفن اللَّه بين وجوهكم).رواه الجماعة إلا البخاري _ كما يشهد لهذا المعنى ما روى ابن أبي حاتم من رواية أبي نضرة، قالَ: كانَ ابن عمر إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه، ثم قالَ: أقيموا صفوفكم، استووا قياما، يريد الله بكم هدي الملائكة. ثم يقول: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصافات:165]، تأخرْ فلان، تقدمْ فلان، ثم يتقدم فيكبر. فتح الباري لابن رجب (6/ 269)، ويشهد له ما ورد عَن الْبَراء بن عَازِب – رضي الله عنهما - (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَخَلَّل الصَّفّ من نَاحيَة إِلَى نَاحيَة يمسح صدورنا ومناكبنا .." وَفِي لفظ: (كَانَ يَأْتِي من نَاحيَة الصَّفّ إِلَى ناحيته القصوى بَين صُدُور الْقَوْم ومناكبهم) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (5/ 259) ويشهد له أيضا – ما في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 849)( يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا) أَيْ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَى أَعْطَافِنَا حَتَّى لَا نَتَقَدَّمَ وَلَا نَتَأَخَّرَ، وفي دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 206) ( يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا) أي يسويّها بيده الكريمة حتى لا يخرج بعضها عن بعض ، وفي موضع آخر (حتى لا يخرج بعض الصف عن بعضه) وعليه فيشهد لهذا المعنى فهم علماء الأمة أن المراد بالتسوية أن يكون المصلُّون في الصف على سمت واحد وهيئة واحدة بلا تقدم ولا تأخر فعند القرطبي المحدث - معنى التهديد والوعيد الوارد في الحديث الشريف عند عدم التسوية قال القرطبي: معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجهاً غير الذي يأخذه صاحبه لأن تقدم الشخص على غيره مظنة للتكبر المفسد للقلب الداعي إلى القطيعة.ومعنى (الحذف) التي تتخلل الفرج بين الصفوف: غنم سود صغار. فكأن الشيطان يتصاغر حتى يدخل ويندس كالغنم الصغار في تضاعيف الصف وبتعيينه صلى الله عليه وسلم الأعناق لا يبقى شك في أن معنى المحاذاة الواردة في أحاديث رص الصفوف إنما هو كما فسره العلماء، ومنهم الإمام المناوي في فيض القدير جعلها على سمت وخط واحد، ومن الشواهد - ما ورد عن عمرو بن ميمون شهدت عمر يوم طعن، فما منعني أن أكون في الصف الأول إلا هيبته، وكان رجلا مهيبا، وكنت في الصف الذي يليه، وكان عمر لا يكبر حتى يستقبل الصف المقدم بوجهه، فإن رأى رجلا متقدما من الصف أو متأخرا ضربه بالدرة، فذلك الذي منعني منه".وعلى هذا فليس المراد "إلصاقها" ببعض إذ يستحيل ذلك بالأعناق. هذا ومع أنه لم يرد الأمر، لا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من الخلفاء الراشدين، ولا من الأئمة المجتهدين، "بإلصاق" الأقدام، فلا ينتهي عجبك ممن يأمر الناس بذلك عند تسوية الصفوف. ورغم حسن النية عند البعض، فلا يخفى ما في عملهم من المساوئ بسبب عدم الإدراك الدقيق لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبسبب عدم رجوعهم إلى أولي العلم وأهل الذكر في  شروح الحديث ولا إلى أقوال الصحابة والأئمة المجتهدين – رضي الله عنهم أجمعين - فمن تلك المساوئ 1- الاشتغال عن تطبيق السنة المذكورة المنصوص عليها، وهي المحاذاة بالمناكب والأعناق. 2- ومنها أنهم ينحنون، وبذلك يتعذر تطبيق تلك السنة على غيرهم كذلك. 3- ومنها أن المبالغين منهم يعتدون أثناء الصلاة فلا يزالون يمدون أقدامهم ليلصقونها بأقدام رفاقهم في الصف، حتى تصل أقدامهم إلى مكان جارهم أو تحت كتفه أو أكثر، ولا يخفى ما في ذلك من الانشغال عن التدبر في صلاتهم وما يتلي فيها من القرآن الكريم، وتشويشهم على الغير. 4- ومنها أن وقفتهم لا تخلو من تفريج القدمين وهو تصنع وتفعل مخالف للسنة والفطرة حيث ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان "كما وقف كبر؟؟" أي بدون تفعُّل وتصنُّع في جميع ما يتعلق بوقفته. 5- ومنها أن الوقفة مع تفريج القدمين إنما هي وِقفة التكبر والتحدي، وليست وقفة العبد المتذلل لربه.-  وقد راجعت كثيرا في عدَّة كتب من مصادر ومراجع الحديث النبوي ولم أعثر فيها على الأمر النبوي الصريح الصحيح بالمحاذاة بين الأقدام. وإنما وجدت كلمة "حاذوا" في مثل الحديث: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بالمناكب،وحديث  "أقيموا الصفوف، فإنما تصفون بصفوف الملائكة، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل..." ولم يرد في أيها الأمر بالمحاذاة بين الأقدام، وإن فُرض وجود الأمر "بالمحاذاة" بين "الأقدام"،فيما وقفت عليه فيما أخرجه ابن مردويه من حديث البراء بن عازب رَضِيَ الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة يمسح مناكبنا وصدورنا، ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول، وصِلوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام، فإن الله يحب في الصلاة ما يحب في القتال {صفا كأنهم بنيان مرصوص} ". فتكون _ أي المحاذاة بين الأقدام _ كالمحاذاة بين الأعناق المذكورة في الأحاديث، والمعنى جعلها على سمت وخط واحد كما تم تفصيله أعلاه. قلت ومن النصوص النبوية ما ‏في الجامع الصغير.لجلال الدين السيوطي أقيموا الصفوف، فإنما تصفون بصفوف الملائكة، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله عز وجل "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق".)] - وعزاه إلى أحمد في مسنده وأبي داود والطبراني في الكبير عن ابن عمر رَضِيَ الله عنهما وفي ‏حاشية السندي على النسائي، كتاب الإمامة. باب حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بـينها. من حديث أَنَسٌ رَضِيَ الله عنه : أَنّ نَبِـيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَاصّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَـيْنَهَا وَحَاذُوا بِالأَعْنَاقِ فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِـيَدِهِ إنّي لأَرَى الشّيَاطِينَ تَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصّفّ كَأَنّهَا الْحَذَفُ".قال السندي:قوله:"رصوا صفوفكم" أي بانضمام بعضكم إلى بعض على السواء "وقاربوا بـينها" أي اجعلوا ما بـين كل صفين من الفصل قليلاً بحيث يقرب بعض الصفوف إلى بعض "وحاذوا بالأعناق" والمعنى اجعلوا بعض الأعناق في مقابلة بعض وفي [موطأ الإمام مالك] أبواب الصلاة/باب تسوية الصف.وقد ورد أن عثمان بن عفَّان رَضِيَ الله عنه كان يقول في خُطبته: إذا قامت الصلاةُ، فاعْدِلُوا الصفُوفَ، وحَاذُوا  بالمَناكِب، فإنَّ اعتدال الصفوف من تمام الصلاة. ثم لا يكبِّر حتى يأتيه رجال قد وكَّلهم بتسوية الصفوف، فيخبرونه أن قد استوتْ فيكبِّر. -).والمعنى لقوله: حاذُوا، أي: قابلوا المناكب بأن لا يكون بعضُها متقدِّماً وبعضُها متأخِّراً، وهو المراد بقول أنس رَضِيَ الله عنه:(كان أحدُنا يُلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه)، وقول النعمان بن بشير: (رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه) (وليس الأمر على ظاهره بل المراد بذلك مبالغة الراوي في تعديل الصف، وسدّ الخلل كما في فتح الباري، 2/176، والعمدة 2/294. وهذا يردّ على الذين يُبالغون في إلزاق كعابهم بكعاب القائمين في الصف ويفرجون جداً للتفريج بين قدميهم مما يؤدي إلى تكلّف وتصنُّع، وقد وقعوا فيه لعدم تنبُّههم للغرض، ولجمودهم على ظاهر الألفاظ،(معارف السنن) 1/292)، والنص عند أبي داود في سننه كما في ‏تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم في - كتاب الصلاة- باب تسوية الصفوف.  "أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: أَقِيمُوا الصّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ المَنَاكِبِ وَسُدّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُم وَلاَ تَذَرُوا فَرُجَاتٍ لِلشّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفّا وَصَلَهُ الله وَمَنْ قَطَعَ صَفّا قَطَعَهُ الله". وقد ورد في شرح هذا الحديث في عون المعبود وحاذوا بين المناكب): أي اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازياً لمنكب الآخر ومسامتاً له فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد ، وعلى خطٍ واحد مستوٍ، وبنفس المعنى قال الشوكاني في نيله أي اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازياً لمنكب الآخر ومسامتاً له فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد. وفي الأمر بتسوية الصفوف قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم (لتسون صفوفكم) والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد أو يراد بها سد الخلل الذي في الصف قاله في فتح الباري في كِتَاب الْأَذَانِ. باب تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ وَبَعْدَهَا. عند شرح حديث النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ الله عنهما قال قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ وقال المناوي في فيض القدير المراد بتسويتها إتمام الأول فالأول وسد الفرج وتحري القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر واحد ولا شيء منه على من هو بجنبه. وفي النهي عن الاختلاف في قوله (لا تختلفوا): أي بالتقدم والتأخر في الصفوف ، راجع : مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 8). كَمَا يدل عَلَيْهِ رِوَايَات الحَدِيث راجع : حاشية السندي على سنن النسائي (2/ 87). والحديث عند أحمد في المسند - وعند البخاري / كِتَاب الْأَذَانِ. باب إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ. وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ جاء في فتح الباري، شرح صحيح البخاري، للإمام ابن حجر العسقلاني  في المراد بقول النعمان رَضِيَ الله عنه - رأيت الرجل منا يلزق …)قال ابن حجر- المراد- المبالغة في تعديل الصف وسد خلله، قلت: ومما يدل على أن المراد المبالغة في المتابعة لصفوف الملائكة في التسوية والاصطفاف أن المقصود بالكعب في الشرع هو العظمة الناتئة على جانبي القدم وهذه لا يستوى معها مرادهم إذ لا تبقي ملتصقة مع بعضها عند الاستمرار في الخشوع والتدبر ومباشرة أعمال الصلاة . وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله". واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرجل - وهو عند ملتقى الساق والقدم - وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه، خلافا لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم، وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم، راجع  فتح الباري لابن حجر (2/ 211). وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم. والمراد من التسوية للصفوف كما في ‏الجامع الصغير. لجلال الدين السيوطي ((سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف [وفي رواية: "الصف"]ـ من إقامة الصلاة ["سووا صفوفكم": أي اعتدلوا فيها على سمت واحد، وسدوا فرجها. والسر في تسويتها مبالغة المتابعة (للملائكة)، فقد روى مسلم من حديث جابر بن سمرة: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قلنا: وكيف تصف عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف، الأول، ويتراصون في الصف. والمطلوب من تسويتها محبة الله لعباده.]ـ وعزاه إلى أحمد في مسنده وقد أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن أنس رَضِيَ الله عنه قلت هذا موافق لقوله تعالى (( إن الله يُحب الذين يُقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيان مرصوص))  والأمر بالتسوية للندب لا للوجوب و حكمة التسوية أن التسوية للصفوف من شأن الملائكة، ولأن تقدم البعض ربما أوغر صدور الباقين وشوش خشوعهم كما أشار إليه بقوله  صلَّى الله عليه وآله وسلَّم (ولا تختلفوا) أي لا يتقدم بعضكم على بعض في الصفوف (فتختلف قلوبكم) وفي رواية صدوركم. أقول: من مجموع هذه النقول للنصوص النبوية وشروحها الكثيرة يتبيَّن لنا أن المراد بتسوية الصفوف على الذي قال به العلماء كابن حجر في الفتح- ولا هجرة بعد الفتح - وكذا قول السندي في شرحه للنسائي وكذا الشوكاني في نيله وما ورد في موطأ مالك رحمه الله تعالى  وفي شرح الجامع الصغير للإمام المناوي وكذا في سنن أبي داود وشرحها في كتاب عون المعبود وتهذيبها لابن القيم كل هذه المراجع والمصادر وغيرها ، المعنى فيها أن تكون الأعناق والمناكب والأقدام على خط واحد وسمت واحد وهيئة واحدة وإنما يُحمل ما ورد عن النعمان وغيره على المبالغة في التسوية ومن المعلوم التفاوت بين الناس في المناكب ارتفاعا وانخفاضا أو طولا وقصرا ويتبع ذلك الأعناق وعليه فالمحاذاة تعني - ما ذهبنا إليه مما قرره أهل العلم سلفا ممن ذكرنا أسماءهم وأقوالهم المنقولة في آثارهم _ أن تكون على سمت واحد وخط واحد. أمَّا الأقدام فلم يرد في لزقها أمر صريح صحيح من النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ومحاولة لزقها لا يتأتي إلاّ بتكلف ومشقة وتترتب عليه مفاسد جمَّة أشرنا إليها من قبل فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم واتباع السنة كما وردت، غير مبدلين ولا مغيرين  ولا مفرِّطين ولا مُفْرطين والله ولي التوفيق  

