رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ثلاث عشرة حكمة في تعجيل الإفطار

س: ما الحكمة التي من أجلها شُرع تعجيل الإفطار؟ ج: الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد فقد اتفق العلماء على أن محل تعجيل الإفطار  إذا تحقق غروب الشمس وذلك يكون بالرؤية أو بإخبار عدلين أو عدل. والأصل في هذه السنة ما ورد في الصحيحين عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ أَبِي أَوْفَىَ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ - وهو صائم- فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَالَ لبعض القوم: "يَا فُلاَنُ انْزِلْ فَاجْدَحْ  لَنَا". أي: حرك السويق بعود ليذوب في الماء – والمأمور بذلك – بلال - كما أخرجه أبو داود فذكر اسمه، ولفظه " فقال يا بلال" وفي رواية " فدعا صاحب شرابه " وبلال هو المعروف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم.‏ قَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ عَلَيْكَ نَهَاراً. لو أمسيت. قَالَ: "انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا". قال يا رسول الله إن عليك نهار: فلو أمسيت قال انزل فاجدح لنا قَالَ: فَنَزَلَ فَجَدَحَ، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ: "إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا، وَجَاءِ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ".( ). قال ابن خزيمة: لفظه خبر ومعناه الأمر أي فليفطر الصائم، كأن الصحابي لم يتحقق لديه أن الشمس غربت فتوقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة وهذا هو سبب عدم المبادرة إلى الامتثال للأمر النبوي، وإلا فلو تحقق وتوقف فإنه حينئذ يكون معاندا.وليس الأمر كذلك. وفي الصحيحين أيضا عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"( ). [رواه البخاري ومسلم]. صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ. مسلم كتاب الصيام. باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر، وفيما يأتي  قدر لا بأس به من النصوص النبوية في هذا الأدب وهذه السنة "(لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى سَنَّتي مَا لَمْ تَنْتَظِرْ بفِطرها النُّجُومَ)، رواه ابن حبان والحاكم من حديث سهل رضي الله عنه  "وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ صَائِمًا أَمَرَ رَجُلًا فَأَوْفَى عَلَى شيءٍ, فإذا قال: غابت الشمس أفطر" صحيح – راجع ((التعليق على صحيح ابن خزيمة))، (3/ 275/2061)، و((الصحيحة)) (2081). [ص:341] التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (5/ 340) "قال الله عز وجل: إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا "رواه الإمام أحمد والترمذي وحسنه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه مرفوعا. "لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر،  لأن اليهود والنصارى يؤخرون" رواه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما مرفوعا صحيح أبي داود - الأم (7/ 121). عن أنس قال "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط صلى صلاة المغرب حتى يُفطر ولو على شربة من ماء".وروى أبو يعلي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (5/ 145) وعن عمرو بن ميمون الأودي "كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطاراً وأبطأهم سحوراً " أخرجه عبد الرزاق وغيره بإسناد قال الحافظ صحيح +سلسلة الآثار الصحيحة = الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين (2/ 117، بترقيم الشاملة آليا). قال ابن إسحاق: عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثَّقفي، عن بعض وفدهم. قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا، وصمنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما بقي من شهر رمضان بفطورنا، وسحورنا، فيأتينا بالسّحور. فإنَّا لنقول: إنَّا لنرى الفجر قد طلع؟ فيقول: قد تركت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يتسحَّر لتأخير السُّحور، ويأتينا بفطرنا وإنَّا لنقول: ما نرى الشَّمس ذهبت كلها بعد. فيقول: ما جئتكم حتَّى أكل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثمَّ يضع يده في الجفنة فيلقم منها.  