رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سر اختيار الفاتحة للصلاة بها دون غيرها

ورد لفظ " أم الكتاب" في كتاب الله تعالى ثلاث مرات:قال تعالى:" حم *وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ *وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ" وأم الكتاب الواردة في آية الزخرف هذه المقصود بها " اللوح المحفوظ، وهي أيضا المقصود فى آية الرعد "يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" والموضع الثالث في آية آل عمران الآية السابعة والمقصود بأم الكتاب في آية آل عمران الآيات المحكمات — على النحو المفصل في تعريف وبيان المراد بالمحكم والمتشابه من آيات الكتاب الخالد قال تعالى:" هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ وفي الصحيح " عن عُبَادَة بْن الصَّامِتِ — رضي الله عنه —: أَنَّ رَسُولُ اللّهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — قَالَ: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ".‏صحيح مسلم كتاب الصلاة. باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإِنه إِذا لم يحسن الفاتحة ولا أَمكنه تعلمها قرأَ ما تيسر له من غيرها. إذا أمهات القرآن ثلاث، منها ما هو متلو يوميا (الفاتحة)، ومنها دون ذلك (الآيات المحكمات)، ومنها غير المتلو (اللوح المحفظ) وحديثنا عن الأم المتلوة يوميا (الفاتحة) قال تعالى "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)" يردد المسلم هذه السورة القصيرة ذات الآيات السبع، سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة على الحد الأدنى وأكثر من ضعف ذلك إذا هو صلى السنن وإلى غير حد إذا هو رغب في أن يقف بين يدي ربه متنفلاً، غير الفرائض والسنن. ولا تقوم صلاة بغير هذه السورة لما ورد في الصحيحين عن رسول الله — صلى الله عليه وسلم — من حديث عبادة بن الصامت: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». تبدأ السورة: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».. ومع الخلاف حول البسملة: أهي آية من كل سورة أم هي آية من القرآن تفتتح بها عند القراءة كل سورة، فإن الأرجح أنها آية من سورة الفاتحة، وبها تحتسب آياتها سبعاً. وهناك قول بأن المقصود بقوله تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ».. وهو سورة الفاتحة بوصفها سبع آيات «مِنَ الْمَثانِي» لأنها يثنى بها وتكرر في الصلاة. والبدء باسم الله هو الأدب الذي أوحى الله لنبيه — صلى الله عليه وسلم — في أول ما نزل من القرآن باتفاق، وهو قوله تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ... ».. وهو الذي يتفق مع قاعدة التصور الإسلامي الكبرى من أن الله «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ».. فهو — سبحانه — الموجود الحق الذي يستمد منه كلُّ موجود وجودَه، ويبدأ منه كل مبدوء بدأه. فباسمه إذن يكون كل ابتداء. وباسمه إذن تكون كل حركة وكل اتجاه. إن في هذه السورة على قصرها من كليات العقيدة الإسلامية، وكليات التصور الإسلامي، وكليات المشاعر والتوجهات المنبثقة من ذلك التصور، ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة، — دون باقي سور القرآن الكريم — وحكمة بطلان كل صلاة لا تذكر فيها.. اعلم أن هذه السورة الكريمة قد اشتملت — وهي سبع آيات — على حمد الله تعالى، وتمجيده، والثناء عليه: بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا، وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين، وعلى إرشاد عبيده إلى سؤاله والتضرّع إليه والتبرؤ من حولهم وقوتهم، وإلى إخلاص العبادة له، وتوحيده بالألوهية، تبارك وتعالى، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم — وهو الدين القويم — وتثبيتهم عليه حتى يفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين. واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة، والتحذير من مسالك الباطل لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة، وهم المغضوب عليهم والضالون. وَالْفَاتِحَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مُجْمَلِ مَا فِي الْقُرْآنِ، وَكُلُّ مَا فِيهِ تَفْصِيلٌ لِلْأُصُولِ الَّتِي وُضِعَتْ فِيهَا. وَبَيَانُ ذلك هُوَ أَنَّ مَا نَزَلَ الْقُرْآنُ لِأَجْلِهِ أُمُورٌ: (أَحَدُهَا): التَّوْحِيدُ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا كُلُّهُمْ وَثَنِيِّينَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَدَّعِي التَّوْحِيدَ. (ثَانِيهَا): وَعْدُ مَنْ أَخَذَ بِهِ وَتَبْشِيرُهُ بِحُسْنِ الْمَثُوبَةِ، وَوَعِيدُ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ وَإِنْذَارُهُ بِسُوءِ الْعُقُوبَةِ. وَالْوَعْدُ يَشْمَلُ مَا لِلْأُمَّةِ وَمَا لِلْأَفْرَادِ فَيَعُمُّ نِعَمَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَسَعَادَتَهُمَا، وَالْوَعِيدُ كَذَلِكَ يَشْمَلُ نِقَمَهُمَا وَشَقَاءَهُمَا، فَقَدْ وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِخْلَافِ فِي الْأَرْضِ، وَالْعِزَّةِ وَالسُّلْطَانِ وَالسِّيَادَةِ، وَأَوْعَدَ الْمُخَالِفِينَ بِالْخِزْيِ وَالشَّقَاءِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا وَعَدَ بِالنَّعِيمِ. وَأَوْعَدَ بِنَارِ الْجَحِيمِ فِي الْآخِرَةِ. (ثَالِثُهَا): الْعِبَادَةُ الَّتِي تُحْيِي التَّوْحِيدَ فِي الْقُلُوبِ وَتُثْبِتُهُ فِي النُّفُوسِ. (رَابِعُهَا): بَيَانُ سَبِيلِ السَّعَادَةِ وَكَيْفِيَّةِ السَّيْرِ فِيهِ الْمُوصِّلِ إِلَى نِعَمِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. (خَامِسُهَا): قَصَصُ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى وَأَخَذَ بِأَحْكَامِ دِينِهِ، وَأَخْبَارُ الَّذِينَ تَعَدَّوْا حُدُودَهُ وَنَبَذُوا أَحْكَامَ دِينِهِ ظِهْرِيًّا لِأَجْلِ الِاعْتِبَارِ، وَاخْتِيَارُ طَرِيقِ الْمُحْسِنِينَ وَمَعْرِفَةُ سُنَنِ اللهِ فِي الْبَشَرِ. هَذِهِ هِيَ الْأُمُورُ الَّتِي احْتَوَى عَلَيْهَا الْقُرْآنُ، وَفِيهَا حَيَاةُ النَّاسِ وَسَعَادَتُهُمُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالْأُخْرَوِيَّةُ، وَالْفَاتِحَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهَا إِجْمَالًا بِغَيْرِ مَا شَكٍّ وَلَا رَيْبٍ، فَأَمَّا التَّوْحِيدُ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) لِأَنَّهُ نَاطِقٌ بِأَنَّ كُلَّ حَمْدٍ وَثَنَاءٍ يَصْدُرُ عَنْ نِعْمَةٍ مَا فَهُوَ لَهُ تَعَالَى، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ سُبْحَانَهُ مَصْدَرَ كُلِّ نِعْمَةٍ فِي الْكَوْنِ — وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ — تَسْتَوْجِبُ الْحَمْدَ. وَمِنْهَا نِعْمَةُ الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالتَّنْمِيَةِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِاسْتِلْزَامِ الْعِبَارَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى، فَصَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ: (رَبِّ الْعَالَمِينَ). وَلَفْظُ (رَبِّ) لَيْسَ مَعْنَاهُ الْمَالِكَ وَالسَّيِّدَ فَقَطْ، بَلْ فِيهِ مَعْنَى التَّرْبِيَةِ وَالْإِنْمَاءِ، وَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ يَرَاهَا الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ وَفِي الْآفَاقِ مِنْهُ — عَزَّ وَجَلَّ — سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ — فَلَيْسَ فِي الْكَوْنِ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِيجَادِ وَلَا بِالْإِشْقَاءِ وَالْإِسْعَادِ سِوَاهُ. التَّوْحِيدُ أَهَمُّ مَا جَاءَ لِأَجْلِهِ الدِّينُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكْتَفِ فِي الْفَاتِحَةِ بِمُجَرَّدِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بَلِ اسْتَكْمَلَهُ بِقَوْلِهِ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فَاجْتَثَّ بِذَلِكَ جُذُورَ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ فَاشِيَّةً فِي جَمِيعِ الْأُمَمِ، وَهِيَ اتِّخَاذُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ تُعْتَقَدُ لَهُمُ السُّلْطَةُ الْغَيْبِيَّةُ، وَيُدْعَوْنَ لِذَلِكَ مِنْ دُونِ اللهِ، وَيُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ فِي الدُّنْيَا، وَيُتَقَرَّبُ بِهِمْ إِلَى اللهِ زُلْفَى. — وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ — وَجَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ آيَاتِ التَّوْحِيدِ وَمُقَارَعَةِ الْمُشْرِكِينَ هُوَ تَفْصِيلٌ لِهَذَا الْإِجْمَالِ. هذا، وللحديث صلة بحول الله وقوته.

30556

| 01 يناير 2013

أضواء على أعظم سورة في القرآن الكريم

المقصود من نزول هذه السّورة تعليم العباد التيمُّن والتبّرك باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء الأُمور، والتّلقين بشكر نعم المنعم؛ والتوكُّل عليه فى باب الرّزق المقسوم، وتقوية رجاء العبد برحمة الله تعالى، والتّنبيه على ترقُّب العبد الحسابَ والجزاءَ يوم القيامة، وإِخلاص العبوديّة عن الشرك، وطلب التوفيق والعصمة من الله، والاستعانة والاستمداد فى أَداء العبادات، وطلب الثبات والاستقامة على طريق خواصّ عباد الله، والرَّغبة فى سلوك مسالكهم، وطلب الأَمان من الغَضب والضلال فى جميع الأَحوال، والأَفعال، وختم الجميع بكلمة آمين، فإِنها استجابة للدعاء، واستنزال للرَّحمة، وهى خاتَم الرَّحمة الَّتى خَتَم بها فاتحة كتابه. وأَمَّا النَّاسخ والمنسوخ فليس فيها شيء منهما. من أوجه الإعجاز فى السورة المباركة ربّ لفظ قليل يدل على معنى كثير، وربّ لفظ كثير يدل على معنى قليل، ومثال هذا كالجوهرة الواحدة بالنسبة إلى الدراهم الكثيرة؛ فمن ينظر إلى طول الألفاظ يؤثر الدراهم بكثرتها، ومن ينظر إلى شرف المعاني يؤثر الجوهرة الواحدة لنفاستها، ولهذا سمّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الفاتحة أم الكتاب، فإذا نظرنا الى مجموعها وجدناه يسيراً، وليست من الكثرة إلى غاية تكون بها أم البقرة وآل عمران وغيرها من السور الطوال؛ فعلمنا حينئذ أن ذلك الأمر يرجع إلى معانيها. وفي الفاتحة من الصفات ما ليس لغيرها، حتى قيل: إن جميع القرآن فيها. وهي خمس وعشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن؛ ومن شرفها أن الله سبحانه قسمها بينه وبين عبده ولا تصح الصلاة إلا بها، وَالْفَاتِحَةُ لَهَا ثَلَاثُونَ اسْماً، أَشْهَرُهَا الْفَاتِحَةُ: فاتحة الكتاب، من غير خلاف بين العلماء، وسميت بذلك لأنها تفتتح قراءة القرآن بها لفظاً، وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطاً، وتفتتح بها الصلوات. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ —: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ". صحيح مسلم كتاب الصلاة. باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإِنه إِذا لم يحسن الفاتحة، ولا أَمكنه تعلمها، قرأَ ما تيسر له من غيرها. الثاني: الصلاة؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — يَقُولُ: "قَالَ الله تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قَالَ الله تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}. قَالَ الله تَعَالَى: أَثْنَىَ عَلَيّ عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي — وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي). فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولاَ الضَّالِّينَ}، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ". (صحيح مسلم ـ كتاب الصلاة). باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإِنه إِذا لم يحسن الفاتحة ولا أَمكنه تعلمها قرأَ ما تيسر له من غيرها الثالث: أعظم سورة في القرآن عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال: 24] ثُمَّ قَالَ لِي: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ". (صحيح البخاري كِتَاب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ. باب مَا جَاءَ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ). كِتَاب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ. باب قَوْلِهِ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. كِتَاب فَضَائِلِ الْقُرْآنِ. باب فَضْلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ. الرابع:أم القرآن عَنْ عُبَادَة بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ —: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْتَرِئْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ". (صحيح مسلم كتاب الصلاة. باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإِنه إِذا لم يحسن الفاتحة ولا أَمكنه تعلمها قرأَ ما تيسر له من غيرها).. روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني)، قال: هذا حديث حسن صحيح. وفي البخاري قال: وسميت أم الكتاب لأنه يبتدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة. الخامس: السبع المثاني قال تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ"4 سميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة، وقيل: سميت بذلك لأنها استثنيت لهذه الأمة فلم تنزل على أحد قبلها ذخراً لها. السادس: القرآن العظيم لقوله تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، سميت بذلك لتضمنها جميع علوم القرآن، وذلك أنها تشتمل على الثناء على الله عز وجل بأوصاف كماله وجلاله، وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص فيها والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلا بإعانته تعالى، وعلى الابتهال إليه في الهداية إلى الصراط المستقيم وكفاية أحوال الناكثين، وعلى بيانه عاقبة الجاحدين. السابع: الرقية عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: نَزَلْنَا مَنْزِلاً، فَأَتَتْنَا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ، لُدِغَ، فَهَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مِنَّا، مَا كُنَّا نَظُنُّهُ يُحْسِنُ رُقْيَةً، فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَبَرَأَ، فَأَعْطَوْهُ غَنَماً، وَسَقَوْنَا لَبَناً، فَقُلْنَا: أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً؟، فَقَالَ: مَا رَقَيْتُهُ إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَقُلْتُ: لاَ تُحَرِّكُوهَا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ —. فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "مَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ". (صحيح مسلم كتاب السَّلام. باب جواز أخذ الأجرة على الرُّقية بالقرآن، والأذكار). الثامن: الأساس شكا رجل إلى الشعبي وجع الخاصرة، فقال: عليك بأساس القرآن فاتحة الكتاب، سمعت ابن عباس يقول: لكل شيء أساس. التاسع: الوافية قاله سفيان بن عيينة، لأنها لا تتنصف ولا تحتمل الاختزال، ولو قرأ مسلم أي سورة من سائر السور؛ نصفها في ركعة ونصفها الآخر في ركعة لأجزأ، ولو نصفت الفاتحة في ركعتين لم يجز. العاشر: الكافية قال يحيى بن أبي كثير: لأنها تكفي عن سواها، ولا يكفي سواها عنها. يدل عليه ما روى محمد بن خلاد الإسكندراني، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها منها عوضا).‏ هذا وللحديث بقية، بحول الله وقوته وتوفيقه.

1167

| 25 ديسمبر 2012

الدروس المهمة من أحداث الأمة (7)