31568

| 04 سبتمبر 2012

ماذا بعد رمضان؟

ماذا بعد رمضان ؟ يأتي حديثنا هنا عمَّا ينبغى أن يكون عليه المسلم  بعد رمضان  على النحو الموجز الآتي في أمور : الاستقامة والدعاء بالقبول استدامة أعمال البر والتقوى خوف العاقبة : عدم الاغترار: الحرص على إدامة بل إدمان ذكر الله تعالي : الحذر من الانتكاسة : دوام النفور من الكبائر : الوفاء بالدين إكمالا للعدة الإكثار من صوم النفل  بعد تحقيق الفرض ودونك هذه الأمور بشيء من التفصيل : 1- الاستقامة والدعاء بالقبول عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله  (ص) قل لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحداً غيرك" قال (ص) قل: آمنت بالله ثم استقم"( ) [رواه مسلم] سؤالُ الله قبول العمل الصالح من صدق الإيمان؛ بنى إبراهيم - عليه السلام - الكعبةَ ودعا ربَّه: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 127]. والثباتُ على الدين من عزائمِ الأمور؛. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم يكثر في الدعاء: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب! صرف قلبي على طاعتك) ، وأهل الإيمان يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8] ولهذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم يدعون الله أن يُبلغهم شهر رمضان ويستعدِّون لاستقباله ستَّة أشهر ويُودِّعون شهر رمضان ويدعون الله تعالى أن يتقبَّله منهم ستَّة أشهر  وعلى هذا يكون العام كله عندهم رمضان،كان للحسن بن صالح جارية فباعها إلى قوم ، فلما مضى وقت من الليل أيقظتهم ، فقالوا أسفرنا؟ (أى هل طلع الفجر؟) ، فقالت ألا تتهجدوا؟! قالوا : لا نقوم إلا لصلاة الفجر ، فجاءت الحسن تبكى وتقول : ردنى ، لقد بعتنى لأناس لا يصلون إلا الفريضة. فردها 2 - استدامة أعمال البر والتقوى من قيام ليل إلى تلاوة وغيرها في النصوص الآتية دليل على عموم قيام الليل في رمضان وبعد رمضان قال تعالى :"وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً *وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً" الفرقان/64 وقال تعالى :"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" الزمر/9} وقال تعالى :" وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ"آل عمران/17. وقال تعالى :" وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"الذاريات/18 ، وفي هاتين الآتين الأخيرتين جاء الحديث عن صورة من صور قيام الليل ولا سيما الثلث الأخير وذلك بالاستغفار ، وجاء التعبير مرة بالجملة الاسمية المفيدة للثبات والدوام ، كما في آية آل عمران ومرة بالجملة الفعلية المفيدة للتجدد والحدوث كما في آية الذاريات ، والشاهد أن ذلك جاء عاريا من قيد زمان رمضان مما يدل على الاستمرار والدوام ، وعن قيام الليل والتهجد فيه ثبت عن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه إدامة ذلك على مدار العام "في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعاً فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعاً فَلاَ تَسْأَلْ عنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثاً. ‏صحيح مسلم  كتاب صلاة المسافرين وقصرها.  باب صلاة اللَّيل وعدد ركعات النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في اللَّيل، وأنَّ الوتر ركعة، وأنَّ الرّكعة صلاة صحيحة. عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى الله أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ".واقتدت به أم المؤمنين عَائِشَةُ – رضي الله عنها كما في الصحيح فكَانَتْ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ وجاء التوجيه النبوي بالحرص على ذلك ولو قليلا. ‏عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- حَصِيرٌ، وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ: فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى الله مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ ". وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِذَا عَمِلُوا عَمَلاً أَثْبَتُوهُ.صحيح مسلم  كتاب صلاة المسافرين وقصرها.  باب فضيلة العمل الدَّائم من قيام اللَّيْل وغيره والأمر بالاقتصاد في العبادة وهو أن يأخذ منها ما يطيق الدَّوام عليه. والحكمة في ذلك أن المديم للعمل يلازم الخدمة فيكثر التردد إلى باب الطاعة كل وقت ليجازي بالبر لكثرة تردده، فليس هو كمن لازم الخدمة مثلا ثم انقطع. وأيضا فالعامل إذا ترك العمل صار كالمعرض بعد الوصل فيتعرض للذم والجفاء، ومن ثم ورد الوعيد في حق من حفظ القرآن ثم نسيه، والمراد بالعمل هنا الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات. وعن التلاوة جاء الحديث في القرآن الكريم عن تجدد ذلك وحدوثه دوما فقال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ"فاطر/29-30} وهكذا فلنحافظ على ما هدانا الله تعالى إليه من أعمال البر والتقوى، فذلك دليل قبول الصيام والقيام .فالطاعة بعد الطاعة دليل قبول الأولى.كما أن المعصية بعد المعصية عقوبة على المعصية الأولى، والمعصية بعد الطاعة دليل عدم قبول الطاعة والعياذ بالله . فلنحافظ على ما اعتدنا عليه من أعمال البر والخير قَالَ الله تَعَالَى: {إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهِمْ} . [الرعد (11) ] . أي: لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يُغِّيروا ما بأنفسهم فيعصوا ربهم. 3- خوف العاقبة قيل قديما : ابن آدم مبتلى في أربعة أشياء ضعف البشرية وتكليف العبودية وإخفاء السابقة وإبهام العاقبة. وليكن معلوما أنّ أصل الدين خوف العاقبة، فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يأمن. عن محمد بن نعيم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما جاءني جبريل - عليه السلام - إلا وهو رعد فرقاً وخوفاً من الجبار - عز وجل -»  وقيل: لما ظهر على إبليس ما أظهر من المخالفة والطرد بعد القرب والعبادة، طفق جبريل وميكائيل عليهما السلام يبكيان فأوحى الله إليهما ما لكما تبكيان هذا البكاء وإني لا أظلم أحداً قالا: يا رب لا نأمن مكرك أي: ما نأمن أن تقضي علينا بالبعد بعد القرب، وبالشقاوة بعد السعادة فقال: الله تعالى هكذا كونا لا تأمنا مكري. وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه خرج إلى صلاة الجمعة فلقيه إبليس في صورة شيخ عابد فقال: له إلى أين يا عمر؟ فقال له: إلى الصلاة، فقال: قضينا الصلاة وفاتتك الجماعة، والجمعة فعرفه فمسكه بتلابيبه وخنقه وقال له: ويلك ألم تك رأس العابدين وقدوة الزاهدين، فأُمرت بسجدة واحدة فأبيتَ واستكبرتَ وكنتَ من الكافرين، وطُردت وأبعِدت إلى يوم القيامة فقال: تأدب يا عمر هل كانت الطاعة بيدي أم الشقاوة بمشيئتي، إني كنت أبسط سجادة عبادتي تحت قوائم العرش، ولم أترك في السماوات بقعة إلا فيها سجدة وركعة ومع هذا القرب قيل لي: أخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين، فإن كنت يا عمر أمنت مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، فقال له عمر: اذهب فلا طاقة لي بكلامك" شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/ 300) وعن سفيان الثوري -رحمه الله- أنه خرج إلى مكة حاجاً فكان يبكي من أول الليل إلى آخره في المحمل فقال له شيبان الراعي: يا سفيان، ما بكاؤك إن كان لأجل المعصية فلا تعصه ، فقال: يا شيبان ليس بكائي ، من أجل المعصية ولكن خوف العاقبة، لأني رأيت شيخاً كبيراً كتبنا عنه العلم، - والعياذ بالله - وكان تُلْتمس بركته ويُستقى به الغيث، فلما مات تحول وجهه عن القبلة ومات على الشرك كافراً، فما أخاف إلا من سوء الخاتمة فقال له: إن ذلك من شؤم المعصية والإصرار على الذنوب، فلا تعص ربك طرفة عين. شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/ 300) لقد أتم الله علينا النعمة بصوم شهر رمضان  وقيامه والقبول  بيد الله عـزَّ وجلَّ وحده رُويَ عن عليٍّ - رضي الله عنه - أنَّه كانَ ينادي في آخرِ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ: يا ليتَ شِعْرِي! مَن هذا المقبولُ فنهنِّيه؟ ومَن هذا المحرومُ فنُعَزِّيه؟وروي عن ابنِ مسعودٍ مثله أيُّها المقبولُ هنيئًا لكَ، أيها المردودُ جبرَ اللَّه مُصيبتك.عن عليٍّ رضي الله عنه: «كُونُوا لقبول العمل أشدَّ اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعُوا الله - عز وجل - يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} » .قال مالك بنُ دينار: الخوفُ على العمل أن لا يُقبل أشدُّ من العمل.وعن فضالةَ: لأن أعلم أن الله تقبّل مني مثقال حبةِ خردلٍ، أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها، لأن الله تعالى يقول:" إنما يتقبل الله من المتقين "  ومن ذا الذي يستطيع أن يقطع لنفسه بالتقوى مع قوله تعالي " فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى " لقد علم الله من كل نفس ما هي صانعة وإلى ما هي صائرة فلا تزكوا أنفسكم فلا تبرئوها من الآثام ولا تمدحوها بحسن الأعمال. فهو أعلم بكم أيها المؤمنون علم حالكم من أول خلقكم إلى آخر يومكم فلا تزكوا أنفسكم رياء وخيلاء ولا تقولوا لمن لم تعرفوا حقيقته أنا خير منك أو أنا أزكى منك أو أتقى منك فإن العلم عند الله فلا تنسبوا أنفسكم إلى الزكاة والطهارة من المعاصي ولا تثنوا عليها واهضموها فقد علم الله الزكي منكم والتقي أولا وآخرا قبل أن يخرجكم من صلب أبيكم آدم وقبل أن تخرجوا من بطون أمهاتكم ، وفيه إشارة إلى وجوب خوف العاقبة فإن الله يعلم عاقبة من هو على التقوى "هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى"النجم/32} ومع إنكاره تعالى على من يُزكى نفسه بين يديه عزَّ وجلَّ  "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكى من يشاء  ولا يظلمون فتيلاً "  وعلى هذا ينبغي أن يكون قلب المسلم بعد رمضان وجلاً  مشفقاً لأنه لا يدرى هل قُبٍل منه الصوم أم لا   ؟! قال تعالي  في وصف  عباد خُلَّص له  " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون  والذين هم بآيات ربهم يؤمنون  والذين هم بربهم لا يشركون   والذين يؤتون ما آتوا  وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون " عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله r عن هذه الآية: }والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة{( ). أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا تقبل منهم. أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون"( ).   الإشفاق كمال الخشية من الله عـزَّ وجلَّ  والخشية درجة أعلى من الخوف  إذ لا تتأتي إلاَّ مع العلم ولذلك وصف الله تعالي العلماء بها فقال " إنما يخشى الله من عباده العلماء "  " أمَّا الشفقة فهي كمال الخشية من الله تعالي مع رقة وضعف وقد ذكر الله تعالي عن أهل الجنة تذكرهم ما كانوا عليه في الدنيا  في سورة الطور " إنا كنا قبل في أهلنا  مشفقين  فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم "  ولذا كانت السيدة عائشة - رضي الله عنها - عندما تقرأ هذه الآية  تقول اللهم مُنَّ  علينا وقنا عذاب السموم  اللهم آمين . وَوَصْف الله تعالي لقلوبهم بأنها وجلة  بعد الأعمال الصالحة كما في حديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعائشة وختام الآية  بقوله تعالي " أنهم إلى ربهم راجعون " يؤذن بخوفهم  العاقبة إذ الأعمال بالخواتيم كما في صحيح البخاري ولقد كان السلف رضي الله عنهم على الحسنات من أن تُردَّ عليهم أشفق منَّا على السيئات أن نُعذَّب عليها  كما يقول الحسن رضي الله عنه  وعن أبي بكرة رَضِيَ الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« لا يقولن أحدكم صمت رمضان كله أو قمت رمضان كله الله أعلم أكره التزكية على أمته أو قال لا بد من رقدة أو من غفلة» .وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« لا يقولن أحدكم إني صمت رمضان» . قال منصور بن عمار -رحمه الله-: إذا دنا موت العبد قسم حاله على خمسة أقسام المال للوارث، والروح لملك الموت، واللحم للدود، والعظم للتراب، والحسنات للخصوم.فماذا يبقي ؟؟!! 4- عدم الاغترار قال ابن القيم - رحمه الله -: "إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا سلبَ رؤيةَ أعماله الحسنةِ من قلبه، وسلبَ الإخبارَ بها من لسانه، وشغَلَه برؤية ذنبه". مع الصيام والقيام والزكاة والاعتكاف والتلاوة وغيرها من أعمال البر التي وقعت في شهر رمضان إلاَّ أنا لا ندخل على الله تعالي بأعمالنا فرحمة الله أرجي عندنا من عملنا ومغفرته أوسع من ذنوبنا عَنْ عَائِشَةَ, زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا كَانَتْ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «سَدّدُوا وَقَارِبُوا. وَأَبْشِرُوا. فَإِنّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنّةَ أَحَداً عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: «وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِيَ اللّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ. وَاعْلَمُوا أَنّ أَحَبّ الْعَمَلِ إِلَىَ اللّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلّ» . ثُمَّ علام الاغترار ؟! ولولا فضل الله وعونه ما كان منَّا الصيام ولا القيام ولا غيره من هذه الأعمال الصالحة أولم نُقرْ بذلك في مساء كل يوم "الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت."  ومعنى هذا أنه لولا عون الله تعالى لك لما قمت بهذا الركن من أركان الإسلام وغيره من الأعمال الصالحة وألوان الطاعات ومن حداء الصحابة [ اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا ] ومن أقوال أهل الجنة " الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون "  فعلام الاغترار إذا مادام العمل لا تُوفَّق له إلاَّ بالله تعالى ؟ قال موسى عليه السلام يوم الطور: يا رب إن أنا. صليت فمن قبلك وإن أنا تصدقت فمن قبلك وإن بلغت رسالاتك فمن قبلك فكيف أشكرك؟ قال: يا موسى الآن شكرتني. 5- الحرص على إدامة بل إدمان ذكر الله تعالي فأعظم الصائمين-بل المسلمين-  أجراً أكثرهم لله ذكراً كما في الحديث " أن رجلاً سأل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: أي الجهاد أعظم أجراً؟ قال: «أَكْثَرُهُمْ لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذِكْراً» قال: فأي الصائمين أعظم أجراً؟ قال: «أَكْثَرُهُمْ لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذِكْراً» ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك رسول الله  - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -  يقول: «أَكْثَرُهُمْ لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذِكْراً» فقال أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنهما: يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله  - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -  : «أَجَلْ» . وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» . وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: الَّذِينَ لَا تَزَالُ أَلْسِنَتُهُمْ رَطْبَةً مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، يَدْخُلُ أَحَدَهُمَا الْجَنَّةَ وَهُوَ يَضْحَكُ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ مِائَةَ نَسَمَةٍ، فَقَالَ: إِنَّ مِائَةَ نَسَمَةٍ مِنْ مَالِ رَجُلٍ كَثِيرٌ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ إِيمَانٌ مَلْزُومٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنْ لَا يَزَالَ لِسَانُ أَحَدِكُمْ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ مُعَاذٌ: لَأَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى اللَّيْلِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْمِلَ عَلَى جِيَادِ الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى اللَّيْلِ. جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 514ولهذا رأينا في القرآن الكريم بعد كثير من التكاليف الشرعية يأتي الأمر بالذكر الكثير لله تعالي ومن ذلك  بعد الصلاة  يقول تعالي "فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعوداً وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة … "  وفي الحج يقول تعالي " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشدَّ ذكرا "   فقد كان من عادة العرب في الجاهلية أن يتخذوا من موسم الحج فرصة للتفاخر بالآباء والأجداد وتعداد مآثرهم ومفاخرهم  حتى إن ذلك ليغلب على ذكرهم لله تعالي  فقلبوا بذلك الأمر ولذا تدرج الله تعالي بهم  فدعاهم إلى ذكره عـزَّ وجلَّ  وإن لم يَزد ذكرهم لله تعالي على ذكرهم لآباءهم فلا يقل ولا ينقص عنه  وفي الجهاد يقول تعالي " إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون " . وفي الجمعة يقول تعالي " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون "  وفي سورة الأحزاب بيان لصفات الشخصية المسلمة الحقة المستجمعة لخصال الخير  والمتأبية على خصال الشر  هذه الصفات جاءت مرتبة ترتيباً  تصاعدياً  حتى جاء الذكر الكثير في أعلاها  قال تعالي " إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات  والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات  والذاكرين الله كثيرا والذاكرات  أعدَّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيما "  .هذا وممَّا يُعين على الذكر الكثير الأخوَّة في الله ولهذا دعا موسي عليه السلام ربه أن يجعل له من أخيه من أبيه وأمه أخا له في الله تعالى فقال " رب اشرح لي صدري  ويسِّر لي أمر ي واحلل عقدة من لساني يفقه قولي ، واجعلي وزيرا من أهلي هارون أخي أُشدد به أزري وأشركه في أمري " لماذا  قال " كي نُسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا  قال قد أوتيت سؤلك يا موسي "  وتلك دعوة مُجرَّبة  فلنحرض عليها ولاحظ الهدف منها عند موسي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لم يكن الهدف منها العصبية ولا الحزبية ولا القومية ولكن  الذكر الكثير والتسبيح الكثير  وقد آتاه الله تعالى سؤله 6- الحذر من الانتكاسة إن الطفل بعد أن تتم فترة رضاعته وبعد أن يستوفي حقه من ذلك تماما على النحو الذي فصَّل الله عـزَّ وجلَّ في كتابه فقال " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " . أقول بعد هذه الفترة ،لا يرجع  الوالدان به  بعد ذلك إلى الرضا ع من جديد  ولا يسمحان له بالعود إلى ذلك  لأن هذا يعنى انتكاسة  لا يُسمح للطفل بها  أبدا بهذه الانتكاسة تربية للعزيمة وتقوية للإرادة لدى الطفل وكما أن الأمر هكذا بالنسبة للطفل فهو هكذا للنفس فنحن في رمضان أخذنا أنفسنا بالعزيمة وقمنا بفطامها عن المعاصي وأعاننا المولى عـزَّ وجلَّ على ذلك  فحبس عنَّا شياطين الجن  كما في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» صحيح مسلم  كتاب الصيام.  باب فضل شهر رمضان. فينبغى أن نحذر الانتكاسة بعد رمضان بالعود إلى المعاصي من جديد  فإنها انتكاسة ما بعدها انتكاسة  والنفس كالطفل إن تهمله  شبَّ            على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم ولنحذر نقض غزلنا بعدما أبرمناه قال تعالى :"وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"النحل: 92 يحذر الله المؤمنين أن يكونوا بهذه الصفة، والذي يوعد الوعد ومن ثم يخلف ولا ينفذ، أو يعقد العقد ومن ثم يتحلل منه ولا يعطيه شبهه الله بامرأة خرقاء حمقاء كانت في الجاهلية تغزل غزلها إلى أن تعمل منه ثوباً، ومن ثم تنقض هذا الثوب، ومن ثم ترجع تغزله مرة أخرى، ومن ثم تنقضه! أتكون مثلها كلما عقدت عقداً نقضته، وكلما عاهدت عهداً غدرت به؟! فيقول لنا: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} [النحل:92] من بعد ما كنتم أقوياء بالإيمان فارقتم ذلك بالمعاصي ورجعتم القهقري! قال كعب: من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر من رمضان لم يعص الله دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر عصى ربه فصيامه عليه مردود.وذلك للحديث الصحيح " الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"صحيح البخاري كِتَاب الْعِتْقِ. باب الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَلَا عَتَاقَةَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ.ولأنه بات مصرا على معصية الله تعالى وقد جاء فى وصف المتقين عدم الإصرار على المعصية ، قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ *وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ *أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ "آل عمران:133-136، 7- دوام النفور من الكبائر  الذنوب منها ما الكبار ومنها الصغار ، ولا بد للمسلم من مجاهدة نفسه حتى يسلس له منها الانقياد  والمرء بجبلته يقع في المعصية عنْ أَنَسٍ رَضِيَ الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلّ بَنِي آدَمَ خَطّاءٌ. وَخَيْرُ الْخَطّائِينَ التّوّابُونَ" .وقد ادخر الله تعالي عنده خيرا كثيرا باقيا وما عنده تعالى هو خير وأبقي   لقوم من أبرز صفاتهم ومحاسنهم اجتنابهم للكبائر فقال تعالى:" وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ *وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ.."الشورى:36-39" وفي النجم جاء في وصف من سيجزيهم الله بالحسنى أنهم " الذين  يجتنبون كبائر  الإثم  والفواحش إلاَّ اللمم … ". واللمم  صغائر الذنوب وعلى هذا فالمسلم مطالب  بالمجاهدة لنفسه حتى لا يقع في الكبائر  فيغفر الله تعالي له الصغائر مطالب بأن يعيش روح رمضان من رمضان حتى رمضان القادم مجتنباً للكبائر  فيمحو الله عنه ما يرتكب من صغائر  يدل على ذلك قوله تعالي " إن تجتنبوا كبائر ما تُنهون عنه نُكفر عنكم سيئاتكم  وندخلكم مدخلاً كريماً ". والمقصود بالسيئات هنا الصغائر فاجتناب الكبائر _ مع القيام بالأعمال الصالحة من مثل الصوم والصلاة  وغيرها _ يُكفِّر الصغائر لهذه الآية الكريمة  السابقة وكما في  الحديث الشريف  عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ "الصّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ. وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ. مُكَفّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنّ. إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ" . ولئن كان  الجو العام في رمضان يساعد على الاستقامة والنفور من الكبائر لتصفيد الله تعالي لشياطين الجن عنَّا فأولى بنا أن نكون أشدَّ حذراً بعد رمضان لإطلاق سراحهم  وعودتهم إلى الغواية من جديد " لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ، إلاَّ عبادك منهم المخلصين "  ومن هنا يتوجب على المسلم  النفور من الكبائر لتسلم له الأعمال الصالحة  ولا تبطل ويضيع أجرها عليه  لقوله تعالي " يا أيها الذين آمنوا  أطيعوا الله وأطيعوا الرسول  ولا تبطلوا أعمالكم "  فكما أن الحسنات يذهبن السيئات فكذلك السيئات يذهبن الحسنات " " لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين "  . وعلى هذا فما الكبائر ؟ التي إذا اجتنبها المسلم من رمضان إلى رمضان  مع أدائه للأعمال الصالحة المفروضة كفَّر ذلك عنه – السيئات الصغيرة _ وغيرها . الكبيرة : هي كل ما ورد فيه حد أو وعيد شديد  وهذه فرصة ندعو فيها الإخوة والأخوات إلى قراءة كتاب : "الكبائر " للإمام الذهبي رحمه الله فقد جمع فيه قرابة السبعين كبيرة  وهو كتاب يسير بثمن بخس دراهم معدودة  لكنه عظيم النفع  والفائدة  وثّمَّة كتاب آخر في بابه عنوانه " الزواجر عن اقتراف الكبائر "  جمع فيه صاحبه قرابة الثلاثمائة كبيرة مع أصولها من الكتاب والسنة  وأقوال العلماء عن أخطارها وأضرارها فهما كتابان لا نظير لهما في بابهما  وذلك حتى يتأتَّى للمسلم اجتناب الكبيرة لا بد له أن يعرف الكبيرة أولاً فقد يقع فيها وهو لا يدرى ! ولهذا كان ابن مسعود رضي الله عنه يسأل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن أعظم الذنوب ؟!  وذلك ليتركها ويتجنبها  فعن عبد الله قال: «سألتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم: أيّ الذْنبِ أعظمُ عندَ الله؟ قال: أن تجعلَ للّهِ ندّاً وهوَ خَلَقَكَ. قلتُ إنّ ذلك لعظيم, قلتُ: ثمّ أيّ؟ قال: وأن تَقْتُلَ وَلَدَكَ تخافُ أن يَطعمَ معك, قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تُزاني حَليلةَ جارِك» .  وكما قال عمر رضي الله عنه  عرفت الشـرَّ لا للشر ولكن لتَوَقِّيه. ومن العيب على المرء أن يظل غفلا جاهلا ولا تعرفون الشر حتى يُصيبكم        ولا تعرفون الأمر إلا تدبرا. 8- الوفاء بالدين إكمالا للعدة من أفطر بعض أيام رمضان بسبب مرض أو سفر- رجالا أو نساء – والمرأة إذا أفطرت بسبب حيض أو نفاس -  فذلك دين لله تعالي يجب  الوفاء به لقوله تعالي " ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر "  وَالصِّيَامُ كالصلاة كِلَاهُمَا فَرْضٌ وَاجِبٌ وحق مؤكد ، وَدَيْنٌ ثَابِتٌ يُؤَدَّى أَبَدًا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ الْمُؤَجَّلُ لَهُمَا، وَمَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ لِعِبَادِهِ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، وَقَدْ شَبَّهَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَقَالَ ((دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى)) وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ، غير أم المرأة تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة .للحديث الصحيح في الصحيحين عَنْ مُعَاذَةَ بنت عبد الله العدوية قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ؟ فَقالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ( ) أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرْورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ" [رواه البخاري، ومسلم]( ).الحيض خلقة في النساء، وطبع معتاد معروف منهن.هذا الحديث دليل على أن الحائض ومثلها النفساء – بالإجماع – لا يحل لهما الصوم، وأنهما تفطران أيام الحيض من رمضان وتقضيان.وقد ورد في الصحيح ما يقر المرأة على ترك التكاليف الشرعية من صلاة وصيام وغيرها خلال فترة الحيض وكذا النفساء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا" ( ).مع هذا الحديث الإجماع قائم على ترك المرأة – حال حيضها ونفاسها - الصوم والصلاة وكونهما لا يجبان عليها، ويجب عليها قضاء الصيام؛ لأدلة أخر.منها حديث معاذة العدوية. وكون المرأة تؤمر بقضاء الصوم دون الصلاة نصا على خلاف الرأي والقياس كما قَالَ أَبُو الزِّنَادِ : إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ اتِّبَاعِهَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، مع أن القياس وجوبها كالصوم، لأن كلا منهما عبادة تركت لعذر، ولكن ثبت الحكم على خلاف هذا القياس لحكمة يعلمها الله عز وجل، والمسلمة تلتزم ذلك تعبدا له سبحانه.  ومثله قول علي: لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أحق بالمسح من أعلاه"  ونظائر ذلك في الشرع كثير. وهذا من رحمة الله تعالى بالنساء فإن الصلاة تتكرر كلّ يوم، والحيض يتكرر كل شهر غالباً. فإلزامها بقضاء الصلاة فيه مشقة..، والصوم عبادة سنوية ليس في قضائها مشقة، بل فيه مصلحة للمرأة، والله عليم حكيم( ).والمشقة المرفوعة بعدم مشروعية قضاء المرأة صلاة أيام حيضها لأنه يكون غالباً في كل شهر ستاً أو سبعاً وقد يمتد إلى عشرة أيام وحاصل ضرب عشرة أيام في اثني عشر شهرا يكون المجموع مائة وعشرين يوما مع قسمتها على ثلاثين عدد أيام الشهر فيلزم قضاء صلوات أربعة أشهر من السنة وذلك في غاية المشقة 9- الإكثار من صوم النفل  قال تعالى " فإذا فرغت فانصب " مع الوفاء بالفرض  وإتمامه  فلئن كان وقت المفروض من الصوم قد انتهى فما أكثر أيام النوافل فيما نستقبل من أيام ومن ذلك 1- صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع ففيهما تعرض الأعمال على رب العالمين  كما في الحديث الشريف عن عائشة قالت:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان ورمضان ويتحرى صوم الاثنين والخميس .2- الأيام الثلاثة البيض من كل شهر  كصدقة عن عافية البدن كل يوم عن أبي هريرةَ رضيَ اللّهُ عنه قال «أوصاني خليلي بثلاثٍ لا أدعهنّ حتى أموت: صومِ ثلاثةِ أيّامٍ من كل شهر, وصلاةِ الضّحى, ونوم على وِتر» . عن أَبَي ذَرٍّ  رضي الله عنه قال : قالَ رسولُ الله  - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -  : «يَا أَبَا ذَرٍّ إذَا صُمْتُ من الشهرِ ثلاثةَ أيامٍ فَصُمْ ثلاثَ عَشْرَةَ وأرْبَعَ عَشْرَةَ وخَمْسَ عَشْرَةَ" . عن موسى بن طلحة ، قال:  أُتِي النبي  - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -  بأرنب قد شواها رجلٌ فلما قدمها إليه، قال يا رسول الله: إني رأيت بها دماً، فتركها رسول الله  - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -  فلم يأكلها وقال لمن عنده: كلوا فإني لو اشتهيتها أكلتها، ورجل جالس فقال رسول الله  - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -  : «ادن فكل مع القوم. فقال: يا رسول الله  إني صائم. قال:  فهلا صمت البيض قال: وما هُنَّ؟ قال: ثلاث عشرة وأربع عشرةَ وخمس عَشرةَ» .وعلى هذا فالأيام البيض في الأحاديث السابقة هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربي كما وضحها الحديث السابق 3-يوم عرفة فإن صومه يكفر ذنوب سنتين  ـ عن أبي قتادة قال: قال رسول الله  - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -  : «صوم عرفة كفارة سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة وصوم عاشوراء كفارة سنة» .4- وأيام العشر الأول من ذي الحجة  ـ  عن ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قال قال رَسُولُ الله  - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -  : «مَا مِنْ أيّامٍ الْعَمَلُ الصّالِحُ فيهَا أحَبّ إلَى الله مِنْ هَذِهِ الأيّامِ يَعْني أيّامَ الْعَشْرِ قالُوا يارَسُولَ الله وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ قالَ وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله قالَ إلاّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» .5- ويوم عاشوراء فإن صومه يكفر ذنوب سنة  كما مر في الحديث. 6- وأيام الأشهر الحرم . 7- وصوم داود أحب الصيام إلى الله تعالي  كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بلغ النبي  - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - أني أصوم أسرد وأصلي الليل قال: فأرسل إليه وإمّا لقيه قال:» ألم أخبر أنك تصوم لا تفطر وتصلي الليل فلا تفعل فإن لعينك حظاً ولنفسك حظاً ولأهلك حقاً, صم وأفطر وصل ونم وصم من كل عشرة أيام يوماً ولك بأجر تسعة قال: إني أقوى من ذلك يا رسول الله قال: صم صيام داود إذاً قال: وكيف صيام داود يا نبي الله؟ قال: كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى قال: قال ومن لي بهذا يا نبي الله؟"  . لاحظ قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عن أخيه داود عليه السلام إنه مع صومه المتواصل إلاَّ أنه لا يقعد به عن فرض  ولا يُصيبه بضعف فيخور عند الشدائد  يقول صلي الله عليه وآله وسلم " ولا يفر إذا لاقى " . 8- وصوم ستة أيام من شهر شوال فعَنْ أَبِي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوّالٍ. كَانَ كَصِيَامِ الدّهْرِ» .  وصومها مستحب عند الشافعي  وأحمد وداود ومن وافقهم لهذا الحديث الشريف وعند أحمد يستوى التتابع في صومها وعدمه ، وعند الشافعية والأحناف التتابع أفضل عقب العيد قلت : صوم هذه الأيام في أي وقت من شهر شوال تقع به  الفضيلة وكيفما وقع الصوم بصوم يومين في العشر الأولى وآخرين في العشر الوسطى وآخرين في العشر الأخيرة من الشهر أو بصوم الاثنين  والخميس بنية الأيام الستة  أو بصوم ستة أيام متتالية من أول الشهر أو من وسطه أو من آخره المهم أن تقع في شهر شوال   والكل يقع عليه " اسم " التتابع  وتحصل به فضيلة صيام الدهر  قال العلماء " إنما كان ذلك كصيام الدهر  لأن رمضان  بعشرة أشهر والأيام الستة بشهرين في الصحيح " صيام شهر رمضان  بعشرة أشهر ، وصيام  ستة أيام  بشهرين  فذلك صيام السنة "  وثمَّة المعيار الذي يتم عليه الأجر بين يدي الله عـزَّ وجلَّ عن ثوبان مولى رسول الله  - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -  أنه: سمع رسول الله  - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -  يقول:  «جعل الله الحسنة بعشرٍ فشهرٌ بعشرةِ أشهرٍ وستة أيام بعد الفطر تمام السنة» . هذا وبالله التوفيق وكل عام أنتم بخير.   هوامش: ( ) صحيح مسلم 38. صحيح البخاري كِتَاب الرِّقَاقِ. باب الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ. صحيح البخاري، كِتَاب الرِّقَاقِ. باب الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ. المائدة / 27 النجم / 32 النساء /49 المؤمنون 57 – 61 ( ) سورة المؤمنون، الآية: 60 ( )رواه الترمذي (9/19) وقوله: (أولئك الذين) هكذا في رواية الترمذي، وفي القرآن (أولئك يسارعون) والحديث صححه الألباني (صحيح الترمذي  3/79، 80) فاطر/28 الطور / 26 – 28 صحيح ابن خزيمة مسند اسحاق بن راهوية مسلم في صحيحه  كتاب صفة القيامة والجنة والنار باب لن يدخل احداً عمله الجنة … مصنف ابن أبي شيبة كان الربيع بن خُثيم يدعو به الأعراف /43 مسند أحمد النساء  / 103 البقرة / 200 الأنفال / 45 الجمعة /10 الأحزاب 35 طه/25-36 البقرة / 233 سنن ابن ماجة كتاب / الزهد باب ذكر التوبة النجم / 32 النساء 31 مسلم في صحيحه  كتاب / الطهارة  ـ  باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر الحجر / 39- 40 محمد / 33 الزمر / 65 البخاري في صحيحه  كتاب التفسيرـ باب قوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (البقرة: 22) البقرة / 185 ( )الحرورية: نسبة إلى قرية في العراق قرب الكوفة نزل فيها أول فرقة من الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه. ويقال لمن اعتقد رأي الخوارج. حروري، وكان تشددهم في الدين ورأيهم الخاص أن الحائض تقضي الصلاة كالصوم. ( ) مسند الإمام أحمد كما أخرجه البخاري (1/421)، ومسلم (335). في ‏صحيحه كتاب الحيض. باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة. ‏نيل الأوطار كتاب التيمم. أبواب الحيض. باب الحائض لا تصوم ولا تصلي وتقضي الصوم دون الصلاة ( ) رواه البخاري (1/405)، 4/191)في صحيحه كِتَاب الْحَيْضِ. باب تَرْكِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ ، وأخرجه مسلم (132) (79، 80) عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما صحيح البخاري  كتاب الصوم. باب: الحائض تترك الصوم والصلاة. أخرجه احمد وأبو داود والدار قطني ورجال إسناده ثقات ( ) انظر: أعلام الموقعين (2/60) النسائي في السنن الكبرى كتاب الصيام البخاري في صحيحه  كتاب التهجد ـ باب صلاةِ الضّحى في الحَضَر السنن الكبرى للبيهقي النسائي في السنن الكبرى النسائي في السنن الكبرى  كتاب الصيام سنن أبي داود كتاب  الصيام باب في صوم العشر النسائي في السنن الكبرى كتاب الصيام  باب فضل صوم عشرة أيام من الشهر مسلم في صحيحه كتاب الصيام /باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان صحيح الترغيب 1/ 421 والجامع الصغير رقم 3094 النسائي في السنن الكبرى

1714

| 30 أغسطس 2012

ثلاث وثلاثون حكمة لتحريم نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم من بعده