والمرادُ بالحديث المُبالغة في تأخِير السُّحور. وتعجيل الإفطار. عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلىَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَقُلْنَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ. قَالَتْ: أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصّلاَةَ؟ قَالَ قُلْنَا: عَبْدُ الله -يَعْنِي: ابْنَ مَسْعُودٍ-. قَالَتْ: كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ: والآخَرُ أَبُو مُوسَى. وهذا يُحمل على أن ابن مسعود اختار المبالغة في التعجيل وأبو موسى اختار عدم المبالغة فيه، وإلا فالرخصة متفق عليها عند الكل، والأحسن أن يُحمل عمل ابن مسعود على السنة وعمل أبي موسى على بيان الجواز انتهى. ويستفاد من هذه الأحاديث الدلالة على أدب من آداب الإفطار في الصيام. وهو تعجيله والمبادرة به حين حلول وقته، ومعنى التعجيل أنه بمجرد غياب قرص الشمس من الأفق يُفطر، وفي ذلك خير عظيم، ومن هذا الخير نيل محبة الله تعالى، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: "قال الله تعالى: إن أحبّ عبادي إلىّ أعجلهم إفطاراً"( ). فلا يرغب عن الاتصاف بهذه الصفة إلا من كان حظه من الدين قليلاً كما تفعله الرافضة ، ولعل السبب في اكتساب ونيل هذه المحبة في تعجيل الإفطار هو المتابعة للسنة وامتثال الهدى النبوي فقد كان صلوات الله وسلامه عليه يعجل الإفطار -وقد قال تعالى " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"آل عمران/31 وفي هذا التعجيل للإفطار كما قلنا متابعة للسنة وفيه مباعدة عن البدعة ومخالفة لأهل الكتاب . وإليه الإشارة بحديث: لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون. ولأن تعجيله بعد تيقن الغروب من سنن المرسلين فمن حافظ عليه تخلق بأخلاقهم وأيضا من أخلاق أهل السنة كما قال ابن دقيق العيد: في هذا الحديث رد على الشيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور النجوم، ولعل هذا هو السبب في وجود الخير بتعجيل الفطر لأن الذي يؤخره يدخل في فعل خلاف السنة وفي تعجيل الإفطار، بعدٌ عن صفة التنطع والغلو في الدين، وقد امتثل هذا الأدب خير القرون صحابة رسول الله (ص). قال البخاري رحمه الله: (وأفطر أبو سعيد). هذا وخلاصة الحكمة في تعجيل الفطر ما يأتي: أن لا يُزاد في مدة صيام النهار من الليل ،إذ النهار وحده محل الصيام لقوله تعالى"ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ" -1 ولأنه أوفق وأرفق بالصائم وأقوى له على العبادة عَنْ جَرِيرٍ:عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ يُحْرَمِ الرُّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ".وفى رواية "لاَ يَكُونُ الرِّفْقَ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَه" -2 مما يُهَوِّن الصيام ويُسَهِّل مشقته علي الصائمين ويخففها بقدر الإمكان " ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ". -3 بُعْدٌ عن صفة التنطع والغلو في الدين"هلك المتنطعون، هلك المتنطعون ،هلك المتنطعون"  أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. وقد نهى اللّه تعالى عن الغلو في الدين  بقوله تعالى: { لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ  غَيْرَ الْحَقّ }  وفى صحيح النسائي وابن ماجة "وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ". -4 إظهار العجز المناسب للعبودية ومبادرة إلى قبول الرخصة من الحضرة الربوبية بعد الحظر إذ الإفطار إباحة بعد الحظر.والعبودية تقتضي الامتثال التام للأمر إمساكا وإفطارا.فالذي دعا إلى قبض اليد عن الطعام هو الذي دعا إلى بسطها إليه ، والذي حظر هو الذي أباح فليَدُرْ المسلم مع الأمر الإلهي حيث دار.عبودية حقا وتعبدا ورِقَّا. -5 عدم التشبه باليهود فإنهم يُفطرون عند ظهور النجوم وقد كان ولا زال الشارع يأمر بمخالفتهم في أفعالهم وأقوالهم وقد نهينا عن التشبه بهم في عبادتنا وعاداتنا. " ومن تشبه بقوم فهو منهم" فلا نتشبه بهم في الصيام كما نهينا عن التشبه بهم فى الصلاة فلم يقبل المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ناقوس النصارى للإعلام عن دخول وقت الصلاة ، كما لم يقبل بوق اليهود في الإعلان عن دخول وقت الصلاة. وأصل ذلك في الحديث الصحيح.  عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ، فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَوَاتِ، وَلَيْسَ يُنادِي بِهَا أَحَدٌ، فَتَكَلَّمُوا يَوْماً فِي ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوساً مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَرْناً مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ. فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلاً يُنَادِي بِالصَّلاَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا بِلاَلُ قُمْ، فَنَادِ بِالصَّلاَةِ".  وغير ذلك ...كما أن الأصل في هذه المخالفة ما تعبدنا الله تعالى به من التضرع إليه يوميا سبع عشرة مرة على الأقل " اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ "الفاتحة/6-7‏ ومن أراد المزيد من صور المخالفة المشروعة لأهل الكتاب فعليه بمراجعة " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم"لشيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله. -6 في مخالفة أهل الكتاب سبب لظهور الدين الحق وهو هو الهدف من بعثة صفوة الحق وحبيب الحق سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه أن يظهر دين اللّه الخاتم الحق على الدين كله قال تعالى :"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ "التوبة/33- الفتح/28- الصف/9، "فتكون نفس مخالفتهم من أعظم مقاصد البعثة. قال النبي: "لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون"( ). -7 تعجيل الفطر وتأخير السحور من خصائص هذه الأمة وتميزها عن غيرها من الأمم .وفى الحديث "المسلمون أمة من دون الناس أجمعين" البدر المنير (8/ 496) -8 امتثال السنة لا ما يفعله الفلكيون من التمكين بعد الغروب بدرجة فمخالف للسنة فلذا قَلَّ الخير."واقتصاد فى سنة خير من اجتهاد فى بدعة"رواه الطبراني -9 دلالة فقه ورشد كما ورد في الحديث "من فقه الرجل في دينه تعجيل فطره، وتأخير سحوره، وتسحروا فإنه الغذاء المبارك "أخرجه الحاكم وابن عساكر (عن ابن عمر وأنس كما في كنز العمال للهندي). وفى الحديث "من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين" الجمع بين الصحيحين (3/ 406) -10 تعجيل الإفطار من أخلاق النبيين كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السّحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة"( ) صحيح الجامع الصغير وزيادته أبي الدرداء (1/ 583) مجمع الزوائد 2/2105 وقال تعالى ."لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة"الأحزاب/21 -11 التحبب والتقرب إلى الله فمُعَجِّل الإفطار "أحب عباد اللَّه إليه "فلا يرغب عن الاتصاف بهذه الصفة إلا من كان حظه من الدين قليلاً كما تفعله الرافضة. وفي الصحيح "..وما يزال عبدى يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" صحيح البخاري كِتَاب الرِّقَاقِ. باب التَّوَاضُعِ -12 المسارعة إلى تعجيل حظ النفس من حيث كونها مطيتنا،  فبمجرد ما تغرب الشمس تحن النفس إلى الفطر وتتألم لتأخيره ويكون كالعذاب عليها ولولا هي ما استطعنا إطاقة ظمأ الهواجر في أيام الصيف الطوال،  وفي المثل السائر: تقول النفس لصاحبها كن معي في بعض أغراضي وإلا صرعتك،  وفي الحديث: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" سنن ابن ماجه. كتاب الرهون باب أجر الأجراء والأولى في العبادة القصد والملازمة، لا المبالغة المفضية إلى الترك للحديث: " إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى". والمنبت: هو الذي حمَّل دابته فوق طاقتها حتى عجزت واضطجعت،  فلا هو قطع طريق السفر الذي أراده ،  ولا هو أبقى ظهر دابته لينتفع به ، قال ابن الجوزي: بّدْأُ الشرائع كان علي التخفيف ولا يُعرف في شرع نوح وصالح وإبراهيم عليهم السلام تثقيل ثم جاء موسى عليه السلام بالتشديد والأثقال وجاء عيسى عليه السلام بنحوه وجاءت شريعة نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم بنسخ تشديد أهل الكتاب ولا تنطق بتسهيل من كان قبلهم فهي على غاية الاعتدال. . هذا وبالله التوفيق ، ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل -13 هوامش: الجَدْح: أن يُحَرّك السَّويقُ بالماء ويُخَوّض حتى يسْتَوي. وكذلك اللَّبَن ونَحْوه، والمِجْدَح: عُود مُجَنَّح الرأس تُساط به الأشْرِبة، وربَّما يكون له ثلاث شُعَب عود ذو جوانب ، وعن القزاز هو كالملعقة ( ) مسند الإمام أحمد أخرجه البخاري (4/196)،في صحيحه كِتَاب الصَّوْمِ. باب الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالْإِفْطَارِ. كِتَاب الصَّوْمِ. باب مَتَى يَحِلُّ فِطْرُ الصَّائِمِ. كِتَاب الصَّوْمِ. باب يُفْطِرُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ. كِتَاب الصَّوْمِ. باب تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ. كِتَاب الطَّلَاقِ باب الْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْأُمُورِ. ومسلم (1101).