الفلول – وسائر أركان النظام - شركاء الطغاة في سائر جرائمهميُنسب إلى الشافعي (رحمه الله تعالى)إِذا ما ظالِمُ استَحسَنَ الظُلمَ مَذهَباً .. وَلَجَّ عُتُوّاً في قَبيحِ اِكتِسابِهِفَكِلهُ إِلى صَرفِ اللَيالي فَإِنَّها .. سَتُبدي لَهُ ما لَم يَكُن في حِسابِهِفَكَم قَد رَأَينا ظالِماً مُتَمَرِّداً .. يَرى النَجمَ تيهاً تَحتَ ظِلِّ رِكابِهِفَعَمَّا قَليلٍ وَهُوَ في غَفَلاتِهِ .. أَناخَت صُروفُ الحادِثاتِ بِبابِهِفلا فضة تحميه عند انفضاضه .. ولا ذهب يثنيه عند ذهابهفَأَصبَحَ لا مالٌ وَلا جاهُ يُرتَجى .. وَلا حَسَناتٌ تَلتَقي في كِتابِهِوَجوزِيَ بِالأَمرِ الَّذي كانَ فاعِلاً .. وَصَبَّ عَلَيهِ اللَهُ سَوطَ عَذابِهِمن واجب هذه الشعوب أن تدفع الضيم عن كاهلهاوإلى الشاعر محمود سامي البارودي إِذا المرءُ لم يدفَعْ يدَ الجور إِن سطَتْ .. عليه فلا يأسفْ إِذا ضاعَ مجدُهُوأقتلُ داءٍ رؤيةُ المرءِ ظالماً .. يسيءُ ويتلى في المحافلِ حمدُهُعلامَ يعيشُ المرءُ في الدهرِ خاملاً .. أيفرحُ في الدنيا بيومٍ يعُّدهُ يرى الضيمَ يغشاه فيلتذُّ وقعُهُ .. كذي جَرَبٍ يلتذ بالحك جلدُهُوإلى عنترة العبسيموتُ الفتى في عزةٍ خيرٌ له .. من أن يبيتَ أسيرَ طَرْفِ أكحلِلا تسقني ماءَ الحياةِ بذلةٍ .. بل فاسقني بالعزِّ كأسَ الحنظلِماءُ الحياة بذلةٍ كجهنمٍ .. وجهنمٌ بالعزِّ أطيبُ منزلِوفي الحديث (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ) ويقولون: "أعن أخاك ولو بالصوت"، أي إن لم تقدر على معونته بيدك فاستصرخ له حتى يغاثوقيل: حافظ على الصديق ولو على الحريقوقيل: أفضل الكرم أن يكون الرجل عند النائبة أكرم وفاء وأمحض صفاء ولتكن معاونتك أخاك بمهجتك عند البلاء، أكثر منها عند الرخاءوالسؤال الآن: هل يعفى أفراد النظام، وسائر موظفي حكومته،وكافة المسؤولين الذين كان على رأسهم، هل يعفيهم من المسؤولية عن الفساد والإفساد،والظلم والبغي والدمار والتخريب والقتل والسفك، الذي عاني منه الشعب خلال عهده كون ولي الأمر هو الذي أمرهم بذلكوالجواب: كلا لا يعفيهم ذلك، وإنما المسؤولية مشتركة والكل راع ومسؤول،هو مسؤول وهم مسؤولون، لنصوص كثيرة، وشواهد وفيرة ذاخرة من الكتاب والسنة والقواعد الشرعية والتاريخ منها1-قال تعالى: وتعاونوا على البر والتقوي، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" ووجه الدلالة أن تعاونهم معه لم يكن على البر والتقوي وإنما كان على الإثم والعدوان وهو منهي عنه شرعا2-قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" ووجه الدلالة أنهم بمطاوعتهم له على الخيانة قد خانوا ورسوله والمؤمنين وخانوا أنفسهم3-يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" أمر الله تعالى في هذه الآية الكريمة بطاعته جل وعز أولا، وهي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ثم بطاعة رسوله صلوات الله وسلامه عليه ثانيا، فيما أمر به ونهى عنه، ثم بطاعة الأمراء ثالثا، وعند الأمر بالطاعة أتي بلفظه" أطيعوا" مرتين،وعند أولى الأمر لم يُعد " أطيعوا" قال العلماء : في ذلك إشارة إلى أن طاعتهم ليست مستقلة عن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلوات الله وسلامه عليه، فدورهم الأساس تنفيذ أوامر الله وأوامر رسوله المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم،ولهم حق الطاعة إذا أطاعوا الله تعالى وأطاعوا رسوله فإذا عصوا الله أو رسوله، أو أمروا بمعصيتهما  فلا طاعة لهما،وهاك البيان الأكثر وضوحا في هذا المعنى4-روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما - قال: نزل "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"  في عبدالله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية. قال أبو عمر: وكان في عبدالله بن حذافة دعابة معروفة؛ ومن دعابته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية فأمرهم أن يجمعوا حطبا ويوقدوا نارا؛ فلما أوقدوها أمرهم بالتقحم فيها، فقال لهم: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعتي ؟ ! وقال: (من أطاع أميري فقد أطاعني ). فقالوا: ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار ! فصوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهم وقال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال الله تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم "النساء: 295-وفي الصحيح "مَنْ رَأَى مُنْكَرا فَلْيُغَيّرْهُ بِيَدِهِ فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ"6-وفي الصحيح عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ".7-وفى الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلَّا لَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّه8-وجاء تحت عنوان اختيار السلطان لأهل عمله لابن عبد ربه فى عقده الفريد، لابن هبيرة يوصي مسلم بن سعيد حين وجهه إلى خراسان: لما وجّه عمر بن هبيرة مسلم بن سعيد إلى خراسان قال له: أوصيك بثلاثة:حاجبك، فإنه وجهك الذي به تلقى الناس: إن أحسن فأنت المحسن، وإن أساء فأنت المسيء؛ وصاحب شرطتك، فإنه سوطك وسيفك: حيث وضعتهما فأنت وضعتهما؛ وعمّال القدر "2" قال: وما عمال القدر؟ قال: أن تختار من كل كورة  رجالا لعملك، فإن أصابوا فهو الذي أردت، وإن أخطئوا فهم المخطئون وأنت المصيب، ولكلّ حصته من العدل، ومنزلته من الحكمأنوشروان: ما عدل من جارت قضاته، ولا صلح من فسدت كفاءتهوثمة جملة من القواعد الشرعية منها9-أن الإعانة على المحظور محظورة، والإعانة على المعصية معصية،وكل ما أدي إلى حرام فهو حرام10-قيل لشريح رحمه الله: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت ونصف النّاس عليّ غضبان، وقال رجل لشريح: قضيت عليّ بالجور  وليد خلنّك الله النار قال: إذا يدخلها سبعة قبلي من ولّاني ومن علّمني هذا الحكم ومن جاء بك مدعيا والشاهدان والمزكيان.11-روت كتب التاريخ والتراجم والسير إبان خلافة معاوية – رضي الله عنه - "أَنَّ زِيَادًا بَعَثَ الْحَكَمَ بْنَ عَمْرٍو الغفاري  عَلَى خُرَاسَانَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا أَمْوَالا عَظِيمَةٍ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِيَادٌ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أَصْطَفِيَ لَهُ الصَّفْرَاءَ وَالْبَيْضَاءَ فَلا تَقْسِمْ بَيْنَ النَّاسِ ذَهَبًا وَلا فِضَّةً. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَلامٌ عَلَيْكَ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَذْكُرُ كِتَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. وَإِنِّي وَجَدْتُ كِتَابَ اللَّهِ قَبْلَ كِتَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. وتلا قوله تعالى :" وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ" وَإِنَّهُ والله لو كانت السماوات وَالأَرْضُ رَتْقًا عَلَى عَبْدٍ فَاتَّقَى اللَّهَ لَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجًا. وَالسَّلامُ عَلَيْكَ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: اغْدُوا عَلَى فَيْئِكُمْ فَاقْسِمُوهُ12-كتب عدي بن أرطأة إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإن قبلنا قوم لا يؤدون الخراج إلا أن يمسهم العذاب. فاكتب إلي رأيك فيهم. فكتب إليه: أما بعد، فالعجب لك كل العجب. تكتب إلي تستأذنني في عذاب البشر، كأن إذني لك جنة من عذاب [الله] . وكأن رضاي ينجيك من سخط الله. فمن أعطاك ما عليه عفواً فخذه منه، ومن أبي فاستحلفه وكله إلى الله تعالى. لأن يلقوا الله بجرائمم أحب إلي من أن نلقاه بعذابهم. والسلام13-جاء رجل من مصر إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مقام العائذ. فقال: لقد عذت عياذاً. فما شأنك؟. قال: سابقت ولد عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يقنعني بسوطه ويقول: أنا ابن الأكرمين. وبلغ عمراً فحسبني خشية أن آتيك، فانفلت. فكتب عمر إلى عمرو: إذا أتاك كتابي هذا فاشهد الموسم أنت وابنك. وقال للمصري: أقم حتى يقدم عمرو ويشهد الحج. فلما كان وقت قدومه رمى إليه بالدرة فضرب ولد عمرو وعمر يقول: اضرب ابن الأمير حتى قال: يا أمير المؤمنين، قد استغنيت. ثم قال: ضعها على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين، ضربت الذي ضربني. فقال: ايم الله، لو فعلت ما منعك أحد حتى تكون أنت الذي تنزع. ثم قال: يا عمرو، متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟14-كان الإسكندر يقول: "يا عباد الله إنما إلهكم الله الذي في السماء، الذي نصر نوحاً بعد حين، الذي يسقيكم الغيث عند الحاجة، وإليه مفزعكم عند الكرب. والله لا يبلغني أن الله أحب شيئاً إلا أحببته واستعملته إلى يوم أجلي، ولا أبغض شيئاً إلا أبغضته وهجرته إلى يوم أجلي. وقد أنبئت أن الله يحب العدل في عباده ويبغض الجور من بعضهم على بعض. فويل للظالم من سيفي وسوطي. ومن ظهر منه العدل من عمالي فليتكئ في مجلسي كيف شاء، وليتمن علي ما شاء فلن تخطئه أمنيته. والله المجازي كلاً بعمله15-سليمان بن عبد الملك يسارع فى البراءة إلى الله تعالى من ظلم يقع في ولايته، قال له رجل وهو جالس للمظالم: "ألم تسمع قول الله تعالى: (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) قال: فما خطبك؟ قال: وكيلك اغتصبني ضيعتي وضمها إلى ضيعتك الفلانية. قال: فضيعتي لك وضيعتك مردودة إليك". وكتب إلى الوكيل بذلك وبصرفه من عمله16-القاضي ابن بشير خشية أن يكون شريك الخليفة المعاصر له، يتلطف في رفع المظالم إليه ليزيلها حتى يبرأ من إثم المشاركة فيها،ولى القضاء ابن بشير الفقيه، للخليفة الحكم المستنصر بالله فاشترط على المستنصر نفوذ الحكم فيه فمن دونه. فكان من أخباره أن امرأة منقطعة كان لها أريضة تجاور بعض قصور الأمير، فاحتاج إليها ليبنى فيها شيئا مما أراد بناءه، فساومها الوكيل فى البيع/ فامتنعت، فأخذها الوكيل قهرا وبنى فيها منظرة بديعة وأنفق عليها جملة وافرة. فوقفت المرأة لابن بشير القاضى وقصّت عليه قصتها، فركب حماره وجعل عليه خرجا كبيرا لا يطيق حمله إلا جماعة من الرجال. وقصد الزهراء والمستنصر فى تلك المنظرة، فدخل عليه فقال: ما جاء بالقاضى فى هذا الوقت؟فقال: أريد ملء هذا الخرج من تراب هذا الموضع! فتعجّب منه الحكم وأمر فملىء الخرج ثم خلا القاضى به فقال: أدل عليك إدلال العلماء على الملوك الحلماء أن لا ينقل هذا الخرج على الحمار إلا أنا وأنت! فضحك الحكم وقال: فكيف نطيق ذلك أيها القاضى؟ فبكى ابن بشير وقال: فكيف نطيق أن نطوق هذا المكان أجمعه من سبع أرضين فى حلقى وحلقك يوم القيامة وأنا شريكك فى الإثم إن رضيت هذا الحكم؟ وقصّ عليه القصة،فبكى الحكم وقال: وعظت فأبلغت أيها القاضى! ثم خرج عن المكان وسلّمه إلى المرأة بكل ما بنى فيه وغرس17-العالم الجليل ابن طاووس، يتوقف عن مناولة الخليفة المنصور دواة خشية أن يكتب بمدادها ظلما، فيشاركه الإثم فى هذا الظلم،عن مالك بن أنس قال: بعث إلىّ أبو جعفر المنصور وإلى ابن طاوس؛ فأتينا فدخلنا عليه، فإذا هو جالس على فرش قد نضدت، وبين يديه أنطاع قد بسطت، وجلاوزة  بأيديهم السيوف يضربون بها الأعناق، فأومأ إلينا أن اجلسا فجلسنا، ثم أطرق عنا طويلا، ثم رفع رأسه والتفت إلى ابن طاوس فقال: حدّثنى عن أبيك؛ قال: نعم، سمعت أبى يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أشدّ الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله فى حكمه فأدخل عليه الجور فى عدله»؛ فأمسك ساعة؛ قال مالك: فضممت ثيابى من ثيابه مخافة أن يملأنى من دمه؛ ثم التفت إليه أبو جعفر فقال: عظنى يابن طاوس؛ قال: نعم يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ؛ قال مالك:فضممت ثيابى من ثيابه مخافة أن يملأنى دمه؛ فأمسك ساعة حتى اسودّ ما بيننا وبيته، ثم قال: يابن طاوس ناولنى هذه الدواة؛ فأمسك؛ فقال: ما يمنعك أن تناولنيها؟ قال: أخشى أن تكتب بها معصية لله فأكون شريكك فيها؛ فلما سمع ذلك قال: قوما عنّى؛ فقال ابن طاوس: ذلك ما كنّا نبغى منذ اليوم. قال مالك: فما زلت أعرف لابن طاوس فضله18-إن كافة الحكومات والمجالس النيابية والمحافظين، وكل من ولي عملا لهؤلاء الرعاة الطغاة شركاء لهم في بغيهم وفسادهم، ولعل أديب العربية المنفلوطي – رحمه الله – قد أوجز وابلغ في ذلك البيان. فى قوله في النظرات. أيها المجرم الفاتك الذي يسلب الخزائن نفائسها، والأجسام أرواحها، لست أحمل عليك من العتب فوق ما يحتمله ذنبك، ولا أنظر إليك بالعين التي نظر بها إليك القاضي الذي قسا في حكمه عليك؛ لأني أعتقد أن لك شركاء في جريمتك فلا بد لي من أن أنصفك وإن كنت لا أستطيع أن أنفعك. شريكك في الجريمة أبوك؛ لأنه لم يتعهدك بالتربية في صغرك ولم يحل بينك وبين مخالطة المجرمين، بل كثيرا ما كان يبخبخ لك إذا رآك هجمت على تربك وضربته، ويصفق لك إذا رأى أنك تمكنت من اختلاس درهم من جيب أخيك أو اختطاف لقمة من يده، فهو الذي غرس الجريمة في نفسك وتعهدها بالسقيا حتى أينعت ونمت وأثمرت لك هذا الحبل الذي أنت معلق به اليوم، وها هو ذا الآن يذرف عليك العبرات، ويصعد الزفرات ولو عرف أنها جريمته وأنها غرس يمينه لضحك مسرورا بغفلة الشرائع عنه، وسجد لله شكرا على أن لم يكن حبلك في عنقه وجامعتك في يدهشريكك في الجريمة هذا المجتمع الإنساني الفاسد الذي أغراك بها، ومهد لك السبيل إليها، فقد كان يسميك شجاعا إذا قتلت، وذكيا فطنا إذا سرقت، وعالما إذا احتلت، وعاقلا إذا خدعت، وكان يهابك هيبته للفاتحين، ويجلك إجلاله للفاضلين، وكثيرا ما كنت تحب أن ترى وجهك في مرآته فتراه وجها أبيض ناصعا فتتمنى لو دام لك هذا الجمال، ولو أنه كان يؤثر نصحك ويصدقك الحديث عن نفسك لمثل لك جريمتك في نظرك بصورتها الشوهاء، وهنالك ربما وددت بجدع الأنف لو طواك بطن الأرض عنها، وحالت المنية بينك وبينها.شريكك في الجريمة حكومتك؛ لأنها كانت تعلم أن الجريمة هي الحلقة الأخيرة من سلسلة كثيرة الحلقات وكانت تراك تمسك بها حلقة حلقة وتعلم ما سينتهي إليه أمرك فلا تضرب على يدك ولا تعترض دون سبيلك، ولو أنها فعلت لما اجترمت، ولا وصلت إلى ما إليه وصلتكانت حكومتك تستطيع أن تعلمك وتهذب نفسك، وأن تقفل بين يديك أبواب الحانات، وأن تحول بينك وبين مخالطة الأشرار بإبعادهم عنك وتشريدهم في مجاهل الأرض ومخارمها، وأن تعديك على قتيلك قبل أن يبلغ حقدك عليه مبلغه من نفسك وأن تحسن تأديبك في الصغيرة، قبل أن تصل إلى الكبيرة، ولكنها أغفلت أمرك فنامت عنك نوما طويلا حتى إذا فعلت فعلتك استيقظت على صوت صراخ المقتول وشمرت عن ساعدها لتمثل منظرا من مناظر الشجاعة الكاذبة، فاستصرخت جندها واستنصرت أسلحتها وأعدت جذعها وجلادها، وكان ما فعلت أنها أعدمتك حياتها. هؤلاء شركاؤك في الجريمة  هذا وبالله التوفيق وللحديث صلة. بحول الله وقوتههوامش:مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي 6/ 357، بترقيم الشاملة آليامجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي 4/ 49، بترقيم الشاملة آلياصحيح البخاري, باب يمين الرجل لصاحبه انه اخوه اذا خافمحاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء 2/ 11النساء59صحيح مسلم كتاب الإيمان.باب بيان كون النَّهي عن المنكر من الإِيمان، وأنَّ الإِيمان يزيد وينقص، وأنَّ الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر واجبانصحيح مسلم كتاب الإِمارة. باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصيةمسند الإمام أحمد.صحيح البخاري، كِتَاب الْقَدَرِ. باب الْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ عَاصِمٌ مَانِعٌربيع الأبرار ونصوص الأخيار (5/ 184)الأنفال:41الطبقات الكبرى ط دار صادر (7/ 29)الشكوى والعتاب ص: 109الشكوى والعتاب ص: 110الشكوى والعتاب ص: 105الشكوى والعتاب ص: 106هو أبو العاص الحكم بن عبد الرحمن الناصر..تاسع أمراء بنى أمية ببلاد الأندلس. بويع له فى شهر رمضان سنة خمسين وثلاثمائة فى جميع مدن الأندلسنهاية الأرب في فنون الأدب 23/ 402نهاية الأرب في فنون الأدب 6/ 53] العقد الفريد 1/ 53النظرات 1/ 131

1276

| 13 ديسمبر 2012

الدروس المهمة من أحداث الأمة (6)