س14: حكمة تحريم نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم من بعده؟ ج14: الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد. فالأصل في ذلك قوله جل مذكورا وعز مرادا:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً*إِن تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً هَذِهِ آيَةُ الْحِجَابِ، وَفِيهَا أَحْكَامٌ وَآدَابٌ شَرْعِيَّةٌ، وَهِيَ مِمَّا وَافَقَ تَنْزِيلُهَا قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} . وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ حَجَبْتَهُنَّ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ. وَقُلْتُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَمَالَأْنَ عَلَيْهِ فِي الْغَيْرَةِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} ، فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ذِكْرُ أُسَارَى بَدْرٍ، وَهِيَ قَضِيَّةٌ رَابِعَةٌ وقد جاء في سبب نزول الحكم القاطع بعدم إباحة التزوج بأزواجه من بعد حياته صلوات الله وسلامه عليه ما حكاه السدي أن رجلاً من قريش من بني تميم قال عند نزول الحجاب أيحجبنا رسول الله عن بنات عمنا ويتزوج نساءَنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده , فأنزلت آية الحجاب هذه. إن المتأمل المتدبر للأصل في هذا الحكم الرباني من فوق سبع السماوات يجد أنه لم يأت هكذا ارتجالا، وحاشا كلام الباري جل في علاه ، وإنما جاء هذا التوجيه ضمن منظومة عامة، وجملة كريمة من الآداب أدَّب المولى تبارك وتعالى عليها الأمة كلها مع صفوة خلقه، وحامل كلمته الأخيرة لسعادة الخليقة، فكما أدبَّه ربه فأحسن تأديبه أدّب كذلك أمته معه، ومع بعضها البعض، ولم تختص آية الأحزاب ولا سورتها بنظم عقد هذه الآداب مع الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وإنما بثها الوحي المعصوم في ثنايا سوره الكريمة، وكان في مقدمة هذه الآداب أن رأينا المولى في علاه وإن نادي وخاطب أحدا من أنبيائه وهم إخوانه إذ "الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد"حملة الرسالات السماوية، ناداهم وخاطبهم عز وجل بأسمائهم المجردة ، إلا هو صلوات الله وسلامه عليه فلم ترد مرة مناداته باسمه مجردا عن وصف النبوة أو الرسالة، ومن ذلك :" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ" "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وأغلظ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"  "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً"   "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً" " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً *وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً" "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً" "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ*إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ*إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ" "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ" "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" "لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" وغيرها الكثير والكثير من الآيات التي يُؤدب الله بها الأمة من نبيها وقدوتها ، ومن خلال ذلك يحملها على أجمل الآداب ، وأكرم الخصال فقد أدَّب الله تعالى نبيه ليؤدب به الأمة وأدب الأمة ليؤدب بها البشرية جمعاء. ولله في خلقه شؤون. وحري بنا قبل المضي قدما في استجلاء وجه الحكمة من هذا التشريع المحكم أن نُبين المراد بقوله جل مذكورا وعز مرادا "أزواجه" هل الزوجية مجرد الاقتران به صلوات الله وسلامه عليه ولو سرحها ، أم من استمرت في عصمته حتى لحق بالرفيق الأعلى ؟؟؟، ألحقنا الله تعالى به بوجهه الكريم على السنة والإيمان الكامل وهوراض عنا غير غضبان. والجواب: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَزْوَاجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ نِكَاحُهُنَّ، وَمَنِ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ كَانَ كَافِرًا ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً". قال الحافظ ابن كثير –رحمه الله تعالى - أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ تَزْوِيجُهَا مِنْ بَعْدِهِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ. وَإِضَافَةُ الْبَعْدِيَّةِ إِلَى ضمير ذَات النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فى قوله تعالى "وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً"تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ حَيَاتِهِ كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فِي اسْتِعْمَالِ مِثْلِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ وأكَّد الحكم بالتأبيد بقوله "أبدا" فَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعْدَ عِصْمَتِهِ مِنْ نَحْوِ الطَّلَاقِ لِأَن طَلَاق النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تعالى: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [الْأَحْزَاب: 52]. ومما يدل على أن المراد بعد حياته لا بعد عصمته هذه الآثار عن عامر أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مات، وقد ملك قيلة بنت الأشعث، فتزوجها عكرِمة بن أبي جهل بعد ذلك، فشق على أَبي بكر مشقة شديدة، فقال له عمر: يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه إنها لم يخيرها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ولم يحجبها، وقد برأها منه بالردة التي أرتدت مع قومها، فاطمأن أَبو بكر وسكن. وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الْعَالِيَةَ بِنْتَ ظَبْيَانَ الَّتِي طلقها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا وَوَلَدَتْ لَهُ وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ. إن من يتأمل قليلاً ويفكر يسيراً يظهر له جلياً حكم سامية وأسرار عالة قد انطوت تحت هذا الحكم ( حرمة نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم من بعده ) ولهذا صرح به القرآن الكريم في سورة الأحزاب بقوله تعالى ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند عظيماً ) فمن الحكم الجليلة. 1-(من هذه الحكم أيضاً) لقد جاءت هذه التشريعات الهامة العامة التي تضمنتها سورة الأحزاب وغيرها من السور في حياطة بيت النبوة بسياج من الهيبة والاحترام ، وتربية للأمة على الأدب الرفيع مع صفوة الخلق وحبيب الحق صلوات الله وسلامه عليه، ليس اتهاما للمؤمنين في توقيرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من باب سد الذرائع، وقطع ألسنة السوء التي تصطاد المفتريات، وتنسج الأباطيل من الأوهام والظنون واستبعاد من أن يقع من أحد من المؤمنين بالله، أن يؤذى رسول الله بالنظر إلى نسائه، نظرة ريبة أو اشتهاء.. فذلك ما لا يجتمع معه إيمان أبدا.. ولهذا جاء قوله تعالى تعقيبا على ذلك: "ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" مشيرا إلى أن هذا الاحتياط في الحديث إلى نساء النبي من وراء حجاب، هو أطهر للقلوب الطاهرة، وأزكى للنفوس الكريمة الزكية. 2- تربية من الله تعالى للأمة على تعظيم وتوقير النبي - صلوات الله وسلامه عليه في كل وقت وحين – حيا كان أو ميتا - ومما لا شك فيه أن تعظيم شأن الرسل عليهم صلوات الله وسلامه بين أتباعهم أمر معهود في الشرائع المتقدمة ولزوم حسن أدب معهم ، "وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ"  أما المصطفى صلوات الله وسلامه عليه فقد استهدف رسالته فيما استهدفت توقيره وتعظيمه قال تعالى:"إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً *لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً" وكان تعظيمه وتوقيره شعبة من شعب الإيمان.وذلك يكون بإلتزام كامل الآداب التي شرعها الله تعالى في التعامل معه ومع رسالته وأصحابه وأزواجه رضوان الله عليهم أجمعين. وتعظيم شأن الرسل عليهم صلوات الله وسلامه أمر مستحسن أيضاً فان الأنفس البشرية تأبى نكاح أزواجهم من بعدهم ولم تجعل هذه المزية لغيره من كبراء الأمة وعظمائها وعلمائها خشية أن يضيق أمر التناسل الذي حث الشارع الحكيم على التكاثر فيه. 3- ( ومن هذه الحكم أيضاً ) سد باب التداخل والتزاحم في أمر الخلافة من غير مستحقيها فإنه لو أبيح تزوج أزواجه من بعده عليه الصلاة والسلام لكان يمكن لكل من يتزوج بواحدة منهن ولو كان غير أهل للخلافة أن يدعيها ويستولي على نفوس العامة ويخدع عقولهم بقوله ( إن معي زوجة رسولكم ولي بذلك الحق في الخلافة والتقدم على غيري ) ثم يسند عليها كل ما يروج مقاصده عند العامة الهمج كما شوهد نظير ذلك في تقلبات الدول ممن تزوج نساء الملوك بعد موتهم واستند على ذلك في التدخل في أمر الملوك يُعلم هذا من سير تاريخ الملوك السابقين وحياة الأمراء المتقدمين. 4- ( ومن هذه الحكم أيضاً) أنه لو أبيح الزواج والاقتران بأزواجه صلوات الله وسلامه عليه –ورضي الله عنهن - لانفتح بذلك باب الفتنة بين أتباعه من بعده لأن كل واحد منهم يرغب أن تكون معه زوجة رسوله صلى الله عليه وسلم يتبرك بقربها ويتيمن بذريتها ويحوز أسنى الشرف وأعظم المفاخر ويتعلم منها ما خفي على كثير من ذوي العرفان وبهذا يقع التغاير وتقوم الفتنة بينهم على قدم وساق فسدا لهذا الباب منعت الشريعة الغراء هذا الأمر على وجه الصواب،أولم يرغب الفاروق بالارتباط بنسب رسول الله صلوات وسلامه والاتصال به بسبب من الأسباب فكان أن خطب أم كلثوم ابنة علي وفاطمة – رضي الله عنهما - حفيدة رسول الله صلوات الله سلامه فاعتل عَلَيْهِ بصغرها فَقَالَ إِنِّي لم أرد ألباه وَلَكِن سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -" كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقطعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا سَبَبِي وَنَسبِي" 5-( ومن هذه الحكم أيضاً) علاوة على ما يلحق أزواجه صلى الله عليه وسلم بنكاح غيره من بعده ما يزري بمقامهن من انحطاط الرتبة والقدر وتسقط عظمتهن من قلوب الأمة جميعاً لأن المرأة التي كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تقترن بسواه ولو كان أعظم رجال الأمة تكون كالمنحطة من الأوج إلى الحضيض وبذلك تنفر منهن النفوس وترتاب في حديثهن لدخولهن تحت كنف من لم تجب له العصمة فيتخيل للعقول أنهن يجرين على هواه في أقوالهن وأعمالهن ويروجن أفكاره بما ينقلن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حاشا حضراتهن من ذلك وإنما هو شيء تتخيله العقول عند ذلك وترتاب من أجله ) وحينئذ تفقد الأمة ثمرات كثيرة من علومهن اللاتي نقلنها عنه عليه الصلاة والسلام المفيدة لأحكام شرعية جليلة أخذت من أقواله وأفعاله وأحواله بنقل تلك النساء المخالطات له في أكله وشربه ونومه وجميع شؤونه في خلوته ومباشرة نسائه إلى غير ذلك وأن غالب هذه الأحكام لا تعلم إلا من جهتهن ولو اقترنت بغيره من بعده لانحطت عظمتهن في الأنفس كما قدمنا وضعفت الثقة بأخبارهن كما بينا وفاتت تلك العلوم كما أوضحنا. 6-( ومن هذه الحكم أيضاً) أن هذا من خصائصه- صلى الله عليه وسلم فَحَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحَ أَزْوَاجِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَجَعَلَ لَهُنَّ حُكْمَ الْأُمَّهَاتِ. وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ تَمْيِيزًا لِشَرَفِهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَرْتَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .كما أن خصائصه صلوات الله وسلامه عليه الزيادة على الأربع ، وحل الغنائم ولم تحل لأحد قبله من لإخوانه من الأنبياء عليهم السلام.وغيرها مما حوته كتب الشمائل والخصائص للسيوطى وغيره – رحمهم الله تعالى. 7-( ومن هذه الحكم أيضاً) أن الأم نسباً أو رضاعة عند سلامة الفطرة تأبى النفوس من ذوي الفطرة السليمة أن يجلس منها مجلس الرجل من امرأته وجاء التشريع الرباني مسايرً للفطرة البشرية ومقراً لها . "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً" , وقد نص القرآن على أمومة أزواجه صلى الله عليه وسلم للمؤمنين "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً" ‏فجاء التشريع بالنص على حرمة الزواج منهن مراعاة لهذه الفطرة وتوقيره .زِيَادَة تَقْرِير معنى أُمُومَتِهِنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي هِيَ أُمُومَةٌ جَعْلِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِحَيْثُ إِنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْجَعْلِيَّ الرُّوحِيَّ وَهُوَ كَوْنُهُنَّ أُمَّهُاتِ يَرْتَدُّ وَيَنْعَكِسُ إِلَى بَاطِنِ النَّفْسِ وَتَنْقَطِعُ عَنْهُ الصُّوَرُ الذَّاتِيَّةُ وَهَيَ كُونُهُنَّ فُلَانَةً أَوْ فُلَانَةً فَيُصْبِحْنَ غَيْرَ مُتَصَوِّرَاتٍ إِلَّا بِعُنْوَانِ الْأُمُومَةِ فَلَا يَزَالُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الرُّوحِيُّ يُنْمِي فِي النُّفُوسِ، وَلَا تزَال الصُّور الْحِسِّيَّةُتَتَضَاءَلُ مِنَ الْقُوَّةِ الْمُدْرَكَةِ حَتَّى يُصْبِحَ مَعْنَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعْنًى قَرِيبًا فِي النُّفُوسِ مِنْ حَقَائِقِ الْمُجَرَّدَاتِ كَالْمَلَائِكَةِ 8-( ومن هذه الحكم أيضاً) أن الممنوع مرغوب كما يقولون لما نزلت آية الحجاب وهي التي اشتملت على هذا الأدب من سورة الأحزاب .وربما بعض النفوس البشرية تطمح وتتطلع الأعين إلى الممنوع المحجوب فإضافةً إلى الحكم السابقة ولجما لهذه النفوس كان هذا التشريع وقد مر معنا في سبب النزول ما حكاه السدي من أن رجلاً من قريش من بني تميم قال عند نزول الحجاب : أيحجبنا رسول الله عن بنات عمنا ويتزوج نسائنا. وروي أن رجلا من المنافقين قال حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بعد أبي سلمة وحفصة بعد خنيس بن حذافة ما بال محمد يتزوج نساءنا والله لو مات لأجلنا السهام على نسائه فنزلت الآية في هذا، وقد غاب عن فقه هذا المتحدث ، حكمة الله وحجته البالغة وراء تزوج الرسول صلوات الله وسلامه عليه من هؤلاء النسوة ، فلم تكن هذه الزيجات عن ذواقة ولا تشه ، ولكن لمعان سامية بل تزوج بكل واحدة منهن لمعنى خاص. فعائشة وحفصة ابنتا صاحبيه أبي بكر وعمر. وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وأم سلمة، وسودة بنت زمعة، وزينب بنت خزيمة من المهاجرات اللواتي فقدن أزواجهن وأراد النبي- صلّى الله عليه وسلّم- تكريمهن، بغض النظر عن اعتبارات من جمال أو شباب إنما كان معنى التكريم لهن خالصا في هذا الزواج. وزينب بنت جحش وقد علمنا قصة زواجها، وقد كان هناك تعويض لها كذلك عن طلاقها من زيد الذي زوجها رسول الله منه فلم تفلح الزيجة لأمر قضاه الله تعالى،كما أشارت إليه آيات سورة الأحزاب . ثم جويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وصفية بنت حيي بن أخطب. وكانتا من السبي فأعتقهما رسول الله وتزوج بهما الواحدة تلو الأخرى، توثيقا لعلاقته بالقبائل، وتكريما لهما، وقد أسلمتا بعد ما نزل بأهلهما من الشدة. "ومن المعاني والأسباب العامة لتعدد أزواجه صلوات الله وسلامه عليه فتتلخص في أن المصاهرة من أقوى عوامل التآلف والتناصر، ونشر دعوة الإسلام في مبدأ أمرها بحاجة إلى الأعوان، وكان المؤمنون يرون أن أعظم شرف مصاهرتهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم وقربهم منه، كما أن تشريعات الإسلام الخاصة بالنساء تحتاج معرفتها إلى نسوة يبلغن الأحكام إلى المسلمات، فكانت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم يقمن بهذه المهمة". وكن قد أصبحن "أمهات المؤمنين" ونلن شرف القرب من رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- واخترن الله ورسوله والدار الآخرة بعد نزول آيتي التخيير. فكان صعبا على نفوسهن أن يفارقهن رسول الله بعد تحديد عددالنساء. وقد نظر الله إليهن، فاستثنى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- من ذلك القيد، وأحل له استبقاء نسائه جميعا في عصمته، وجعلهن كلهن حلا له، ثم نزل القرآن بعد ذلك بألا يزيد عليهن أحدا، ولا يستبدل بواحدة منهن أخرى. فإنما هذه الميزة لهؤلاء اللواتي ارتبطن به وحدهن، كي لا يحرمن شرف النسبة إليه، بعد ما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة .. فقصره الله تعالى عليهن ، وقصرهن الله تعالى عليه فحرم على الأمة الزواج بهن من بعده. كل ذلك بهدف أن تستقر الأوضاع للحياة الزوجية في بيت النبوة، فلا يدخل عليها جديد من النساء، ولا يخرج منها أحد ممن هن فيها.وبذلك أقام الله سبحانه وتعالى حراسة على حرمات النبي من خارج بيت النبوة، وداخله، حتى لا يشغل النبي- صلوات الله وسلامه عليه- نفسه بهذا الأمر الذي من شأن الرجل أن ينظر إليه، ويهتم له.. وذلك حتى يفرغ النبي للدعوة القائم عليها، ولا يلتفت لفتة إلى ما وراءها - رضي الله عنهن وعن سائر من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين. فأين سائر أفراد الأمة منه صلوات الله وسلامه عليه. 9-( ومن هذه الحكم أيضاً) أنه لما كانت المرأة أي امرأة مادامت في عصمة رجل فلا تحل لغيره بحال من الأحوال لقوله تعالى في الآية الرابعة بعد العشرين من سورة النساء " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ..." عطفا على قوله تعالى في صدر الآية الثالثة بعد العشرين قبلهاحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً  فلهذا السبب أيضا كن محرمات على سائر أفراد الأمة فضلا عما سبق وما يأتي مما يفتح الله تعالى به. 10-( ومن هذه الحكم أيضاً) لقد تولى الله تعالى بجلاله الدفاع عن نبيه ، والذود عن حرماته صلوات الله وسلامه عليه وقد كان آية في الحياء "فيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وفى هذا إعلام من الله سبحانه وتعالى بما لم يصرح به النبي، وإن كان حقا.. فالنبى- كإنسان قد طُبع على الحياء- تمنعه إنسانيته من أن يصارح الناس بما يسوءهم، ما دام ذلك لا يجور على حق من حقوق الله، وإن كان فيه جور على نفسه.. فالرسول صلوات الله وسلامه عليه كَانَ يَسْتَحْيِي مِنْهم فَلَا يُبَاشِرُهم بِالْإِنْكَارِ لما يؤذيه من تصرفاتهم وسلوكياتهم تَرْجِيحًا مِنْهُ لِلْعَفْوِ عَنْ حَقِّهِ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ واللَّهَ – تعالى - لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْحَيَاءِ بَيْنَ الْخَلْقِ مُنْتَفِيَةٌ عَنِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ : وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الْأَحْزَاب: 4] ولهذا فقد دافع الله عن النبي الكريم، وتولى سبحانه حمايته، ودفع هذا الأذى عنه وجاء هذا التشريع بتحريمهن من بعده تمشيا مع نهج الحق فى دفاع المولى تبارك وتعالى عن المؤمنين. إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" ومن هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، أولى بدفاع الله تعالى عنه 11-( ومن هذه الحكم أيضاً) قوله تعالى: (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً) يَعْنِي أَذِيَّةَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ نِكَاحَ أَزْوَاجِهِ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ وَلَا ذَنْبَ أَعْظَمُ مِنْهُ. 12-( ومن هذه الحكم أيضاً) * أن مراد الحق سبحانه أنْ يُوفِّر طاقة رسول الله للمهمة التي أُرسِل بها، وألاَّ يشغله عنها شاغل، وأيُّ مهمة أعظم من مهمة هداية العالم كله، ليس في زمنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وإنما منذ بعثته وحتى قيام الساعة .فكان هذا التشريع المحكم. 13-( ومن هذه الحكم أيضاً) * لم يكل المولى تبارك وتعالى هذا التشريع إليه صلوات الله وسلامه ، لما قرره عز من قائل من شدة حيائه ، فقد كان أشد حياء من البكر في خدرها،قال تعالى :"فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ" وإنما تولى المولى تبارك وتعالى النص عليه في كتابه الخالد.فى كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" 14-( ومن هذه الحكم أيضاً) * *أنه لم يكل المولى عز وجل الأمر في هذا التشريع إليهن وقد عرف المجتمع البشري حالات من هذا التعاهد بعدم تزوج المرأة بعد وفاة زوجها من غيره فمن هن من وفى ومنهن دون ذلك وهاك بعض الأمثلة ، المثال الأول : على وفاء النساء من أمثلة الوفاء: 1- أم الدرداء مع أبي الدرداء .رضي الله عنهما روي أن أم الدرداء قالت لأبي الدرداء عند موته إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحاك. وإني أخطبك إلى نفسي في الآخرة فقال لها فلا تنكحي بعدي، فخطبها معاوية بن أبي سفيان فأخبرته بالذي كان، وأبت أن تتزوجه المثال الثاني على وفاء النساء نائلة زوج عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة، زوجه عثمان بن عفان، تزوجته وهي مسلمة، وكان أبوها نصرانيا .. وهي التي وجهت النعمان بن بشير بقميص عثمان إلى معاوية بالشام. وعدّها ابن حبيب من الوافيات لأزواجهن، إذا خطبها معاوية ابن أبي سفيان فألح عليها، فقلعت ثنيّتيها وبعثت بهما إليه، فأمسك حينئذ عنها، يقال إنها لمّا نظرت نائلة بنت الفرافصة الكلبية في المرآة فرأت حسن ثناياها - وقد كانت جميلة، ممتلئة الخلق، أسيلة الخد ، أصيلة الرأي وقالوا: لم يكن في النّساء أحسن منها مضحكاً .- تناولت فهرا فدقّت به ثناياها ، فقيل لها في ذلك فقالت: إنّي أرى الحزن يبلى كما الثّوب، فخفت أن يبلى حزني على عثمان فأتزوّج بعده. وعند ابن عبد ربه أنها وقفت على قبر عثمان فترحمت عليه ثم قالت: ومالي لا أبكي وتبكي صحابتي.. وقد ذهبت عنا فضول أبي عمرو ثم انصرفت إلى منزلها، فقالت: إني رأيت الحزن يبلي كما يبلى الثوب، وقد خفت أن يلى حزن عثمان في قلبي! فدعت بفهر فهمشت فاها وقالت: والله لا قعد مني رجل مقعد عثمان أبدا! ولم تزل محداً بعد قتل عثمان حتى لحقت به. في محاضرات الراغب قال أبو عبيدة: لم تف امرأة لزوجها إلّا قضاعيتان نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان رضي الله عنه، وذلك أنه خطبها معاوية لما قتل عثمان فدعت بفهر، فقلعت ثنيتها وقالت: إني رأيت الحزن يبلى فلم آمن أن يبلى حزنى فتدعوني نفسي إلى التزوّج وامرأة هدبة فإنها حين قتل زوجها قطعت أنفها وكانت حسنة الأنف لئلا يرغب فيها. قلت : لئن قال ذلك أبو عبيدة فيما أورده الراغب فإن صاحب التذكرة الحمدونية ليذكر أن امرأة هدبة لم تدم على وفائها فلم يبق إلا زوجة أمير المؤمنين نائلة بنت الفرافصة موضع حديثنا واستشهادنا وتكون الثانية امرأة أبى الدرداء رضي الله عن الصحابة أجمعين وأرى – والله أعلم أن الأمثلة على منهن كثيرة وليست على هذه الحدود الضيقة المحصورة المعدودة .ولله الحمد. المثال الأول فيما نذكر ممن هن دون ذلك: امرأة هدبة بن الخشرم لما قدّم هدبة بن الخشرم للقتل قودا قالت زوجته: إنّ لهدبة عندي وديعة، وذلك بحضرة مروان بن الحكم، فأمهله حتى آتيك بها فقال: أسرعي فإنّ الناس قد كثروا، وكان جلس لهم بارزا عن داره، فمضت إلى السوق فانتهت إلى قصّاب فقالت: أعطني شفرتك، وخذ هذين الدرهمين، وأنا أردّها عليك، فقرّبت من حائط وأرسلت ملحفتها على وجهها ثم جدعت أنفها من أصله وقطعت شفتيها وردّت الشفرة، ثم أقبلت حتى دخلت بين الناس فقالت: أتراني يا هدبة متزوّجة بعد ما ترى؟ فقال: لا، الآن طابت نفسي بالموت، وخرج يرسف في قيوده، فإذا هو بأبويه يتوقّعان الثّكل، فهما بسوء حال، فأقبل عليهما وقال: أبلياني اليوم صبرا منكما.. إنّ حزنا إن بدا بادىء شرّ لا أرى ذا اليوم إلّا هيّنا.. إنّ بعد الموت دار المستقرّ اصبرا اليوم فإني صابر.. كلّ حيّ لقضاء وقدر وقد روي أنها تزوجت بعده على تشويه خلقتها ولم تدم على وفائها. المثال الثاني: أمّ هشام بنت عبد الله بن عمر ابن الخطاب. تزوج عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو أمّ هشام بنت عبد الله بن عمر ابن الخطاب، وكانت من أجمل نساء قريش، وكان يجد بها وجدا شديدا.فمرض مرضته التي هلك فيها، فجعل يديم النظر إليها وهي عند رأسه، فقالت له: إنك تنظر إليّ نظر رجل له حاجة، قال: اي والله، إنّ لي إليك حاجة لو ظفرت بها لهان عليّ ما أنا فيه، قالت: وما هي؟ قال: أخاف أن تتزوجي بعدي، قالت: فما يرضيك من ذلك؟ قال: أن توثّقي لي بالأيمان المغلّظة، فحلفت له بكلّ يمين سكنت إليها نفسه، ثم هلك. فلما انقضت عدّتها خطبها عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فأرسلت إليه: ما أراك إلّا وقد بلغتك يميني، فأرسل إليها: لك مكان كلّ عبد وأمة عبدان وأمتان، ومكان كلّ علق علقان، ومكان كلّ شيء ضعفه، فتزوّجته فدخل عليها بطّال بالمدينة، وقيل بل كان رجلا من مشيخة قريش مغفّلا، فلما رآها مع عمر جالسة قال: تبدّلت بعد الخيزران جريدة .. وبعد ثياب الخزّ أحلام نائم فقال عمر: ويحك، جعلتني جريدة وأحلام نائم؟! فقالت أمّ هشام: ليس كما قلت، ولكن كما قال أرطأة بن سهيّة: وكائن ترى من ذات شجو وعولة.. بكت شجوها بعد الحنين المرجّع وكانت كذات البوّ لما تعطّفت.. على قطع من شلوه المتمزّع متى لا تجده تنصرف لطياتها.. من الأرض أو تعمد لإلف فتربع عن الدهر فاصفح إنه غير معتب.. وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع 15-( ومن هذه الحكم أيضاً) * *المرأة في الآخرة لآخر أزواجها في الدنيا فهن أزواجه في الدنيا والآخرة وهذا المعنى – أي زوجية المرأة في الآخرة لآخر أزواجها في الدنيا –مما ساد عرفاً في المجتمع المسلم حتى قال حذيفة لإمرأته ذلك . فقد روي عن حذيفة أنه قال لامرأته: إن أردت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تتزوجي بعدي، فإن المرأة لآخر أزواجها وروي أن أم الدرداء – رضي الله عنها - قالت لأبي الدرداء – رضي الله عنه - عند موته إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحاك. وإني أخطبك إلى نفسي في الآخرة فقال لها فلا تنكحي بعدي، فخطبها معاوية بن أبي سفيان فأخبرته بالذي كان، وأبت أن تتزوجه 16-( ومن هذه الحكم أيضاً) * *حماية للأمة من الفتن فمن نفوس البشر في الأمة من لا تقبل نفوسهم أن توطأ مراكب المعصوم ولهذا جاء هذا التشريع ولهذا اعترت نفس الصديق غيرةً شديدة وحمية عظيمة لرسول الله لما لحق بالرفيق الأعلى وأقدم على الزواج من قيلة بنت الأشعث عكرمة بن أبي جهل . وما طابت نفسه الا بعد أن هدأ الفاروق من روعه بأنها لم يضرب الرسول صلى الله عليه وسلم عليها الحجاب. وفى رواية أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب ثم رجعت زوج عكرمة بن أبي جهل قتيلة بنت الأشعث بن قيس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوجها ولم يبن بها فصعب ذلك على أبي بكر الصديق وقلق منه فقال له عمر: مهلا يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه إنه لم يخيرها ولا أرخى عليها حجابا وقد أبانتها منه ردتها مع قومها، فسكن أبو بكر 17-( ومن هذه الحكم أيضاً) * *بل إن غيرة فضلاء الصحابة وذوي السلطان منهم على نسائه صلوات الله وسلامه عليه ورضي الله عنهن قد كادت تدفعهم إلى ألا يشهد جنازة بعضهن من ليس لهن بمحرم، فقد ذهب عمر إلى أن لا يشهد جنازة زينب بنت جحش إلا ذو محرم منها مراعاة للحجاب، فدلته أسماء بنت عميس – رضي الله عنها- على سترها في النعش في القبة وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة فصنعه عمر - لهذه الدرجة كانت الغيرة من الفاروق ، أكان يقبل أن يترك أحدا يتزوج بواحدة منهن بعد لحوق المصطفى صلوات الله وسلامه عليه بالرفيق الأعلى.؟؟!!! وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل هذا التشريع من لدن حكيم عليم ، شرع من التشريعات ما يتلاءم مع الفطرة ، وينسجم معها ،ولله الحجة البالغة. 18-( ومن هذه الحكم أيضاً) * أنه ما تزوج رجل بامرأة سبقه غيره إلى الاقتران بها إلا أسرَّ بغضةً وشنآناً للزوج السابق ولا يصح ولا يكتمل إيمان أحدٍ من المؤمنين من هذه الأمة حتى يكون الرسول أحب إليه من نفسه ووالده وولده , لأنه لا إيمان لمن لا يقدمه على نفسه عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: وَاللهِ لَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ " فَقَالَ عُمَرُ: فَلَأَنْتَ الْآنَ وَاللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْآنَ يَا عُمَرُ " عَنْ أَنَسٍ: - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- قَالَ: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ، مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ". فحتى لا تشوب هذا الحب شعبة الإيمان شائبة كان سد هذا الباب بهذا التشريع. *واسمع ما يقول الأنصار في سيدهم سعد بن عبادة رضي الله عنه يا رسول اللّه ،... إنه رجل غيور، واللّه ما تزوج امرأة قط إلا بكراً، وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته.هذا واحد من أفراد الأمة فما البال بسيدها وإمامها وقدوتها وأسوتها وحبيبها صلوات الله وسلامه عليه؛ والله لئن كان سيد الأنصار بهذه المثابة فلرسول الله فداه أبي وأمي أشد غيرة ، أولم يقل صلوات الله وسلامه عليه " أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي" 19-( ومن هذه الحكم أيضاً) **من عموم ما قررته سورة الأحزاب التي اشتملت على هذا التشريع ، أن قررت عظيم جرم إيذاء الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، حيث قال تعالى :"إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً" فكان هذا التشريع إيذانا بأن التعرض لنسائه في حياته حرام لآية النور في حديث الإفك: " لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ" وأبان جل مذكورا وعز مرادا في النور انصباب لعنته تعالى على من قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ،"إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ" وجاء هذا وسط آيات الإفك والبهتان الذي تأذي منه صلوات الله وسلامه عليه حيث لاك المنافقون وخاضوا في أطهر من ماء السماء على وجه البسيطة يأتي هذا التشريع ليزيد هذا الإيذاء تجريما وتشنيعا. 20-( ومن هذه الحكم أيضاً) ***أن هذا التشريع جاء إيجابا لرعاية حرمته صلوات الله وسلامه عليه - حيا كان أو ميتا - على السواء كان هذا التشريع. 21-( ومن هذه الحكم أيضاً) **** أن هذا التشريع جاء تطييبا وتطمينا لقلبه الشريف ، وإدخالا للسرور على فؤاده وانشراحا لصدره صلوات الله وسلامه عليه واستغزارا لشكره لربه .ولطالما جاءت تشريعات ونزلت آيات لهذه الغاية والحكمة. "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ*وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ*الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ *وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ" "وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ " "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً" 22-( ومن هذه الحكم أيضاً) ****حماية وغيرة من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه الذي يغار والله تعالى أشد غيرة منه كان هذا التشريع *فنحو هذا الأمر مما تحدث الرجل به نفسه ولا يخلو منه فكره ، بل فى الناس من يفرط فى غيرته من هذا الجانب على حرمته حتى يقتل امرأته لتموت قبله فزعا من خيال أو خاطر حصولها تحت غيره وقد كانت له وتحته يوما ما كما أورد صاحب الكشاف : عن بعض الفتيان أنه كانت له جارية لا يرى الدنيا بها شغفا واستهتارا، فنظر إليها ذات يوم فتنفس الصعداء وانتحب فعلا نحيبه مما ذهب به فكره هذا المذهب، فلم يزل به ذلك حتى قتلها، تصورا لما عسى يتفق من بقائها بعده وحصولها تحت غيره 23-*( ومن هذه الحكم أيضاً) *ولما كان هذا الأمر صعبا على النفس – أعني به حصول المرأة تحت غير زوجها – رأي بعض الفقهاء أن الزوج الثاني ضروري لهدم الثلاث طلقات التي صدرت وإهدارا لها ليتمكن من إرجاعها إلى عصمته فلو تخيل المرء أن هذا المخلوق الذي جعله الله له من نفسه زوجا "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجا" "جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً" وخلقه له قال تعالى:" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " ."والرسل فى ذلك مثلهم مثل سائر البشر في هذه الآية قال تعالى :"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّة" إذا تخيل الإنسان للحظة أن من كانت تحته ، وقد خلقها الله تعالى من نفسه له ، ومتعه بها حينا من الزمن ، فجأة يطلب إليه كف بصره ويده عنها فقد صارت إليه وحرمت عليه وقيل له "لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً" ، لو أنه بلحظة انعدام تفكير وغياب رشد ، وذهول عقل ودون تريث وتدبر وتمعن في العواقب ينطق بلفظ الطلاق حتى الثلاث فيأتي التشريع الإلهي بحرمتها عليه وعدم إمكانية إعادتها إليه إلا بعد أن يتأبطها رجل آخر ، وتنزل في أحضان هذا الآخر ، ويجلس بين شعبها ، ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته كل ذلك تأديبا وزجرا له ولأمثاله عن فض عقد الزوجية بسفه ودون أناة ولا روية قال تعالى:" الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - قَالَتْ: جَاءتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْب. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعةَ؟ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ" ولهذا يرى بعض الفقهاء أن هذا التشريع – أعنى تزوج المرأة بزوج آخر زواجا شرعيا يراد له التأبيد - ضروري لهدم الثلاث وأنه إنما يجري مجري العقوبة والمقصود من الزوج الثاني أن يكون راغبا في المرأة، قاصداً لدوام عشرتها كما هو المشروع من التزويج، واشترط الإمام مالك مع ذلك أن يطأها الثاني وطأ مباحاً، فلو وطئها وهي مُحْرمة أو صائمة أو معتكفة أو حائضا أو نفساء، أو كان الزوج الثاني صائما أو محرما أو معتكفا، لم تحل للأول بهذا الوطء، وكذا لو كان هذا الزوج الثاني ذمياً لم تحل للمسلم بنكاحه، لأن أنكحة الكفار باطلة عنده، فأما إذا كان الثاني إنما كان قصده أن يحلها للأول، فهذا هو (المحلل) الذي وردت الأحاديث بذمه ولعنه، ومتى صرح بمقصوده في العقد بطل النكاح عند جمهور الأئمة. عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال: لعن رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة والمحلَّل والمحلَّل له، وآكل الربا وموكله (تفرد به البخاري من هذا الوجه) ، فصين صفوة الخلق وحبيب الخلق عن هذه المشاعر. والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم. 24-*( ومن هذه الحكم أيضاً) **زوجة الأب تأبى النفوس من ذوي الفطرة السليمة معاملتهن معامله الزوجة و"النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ. " فجاء هذا التشريع تمشياً مع هذه الفطر ولهذا نزل قوله تعالى : ((وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء)) 25-*( ومن هذه الحكم أيضاً) *يأتي قوله تعالى :"إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً" على أعقاب التشريع السابق وسبب نزوله إمعانا في تربية المهابة والهيبة والرهبة والإجلال لمقام صفوة الخلق وحبيب الحق إذ تقول الآية إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً من نكاحهن على ألسنتكم أَوْ تُخْفُوهُ في صدوركم فَإِنَّ اللَّهَ يعلم ذلك فيعاقبكم به، وإنما جاء به على أثر ذلك عاما لكل باد وخاف، ليدخل تحته نكاحهن وغيره ولأنه على هذه الطريقة أهول وأجزل . 26-*( ومن هذه الحكم أيضاً) **أنه مما يتناسب مع هذا المقام رد شبهة أن يكون القائل لو توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم تزوّجت عائشة، أن ذلك الرجل طلحة بن عبيد الله. فيما زعم مقاتل ، هذا كلام مردود سندا ومتنا لأن مقاتل، ساقط الرواية. وورد من مرسل أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: نزلت في طلحة بن عبيد الله قال: إذا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم تزوجت عائشة. وفيه الواقدي ساقط الحديث متروك، فلا فائدة من هذا الشاهد. وبكل حال لا يحتج بالضعاف في هذا المقام على أن الحافظ ابن حجر ذكر هذا في "الإصابة" 2/ 230 وقال: طلحة بن عبيد الله بن مسافع، يقال هو الذي نزل فيه وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا ... وذكره أبو موسى في "الذيل" عن ابن شاهين بغير إسناد، وقال: إن جماعة من المفسّرين غلطوا، فظنوا أنه طلحة بن عبيد الله أحد العشرة اه