في صحيحه كتاب الصيام. باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار.  سنن أبي داود كتاب الصيام.  باب وقت فطر الصائم. سنن أبي داود، كتاب الصيام باب وقت فطر الصائم. ( )مسند الإمام أحمد البخاري (4/198)في صحيحه ‏ كِتَاب الصَّوْمِ. باب تَعْجِيلِ الْإِفْطَار ومسلم (1098) في صحيحه ‏ كتاب الصيام. باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر  ،. سنن الترمذي كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب ما جَاءَ في تَعْجِيلِ الإفْطَار. أخرجه الترمذي "3/83"، كتاب الصوم: باب ما جاء في تعجيل الإفطار، حديث "700 أبو داود في سننه في الصوم، باب ما يستحب من تعجيل الفطر ابن ماجة رقم (1698) في الصيام، باب ما جاء في تعجيل الإفطار، وإسناده صحيح البداية والنهاية: 5/40 صحيح مسلم.  كتاب الصيام. باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر. ( ) أخرجه الترمذي (3/376)، وأحمد رقم (8342) تحقيق: أحمد شاكر، وابن خزيمة (3/276) وقال الترمذي: حديث حسن. ( ) فتح الباري (4/196). ( ) أخرجه عبد الرازق في المصنّف (4/226) قال في فتح الباري (4/199) إسناده صحيح. البقرة:187 صحيح مسلم كتاب البر والصلة والآداب.باب فضل الرفق البقرة:178. ‏صحيح مسلم كتاب العلم. باب هلك المتنطعون. ‏سُنَنُ أبي دَاوُد، أول كتاب السنة. باب في لزوم السُّنة. النساء:171. المائدة:77 سنن النسائي كتاب مناسك الحج. باب التقاط الحصى.سنن ابن ماجة، كتاب المناسك. باب قدر حصى الرمي. سُنَنُ أبي دَاوُد كتاب اللباس. باب في لبس الشهرة. صحيح مسلم  كتاب الصلاة. باب بدء الأذان. ( ) أخرجه أبو داود (6/480)، والنسائي في الكبرى (2/252)، وابن ماجة (1698)، وأحمد (2/450) والبيهقي (4/237)، وابن خزيمة (2060)، وقال الحاكم (1/431) صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبان (3503). ( ) رواه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (2/105)، وقال: (مرفوعاً وموقوفاً على أبي الدرداء، والموقوف صحيح، والمرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمه). ضعيف الجامع الصغير وزيادته (ص: 293)

10279

| 08 أغسطس 2012

ماء زمزم في قارات الدنيا بخصائصه ومنافعه

س: يُردد البعض أن ماء زمزم لا فائدة منه إلا إذا تم شربه في محله ( عند بئره) فإذا تم نقله بعيدا تغير ولم تبق؟ ج: الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد. نبذة: زمزم اسم للبئر المشهورة في المسجد الحرام، بينها وبين الكعبة المشرفة ثمان وثلاثون ذراعاً. وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، التي سقاه الله تعالى منها حين ظمي وهو رضيع، فالتمست له أمه الماء فلم تجده، فقامت إلى الصفا تدعوا الله تعالى وتستغيثه لإسماعيل، ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك، وبعث الله جبريل فهمز بعقبه في الأرض فظهر الماء. وهو سيد المياه وأشرفها وأجلُّها قدرًا، وأحبها إلى النفوس ، و"خير ماء على وجه الأرض"، صحيح الترغيب والترهيب رقم (1161)، بل قال شيخ الإسلام البلقيني رحمه الله تعالى: أنه أفضل من ماء الجنة . كما في سبل الهدى والرشاد. ومن خواصه : أنه يذهب الصّداع. قاله الضحاك رحمه الله تعالى. ومنها: أنه لا يُرفع ولا يغور إذا رفعت المياه أو غارت قبل يوم القيامة. وشاربه يمكنه الاستغناء به عن الطعام، بخلاف سائر المياه، وتُحقَّق به المطالب والآمال الطيبة، عند صلاح قصد شاربه،للحديث "ماء زمزم لما شُرب له " صحيح الجامع الصغير برقم (5502) . أولا : إن البركة التي أودعها الله عز وجل في ماء زمزم للحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ) رواه مسلم (2473) ، وفي رواية البزار والطبراني والبيهقي وغيرهم زيادة: (وشفاء سقم) : انظر: " السنن الكبرى " (5/147) أي شرب مائها يغني عن الطعام ويشفي من السّقام لكن مع الصدق كما ثبت عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه أقام شهراً بمكة لا قوت له إلا ماء زمزم.