شهاب وقبس من شرارة تونسإلى طاغية تونس: الحمد لله الذى أزال سلطانك، وهدّ أركانك، وأزال جمالك، وغيّر حالك، وجعلك عبرة لأمثالك، وما هي من الظالمين ببعيد.الحمد لله الذي أذلّ عزّتك وأذهب سطوتك، وأزال مقدرتك، فلئن أخطأت فيك النعمة لقد أصابت فيك النقمة.أحمد الله فيك إذ حبسك في جلدك، وأبقى لك عينا تنظر بها إلى زوال النعمة عنك.خنازير ناموا عن المكرمات .. فأنبههم قدر لم ينمفيا قبحهم عند ما خوّلوا .. ويا حسنهم في زوال النّعمرزقت سلامة فبطرت فيها .. وكنت تخالها أبدا تدوموقد ولّت بدولتك الليالي .. وأنت ملعن فيها ذميمفبعدا لا إنقضاء له وسحقا .. فغير مصابك الخطب الجسيملقد أدبرت وولت أيامه، لقد ذهبت أيامه وبقيت آثامهففرحة النّاس بإدباره .. كغيظهم كان بإقباله"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" {26} آل عمران"ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" {53} الأنفال"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ" {123} الأنعامإِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ {11} الرعدإلى أشباه ونظراء وإخوان طاغية تونس قال من قال وأحسن:بادر بإحسانك الليالي .. فليس من غدرها أمانقل للوضيع أبي رياش لا تبل .. ته كل تيهك بالولاية والعملما ازددت حين ولّيت إلا خسّة .. فالكلب أنجس ما يكون إذا اغتسلفلا يغرركم نعم توالت .. فإنّ الدهر حال بعد حالأحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت .. ولم تخف غبّ ما يأتي به القدروسالمتك الليالي فاغتررت بها .. وعند صفو الليالي يحدث الكدركأنما أخذه من قوله تعالى: حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةًوبعد فالقلب الفارغ يبحث عن السوء واليد الفارغة تنازع إلى الإثم. سئل ضمرة بن ضمرة عن الفقر الحاضر والعجز الظاهر، فقال: أما الفقر الحاضر فمن لا تشبع نفسه وأما العجز الظاهر فالشاب القليل الحيلة اللازم الحليلة إن غضبت ترضّاها وإن رضيت فداها، يحوم حولها ويطيع قولها.إن بعث الهمم على العمل الصالح وإتقانه طريق فلاح المؤمن ونجاحه, وهو دليلٌ على صدق إيمانه, وإنما يرث الإنسان الكرامة والسعادة والخلود في الجنة بالعمل الصالح, قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الزخرف: (72), فالإنسان المؤمن إذا أدرك في نفسه الوهن وأنه قد أصيب بالملل والضجر والسأم بعث في نفسه الهمم بالاستعانة بالله الواحد الأحد الباعث للهمم, فهو الذي يقيه الضعف والوهن ويبعث في نفسه النشاط على العمل الحسن, فالإسلام دين يدعو إلى العمل الصالح الأتم، ومن أخذ بهدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ظفر­­­­ وفي القرآن الحكيم: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}إن العالم مسرح كبير يمثل فيه كل واحد دوره، ويتقاضي أجره، هناك من يؤدى دورا جادا، وهناك من يؤدى دورا هزليا، والشيطان  يقوم بدور الملقن، يوم أن صعد طاغوت وطاغية تونس على المسرح وقدم الفصل الأول بشعارات رنانة، كان مشكوكا فيه، نعم إن العالم مسرح كبير، والبشر نساء ورجال، ما هم إلا ممثلون لهم مخارجهم ومداخلهم، وعديدة هي الأدوار التي يمثلها المرء في حياته، ولقد أثبتت الأحداث الأخيرة في تونس أن صوت الشعب قوة جبارة فمتى ترفع كل شعوب أوطاننا صوتهالتبلغ عذرا أو تصيب رغيبة .. ومبلغ نفس عذرها مثل منجحقد قضى ما عليه من بلغ الجه .. د وإن لم يصل إلى ما أرادانعم لقد أثمرت المظاهرات التي تجوب ولا زالت الشوارع، أثمرت ثمرات يانعة، على رأسها، زوال طاغية تونس، واندحاره، وانقمائه ذليلا، مهانا، وصار عبرة لمن يعتبر، وتذكرة لمن أراد أن يذكر، إلى الذين جادلوا وسخروا من التنادي بالمظاهرات سبيلا للتعبير، عن المشاعر المتأججة، والمظالم المدلهمة، والاحتقانات المضطرمة، إليهم أبلغ رد في أحداث تونس، ويوم أن تتاح الفرصة للشعوب الراشدة، المستنيرة الواعدة أن تأتلف قلوبها على قلب رجل واحد، فتجأر، ولا تهدأ، وتزأر ولا تسكن، وتهدر ولا تفتر، حتى يبلغ الأمر غايته، فما لمنكر على التظاهر حق، إلا المكابرة والقفز على الواقع، والتجاهل للحقائق على الأرض، هذا التظاهر وإن جاء متأخرا أولى من ألا  يجيئ، وقديما قيل إن أعمدة الحكم، أربعة : الدين – العدالة – الشورى- الخزينة، وقد أضاع أربعتها ديكتاتور تونس، فقد كممت الأفواه، وخوت المنابر، وأصبحت المساجد مساجد ضرار، حيث حيل بين أئمتها والجهر بالحق والصدع بالأمر الإلهي،، وأما العدالة فما أدراك ما العدالة لا قضائية، ولا اجتماعية فقد نهبت ثروات البلد لحفنة من حاشيته وأقاربه، وأصهاره، وزج في السجون بالمصلين، وحارب الله ورسوله، وما قضية الحجاب، عن الأذهان ببعيد، وأما الشورى : فقد غابت، وعشش الاستبداد، وباض وفرخ فعم الفساد وطم، " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا" وقد خوت الخزينة، على عروشها، وكما رائحة البطالة، وسوء الأحوال الاقتصادية ببعيد رائحته التي تزكم الأنوف، ولئن توخى أفلاطون السعادة القصوى للجميع، من وراء إقامة الدولة، إلا أن طاغية تونس حكرها على أقاربه وأصهاره، فضل وأضل، "يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ {98} وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ {99}"يهودلقد عاشت تونس مستعبدة، طيلة عقدين ونيف من الزمان ـ بسكوتها وسكونها، وركونها إلى الظلم والظلمة، إذ البلدان الحرة هي التي تحترم فيها حقوق الإنسان، وتكون فيها القوانين بالتالي عادلة، والحرية لا تعطي ولكنها تؤخذ، ولا ينالها إلا أولئك الذين يحبونها، ويكونون مستعدين دائما للمحافظة عليها والذود عنها، إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ {11} الرعدوبعيد من الحكمة أن تبقى رموز العهد البائد قائمة على شأن من الشؤون، أو يتم الإبقاء على بقايا هذا الحزب التأخري لا التقدمي، غير الدستوري، والديكتاتوري لا الديمقراطي، فالثعالب تبدل جلودها ولا تغير سلوكهاألا يا دولة السفل .. أطلت المكث فانتقليالحرية والحياة صنوان لا يفترقان، والشجاعة تقتضي الذود عنهما، مهما غلا الثمن، وإلا فدونهما الموت والفناء والدمار،، الحرية بحر هائج مائج ما إن تنفس الشعب العربي الأبي في تونس، حتى ألقى بجيفته، وطاغيته خارج اليم بعيدا عن شطآنه، منبوذا غير مأسوف عليه، والجبناء فقط هم الذين يفضلون هدوء الطغيان، وليست قيمة الشعوب في الحقيقة التي يملكونها أو يتصورون أنهم يملكونها بل في السعي المخلص الدءوب نحو الحقائق والحقوق لنيلها، ولا يموت حق وراءه مطالب، ومحيط الحقائق والحقوق ممتد أمامها ولا بد من سبر غوره، وبلوغ أطرافه، من قاعه إلى سطحه، وليس أجمل في الظلام من أن يؤمن الإنسان بالنور، وإن طال طريق النفق، ومهما طال الليل فلا بد من طلوع الفجر، ولقد أثبتت الأحداث والتجارب أن مصروف كثير من زعماء عالمنا العربي وأحزابنا، من الكلام والأطروحات أكبر بكثير من دخلهم من الأفكار والمعلومات والحقائق، سبحان الله مقلب القلوب، خروج وخروج، لقد خرج الشاب بوعزيز من الحياة، وتحرك المارد الشعب من ورائه خروجه هذا، وخرج أيضا طاغية تونس، من البلد، هذا خروج وهذا خروج، ولكن الأحق بالخروج من الحياة، من أفقد شعبه حريته بل حياته، فهما صنوان لا يفترقان كما أسلفنا، كما الأحق بالخروج من الحياة من تسبب في خروج بوعزيز من الحياة، على هذا النحو، حيث لم يفقده حياته فقط بل أفقده نور دربه، ورحيق آخرته، الأحق بالخروج من الحياة، من أمر بإزهاق أرواح أبرياء، وسفك دماء معصومة، وسلط قوى الأمن على أهلهم، وذويهم، ولله في خلقه شؤون، أراد الله تعالى لطاغية تونس أن يتعذب بزوال ملكه، وحبس حريته، وغل يديه، وخروجه ليلا تحت جنح الظلام ، وخذلان أسياده له الذين عاش لهم ذنبا وذيلا، فلم يغن عنه ذلك فتيلا ولا قطميرا ساعة أن خرج عليه شعبه وقد كان الأحق بموالاته قدر الله تعالى له ذلك الخروج ليكون عبرة لنظرائه ممن هم على طريقه لسان حالهم لطاغية تونس  ـ أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بحول الله تعالى وقوته وحده بكم لاحقون -، قدر الله تعالى له ذلك ليموت مرات ومرات، ليجعل الله تعالى ذلك حسرة فى قلبه وقلب من سار في ركابه، ولكن على مستوى ساحات دول الوطن العربي، على ظلال أحداث  الانتفاضة التونسية، هل هذا الذي حدث في  دول الجوار وغيرهافي الجزائر: تراجع عن أسعار بعض السلعفي الكويت: زيادة ألف دينار لكل مواطنفي الأردن: زيادة رواتب الموظفينفي أرض الكنانة: تعيينات لبعض خريجي الجامعاتوزيادة لبعض المعونات الاجتماعيةوفى البعض الآخر تراجع عن بعض الضرائبكل يحاول حيلة يرجو بها .. دفع المضرّة واجتلاب المنفعةوالسؤال: أين كانت هذه السياسة والخطوات قبل أحداث تونس، أهي من باب أنج سعد فقد هلك سعيد؟ أم من باب ذر الرماد في العيون ؟ !! أم أنها قد كانت مخططة  ومرسومة، قبل ذلك، أم أنها من باب استباق الانتفاضات الكامنة في حنايا الصدور، ومحاولة الالتفاف حول الحناجر والحيلولة بينها وبين، الجؤار، أم أنها تسكين ثارات الشعوب، عن أن تنحو نحو التوانسة هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمةقيل لرجل زال ملكه: ما كان سبب زوال ملكك؟ فقال: تدبير الأمر بالهوى وتأخير عمل اليوم إلى غد، وقيل ذلك لآخر، فقال: قلّة التيقّظ واشتغالنا باللذّات عن التفرّغ وثقتنا بعمّالنا حتى ظلموا رعيّتنا، فقلّ دخلنا وبطل عطاء جندنا. فقلّت طاعتهم لنا فقصدنا الأعداء فعجزنا عن مدافعتهمقد تمر وتمضى فترة على الجريمة والمجرمين دون أن تنال منهم يد العدالة، نعم قد تبطئ العدالة فى تعقب الجناة، ولكن "إن ربك لبالمرصاد " " ولا تحسبن الله غافلا" "إن الله يملى للظالم ولا يهمله حتى إذا أخذه لم يفلته " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ". ولكن من عظيم العبر والدروس، أنه ما كان لروح  هذا الشاب البوعزيزي أن يؤدي إلى ما آلت إليه هذه الأحداث التونسية من سقوط الطاغية وتسلل أقربائه وأنصاره وأصهاره في جنح الليل، كالجرذان  لولا تفاعل وتجاوب باقي الجماهير التونسية، وعزف باقي  شعوب العالم، على هذا الوتر الحساس، وأمكنت قناة الجزيرة المتألقة بنقلها للأحداث أولا بأول، ونقلها الشعوب العربية لقلب الأحداث، فخاطبت بذلك مشاعر مكبوتة، وأيقظت همما راقدة، وبعثت روحا في جسد الأمة لأنها تقاسي ما قاست جماهير التوانسة، وتعاني ما عانت، فكانت صادقة مع نفسها، قبل أن تكون صادقة معها، وإلا فلماذا لم تتحرك الجماهير العربية في البلدان الأخرى، عندما أقدم شبان، فيها على ما أقدم عليه البوعزيزي في تونس، مما يدل على بركة الجماعة، ووحدة القلوب  والمشاعر، مما يدل على أن المشاعر وحدها لا تكفى ما لم يتم ترجمتها إلى سلوكي عملي، وحركة دأباء، ومما يدل أيضا على أنه لا بد من تضحيات،، وما كانت بذرة سيدي أبو زيد لتؤتي ثمارها وتتوج بإزاحة الطاغية، وأول الغيث قطر، ثم ينهمر، ما كانت هذه البذرة لتؤتي ثمارها، لولا التحرك الجماعي، للحيلولة دون الالتفاف على الانتفاضة، وللحيلولة دون ركوب الانتهازيين الموجة، ما كانت لتؤتي ثمارها لولا الإصرار، والعزم الماضي على طريق بلوغ الأهداف، وتحقيق الغاية التى انطلقت من أجلها هذه المسيرات، إن من أبلغ دروس أحداث تونس، روح الجماعة، فلا تكتمل حرية الفرد ما لم يتحرر الجميع من حوله، ولا تتم محاسن آداب فرد، ما لم يتأدب الجميع معه، فى آن معا، ولا تتطرد سعادة فرد دون سعادة باقي الأفراد حوله، إن حلفاء الطاغوت من الغرب لقنوه ونظراءه درسا لا ينساه ولا ينسوه، وهو أنهم شياطين، وفى آى الذكر الحكيم "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين " أغلقت فرنسا أبوباها دونه، وغيرها، وتخلت عنه السفارة الأمريكية، وكان لسان حالها يقول " لا أملك لك شيئا"، وتسارعت وتيرة الأحداث، دون وصول يد الإجرام الفرنسية التي أعدت العدة لتزويد قوات الأمن بما تزهق به أرواح شعبه، وتسفك دماءه الزكية بغير حق . " وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون " ولقد حقت فى موت هذا الشاب البوعزيزي مقولة الإغريق " الموت أخف وطأة من الظلم والطغيان" إن هذا الطاغية والغ في دماء هؤلاء الأبرياء  وهم شعبه الذين أجلسوه على كرسي الحكم، ولكنه تنمر وتنكر لهم، وقلب لهم ظهر المجن، والغ في دماء هؤلاء الذين لقوا حتفهم في هذه الأحداث ودماء من مات يأسا وإحباطا، من دروس أحداث تونس أن اليأس والإحباط ضعف، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، " ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون "، ومنها أيضا : أنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس،، فلم يفقد الشعب الأمل وظلت جذوة الثورة خامدة، هامدة حتى حان الوقت فانقضت عليه، وأمضت مضجعه، مما دفعه إلى الخروج  سريعا، لا يلوي  على شيء، علمتنا الأحداث أن المناخ لا يتغير من حولنا ما لم نتغير نحن، ما لم تتغير النفوس، ما لم يتغير ما بالنفوس من أفكار وتصورات، ما بالنفوس من خوف وخنوع، ولا يعفى الأمن الرئاسي من المسؤولية، ودعواه أنه قد تم تضليله، أوتشويه الصورة لديه، أو قد وقع عليه ظلم هو الآخر فقد كان في يد الجلاد، وكان ذراعه الممدودة، لأن من يمد يد المساعدة إلى الأشرار والطغاة ينتهي أمره إلى مصيرهم ، إلى أن يتجرع مرارة الندم، ولا يفيده ولاؤه لغير الله، ولا يغنى عنه شيئا، وهكذا الطغاة والظالمون فى كل عصر وأوان، فعندما ساءت الأمور وجرت الأقدار بما جرى به قلم القدرة أزلا، ولى عنهم الأدبار، ولم يفكر إلا حيث قد أهمته نفسه وطغمتهرحل ابن علي عن تونس، وطوب أرض تونس كشعبه يلعنه، بل الأرض المتاخمة، والشعوب المجاورة كذلك تلعنه، بفعل الفضائيات التي جعلت العالم قرية صغيرة، مترابطة الأوصال، متشابكة الأجزاء، متماسكة الأنحاء، بفعل الإعلام المعاصر، الذي ينقل الصوت مع الصورة لتكتمل رؤية الأحداث حتى كأن المشاهد يعيش في قلب مجريات الأمور، فانطلقت حناجر داعية الله تعالى بلعن الظلمة والطغاة، على شاكلته، وإن لم تصلى ناره، وإن لم يصبها أواره "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159}البقرة. لما عزل المنصور بن عمران عن القضاء، جعل الناس يسبّونه. وكان فيهم رجل يلجّ في أذاه فقال له: يا هذا أسأت إليك قطّ؟ قال: لا. قال: فما حملك على هذا الذي تأتيه؟ قال: سمعت الناس يشتمونك فساعدتهم، فأنشد المنصور:غير ما طالبين وترا ولكن .. مال دهر على أناس فمالوامن عجيب أنه بعدما تفاقم الأمر، وخرج عن السيطرة، طلع على شعبه ليقول قد فهمتكم، الآن ؟؟؟؟!!!!! هذا كحال فرعون الذي حينما أدركه الغرق قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين " فقال الله تعالى له : الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية، وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون" سورة يونس.، أقدم على عزل وتنحية بعض وزرائه في اللحظة الحرجة،وليست المشكلة في الأشخاص والذوات ولكنها في الأفكار والسياسات، المشكلة في الزعامات الضالة المضلة التي أذلت شعوبها وأوردتها موارد التهلكة،أين هذا الفهم من قبل هذه الأحداث، أي فهم هذا ؟!!! إن كان صحيحا فقد جاء متأخرا، وإن كان سقيما:وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً .. وآفتُه من الفهمِ السقيمِولكنْ تأخذُ الآذانُ منه .. على قدرِ القرائحِ والعلومِلقد تم عزل وتنحية بعض المتنفذين، بحجة أنهم قد ضللوه، وأين أنت من الهدي الرباني، لو أنك لرفعت لكتاب الله رأسا، وللهدي النبوي مقاما، لكان لك في الكتاب الكريم نبراسا، وهديا صالحا، وقباسا،  هاهو القرآن الكريم يقص عليك، السلوك القويم، حتى لا تقع ضحية التغرير والخداع، لما رفع إلى سليمان عليه السلام تقريرا، من بعض جنوده قال :"سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين "وتبين له صدق ما رفع إليه من التقرير، فيبنى على ذلك موقفا، ويتخذ إجراء، رفع إلى بعض الوزراء، شكوى من بعض عماله فأرسل إليه يقول: كثر شاكوك وقلّ شاكروك، فإما اعتدلت وإما اعتزلت"ورد كتاب صاحب أرمينية على السفّاح بأن الجند قد شغبوا ونهبوا. فكتب إليه: اعتزل أمرنا فلو عدلت لم يشغبوا ولو قريت لم ينهبوا.هذا ما كان من السفاح مع عماله وموظفيه، أما طاغية تونس، فقد استعدي البوليس على شعبه، حتى زهقت أرواح، وسفكت دماء تنادي أصحابها، بالحرية والكرامة،ولكن ليل الباطل قصيرمن ألزم واجبات الدولة المسلمة توفير فرص العمل للقادرين، وتقديم المعونات لذوى الضعف والعجز من لا يقدر على كسب لكونه زمناً أو ذا علة أخرى حتى يحصل له ما يقوم بحاله ويسد خلتهعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: "أَنّ رَجُلاً مِنَ الأنْصَارِ أَتَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ، فَقَالَ أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قال بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ ونَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ  نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ المَاءِ. قال ائْتِنِي بِهِمَا. قالَ فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وقال: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ قال رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قال مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرّتَيْنِ أو ثَلاَثاً. قال رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيّاهُ وَأخَذَ الدّرْهَمَيْنِ فأَعَطَاهُمَا الأَنْصَارِيّ وقال اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَاماً فأَنْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بالاَخَرِ قَدّوماً فَآتِنِي بِهِ، فأَتَاهُ بِهِ فَشَدّ فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عُوداً بِيَدِهِ ثُم قَال لَهُ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلاَ أَرَيَنّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً. فَذَهَبَ الرّجُلُ يَحَتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْباً وَبِبَعْضِها طَعَاماً، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ المَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّ المَسْأَلَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاّ لِثَلاَثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْم مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ"هذا واجب الدولة المسلمة نحو أبنائها القادرين على العمل، توفر لهم فرص العمل، ليقتاتوا لقمتهم بعزة نفس ورفعة رأس، ويعيشوا أحرارا أعزةلا تسقنى كأس الحياة بذلة ..  بل فاسقنى العز بالحنظلوغير القادرين على العمل لسبب أو لآخر، تقدم لهم المعونة الميسورة، التى توفر لهم حياة كريمة عزيزة، لَمَّا فَتَحَ اللهُ الْفُتُوحَ على رسول الله صلوات الله  وسلامه عليه  قَالَ: "أَنَا أَوْلَىَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ"وهذا مما يدل على وعي الدولة الإسلامية بواجباتها نحو رعيتها، أحياء وأمواتاقال النووي: معناه أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم وموته وأنا وليه في الحالين، فإن كان عليه دين قضيته من عندي إن لم يخلف وفاء، وإن كان له مال فهو لورثته لا آخذ منه شيئاً، وإن خلف عيالاً محتاجين ضائعين فعليّ نفقتهم ومؤونتهم.هذه بعض مهام ولي الأمر نحو رعيته في الدولة المسلمة. هذا وللحديث صلة بحول الله تعالى وقوته.إلى طاغية تونس: الحمد لله الذي أزال سلطانك، وهدّ أركانك، وأزال جمالك، وغيّر حالك، وجعلك عبرة لأمثالك، وما هي من الظالمين ببعيدالحمد لله الذي أذلّ عزّتك وأذهب سطوتك، وأزال مقدرتك، فلئن أخطأت فيك النعمة لقد أصابت فيك النقمةأحمد الله فيك إذ حبسك في جلدك، وأبقى لك عينا تنظر بها إلى زوال النعمة عنكخنازير ناموا عن المكرمات .. فأنبههم قدر لم ينمفيا قبحهم عند ما خوّلوا .. ويا حسنهم في زوال النّعمرزقت سلامة فبطرت فيها .. وكنت تخالها أبدا تدوموقد ولّت بدولتك الليالي .. وأنت ملعن فيها ذميمفبعدا لا إنقضاء له وسحقا .. فغير مصابك الخطب الجسيملقد أدبرت وولت أيامه، لقد ذهبت أيامه وبقيت آثامهففرحة النّاس بإدباره .. كغيظهم كان بإقباله"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {26}آل عمرانذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {53} الأنفال"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ {123} الأنعام"إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ {11} الرعدإلى أشباه ونظراء وإخوان طاغية تونس قال من قال وأحسن:بادر بإحسانك الليالي .. فليس من غدرها أمانقل للوضيع أبي رياش لا تبل .. ته كل تيهك بالولاية والعملما ازددت حين ولّيت إلا خسّة .. فالكلب أنجس ما يكون إذا اغتسلفلا يغرركم نعم توالت .. فإنّ الدهر حال بعد حالأحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت .. ولم تخف غبّ ما يأتي به القدروسالمتك الليالي فاغتررت بها .. وعند صفو الليالي يحدث الكدركأنما أخذه من قوله تعالى: حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً"وبعد فالقلب الفارغ يبحث عن السوء واليد الفارغة تنازع إلى الإثم. سئل ضمرة بن ضمرة عن الفقر الحاضر والعجز الظاهر، فقال: أما الفقر الحاضر فمن لا تشبع نفسه وأما العجز الظاهر فالشاب القليل الحيلة اللازم الحليلة إن غضبت ترضّاها وإن رضيت فداها، يحوم حولها ويطيع قولهاإن بعث الهمم على العمل الصالح وإتقانه طريق فلاح المؤمن ونجاحه, وهو دليلٌ على صدق إيمانه, وإنما يرث الإنسان الكرامة والسعادة والخلود في الجنة بالعمل الصالح, قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الزخرف: (72) , فالإنسان المؤمن إذا أدرك في نفسه الوهن وأنه قد أصيب بالملل والضجر والسأم بعث في نفسه الهمم بالاستعانة بالله الواحد الأحد الباعث للهمم, فهو الذي يقيه الضعف والوهن ويبعث في نفسه النشاط على العمل الحسن, فالإسلام دين يدعو إلى العمل الصالح الأتم، ومن أخذ بهدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ظفر, وفي القرآن الحكيم: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}إن العالم مسرح كبير يمثل فيه كل واحد دوره، ويتقاضي أجره، هناك من يؤدى دورا جادا، وهناك من يؤدى دورا هزليا، والشيطان  يقوم بدور الملقن، يوم أن صعد طاغوت وطاغية تونس على المسرح وقدم الفصل الأول بشعارات رنانة، كان مشكوكا فيه، نعم إن العالم مسرح كبير، والبشر نساء ورجال، ما هم إلا ممثلون لهم مخارجهم ومداخلهم، وعديدة هي الأدوار التي يمثلها المرء في حياته، ولقد أثبتت الأحداث الأخيرة في تونس أن صوت الشعب قوة جبارة فمتى ترفع كل شعوب أوطاننا صوتهالتبلغ عذرا أو تصيب رغيبة .. ومبلغ نفس عذرها مثل منجحقد قضى ما عليه من بلغ الجه .. د وإن لم يصل إلى ما أرادانعم لقد أثمرت المظاهرات التي تجوب ولا زالت الشوارع، أثمرت ثمرات يانعة، على رأسها، زوال طاغية تونس، واندحاره، وانقمائه ذليلا، مهانا، وصار عبرة لمن يعتبر، وتذكرة لمن أراد أن يذكر، إلى الذين جادلوا وسخروا من التنادي بالمظاهرات سبيلا للتعبير، عن المشاعر المتأججة، والمظالم المدلهمة، والاحتقانات المضطرمة، إليهم أبلغ رد في أحداث تونس، ويوم أن تتاح الفرصة للشعوب الراشدة، المستنيرة الواعدة أن تأتلف قلوبها على قلب رجل واحد، فتجأر، ولا تهدأ، وتزأر ولا تسكن، وتهدر ولا تفتر، حتى يبلغ الأمر غايته، فما لمنكر على التظاهر حق، إلا المكابرة والقفز على الواقع، والتجاهل للحقائق على الأرض، هذا التظاهر وإن جاء متأخرا أولى من ألا  يجيئ، وقديما قيل إن أعمدة الحكم، أربعة : الدين – العدالة – الشورى- الخزينة، وقد أضاع أربعتها ديكتاتور تونس، فقد كممت الأفواه، وخوت المنابر، وأصبحت المساجد مساجد ضرار، حيث حيل بين أئمتها والجهر بالحق والصدع بالأمر الإلهي،، وأما العدالة فما أدراك ما العدالة لا قضائية، ولا اجتماعية فقد نهبت ثروات البلد لحفنة من حاشيته وأقاربه، وأصهاره، وزج في السجون بالمصلين، وحارب الله ورسوله، وما قضية الحجاب، عن الأذهان ببعيد، وأما الشورى : فقد غابت، وعشش الاستبداد، وباض وفرخ فعم الفساد وطم، " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا" وقد خوت الخزينة، على عروشها، وكما رائحة البطالة، وسوء الأحوال الاقتصادية ببعيد رائحته التي تزكم الأنوف، ولئن توخى أفلاطون السعادة القصوى للجميع، من وراء إقامة الدولة، إلا أن طاغية تونس حكرها على أقاربه وأصهاره، فضل وأضل، "يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ {98} وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ {99}"يهودلقد عاشت تونس مستعبدة، طيلة عقدين ونيف من الزمان ـ بسكوتها وسكونها، وركونها إلى الظلم والظلمة، إذ البلدان الحرة هي التي تحترم فيها حقوق الإنسان، وتكون فيها القوانين بالتالي عادلة، والحرية لا تعطي ولكنها تؤخذ، ولا ينالها إلا أولئك الذين يحبونها، ويكونون مستعدين دائما للمحافظة عليها والذود عنها، إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ {11} الرعد.وبعيد من الحكمة أن تبقى رموز العهد البائد قائمة على شأن من الشؤون، أو يتم الإبقاء على بقايا هذا الحزب التأخري لا التقدمي، غير الدستوري، والديكتاتوري لا الديمقراطي، فالثعالب تبدل جلودها ولا تغير سلوكهاألا يا دولة السفل .. أطلت المكث فانتقليالحرية والحياة صنوان لا يفترقان، والشجاعة تقتضي الذود عنهما، مهما غلا الثمن، وإلا فدونهما الموت والفناء والدمار،، الحرية بحر هائج مائج ما إن تنفس الشعب العربي الأبي في تونس، حتى ألقى بجيفته، وطاغيته خارج اليم بعيدا عن شطآنه، منبوذا غير مأسوف عليه، والجبناء فقط هم الذين يفضلون هدوء الطغيان، وليست قيمة الشعوب في الحقيقة التي يملكونها أو يتصورون أنهم يملكونها بل في السعي المخلص الدءوب نحو الحقائق والحقوق لنيلها، ولا يموت حق وراءه مطالب، ومحيط الحقائق والحقوق ممتد أمامها ولا بد من سبر غوره، وبلوغ أطرافه، من قاعه إلى سطحه، وليس أجمل في الظلام من أن يؤمن الإنسان بالنور، وإن طال طريق النفق، ومهما طال الليل فلا بد من طلوع الفجر، ولقد أثبتت الأحداث والتجارب أن مصروف كثير من زعماء عالمنا العربي وأحزابنا، من الكلام والأطروحات أكبر بكثير من دخلهم من الأفكار والمعلومات والحقائق، سبحان الله مقلب القلوب، خروج وخروج، لقد خرج الشاب بوعزيز من الحياة، وتحرك المارد الشعب من ورائه خروجه هذا، وخرج أيضا طاغية تونس، من البلد، هذا خروج وهذا خروج، ولكن الأحق بالخروج من الحياة، من أفقد شعبه حريته بل حياته، فهما صنوان لا يفترقان كما أسلفنا، كما الأحق بالخروج من الحياة من تسبب في خروج بوعزيز من الحياة، على هذا النحو، حيث لم يفقده حياته فقط بل أفقده نور دربه، ورحيق آخرته، الأحق بالخروج من الحياة، من أمر بإزهاق أرواح أبرياء، وسفك دماء معصومة، وسلط قوى الأمن على أهلهم، وذويهم، ولله في خلقه شؤون، أراد الله تعالى لطاغية تونس أن يتعذب بزوال ملكه، وحبس حريته، وغل يديه، وخروجه ليلا تحت جنح الظلام ، وخذلان أسياده له الذين عاش لهم ذنبا وذيلا، فلم يغن عنه ذلك فتيلا ولا قطميرا ساعة أن خرج عليه شعبه وقد كان الأحق بموالاته قدر الله تعالى له ذلك الخروج ليكون عبرة لنظرائه ممن هم على طريقه لسان حالهم لطاغية تونس  ـ أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بحول الله تعالى وقوته وحده بكم لاحقون -، قدر الله تعالى له ذلك ليموت مرات ومرات، ليجعل الله تعالى ذلك حسرة فى قلبه وقلب من سار في ركابه، ولكن على مستوى ساحات دول الوطن العربي، على ظلال أحداث  الانتفاضة التونسية، هل هذا الذي حدث في  دول الجوار وغيرهافي الجزائر: تراجع عن أسعار بعض السلعفي الكويت: زيادة ألف دينار لكل مواطنفي الأردن: زيادة رواتب الموظفينفي أرض الكنانة: تعيينات لبعض خريجي الجامعاتوزيادة لبعض المعونات الاجتماعيةوفى البعض الآخر تراجع عن بعض الضرائبكل يحاول حيلة يرجو بها .. دفع المضرّة واجتلاب المنفعةوالسؤال : أين كانت هذه السياسة  والخطوات قبل أحداث تونس، أهي من باب أنج سعد فقد هلك سعيد؟ أم من باب ذر الرماد في العيون ؟ !! أم أنها قد كانت مخططة  ومرسومة، قبل ذلك، أم أنها من باب استباق الانتفاضات الكامنة في حنايا الصدور، ومحاولة الالتفاف حول الحناجر والحيلولة بينها وبين، الجؤار، أم أنها تسكين ثارات الشعوب، عن أن تنحو نحو التوانسة هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة،قيل لرجل زال ملكه: ما كان سبب زوال ملكك؟ فقال: تدبير الأمر بالهوى وتأخير عمل اليوم إلى غد، وقيل ذلك لآخر، فقال: قلّة التيقّظ واشتغالنا باللذّات عن التفرّغ وثقتنا بعمّالنا حتى ظلموا رعيّتنا، فقلّ دخلنا وبطل عطاء جندنا. فقلّت طاعتهم لنا فقصدنا الأعداء فعجزنا عن مدافعتهم.قد تمر وتمضى فترة على الجريمة والمجرمين دون أن تنال منهم يد العدالة، نعم قد تبطئ العدالة فى تعقب الجناة، ولكن "إن ربك لبالمرصاد " " ولا تحسبن الله غافلا" " إن الله يملى للظالم ولا يهمله حتى إذا أخذه لم يفلته " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد " . ولكن من عظيم العبر والدروس، أنه ما كان لروح  هذا الشاب البوعزيزي أن يؤدي إلى ما آلت إليه هذه الأحداث التونسية من سقوط الطاغية وتسلل أقربائه وأنصاره وأصهاره في جنح الليل، كالجرذان  لولا تفاعل وتجاوب باقي الجماهير التونسية، وعزف باقي  شعوب العالم، على هذا الوتر الحساس، وأمكنت قناة الجزيرة المتألقة بنقلها للأحداث أولا بأول، ونقلها الشعوب العربية لقلب الأحداث، فخاطبت بذلك مشاعر مكبوتة، وأيقظت همما راقدة، وبعثت روحا في جسد الأمة لأنها تقاسي ما قاست جماهير التوانسة، وتعاني ما عانت، فكانت صادقة مع نفسها، قبل أن تكون صادقة معها، وإلا فلماذا لم تتحرك الجماهير  العربية في البلدان الأخرى، عندما أقدم شبان، فيها على ما أقدم عليه البوعزيزي في تونس، مما يدل على بركة الجماعة، ووحدة القلوب  والمشاعر، مما يدل على أن المشاعر وحدها لا تكفى ما لم يتم ترجمتها إلى سلوكي عملي، وحركة دأباء، ومما يدل أيضا على أنه لا بد من تضحيات،، وما كانت بذرة سيدي أبو زيد لتؤتي ثمارها وتتوج بإزاحة الطاغية، وأول الغيث قطر، ثم ينهمر، ما كانت هذه البذرة لتؤتي ثمارها، لولا التحرك الجماعي، للحيلولة دون الالتفاف على الانتفاضة، وللحيلولة دون ركوب الانتهازيين الموجة، ما كانت لتؤتي ثمارها لولا الإصرار، والعزم الماضي على طريق بلوغ الأهداف، وتحقيق الغاية التى انطلقت من أجلها هذه المسيرات، إن من أبلغ دروس أحداث تونس، روح الجماعة، فلا تكتمل حرية الفرد ما لم يتحرر الجميع من حوله، ولا تتم محاسن آداب فرد، ما لم يتأدب الجميع معه، فى آن معا، ولا تتطرد سعادة فرد دون سعادة باقي الأفراد حوله، إن حلفاء الطاغوت من الغرب لقنوه ونظراءه درسا لا ينساه ولا ينسوه، وهو أنهم شياطين، وفى آى الذكر الحكيم "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين " أغلقت فرنسا أبوباها دونه، وغيرها، وتخلت عنه السفارة الأمريكية، وكان لسان حالها يقول " لا أملك لك شيئا"، وتسارعت وتيرة الأحداث، دون وصول يد الإجرام الفرنسية التي أعدت العدة لتزويد قوات الأمن بما تزهق به أرواح شعبه، وتسفك دماءه الزكية بغير حق . " وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون " ولقد حقت فى موت هذا الشاب البوعزيزي مقولة الإغريق " الموت أخف وطأة من الظلم والطغيان" إن هذا الطاغية والغ في دماء هؤلاء الأبرياء  وهم شعبه الذين أجلسوه على كرسي الحكم، ولكنه تنمر وتنكر لهم، وقلب لهم ظهر المجن، والغ في دماء هؤلاء الذين لقوا حتفهم في هذه الأحداث ودماء من مات يأسا وإحباطا، من دروس أحداث تونس أن اليأس والإحباط ضعف، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، " ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون "، ومنها أيضا : أنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس،، فلم يفقد الشعب الأمل وظلت جذوة الثورة خامدة، هامدة حتى حان الوقت فانقضت عليه، وأمضت مضجعه، مما دفعه إلى الخروج  سريعا، لا يلوي  على شيء، علمتنا الأحداث أن المناخ لا يتغير من حولنا ما لم نتغير نحن، ما لم تتغير النفوس، ما لم يتغير ما بالنفوس من أفكار وتصورات، ما بالنفوس من خوف وخنوع، ولا يعفى الأمن الرئاسي من المسؤولية، ودعواه أنه قد تم تضليله، أوتشويه الصورة لديه، أو قد وقع عليه ظلم هو الآخر فقد كان في يد الجلاد، وكان ذراعه الممدودة، لأن من يمد يد المساعدة إلى الأشرار والطغاة ينتهي أمره إلى مصيرهم ، إلى أن يتجرع مرارة الندم، ولا يفيده ولاؤه لغير الله، ولا يغنى عنه شيئا، وهكذا الطغاة والظالمون فى كل عصر وأوان، فعندما ساءت الأمور وجرت الأقدار بما جرى به قلم القدرة أزلا ، ولى عنهم الأدبار، ولم يفكر إلا حيث قد أهمته نفسه وطغمته.رحل ابن علي عن تونس، وطوب أرض تونس كشعبه يلعنه، بل الأرض المتاخمة، والشعوب المجاورة كذلك تلعنه، بفعل الفضائيات التي جعلت العالم قرية صغيرة، مترابطة الأوصال، متشابكة الأجزاء، متماسكة الأنحاء، بفعل الإعلام المعاصر، الذي ينقل الصوت مع الصورة لتكتمل رؤية الأحداث حتى كأن المشاهد يعيش في قلب مجريات الأمور، فانطلقت حناجر داعية الله تعالى بلعن الظلمة والطغاة، على شاكلته، وإن لم تصلى ناره، وإن لم يصبها أواره "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159}البقرة. لما عزل المنصور بن عمران عن القضاء، جعل الناس يسبّونه. وكان فيهم رجل يلجّ في أذاه فقال له: يا هذا أسأت إليك قطّ؟ قال: لا. قال: فما حملك على هذا الذي تأتيه؟ قال: سمعت الناس يشتمونك فساعدتهم، فأنشد المنصور:غير ما طالبين وترا ولكن .. مال دهر على أناس فمالوامن عجيب أنه بعدما تفاقم الأمر، وخرج عن السيطرة، طلع على شعبه ليقول قد فهمتكم، الآن ؟؟؟؟!!!!! هذا كحال فرعون الذي حينما أدركه الغرق قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين " فقال الله تعالى له : الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية، وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون" سورة يونس.، أقدم على عزل وتنحية بعض وزرائه في اللحظة الحرجة،وليست المشكلة في الأشخاص والذوات ولكنها في الأفكار والسياسات، المشكلة في الزعامات الضالة المضلة التي أذلت شعوبها وأوردتها موارد التهلكة،أين هذا الفهم من قبل هذه الأحداث، أي فهم هذا ؟!!! إن كان صحيحا فقد جاء متأخرا، وإن كان سقيما:وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً * وآفتُه من الفهمِ السقيمِ-ولكنْ تأخذُ الآذانُ منه * على قدرِ القرائحِ والعلومِلقد تم عزل وتنحية بعض المتنفذين، بحجة أنهم قد ضللوه، وأين أنت من الهدي الرباني، لو أنك لرفعت لكتاب الله رأسا، وللهدي النبوي مقاما، لكان لك في الكتاب الكريم نبراسا، وهديا صالحا، وقباسا،  هاهو القرآن الكريم يقص عليك، السلوك القويم، حتى لا تقع ضحية التغرير والخداع، لما رفع إلى سليمان عليه السلام تقريرا، من بعض جنوده قال :"سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين "وتبين له صدق ما رفع إليه من التقرير، فيبنى على ذلك موقفا، ويتخذ إجراء، رفع إلى بعض الوزراء، شكوى من بعض عماله فأرسل إليه يقول: كثر شاكوك وقلّ شاكروك، فإما اعتدلت وإما اعتزلت"ورد كتاب صاحب أرمينية على السفّاح بأن الجند قد شغبوا ونهبوا. فكتب إليه: اعتزل أمرنا فلو عدلت لم يشغبوا ولو قريت لم ينهبوا.هذا ما كان من السفاح مع عماله وموظفيه، أما طاغية تونس، فقد استعدي البوليس على شعبه، حتى زهقت أرواح، وسفكت دماء تنادي أصحابها، بالحرية والكرامة،ولكن ليل الباطل قصير،من ألزم واجبات الدولة المسلمة توفير فرص العمل للقادرين، وتقديم المعونات لذوى الضعف والعجز من لا يقدر على كسب لكونه زمناً أو ذا علة أخرى حتى يحصل له ما يقوم بحاله ويسد خلتهعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: "أَنّ رَجُلاً مِنَ الأنْصَارِ أَتَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ، فَقَالَ أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قال بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ ونَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ  نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ المَاءِ. قال ائْتِنِي بِهِمَا. قالَ فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وقال: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ قال رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قال مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرّتَيْنِ أو ثَلاَثاً. قال رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيّاهُ وَأخَذَ الدّرْهَمَيْنِ فأَعَطَاهُمَا الأَنْصَارِيّ وقال اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَاماً فأَنْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بالاَخَرِ قَدّوماً فَآتِنِي بِهِ، فأَتَاهُ بِهِ فَشَدّ فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عُوداً بِيَدِهِ ثُم قَال لَهُ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلاَ أَرَيَنّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً. فَذَهَبَ الرّجُلُ يَحَتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْباً وَبِبَعْضِها طَعَاماً، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ المَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّ المَسْأَلَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاّ لِثَلاَثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْم مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ"هذا واجب الدولة المسلمة نحو أبنائها القادرين على العمل، توفر لهم فرص العمل، ليقتاتوا لقمتهم بعزة نفس ورفعة رأس، ويعيشوا أحرارا أعزةلا تسقنى كأس الحياة بذلة .. بل فاسقنى العز بالحنظلوغير القادرين على العمل لسبب أو لآخر، تقدم لهم المعونة الميسورة، التى توفر لهم حياة كريمة عزيزة، لَمَّا فَتَحَ اللهُ الْفُتُوحَ على رسول الله صلوات الله  وسلامه عليه  قَالَ: "أَنَا أَوْلَىَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ"وهذا مما يدل على وعي الدولة الإسلامية بواجباتها نحو رعيتها، أحياء وأمواتاقال النووي: معناه أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم وموته وأنا وليه في الحالين، فإن كان عليه دين قضيته من عندي إن لم يخلف وفاء، وإن كان له مال فهو لورثته لا آخذ منه شيئاً، وإن خلف عيالاً محتاجين ضائعين فعليّ نفقتهم ومؤونتهم.هذه بعض مهام ولي الأمر نحو رعيته في الدولة المسلمة. هذا وللحديث صلة بحول الله تعالى وقوته.هوامش:قعب: القعب: إناء ضخم كالقصعة والجمع قعاب وأقعب مثل سهم وسهام وأسهم. المصباح المنير 2/699. بسنن أبي داود، كتاب الزكاة. باب ما تجوز فيه المسألةصحيح البخاري كِتَاب الْفَرَائِضِ. باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ.صحيح مسلم  كتاب الفرائض. باب من ترك مالاً فلورثته. سنن أبو داود كتاب الخراج والفيء والإمارة. باب في أرزاق الذريةقعب: القعب: إناء ضخم كالقصعة والجمع قعاب وأقعب مثل سهم وسهام وأسهم. المصباح المنير 2/699. بسنن أبي داود، كتاب الزكاة. باب ما تجوز فيه المسألةصحيح البخاري كِتَاب الْفَرَائِضِ.  باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ.صحيح مسلم  كتاب الفرائض. باب من ترك مالاً فلورثته. سنن أبو داود كتاب الخراج والفيء والإمارة. باب في أرزاق الذرية