15738

| 26 أغسطس 2012

ثلاثة وعشرون سببًا ووجها لِفرح الصائم بفطره

لَوْ بَلَغَ الْعَبْدُ مِنَ الطَّاعَةِ مَا بَلَغَ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ الْحَذَرُ والخوف من أَنْ يُغَيِّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ شُهُودَ أَوَّلِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ وَمِنَّتِهِ وَفَضْلِهِ، وَأَنَّهُ مَحْضُ مِنَّتِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ بِهِ وَحْدَهُ، وَمِنْهُ وَحْدَهُ. فَيَغِيبُ عَنْ شُهُودِ حَقِيقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى " وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ"الأعراف/43، وقوله تعالى{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] وَقَوْلِهِ {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154] وقوله " وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّه"هود/88، وَقَوْلِهِ {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107] ، وَقَدْ خَافَهُ خِيَارُ خَلْقِهِ، وَصَفْوَتِهِ مِنْ عِبَادِهِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْمِهِ - وَقَدْ خَوَّفُوهُ بِآلِهَتِهِمْ - فَقَالَ {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأنعام: 80] فَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ.قَالَ شُعَيْبٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ قَالَ لَهُ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ (..لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ*قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ"الأعراف/88-89، فَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ، أَدَبًا مَعَ اللَّهِ، وَمَعْرِفَةً بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، وُوُقُوفًا مَعَ حَدِّ الْعُبُودِيَّةِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99] . وعلى ضوء ذلك جاء الحديث عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ صُمْتُ رَمَضَانَ وَلاَ قُمْتُهُ كُلَّهُ. وَلاَ أَدْرِي كَرِهَ التَّزْكِيَةَ، أَوْ قَالَ: لاَ بُدَّ مِنْ غَفْلَةٍ وَرَقْدَةٍ. - وفي رواية: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي قُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ. قَالَ قَتَادَةُ: فَاللهُ أَعْلَمُ أَخَشِيَ التَّزْكِيَةَ عَلَى أُمَّتِهِ، أَمْ يَقُولُ: لاَ بُدَّ مِنْ رَاقِدٍ، أَوْ غَافِلٍ .والحديث وإن ضعف سندا ؛ إلا أن الآيات القرآنية السابقة ، تؤكد معناه.فالفضل لله وحده.أولا وآخرا. معنى الْفَرَحُ هذا والفرح بمعنى السرور. والفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب. والفَرَح: ضدُّ التَرَح، وهو انشراح الصَّدْر بلذَّة عاجلة، والفَرِح: الكثير الفَرَح قال الله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} . ولك عندى فَرْحة، أَى بشرى. وأَفْرَحَهُ: غمَّه، وأَزال فرحه، وتقول: أَفرحتنى الدُّنيا ثم أَفرحتنى، والهمزة للسّلب ورجل مِفراح: كثير الفرح . وَالْفَرَحُ : لَذَّةٌ تَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِإِدْرَاكِ الْمَحْبُوبِ وَنَيْلِ الْمُشْتَهَى. فَيَتَوَلَّدُ مِنْ إِدْرَاكِهِ حَالَةٌ تُسَمَّى الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ. كَمَا أَنَّ الْحُزْنَ وَالْغَمَّ مِنْ فَقْدِ الْمَحْبُوبِ. فَإِذَا فَقَدَهُ: تَوَلَّدَ مِنْ فَقْدِهِ حَالَةٌ تُسَمَّى الْحُزْنَ وَالْغَمَّ. وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْأَمْرَ بِالْفَرَحِ بِفَضْلِهِ وَبِرَحْمَتِهِ عَقِيبَ قَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57] وَالسُّرُورُ يُذَكِّرُ بِالسُّرُورِ. وَاللَّذَّةُ تُذَكِّرُ بِاللَّذَّةِ. وَصِيَانَةُ السُّرُورِ أَنْ يُدَاخِلَهُ أَمْنٌ. إِنَّ السُّرُورَ وَالْفَرَحَ يَبْسُطُ النَّفْسَ وَيُنَمِّيهَا. وَيُنْسِيهَا عُيُوبَهَا وَآفَاتِهَا وَنَقَائِصَهَا. إِذْ لَوْ شَهِدَتْ ذَلِكَ وَأَبْصَرَتْهُ لَشَغَلَهَا ذَلِكَ عَنِ الْفَرَحِ. الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرَحُ والرِّضَا الْفَرَحَ أَعْلَى أَنْوَاعِ نَعِيمِ الْقَلْبِ، وَلَذَّتِهِ وَبَهْجَتِهِ. وَالْهَمُّ وَالْحُزْنُ عَذَابُهُ. وَالْفَرَحُ بِالشَّيْءِ فَوْقَ الرِّضَا بِهِ. فَإِنَّ الرِّضَا طُمَأْنِينَةٌ وَسُكُونٌ وَانْشِرَاحٌ. وَالْفَرَحُ لَذَّةٌ وَبَهْجَةٌ وَسُرُورٌ. فَكُلُّ فَرِحٍ رَاضٍ. وَلَيْسَ كُلُّ رَاضٍ فَرِحًا. وَلِهَذَا كَانَ الْفَرَحُ ضِدَّ الْحُزْنِ، وَالرِّضَا ضِدَّ السُّخْطِ. وَالْحُزْنُ يُؤْلِمُ صَاحِبَهُ، وَالسُّخْطُ لَا يُؤْلِمُهُ، إِلَّا إِنْ كَانَ مَعَ الْعَجْزِ عَنِ الِانْتِقَامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وطلاب الدنيا وأصحاب الحظوظ الدنيوية ، تجدهم راضين بها فرحين غرورا قال تعالى "إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ*أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {8}يونس/7-8-  " وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ" الرعد/26} ولبيان الفرق الدقيق بين الفرح والرضا، عند ظهور نتيجة العام الدراسي يجد بعض الطلاب اسمه في كشوف الناجحين ؛ ولكن بنسبة 50 % ، بينما يجد طالب آخر اسمه في كشوف الناجحين بنسبة فوق 95% بحيث يتمكن من دخول الكلية التي يرغب فيها ، بينما الأول صاحب الخمسين في المائة بمجموعه هذا لا يصل إلى الكلية التي يريدها، فما تقول في مشاعر كل منهما ، لا شك أن صاحب الخمسين في المائة راضٍ لأنه ناجح ، ولكنه غير فرح ، بينما صاحب النسبة فوق الخمسة والتسعين فرح وراضٍ ، حيث نجح  بمجموع يُؤهله لدخول ما يرغب من كليات القمة كما يقولون. ولهذا قلنا فَكُلُّ فَرِحٍ رَاضٍ. وَلَيْسَ كُلُّ رَاضٍ فَرِحًا الْفَرْقُ بَيْنَ الفرح وَالِاسْتِبْشَارِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِبْشَارِ: أَنَّ الْفَرَحَ بِالْمَحْبُوبِ يكون بَعْدَ حُصُولِهِ ووقوعه، وَالِاسْتِبْشَارُ يَكُونُ بِهِ قَبْلَ حُصُولِهِ ووقوعه ؛إِذَا كَانَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ حُصُولِهِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} [آل عمران: 170] . وَالْفَرَحُ صِفَةُ كَمَالٍ وَلِهَذَا يُوصَفُ الرَّبُّ تَعَالَى بِأَعْلَى أَنْوَاعِهِ وَأَكْمَلِهَا، كَفَرَحِهِ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ أَعْظَمُ مِنْ فَرْحَةِ الْوَاجِدِ لِرَاحِلَتِهِ الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ بَعْدَ فَقْدِهِ لَهَا، وَالْيَأْسِ مِنْ حُصُولِهَا.في الصحيح " لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ" صحيح البخاري، كِتَاب الدَّعَوَاتِ. باب التَّوْبَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124]  نماذج للفرح المحمود في القرآن الكريم. 1-فرح المؤمنين من أهل الكتاب بالقرآن الكريم قَالَ تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [الرعد: 36] . 2-فرح الشهداء بما آتاهم الله من فضله قال تعالى "فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ"آل عمران/170-17 3-فرح المؤمنين بنصر الله قال تعالى"لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ"الروم/4-5. 4-الفرح بنعمة الإسلام والقرآن الكريم قال تعالى:"قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"يونس/58} غالبا ما يكون الفرح في أمور دنيوية وعن مشاعر أعداء المؤمنين نحوهم يقول تعالى:"إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ"آل عمران/120. وقال جلَّ مذكورا وعز مرادا "إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ"التوبة/50. وقال سبحانه :"فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ"النمل/36 وَالْجَنَّةُ مِنْ أَعْظَمِ الْبُشْرَيات. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: 25] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30] . قِيلَ: وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي بَشَرَةِ الْوَجْهِ. وَلِذَلِكَ كَانَتْ نَوْعَيْنِ: بُشْرَى سَارَّةٌ تُؤَثِّرُ فِيهِ نَضَارَةً وَبَهْجَةً، وَبُشْرَى مُحْزِنَةٌ تُؤَثِّرُ فِيهِ بُسُورًا وُعُبُوسًا. وَلَكِنْ إِذَا أُطْلِقَتْ كَانَتْ لِلسُّرُورِ. وَإِذَا قُيِّدَتْ كَانَتْ بِحَسَبِ مَا تُقَيَّدُ بِهِ الفرق بين السرور والفرح قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: السُّرُورُ: اسْمٌ لِاسْتِبْشَارٍ جَامِعٍ. وَهُوَ أَصْفَى مِنَ الْفَرَحِ. لِأَنَّ الْأَفْرَاحَ رُبَّمَا شَابَهَا الْأَحْزَانُ. وَلِذَلِكَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِاسْمِهِ فِي أَفْرَاحِ الدُّنْيَا فِي مَوَاضِعَ. وَوَرَدَ السُّرُورُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ فِي حَالِ الْآخِرَةِ. يُرِيدُ بِهِمَا: قَوْلَهُ تَعَالَى {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 7] وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 11] وَوَرَدَ السُّرُورُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا فِي مَوْضِعٍ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 10] . فَقَدْ رَأَيْتَ وُرُودَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ فِي الْقُرْآنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَأَحْوَالِ الْآخِرَةِ، التَّرْجِيحُ لِلْفَرَحِ: لِأَنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُوصَفُ بِهِ. وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُهُ دُونَ السُّرُورِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَكْمَلُ مِنْ مَعْنَى السُّرُورِ، وَأَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] وَأَثْنَى عَلَى السُّعَدَاءِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 170]السُّرُورُ وَالْمَسَرَّةُ: مَصْدَرُ سَرَّهُ سُرُورًا وَمَسَرَّةً. وَكَأَنَّ مَعْنَى سَرَّهُ: أَثَّرَ فِي أَسَارِيرِ وَجْهِهِ. فَإِنَّهُ تَبْرُقُ مِنْهُ أَسَارِيرُ الْوَجْهِ وَلِذَلِكَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِاسْمِهِ فِي أَفْرَاحِ الدُّنْيَا فِي مَوَاضِعَ أي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَبَ الْفَرَحَ إِلَى أَحْوَالِ الدُّنْيَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الأنعام: 44] وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود: 10] . فَإِنَّ الدُّنْيَا لَا تَتَخَلَّصُ أَفْرَاحُهَا مِنْ أَحْزَانِهَا وَأَتْرَاحِهَا أَلْبَتَّةَ. بَلْ مَا مِنْ فَرْحَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا تَرْحَةٌ سَابِقَةٌ، أَوْ مُقَارِنَةٌ، أَوْ لَاحِقَةٌ. وَلَا تَتَجَرَّدُ الْفَرْحَةُ. بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَرْحَةٍ تُقَارِنُهَا. وَلَكِنْ قَدْ تَقْوَى الْفَرْحَةُ عَلَى الْحُزْنِ فَيَنْغَمِرُ حُكْمُهُ وَأَلَمُهُ مَعَ وُجُودِهَا. وَبِالْعَكْسِ. الفرح المذموم وقد ورد ذم الفرح في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز  وبالملاحظة تجد أنها قد جاءت كلها بالفرح مقرونا بالمعصية من أشر وبطر واستمراء للمخالفة واستملاح لها وذلك 1-كقوله تعالى:" لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"  2-كقوله تعالى:" فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ"  3-وقوله تعالى:" فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ* فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ"  4-وقوله تعالى : " وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ  فَخُورٌ*إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ"  5-وقال تعالى :" وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ"   وقال تعالى:" فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ"  6-وكقوله تعالى: "إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ"  7-وقال تعالى:" وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ*مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ"  8-وقال تعالى:" ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ* ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ"  9-وقال تعالى:" فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون* فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ*فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ"   في كل هذه المواضع جاء الفرح مذموما لاقترانه بمعصية من المعاصي كما أشرنا من قبل أما إذا اقترن بطاعة وتجرد من الملابسات السابقة كان مشروعا محمودا. 1-لقوله تعالى : " فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ" آل عمران: 170 ] 2-وقوله تبارك وتعالى:"قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"  أي بالقرآن والإسلام فليفرحوا؛ لقد جاء الأمر بالفرح هنا بأجل نعم الله تعالى وهو القرآن والإسلام وفي الحديث " مَنْ سَرّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيّئتُهُ فَذَلِكُمْ المُؤْمِن"  صحيح الجامع حديث رقم: 2546 فالسرُور بِطَاعَة الله والاغتمام بِمَعْصِيَة الله من علامات الإيمان ، كما نص على ذلك هذا الحديث    وكان السرور والفرح هنا مشروعا للتوفيق للطاعة والعكس الغم والهم عند المعصية فالمنهي عنه من الفرح ما كان أشرا وبطرا وكان اغترارا وخداعا وعدوانا والمرح : شدة الفرح. وقال الضحاك: الفرح السرور، والمرح العدوان قال تعالى:" وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً*كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً" وفي الصحيح: (للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه) صحيح مسلم كتاب الصيام. باب فضل الصيام. ‏ولكن ما سبب هذا الفرح فيما ترى ؟! 1- هل الرحمة في تشريع  الإفطار بمغيب الشمس ؟ ولم يأذن  بالوصال بل حرَّمه ، فأزال عن الصائم سبباً من أسباب الهلاك فالقول الصحيح الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أن الوصال حرام ففي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ فَقَالُوا إِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ" صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب الْوِصَالِ وَمَنْ قَالَ لَيْسَ فِي اللَّيْلِ صِيَامٌ. وعن أبي ذرٍّ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم واصَلَ بينَ يومينِ وليلةٍ، فأَتاهُ جبريلُ فقالَ: «إنَّ اللهَ قدْ قبلَ وِصالَكَ، ولا يحلُّ لأحدٍ بعدَكَ ، وذلكَ بأنَّ اللهَ قالَ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] قالت عائشة - رَضِيَ الله عنها -  : (الليل غاية الصوم )،ومحل الإفطار ساعة غروب الشمس ، وافتراق النهار عن الليل كما في الصحيح  "إذا أقبل الليل وأدبر النهار، وغابت الشمس، فقد أفطر الصائم".أخرجه أحمد في المسند وأورده مسلم في صحيحه كتاب الصيام. باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار. ،هذا والحكمة في النهي عن الوصال في الصيام هي درء المفسدة المترتبة على الوصال، وهي الملل من العبادة والتعرض للتقصير في بعض وظائف الدين، من إتمام الصلاة بخشوعها وأذكارها وآدابها، وملازمة الأذكار وسائر الوظائف المشروعة في نهاره وليله، والله أعلم. وقد ورد في رواية عند مسلم " فَاكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ" وقال الطيبي رحمه الله: الجوع يضعف القوى ويشوّش الدماغ فيثير أفكاراً ردية وخيالات فاسدة، فيخل بوظائف العبادات والمراقبات ولذلك خص بالضجيع الذي يلازمه ليلا ومن ثم حرم الوصال. والليل ليس زمانا لصومٍ شرعي، حتى لو شرع إنسان فيه الصوم بنية ما أثيب عليه، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال مخافة الضعف على الأبدان وكل  ما سد الجوعة وسكن الظمأ، فمندوب إليه عقلا وشرعا، لما فيه من حفظ النفس وحراسة الحواس ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال؛ لأنه يضعف الجسد ، ويميت النفس ، ويقعد به عن العبادة ، ويميت النفس، ، وذلك يمنع منه الشرع ويدفعه العقل. . كما يكره صوم الدهر، لأنه يضعفه، أو يصير طبعاً له، ومبنى العبادة على خلاف العادة. فأفرح قلبه بتشريع الفطر والنهي عن الوصال. وليس لمن منع نفسه قدر الحاجة حظ من بر ولا نصيب من زهد؛ لأن ما حرمها من فعل الطاعة بالعجز والضعف أكثر ثوابا وأعظم أجرا.راجع بحثنا (مِن حِكم الصوم وأسراره) 2- أم بالتميز وعدم التشبه بأهل الكتاب الذين يُواصلون، فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ لَيْلَى امْرَأَةِ بَشِيرِ ابْنِ الْخَصَاصِيَةِ قَالَتْ أَرَدْت أَنْ أَصُومَ يَوْمَيْنِ مُوَاصَلَةً فَمَنَعَنِي بَشِيرٌ وَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوِصَالِ وَقَالَ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى  صوموا كما أمركم الله، وأتموا الصوم كما أمركم الله و {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، فإذا كان الليل فأفطروا" . قال شيخ الإسلام: "فعلل النهي عن الوصال بأنه صوم النصارى، وهو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ويشبه أن يكون من رهبانيتهم التي ابتدعوها" 3- أم الدعوة المستجابة عند الفطر للحديث عند أحمد في المسند من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم. مشكاة المصابيح (2/ 695) وَكَانَ ابْنُ عَمْرٍو إذَا أَفْطَرَ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِرَحْمَتِك الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي" . فالمسلم  يبدأ صيام يومه من وقت مبارك من آخر ثلث  الليل الأخير وهو وقت الفيض الإلهي والتجلي الرباني حيث تكون أبواب السماء  مفتحة لكل داعٍ  أو سائل أو تائب  أو مستغفر أو مستغيث كما في الصحيح أن رسول اللّه - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - قال: "ينزل اللّه تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر" . فهذا الوقت مظنة القبول وإجابة الدعاء ، والصائم كامل ومقبول الصوم هو الذي صان جميع جوارحه عن المخالفات فيُجَاب دعاؤه لطهارة جسده بمخالفة هواه.ولا سيما أثناء صومه_ في ‏كنز العمال/ للمتقي الهندي /الفصل الرابع في إجابة الدعاء باعتبار الذوات والأوقات المخصوصة ((ثلاث حق على الله أن لا يرد لهم دعوة: الصائم حتى يفطر،والمظلوم حتى ينتصر، والمسافر حتى يرجع)).وعزاه الهندي إلى البزار من حديث أبي هريرة رَضِيَ الله عنه _ قال الدميري: يستحب للصائم أن يدعو في حال صومه بمهمات الآخرة والدنيا له ولمن يحب وللمسلمين لهذا الحديث، والمسلم ينتهي صيام يومه بوقت مبارك يستجيب الله تعالى فيه الدعاء وذلك من ناحيتين الأولى نهاية يوم الصوم ووقته ، والصيام عمل صالح ، والتوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة لا خلاف فيه بين العلماء كما في حديث أصحاب الغار الثلاثة، والناحية الثانية عند الآذان لصلاة المغرب فعند النداء تُفتَّح أبواب السماء كما في الحديث  ، ويؤيد استجابة الدعاء عند الفطر رواية "إن للصائم عند فطره لدعوة ما تردّ وقول _ كثير من الفقهاء _يستحب للصائم أن يدعو عند إفطاره. والنص الذي استنبط منه العلماء خصوصية وقت الإفطار وفضيلته بأنه من الأوقات الفاضلة التي يستجاب فيها الدعاء  /عند الترمذي / كتاب صفة الجنة /باب مَا جَاءَ في صِفَةِ الْجَنةِ وَنَعِيمِهَا_ منْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنه قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم "… ثَلاَثٌ لاَ تُرَدُ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَالصّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ، وَتَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السّمَاءِ، وَيَقُولُ الرّبّ عز وجل: وَعِزّتِي لأَنْصُرَتّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ". _ كما أخرجه أحمد في المسند وابن ماجة/ كتاب الصوم/ باب في (الصائم لا ترد دعوته. فالمسلم يصوم فترة من الوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس خلال هذه الفترة يكون مستجاب الدعوة سحابة نهاره  لحاله ويكون مستجاب الدعوة في البداية والنهاية باعتبار فضيلة الوقتين، ولأمر ما توسطت آية الدعاء آيات الصوم وأعقبت الأمر بإكمال العدة " قال تعالي :"وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"البقرة/185-186، قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى (وفي ذكره تعالي هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام  الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العِدَّة ونهاية شهر الصوم بل عند كل إفطار بنهاية نهار الصوم من كل يوم ) ألا يدعو ذلك إلى الفرح ؟ 4- أم في الإباحة للطعام  والشراب وسائر النِّعم والمتع  بعد الحظر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس  وإن لم يتناول شيئا من المفطرات لما في طبع النفس من محبة الإرسال وكراهة التقييد.  قال تعالى:" أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ"البقرة/187. ولعلك تُلاحظ كلمة " أُحِلَّ لَكُمْ " أي أن هذا الأمر قد كان من قبل حراما ، قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى - في تفسيره للآية: هَذِهِ رُخْصَة مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ وَرَفْع لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْر فِي اِبْتِدَاء الإِسْلام فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ أَحَدهمْ إِنَّمَا يَحِلّ لَهُ الْأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع إِلَى صَلاة الْعِشَاء أَوْ يَنَام قَبْل ذَلِكَ فَمَتَى نَامَ أَوْ صَلَّى الْعِشَاء حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَالْجِمَاع إِلَى اللَّيْلَة الْقَابِلَة فَوَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّة كَبِيرَة.روى البخاري في صحيحه كتاب الصوم.  باب: قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم عن البراء قال: كان أصحاب محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما - وفي رواية: كان يعمل في النخيل بالنهار وكان صائما - فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - فنزلت هذه الآية: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" ففرحوا فرحا شديدا، ونزلت: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر"البقرة {187}. 5- أم بإتمام الله نعمة صوم  اليوم قال تعالى :" وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ"البقرة/187. وفي الناس من لم يُتم صيام اليوم ، وعرض له ما أفسد عليه صومه. عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل الله بعد الله وَجهه عَن النَّار سبعين خَرِيفًا " الجمع بين الصحيحين (2/ 453)هذا فضل الله تعالى في جزاء صيام يوم في سبيل الله في غير رمضان كما جاء الحديث هكذا مطلقا، فما بالك إذا كان اليوم من أيام رمضان؟! وفي الصحيح " الصوم جُنّة وحصن حصين من النار " رواه أحمد 2/402 وهو في صحيح الترغيب 1/411 وصحيح الجامع 3880 ، ألا يدعو ذلك إلى الفرح ؟!  6- أم بإتمام الله تعالى النعمة بإتمام صوم الشهر وإكمال العدة برؤية الهلال ، قال تعالى :" فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ"البقرة/185. وبذلك حقَّقَّ ركن الإسلام  وشعبة الإيمان، وفي الصحيح :" عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ."صحيح البخاري صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. بَاب قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ".صحيح مسلم  كتاب الإيمان. باب بيان أركان الإِسلام ودعائمه العظام. وفي الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلوات الله وتسيلاماته عليه -: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ."صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. بَاب صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنْ الْإِيمَانِ.وذلك مدعاة للفرح والسرور ، ولا يأتي على المسلم شهر خير له من سائر شهور العام مثل رمضان، فعن أبى هريرة -رضي الله عنه :عن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال:أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله ما مر على المسلمين شهر هو خير لهم منه ولا يأتى على المنافقين شهر شر لهم منه إن الله يكتب أجره وثوابه من قبل أن يدخل ويكتب وزره وشقاءه قبل أن يدخل وذلك أن المؤمن يعد فيه النفقة للقوة فى العبادة ويعد فيه المنافق اغتياب المؤمنين واتباع عوراتهم فهو غُنْم للمؤمن ومعصية على الفاجر"  قال تعالى" قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون" يونس/58 وقد مضي معنا فضل الله تعالى في جزاء صيام يوم في سبيل الله بإبعاد النار عن وجه الصائم سبعين عاما، في غير رمضان فما بالك إذا كان هذا اليوم في رمضان المضاعف الأجر والمثوبة ، فالعمل الصالح يضاعف الله تعالى الأجر عليه لفضيلة الزمان أو المكان إلى آخر هذه الأسباب التي استوفيناها في بحثنا " أولئك يؤتون أجرهم مرتين" بحمد الله ومنته . فإذا أتم الله تعالى النعمة على العبد فصام الشهر حتى أحل الله تعالى له الفطر برؤية هلال شوال، فأفرح قلبه ، وشرح صدره فقد باعد الله تعالى بصيامه الشهر كاملا النار عن وجهه ألفين ومائة عام ، حرَّم الله تعالى بشرتنا وشعرنا على النار بحرمة وجهه الكريم.  7- أم بما أمدَّ الله في الأجل  ليزداد خيراً  فله بذلك  فرحة ففي المسند من حديث أبي هريرة.‏- رَضِيَ الله عَنْهُ- "…لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا" .  فقد ازداد بالحياة خيرا فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - : أَنَّ رَسُولَ اللّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ".صحيح مسلم كتاب الطهارة. باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر.  فالصوم من مكفرات الخطايا ومن أسباب رفع الدرجات وزيادة الحسنات وهذا وجه الخير في امتداد العمر ، وطول الأجل ، ولئن كان الصوم خيرا للصائمين كما قال تعالى :" وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ "البقرة/184،وقال صلى الله عليه وسلم : ((افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ، وأن يؤمن روعاتكم)) رواه الطبراني/ السلسلة الصحيحة : 1890، وهو من دواعي الفرح والسرور.  وفي الحديث "خيركم من طال عمره وحسن عمله ،وشركم من طال عمره وساء عمله " صحيح بنحوه في صحيح الجامع "3262،3279 طول الحياة حميدة إن ... راقب الرحمنَ عبدُه وبضدها فالموت خير ... والسعيد أتاه رشده يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب *** حتى عصى ربه في شهر شعبان لقـد أظلك شـهر الصوم بعدَهُما *** فلا تصيره شهر تضييع وعصيان واتلـوا القـران ورتل فيه مجتهـداً *** فإنه شـهر تسبيـح وقـران كم كنت تعرف ممن صام من سلف *** من بين أهلنٍ وجيرانٍ وإخوانِ أفناهـم الموت واستبقاك بعدهم حي *** فما اقرب القاصي إلى الداني وعن عبيد بن خالد السلمي قال آخي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين رجلين فقتل أحدهما على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم مات الآخر فصلوا عليه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قلتم؟ قالوا : قلنا اللهم ارحمه اللهم ألحقه بصاحبه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأين صلاته بعد صلاته وأين صيامه وعمله بعد صيامه وعمله ؟؟ ما بينهما أبعد من السماء والأرض "  عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: كان رجلان من بلي من قضاعة أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما وأخر الآخر سنة . فقال طلحة بن عبيدالله : فرأيت المؤخر منهما ادخل الجنة قبل الشهيد ! فتعجبت لذلك ! فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أليس قد صام بعده رمضان ؟! وصلى ستة آلاف ركعة؟! وكذا وكذا ركعة صلاة سنة ؟!)) رواه أحمد/ صحيح الترغيب : 365. وهذه الستة آلاف ركعة ، حاصل  ضرب سبعة عشرة ركعة فريضة يوميا في ثلاثمائة وستين يوما سنة قمرية على أن الشهر ثلاثون يوما فيكون الناتج ستة آلاف ومائة وعشرين ركعة ، فإذا ما صلى الرواتب والنوافل الأخرى من ضحى إلى الوتر والقيام ، وغيرها وبكل سجدة كما في الصحيح رفع درجة وحط خطيئة ، أليس ذلك مدعاة إلى الفرح وموعزا بالدعاء إلى الله تعالى بالقبول؟! 8- أم بالثواب الذي ادخره الله  تعالي للصائم  والذي لا يعلمه غيره عـزَّ وجلَّ  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَىَ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلاَّ الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي." صحيح البخاري، كِتَاب التَّوْحِيدِ.  باب ذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِوَايَتِهِ عَنْ رَبِّهِ. كتاب اللباس.  باب مَا يُذْكَرُ فِي الْمِسْكِ. كِتَاب الصَّوْمِ. باب فَضْلِ الصَّوْمِ.‏صحيح مسلم كتاب الصيام. باب فضل الصيام. 9- أم بنعمة الصحة والعافية حيث تتعافي صحة الانسان ويتخلص الجسم من كثير من العلل والآفات. وفي الأثر «صُومُوا تصحوا» (وللصوم دور كبير في استرداد الصحة ودوام العافية بل في حفظها وتقويتها شرعا وعقلا وعرفا في كل من البدن والعقل والنفس ففي الأثر "صوموا تصحوا" فالصائم يناله من الخير بصومه في جسمه وصحته ورزقه حظ وافر مع عظم الأجر في الآخرة من صحة وعافية في البدن فليست كثرة الطعام صحة ، وفي العقل بالتهيئة للتدبر والفهم فكلما امتلأت البطنة قعدت الفطنة،ولقد أثبت الطب قديمه وحديثه أثر الصوم على  الصحة والعافية . وظهرت لذلك كتابات طبية في نشرات ومطويات ومجلات وأبحاث تؤكد هذه الحقيقة نسأل الله تعالى أن يمن على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالصحة والعافية وأن يمتعهم بأسماعهم وأبصارهم وقوتهم ما أحياهم وأن يجعله الوارث منهم. في سنن الترمذي من حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال: قلَّما كانَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقومُ من مجلس حتى يدعوَ بهؤلاء الدعوات لأصحابه: "اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يَحُولُ بَيْنَنا وبَيْنَ مَعاصِيكَ، وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقين ما تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنا مَصَائبَ الدُّنْيا؛ اللَّهُمَّ مَتِّعْنا بأسْماعنا وأبْصَارِنا وَقُوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجْعَلْهُ الوَارِثَ منَّا، وَاجْعَلْ ثأْرنا على مَنْ ظَلَمَنا، وانْصُرْنا على مَنْ عادَانا وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيا أكْبَرَ هَمِّنا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا، وَلا تُسَلِّط عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحمُنا"  قال الترمذي: حديث حسن. الصحة من أجل وأعظم نعم الله تعالى على خلقه قال رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- :" فيما أخرجه البخاري في صحيحه كِتَاب الرِّقَاقِ. بَاب لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ. منْ حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- :" نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ. أي صحة البدن وفراغ الخاطر بهما يحصل الأمن ويبلغ المرء حد  الكفاية الأمنية) أفدناه من بحثنا (مِن حِكَم الصوم وأسراره)  10- أم بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح طبعي وهو السابق للفهم، عن ابْن عُمَر: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ((ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)). أبو داود 11- أم أن فرحه بفطره من حيث كونه فيه تخفيف من ربه ومعونة له على مستقبل صومه في قابل الأيام.‏قال تعالى:" ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ" البقرة/178.وقال تعالى:" يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً"النساء/ 28، وفيه أيضا تعويض له عما فقده أو فاته من حق جسمه خلال فترة الصيام. 12- أم أن سببه تمام العبادة وسلامتها من المفسدات فيما يظن وما يرجوه من ثوابها عند الله الذي هو خيرا وأعظم أجرا. عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا هؤلاء الكلمات إذا جاء رمضان اللهم سلمنى لرمضان وسلم رمضان لى وتسلمه منى متقبلا (الطبرانى فى الدعاء، والديلمى وسنده حسن) [كنز العمال 24277] جامع الأحاديث (35/ 276، بترقيم الشاملة آليا) 13- لأن الصيام وكذا القيام يشفعان للعبد يوم القيامة عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ - رضي الله عنهما – أَنَّ رسول الله r قَالَ: الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِصَاحِبِهِمَا يَوْمَ القِيَامَةِ. يَقُوْلُ الصِّيَامُ: يَا رَبِّ، إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ، وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيْهِ. وَيَقُوْلُ القُرْآنُ: يَا رَبِّ، إِنِّي مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيْهِ، فَيُشَفَّعَانِ فِيْهِ ( )،رواه أحمد 2/174 وحسّن الهيثمي إسناده : المجمع 3/181 وهو في صحيح الترغيب 1/411  . 14 – أم لأنه بصبره على الصوم تأهل لنيل فضل الله وعطائه الجزيل ، ونيل فيضه ليكون من أهل باب الريان الخاص بالصائمين فما أكثر ما أفاض الله تعالى به من نعمه على عباده ولا سيما الصائمين ومن ذلك ما أتحفهم به من تخصيص باب لهم من أبواب الجنة وسماه باسم من جنس ما قاموا به لله تعالى إنه " الريَّان " صيغة مبالغة من الري وهو نقيض العطش اسم باب الجنَّة الخاص بالصائمين. كما في الحديث الصحيح عند البخاري في جامعه كتاب الصوم ـ  باب الرّيّانُ للصائِمينَ من حديث سَهلٍ رضيَ اللهُ عنه عنِ النبيّ - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - قال: «إنّ في الجنّةِ باباً يُقالُ لهُ الرّيّانُ, يَدخُلُ منهُ الصائمونَ يومَ القِيامةِ لا يَدخُلُ منه أحدٌ غيرُهم, يقال: أينَ الصائمون؟ فَيقومونَ, لا يَدخلُ منهُ أحدٌ غيرُهم, فإذا دَخلوا أُغلِقَ, فلم يَدخُلْ منهُ أحد».وقد أخرجه مسلم كتاب الصيام. باب فضل الصيام.  وفي تخصيص هذا الباب دلالة على فضيلة الصيام وكرامة الصائمين على ربهم ، ولكن لماذا سمي بهذا الاسم ؟ والجواب فيه أقوال : منها 1- أنه بنفسه ريان لكثرة الأنهار الجارية إليه والأزهار والثمار الغضة اليانعة لديه . 2- وذلك جزاء للصائمين على جوعهم وعطشهم خلال نهار صيامهم ولكن أوثر الري على الشبع لدلالته عليه باللزوم . 3- لأنه أشق على الصائم فكثيرا ما يصبر على الجوع دون العطش.4- لأن من يصل إليه يزول عنه عطش يوم القيامة ويدوم له الري في دار المقامة.وقد ورد في سنن النسائي رواية تشير إلى هذا المعنى ‏ "أَنّ فِي الْجَنّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الرّيّانُ يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الصّائِمُونَ هَلْ لَكُمْ إلَى الرّيّانِ مَنْ دَخَلَهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَداً فَإذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ".‏ سنن النسائي كتاب الصيام. باب في فضل الصائم.وعند الترمذي " ومن دخله لم يظمأ أبدا " والنص محتمل للمعاني الأربع المذكورة وغيرها.والخصوصية بهذا الباب إنما تتم لمن فتح الله تعالى عليه هذا الباب من أبواب الطاعة فأكثر منه بحيث يصير من الصائمين وإن كان له حظ ونصيب من أعمال البر الأخرى ولكنه تميز بهذا اللون وتحقق به  وإن فتحت له أبواب أخرى من أبواب الجنة كما في الصحيح  ولا يناقض هذا ما ورد في صحيح مسلم كتاب الإيمان.  باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا.  من حديث عبادة بن الصامت - رَضِيَ الله عنه -  ؛ قال: قال رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم-: "من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء". كما لا يناقضه ولا يعارضه ما ورد في صحيح مسلم كتاب الطهارة.  باب الذكر المستحب عقب الوضوء.  من حديث عمر. - رَضِيَ الله عنه -  قال قال رسول الله –-صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- - "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ (أو فيسبغ) الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء". فظاهر هذين الحديثين إمكانية دخول غير الصائمين من باب الريان ومع هذا نقول لا تعارض ولا تناقض لجواز أن يصرف اللّه مشيئة من مات على التوحيد وكذلك المتشهد عقب الوضوء عن دخول الجنة من باب الريان إن لم يكن من مكثري الصوم.حتى يميز الله المكثرين من الصوم عن غيرهم.أفدناه من بحثنا ( مِن حِكم الصوم وأسراره) 15- أم لثقته في خبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه ، وقد أتم الله تعالى عليه النعمة ، فأنجز صوم الشهر ، وقد امتلأ يقينا بمغفرة الله تعالى لما تقدَّم من ذنوبه الصغيرة ، فضلا منه تعالى وكرما ،  وتصديقا  لخبر رسوله صلوات الله وسلامه عليه ، ففي الحديث الصحيح:" " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"صحيح البخار

3058

| 21 أغسطس 2012

العيد عند المسلمين

روى ابن أبي شيبة بسنده عن الزهري. أن رسول الله (ص) كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير( )، [ إسناده صحيح. وهو مرسل، وله شواهد يتقوى بها]. الأعياد في الإسلام لها صورتها الخاصة ونظامها وفلسفتها وتستمد مشروعيتها من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ، وتعقب أداء ركن من أركان الإسلام وشعبة من شعب الإيمان فالفطر يعقب أداء ركن الإسلام : الصوم والأضحي يعقب أداء شعبة الإيمان الحج وفي حديثنا عن خصائص شهر الصوم قلنا من ذلك أن أوَّل يوم يعقبه جعله الله تعالى عيدا و هنا يكمن سر فرح المسلمين ونشوتهم في أعيادهم حيث قد أمكنهم الله تعالى من أداء ما افترض عليهم من عبادات وأطال في أعمارهم حتى ازدادوا  إيمانا بهذه الطاعات " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا" يونس / 58_إن الله تعالى جعل لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه لله تعالى، وكل قوم اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم اتخذوه صلاة وذكرا وبرا بالفقراء وشفقة عليهم بصدقة الفطر في عيده وتوزيع لحوم الأضاحي يوم النحر وثلاثة أيام بعده. خلاصة سر التسمية للعيد بالعيد  1- لرجوعه وعودته ، أصله من عاد يعود أي رجع 2- لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى- قاله العيني. 3- لكثرة عوائد الله تعالى فيهما 4- للعود فيه إلى المرح والفرح فهو يوم سرور الخلق كلهم 5- لأن كل إنسان يعود إلى قدر منزلته ألا ترى إلى اختلاف ملابسهم وهيئاتهم ومآكلهم فمنهم من يُضيف ومنهم من يُضاف 6- لأنه يوم شريف تشبيها بالعيد: وهو فحل كريم مشهور عند العرب وينسبون إليه فيقال: إبل عيدية              عيدية أرهنت فيها الدنانير 7 - لعود ما كان مأمورًا به في غيره من العبادة مباحاً تركه. 8-  لعود ما كان منهيًا عنه مباحًا فيه من نحو الغفلة والسهو.،  وعن الإكثار من العبادة. 9 - لأنه بدون إعطاء النفس حظها من الشهوات لا يتم للإنسان سرور اليوم،  فمن حبس النفس للعبادة في يوم العيد فقد أخطأ حكمة الشارع صلوات اله وسلامه عليه ، التي طلبها لأمته في يوم العيد. هذا والأعياد في الإسلام مناسبة لكثير من الأمور أولا: الصلاة وقد شرع الله تعالى لعباده صلاة العيد يوم العيد، وهي من تمام ذكر الله تعالى. وهي سنة لا ينبغي لمسلم تركها. بل ذهب فريق من أهل العلم إلى وجوبها؛ بدليل ما ورد عن أم عطية – رضي الله عنها – قالت: "أمَرَنا – تعني النبي r – أن نُخرج في العيدين العواتق، وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين"( ) والأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها، وإذا كان النبي r أمر النساء، فالرجال من باب أولى..وقد دل حديث أم عطية رضي الله عنها – المتقدم – على مشروعية حضور النساء صلاة العيد. بشرط أن يكون ذلك على وجه تؤمن معه الفتنة بهن ومنهن، فيخرجن غير متطيبات، ولا متبرجات بزينة، بعيدات عن أماكن الرجال. وعلى المسلم أن يتذكر باجتماع الناس لصلاة العيد، اجتماعهم على صعيد واحد. يوم البعث والجزاء، يوم يقوم الناس لرب العالمين. ويتذكر بتفاضلهم في هذا المجتمع، التفاضل الأكبر في الآخرة، قال الله تعالى: }انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا{. قال تعالى{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} الأنعام:162 - 163.  قيل: المراد بالصلاة هنا : صلاة العيد. والنسك جمع نسيكة، وهي الذبيحة، كذلك قال مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغيرهم وفي سورة الكوثر/ 2 قال تعالى {فصل لربك وانحر}. أي : أعبد ربك، وانحر له، كما أن المراد بالصلاة هنا : أيضا صلاة العيد  أي عيد الأضحي أرأيت كيف أن يوم العيد عند المسلمين يكون محلا للصلاة والذكر والتكبير. ولا صلاة قبل صلاة العيد هذه ولا بعدها  لما في "الصحيحين"، من حديث ابن عباس رَضِيَ الله عنهما : أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج يوم الفطر، فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما. وفي موطأ مالك رحمه الله تعالى . قال الزهري: لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر أن أحداً من سلف الأمة كان يصلي قبل صلاة العيد وبعدها.هذا وصلاة العيد من كل عام في العيدين إنما يبدأ وقتها بعد شروق الشمس بعشرين دقيقة تقريبا وتصح فرادى لمن لم يشهد جماعتها كما أنها لا تفوت بفوات الجماعة. ثانيا: المظاهرة وتكثير سواد المسلمين في مثل هذا الحشد الجامع من المسلمين الذين يلتقون على محبة ومودَّة ومناسبة سعيدة أبهي صورة وأجمل هيئة تلك التي يجتمع فيها المسلمون مع اختلاف جنسهم على ذكر الله وأداء صلاة العيد وإعلان التكبير وشعار الإسلام  يُشارك في هذا الجمع كل المسلمين  الرجال والنساء ، الكبار والصغار على السواء  والذكور والإناث حتى الحُيَّض منهم كل ذلك لتكثير سواد المسلمين وهن وإن لم تكن عليهن صلاة لعدم توفر شرط الطهارة فإنهن يذكرن ويكبرن الله تعالى ويسمعن الموعظة ويتجاوبن مع الدعوة العامة لفعل الخير وعمل البر في الصحيحين: أنَّ رسولَ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم أمر الحُيَّضَ بالخروج يومَ العيد فيشهدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين.‏ حتى إن المرأة التي لا تجد من الثياب ما تخرج فيه لشهود هذه الخير سنَّ لها النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن تستعير من أختها من الثياب ما تخرج فيه ولا تغيب عن هذا الجمع المبارك مع نسوة أخريات  يكثر بهن سواد المسلمين في سنن أبي داود كتاب الصلاة  باب خروج النساء في العيد من حديث أُمّ عَطِيّةَ  رَضِيَ الله عنها قالت: "أمَرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نُخْرِجَ ذَوَاتِ الْخُدُورِ يَوْمَ الْعِيدِ، قِيلَ: فالْحُيّضُ؟ قال: لِيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قال فقالت امْرَأةٌ: يارسولَ الله إنْ لَمْ يَكُنْ لأحْدَاهُنّ ثَوْبٌ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قال: تُلْبِسُهَا صَاحِبَتُهَا طَائِفَةً مِنْ ثَوْبِهَا".‏ ثالثا: العيد مظهر من مظاهر الوحدة والجماعة عند الترمذي في سننه ( "الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس") قال الترمذي: فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس انتهى. وجاء في سبل السلام: فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس وأن المنفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية. رابعا: الذكر والتكبير في أيام العيد من أعمال المسلمين في أعيادهم الذكر والتسبيح والتهليل لله تعالى فلا يغفل المسلمون عن ذكر الله تعالى  أيام مرحهم وساعات ترويحهم عن أنفسهم  فقد قال تعالى في آيات الصيام بعد بيان عدَّة أيام الصيام والمطالبة بإكمالها أقول بعد ذلك جاء الأمر بالتكبير والشكر لله تعالى في سورة البقرة/185 " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}" و قال تعالى في آيات الحج من سورة الحج "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ {37} الحج روى ابن أبي شيبة بسنده عن الزهري. أن رسول الله r كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير( )، [ إسناده صحيح. وهو مرسل، وله شواهد يتقوى بها]. الحديث دليل على مشروعية التكبير جهراً في الطريق إلى مصلى العيد وكذا إذا أتى المصلى إلى أن تقضي الصلاة.وقد شرع الله تعالى لعباده التكبير عند إكمال عدة رمضان من غروب الشمس آخر يوم من رمضان ودخول ليلة العيد إلى صلاة العيد. قال تعالى: }ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلّكم تشكرون{ وصفته أن يقول الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. ويسن الجهر به وإظهاره في المساجد والمنازل والطرقات وكلّ موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى. قال النووي رحمه الله تعالى في أذكاره (ويستحبّ التكبير ليلتي العيدين، ويُستحبّ في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يُحرم الإِمام بصلاة العيد، ويُستحبّ ذلك خلفَ الصلواتِ وغيرها من الأحوال. ويُكثر منه عند ازدحام الناس، ويُكَبِّر ماشياً وجالساً ومضطجعاً، وفي طريقه، وفي المسجد، وعلى فراشه، وأما عيدُ الأضحى فيُكَبِّر فيه من بعد صلاة الصبح من يوم عَرَفة إلى أن يصليَ العصر من آخر أيام التشريق، وَيُكَبِّر خلفَ هذه العَصْرِ ثم يقطع). خامسا: التبرؤ من المشركين لا التشبه بهم لقد وقع الإعلام ببراءة الله تعالى ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من المشركين لتحريفهم  الكلم عن مواضعه ولصدهم عن سبيل الله وقع هذا في يوم العيد يوم الحج الأكبر قال تعالى: {وأذان} أي إعلام {من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله} قال البيضاوي: أي يوم العيد لأن فيه تمام الحج، ومعظم أفعاله، ولأن الإعلام كان فيه، ولما روى أنه عليه الصلاة والسلام وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الأكبر. يفهم المسلم هذا  من سيرة سيد المرسلين سيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في الوقت الذي تشهد فيه التجمعات الإسلامية تشابها ومحاكاة للمشركين في أعيادهم من الاختلاط  والتبرج والسفور إلى آخر ما هنالك ‏سادسا: تجديد العهد مع الله في العيد وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتعاهد النساء يوم العيد بالبيعة التي سجلها الله تعالى في كتابه ، كما روى البخاري، عن ابن عباس، - رضي الله عنهما - قال: شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، فنزل نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف} حتى فرغ من الآية كلها، ثم قال حين فرغ: "أنتن على ذلك؟" فقالت امرأة واحدة ولم يجبه غيرها: نعم يا رسول اللّه، قال: فتصدقن، قال: وبسط بلال ثوبه، فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال (أخرجه البخاري). وهي هي البيعة التي أخذها على الرجال عن عبادة بن الصامت قال: كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مجلس فقال: "تبايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم – قرأ الآية التي أخذت على النساء إذا جاءك المؤمنات – فمن وفى منكم فأجره على اللّه، ومن أصاب من  ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره اللّه عليه فهو إلى اللّه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه" (أخرجه البخاري ومسلم). سابعا: لإقامة الحجة على حقيقة التوحيد وهو صنيع موسي عليه السلام كما حكى الله تعالى ذلك عنه فقال تعالى {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى، قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى، فأجمعوا كيدكم ثم أتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى}طه: 62 – 64. والمعنى :ائتوا المُصلَّي - صفوفا ليكون أشد لهيبتكم  - وهو الموضع الذي تجتمعون فيه يوم العيد ولهذا يُقال ليوم العيد: يوم الصف. ثامنا: مناسبة لتغيير المنكر لا لشيوعه كما حدث من إبراهيم عليه السلام ‏وقد حكاه الله تعالى فقال {وإن من شيعته لإبراهيم، إذ جاء ربه بقلب سليم، إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون، أإفكا آلهة دون الله تريدون، فما ظنكم برب العالمين، فنظر نظرة في النجوم، فقال إني سقيم، فتولوا عنه مدبرين} الصافات: 83. ورد أن ملكهم أرسل إليه إن غدا عيدنا فاخرج معنا، فلما كلفوه الخروج معهم تفكر فيما يعمل. فنظر إلى نجم طالع فقال: إن هذا يطلع مع سقمي. وأراد سقيم النفس لكفرهم. (وهذا فيه تورية وتعريض) ؟؟ثم توجه إلى الأصنام التي يعبدونها من دون الله تعالى فحطمها قال تعالى  {فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون، ما لكم لا تنطقون، فراغ عليهم ضربا باليمين، فأقبلوا إليه يزفون، قال أتعبدون ما تنحتون، والله خلقكم وما تعملون} الصافات: 91 – 96. وقال عز من قائل : "فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ {58} الأنبياء إذا قد كان ذلك من إبراهيم عليه السلام في يوم العيد. تاسعا: لهو مباح ولعب مشروع في ‏تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم /كتاب الصلاة. /باب صلاة العيدين. عن أنَسٍ رضي الله عنه قال: "قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلعَبُونَ فيهِمَا فقال: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قالُوا: كُنّا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِليّةِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله قَدْ أبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا: يَوْمَ الأضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ".‏ولقد ورد أن الحبش كانوا يلعبون بالدرق والحراب في المسجد يوم العيد، والنبي صلى اللّه عليه وسلم ينظر. وعائشة رَضِيَ الله عنه تنظر إليهم من ورائه وهو يسترها منهم حتى ملّت ورجعت، ودخل أبو بكر في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عائشة رضي اللّه عنها وعندها جاريتان من جواري الأنصار تغنيان؛ فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال: (دعهما يا أبا بكر، فإنه يوم عيد). عاشرا: الزينة والتجمُّل قيل: في يوم الفطر يستحب للمرءِ ستة أشياء أن يغتسل ويستاك ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويؤدي فطرته ويتناول شيئاً ثم يخرج إلى المصلى.وهذه الأشياء مستحبة يوم الأضحي لكن بدلا من أن "يؤدي فطرته ويتناول شيئاً " لا يتناول شيئا حتى يرجع فيتناول من أضحيته ، هذا ولقد اختار موسي عليه السلام اليوم الذي يتجملون فيه ويتزينون فيه ليُقيم عليهم حجة الله تعالى عند ابن أبي حاتم، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله تعالى  {موعدكم يوم الزينة} قال: يوم العيد، يوم يتفرغ الناس من الأعمال، ويشهدون ويحضرون ويرون. ومن المعلوم بداهة أن أصحاب المهن والحرف لهم ثياب خاصة بمهنهم لا يتناسب معها التزيُّن والتجمُّل وعليه فلا بد لهم للتزيُّن والتجمُّل من التفرغ حتى يتسنى لهم التجمُّل والتزيُّن والالتقاء والاجتماع على أبهى زينة وأجمل حُلَّة وهذا لا يتأتي إلاَّ مع التفرغ من الأعمال تماما حتى سمِّي اليوم الذي يتم فيه ذلك بيوم الزينة وأتم ما يكون يوم العيد لشيوع المعنى فيه .وقال تعالى( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) الأعراف/31 -: لهذه الآية وما ورد في معناها من السنّة يستحب التجمل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة، ويوم العيد، والتطيب لأنه من الزينة، والسواك لأنه من تمام ذلك، ومن أفضل اللباس البياض، كما روى الإمام أحمد عن ابن عباس – رضي الله عنهما - مرفوعاً قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إلبسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر" ويروى أن تميماً الداري اشترى رداء بألف وكان يصلي فيه.وعند البخاري، قال ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة. وإن اللّه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه)،هذا وقد استدل البخاري رحمه الله تعالى على التجمل في العيدين بحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هذه لباس من لا خلاق له" الحديث، ووجه الاستدلال به من جهة تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للعيد وقصر الإنكار على لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريراً‏ .روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين، كذا في فتح الباري. وقال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام: يندب لبس أحسن الثياب والتطيب بأجود الأطياب في يوم العيد لما أخرجه الحاكم من حديث الحسن السبط قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد،هذا ويتبع التزيًّن والتجمُّل في الظاهر العناية بالنظافة الباطنية من الاغتسال وتقليم الأظافر ونتف الإبط إلى غير ذلك مما يتطلبه لقاء الناس بصورة كريمة وهيئة حسنة تجعل صاحبها يألف ويُؤلف هذا ومن الاغتسالات المسنونة غسل العيدين وكان ابن عمر رَضِيَ الله عنهما يتعاهد نفسه بهذه الاغتسالات  روى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلي. وهو الأشد تتبعا للسنن. أحد عشر: أكل وشرب بضوابط الشرع لقد ورد الشرع بتحريم صيام هذين اليومين فعند مالك في موطئه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلَّى العيد قبل أن يخطب بلا أذان ولا إقامة ، ثم انصرف فخطب ، فقال: إن هذين اليومين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما ، يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون من لحوم نسككم أي من أضحيتكم، قال ابن عبد البر في هذا الحديث أن الضحايا نسك وأن الأكل منها مستحب.  والنهي عن الصيام  هنا :نهي تحريم. ولهذا من السنة في يوم الفطر أن يأكل المسلم قبل أن يغدو إلى المًصلَّى أو قبل أن يُصلي صلاة العيد شكرا لله تعالى الذي أباح له ما كان محظورا عليه فبالأمس كان صائما واليوم أصبح مفطرا  والأمر لله من قبل ومن بعد .  والمعنى هنا أن يفقه المسلم أن القبض لليد عن الطعام والبسط لها إلى الطعام لا يتأتي بمجرد وجود الطعام بل لا بد من الأمر الإلهي فتكون حركة اليد بل والجسم كله دائرة مع الأمر الإلهي حيث دار فليس مجرد وجود الطعام كافيا لبسط اليد نحوه ولذلك  نظائر كثيرة وشواهد في الوحي قال تعالى " وما نتنزَّل إلاَّ بأمر ربك له ما بين أيدنا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا " مريم / 64. هذا عن أيام العيد يوم الفطر  وعن أيام عيد الأضحي يوم النحر فالأمر فيه بخلافه على ما فيه من استحباب الفطر على شيء من أضحيته كذا في قوت المغتذي (ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي) وفي رواية ابن ماجه: حتى يرجع، وزاد أحمد: فيأكل من أضحيته، ورواه أبو بكر الأثرم بلفظ: حتى يضحي، كذا في المنتقى والنيل. وفي رواية البيهقي: فيأكل من كبد أضحيته، كذا في عمدة القاري، ورواه الدارقطني في سننه وزاد: حتى يرجع فيأكل من أضحيته، وهي زيادة صحيحة صححها ابن القطان كما في نصب الراية. وقد خصص أحمد بن حنبل استحباب تأخير الأكل في عيد الأضحى بمن له ذبح، إن كان له أضحية كما في رواية أحمد.  والحكمة في تأخير الفطر في يوم الأضحى  أنه يوم تشرع فيه الأضحية والأكل منها فشرع له أن يكون فطره على شيء منها قاله ابن قدامة. قال الزين بن المنير: وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما، فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها. وعن البراء بن عازب قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا ( يوم النحر ) أن نصلي (صلاة العيد ) ثم نرجع فننحر(وذلك بيان لمشروعية الأضحية ، والسنة فيها أن يكون للفقراء منها ثلثها والأحبة منها ثلثها الثاني هديَّة ولأهل البيت منها ثلثها الثالث أكلا وطهيا وادخارا ) ، فمن فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء" ( وكناحية تنظيمية تعبدية طالب الشرع بأن تكون الصلاة أولا ويكون الذبح ثانيا (أخرجاه في الصحيحين)، وأيام التشريق الثلاثة لا يجوز صيامها لما رواه مسلم، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر اللّه عزّ وجل". ثاني عشر:  ورود العيد في القرآن الكريم هذا والموضع الوحيد الذي وردت فيه كلمة العيد في القرآن الكريم صريحا في سورة المائدة في قوله تعالى"إذ قال الحواريون يا عيسي يا بن مريم هل يستطيع ربك أن يُنزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ، قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين}. المائدة/14-16- والمعنى: تكون لنا عيدا، نعبد ربنا في اليوم الذي تنزل فيه ونصلي له فيه، كما يعيد الناس في أعيادهم. وقوله: {وآية منك} معناه: وعلامة وحجة منك يا رب على عبادك في وحدانيتك، وفي صدقي على أني رسول إليهم بما أرسلتني به. {وارزقنا وأنت خير الرازقين} وأعطنا من عطائك، فإنك يا رب خير من يعطي وأجود من تفضل، لأنه لا يدخل عطاءه منٌّ ولا نكد. هذا وبالله التوفيق وكل عام أنتم والأمة الإسلامية جمعاء بخير وعافية. هوامش: ( ) مصنف ابن أبي شيبة (2/164)، وانظر: لشواهده "السلسلة الصحيحة" رقم (171) وإرواء الغليل (3/122). ( ) أخرجه البخاري (980 فتح) ومسلم (890). ( ) مصنف ابن أبي شيبة (2/164)، وانظر: لشواهده "السلسلة الصحيحة" رقم (171) وإرواء الغليل (3/122).  