538

| 06 ديسمبر 2012

خطر الكلمة وفضلها

قال شريك: إني لأسمع الكلمة فيتغير لها لوني، رُبَّ محنةٍ حدثت عَنْ لَحْظَة، وَرب حَرْب جنُيت من لَفْظَة.وكان واصل بن عطاء يقول: إن من أخدع حبائل الشيطان وأغواها لكلمات هذا الأعمى الملحد. لعله يقصد بشار بن بُرد.قال تعالى:"وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً"، إن كلمات مفعمة بالتشجيع مصبوغة بالإصرار والتحدي قد تصنع في النفس ما لا تصنعه الملايين، ولا القصور، وقد تبعث فيها من الأمل ما لا يقدر عليه الأطباء والعقاقير، تدبر قول الحق تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}،وتأمل قوله تعالى: "..فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً"، وقوله تعالى:" وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلا مَّيْسُوراً" وتذكر أن كلما تحويه صحيفة أعمالك هو ما تسجله أنت بأعمالك وأفعالك، وفي الذكر الحكيم: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}فالله حفيظ لا ينسى كل أعمالك، وكل أقوالك، وكل مواقفك، وكل عطاءاتك، وكل منعك، وكل الصراعات التي في ذهنك، فأعمالك كلها مسجلة، قال الله تعالى: {لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ}إن من سحر البيان، ما يمازج الرّوح لطافةً، ويجري مع النفس رقّة. والكلام الرقيق مصايد القلوب، وإن منه لَمَا يستعطف المستشيط غيظًا، والمندمل حقدا، حتى يُطفئ جمرة غيظه، ويَسُل دفائن حقده.وإن منه لَمَا يستميل قلب اللئيم، ويأخذ بسمع الكريم وبصره. وقد جعله الله تعالى بينه وبين خلقه وسيلة نافعة. وشافعا مقبولا؛ قال تبارك وتعالى:"فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"فثمة كلمات رقيقة بها قد يتخلّص المرء من أنشوطة الهلاك، ويتفلّت من حبائل المنيّة، وذلك بحسن التنصّل، ولطيف التّوصّل، ولين الجواب، ورقيق الاستعتاب؛ حتى تعود سيئاته حسنات، وعِيض بالثواب بدلا من العقاب، وحفظ ذلك والاهتمام به أوجب ما يكون على الإنسان حفظًا لعرضه، وهو ألزم له من قوام بدنه.وكلّ شيء كشف لك قناع المعنى الخفي حتى يتأدّى إلى الفهم ويتقبّله العقل، فذلك البيان الذي ذكره الله في كتابه، ومنّ به على عباده؛ فقال تعالى:"الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ"وسئل النبي صلّى الله عليه وسلم: فيم الجمال؟ فقال "في اللسان". يريد البيان.وقال صلّى الله عليه وسلم: "إنّ من البيان لسحرا" وقالت العرب: أنفذ من الرّميّة كلمة فصيحة. وقالوا: البيانُ بصرٌ والعِيّ عمى، كما أنّ العلم بصر والجهل عمى؛ والبيان من نتاج العلم. والعيّ من نتاج الجهل.وقالوا: ليس لمنقوص البيان بهاء. ولو حكّ بيافوخه عنان السماء.ذُكر الكلام في مجلس سليمان بن عبد الملك فذمه أهل المجلس فقال سليمان كلا إن من تكلم فأحسن قدر أن يسكت فيحسن وليس كل من سكت فأحسن قدر أن يتكلم فيحسن.قال بعض الحكماء لابنه يا بُنَيَّ اللسان، أداة يظهر بها البيان، وشاهد يخبر عن الضمير، وحاكم يفصل به الخطاب، وناطق يرد به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، ومعزٍ يرد الأحزان، وواعظ ينهى عن القبيح ومزينٌ يدعو إلى الحسن، وزارع يحرث المودة، وحاصد يذهب بالضغين، ومُلْهٍ يُوقف الأسماع ألا ترى أن الله تعالى رفع درجة اللسان بأن أنطقه بالتوحيد، وليس شيء من الجوارح ينطق به غيره. من أجود ما أحتج به للكلام ما أخبر به أبو تمام قال تذاكرنا الكلام في مجلس سعيد بن عبد العزيز التنوخي وحسنه والصمت ونبله فقال سعيد ليس النجم كالقمر إنك إنما تمدح السكوت بالكلام ولا تمدح الكلام بالسكوت وما أنبأ عن شيء فهو أكبر منه.وفي مفهوم البلاغة عند الهندقال أبو الأشعث: قلت لبهلة الهندي ما البلاغة عند الهند؟ قال بهلة: عندنا في ذلك صحيفة مكتوبة، ولكن لا أحسن ترجمتها لك، ولم أعالج هذه الصناعة فأثق من نفسي بالقيام بخصائصها، وتلخيص لطائف معانيها قال أبو الأشعث فلقيت بتلك الصحيفة التراجمة فإذا فيها:أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة. وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخير اللفظ، لا يكلم سيد الأمة بكلام الأمة ولا الملوك بكلام السوقة. ويكون في قواه فضل التصرف في كل طبقة، ولا يدقق المعاني كلّ التدقيق، ولا ينقح الألفاظ كل التنقيح، ولا يصفها كل التصفية، ولا يهذبها غاية التهذيب، ولا يفعل ذلك حتى يصادف حكيما، أو فيلسوفا عليما، ومن قد تعوّد حذف فضول الكلام، وإسقاط مشتركات الألفاظ، وقد نظر في صناعة المنطق على جهة الصناعة والمبالغة، لا على جهة الاعتراض والتصفح، وعلى وجه الاستطراف والتظرف.قال تعالى لكليمه وأخيه عليهما السلام: "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى *فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" وفي التعامل مع الوالدين "وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً".هذا وبالله التوفيق

1859

| 20 نوفمبر 2012

الدروس المهمة من أحداث الأمة (5)

تأصيل مشروعية دور الرعية في تقويم إساءة الحاكم وإصلاحهجؤارنا إلى الله تعالى أن تصبح أرض الكنانة – وكل دول الربيع العربي - وقد هدأت الفتنة، وزالت المحنة، وسكنت الدهماء، وأنارت الظلماء، وخبت نار الهيجاء، وأخمدت البأساء أوارها، وركدت ريح البلاء، وانقشعت سحائب اللأواء، وانحسمت مادة الضراء، ونزعن كوامن الشحناء، كشف الله تعالى عن أرض الكنانة الغمة، وسد الثلمة، وعدل الميل، وثقف الزيغ، ورتق الفتق، ولم الشعث، وأصلح الفاسد، وأقام المائد، وقوَّم الحائد، وردَّ الشارد، ووصل ما قطع، وأعاد المنهدم، وداوي السقم، ورأب الصدع، وصحت الدولة بعد السقم ,وانحسم الداء وانكشف البلاء، واستفاض الأمن، وذهب الحزن، وانبتر الشجن، وزال الروع، وانتظم الشمل، وانجبر الوهن،ولكن ما شرعية هذا الخروج لهذه الجماهير؟؟، هذه الجماهير كم أغضت الجفون على القذى، وسحبت الذيل على الأذى، ولكل كتاب أجل، ولكل أجل كتاب، وهاك الأدلة على مشروعية هذا الخروج، والله تعالى وحده العاصم من الزلل، والخلل والخطأ، في القول والعمل،1-عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: -من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد .‏عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -من قتل دون مظلمة فهو شهيد.2-وفي الصحيح "مَنْ رَأَى مُنْكَرا فَلْيُغَيّرْهُ بِيَدِهِ فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ".3-وفي الصحيح عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:"عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ".4-روى ابن اسحاق : حدثني الزهري، حدثني أنس رضي الله عنه، فيما قاله الصديق رضي الله عنه، في أوّل خطبه سياسية في الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( ثم تكلم أبو بكر، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، أيها الناس، فإني قد وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتّى أزيح علّته إن شاء الله، والقويُّ فيكم ضعيف حتى آخذ الحقّ إن شاء الله، لا يدع قومٌ الجهاد في سبيل الله إلاّ ضربهم الله بالذلّ، ولا يشيع - فى - قومٌ قط الفاحشة إلاّ عمّهم الله بالبلاء، أطيعونـي ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله ) قال ابن كثير، وهذا إسناد صحيح أ.هـهكذا يعلنها واضحة صريحة لا لبس فيها أول خليفة في هذه الأمة "إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني" وكيف يكون التقويم ؛ إلا بمثل هذه الطريقة المسالمة دون فتة، ولا إفساد في الأرض، ولا بغي، ولا تخريب ولا تدمير.5-عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ،قال: بَايَعَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ وَعَلَىَ أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ".ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلاَّ أن تروا منهم منكراً محقَّقاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وعلينا أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر في كلِّ زمان ومكان، الكبار والصِّغار، لا نداهن فيه أحداً، ولا نخافه هو، ولا نلتفت إلى الأئمَّة فلا تأخذنا فى الله لومة لائم، والمقصود بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : "أن لا ننازع الأمر أهله " أي أئمَّة العدل والإحسان، والفضل والدين فهؤلاء لا ينازعون، وعليه فولاة الظلم وأئمة الجور، الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا، ويكممون الأفواه، ويعطلون شريعة الله، فلا يؤمر بمعروف، ولا يتناهي عن منكر، فهؤلاء ليسوا أهلا للأمر. ألا ترى إلى قوله تعالى لإبراهيم خليل الرحمن "قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين"وعلى هذا يفهم ويحمل قيام الحسن، وابن الزُّبير، وأهل المدينة – رضي الله عنهم أجمعين على بني أميَّة، وقيام جماعة عظيمة من التَّابعين والصَّدر الأوَّل على الحجَّاج مع ابن الأشعث .لِإِقَامَةِ الْحَقِّ وممن رأي مثل هذا الْخُرُوجَ عَلَى إمَامٍ غَيْرِ عَادِلٍ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وغيرهمقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابن حزم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ أَنَّ لِهَذَا الْأَمْرِ أَهْلًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُنَازِعَهُمْ إيَّاهُ،لقد صح ووضح بهذه النصوص، أحقية ومشروعية هذا الخروج،قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ.وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى الْأَصْلَحُ لِلْوِلَايَةِ إِذَا أَمْكَنَ: [إِمَّا] وُجُوبًا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَإِمَّا اسْتِحْبَابًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَأَنَّ مَنْ عَدَلَ عَنِ الْأَصْلَحِ مَعَ قُدْرَتِهِ - لِهَوَاهُ - فَهُوَ ظَالِمٌ وَيَقُولُونَ: مَنْ تَوَلَّى فَإِنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، [وَلَا يُعَانُ إِلَّا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ]، وَلَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يُعَانُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَالرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بُعِثُوا بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا فَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ أَكْمَلُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَالْمُكَذِّبُونَ لِلرُّسُلِ انْعَكَسَ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِمْ، فَصَارُوا يَتَّبِعُونَ الْمَفَاسِدَ وَيُعَطِّلُونَ الْمَصَالِحَ، فَهُمْ شَرُّ النَّاسِ""لعل القارئ والمتابع للأحداث الجارية،يجد المبررات المشروعة لقيام هذه الثورة، داعية إلى العدل والإحسان، ناهية عن المنكر والبغي والظلم، منادية بالإصلاح والصلاح،آمرة بالبر والمعروف، معاونة على البر والتقوى، زاجرة عن التعاون على الإثم والعدوان،لم يسفكوا دما حراما، ولا يدمروا عامرا، ولم يهتكوا عرضا، ولم يخدشوا حياء، ولم يخونوا أمانة،وإنما تآخوا لدفع الظلم، ورد الأمور إلى نصابها،ونصرة المظلوم.لقد كان ملخص حال الناس قبل الثورة كما قال ابن السّمّال الأسدي أيام معاوية: كيف تركت الناس؟ قال: تركتهم بين مظلوم لا ينتصف، وظالم لا ينتهي . أوليس هذا مبررا شرعيا للنهوض بالثورة؟؟!!وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفا قبل نزول الوحي عليه لو دعي لمثله في الإسلام لأجاب إنه حلف الفضول، الذي تداعت فيه قريش لنصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وردع الظالم،وإحقاق الحق ـ وإبطال الباطل. وفي الصحيح "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تمنعه من ظلمه فذلك نصر له"أما وقد خرجت هذه الملايين، متنادية بطرح الثقة في راعيها، متآزرة على إحقاق الحق، وكف أيدي الظلمة من أعوان النظام وسدنته، فما بقاء الراعي بعد ذلك في سدة الحكم,ورعيته وهي من بوأته هذا المقعد،ولا سبيل له للقيام بواجباته الشرعية إلا بها وقد نفضت يدها من يده، ففيم العناد والتمادي في الغي، والرعاة والرعية شركاء متضامنون متعاونون، لا يتم لطرف منهما القيام بواجبه إلا بمؤزرة ومساندة الآخر فهما كاليدين تغسل إحداهما الأخري، وهما للدولة كجناحي الطير، لا يحلق إلا بهما، فإذا اعتل أحدهما، تعطلت وظيفة الآخر، والراعي هنا هو أول من قص جناح الدولة ونتف ريشه، فحق لها أن تخرج بلا سلاح ولا محاربة،قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- الْإِمَام شَرِيكُ النَّاسِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، إِذْ كَانَ هُوَ وَحْدَهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَهَا، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِكَ هُوَ وَهُمْ فِيهَا، فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ، وَيَسْتَوْفِيَ الْحُقُوقَ، وَلَا يُوَفِّيهَا، وَلَا يُجَاهِدُ عَدُوًّا إِلَّا أَنْ يُعِينُوهُ، بَلْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً إِنْ لَمْ يُصَلُّوا مَعَهُ، وَلَا يُمْكِنْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ إِلَّا بِقُوَاهُمْ وَإِرَادَتِهِمْ. فَإِذَا كَانُوا مُشَارِكِينَ لَهُ فِي الْفِعْلِ وَالْقُدْرَةِ، لَا يَنْفَرِدُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ وَالرَّأْيُ لَا يَجِبُ أَنْ [يَنْفَرِدَ بِهِ بَلْ] يُشَارِكُهُمْ فِيهِ، فَيُعَاوِنُهُمْ وَيُعَاوِنُونَهُ، وَكَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ تَعْجَزُ إِلَّا بِمُعَاوَنَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ عِلْمُهُ – وعمله يَعْجَزُ - عنه - إِلَّا بِمُعَاوَنَتِهِمْ." وعليه فإن تم العصيان المدني وامتنعت الرعية عن استئناف عملها،والعودة إلى مصانعها ومختبراتها، فكيف يدور دولاب الحياة؟؟!. هذا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وللحديث بقية بحول الله تعالى وقوته. هوامش:مسند الإمام أحمد‏مسند الإمام أحمدصحيح مسلم  كتاب الإيمان.باب بيان كون النَّهي عن المنكر من الإِيمان، وأنَّ الإِيمان يزيد وينقص، وأنَّ الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر واجبانصحيح مسلم كتاب الإِمارة. باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصيةالبقرة:124الاستذكار لابن عبد البر(14/39)؛ إكمال المعلم(6/247)، الفروع(6/153)؛ الفصل في الملل(3/101)المحلى بالآثار(11/353)منهاج السنة (1/ 551- 552)العقد الفريد 2/ 127منهاج السنة (1/؟؟410)

566

| 14 نوفمبر 2012

العيد عند المسلمين ..

الأعياد في الإسلام لها صورتها الخاصة ونظامها وفلسفتها وتستمد مشروعيتها من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وتعقب أداء ركن من أركان الإسلام وشعبة من شعب الإيمان فالفطر يعقب أداء ركن الإسلام: الصوم.. والأضحي يعقب أداء شعبة الإيمان الحج. وفي حديثنا عن خصائص شهر الصوم قلنا من ذلك أن أوَّل يوم يعقبه جعله الله تعالى عيدا وهنا يكمن سر فرح المسلمين ونشوتهم في أعيادهم.. حيث قد أمكنهم الله تعالى من أداء ما افترض عليهم من عبادات وأطال في أعمارهم حتى ازدادوا إيمانا بهذه الطاعات (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) إن الله تعالى جعل لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه لله تعالى، وكل قوم اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم اتخذوه صلاة وذكرا وبرا بالفقراء وشفقة عليهم بصدقة الفطر في عيده وتوزيع لحوم الأضاحي يوم النحر وثلاثة أيام بعده. خلاصة سر التسمية للعيد بالعيد1. لرجوعه وعودته، أصله من عاد يعود أي رجع2. لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى — قاله العيني.3. لكثرة عوائد الله تعالى فيهما.4. للعود فيه إلى المرح والفرح فهو يوم سرور الخلق كلهم.5. لأن كل إنسان يعود إلى قدر منزلته ألا ترى إلى اختلاف ملابسهم وهيئاتهم ومآكلهم فمنهم من يُضيف ومنهم من يُضاف.6. لأنه يوم شريف تشبيها بالعيد: وهو فحل كريم مشهور عند العرب وينسبون إليه فيقال: إبل عيدية ،عيدية أرهنت فيها الدنانير.7. لعود ما كان مأمورًا به في غيره من العبادة مباحاً تركه.8. لعود ما كان منهيًا عنه مباحًا فيه من نحو الغفلة والسهو، وعن الإكثار من العبادة.9. لأنه بدون إعطاء النفس حظها من الشهوات لا يتم للإنسان سرور اليوم، فمن حبس النفس للعبادة في يوم العيد فقد أخطأ حكمة الشارع صلوات الله وسلامه عليه، التي طلبها لأمته في يوم العيد.هذا والأعياد في الإسلام مناسبة لكثير من الأمور.. أولا: الصلاةوقد شرع الله تعالى لعباده صلاة العيد يوم العيد، وهي من تمام ذكر الله تعالى. وهي سنة لا ينبغي لمسلم تركها. بل ذهب فريق من أهل العلم إلى وجوبها؛ بدليل ما ورد عن أم عطية — رضي الله عنها — قالت: "أمَرَنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نُخرج في العيدين العواتق، وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين" والأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء، فالرجال من باب أولى.. وقد دل حديث أم عطية رضي الله عنها — المتقدم — على مشروعية حضور النساء صلاة العيد. بشرط أن يكون ذلك على وجه تؤمن معه الفتنة بهن ومنهن، فيخرجن غير متطيبات، ولا متبرجات بزينة، بعيدات عن أماكن الرجال. وعلى المسلم أن يتذكر باجتماع الناس لصلاة العيد، اجتماعهم على صعيد واحد يوم البعث والجزاء، يوم يقوم الناس لرب العالمين. ويتذكر بتفاضلهم في هذا المجتمع، التفاضل الأكبر في الآخرة، قال الله تعالى: (انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا). قال تعالى (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) الأنعام: 162 — 163. قيل: المراد بالصلاة هنا: صلاة العيد. والنسك جمع نسيكة، وهي الذبيحة، كذلك قال مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغيرهم وفي سورة الكوثر قال تعالى (فصل لربك وانحر). أي: أعبد ربك، وانحر له، كما أن المراد بالصلاة هنا: أيضا صلاة العيد أي عيد الأضحي.. أرأيت كيف أن يوم العيد عند المسلمين يكون محلا للصلاة والذكر والتكبير. ولا صلاة قبل صلاة العيد هذه ولا بعدها لما في "الصحيحين"، من حديث ابن عباس رَضِيَ الله عنهما: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج يوم الفطر، فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما. وفي موطأ مالك رحمه الله تعالى. قال الزهري: لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر أن أحداً من سلف الأمة كان يصلي قبل صلاة العيد وبعدها. هذا وصلاة العيد من كل عام في العيدين إنما يبدأ وقتها بعد شروق الشمس بعشرين دقيقة تقريبا وتصح فرادى لمن لم يشهد جماعتها كما أنها لا تفوت بفوات الجماعة. ثانيا: المظاهرة وتكثير سواد المسلمينفي مثل هذا الحشد الجامع من المسلمين الذين يلتقون على محبة ومودَّة ومناسبة سعيدة أبهى صورة وأجمل هيئة تلك التي يجتمع فيها المسلمون مع اختلاف جنسهم على ذكر الله وأداء صلاة العيد وإعلان التكبير وشعار الإسلام.. يُشارك في هذا الجمع كل المسلمين الرجال والنساء، الكبار والصغار على السواء والذكور والإناث حتى الحُيَّض منهم كل ذلك لتكثير سواد المسلمين، وهن وإن لم تكن عليهن صلاة لعدم توفر شرط الطهارة فإنهن يذكرن ويكبرن الله تعالى ويسمعن الموعظة ويتجاوبن مع الدعوة العامة لفعل الخير وعمل البر في الصحيحين: أنَّ رسولَ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم أمر الحُيَّضَ بالخروج يومَ العيد فيشهدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين.‏ حتى إن المرأة التي لا تجد من الثياب ما تخرج فيه لشهود هذا الخير سنَّ لها النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن تستعير من أختها من الثياب ما تخرج فيه ولا تغيب عن هذا الجمع المبارك مع نسوة أخريات يكثر بهن سواد المسلمين.ثالثا: العيد مظهر من مظاهر الوحدة والجماعةعند الترمذي في سننه "الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس" قال الترمذي: فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس، انتهى. وجاء في سبل السلام: "فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس وأن المنفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية". رابعا: الذكر والتكبير في أيام العيدمن أعمال المسلمين في أعيادهم الذكر والتسبيح والتهليل لله تعالى فلا يغفل المسلمون عن ذكر الله تعالى أيام مرحهم وساعات ترويحهم عن أنفسهم فقد قال تعالى في آيات الصيام بعد بيان عدَّة أيام الصيام والمطالبة بإكمالها أقول بعد ذلك جاء الأمر بالتكبير والشكر لله تعالى في سورة البقرة (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) وقال تعالى في آيات الحج من سورة الحج (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) وقد شرع الله تعالى لعباده التكبير عند إكمال عدة رمضان من غروب الشمس آخر يوم من رمضان ودخول ليلة العيد إلى صلاة العيد. قال تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلّكم تشكرون).. وصفته أن يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. ويسن الجهر به وإظهاره في المساجد والمنازل والطرقات وكلّ موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى. قال النووي رحمه الله تعالى في أذكاره: "ويستحبّ التكبير ليلتي العيدين، ويُستحبّ في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يُحرم الإِمام بصلاة العيد، ويُستحبّ ذلك خلفَ الصلواتِ وغيرها من الأحوال. ويُكثر منه عند ازدحام الناس، ويُكَبِّر ماشياً وجالساً ومضطجعاً، وفي طريقه، وفي المسجد، وعلى فراشه.. وأما عيدُ الأضحى فيُكَبِّر فيه من بعد صلاة الصبح من يوم عَرَفة إلى أن يصليَ العصر من آخر أيام التشريق، وَيُكَبِّر خلفَ هذه العَصْرِ ثم يقطع". هذا وبالله التوفيق وكل عام أنتم والأمة الإسلامية جمعاء بخير وعافية.