588

| 14 أغسطس 2012

فضل ليلة القدر

قال المفسّرون: عمل صالح في ليلة القدر خَيْرٌ مِنْ عمل أَلْفِ شَهْرٍ ليس فيها ليلة القدر في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"( ).. [رواه البخاري ومسلم]. من ألوان الاجتهاد في العشر الأواخر تحري ليلة القدر  فالحديث دليل على فضل قيامها، وهي ليلة عظيمة شرفها الله تعالى، وجعلها خيراً من ألف شهر، في بركتها وبركة العمل الصالح فيها، فهي أفضل من عبادة ألف شهر. وهي عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر. ومن قامها إيماناً واحتساباً غفرت ذنوبه، ونزل في هذا الفضل آيات تتلى، قال تعالى: }إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم{( ).قال تعالى: }إنا أنزلناه في ليلة القدر *وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر*تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر{( ). وليلة القدر في رمضان قطعاً؛ لأن الله تعالى أنزل القرآن فيها وقد أخبر سبحان أن إنزاله في شهر رمضان، قال تعالى: }شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن{( ) أي: أنزل جملة إلى السماء الدنيا وأول نزوله إلى الأرض( ).ولقوله  تعالى "إنا أنزلناه في ليلة القدر "وقوله تعالى:"إنا أنزلناه في ليلة مباركة " ومن بركتها أن الله تعالى أنزل القرآن فيها، وتنزل الملائكة تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى، وأنها خير من ألف شهر،وأنها سلام حتى مطلع الفجر. قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: (تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم) أي: يكثر تنـزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة ينـزلون مع تنـزل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق، تعظيماً له)( ).فهي ليلة عظيمة اختارها الله تعالى لبدء تنـزيل القرآن، وعلى المسلم أن يعرف قدرها، ويحييها إيماناً وطمعاً في ثواب الله تعالى، لعل الله عز وجل أن يغفر له ما تقدم من ذنبه. وقد حذّر النبي r من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها لئلا يحرم المسلم من خيرها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله )ص): "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم"( ). وعلى الإنسان أن يكثر من الدعاء في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر. ويدعو بما أرشد إليه النبي (ص) أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما قالت يا رسول الله: أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"( ). قال ابن كثير رحمه الله: (ويستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات. وفي شهر رمضان أكثر. وفي العشر الأخير منه. ثم في أوتاره أكثر. والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني")( ). وقوله (ليلة القدر) بسكون الدال إما من الشرف والمقام، كما يقال: فلان عظيم القدر، أي: الليلة الشريفة. وإما من التقدير والتدبير، أي: الليلة التي يكون فيها تقدير ما يجري في تلك السنة، كما قال تعالى: }فيها يفرق كل أمر حكيم{( ). قال قتادة: يفرق فيها أمر السنة( )، قال ابن القيم: وهذا هو الصحيح( ) أ هـ، والظاهر أنه لا مانع من اعتبار المعنيين، والله أعلم. وقوله: (إيماناً) أي: إيماناً بالله، وبما أعد الله تعالى من الثواب للقائمين في هذه الليلة العظيمة، ومعنى (احتساباً) أي: للأجر وطلب الثواب ليلة القدر هي ليلة العمر بحق، خير من ألف شهر . في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله r يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: "تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" وفي رواية: في الوتر من العشر الأواخر من رمضان"( ) [رواه البخاري، ومسلم]. وفى مسند الإمام أَحْمَدُ: عنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي مَنْ قَامَهُنَّ ابْتِغَاءَ حِسْبَتِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَهِيَ لَيْلَةٌ وَتْرٌ تِسْعٌ أَوْ سَبْعٌ أَوْ خَامِسَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ أَوْ آخِرُ لَيْلَةٍ"  في الحديث أمر المسلم بتحري ليلة القدر في العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم. وذلك بالقيام وإحياء الليل في طاعة الله تعالى. وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَتَأَهَّبُونَ لَهَا. فَكَانَ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ حُلَّةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يَلْبَسُهَا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرْجَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. وَكَانَ ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ يَغْتَسِلانِ وَيَتَطَيَّبَانِ وَيَلْبَسَانِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِمَا وَيُطَيِّبَانِ مَسَاجِدَهُمَا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. ومعنى: (يجاور) أي: يعتكف في المسجد. ومعنى (تحروا) أي: اطلبوا، قال في النهاية: (أي: تعمدوا طلبها فيها. والتحري: القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول)( ) أ هـ. وقد دلت الأحاديث الثابتة على أن المسلم والمسلمة يتحرى ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر. فإن ضعف أو عجز عن طلبها في الأوتار، فلا تفوته ليلة القدر في أوتار السبع البواقي خمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وأٌقربها ليلة سبع وعشرين؛ لحديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: والله إني لأعلم أي ليلة هي؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله (ص) بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين( ).وهذا الحديث في صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها. باب النَّدب الأكيد إلى قيام ليلة القدر وبيان دليل من قال إنَّها ليلة سبع وعشرين وَقَالَ عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ: ذُقْتُ مَاءَ الْبَحْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَوَجَدْتُهُ عَذْبًا . وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ "لَيْلَةَ الْقَدْرِ "تَكَرَّرَتْ فِي سُّورَةِ القدر ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَهِيَ تِسْعَةُ أَحْرُفٍ، وَالتِّسْعَةُ إِذَا كُرِّرَتْ ثَلاثًا كَانَتْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ . وهو كذلك حاصل ضرب تسعة في ثلاثة يكون الناتج سبعة وعشرين فسواء جمعت ثلاث تسعات أو ضربتها تسعة في ثلاثة يكون الناتج سبعة وعشرين وابن عباس – رضي الله عنهما – له قول آخر ودليل آخر في استنباط ليلة القدر أنها ليلة سبع وعشرين، وذلك أنه عد كلمات سورة القدر حتى انتهى إلى قوله هي فكانت كلمة "هي" هِيَ الْكَلْمَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ بين كلمات السورة الكريمة  ومجموع كلماتها كلها ثلاثون كلمة ، والضمير أعرف المعارف – كما يقول العلماء – هذا دليل أول عند ابن عباس – رضي الله عنهما - والثاني أَنَّ السَّبْعَةَ تَتَكَرَّرُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، فالأرض سبع، والسماء سبع ، والأيام سبعة، والطواف سبع، والسعي سبع، ورمي الجمار سبع، ويسجد الإنسان على سبع، للحديث أمرت أن أسجد على سبعة أعظم.." وأعطى المصطفى صلوات الله وسلامه عليه من المثاني سبعا " أي سورة الفاتحة فهي سبع آيات ،  ونهى الله تعالى في كتابه عن فى نكاح الأقربين عن سبع قال تعالى:" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ.." هؤلاء المحرمات بسبب القرابة وهناك أسباب أخرى وخلق الإنسان فى أطوار سبع لقوله تعالى :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ*ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ *ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ"، وطعام الإنسان من سبع لقوله تعالى "فلينظر الإنسان إلى طعامه.أنا صببنا الماء صببنا ثم شققنا الأرض شقا ، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً، وَعِنَباً وَقَضْباً، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً، وَحَدَائِقَ غُلْباً، وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} .فذهب بهذا ابن عباس إلى أنها ليلة السابع والعشرين بهذا الاجتهاد وناهيك به علما وفهما وفقها ولا عجب فهو حبر الأمة وترجمان القرآن ودعا له رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فقال " اللهم فقه فى الدين وعلمه التأويل حتى قال عمر - رضي الله عنه – لابن عباس بعد هذا الاستنباط : لقد فطنت لأمر ما فطنا له. يقول الحافظ ابن رجب – رحمه الله تعالى – شارح صحيح البخاري وصاحب جامع العلوم والحكم شرح الأربعين النووية في كتابه لطائف المعارف "ومما استدل به من رجح ليلة سبع وعشرين بالآيات والعلامات التي رأيت فيها قديما وحديثا وبما وقع فيها من إجابة الدعوات. وذكر أن رجلا مقعدا دعا الله ليلة سبع وعشرين فأطلقه وعن امرأة مقعدة كذلك وعن رجل بالبصرة كان أخرس ثلاثين سنة فدعا الله ليلة سبع وعشرين فأطلق لسانه فتكلم. وطاف بعض السلف ليلة سبع وعشرين بالبيت الحرام فرأى الملائكة في الهواء طائفين فوق رؤوس الناس، وبعدما ذكر الحافظ ابن رجب هذه اللطائف وآثار القدرة العجيبة، والمنح الربانية والتجليات الرحمانية قال واعلم أن جميع هذه العلامات لا توجب القطع بليلة القدر" قلت ذلك منه – رحمه الله تعالى ورع لكي يحرص المسلمون على إحياء كل الليالي فيدركوها حتما والله المسؤول أن يمن علينا بفضلها فهو خير مسؤول وخير مأمول. ولا تقف ليلة القدر عند ليلة معينة في جميع الأعوام، بل تنتقل فتكون في عام ليلة سبع وعشرين – مثلاً – وفي آخر ليلة خمس وعشرين تبعاً لمشيئة الله تعالى وحكمته، والأحاديث تفيد ذلك( ). وقد روى عن أبي قلابة – رحمه الله – أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر في وتر( ) والله أعلم. الذي رفع تعيينها وتحديدها على سبيل القطع وبقي فضلها هذا ما عليه أهل السنة والجماعة أما الروافض فيقولون رفع كذلك فضلها وهذا باطل مردود وإلا فكيف يحثنا الرسول صلوات وسلامه علي تحريها إذا كان فضلها قد رفع كما رفع تعيينها. وقد رفع الله تعيين ليلة القدر بعدما تم تحديدها تماما على الأمة فلم تبق تحديدا وتعيينا كما أخفيت ساعة الجمعة. وساعة الإجابة من الليل ولله تعالى حكمة بالغة في إخفائها. ليتحراها المسلمون، ويجتهدوا في طلبها في سائر الليالي وتعلو همتهم ويشتدّ طلبهم، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ مَا لا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ كَانَ يَسْهَرُ لَيْلَهُ وَيَحْمِلُ كَلَّهُ فَيَشُدُّ مِئْزَرَهُ. إذ لو تيقنا أيّ ليلة هي، لتراخت العزائم طوال الشهر، واكتفى بإحياء تلك الليلة. فكان إخفاؤها مستدعياً قيام كلّ الشهر والاجتهاد في العشر الأواخر منه، بل العام كله حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه – من أقام الحول أدرك ليلة القدر "ووَاللَّهِ مَا يَغْلُو فِي طَلَبِهَا عَشْرٌ، لا وَاللَّهِ وَلا شَهْرٌ، لا وَاللَّهِ وَلا دَهْرٌ. فَاجْتَهِدُوا فِي الطَّلَبِ فَرُبَّ مُجْتَهِدٍ أَصَابَ. كما أن في إخفائها اختباراً للعباد ليتبين بذلك من كان جاداً في طلبها حريصاً على إحيائها إيماناً وطمعاً في أجرها. ممن كان كسلاناً متهاوناً لا يقيم لها وزناً. ففي إخفائها خير عظيم، يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: خرج النبي r ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين. فقال "خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت. وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة"( ). ومعنى: (فتلاحى فلان وفلان) أي: وقعت بينهما ملاحاة. وهي المخاصمة والمنازعة والمشاتمة ورفع الأصوات، وذلك شؤم، ولهذا حرموا بركة ليلة القدر في تلك الليلة، وهذا مما سبق في علم الله تعالى. قال ابن كثير رحمه الله: (فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع. وكما جاء في الحديث: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"( ). قلت وفيه الإشارة إلى خطر سوء ذات البين فهي الحالقة لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين كما في الحديث. وقوله: (فرفعت) أي: رفع علم تعيينها لكم، لا رفعت بالكلية. لأنه قال بعد ذلك: (فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة). فعلى المسلم أن يحرص على نيل هذا الخير، بالعبادة والطاعة بألوانها في ليالي العشر من الصلاة والتلاوة والذكر والتضرع بالدعاء، والصدقة. وحضور صلاة التراويح وصلاة التهجد آخر الليل، ليدخل مع الإمام من أول الصلاة بخضوع وخشوع وذل وانكسار متأملاً في مواعظ القرآن متدبراً آياته يسأل عند آية الرحمة. ويتعوذ عند الآية التي فيها عذاب. وكل ما يستطيعه من الباقيات الصالحات. ولا يقصر في ذلك فما هي إلا ليالٍ معدودة يربح فيها الممتثل المطيع. ويخسر فيها العاصي المضيع. والعاقل يعرف قدر عمره وقيمة أنفاسه. فيغتنم ما يفوت استدراكه، ومن عرف شرف المواسم. وأوقات الفضائل اغتنمها.ومن طلب الحسناء أمهرها وليلة القدر ليلة عامة لجميع من يطلبها ويبتغي خيرها وأجرها وما عند الله فيها، يحصل الثواب المرتب عليها لمن اتفق له أن قامها ووافقها. وإن لم يظهر له شيء من علاماتها. لا يشترط لحصولها رؤية شيء ولا سماعه. وقد يطلع الله عليها بعض عباده بأمارات يعرفونها بها، - كما مر معنا ما وقع لعَبْدَة بْن أَبِي لُبَابَةَ من عذوبة ماء البحر والأصل أنه ملح أجاج – ومن علاماتها كما فى الحديث " إِنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا صَافِيَةٌ كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا سَاكِنَةٌ صَاحِيَةٌ لا بَرْدَ فِيهَا وَلا حَرَّ، وَلا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ أَنْ يُرْمَى بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ، وَإِنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ "وفى الحديث" اطْلُبُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ وَآخِرِ لَيْلَةٍ، وَهِيَ لَيْلَةٌ بَلْجَةٌ لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ وَلا يُرْمَى فِيهَا بِنَجْمٍ وَلا يَنْبَحُ فِيهَا كَلْبٌ"  وكما رأى الرسول لله أنه يسجد صبيحتها في ماء وطين( )، هذا والدعاء فى هذه الليلة أفضل الأعمال فقد أمر الرسول صلوات الله وسلامه عليه عائشة – رضي الله عنها - بالدعاء فيها قال سفيان الثوري الدعاء في تلك الليلة أحب إلي من الصلاة ولا بدمن الاجتهاد فى نهارها كليلها فقد قال الشعبي في ليلة القدر: ليلها كنهارها وقال الشافعي في القديم: استحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها وهذا يقتضي استحباب الإجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ليله ونهاره ، اللهم إنا بفضلك وحولك نسألك خير هذه الليلة فتحها ونصرها وبركتها ونورها وهداها اللهم ما قدرت فيها من خير فاجعل لنا منه أوفر الحظ ,وأكبر النصيب ، وما قدرت مما سوى ذلك فعافنا واعف عنا بوجهك الكريم ، هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل. ليلة القدر هي ليلة العمر   هوامش: ( ) أخرجه البخاري (4/225)، ومسلم (957). ( ) سورة الدخان، الآية: 3، 4. ( ) سورة القدر. ( ) سورة البقرة، الآية: 185. ( ) المرشد الوجيز لأبي شامة ص(115، 129)، التذكار للقرطبي ص23. [التبصرة لابن الجوزي 2/ 97] وعزاه إلى الإمام أحمد ( ) تفسير ابن كثير (8/465). ( ) سبق تخريجه أول الكتاب. ( ) رواه الترمذي (3513) وابن ماجة (3580)، وأحمد (6/171، 182، 183، 208) والنسائي في عمل اليوم والليلة. ص499، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ( ) تفسير ابن كثير (8/472). ( ) سورة الدخان، الآية: 4. ( ) أخرجه الطبري في تفسيره (25/65) والبيهقي في "فضائل الأوقات" ص216، وإسناده صحيح. ( ) شفاء العليل لابن القيم 42. ( ) أخرجه البخاري (4/259)، مسلم (1169). [التبصرة لابن الجوزي 2/ 96] [التبصرة لابن الجوزي 2/ 98] ( ) النهاية لابن الأثير (1/376). ( ) رواه مسلم (762). [التبصرة لابن الجوزي 2/ 96] [التبصرة لابن الجوزي 2/ 96] [قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد 2/ 249] النساء:23 المؤمنون:12- 14 عبس: 27, 31 [لطائف المعارف لابن رجب ص: 201] [لطائف المعارف لابن رجب ص: 203] [لطائف المعارف لابن رجب ص: 203] ( ) انظر: المفهم للقرطبي (3/251) فتح الباري (4/265)، رسالة العراقي: (شرح الصدر بذكر ليلة القدر ص48). ( ) أخرجه عبد الرازق (4/252)، وابن أبي شيبة (3/76) وأخرجه الترمذي (3/159) عن عبد بن حميد عن عبد الرازق. [التبصرة لابن الجوزي 2/ 98] ( ) رواه البخاري (4/267). ( ) تفسير ابن كثير [8/471] وأما الحديث فهو جزء من حديث راجع له السلسلة الصحيحة للألباني رقم 154. [التبصرة لابن الجوزي 2/ 96] [التبصرة لابن الجوزي 2/ 97] ( ) أخرجه مسلم (1168) من حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه، وورد أيضاً من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عند مسلم أيضاً.

2007

| 13 أغسطس 2012

سر الاجتهاد في العشر الأواخر

في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر( ) [رواه البخاري، ومسلم، وفي رواية لمسلم: كان رسول الله (ص) يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره]. مسند الإمام أحمد أخرجه البخاري  في صحيحه كِتَاب صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ.  باب الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ومسلم في صحيحه ‏كتاب الاعتكاف. باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان. ‏سنن ابن ماجه كتاب الصيام. باب في فضل العشر الأواخر من شهر رمضان. النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل. في الحديث إنما الأعمال بالخواتيم والعشر الأواخر خاتمة رمضان فخص صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم آخر رمضان بهذه الأمور الأربعة لقرب خروج وقت العبادة فيجتهد فيه لأنه خاتمة العمل، والأعمال بخواتيمها والأيام بعواقبها. ففي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأخير وإشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة  لأن مدار الإيمان على الخاتمة وأن التقصير فيما قبلها مجبور بحسنها فنسأل اللّه حسن الخاتمة * والموت على الهداية والتوبة مما صدر * في البداية والنهاية. وأن يحشرنا في زمرة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. اجتهد صلى الله عليه وآله وسلم في العشر الأواخر أملا في إدراك ليلة القدر فهي سرة العشر الأواخر بل الشهر بل الدهر. في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله r يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: "تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" وفي رواية: في الوتر من العشر الأواخر من رمضان"( ) [رواه البخاري، ومسلم]. وفي فضلها جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"( ) . . . [رواه البخاري ومسلم]. أرأيت من عظيم فضلها من  قامها إيماناً واحتساباً غفرت ذنوبه، ونزل في هذا الفضل آيات تتلى، قال تعالى: }إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم{( ). قال تعالى: }إنا أنزلناه في ليلة القدر *وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر*تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر{( ).  ومن بركتها أن الله تعالى أنزل القرآن فيها، وتنزل الملائكة فيها،وأنها خير من ألف شهر،وأنها سلام حتى مطلع الفجر.قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: (تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم) أي: يكثر تنـزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة ينـزلون مع تنـزل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق، تعظيماً له)( ). ليلة العمر هي ليلة عظيمة شرفها الله تعالى، وجعلها خيراً من ألف شهر، في بركتها وبركة العمل الصالح فيها، فهي أفضل من عبادة ألف شهر. وهي عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر. إنها ليلة عظيمة اختارها الله تعالى لبدء تنـزيل القرآن، وعلى المسلم أن يعرف قدرها، ويحييها إيماناً وطمعاً في ثواب الله تعالى، لعل الله عز وجل أن يغفر له ما تقدم من ذنبه. وقد حذّر النبي r من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها لئلا يحرم المسلم من خيرها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم"( ). وعلى الإنسان أن يكثر من الدعاء في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر. ويدعو بما أرشد إليه النبي r أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما قالت يا رسول الله: أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"( ). قال ابن كثير رحمه الله: (ويستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات. وفي شهر رمضان أكثر. وفي العشر الأخير منه. ثم في أوتاره أكثر. والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني")( ). فاللهم إنا نسألك خير هذه الليلة فتحها ونصرها وبركتها ونورها وهداها ونعوذ بك من شرها ،أحسن الله عاقبتنا في الأمور كلها وجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاه والحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخصها دون غيرها بمزيد الطاعة والعبادة من صلاة وذكر وتلاوة قرآن. الأمور الأربع التي خص بها الرسول صلوات وسلامه عليه العشر الأواخر فقد وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها نبينا وقدوتنا محمداً (ص) في العشر الأواخر بأربع صفات: الأولى: قولها (أحيا الليل) أي: سهره فأحياه بالطاعة، وأحيا نفسه بسهره فيه، وأضافه إلى الليل اتساعا لأن القائم إذا حيى باليقظة أحيي ليله بحياته وأحيا الليل :أي غالبه، أو كله، والظاهر غالبه ، لخبر عائشة ما علمته قام ليلة حتى الصباح ولم يرو صريحاً أنه عليه الصلاة والسلام ترك النوم في الليل جميعه. لأن النوم أخو الموت، ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم لما سئل: أفي الجنة نوم؟ قال: (لا النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها). أخرجه الدار قطني. فالنوم أخو الموت - لانقطاع العمل فيه النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل - والانتباه نشور وحياة ويدل عليه أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه عن حذيفة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور". والحكمة في إطلاق الموت على النوم أن انتفاع الإنسان بالحياة إنما هو لتحري رضا الله عنه وقصد طاعته واجتناب سخطه وعقابه، فمن نام زال عنه هذا الانتفاع فكان كالميت فحمد الله تعالى على هذه النعمة وزوال ذلك المانع. النوم أخو الموت والميت لا يصلي ويؤيده ما رواه مسلم: (مثل البيت الذي يذكر اللَّه فيه والبيت الذي لا يذكر اللَّه فيه كمثل الحي والميت)وعلى هذا فمعنى: "أحيا الليل " فيه استعارة الإحياء للاستيقاظ أحياه بالقيام والتعبد لله رب العالمين، وأما ما ورد من النهي عن قيام الليل كلّه الوارد في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه( )، فهو محمول على من دوام عليه جميع ليالي السنة( ).أفاده النووي في شرحه لصحيح مسلم. وفيه إشارة إلى ذمّ كثرة النوم لكثرة مفاسده الأخروية بل والدنيوية. من مفاسد كثرة النوم فإنه يورث الغفلة والشبهات وفساد المزاج الطبيعي والنفساني ويكثر البلغم والسوداء ويضعف المعدة وينتن الفم ويولد دود القرح ويضعف البصر والباه حتى لا يكون له داعية للجماع ويفسد الماء ويورث الأمراض المزمنة في الولد المتخلق من تلك النطفة حال تكوينه ويضعف الجسد، هذا في النوم في غير وقت العصر والصبح، أما النوم في وقتهما فإنه أعظم ضرراً لأنه يفسد كيموس صحة حكم عين المزاج المادي والصوري ولا يمكن استقصاء وحصر مفاسده في العقل والنفس والروح ومنها أنه يورث ضعف الحال بحكم الخاصية. والنوم بالنهار أكثر ضرراً من النوم بالليل طباً. قال ابن سينا: النوم بالنهار رديء جداً وتركه لمن اعتاده أردأ وذلك لأنه خرج عن نظام الكون الرباني ، "وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا" وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْل"الأنعام/60- " وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ"الروم/23}. الثانية: قولها (وأيقظ أهله) أي: أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن؛ ليشاركنه اغتنام الخير والذكر والعبادة في هذه الأوقات المباركة.وحتى لا يتكلن على كونهن أزواج صلى الله عليه وآله وسلم. الثالثة: قولها (وجدّ) أي: اجتهد في العبادة زيادة على عبادته في العشرين الأوّلين. وذلك لأن في العشر الأواخر ليلة القدر. الرابعة: قولها (وشدّ المئزر) أي: جدّ واجتهد في العبادة. وقيل: اعتزل النساء، وهذا أظهر لعطفه على ما قبله، وبذلك جزم عبد الرزاق عن الثوري، واستشهد بقول الشاعر: قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم عن النساء ولو باتت بأطهار ولحديث أنس رضي الله عنه: (وطوى فراشه واعتزل النساء)( )، وقد كان (ص) يعتكف العشر الأواخر والمُعْتَكِف ممنوعٌ من النساء.قال تعالى "ولا تباشروهن أنتم عاكفون في المساجد". فلتحرص – أخي المسلم – على هذه الأربع متحليا بالصبر على طاعة الله تعالى، في هذا الشهر صياما وقياما فهي – والله – فرصة العمر، وغنيمة الدهر لمن وفقه الله تعالى. وما يدري لعل الإنسان تدركه فيها نفحة من نفحات  المولى فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة. كان السلف الصالح يطيلون صلاة الليل تأسياً بنبيّهم (ص)، وقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يطيلون صلاة الليل تأسياً بنبيّهم r، يقول السائب بن يزيد (أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبيّ بن كعب وتميماً الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر)( )، والزيادة في العشر الأواخر يحمل على التطويل في التلاوة والزيادة فيها دون الزيادة في عدد الركعات. وعن عبد الله بن أبي بكر قال: (سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر)( ). والمؤمن في رمضان يجاهد نفسه: بالنهار صياما وبالليل قياما إلى آخر هذه الطاعات التي لا تجتمع إلا في رمضان فمن وفي هذه العبادات حقها فهو من الصابرين الذين يوفّون أجرهم بغير حساب. إن هذه العشرة هي ختام الشهر، والأعمال بخواتيمها. ولعل الإنسان يدرك فيها ليلة القدر وهو قائم لرب العالمين، فيغفر له ما تقدم من ذنبه. وعلى الإنسان أن يحث أهله وأولاده وينشطهم ويرغبهم في العبادة. والاستفادة من ساعات الليل، والحذر من ضياعها في القيل والقال في المجالس المحرمة والاجتماعات الآثمة نسأل الله السلامة والعافية. مسؤولية الرجل عن إحياء أهله وأولاده وخدمه الليل قال تعالى :"يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} فالرجل مطالب بأن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. يعلمهم الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي والآثام، إلى غير ذلك من الأحكام ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم). يخبر أهله وأولاده بأوقات الصلاة ووجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجب. وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول: (قومي فأوتري يا عائشة). وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله امرأ قام من الليل فصلى فأيقظ أهله فإن لم تقم رش وجهها بالماء. رحم الله امرأة قامت من الليل تصلى وأيقظت زوجها فإذا لم يقم رشت على وجهه من الماء). ومنه قوله صلي الله عليه وسلم: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ ) . وهذا وإن ورد على أزواج المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فالعبرة بعموم اللفظ ونبه بأمرهن بالاستيقاظ على أنه لا ينبغي لهن التكاسل والاعتماد على كونهن أزواجه {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} ويدخل هذا في عموم قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى" [المائدة: 2]. وذكر القشيري أن عمر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية: يا رسول الله، نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟. فقال: (تنهونهم عما نهاكم الله وتأمرونهم بما أمر الله). وقال مقاتل: ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه. قال الكيا: فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب. وهو قوله تعالى: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" [طه: 132]. ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: "وأنذر عشيرتك الأقربين". [الشعراء: 214]. وفي الحديث: (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع).‏وقال عليه السلام: (ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن) حتى الخدم: في سير أعلام النبلاء للذهبي "أَنَّ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ قَالَ: لاَ تُطْفِئُوا سُرُجَكُم لَيَالِيَ العَشْرِ - تُعْجِبُهُ العِبَادَةُ - وَيَقُوْل: أَيْقِظُوا خَدَمَكُم يَتَسَحَّرُوْنَ لِصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ."هذا في النوافل فما البال في الفرائض. وزوج البنت :كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيء إلى باب علي رضي الله عنه صلاة الغداة ثمانية أشهر، فيقول: الصلاة، رحمكم الله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيرا كلما اقترب المتسابقون من خط نهاية السباق جدوا واجتهدوا فالعبرة بالخواتيم البدار البدار إلى اغتنام العمل فيما بقي من الشهر، فعسى أن يستدرك به ما فات من ضياع العمر. ومما يؤسف عليه أن ترى بعض الناس يقبل على الأعمال الصالحة في أول الشهر من الصلاة والقراءة ثم ما يلبث سريعا أن يفتر والعبرة بالخواتيم وأفراد السباق ما إن يقتربون من خط النهاية إلا وينشطون أشد من ذي قبل ، عن أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ وَفَاتِهِ، حَتَّى تُوُفِّيَ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"  فعلى الإنسان أن يواصل الجد والاجتهاد ويزيد في الطاعة إذا أخذ شهره في النقص، فالأعمال بخواتيمها وفي ذلك فيتنافس المتنافسون. ومما يؤسف له أيضا أن نسبة لا بأس بها من المسلمين يسهرون ليلهم في اللهو واللعب ، وبعض النوادي لا يحلو لها إقامة الدورات الرياضية إلا في رمضان وفي العشر الأواخر منه وفي الليل حتى ساعات متأخرة من الليل، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله r يقول: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.."( ). [رواه البخاري، ومسلم]. إيماناً واحتساباً :أي يحمله على ذلك الإيمان بالله وإرادة وجهه وطلب الأجر منه عز وجل لا الرياء وغيره.‏ والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدد، وإنما قيل فيمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه لأنه له حينئذ أن يعتد عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به قاله في النهاية. في هذا الشهر تجتمع عدة طاعات لا تجتمع في غيره من صيام وقيام واعتكاف وصدقة وتلاوة. قال ابن عطاء الله: لوّن الله تعالى لنا الطاعات من صلاة وصوم وحج وغيرها لئلا تسأم نفوسنا تكرماً وتفضلاً لأن النفس لو كلفت بحالة واحدة في زمن واحد ملت ونفرت وبعدت من الانقياد للطاعة فرحمها الله سبحانه وتعالى بالتنويع وحجر علينا الصلاة في أوقات ليكون همنا إقامة الصلاة لا وجود الصلاة فما كل مصل مقيم. وقد يعبر عن الصلاة بالقيام؛ يقال: فلان يقوم الليل أي يصلي؛ ومنه هذا الحديث الصحيح. وهو دليل على مشروعية قيام رمضان. وأنه من أسباب مغفرة الذنوب. ومن صلى التراويح كما ينبغي فقد قام رمضان. والمغفرة مشروطة بكون القيام : "إيماناً واحتساباً" ومعنى "إيماناً" أي: أنه حال قيامه مؤمناً بالله تعالى وبرسوله r، مصدقاً بوعد الله، وبفضل القيام، وعظيم أجره عند الله تعالى. ومحتسباً الثواب عند الله تعالى لا بقصد آخر من رياء ونحوه. فعلى المسلم أن يحرص على صلاة التراويح مع الإمام ولا يفرط في شيء منها. ولا ينصرف قبل إمامه. لقول النبي (ص): "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"( ). فما هي إلا ليالٍ معدودة يغتنمها العاقل قبل فواتها. يقول السائب بن يزيد: (أمر عمر بن الخطاب أبّي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين، حتى نعتمد على العصيي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر)( ). وكان الأوزاعي - رحمه الله - يقول: من أطال القيام في صلاة الليل هوّن الله عليه طول القيام يوم القيامة، أخذ ذلك من قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً * إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} [الإنسان: 26- 27] وإذا سلّم المصلي من الوتر قال: (سبحان الملك القدوس) ثلاثاً، يمد بها صوته ويرفع في الثالثة.  لثبوت ذلك عن النبي (ص). ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة، وخرجن محتشمات غير متبرجات بثياب زينة ولا طيب. وصلين بخشوع وخضوع. منـزهات بيوت الله تعالى عن اللغو ورديّ الكلام، من غيبة أو نميمة أو نحوهما، لعلّهن أن يسلمن من الإثم. ويحظين بثواب الله تعالى. وفى خروجهن لصلاة العشاء والتراويح بغير طيب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُوراً، فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ". وأخرج ابن عبد البر عن أبي سلمة، وأبي هريرة مرفوعاً: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر. صور قيام الليل كثيرة لعب الورق وقيام الليل ليس من صور قيام الليل: لعب الورق ولا مشاهدة المسلسلات ، ولا متابعة الأفلام ، وإنما كل ذلك من تلبيس إبليس الإنس ، أو إبليس الجن من غير المردة إذ المردة مقيدون كما ثبت في الصحيح، "أتاكُمْ شَهْرُ رَمَضانَ شَهْرٌ مُبارَكٌ فَرَضَ الله عَلَيْكُمْ صِيامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أبْوابُ الجَنَّةِ وتُغْلَقُ فِيهِ أبوابُ الجَحِيمِ وتُغَلُّ فِيه مَرَدَةُ الشَّياطينِ وَفيهِ لَيْلَةٌ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَها فَقَدْ حُرِمَ "صحيح الجامع حديث رقم: 55 عن أبي هريرة.رضي الله عنه فبذلك يشغلون الناس ويلهونهم عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة. وإنما صور قيام الليل التي بها تحيا القلوب منها: 1-استقبال الليل وتوديعه بتوبة صادقة مع الله تعالى "للحديث " عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الله عز وَجل يبسط يَده بِاللَّيْلِ ليتوب مسيء النَّهَار، ويبسط يَده بِالنَّهَارِ ليتوب مسيء اللَّيْل، حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا " الجمع بين الصحيحين (1/ 320) 2-وصلاة العشاء والفجر في جماعة ، للحديث الصحيح فى ذلك. عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ" نصب الراية (2/ 24) 3-وصلاة التراويح ، لما أخرجه ابن عبد البر عن أبي سلمة، وأبي هريرة مرفوعاً: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر. 4-التهجد ولا يكون إلا بعد نوم ،قال تعالى:" وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً"الإسراء/79 5-والاستغفار في ثلث الليل الأخير لآيتي آل عمران والذاريات ، يقول تعالى :" لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ"آل عمران/15 وقال تعالى:" إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ *كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"الذارايات/15-18 6-والدعاء لآية السجدة، يقول تعالى :" تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون"السجدة/13  وللحديث الصحيح  عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الآخر، يَقُول من يدعوني فأستجيب لَهُ، من يسألني فَأعْطِيه من يستغفرني فَأغْفِر لَهُ ". وَعند  مسلم "إِن الله يُمْهل حَتَّى إِذا ذهب ثلث اللَّيْل الأول نزل إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول: هَل من مستغفرٍ، هَل من تائب، هَل من سائلٍ، هَل من داعٍ، حَتَّى ينفجر الْفجْر ".الجمع بين الصحيحين (3/ 78) 7-والتفكر في خلق السموات والأرض لآية آل عمران ،قال تعالى "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ "}‏آل عمران/190-194 كان النبي صلوات الله وسلامه يقرأ هذه الآيات من الليل وهو يقلب النظر في السماوت والأرض ويقول ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتفكر فيها. 8- والتلاوة لكتاب الله تعالى، للحديث الصحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ - رضي الله عنهما – أَنَّ رسول الله (ص) قَالَ: الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِصَاحِبِهِمَا يَوْمَ القِيَامَةِ. يَقُوْلُ الصِّيَامُ: يَا رَبِّ، إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ، وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيْهِ. وَيَقُوْلُ القُرْآنُ: يَا رَبِّ، إِنِّي مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيْهِ، فَيُشَفَّعَانِ فِيْهِ وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: "من قرأ حرفاً من كتاب الله. فله به حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها لا أقول: (آلم) حرف، ولكن (ألف) حرف (ولام) حرف، و(ميم) حرف"( ). فينبغي للصائم أن يكثر من تلاوة القرآن في هذه الأيام المباركة والليالي الشريفة، فإن لكثرة القراءة في رمضان مزية خاصة ليست لغيره من الشهور، ليغتنم شرف الزمان في هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن، فشهر رمضان شهر القرآن ، وقراءة القرآن في ليالي رمضان لها مزية، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع الهمم ويتواطأ القلب واللسان على التدبر، والله المستعان. وقد ثبت أن جبريل كان يلقى النبي (ص) كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن( ). صحيح البخاري كتاب بدء الوحي كِتَاب بَدْءِ الْخَلْقِ. باب ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ.كِتَاب الْمَنَاقِبِ باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما سبق تعظيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن فيه، ثم معارضته ما نزل منه فيه، ويلزم من ذلك كثر، نزول جبريل فيه.وفي كثرة نزوله من توارد الخيرات والبركات ما لا يحصى، ويستفاد منه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة.وفيه أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير. وفيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره، وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم لأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية وقد أفادنا هذا الحديث استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك وعرض القرآن على من هو أحفظ له ( ). نماذج من أحوال السلف في قيام الليل وإحيائه بالقرآن الكريم. وقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان وكانوا إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحداً. وكانوا يقرأون القرآن في الصلاة وخارجها. كان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة. وكان بعض السلف يختمه في قيام رمضان في كل ثلاث ليال. وبعضهم في كل سبع وبعضهم في كل عشر. كان الأسود بن يزيد النخعي يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان. وكان قتادة يختم القرآن في كل سبع دائماً، وفي رمضان كلّ ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة. وأخبارهم في ذلك مشهورة. وقد ورد في فضيلة الختم عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال: إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلّت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه آخر الليل صلّت عليه الملائكة حتى يُمسي. قال الدارمي: هذا حسن رواه أبو داود ، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه وله شواهد في التذكار، للقرطبي، ومسند الفردوس للديلمي ، والحلية لأبي نعيم قال الحافظ بن رجب رحمه الله: (إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقلّ من ثلاث على المداومة على ذلك. فأما الأوقات المفضلة كشهر رمضان، وخصوصاً الليالي التي تطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره)( ). ومن قعدت به الشواغل وأعباء الحياة عن الإكثار من التلاوة فلا أقل من أن يختم مرتين خلال الشهر الكريم للحديث الصحيح قال صلوات ربي وسلامه عليه "إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ". والمعارضة مفاعلة من الجانبين كأن كلا منهما كان تارة يقرأ والآخر يستمع. ولولا التصريح بأنه كان يعرضه مرة واحدة وفي السنة الأخيرة عرضه مرتين لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلة ثم يعيده في بقية الليالي. فيقرأ كل ليلة جزءا من القرآن في جزء من الليلة، والسبب في ذلك ما كان يشتغل به في كل ليلة من سوى ذلك من تهجد بالصلاة ومن راحة بدن ومن تعاهد أهل، ولعله كان يعيد ذلك الجزء مرارا بحسب تعدد الحروف المأذون في قراءتها ولتستوعب بركة القرآن جميع الشهر اللهم أيقظنا لتدارك بقايا الأعمار، ووفقنا للتزوّد من الخير والاستكثار، واجعلنا ممن قبلت صيامه، وأسعدته بطاعتك فاستعدّ لما أمامه، وغفرت زلله وإجرامه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد . . الاعتكاف في العشر الأواخر وفي العشر الأواخر يشرع الاعتكاف لما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله r يعتكف العشر الأواخر من رمضان"( )، [رواه البخاري ومسلم]. من ألوان الاجتهاد في العشر الأواخر الاعتكاف في المساجد لهذا الحديث فله فائدة عظيمة، فهو عزلة مؤقتة عن أمور الحياة وشواغل الدنيا وانعكاف على الذات . وإقبال بالكلية على الله تعالى.وقد كانت هذه سنته صلى الله عليه وآله وسلم حتى توفاه الله عزّ وجل. وما فعله الرسول r على وجه الطاعة والقربة فهو مندوب لنا ليس واجبا بالإجماع – إلا إذا نذره المسلم - إنما هو قربة من القرب ونافلة من النوافل، عمل بها رسول الله r وأصحابه وأزواجه رضي الله عنهم، ويتأكد في رمضان. ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جماعة لقول الله تعالى: }وأنتم عاكفون في المساجد{ ( ).قال القرطبي في تفسيره:(أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد) فإن تيسر أن يكون في مسجد تقام فيه الجمعة فهو أحوط لأن من أهل العلم من يشترط ذلك. والاعتكاف: لزوم مسجد على وجه القربة من شخص مخصوص بصفة مخصوصة، ويدخل معتكفه قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين – وعلى قول جمهور أهل العلم – لحديث أبي سعيد – رضي الله عنه – عن النبي r، وفيه: " . . . من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر . . ."( ) ويؤيد ذلك أن من مقاصد الاعتكاف التماس ليلة القدر، وهي ترجي في أوتار العشر، وأولها ليلة إحدى وعشرين المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفاً في مسجده لقوله تعالى "}ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد "البقرة/187ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بُدّ له منها، فلا يحل له أن يثبت فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك، من قضاء الغائط أو الأكل، وليس له أن يقبِّل امرأته، ولا أن يضمها إليه، ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه، ولا يعود المريض لكن يسأل عنه وهو مارّ في طريقه وهكذا فلا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإنسان الضرورية كالاغتسال إن أصابته جنابة بالاحتلام، وكالبول والغائط إذا لم يوجد في المسجد حمام يقضي حاجته فيه ويغتسل. وله أن يخرج ليأتي بطعامه إذا لم يكن هناك من يأتيه به. قالت عائشة رضي الله عنها: (السنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجته التي لابد منها)( ). أما خروجه لطاعة لا تجب عليه كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك فلا يفعله، إلا إن اشترط ذلك في ابتداء اعتكافه – على أحد القولين – والله أعلم. وإن مرض أثناء اعتكافه فإن كان يسيراً بحيث لا تشق معه الإقامة في المسجد كصداع ووجع ضرس وعين ونحوهما من الأمراض التي لا تلزم الفراش فهذا لا يجوز له الخروج؛ لإمكانه تعاطي بعض الأدوية وهو في مكانه فإن خرج بطل اعتكافه. وإن كان المرض شديداً بحيث تشق معه الإقامة في المسجد لحاجته إلى الفراش والخادم، ومعاودة مراجعة الطبيب، فهذا يباح له الخروج لحاجته إليه. فإذا شفي رجع وبنى على اعتكافه،ولم يؤسس من جديد والله أعلم. وعلى المعتكف أن يدرك حكمة الاعتكاف فيقضي وقته مصليا تاليا ذاكرا،مذاكرا ، مهللا ، مستغفرا ، تائبا ولا بأس أن يتحدث قليلاً بحديث مباح مع أهله أو غيرهم لمصلحة، لحديث صفية رضي الله عنها: قالت: (كان النبي r معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي . . . الحديث"( وفي الصحيحين أن صفية بنت حيي كانت تزور النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو معتكف في المسجد، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت لترجع إلى منزلها، وكان ذلك ليلاً، فقام النبي صلى اللّه عليه وسلم يمشي معها حتى تبلغ دارها، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة، فلما كان ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم أسرعا (وفي رواية) تواريا - أي حياءً من النبي صلى اللّه عليه وسلم لكون أهله معه - فقال لهما صلى اللّه عليه وسلم : "على رسلكما إنها صفية بنت حيي" (أي لا تسرعا واعلما أنها صفية بنت حيي أي زوجتي) فقالا: سبحان اللّه يا رسول اللّه! فقال صلى اللّه عليه وسلم : "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال شراً"  ) (رواه البخاري ومسلم) قال الشافعي رحمه اللّه: أراد عليه السلام أن يعلِّم أمته التبري من التهمة في محلها، لئلا يقعا في محذور، وهما كانا أتقى للّه من أن يظنا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم شيئاً.والله أعلم. في أواخر آيات الصيام من سورة البقرة جاء الحديث عن الاعتكاف  "..وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ.."البقرة/187 ففي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام، في آيات الصيام هنا كما رأينا إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام ولا سيما في آخر شهر الصيام، كما ثبت في السنّة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الحديث معنا أنه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه اللّه عزّ وجلّ، ثم اعتكف أزواجه من بعده. المقصود من الاعتكاف والحكمة من مشروعيته وأما المقصود منه فهو جمع القلب على الله تعالى بالخلوة مع خلوّ المعدة والإقبال عليه تعالى والتنعم بذكره والإعراض عما عداه. قال ابنُ القيم رحمه الله مبيناً المقصود من الاعتكاف :(وشرع لهم الاعتكافُ الذي مقصودهُ وروحهُ عكوفُ القلبِ على الله _تعالى_ وجَمْعِيَّتُهُ عليه، والخلوةُ به عن الاشتغال بالخلق، والاشتغَالُ به وحده سبحانه؛ بحيث يصير ذكرُه، وحبُّه، والإقبالُ عليه في محلِّ هموم القلب، وخطراتهِ؛ فيستولي عليه بدلَها، ويصير الهمُّ كلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكرُ في تحصيل مراضيه، وما يُقرِّب منه؛ فيصير أُنْسُهُ بالله بدلاً عن أنسه بالخلق؛ فَيُعِدُّهُ بذلك لأُنسه به يومَ الوحشةِ في القبور حين لا أنيسَ لَه، ولا ما يَفْرَحُ به سواه؛ فهذا مقصودُ الاعتكافِ الأعظم) آداب الاعتكاف: وهذه جملةٌ من الآداب يحسن بالمعتكفين مراعاتُها، والأخذُ بها؛ ليكون اعتكافُهم كاملاً مقبولاً بإذن الله. أولاً: استحضارُ النيَّةِ الصالحةِ، واحتسابُ الأجر على الله_عز وجل_. ثانياً: استشعارُ الحكمةِ من الاعتكاف، وهي الانقطاع للعبادة، وجَمْعِيَّةُ القلب على الله _عز وجل_. ثالثاً: ألا يخرج المعتكفُ إلاَّ لحاجته التي لا بد منها. رابعاً: المحافظةُ على أعمال اليوم والليلة من سنن وأذكار مطلقة ومقيَّدة، كالسنن الرواتب، وسنَّة الضحى، وصلاة القيام، وسنَّة الوضوء، وأذكار طرفي النهار، وأذكار أدبار الصلوات، وإجابة المؤذن، ونحو ذلك من الأمور التي يحسن بالمعتكف ألا يفوته شيء منها. خامساً: الحرصُ على الاستِيقاظ من النوم قبل الصلاة بوقتٍ كاف، سواء كانت فريضة، أو قياماً؛ لأجل أن يتهيأ المعتكف للصلاة، ويأتِيَها بسكينة ووقار، وخشوع. سادساً: الإكثار من النوافل عموماً، والانتقالُ من نوع إلى نوع آخر من العبادة؛ لأجل ألا يدبَّ الفتور والملل إلى المعتكف؛ فَيُمْضِيَ وقته بالصلاة تارة، وبقراءة القرآن تارة، وبالتسبيح تارة، وبالتهليل تارة، وبالتحميد تارة، وبالتكبير تارة، وبالدعاء تارة، وبالاستغفار تارة، وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تارة ،وبـ: لا حول ولا قوة إلا بالله تارة، وبالتدبُّر تارة، وبالتفكُّر تارة، وهكذا.... سابعاً: اصطحاب بعض كتب أهل العلم، وخصوصاً التفسير؛ حتى يستعانَ به على تدبُّر القرآن. ثامناً: الإقلال من الطعام، والكلام، والمنام؛ فذلك أدعى لرقَّة القلب، وخشوع النفس، وحفظ الوقت، والبعد عن الإثم. تاسعاً: الحرص على الطهارة طيلة وقت الاعتكاف. عاشراً: يحسن بالمعتكفين أن يتواصوا بالحق، وبالصبر، وبالنصيحة، والتذكير، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، والإيقاظ من النوم، وأن يَقْبَل بعضُهم من بعض. وبالجملة فليحرص المعتكف على تطبيق السنَّة، والحرص على كل قربة، والبعد عن كل ما يفسد اعتكافه، أو ينقص ثوابه. ملحوظات سلبية حول الاعتكاف: أولاً: كثرةُ الزياراتِ وإطالتُها من قبل بعض الناس لبعض المعتكفين، وينتجُ عن ذلك كثرةُ حديثٍ، وإضاعةُ أوقات. ثانياً: كثرةُ الاتِّصالات والمراسلات عبرَ الجوال بلا حاجة. ثالثاً: المبالغةُ في إحضار الأطعمة؛ وذلك يفضي إلى ثِقَلِ العبادة، وإيذاءِ المصلين برائحة الطعام؛ فالأولى للمعتكف أن يقتصد في ذلك. رابعاً: كثرةُ النومِ، والتثاقلُ عند الإيقاظ، والإساءةُ لمن يوقِظُ من قبل بعض المعتكفين، بدلاً من شكره، والدعاء له. خامساً: إضاعةُ الفرصِ؛ فبعضُ المعتكفين لا يبالي بما يفوته من الخير، فتراه لا يتحرى أوقات إجابة الدعَاء، ولا يحرص على اغتنام الأوقات، بل ربما فاته  بسبب النوم أو التكاسل بعضُ الركعاتِ أو الصلوات. سادساً: أن بعض الناس يشجع أولاده الصغار على الاعتكاف، وهذا أمرٌ حسن، ولكنْ قد يكون الأولادُ غيرَ متأدبين بأدب الاعتكاف، فيحصل منهم أذية، وإزعاج، وجلبةٌ وكثرةُ مزاح وكلام، وخروج من المسجد، ونحو ذلك. فإذا كان الأمر كذلك فبيوتهم أولى لهم. هذا وبالله التوفيق.   هوامش: ( )مسند الإمام أحمد أخرجه البخاري (4/269)، في صحيحه كِتَاب صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ.  باب الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. ومسلم (1174).في صحيحه ‏ كتاب الاعتكاف. باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان. ‏سنن ابن ماجه كتاب الصيام. باب في فضل العشر الأواخر من شهر رمضان. النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل ( ) أخرجه البخاري (4/259)، مسلم (1169). ( ) أخرجه البخاري (4/225)، ومسلم (957). ( ) سورة الدخان، الآية: 3، 4. ( ) سورة القدر. ( ) تفسير ابن كثير (8/465). ( ) سبق تخريجه أول الكتاب. ( ) رواه الترمذي (3513) وابن ماجة (3580)، وأحمد (6/171، 182، 183، 208) والنسائي في عمل اليوم والليلة. ص499، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ( ) تفسير ابن كثير (8/472). صحيح البخاري كِتَاب الدَّعَوَاتِ. باب مَا يَقُولُ إِذَا نَامَ. ( ) أخرجه البخاري (4/217)، ومسلم (1159). ( ) مجموع الفتاوى (22/308). ( ) انظر: لطائف المعارف ص219، فتح الباري (4/269). ( ) تقدم تخريجه. ( ) رواه مالك في الموطأ (1/116)، وانظر له ولما قبله (الصيام) للفريابي ص129، وما بعدها. صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ.  باب الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ في هذا الحديث الصحيح استحباب الإسراع إلى الصلاة عند خشية الشر كما قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة) وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وأمر من رأى في منامه ما يكره أن يصلي مسند الإمام أحمد صحيح البخاري كِتَاب فَضَائِلِ الْقُرْآنِ. باب كَيْفَ نَزَلَ الْوَحْيُ وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُهَيْمِنُ الْأَمِينُ الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ.صحيح مسلم كتاب التفسير. ( )مسند الإمام أحمد البخاري (4/250)،في صحيحه كِتَاب الْإِيمَانِ بَاب تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ الْإِيمَانِ. كِتَاب صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ باب فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ.ومسلم (759). في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها. باب التَّرغيب في قيام رمضان وهو التَّراويح. موطأ الإمام مالك أبواب الصلاة باب قيام شهر  رمضان وما فيه من الفضل سنن الترمذي كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب التّرْغِيبِ في قِيَامِ رَمَضانَ وما جَاءَ فِيهِ مِنْ الفَضْل. سنن أبي داود، كتاب الصلاة. باب في تمام قيام شهر رمضان سنن النسائي كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب ثواب من قام رمضان إيماناً واحتساباً. ( ) رواه أبو داود (4/248)في سننه كتاب الصلاة. باب في تمام قيام شهر رمضان. ، والترمذي (3/520)في سننه كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب ما جَاءَ في قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَان ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.، والنسائي (3/203)في سننه كتاب السهو. باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف ، وابن ماجة (1/420)في سننه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها. باب ما جاء في قيام شهر رمضان. ( ) رواه مالك في الموطأ (1/115) وسنده صحيح، والسائب بن يزيد صحابي صغير، وفروع جمع فرع وهو أعلى الشيء، يعني بذلك أنهم لا يقضون صلاتهم لطول القيام إلا قرب الفجر، انظر: جامع الأصول (6/123)، والمنتقى للباجي (1/209). البداية والنهاية ( ) أخرجه أبو داود (4/308)في  سننه باب في الدعاء بعد الوتر. والنسائي (3/224) فى سننه كتاب قيام الليل وتطوع النهار. باب التسبــيح بعد الفراغ وابن ماجة (1171)، وأحمد (5/123)، وغيرهم وهو حديث صحيح. صحيح مسلم كتاب الصلاة. باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة. ( ) أخرجه الترمذي (2912) وقال حديث حسن صحيح وقد جاء هذا الحديث من عدة طرق بعضها موقوف وبعضها مرفوع. انظر: الصحيحة للألباني رقم (660). ( ) رواه البخاري (1/30)، ومسلم (3308). ( ) اللطائف ص199. ( ) لطائف المعارف (201، 202). صحيح البخاري كِتَاب فَضَائِلِ الْقُرْآنِ. باب كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كِتَاب الْمَنَاقِبِ باب عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ. ( ) البخاري (4/271)، ومسلم (1171). ( ) سورة البقرة، الآية: 178. ( ) أخرجه البخاري (4/259 فتح) ومسلم (1167). ( ) رواه أبو داود (7/144)، بإسناد جيد على شرط مسلم، انظر الإرواء (4/139). ( ) أخرجه البخاري (4/278)، ومسلم (2175).