728

| 06 نوفمبر 2012

الدروس المهمة من أحداث الأمة (4)

البلطجية والشبيحة من أوائل الداخلين النار كَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَقُولُ: سَيَعْلَمُ الظَّالِمُونَ حَقَّ مَنْ انْتَقَصُوا، إنَّ الظَّالِمَ لَيَنْتَظِرُ الْعِقَابَ، وَالْمَظْلُومُ يَنْتَظِرُ النَّصْرَ وَالثَّوَابَ. وَرُوِيَ: إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا سَلَّطَ عَلَيْهِ مَنْ ظَلَمَهُ ، دَخَلَ طَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ يَوْمَ الْأَذَانِ؛ قَالَ هِشَامٌ. وَمَا يَوْمُ الْأَذَانِ؟ قَالَ: اقرأ قَوْله تَعَالَى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} فَصَعِقَ هِشَامٌ، فَقَالَ طَاوُسٌ: هَذَا ذُلُّ الصِّفَةِ فَكَيْفَ الْمُعَايَنَةُ؟ وَقد تَبَرَّأَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ أَعَانَ الظَّالِمَ. وَفِي الحَدِيثٍ: "مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ" . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا تَمْلَئُوا أَعْيُنَكُمْ مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ إلَّا بِإِنْكَارٍ مِنْ قُلُوبِكُمْ لِئَلَّا تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ الصَّالِحَةُ. قال سفيان الثوري: إذا لم يكن للعالم حرفة ولا عقار كان شرطيا لهؤلاء الظلمة، وإذا لم يكن للجاهل حرفة كان رسولا للفساق. قال خياط لابن المبارك: أنا أخيط ثياب السلاطين فهل تخاف علي أن أكون من أعوان الظلمة؟ قال: لا، إن أعوان الظلمة من يبيع منك الخيط والإبرة، أما أنت فمن الظلمة أنفسهم. وَقَالَ مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيُّ: يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الظَّلَمَةُ وَأَعْوَانُهُمْ؟ فَمَا يَبْقَى أَحَدٌ حَبَّرَ لَهُمْ دَوَاةً أَوْ بَرَى لَهُمْ قَلَمًا فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَّا حَضَرَ مَعَهُمْ فَيُجْمَعُونَ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ فَيُلْقَوْنَ فِي جَهَنَّمَ. وَجَاءَ خَيَّاطٌ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: إنِّي أَخِيطُ ثِيَابَ السُّلْطَانِ أَفَتَرَانِي مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ؟ فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: بَلْ أَنْتَ مِنْ الظَّلَمَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ يَبِيعُ مِنْك الْإِبْرَةَ وَالْخُيُوطَ. ذكر أعرابيّ السلطان - الجائر - فقال: أما والله لئن عزّوا في الدنيا بالجور، لقد ذلّوا في الآخرة بالعدل وقالَ كعب: يقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ للإمامِ الجائرِ: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ . فيُسحَبُ على وجهِه في النَّارِ، فينتثرُ لحمهُ وعظامُه ومخهُ. ويتكرر التحذير من الاعتداء على الإنسان بالضرب والإهانة، من ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم: - "إن الله تعالى يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ، عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ، مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا" ويقول أيضا: "أول من يدخل من هذه الأمة النار السواطون" والسواطون هم رجال الشرطة، والمخابرات الذين يجلدون الناس بالأسواط. بغير ذنب ولا جريرة ،طاعة للحكام فى معصية الله تعالى وعن أبي هريرة أنه قال: قد رأينا من كل شيء قاله لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم. غير أنه قال: "يقال لرجال يوم القيامة: اطرحوا سياطكم وادخلوا جهنم" وقال -صلى الله عليه وسلم: "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة أشدهم عذابا للناس في الدنيا" وقال أيضا: "يوشك إن طالت بك مدة أن ترى أقواما في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله" وقال أيضا: "يكون في آخر الزمان شُرَط يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله، فإياك أن تكون منهم" وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "يكون أمراء يعذبونكم ويعذبهم الله" قد كان عمر بن الخطاب إذا بعث عماله شرط عليهم أن يعيشوا معيشة الناس، وأن يركبوا ما يركبه عامة الناس، وأن يلبسوا ما يلبسه عامة الناس ثم يشيعهم. فإذا أراد أن يرجع قال: "إني لم أسلطكم على دماء المسلمين، ولا على أعراضهم ولا على أموالهم. ولكني بعثتكم لتقيموا الصلاة وتقسموا فيهم فيئهم، وتحكموا بالعدل. فإذا أشكل عليكم شيء فارفعوه إلي. ألا فلا تضربوا العرب فتذلوها، ولا تجمروها فتفتنوها، ولا تعتلوا عليها فتحرموها، جردوا القرآن" . ولقد خطب الخليفة عمر رضي الله عنه يوما في الناس فقال: "ألا إني والله ما أرسل عمالي إليكم، ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم. ولكن أرسلهم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي. فوالذي نفسي بيده إذا لأقصنه منه"! فوثب عمرو بن العاص – رضي الله عنه - فقال: "يا أمير المؤمنين أو رأيت إن كان رجل من المسلمين على رعية، فأدب بعض رعيته أئنك لمقصنه منه"؟ فقال الخليفة: "أي والذي نفس عمر بيده إذا لأقصنه منه، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقص من نفسه. ، ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوا حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوا الغياض فتضيعوهم" وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ السَّوَّاطُونَ الَّذِينَ يَكُونُ مَعَهُمْ الْأَسْوَاطُ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ بَيْنَ يَدَيْ الظَّلَمَةِ." وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: الْجَلَاوِزَةُ، أَيْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ، وَالشُّرَطُ أَيْ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ: وُلَاةُ الشُّرْطَةِ وَهُمْ أَعْوَانُ الْوُلَاةِ وَالظَّلَمَةِ، الْوَاحِدُ مِنْهُمْ شُرْطِيٌّ: بِضَمٍّ فَفَتْحٍ - كِلَابُ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَرُوِيَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى مُوسَى صَلَّى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: "أَنْ مُرْ ظَلَمَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يُقِلُّوا مِنْ ذِكْرِي، فَإِنِّي أَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَنِي وَإِنَّ ذِكْرِي إيَّاهُمْ أَنْ أَلْعَنَهُمْ". وَفِي رِوَايَةٍ: "فَإِنِّي أَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَنِي مِنْهُمْ بِاللَّعْنَةِ" وَجَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "لَا يَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مَوْقِفٍ يُضْرَبُ فِيهِ رَجُلٌ ظُلْمًا فَإِنَّ اللَّعْنَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ حِينَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ". وَجَاءَ كَمَا مَرَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ يُضْرَبُ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَدْعُو حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةً وَاحِدَةً فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَارًا، فَلَمَّا ارْتَفَعَ عَنْهُ وَأَفَاقَ قَالَ: عَلَامَ جَلَدْتُمُونِي؟ قِيلَ: إنَّك صَلَّيْت بِغَيْرِ طَهُورٍ، وَمَرَرْت عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ" فَهَذَا حَالُ مَنْ لَمْ يَنْصُرْ الْمَظْلُومَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى نَصْرِهِ فَكَيْفَ حَالُ الظَّالِمِ؟ . قَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْت فِي الْمَنَامِ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ يَخْدُمُ الظَّلَمَةَ وَالْمَكَّاسِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي حَالَةٍ قَبِيحَةٍ فَقُلْت لَهُ: مَا حَالُك؟ فَقَالَ شَرُّ حَالٍ، فَقُلْت لَهُ: إلَى أَيْنَ صِرْت؟ فَقَالَ إلَى عَذَابِ اللَّهِ، قُلْت: فَمَا حَالُ الظَّلَمَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالَ شَرُّ حَالٍ، أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ }. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْت رَجُلًا مَقْطُوعَ الْيَدِ مِنْ الْكَتِفِ وَهُوَ يُنَادِي مَنْ رَآنِي فَلَا يَظْلِمَنَّ أَحَدًا، فَتَقَدَّمْت إلَيْهِ وَقُلْت لَهُ: يَا أَخِي مَا قِصَّتُك؟ فَقَالَ يَا أَخِي قِصَّتِي عَجِيبَةٌ، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْت مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ، فَرَأَيْت يَوْمًا صَيَّادًا قَدْ اصْطَادَ سَمَكَةً كَبِيرَةً فَأَعْجَبَتْنِي، فَجِئْت إلَيْهِ فَقُلْت: أَعْطِنِي هَذِهِ السَّمَكَةَ، فَقَالَ لَا أُعْطِيكَهَا أَنَا آخُذُ بِثَمَنِهَا قُوتًا لِعِيَالِي، فَضَرَبْته وَأَخَذْتهَا مِنْهُ قَهْرًا وَمَضَيْت بِهَا، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا مَاشٍ بِهَا حَامِلَهَا إذْ عَضَّتْ عَلَى إبْهَامِي عَضَّةً قَوِيَّةً فَلَمَّا جِئْت بِهَا إلَى بَيْتِي وَأَلْقَيْتهَا مِنْ يَدِي ضَرَبَتْ عَلَيَّ إبْهَامِي وَآلَمَتْنِي أَلَمًا شَدِيدًا حَتَّى لَمْ أَنَمْ مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ وَوَرِمَتْ يَدِي فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت الطَّبِيبَ وَشَكَوْت إلَيْهِ الْأَلَمَ فَقَالَ: هَذِهِ بُدُوُّ أَكَلَةٍ اقْطَعْهَا وَإِلَّا تَلِفَتْ يَدُك كُلُّهَا فَقَطَعْت إبْهَامِي ثُمَّ ضَرَبَتْ يَدِي فَلَمْ أُطِقْ النَّوْمَ وَلَا الْقَرَارَ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ، فَقِيلَ لِي اقْطَعْ كَفَّك فَقَطَعْتهَا وَانْتَشَرَ الْأَلَمُ إلَى السَّاعِدِ وَآلَمَنِي أَلَمًا شَدِيدًا وَلَمْ أُطِقْ النَّوْمَ وَلَا الْقَرَارَ وَجَعَلْت أَسْتَغِيثُ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ، فَقِيلَ لِي: اقْطَعْهَا مِنْ الْمِرْفَقِ فَانْتَشَرَ الْأَلَمُ إلَى الْعَضُدِ وَضَرَبَتْ عَلَيَّ عَضُدِي أَشَدَّ مِنْ الْأَلَمِ فَقِيلَ لِي: اقْطَعْ يَدَك مِنْ كَتِفِك وَإِلَّا سَرَى إلَى جَسَدِك كُلِّهِ فَقَطَعْتهَا فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ: مَا سَبَبُ أَلَمِك فَذَكَرْت لَهُ قِصَّةَ السَّمَكَةِ، فَقَالَ لِي: لَوْ كُنْت رَجَعْت مِنْ أَوَّلِ مَا أَصَابَك الْأَلَمُ إلَى صَاحِبِ السَّمَكَةِ فَاسْتَحْلَلْت مِنْهُ وَاسْتَرْضَيْته وَلَا قَطَعْت يَدَك، فَاذْهَبْ الْآنَ إلَيْهِ وَاطْلُبْ رِضَاهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْأَلَمُ إلَى بَدَنِك.قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَطْلُبُهُ فِي الْبَلَدِ حَتَّى وَجَدْته فَوَقَعْت عَلَى رِجْلَيْهِ أُقَبِّلُهُمَا وَأَبْكِي وَقُلْت: يَا سَيِّدِي سَأَلْتُك بِاَللَّهِ إلَّا مَا عَفَوْت عَنِّي، فَقَالَ لِي: وَمَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْت أَنَا الَّذِي أَخَذْت مِنْك السَّمَكَةَ غَصْبًا، وَذَكَرْت لَهُ مَا جَرَى وَأَرَيْته يَدِي فَبَكَى حِينَ رَآهَا ثُمَّ قَالَ: يَا أَخِي قَدْ حَالَلْتُكَ مِنْهَا لِمَا قَدْ رَأَيْت بِك مِنْ هَذَا الْبَلَاءِ، فَقُلْت لَهُ: بِاَللَّهِ يَا سَيِّدِي هَلْ كُنْت دَعَوْت عَلَيَّ لَمَّا أَخَذْتهَا مِنْك؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: اللَّهُمَّ هَذَا تَقَوَّى عَلَيَّ بِقُوَّتِهِ عَلَى ضَعْفِي وَأَخَذَ مِنِّي مَا رَزَقْتَنِي ظُلْمًا فَأَرِنِي فِيهِ قُدْرَتَك، فَقُلْت لَهُ: يَا سَيِّدِي قَدْ أَرَاك اللَّهُ قُدْرَتَهُ فِي وَأَنَا تَائِبٌ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا كُنْت عَلَيْهِ مِنْ خِدْمَةِ الظَّلَمَةِ وَلَا عُدْت أَقِفُ لَهُمْ عَلَى بَابٍ وَلَا أَكُونُ مِنْ أَعْوَانِهِمْ مَا دُمْت حَيًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، هذا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. هوامش: الأعراف: 44 ربيع الأبرار ونصوص الأخيار 3/ 113 ربيع الأبرار ونصوص الأخيار 3/ 116 التذكرة الحمدونية 3/ 176 تفسير ابن رجب الحنبلي 2/ 324 صحيح مسلم، كتاب البر. مسند أحمد صحيح مسلم "كتاب الجنةوصفة نعيمها وأهلها. باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء المتقي الهندي، كنز العمال، جـ5، ص798 نقلا عن ابن أبي شيبة المستدرك للحاكم مسند أحمد المستدرك للحاكم صحيح مسلم "شرح النووي"، جـ17، كتاب الجنة مسند أحمد "تصنيف الساعاتي"، جـ19، ص324. المستدرك للحاكم، الحاكم، المستدرك المتقي الهندي، كنز العمال، جـ5، ص688 نقلا عن البيهقي في شعب الإيمان. تجمروها: تجمير الجيش جمعه في الثغور وحبسهم عن العود إلى أهلهم. جردوا القرآن: لا تقرنوا به شيئا ليكون وحده منفردا. مسند أحمد، "تصنيف الساعاتي"، جـ3، ص87 الشعراء: 227

3648

| 03 نوفمبر 2012

الدروس المهمة من أحداث الأمة (3)

مشروعية التظاهر السلمي لإثارة الرأي العام للإصلاح والتغيير قال تعالى "إدفع بالتي هي أحسن"المؤمنون/ 96، وفصلت/ 34، ولئن قال تعالى في محاورة أهل الكتاب، " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"العنكبوت/46، أيكون هذا مع أهل  الكتاب، ويكون مع المسلمين الحوار بالرصاص الحي، والسلاح الأبيض، والخيل والبغال والحمير، تطأ الأبرياء بأظلافها وأخفافها، أيكون جدال أهل الكتاب بالتي هي أحسن، ويكون مع المسلمين،بخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع، والقذف بالحجارة، ما هكذا تورد الإبل يا.....لعل أزلام النظام، وأقزامه قد أدركوا قبل غيرهم أن معركة الجمال والبغال، قد دقت المسمار الأخير في نعش هؤلاء الطغاة، ,وأن هذا الصنيع بل سلوكهم طول هذه العقود، ما أعقبهم إلا ندما، ولا أورثهم  إلا حسرة، ولا أنتجهم إلا شرا، ولا أثمرهم إلا مكروها، وكره وبغض الشعب لهم، ولا أكسبهم إلا ضررا، ولا ألقحهم إلا شرا.وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.خرجوا من سُدَّة الحكم، تشيعهم وتلاحقهم لعنات اللاعنين ، على كر الجديدين، واختلاف العصرين. ما إن تهيأ لهؤلاء الفتية، والشباب الثوار فرصة للجهر بكلمة الحق، والصدع بها، واحدودب عليهم ومعهم من تقطعت بهم السبل، وضاقت بهم أرض الكنانة بما رحبت، حتى أقبل عليهم فريق الشيطان، وشيعة الباطل، وأتباع الغي وألفافه، وسباع الغارة، وفراش النار، وأعداء الحق، وجنود إبليس، وأهل الفرقة  والزيغ، والشقاق والنفاق، وأعمدة الفتنة، وألوية الضلال فزادوا الحزب والنظام ضعفا على ضعف، وضغثا على إبالة، وضِعة على ضعة، وقِحة على قحة، ولم : لا وبهم أسفر الحزب عن وجهه الكالح، وعمله القبيح، فعرف القاصي والداني، في الخارج والداخل، ما يصنع النظام بشانئيه، ومنكري المنكر عليه، ولئن صدقت الأخبار المتداولة، والمعلومات المتناقلة من كون النظام، قد كان وراء أحداث كنيسة الاسكندرية،أقول لئن صدقت، وتوثقت فما كان هذا الحزب والنظام إلا منجم الباطل، ومنبع الضلالة، ومغرس الفتنة، ومبركها، ومناخها، ووكر الباطل، وعش الدعارة، وعرصة الغي،وتكون أحداث الخامس والعشرين من يناير آية الله الباهرة، في كشف ألاعيبه، وكشط القناع عن وجهه الكئيب. إن هؤلاء المتظاهرين ليسوا بغاة، كما سنوضح ونُؤصِّل بعد قليل في حلقة قادمة بحول الله وقوته-، وإنما هم طلاب حق، ودعاة إصلاح، سُدَّت في وجوههم الأبواب، وحيل بينهم وبين قول كلمة الحق، وسد النظام في وجوههم أبواب الحوار، ووصدت في نفوسهم بواعث الأمل، وكُمْمت الأفواه، وقصفت أقلام الحق،وتم إقصاء دعاة الحق عن المنابر،في المساجد،والصحف وأجهزة الإعلام، والمجالس النيابية، بتزييف إرادتهم في الانتخابات، فلم يكن أمامهم بد من ركوب متن الطريق،ليسمع صوتهم، وليصل أنينهم إلى سمع السلطان الذي تصامم، والقاصي والداني،بل إلى سمع العالم الحر، وذوي الضمائر الحية، والفطر السليمة، انتصارا وانتصافا،  قال تعالى "لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً"   أولم يأمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم من تأذي من جاره، - عندما تفاقم أذاه -، وبلغ السيل الزبي ؛ من ضره وانتشار شره، أولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج إلى الطريق العام ويجلس بمتاعه فيه، أمام ناظري المارة والغادي والرائح، يستلعنهم على الجار المؤذي،حتى أقلع عن ظلمه، وكف عن بغيه  لما كان فيه بقية من خير، عن أبي جحيفة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جاره،  قال: "اطرح متاعك على الطريق". فطرحه،  فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه،  فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيت من الناس؟ قال: "وما لقيت منهم؟". قال: يلعنوني. قال: "لعنك الله قبل الناس". فقال: إني لا أعود. فجاء الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارفع متاعك فقد كفيت". ورواه الطبراني والبزار بنحوه إلا أنه قال: "ضع متاعك على الطريق،  أي على ظهر الطريق". فوضعه،  فكان كل من مر قال: ما شأنك؟ قال: جاري يؤذيني. فيدعو عليه،  فجاء جاره فقال: رد متاعك،  فلا أؤذيك أبدا  وهو فى مستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- بلفظ -: أن رجلا أتى النبي -صلَّى الله عليه وسلم-، فشكا إليه جاره. فقال: يا رسول الله، إن جاري يؤذيني. فقال: (أخرج متاعك، فضعه على الطريق). فأخرج متاعه، فوضعه على الطريق. فجعل كل من مر عليه قال: ما شأنك؟ قال: إني شكوت جاري إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمرني أن أخرج متاعي، فأضعه على الطريق. فجعلوا يقولون: اللهم العنه، اللهم اخزه. قال: فبلغ ذلك الرجل. فأتاه، فقال: ارجع، فوالله لا أؤذيك أبدا  " أرأيت كيف أن الرأي العام، كان له دوره في تقويم انحراف واعوجاج الجار وقد كان سبيل ذلك الطريق العام، بمعناه ولفظه البدهي وقد تكون وسيلته، توظيف كل وسائل الإعلام (من صحف ومدونات ومطويات ومنشورات وقنوات واليوم الشبكة العنكبوتية، ومواقع النت المتطورة التي جعلها الله تعالى جندا من جنوده المعاصرة ) لإظهار السوء الذي طفح، والظلم الذي ربى، والبغي الذي طم، والبلاء الذي عم أرجاء النفس والناس، والهدف رفع الظلم ورد البغي، والتغيير والإصلاح، وقد يكون بإمكان هذا الجار الذي تأذي أن يتحول، إلى سكن آخر، أما الرعية التي يؤذيها راعيها ويظلمها فأين تتحول؟ وإلى أين تذهب؟، وعليه فالشارع والطريق العام خير منبر، والتكاتف والتآزر من كافة الفئات، وأصحاب الحرف، سبيل لا نظير له لكفكفة يد الراعي الظالمة، وتقليم أظفاره،هذا ومما يدل على أن هؤلاء ليسوا بغاة،وإنما دعاة حق، ومن ساند أو ظاهر هذا الراعي من أفراد العامة من حزبه أو من غير حزبه، أو من زعماء العالم، لم يكونوا على حق فى اتصالهم به ومؤازرته ومناصرته، قال ابن عابدين، -  رحمه الله تعالى: "َإن  الْمُسْلِمِينَ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى إمَامٍ وَصَارُوا آمِنِينَ بِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ بِهِ فَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الظُّلْمَ وَيُنْصِفَهُمْ. وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُعِينُوا الْإِمَامَ، عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ، وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى خُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ"  ومما يدل على مشروعية هذا الخروج مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ:"أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ " فَجَعَلَ حُدُوثَ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ بَعِيدًا رَافِعًا لِوُجُوبِ الطَّاعَةِ، فارْتَفَعَتْ طَاعَةُ الْوَالِي لِجَوْرِهِ، وبهذا الخروج والإخراج لهم من السلطة، كأني بالله تعالى أراد أن يجعلهم أحدوثة سائرة، وعبرة ظاهرة لمن اعتبر، وعظة بالغة للمتفكر، وأعجوبة للناظر،سأل رجل النَظَّام قائلا: ما الأمور الصامتة الناطقة؟ قال : الدلائل المخبرة، والعبر الواعظة. ولا يتم هذا الأمر إلا بأن يؤخذ بجرمه، وجريرته، وما اقترفته نفسه، وما جنته يداه،وما ينبغي أن تقف الأحداث وفعاليتها عند حد خروجه وإخراجه من كرسي الحكم، إذ لا بد من اكتمال المشهد، وإتمام الدورة، وبلوغ الثورة غايتها، وتحقيق أهدافها، حتى لا ندور في حلقة مفرغة، ولكي لا نعود بعد فترة إلى المربع الأول،هذا إذا أردنا تطهير البلاد من سائر المظالم والمفاسد التى  خلفها هذا النظام الأثيم، هذا وبالله التوفيق، وللحديث بقية بحول الله وقوته. هوامش: 1-النساء:148 2- مجمع الزوائد كتاب البر والصلة. باب ما جاء في جار السوء وإمام السوء وزوجة السوء نعوذ بالله منهم باب ما جاء في أذى الجار. صحيح الترغيب والترهيب محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420هـ) مكتبة المعارف - الرياض 2558 - (صحيح لغيره) 3- مستدرك الحاكم كتاب البر والصلة 4- محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ) 5- الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 261) 6- الحاوي الكبير 8/

1130

| 31 أكتوبر 2012

بين عشر ذي الحجة وعشر رمضان

القرآن الكريم ابتدأ نزوله في عشر رمضان الأخيرة واكتمل في عشر ذي الحجة الأولى مضى رمضان، وتصرمت لياليه الفاضلة وأيامه المباركة، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر، وبعده بدأ الفتور يغزو القلوب، كما بدأ منحنى الإيمان في الهبوط مرة أخرى عند الكثيرين إلا من رحم الله، ولكنه عز وجل دائم العطاء والمنّ، يلاحق عباده بأسباب المغفرة وموجبات الرحمة وفي الحديث:" افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ". فهلا تقبلت أخي المسلم وأختي المسلمة هذه المنحة الإلهية؟ والنفحة الربانية الآنية وهلا - بإخلاص - أكثرنا من الأعمال الصالحة من صدقة وصيام وتلاوة للقرآن وصلة الرحم وإطعام المساكين. والدعاء بخيريِ الدنيا والآخرة، لك ولإخوانك المسلمين، الأحياء منهم والأموات، ولأمر ما وسط آيات الحج جاء الدعاء الجامع:"رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار". ومن هذه الأعمال الصالحة نشر العلم الشرعي وردُّ المظالم إلى أهلها مع حفظ الجوارح، سيما السمع والبصر واللسان. فمن عجز عن ذلك كله فليكفَّ أذاه وشره عن الآخرين. إلى غير ذلك من أعمال البر وشعب الإيمان فأبواب الخير كثيرة لا تنحصر، ومفهوم العمل الصالح واسع شامل ينتظم كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فينبغي لمن وفقه الله، أن يعرف لهذه الأيام فضلها، ويقدر لها قدرها، فيحرص على الاجتهاد فيها، ويحاول أن يتقلل فيها ما أمكن من أشغال الدنيا وصوارفها، فإنما هي ساعات ولحظات ما أسرع انقضاءها وتصرمها، والسعيد من وفق فيها لصالح القول والعمل. والفرص سوانح قلما ترجع إذا فاتت والعمر قصير والقدر غائب وأمر الله غالب.. فهلا شمرنا عن ساعد الجِد في هذه الأيام، واستعنا بالله على الطاعة فيها، فهو المُوفق والمسهل والمساعد في كل وقت وآن، ولقد اختار الله تعالى من الأيام والليالي أياما وليالي جعلها مواسم خير، وأيام عبادة، وأوقات قربات، وهي بين أيام السنة، كأوقات الضحى من النهار، قليلة عزيزة وبين لياليها كالساعات الأولى عند انبلاج الفجر، ما تلبث أن تذهب سريعا، والرشيد السعيد من تعرض لها، ونهل من خيرها، ومن هذه المواسم النيرات، والنفحات المباركات، أيام العشر الأول من ذي الحجة الحرام، فقد آثرها الله على ما سواها، فرفع من شأنها واجتباها، وجعل ثواب العمل فيها أعلى من ثوابه فيما دونها، علاوة على ما خصها الله تعالى به من أعمال فريضة الحج التي لا تكون في غيرها. وإن إدراك هذه العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على عباده، لأنه يدرك موسماً من مواسم الطاعة التي تكون عوناً للمسلم - بتوفيق الله - على تحصيل الثواب واغتنام الأجر، فعشر ذي الحجة "هذه هي الأيامُ العشر التي أقسم اللّه بلياليها في كتابه بقوله: ""وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ"، بل ورد أنها هي العشر التي أتمها الله - تعالى - لموسى - عليه السلام -، والتي جاء ذكرها في قوله  تعالى —: "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ"، وقال ابن كثير: (وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما هي؟ فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة والعشر عشر ذي الحجة... فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى - عليه السلام -، وفيه أكمل الله الدين لمحمد - صلى الله عليه وسلم - كما قال - تعالى -: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً". ويوم النحر هو يوم التقرب إلى الله - تعالى - وتوحيده بالنسك العظيم، في أكبر مشهد لتوحيد الله - تعالى - بهذه العبادة، التي ضل فيها كثير من الناس فقدموها لغيره - سبحانه - من الأصنام والأوثان والقبور، ومن ثم جاء التنبيه على توحيد الله - تعالى - فيها في آيات عديدة، كما في قوله - تعالى -: "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ"، أي: وانحر لربك ذبيحتك له وعلى اسمه وحده، وأمر عز وجل بذكر اسم الله - تعالى - وحده لا شريك له على الهدايا والأضاحي، فقال: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ"6، "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ"، "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ...". فعلى المسلم أن يستشعر هذه النعمة، ويستحضر عظم أجر العمل في هذه العشر، ويغتنم الأوقات، وأن يُظهر لهذه العشر مزية على غيرها، بمزيد الطاعة، وهذا شأن سلف هذه الأمة، كما قال أبو عثمان النهدي - رحمه الله -: (كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأَوَّلَ من ذي الحجة، والعشر الأَوَّلَ من المحرم ). ولم لا وقد ابتدأ نزول القرآن الكريم في العشر الأخيرة من رمضان في ليلة القدر واكتمل في العشر الأول من ذي الحجة بنزول قوله تعالى يوم عرفة:"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا"((والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا)). وقال تعالى: ((وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السموات والأرض أُعدّت للمتقين)) ومن فضل هذه الأيام العشر أن العمل الصالح فيها لا يضاهيه عمل، ولا الجهاد في سبيل الله، إلا خروج الرجل بكل ما يملك، لا يرجع بشيء من هذا كله. ومن الأدلة على فضل هذه الأيام العشر من شقي الوحي الكتاب العظيم والسنة النبوية المطهرة ما يأتي قال تعالى:" لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ" قال ابن عباس - رَضِيَ الله عنهما -: الأيام المعلومات أيام العشر، وهو مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد بن حنبل. وهذه العشر مشتملة على يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر ويوم القر، وقد ورد الحديث بأنها أفضل أيام الدنيا،فى الحديث " أفضل أيام الدنيا العشر - يعني عشر ذي الحجة - "، وقد فضّل هذه العشر كثير من العلماء على عشر رمضان الأخير، لأنه يشرع فيه ما يشرع في تلك من صلاة وصيام وصدقة وغيرها، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه.وقال تعالى:" وَالْفَجْرِ *وَلَيَالٍ عَشْرٍ"، المراد بها عشر ذي الحجة وهو قول ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف رَضِيَ الله عنهم ". هذا والله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وتقبل الله صالح الأعمال وغفر ما دون ذلك وبالله التوفيق.

395

| 15 أكتوبر 2012

"الدروس المهمة من أحداث الأمة"(2)

ثورة في رحم الغيب، ومرارة الفطام، وآلام النزع الأخير من الدروس الكامنة في أحداث أرض الكنانة، ثورة في رحم الغيب، ومرارة الفطام، وآلام النزع الأخير، سبحان الله يتساءل الناس، في الشرق والغرب، كيف جرت هذه الأحداث؟!!، كيف وقعت؟؟!!،أجهزة المخابرات في إسرائيل، تتوجه إليها لائمة اللائمين، كيف لم تستشرف هذا الغليان الذي طفح به الشارع ؟؟، وكذا المخابرات الأمريكية، غيَّبها الله تعالى،وأعمي جنودها ، وطمس بصائر عيونها حتى وقع الأمر لا تقل عما جرى كيف جرى        فكل شيئ بقضاء وقدر عندما بدت في الأفق لوائح هذه الثورة العارمة وخرجت بواكيرها، أين كانت أجهزة المخابرات، لترفع تقريرا صادقا، من منطلق الدرس الذي لقنه لهم هدهد سليمان عليه السلام، "وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ "النمل{22}‏لو أنها مشغولة بالحق، لو أن ولاءها للوطن، لو أن إنتماءها للحق، ولكن ليس الأمر هكذا وليس الشأن هذا، إنها مشغولة بملاحقة ومطاردة المناوئين لباطل النظام،الناقمين لغطرسته،الناهين له عن مآثمه، المنادين عليه بالكف عن الانغماس في المعاصي والسيئات والسوءات، لعله يحجزه عن ذلك كله تُقَي أو يردعه عنه نُهَي، أو يَكُفُّه تَحَرُّج، أو يَدْفَعُه تَوَرُّع، "وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"  "وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:40) إلى الحزب الوطني على ما بدا من فساده وإفساده، واستبداد وضياع للبلاد والعباد، ومثله الحزب الديمقراطي في تونس، وسائر هذه الأحزاب في وطننا العربي الكبير، جعلك الله تعالى ممن اجْتُثَّ من فوق الأرض أصله، وانْتُزع من جوف الأرض جذمه، واقتلع الثرى من بين عروقه، وأُتي بنيانه من القواعد فَخَرَّت جدرانه من الصواعق، واقْتُلعت من رأسه أوتاده، فكأنها أعجاز نخل منقعر. لقد جمع الباطلُ من هذه الأحزاب ألفافا، وحوى منهم أحلافا، نسأل الله تعالى أن يُتِيح لهذه الأحزاب والأنظمة - الباغية  الظالمة الطاغية – من أوليائه مَنْ يُفرِّق ما جمعت، ويَضَعُ ما رفعت، ويُخَضد ما زرعت، ويُصْلح ما أفسدت، ويُلِم ما شعَّتت، ويَرُم ما شعثت، ويَرْأَب ما صَدعت، ويَجْمع ما اضطر إلى الشتات في -المعمورة- والله محيط بالظالمين أيها النظام الغابر وحزبه الخاسر، لقد كانت لك صولة وجولة في خَوَالي الدهور، وَمَوَاضِي الشهور، وسَوَالِف العصور، وفَوَارِط الأيام، وذَوَاهِب الأعوام ، تلك الفترة والحقبة التي امتدت إلى ثلاثين عاما، عاث فيها الحزب ونظامه في البلاد فسادا، ارتكب العظائم، واقترف المآثم، وأَسَرَ الأموال، واستبدَّ بالأعمال، وما كان ذلك لولا الظلام الذي أدبر، وانقرض الليل وتَهَوَّر، وأَفَلَت النجوم، وانفلق الفجر واستطار، وأسفر الصبح، وانتشر الشعاع حين أقبل نهار الثورة،وما أن انبهر النهار، إلا وقد ظهر أفراد النظام والحزب، وانكشف عنهم الغطاء ؛ فتسمع عن لِصٍّ خابث، أو قاطع عائث، أو سارق خارب، أو سلال سالب، أو مريب ظِنين، أو متهم موصوم، شيطان ليطان، حقير نقير، قبيح شقيح، خبيث نبيث، ضائع سائع، شَقِيٍ لقي، بعيد من الخير، صفر اليدين، سبحان الله ؟؟!! كأن هذا النظام وحزبه كانوا في هذا الشعب كأنهم سباع عادية، وذئاب ضارية، وعقبان كاسرة لقد أورد هذا الحزب نفسه بل وأرض الكنانة كلها مشارع البَوَار، وحَمَلَها على مَطَايا التَبَار، وأقامها على شَفَا جُرُف هار، ووقفها على رَجَا حُفْرة من النار، وأهداها إلى مدارج الذلة والصغار لقد أراد الحزب والنظام الحاكم خلال الحقبة الماضية بمعاداته للصحوة الإسلامية، وإيمائه أو إيحائه للغرب الكافر الحاقد أنه الحصن الواقي منها، والسد المنيع دون السيل الجارف لهذه الصحوة، فحاول أن يَدرُس آثار الدين، ويَطْمِس أعلام المهتدين، ويُعْفِي سنة الصالحين، ويُعْمِي مناهج المتقين، ويَهْدِم منار الراشدين، ويَرْدِم شرائع العابدين،ويُوْصِد رِتَاج التائبين، ويُهِدَّ أركان الديانة، ويَصُكَّ آذان الأمانة، ويَنْسخ شرائع الإسلام،، ويَسْلخ النور من الظلام، ويُنْسى مواعظ الذكرى، ويُنْسل لباس التقوي، ويُخْبِي مصابيح القرآن، ويُطْفِئ نور سراج الإيمان، ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون" فرفع المُلحد، ووضع المُوَحِّد، وآنس البيعة، وأوحش المسجد ولو أنه فاء واعترف، وأسرع إلى الإجابة، وأظهر التوبة والإنابة، وأقصر عما جر واجترم،، وتاب من ذنبه، وكف من حوبه، ونزع عن جرمه، وورع من ظلمه، وخيانته وجريرته وجريمته، لكان ثمة مندوحة لأن تمحو إنابته مساوي عيوبه،ومعرة ذنوبه، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا"أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم فى الدنيا خزي وقد كان المتوقع منه، بعدما أقر بتزوير الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بدليلين أولهما يوم افتتاح برلمان مجلس الشعب في جلسته الأولى حيث ألمح إلا أنه قد شابت انتخاباته شوائب، وحينها لم ترق في نظره المائل، إلى درجة وجوب التعديل وتصحيح المسار، وأسف - ساخرا - حينها لعدم تمكن المعارضة من تحقيق النجاح المطلوب،وما سر وسبب عدم نجاحها  إلا زبانية الحزب وأزلامه، وثاني الدليلين مناداته اليوم بقبول طعون القضاء الإداري في عضوية أعضاء من هذا المجلس، وطلبه اليوم ذلك. لماذا الآن ؟؟ !!! ولماذا اليوم ؟؟ !!! أقول قد كان المتوقع منه وقد تنادي بضرورة تقويم ما اعوج من مواد الدستور، حتى تبدو عليه أمارات التغيير والصلاح، أن يفسح المجال لكفاءات أخري في البلد ليس هو بأحرص منها عليها، وليست بأغنى منه عن خدمتها، ولها في رقابهم ما لها في رقبته، حتى يقال إن الرجل فاء واعترف، وندم على ما جنى واجترح، ولو أنه أقدم على هذه الخطوة مبكرا، لحقن الدماء، وأبقى للأنفس عصمتها، ولما أوسعته جماهير الشعب بكافة أطيافها وحرفها ومهنها لوما وذما، وعتبا وتأنيبا، وتقريعا وتبكيتا،فسفهت رأيه، وقبحت فعله، وقرصته ألسنة الملامة، وقطعته مناشر الذم، واللوم، لأنه وبمضي الأيام والليالي عبر عقود ولايته، بل خلال الثورة الشعبية بدا وكأنه كالمستولغ  الذي لا يبالي الذم، ولا اللوم، ولا المعاقبة في الدنيا قبل الآخرة،بدا وكأنه الشاطر الذي أعيا أهله خبثا، والخليع الذي لا يردعه توبيخ، ولا يقذعه تأنيب، ولا يلفته تقريع، ولا يبالي ما صنع ولكن ماسر توالي نصائح الغرب، ووصاياه، أبعدما انكشف الغطاء،وانكشط الغماء، وانتهك الستار، وسفر الخمار، وكشف القناع، ونزع اللباس، وأسفرت الظلمة، وزال الارتياب، وبرح الخفاء، سبحان الله، أخمل الله ذكره، وخفض قدره وعلام المنة بالأعمال في الحرب والسلام، وما التوفيق إليها إلا بالله، والقبول مشروط بالتقوى، "إنما يتقبل الله من المتقين" ولا سبيل لتزكية النفس بها "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكى من يشاء ولا يظلمون فتيلا" "فلا تزكو أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"، أهي غزوة بدر ؟؟!! التي بها امتاز أصحابها وأهلها عن سائر الصحابة، حتى صدر فيهم القول النبوي المعصوم " لعل الله اطلع على أهل بدر فقال "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " ؟؟؟ ثم ما أدراك أن هذه الأعمال قد قبلت، والمنة بالأعمال، تُعرِّضُها للإحباط، ويتعرض صاحبها للإسخاط فلماذا تعرض أجرك للإحباط، وتتعرض من ربك للإسخاط.قال تعالى :" والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون" وفي الحديث بيان سبب وجف الذين توجل قلوبهم، إنهم الذين يصلون ويصومون، ويتصدقون وقلوبهم وجلة هل قبلت منهم هذه الأعمال أم لا؟!! ولماذا تأخر الإعلام والإفصاح عن عدم الرغبة في الترشح لفترة رئاسية جديدة أذلك من باب "مكره أخوك لا بطل" بعد هذا الضغط الشعبي وبعد هذا الزخم من الداخل والخارج صرح بعدم النية فى التجديد  والتوريث سبحان الله سبحان الله .!! أكان شعب أرض الكنانة يقبل أن يسام الخسف ؟؟؟!!! صرح عما في نفسه وأفصح عما في قلبه، وأعرب عن ضميره، وباح بذات نفسه وأخبر عن نيته، ونشر عن طويته، وكشف عن سريرته أين ومتى كان هذا التصريح؟؟!!، وحديث البادي والحاضر والغادي والرائح عن مخطط التوريث، منذ سنين عددا.أبعدما افترت الأمور عن حقائقها ودقائقها، وانجلت عن مصادتها، وأسفرت عن جليتها. لكن الشعب الذي ولاه، الشعب الذي انتخبه وانتجاه هو هو الشعب الذي نبذه اليوم وقلاه وفي الحديث "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون الله لهم ويدعون الله لكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم"  أقول لقد كان حريا به وقد بادهته الجماهير بمشاعرها، وصارحته بلواعج وجدانها وجوانبها، هذه الجماهير قد خرجت تغلي فى قلوبها مراجل العداوة، وتلتهب نار البغضاء، لما أثقل كاهلها من أعباء ومظالم ومفاسد، قد كان خليقا به أن تكون له أسوة في كل من زعيم جنوب أفريقيا، نيلسون مانديلا، وجوهرة السودان سوار الذهب، ولكنه عاج في سيره، وعرج في مشيه، وعوج في قيامه، وانفرج في طريقه،وحاف في حكمه،وجار في قضائه، وصغا إلى كبره وحار إلى هواه، وزال عن استقامته، وانعطف إلى ضده، وتزاور عن يمينه، وقرض عن شماله لقد كان تلك قرائن منه وأمارات على أن شمسه قد تضيفت للغروب، وصغا نجمه للأفول، ومال طائره للسقوط.فقد ضل عن سواء السبيل، وترك منهج الأمانة، وسلك مدرج الخيانة، وأكثر بحزبه في الأرض الفساد، وظهر منه العناد، واستعلى المراد لقد أراد الله تعالى بهذه الثورة المباركة إن شاء الله تعالى أن يضع حدا لهذا الخراب والدمار الذي لحق بأرض الكنانة، أراد أن يضع حدا لهذا الظلم الذي حاق بخير أجناد الأرض،، لقد كان من حدائنا منذ حين من الزمن، " طهر الله تعالى منهم البلاد، وأنقذ منهم العباد، وأصلح ما أفسدوا، وأهلك من طغى وعند، وجذ أواصر من سعى فى الأرض فسادا، وأظهر فيها تعنتا وعنادا، ليقر الأمر الصالح مقره، ويجتث  من الشر عناصره ؛كشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار لا زلنا نوالي استلهام الدروس واستخلاص العبر من الأحداث الجارية، نعم من أعظم وأبلغ الدروس، "مُرُّ الفطام"،قيل لأحد الولاة بعدما عزل من ولاية، كيف وجدتها ؟!! قال "وجدتها حلوة الرضاع مرة الفطام"، يعز على من أمضي سنين عددا في الولاية والحكومة أن يُعزل، ولا سيما إذا جاءه العزل على غير توقع، "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {26}آل عمران. هذا وانتهاء ولاية الحاكم بواحد من أمور ثلاثة: 1-إما موته، 2- أو خلعه لنفسه ؛ فلا يبقي فى منصبه مكرها رغم إرادته، 3- أو عزل الأمة له لتغير حاله، بأمور منها  جرح عدالته بارتكابه لمحظور، أو قيامه بمنكرات، أو انقياده للأهواء والشهوات، في تسييره لأمور الأمة، أو إخلاله بواجباته  الشرعية، فتغير حاله على هذا النحو، يسقط حقه في وجوب مناصرته، وطاعته،بل يسوغ تسويغا شرعيا لمثل هذه التظاهرات.وما دامت الأمة هي التي تملك حق التعيين فهي مالك حق العزل لم يكن هناك من سبيل إلا بتر هذا الحزب سيئ الصيت، فقد أعضل الأمر، وأفظع، واستشرى الشر بين القوم، وفاض ضره، وفشا شره، وأبادته بوادره، وأثخنته مخالبه، وشمله شره،وأنكاه كيده، ومكره، قد اضطرمت البلاد بفتنه، واشتعلت النواحي بعينه، وتلظى البلد بعناده، والتهبت بفائض شره، وفائر ضره، فانتشر بغيه، وغمر أذاه، ودامت فتنته، وعظمت محنته، واتصلت مكارهه، واستمرت بوائقه، وفاضت أمواج جهالته،ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، والله لا يحب المفسدين لكل ولاية لا بدّ عزل .. وصرف الدهر عقد ثم حلّ وأحسن سيرة تبقى لوال .. على الأيام إحسان وعدل أيها الشباب الثائرون، أماط الله تعالى بكم الأذي عن أرض الكنانة وأهلها، وكف بكم عنها الردي، وكسر أنياب الأشرار عنكم، وقلم منهم الأظفار، وصب عليهم سوط عذابه، وسكب لهم بأس عقابه، وفجر لهم ينابيع أسقامه، وأسامهم في وخيم المراتع، وأذاقهم حرارة بطشه، ومرارة بأسه، والله أشد بأسا وأشد تنكيلا. عجيب بعد عقود من الزمن، يفهم " فهمتكم..، فهمتكم.." "أدرك معاناتكم.." أقول بعد عقود من الزمن يفهم ويدرك رعاة بلداننا العربية، وحكام أوطاننا حاجة رعيتهم، ومطالبهم، وأشواقهم وتطلعاتهم،وآمالهم وآلامهم، وطموحاتهم،ولكن هيهات أن يأتي الفهم المتأخر والإدراك الدبار الذي أتي بعد فوات الأوان، بعد خراب البصرة، بعد نفاذ القوة، ألا ما أعظم سهو هؤلاء الرعاة، وما أكبر اغترارهم بعدوات الزمان، وما أذكى أعين الزمان عليهم، يحمل أحدهم نفسه على المخاوف والمعاطب، والمهالك، وعلى الأمور الموبقة المردية، في غفلة من قوارع الزمن،ومخبئات الأقدار، حتى تنقبض وسائله وتتصرم علائقه وتنبت أسبابه، ويخلولق ذمامه، وتنقطع أواخيه،  "أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"، ساموا رعيتهم خطة خسف، واستذلوها، وأهانوها،، ولسوء صنيعهم  وقبيح أفعالهم، وعظيم غفلتهم عن رعاية مصالح رعيتهم، وهت أسباب المودة بينهم وبينها، وتضعضعت دعائمها، وانحلت عراها، ورثَّت حبالها، وضعفت قواعدها،  سقمت ضمائرهم، ومرضت أهواؤهم،ونغلت نياتهم، ودويت قلوبهم،وسخمت ضمائرهم، وغلظت أكبادهم، وقست قلوبهم، وفظَّت أنفسهم وجفت سبحان الله اليوم بعد هذه العقود من الزمن يفيقون من غيبتهم، وينهضون من سباتهم، للشعور بمعاناة شعوبهم، روى النسائي عن أبي الدرداء – رضي الله عنه - عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (مثل الذي ينفق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعد ما يشبع).‏ وماذا عساه أن يفيد هذا الفهم والوعي والإدراك، وقد بلغ السيل الزبي، وطفح الكيل، وأظلم الليل على الحياري، وتفاقم الصدع، وجاوز الحدَّ، وبلغت الدلو الحمأة، وانتهى السكين إلى العظم، وانقطع السَّلى في البطن، واتسع الخرق على الراقع، ولم يُعد يجدى نفعا خطاب العواطف، واستجداء المشاعر، واجترار الأحزان، واستحضار سوابق وسوالف الأعمال – التي علم الله وحده قبولها من عدمه، وربما تبعتها أعمال أخري محتها، وأفعال سحقتها، وأحبطتها، المهم أن الشأن الآن جل عن العتاب،، وأعيى على الراقي، وعظم عن التلاقي، فقد بلغت القلوب الحناجر، وكادت الروح تبلغ التراقي، والإفاقة الآن إفاقة شحيح كنود جحود ضيع حق الله وحق خلقه فلما أن أدركه الغرق، وفقد الأمل في البقاء، وأسقط في يده، هرع إلى الجود والسخاء حيث لا نفع ولا جداء،يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصدقة فقال: (أن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش ولا تمهل حتى إذا بلغت التراقي قلت لفلان كذا ولفلان كذا)إن هذا التصرف، لا معنى له إلا اليأس، والإفلاس،وشعور المحبط، وحسرة المحرج، وفلتة الذهول،ومعاينة الخلاص، وفي هذه اللحظات لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا،ما الصوارف التي صرفتهم عن الإصلاح قبل أن يبلغ السيل الزبى، ما اللوافت التى لفتتهم عن النظر ؛ والتخطيط الدقيق لمصالح رعيتهم خلال ثلاثين عاما أو انقص منها أو زد عليها، ما الأوافك التى أفكتهم عن تحقيق العدل والعدالة الاجتماعية بين رعيتهم فيما مضى وقديما قيل: دليل البصر، أوضح من دليل الخبر، إن من مكث عقودا من الزمن، وفاته الإصلاح والتغيير، والسداد، فأني يكون ذلك ؟؟؟؟!!!! وقد ولى العمر وانتزعت الثقة، وشاهد الأحوال، أنطق من شاهد الأقوال، لا برامج ولا خطط، وتزداد البلاد فقرا على فقر وميزانيتها عجزا على عجز، وتنتشر البطالة يوما بعد يوم، حتى حق لبعضهم أن يقول: نحن في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا والشر إلا إقبالا والشيطان في هلاك الناس إلا طمعا، اضرب بطرفك حيث شئت هل تنظر إلا فقيرا يكابد فقرا، أو غنيا بدّل نعمة الله كفرا، أو بخيلا اتخذ بحق الله وفرا، أو متمردا كأن بسمعه عن سماع المواعظ وقرا. *يتخرج شباب الأمة عاما بعد عام لا يجدون وظيفة، ولا عملا، فهل من الحكمة الإبقاء على هذا الحال، نعم حقا  شاهد الأحوال، أنطق من شاهد الأقوال، هذا أشبه بحال من ظل طول عمره كافرا جاحدا مكذبا فلما أدركه الغرق قال آمنت: قال تعالى:" وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91} فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ {92} يونس هذا الذي آل إليه مصير فرعون، هو حال كثير من طغاة عالمنا العربي لا يعرفون الله تعالى إلا عند الغرق، فيندمون حين لا ينفع الندم، ويفيقون بعد فوات الأوان، لقد عمروا كثيرا وطال عليهم الأمد فقست قلوبهم فلم ينتبهوا لإصلاح، ولم تستشرف عقولهم لحال رعيتهم، وغطوا في نوم عميق حتى هبت عليهم رياح التغيير العاتية، فلم تبق لهم باقية وأصابتهم صاعقة المظلومين ,ولاحقتهم  لعنات اللاعنين، ويوم القيامة هم من المقبوحين، هذه الريح بعثتهم من نومهم وأقضت مضاجعهم صيحات المنكوبين بهم، وطلبهم البقاء حتى النهاية ورجاؤهم المهلة إنما هو تمكين لهم في ظلمهم، وما هم بمصلحين قال تعالى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ {37}فاطر. قال تعالى :"بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {28}"الأنعام الحمد لله الذي أذلّ عزّتك، وأذهب سطوتك، وأزال مقدرتك، وأعادك إلى استحقاقك ومنزلتك، فلئن أخطأت فيك النّعمة، لقد أصابت منك النّقمة، ولئن أساءت الأيام فأبدت صفحاتها بإقبالها عليك، لقد أحسنت بإدبارها عنك؛ فلا أنفذ الله لك أمراً، ولا رفع لك قدراً، ولا أعلى لك ذكراً. الحمد لله الذي كفانا شرّك، ووقانا عُرَّك، وصرف عنّا ضُرَّك، وأذهب عنا فيحك وحرَّك الحمد لله على ما آلت اليه حالك إن غزوة الجمال والبغال والحمير أبانت عن معادن وأصناف من قام عليهم هذا الحزب، لقد دلت هذه الغزوة على أن هذا الحزب قد جمع معه أعلام الضلالة، وأشياع الجهالة، وأتباع الغواية وأوباش العماية، وأشابة الشقاوة،وطواغي الفتن، وباغية الشر،، لقد دلت هذه الغزوة، على أن هذا الحزب وأمثاله إنما يحوي ويضم إليه كل جائر وشقي، وحائر وغوي، وخامل ودني، وراذل ودني، وشذاذ البلاد، وأشرار العباد، وندَّاد الهزائم، وعرضة البوار، هذا وبالله التوفيق، وللحديث صلة بحول الله وقوته هوامش: الأعراف/164  ‏معجم الطبراني الكبير النمل:84