7615

| 13 أغسطس 2012

أربع وعشرون حكمة وبركة في تناول وتأخير وجبة السحور

عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً". ( ) [رواه البخاري ومسلم]. البخاري في كِتَاب الصَّوْمِ باب بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ ومسلم في كتاب الصيام. باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر. تَسَحَّرَ: أَكل السَّحورَ. وقد تسحر الرَّجل ذلك الطَّعام أَي: أَكله، فالتسحر – هو الأكل قبل الصبح – وهو سنة مؤكدة بل هذا الحديث يدل على كراهة تركه ،وقد تكرر ذكر السَّحور في الحديث الشريف في غير موضع. والسَّحُور: طعامُ السَّحَرِ السَّحور- بالفتح -  اسمٌ لِمَا يُتَسَحَّرُ به وقت السَّحَرِ - وهو آخر الليل - من طعام أَو شراب (لبن أَو سويق أو حتى ماء أو غيره من السوائل) وُضِع اسماً لما يؤكل ذلك الوقت؛ السُّحور : بالضَّم المصدر والفعل نفسه أي  أكل السَّحور ، وأَكثر ما روي بالفتح؛ وقيل: الصَّواب بالضَّم لأَنَّه بالفتح الطعام والبركة، والأَجر والثواب في الفعل لا في الطَّعام؛ هذا معنى الكلمة في لسان العرب وممن أورد هذا المعنى ابن الأثير ، والأزهري. وفي القاموس: السحر هو قبيل الصبح، وفي الكشاف هو: السدس الأخير من الليل. قال عياض: وكان في صدر الإسلام ممنوعاً اهـ. حديث أنس دليل على أن الصائم مأمور بالسُّحور ؛ لأن فيه خيراً كثيراً وبركة عظيمة دينية ودنيوية، وذكره (ص) للبركة من باب الحض على السُّحور ، والترغيب فيه، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص)  "من أراد أن يصوم فليتسحر بشيء"( ). ‏مسند الإمام أحمد وهذا الأمر في الحديث أمر استحباب لا أمر إيجاب بالإجماع، بدليل أن النبي r واصل وواصل أصحابه معه. والوصال أن يصوم يومين فأكثر فلا يفطر، بل يصوم الليل مع النهار. وأجمعوا على أن تناول السَّحور مندوب لا واجب- ولعل الصارف له عن الوجوب إلى الندب ما ثبت من مواصلته - صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم - ومواصلة أصحابه معه - رضي الله عنهم- . أو عدم مواظبة الرسول - صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم- . أو الإجماع فقد نقل ابن المنذر الإجماع على أن التسحر مندوب. وقد ترجم البخاري باب بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَاصَلُوا ،  وأُخذ من الوصال أن السُّحور ليس بواجب، وحيث نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال لم يكن على سبيل تحريم الوصال وإنما هو نهي إرشاد لتعليله إياه بالإشفاق عليهم، وليس في ذلك إيجاب للسُّحور ، ولما ثبت أن النهي عن الوصال للكراهة فضد نهي الكراهة الاستحباب فثبت استحباب السُّحور ، وقد جاءت الرخصة به رحمة من الله تعالى للمسلمين فقد كان الأمر في ابتداء الإسلام إذا حل الليل فإنما يحل به للمسلم الأكل والشرب والجماع بين العشائين فقط فإذا نام قبل ذلك أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة، فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة وللطبراني من حديث سلمان رفعه " البركة في ثلاثة: الجماعة و السُّحور والثريد"‏ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص) "السَّحور أكله بركة فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء. فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين()". ويحصل السُّحور بأقل ما يتناوله الإنسان من مأكول أو مشروب، فلا يختص بطعام معين، عنْ أَبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "نِعْمَ سُحُورُ المُؤْمِنِ التّمْرُ".‏( ) سنن أبي داود كتاب الصيام باب من سمى السَّحور الغداء، إنما مدحه في هذا الوقت لأن في نفس السحور بركة، فيكون المبدوء به والمنتهى إليه بركة. فى سنن أبي داود : عن أبي ذَرّ قال: "صُمْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئاً مِنَ الشّهْرِ حَتّى بَقِيَ سَبْعٌ، فَقَامَ بِنَا حَتّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللّيْلِ، فَلمّا كَانَتِ السّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلمّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حتّى ذَهَبَ شَطْرُ اللّيْلِ فَقُلْتُ: يَا  رَسُول الله لَوْ نَفّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللّيْلَةَ. قالَ فَقَالَ: إِنّ الرّجُلَ إِذَا صَلّى مَعَ اْلإِمَامِ حَتى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ اللّيْلَةَ. قالَ: فَلمّا كانَتِ الرّابِعةُ لَمْ يَقُمْ، فَلمّا كانَتِ الثّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنّاسَ فَقَامَ بِنَا حتَى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاَحُ. قالَ قُلْتُ: وَمَا الْفَلاَحُ؟ قالَ: السُّحُور. ثُمّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيّةَ الشّهْرِ". ‏ الفلاح درك البغية أو الفوز والنجاة. وسمي السُّحور : الفلاح، ويقال: إنه سمي بذلك لقولهم عنده: حي على الفلاح، وفي الأذان: (حي على الفلاح) أي: على الظفر الذي جعله الله لنا بالصلاة، ومن آداب الصيام التي نصّ عليها أهل العلم ألا يسرف الصائم في وجبة السحور، فيملأ بطنه بالطعام، بل يأكل بمقدار، إذ القصد من الصوم كسر شهوتي البطن والفرج فينبغي تخفيف الأكل في السُّحور فما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن. فإن زاد في قدره حتى فاتت حكمة الصوم لم يكن مندوباً بل فاعله ملام.ومتى شبع وقت السحر شبعا زائدا عن الحاجة لم ينتفع من وقته إلى قريب الظهر؛ لأن كثرة الأكل تورث الكسل والفتور. وفي قوله r: "نعم سَّحور المؤمن التمر" إشارة إلى هذا المعنى، فإن التمر بالإضافة إلى قيمته الغذائية العالية فهو خفيف على المعدة سهل الهضم. والشّبع إذا قارنه سهر بالليل ونوم بالنهار فقد فات به المقصود من الصيام، والله المستعان. في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَسَحَّرَا. فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى. فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: كَقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً"( ) [رواه البخاري ومسلم].. وفى قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام ....وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}، إباحة الأكل والشرب والجماع ، في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل، وعبّر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود ورفع اللبس بقوله: {من الفجر} وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر، دليل على استحباب تأخير السُّحور، لأنه من باب الرخصة والأخذ بها محبوب ولهذا وردت السنّة الثابتة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالحث على السُّحور. وحديث أنس الأخير دليل على أنه يستحب تأخير السَّحور إلى قبيل الفجر. ففي الصحيح عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ – رضي الله عنه -  كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة ملاحظة مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الصبح في أول الوقت.وذلك من بركة تأخير السحور، وقد فقه البخاري رحمه الله هذين الأمرين فأخرج الحديث بترجمتين. قال عياض: مراد سهل بن سعد أن غاية إسراعه أن سحوره لقربه من طلوع الفجر كان بحيث لا يكاد أن يدرك صلاة الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولشدة تغليس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبح. والمراد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسابقون ويزاحمون بالسحور الفجر خوف طلوعه فيختصرون فيه ويستعجلون خوف فوات الصلاة بمقدار ذهابهم إلى المسجد وذلك‏ لقُرْب سُحُورهم من طُلوع الفجر يُدْرِكون الصلاةَ بِإسْراعِهم. هذا وتعجيل السحور من منتصف الليل جائز لكنه خلاف السنة، فإن السحور سمى بذلك؛ لأنه يقع في وقت السحر، وهو آخر الليل كما تقدم. والإنسان إذا تسحر نصف الليل ثم آوى إلى فراشه قد تفوته صلاة الفجر لغلبة النوم ثم إن تأخير السحور أرفق بالصائم وأدعى إلى النشاط؛ لأن من مقاصد تأخير السحور تقوية البدن على الصيام، وحفظ نشاطه.وعدم الزيادة فى وقت الصوم  فكان من الحكمة تأخيره. فصلوات  الله وسلامه – على من كان ينظر إلى ما هو الأرفق بأمته فيفعله لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم ولا سيما من كان صفراويا فقد يغشى عليه فيفضي إلى الإفطار في رمضان ، ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يفضي إلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر. وفيه أيضا تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام ولو ترك لشق على بعضهم. فينبغي للصائم أن يتقيد بهذا الأدب النبوي، ولا يتعجّل بالسحور. فأحاديث تعجيل الإِفطار وتأخير السحور صحاح متواترة وفي السَّحر  والسُّحور بركة عظيمة تشمل منافع الدنيا والآخرة 1- من بركة السَّحر التأهب للصبح بفعل ما أراد المسلم من تهجد قليل أو إيتار إن لم يكن قد أوتر أو تناول السُّحور إن أراد الصوم أو الاغتسال أو الوضوء أو غير ذلك مما يحتاج إليه قبل الفجر. 2- من بركة السُّحور الإباحة بعد الحظر عنه من أول الليل فكأنها إباحة زائدة على الإفطار آخر النهار وهذا مبناه على أحد معانى البركة وهو الزيادة. 3- من بركة السُّحور أنه مدرجة لنيل محبة الله تعالى لأنه رخصة واللّه تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتي عزائمه- صحيح الجامع حديث رقم: 1885 - قالت عائشة -رضي الله عنها -: وما عزائمُه؟ قال صلوات الله وسلامه عليه : "فرائضُهُ". أو كَمَا يكرَهُ أَن تُؤتَى معصيتهُ " صحيح الجامع حديث رقم: 1886- هذا والترغيب في السُّحور ترغيب في قبول الرخصة. 4- من بركة الاستيقاظ وقت السَّحر كونه زيادة في العمر لكون النوم موتاً واليقظة حياة ففي مدة الحياة معنيان اكتساب الطاعة للمعاد والمرافق للمعاش وهو مما خُصَّت به هذه الأمة . 5- من بركة تناول طعام السُّحور التقوِّي على العبادة، والاستعانة على طاعة الله تعالى أثناء النهار من صلاة وقراءة وذكر وسعي على الرزق احتسابا. فإن الجائع جوعا زائدا يكسل عن العبادة كما يكسل عن عمله اليومي، والوظيفي وهذا محسوس مشاهد .في الحديث عن ابن عباس – رضي الله عنهما - "استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبقيلولة النهار على قيام الليل"رواه ابن ماجه والحاكم وله شاهد في علل ابن أبي حاتم عنه وتشهد له رواية لابن داسه في سنن أبي داود. القيلولة: هي النوم في الظهيرة وقال الأزهري: القيلولة والمقيل عند العرب الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معه نوم بدليل قوله سبحانه وتعالى {وأحسن مقيلاً} والجنة لا نوم فيها ، وعمل السلف والخلف على أن القيلولة مطلوبة لإعانتها على قيام الليل وإنما تطلب القيلولة لمن يقوم الليل ويسهر في الخير فإن فيها معونة على التهجد كما أن في السُّحور معونة على صيام النهار فالقيلولة من غير قيام الليل كالسُّحور من غير صيام النهار والنفس إذا أخذت حظها من نوم النهار استقبلت السهر بنشاط وقوة انبساط فأفاد ندب التسحر والنوم وسط النهار بقصد التقوى على الطاعة. وعن إسحاق ابن أبي فروة أنه قال: القائلة من عمل أهل الخير، وهي مجمة للفؤاد، مقواة على قيام الليل، وعند البزار في مسنده من حديث قتادة: سمعت أنسا يقول: ثلاث من أطاقهن أطاق الصوم من أكل قبل أن يشرب وتسحر وقال، معنى قال نام بالنهار. ولمحمد بن نصر في قيام الليل له من حديث مجاهد قال: بلغ عمر أن عاملا له لا يقيل فكتب إليه: أما بعد فقل، فإن الشيطان لا يقيل. المقاصد الحسنة (ص: 111). 6- ومن بركة تناول طعام السُّحور مدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، فالمتسحر طيب النفس حسن المعاملة صبور ،حليم 7- ومن بركة السُّحور اتباع السنة، وما من شك في أن البركة في اتباع السنة والمتسحر إذا نوى بسُّحوره امتثال أمر النبي r والاقتداء بفعله، كان سحوره عبادة، يحصل له به أجر بهذه النية، وإذا نوى الصائم بأكله وشربه تقوية بدنه على الصيام والقيام كان مثاباً على ذلك أيضاً. وفي الصحيح "وإنما لكل امرئ مانوي" 8- ومن بركة الاستيقاظ وقت السَّحر أن المسلم يقوم من آخر الليل في ذلك الوقت الشريف وقت تنزل الرحمة للذكر والدعاء والصلاة وذلك مظنة الإجابة ووقت صلاة الله والملائكة على المتسحرين، لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - " السَّحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين" أخرجه أحمد. 9- ومن بركة السُّحور أنه فيه مخالفة لأهل الكتاب وتميز عنهم ، والمسلم مطلوب منه البعد عن التشبه بهم. في الحديث الصحيح.عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ".( ) صحيح مسلم كتاب الصيام. باب فضل السَّحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر. والمعنى أن السُّحور هو الفارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب لأن الله تعالى أباحته لنا إلى الصبح بعد ما كان حراماً علينا أيضاً في بدء الإسلام، وحرمه عليهم بعد أن يناموا أو مطلقاً، ومخالفتنا إياهم تقع موقع الشكر لتلك النعمة..، كذا في المرقاة. والقصد بهذا الحديث الحث على السُّحور والإعلام بأن هذا من الدين وذلك لأن اللّه أباح لنا إلى الفجر ما حرم عليهم من نحو أكل وشرب وجماع بعد النوم ، ولذلك كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكرهون ترك العمل يوم الجمعة لئلا يصنعوا فيه كما فعل اليهود والنصارى في السبت والأحد. 10- ومن بركة السَّحر أن المسلم ربما توضأ وصلى  وقد قال تعالى "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً" الإسراء/79 11- ومن بركة السَّحر أن المسلم إذا توضأ وأدام الاستيقاظ ذاكرا داعيا متأهبا حتى يطلع الفجر، كان مصليا ففي الصحيح "انتظار الصلاة صلاة" وناهيك بفضل انتظار الصلاة أجرا وثوابا ففي الصحيح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا أدلكم على مَا يمحو الله بِهِ الْخَطَايَا وَيرْفَع بِهِ الدَّرَجَات؟ " قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله: قَالَ: " إسباغ الْوضُوء على المكاره، وَكَثْرَة الخطا إِلَى الْمَسَاجِد، وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة، فذلكم الرِّبَاط، فذلكم الرِّبَاط " مرَّتَيْنِ. الجمع بين الصحيحين (3/ 307). 12- ومن بركة تأخير السُّحور أنه مدرجة لإدراك صلاة الفجر مع الجماعة في وقتها الأول " وأحب الأعمال إلى الله تعالى الصلاة على وقتها" كما في الصحيح . ولذا تجد أن المصلين في صلاة الفجر في رمضان أكثر منهم في غيره من الشهور؛ لأنهم قاموا من أجل السُّحور. وقد ترجم البخاري في صحيحه لحديث تناول زيد بن ثابت - رضي الله عنه – السَّحور مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قيامه - رضي الله عنه - لصلاة الصبح معه صلوات الله وسلامه عليه فقال كتاب التهجد. باب مَنْ تَسَحَّرَ فَلَمْ يَنَمْ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ وعن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ – رضي الله عنه -  كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . كتاب مواقيت الصلاة باب وَقْتِ الْفَجْرِ. 13- ومن بركة تناول السَّحور أنه  يبارك للصائم في القليل منه بحيث تحصل له به الإعانة على الصوم ويدل له حديث سعيد بن منصور مرسلا" تسحروا ولو بلقمة".وعند ابن عساكر من حديث عبد الله بن سراقة بلفظ "تسحروا ولو بالماء"وعند أبي يعلى من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ "تسحروا ولو بجرعة ماء" 14- ومن بركة السُّحور انتفاء التبعة فيه بدليل حديث الديلمي " ثلاثة لا يحاسب العبد عليها أكل السَّحور وما أفطر عليه وما أكل مع الإخوان" وعن ابن عباس – رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة ليس عليهم حساب فيما طعموا إن شاء الله تعالى إذا كان حلالاً: الصائم والمتسحر والمرابط في سبيل الله" أخرجه البزار والطبراني في الكبير. 15-  ومن بركة السُّحور أداء العبادات في نهار الصوم بنشاط وحيوية وفي الحديث الصحيح "ليصل أحدكم نشاطه" وقد قال تعالى "خذوا ماآتيناكم بقوة". 16- ومن بركة السُّحور ما ينال المسلم من الثواب والأجر من الله تعالى في امتثاله لهدي النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بتناوله لهذه الأكلة بقدر ما يتيسر له كمًا وزمانًا ونيةً ، ورغبته في مخالفة أهل الكتاب كما هو حداؤه في صلواته ، "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين "آمين". 17- ومن بركة السُّحور من آخر الليل ، وأداء صلاة الفجر في أول وقتها طيب النفس وأريحيتها للحديث الصحيح "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلاَثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ، بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ: عَلَيْكَ لَيْلاً طَوِيلاً، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ الله انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عنْهُ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ، فَأَصْبَحَ نَشِيطاً طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ ". 18- ومن بركة السُّحور تدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام أو أول الشهر  للحديث الصحيح "إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى"وعن حَفْصَةَ زَوْجِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ".  الإجماع إحكام النية والعزيمة أجمعت الرأي وأزمعته وعزمت عليه بمعنى . والمعنى من لم يصمم العزم على الصوم (قبل الفجر: الصبح الصادق فلا صيام له عندَ أهلِ العِلْمِ: لا صِيَامَ لِمَن لم يُجْمِعْ الصّيَامَ قبلَ طُلُوعِ الفَجْرِ في رَمَضَانَ أَو في قَضَاءِ رَمَضَانَ أو في صيَامِ نَذْرٍ إذا لَمْ يَنْوِهِ مِنَ اللّيْلِ لَمْ يُجْزِهِ.وَأَمّا صِيَامُ التّطَوّعِ فَمُبَاحٌ لَهُ أَن يَنْوِيَهُ بَعْدَ مَا أَصْبَحَ.  "منْ لَمْ يُبَيّت الصِّيامَ قَبْلَ الفجر فلا صيام لهُ" رواهُ الخمْسةُ. 19- ومن بركة السَّحور أنه بتناوله تخف مشقة أداء عبادة الصوم وغيرها من أنماط العبادة بالنهار فيؤديها المسلم بإقبال وهمة لا بضجر وتسخط  وملل. وتيسير الصوم عليه من غير إضرار به ، وما أكثر صور اليسر في مشروعية الصوم وقد تعرضنا لكثير من هذه الصور في بحثنا "من حكم الصوم وأسراره "يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا"و السُّحور قد سنه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لأمته وهو كما وصفه الله تعالى "عزيز عليه ما عنتم ، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم". وهذا من كمال شفقته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على أمته ونصحهم. 20- ومن بركة السُّحور أنه بسببه تحصل الرغبة في الازدياد من الصيام لخفة المشقة فيه على المتسحر فيرغب في الصيام، ولا يتضايق منه. 21- ومن بركة السُّحور التسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل أو يعود مريضا أو يشيع ميتا .وفي الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِماً؟". قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا. قَالَ: "فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟". قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا. قَالَ: "فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِيناً؟". قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا. قَالَ: "فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضاً؟". قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ". بلا محاسبة ولا مجازاة على قبيح الأعمال، وإلا فمجرد الإيمان يقتضي دخول الجنة بفضل الله تعالى. فينبغي للصائم أن يحرص على السُّحور ، ولا يتركه لغلبة النوم أو غيره، وعليه أن يكون سهلاً ليناً عند إيقاظه من النوم.طيب النفس. مسروراً بامتثال أمر رسول الله (ص) حريصاً على الخير، لأن نبينا r أكّد السُّحور، فأمر به وبين أنه شعار صيام المسلمين والفارق بين صيامهم وصيام أهل الكتاب، ونهى عن تركه. 22- وعلى كل حال فالسحور كله بركة بمعنيي البركة :بقاء ودوام القدرة على الصوم أو  الزيادة في القدرة على الصوم أو زيادة في الأجر. وزيادة في إباحة الأكل وزيادة في الرخص المباحة التي يحب اللّه أن تُؤتى وزيادة في الحياة وزيادة في الرفق وزيادة في اكتساب الطاعة فكأنه جعل السحور وقتاً لزيادة النعمة ودفعاً للنقمة فتدبر. 23- والسَّحور غداء الصائم في صحيح ابن حبان من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو الغداء المبارك"، يعني السَّحور عن الْعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ قال: "دَعَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلَى السّحُورِ في رَمَضَانَ فقالَ هَلُمّ إلَى الْغَدَاءِ المُبَارَكِ". أي الكثير الخير لما يحصل بسببه من قوة وزيادة قدرة على الصوم والغداء مأكول الصباح، وأطلق عليه غداء لأنه يقوم مقامه. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : دعاني عمر أتغدّى معه في رمضان، يعني السُّحور.قال الخطابي: إنما سماه غداء لأن الصائم يتقوى به على صيام النهار فكأن قد تغدى والعرب تقول غدا فلان لحاجته إذا بكر فيها، وذلك من لدن وقت السحر إلى وقت طلوع الشمس. 24- هذا ومن الحكمة في تأخير السحور، عدم التفات النفس إلى الأكل والشرب حين الشروع في الصوم حتى لا يخرج ذلك بالمسلم عن كمال الصوم،  فإن شرط العبودية أن يتوجه المكلف بقلبه وقالبه إلى فعل ما كُلف به فإن التفت إلى تمني فعل ما منعه الله منه في الصوم فكأنه دخله بلا قلب والمدار على القلب،  فلو أن الشارع أمرنا بعدم تأخير السحور لربما اشتاقت النفس إلى الأكل عند الفجر،  فلما أمرنا بتأخيره إلى قبيل الفجر قل التفات النفس إلى الأكل والشرب فدخلت للصوم بكليتها،  ومعلوم أن العمل القليل مع الأدب خير من الكثير بلا أدب. وإذا كان العبد عنده التفات إلى الأكل والشرب أول شروعه في الصوم فكيف سيكون حاله أواخر النهار،  فلا تكاد النفس تنشرح لفعل ما كلفت به أبدا وعبادة المكره لا يقبلها الله تعالى: ومن هنا كره الشارع قيام العبد للصلاة ونفسه تتوق إلى الطعام. عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ"  عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَام"  وفي رواية بنفس التخريج " إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ " ومن هنا كره أيضا العلماء الوضوء بالماء الشديد السخونة أو البرودة لنفرة النفس منه ونفرة العبد من العبادة تبعده عن حضرة ربه. ومراد الشارع بالطهارة تقريبه منها فلا يجتمع التقريب والتبعيد في عمل واحد،  فإنه إن حضر هذا غاب هذا. ومن المعلوم أن الله تعالى أمرنا بالإحسان إلى أنفسنا،  ومن الإحسان إليها تعجيل فطرها وتأخير سحورها، هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل.   هوامش: ( )البخاري (4/139)، في صحيحه كِتَاب الصَّوْمِ باب بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ ومسلم (1095).. ‏في صحيحه كتاب الصيام. باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر. ( ) رواه أحمد (3/367)، وابن أبي شيبة (3/8). وغيرهما وهو من رواية شريك بن عبدالله النخعي. وهو سيء الحفظ. لكنّ له شاهداً مرسلاً عند سعيد بن منصور في سننه بلفظ (تسحروا ولو بلقمة) كما ذكر ذلك الحافظ في الفتح (4/140) وانظر المسند. تحقيق الأرنؤوط ومن معه (23/208). ( ) رواه ابن أبي شيبة (3/8)، وأحمد (10/15، 16 الفتح الرباني) والحديث في إسناده ضعف، لكن له طرق يشد بعضها بعضاً، وله شواهد، انظر: المسند. تحقيق الأرنؤوط ومن معه (17/150) وقوله: (أكله بركة) بفتح الهمزة والإضافة إلى الضمير، فهو مصدر، أي: الأكل بركة، أو على وزن (فعلة) كما في رواية، بمعنى: أكلة مباركة. انظر بلوغ الأماني (10/16). ( ) رواه أبو داود (6/470)، وابن حبان (223)، والبيهقي (4/237) وسنده صحيح. سنن أبي داود كتاب الصلاة. باب في تمام قيام شهر رمضان .سنن النسائي كتاب السهو. باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف. ( ) مسند الإمام أحمد أخرجه البخاري (2/54، 4/138)، في صحيحه كتاب مواقيت الصلاة. باب وَقْتِ الْفَجْرِ. كتاب التهجد. باب مَنْ تَسَحَّرَ فَلَمْ يَنَمْ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ. كِتَاب الصَّوْمِ.  باب قَدْرِ كَمْ بَيْنَ السَّحُورِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ. ومسلم (1097). في ‏صحيحه كتاب الصيام. باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر. سنن الترمذي كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب ما جَاءَ في تَأْخِيرِ السّحُور.سنن النسائي كتاب الصيام. باب قدر ما بــين السحور وبــين صلاة الصبح. صحيح البخاري كتاب مواقيت الصلاة. باب وَقْتِ الْفَجْرِ. كِتَاب الصَّوْمِ باب تَأْخِيرِ السَّحُورِ ( ) رواه مسلم (1096). صحيح البخاري كتاب مواقيت الصلاة. باب وَقْتِ الْفَجْرِ. مسند الإمام أحمد صحيح البخاري كتاب التهجد. باب عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى قَافِيَةِ الرَّأْسِ إِذَا لَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ. كِتَاب بَدْءِ الْخَلْقِ.  باب صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ.صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الحثّ عَلَى صلاة الوقت وإن قلَّت سنن أبي داوود كتاب الطهارة باب قيام الليل.. حيث تشترط النية لكل يوم على انفراده قال ابن قدامة: تعتبر النية في رمضان لكل يوم في قول الجمهور، وهذا مشهور من مذهب أحمد وله قول أنه يجزئه نية واحدة لجميع الشهر من أوله ؛ وهو كقول مالك وإسحاق. ، وقوّى هذا القول ابن عقيل بأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "لكل امريء ما نوى" وهذا قد نوى جميع الشهر، ولأن رمضان بمنزلة العبادة الواحدة لأن الفطر في ليالية عبادة أيضاً يستعان بها على صوم نهاره سنن أبي داود كتاب الصيام. باب النية في الصوم. صحيح مسلم كتاب الزكاة باب من جمع الصدقة وأعمال البر. وكتاب فضائل الصحابة -رضي الله عنهم-. باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي اللهُ عنه. سنن أبي داود كتاب الصيام. باب من سمى السحور الغداء. صحيح البخاري كِتَاب الْأَذَانِ. باب إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ. صحيح البخاري كِتَاب الْأَذَانِ.  باب إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ.  

34225

| 12 أغسطس 2012

alsharq
سابقة قضائية قطرية في الذكاء الاصطناعي

بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...

2598

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

2226

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1551

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1548

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
أهلاً بالجميع في دَوْحةِ الجميع

ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...

1185

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1149

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1143

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

903

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

786

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

621

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
المجتمع بين التراحم والتعاقد

يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...

618

| 30 نوفمبر 2025

543

| 01 ديسمبر 2025

أخبار محلية