906

| 11 أكتوبر 2012

"الدروس المهمة من أحداث الأمة" (1)

اللحظات الحاسمة الحمد لله الذي ما شاء صنع، من شاء أعطى ومن شاء منع، ومن شاء خفض ومن شاء رفع. ومن شاء ضرّ ومن شاء نفع. لقد خرجت هذه الثورة الشعبية والتظاهُرة السلمية، مطالبةً بتغيير النهج لا الوجوه، وكفْ كفِّ الفساد،، ومدْ يدِ الصلاح والإصلاح،وإحْلال الأخيرة محل الأولى، وإنقاذِ البلاد والعباد مِن مساوئِ الاستبداد وأركانِ الفساد،إلا أن الرجل  صدَّ عن سواء السبيل، وغفل عن فِعال الجميل، وتَاهَ عن الطريقة المُثلى، وفارق العروةَ الوُثْقى، وجَارَ عن سواءِ الصِّراط، ولجَّ في الغُلُو والإفْراط، وتركَ سبيلَ الهُدي والرَّشاد، وسلم سبيل الردى والعناد، وتنكَّب مناهج الهدي، وركبَ سنن الضلالة والردى، وتمسَّك بحبائل الشيطان، ولَزِم الطغيان، وترك الحقَّ الذي وَضُح وبَان، وهجَر الصِّدق، وتَبِع الهوى، وفارقَ الهُدي. وتولَّى الشيطان. "وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً * أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً"  ‏لقد سلك سبيلا، يُعلِّق القلوب،ويُذْهِل الألباب، ويُحَيِّر العقول، ويُوْرِث الذُّهول، ويَشْغل الخواطر، ويُكْثِر الوساوس، ويُطِيل الهَوَاجس، ويُبَلْبل الأحشاء، ويُقَسِّم الأفكار، ويَقِل معه الاصطبار، ويُصْدئ الأذهان، ويُشغل الجنان. لقد أقامَ على ضلالته، وثَبَتَ على جهالته، وانهمكَ في غِوَايته، وَتَهَوَّر في عَمَايته، وتَمَسَّك بشقاوته، ولجَّ في طُغْيانه، وتَبَجَّح بِعُدْوانه، ولجَّ في سكرته، وأولجَ في غِرَّتِه، ودامَ على إصراره، وتمادَي في اغتراره، ولَهَجَ بِغَيِّه،وأقامَ على عُتُوِّه،وأخلدَ إلى عُنُوده،وتمسَّك بإبائه، وأصرَّ على إلْتِوَائه، وخَبَط في عَشْوَائه، واستحْوذَ عليه شيطانُه، فلا تَراه إلا على غَيِّه مُصِرًّا، وفي ضلالته مستمرًا. "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ* *إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ. كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" إِن الدُّنْيَا دَارُ غرور، ومنزلُ بَاطِل وزينة، تقلب بِأَهْلِهَا، تُضْحِك باكياً، وتُبْكي ضَاحِكا، وتُخِيف آمنا، وتُؤَمِّن خَائفًا، تُفْقِر مُثْرِيها، وتُقَرِّب مُقْصِيها، ميَّالة لاعبةً بِأَهْلِهَا. أيُّها الحزب ونظامه: الحمد لله الذي له الخلق والأمر، ومالك الدنيا والآخرة، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، الحمد لله الذي فضّ حزمتكم ، وفرّق جمعكم، وأوْهَن بأسكم، وسلَبَ مُلْكَكم، وأذلَّ عزكم، الْحَمد لله الَّذِي أَزَال نِعْمَتك، وأدال عزك، وصيرك نكالًا وعبرة، الحمد لله الذي لا يَخيب لديه أمل الآملين، ولا يضيع عنده عمل العاملين. الْحَمد لله الَّذِي لَا يفوتهُ من طلب، وَلَا يُعْجزه من هرب لا تغبطنّ أخا الدنيا بمقدرةٍ .. فيها وإن كان ذا عزٍ وسلطان إنّ الليالي لم تحسن إلى أحدٍ .. إلاّ أساءت إليه بعد إحسان والعيش حلوٌ ومرٌّ لا بقاء له .. جميع ما الناس فيه زائلٌ فان يكاد يكون من المؤكد يقينا، أن زلزال يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير من العام الحادي عشر بعد الألفين، من ميلاد المسيح عليه السلام،الموافق للحادي والعشرين من صفر الخير من العام الثاني والثلاثين بعد الأربعمائة وألف من هجرة سيد الأولين والآخرين،، ومثله يقينا: الخميس: السابع عشر من فبراير من العام الحادي عشر بعد الألفين، من ميلاد المسيح عليه السلام الموافق : الرابع عشر من ربيع الأول من العام الثاني والثلاثين بعد الأربعمائة وألف من هجرة سيد الأولين والآخرين من المؤكد يقينا أنه كان في رحم الغيب الإلهي فقط، فلم يَخطر ببال، ولا تَحرَّكت بِهِ الخواطر، ولا جَالَ بِهِ فِكْر، ولا جَرَى بِهِ ذِكْر، ولا تُصُوِّر لِفَهْم، ولا أحاطَ بِهِ علمُ أحد من البشر، ولا خَطَرَ فى خَلد، ولا اضطربت بِهِ حاسَّةٌ، ولا عَلِق بِوَهْم أحد، ولا جَرَى فى ظنٍ، ولا سَنَحَ في فِكْر شخص، ولا هَجَسَ في ضميرٍ، ولا حواه تقدير، ولا حزاه تفكير، ولا اتجه إليه تَوَهُّم، ولا صادَفَه تَوَسُّم، ولا وَقَعَت عليه فِراسة، ولا نطقت بِهِ قِيَافة، ولا أحاطت بِهِ معرفة، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وما كان الله ليطلعكم على الغيب، دل على ذلك كيفية التعاطي معه، فلم يصدر - مُبَكِّرا - ثمةَ بَيَان صغيرٌ، يمتصُّ غضبَ الجماهير الهادر، أو يُهدِّئ من ثائرتها، لِأوَّل الأمر، فبعد أربعة أيام – كما قيل - سكت دهرا ونطق هَجْرا، تكلمَ وَيَاليته لم يتكلمْ، فما زاد حديثُه الشعب وشبابه إلا حنقا على النظامِ والحزبِ، وَشُخُوصه، ولم تُفْلح الوعود التي قدَّمها في تخفيف الاحتقان، أو اسْتِئْصَال الشحناء، لتَصَدُّع جِدَار الثِّقة، وليس لمكذوبٍ رأيٌ، كما لا يدري المكذوبُ كيف يَأْتَمِر، وإذا كذبَ السَّفير بَطَل التدبير. وسبحان الله !! ما يريد أن يبرحَ الكرسي، وما أقنعه ما نهبهُ خلال عقودٍ ثلاثة، وليس بِدَعًا في تلبده وتشبثه بالكرسي، إنْ هي إلا فِتْنةُ أمثاله، لا يُريد أن يتركَ الكرسيَّ إلا وهو أذلُّ مِن النَّقْد، ما إِنْ يتبوأ أحدُهُم هذا الكرسي، حتى يَبْدو لِشَعبه واهمًا وَمُتَوَهِّمًا، أنه وحيدُ القرنين، مُنْقطع القرينِ، فَريدُ زَمَانه، وَزَهْرةُ إخوانه، وحليةُ أكْفَائه، وكوكبُ نُظَرَائه، وما أعظمَ قدرةَ الله وفضلهِ،؛ عن أن يقطع بأمة محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -، أو أن يَقْعد بها دون من ينهض بشأنها ويقوم على أمر دينه وشريعته، يقودها إلى الله تعالى على بصيرةٍ وهدي، هذه الجماهير قد خرجت تغلي فى قلوبها مراجلُ العداوة، وتلتهبُ نارُ البغضاء، لما أثقلَ كاهلهَا من أعباءٍ ومظالم ومفاسد.  فقد ضلَّ عن سواءِ السبيل، وتركَ منهجَ الأمانة، وَسَلك مَدرج الخيانة، وأكثرَ بِحِزبه في الأرض الفسادَ، وظهرَ منه العنادُ، واستعلى المراد،  لقد غاب عنْهُ أن لسانَ حالِ الثورةِ يقول إنَّ قناتي من صليبات القنا .. مازادها التثقيف إلا ضغنا لقد كان لسان قالِ المتظاهرين " ثُوَّار هنكَمِّل المشوار " ولسان حال هؤلاء الثوار قائلا أمام هذا العنادِ والمكابرة، وهم يُريدون الكسر من زَهْوه، والمُطامنةَ مِن نَخْوته، وقَمْعِه مِن طُغْيَانه، كان لسانُ حالِهِم قائلا وكنَّا إذا الجبار صعَّر خدَّه .. ضربناه حتى تستقيم الأخادع. الحمد لله الذي ردَّهم في أكفانٍ من المذلة، وقَبَرَهم في لحودٍ مِن الخوف والوحشة- هذه الثورة من علاماتِ اليُمن، وأماراتِ الخير، وتباشيرِ النصر، آيةٌ من آيات الله تعالى الباهرة،لا يستطيع كائنٌ من كان أن يتجاوَزها، أوْ يتغافل عن إمكانية تَجَدُّدِها - إذا لم تتحقق أهدافها-  أو انبعاثها لبقاء بواعثها ودوافعها، كما لا يستطيع أحد إنكار آثارها،لقد صححت هذه الثورة للشعب المصري بل للشعوب العربية، حقها بالحجج النيرة، والبراهين الساطعة، والشواهد الصادقة، والدلائل الناطقة. ولم لا وقد  استرد الشعب بهذه الثورة كرامته وسلطاته، بهذه الثورة من ميدان التحرير رجع الأمر إلى نصابه، وأعاده الله إلى أهله، وأقرَّه في قراره، وردَّه إلى معدنه، وطلعت الشمس من مطلعها، وأخذَ القَوسَ باريها، وعادَ الرميُ إلى النَّزَعة، وهم الرماة.أعنى بهذه السلطات، ما قد أشار إليه الفقهاء من أن الحاكم يستمد سلطانه وولايته من الأمة، وليست ولايته أو حكمه للبلاد حقا أصيلا له يستأثر به دون غيره، وليس له أن يدعي أحقيته السلطة بتفويض من السماء،كما كان يزعم ملوك أوربا إبان القرون  الوسطى، وأن الحاكم ليس معصوما من الخطأ، فكل بنى آدم خطاء، ولا عصمة إلا لنبي، ولا نبوة بعد صفوة الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه لا حق له في التشريع بما لم يأذن به الله؛ وإنما دوره تنفيذ أحكام الشريعة ويجتهد في نطاقها إن كانت له أهلية الاجتهاد، بدليل عدم إعادة الأمر بطاعته في آية الطاعة – كما أعادها في بيان حق الرسول صلوات الله وسلامه عليه، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً"النساء: {59}‏، وأنه ليس للحاكم سلطة روحية، كما الشأن لبابا الفاتيكان رئيس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، فلا يُحرِّم ولا يُحل ولا يَمْنح صكوك غفران، ولا حرمان.كل هذه المفاهيم، التي قررها الفقهاء بشأن الحاكم في الدولة الإسلامية، هذا وبالله التوفيق، وللحديث صلة بحول الله وقوته. هوامش: النساء:(119-121) المجادلة: ( 19 -21)

1076

| 03 أكتوبر 2012

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

3327

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
سابقة قضائية قطرية في الذكاء الاصطناعي

بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...

2634

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1653

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1554

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1332

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
أهلاً بالجميع في دَوْحةِ الجميع

ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...

1185

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1155

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1143

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

837

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

639

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
المجتمع بين التراحم والتعاقد

يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...

624

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

588

| 04 ديسمبر 2025

أخبار محلية