قال - (ما كان لي طعامٌ إلا ماءُ زمزمَ، فسَمِنْتُ حتى تكسَّرَتْ عُكَنُ1  بطني، وما أجد على كبدي سُخْفَةَ2  جوع) . وقال عليه الصلاة والسلام: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ3» ، [فَإِنْ شَرِبْتَهُ تَسْتَشْفِي بِهِ شَفَاكَ اللهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ مُسْتَعِيذًا عَاذَكَ اللهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِيَقْطَعَ ظَمَأَكَ قَطَعَهُ4] أقول هذه البركة عامة تشمل كل زمان ومكان تم تناول هذا الماء فيه فهي في الماء ذاته أينما كان، وأينما تم شربه ، في أي مكان أو زمان ، وعلى أي حال شربها المسلم ، حاجا كان أو معتمرا أو مجاهدا أو قاعدا لعموم الأدلة الواردة في فضله  وفوائده وميزاته ، ومنافعه، ومن  هذه الأدلة المفيدة لعموم بركته ومنافعه ، وأن هذه البركة والمنفعة ليست حكرا على من شربه في محله  عند البئر في البلد الحرام إضافة إلى ما سبق الحديث (ماء زمزم لما شرب له) رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث حسن، ولم يقيده النبي صلى الله عليه وسلم بكونه في مكة " انتهى. ثانيا: لبركته هذه استعمله النبي  I والصحابة (  شرابا وطهورا واستشفاء ،كما استعمله جده إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر من قبل  فقد جعله الله تعالى لإسماعيل وأمه هاجر طعاماً وشراباً في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: " شرب من ماء زمزم " رواه البخاري 3/492. وثبت عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه أقام شهراً بمكة لا قوت له إلا ماء زمزم. قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: تنافس الناس في زمزم في زمن الجاهلية حتى كان أهل العيال يفِدون بعيالهم فيشربون فيكون صبوحاً لهم (شرب أول النهار) ، وقد كنا نعدّها عوناً على العيال، قال العباس: وكانت تسمى زمزم في الجاهلية (شباعة) غسل الملكان قلب النبي صلى الله عليه وسلم في صغره بعدما استخرجاه ثمّ ردّاه، قال الحافظ العراقي رحمه الله: حكمة غسل صدر النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم ليقوى به صلى الله عليه وسلم على رؤية ملكوت السموات والأرض والجنة والنار؛ لأنّ من خواص ماء زمزم أنه يقوّي القلب ويسكّن الرّوع. وخبر غسل صدر النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم ثبت من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فرج سقفي وأنا بمكة، فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً، فأفرغها في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا " رواه البخاري 3/429. وقال علي - (: «ثم أفاضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بسجلٍ من ماءِ زمزم فشربَ منهُ وتوضَّأ» رواه عبد الله بن أحمد بإسناد صحيح وكذا سلف هذه الأمة استعملوه شرابا وطهورا واستشفاء فقد ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما : أنه إذا شرب من ماء زمزم قال: اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء. وقد دخل ابن المبارك زمزم فقال: اللهم إن ابن المؤمّل حدثني عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ماء زمزم لما شرب له " فاللهم إني أشربه لعطش يوم القيامة.يالله ثالثا: ورد نقل النبي I والصحابة ( لهذا الماء المبارك خارج أرض الحرم فقد ذكر السخاوي - رحمه الله - في المقاصد الحسنة (1/569) :أنه لا أصل لمن يقول بانعدام منافعه إذا تم نقله ، وأن النبي Iكتب  إلى سهيل بن عمرو: (إن وصل كتابي ليلا: فلا تصبحن، أو نهارا: فلا تمسين، حتى تبعث إلي بماء زمزم) . وفيه أنه بعث له مزادتين [قال الألباني – رحمه الله تعالى في تخريجه : أخرجه البيهقي بإسناد جيد عن جابر رضي الله عنه. وله شاهد مرسل صحيح في (مصنف عبد الرزاق) (9127) ...] وَفِي تَارِيخِ الأَْزْرَقِيِّ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْجَل سُهَيْلاً فِي إِرْسَال ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَاوِيَتَيْنِ ، أخبار مكة للأزرقي (2/ 50) ولا شك بأن هذه الرسالة: إنما كانت بعد فتح مكة سنة 8 للهجرة لأن سهيلا المذكور إنما أسلم عام الفتح ، وكان Iحينئذ بالمدينة قبل أن يفتح مكة.وهو حديث حسن لشواهده، وأن  عائشة رضي الله عنها كانت تحمل – أي تنقله معها حيث انتقلت - وتخبر أنه Iكان يفعله، وأنه Iكان يحمله في الأداوي والقرب، فيصب منه على المرضى ويسقيهم،( [قال  الألباني – رحمه الله تعالى - في تخريج ذلك: أخرجه البخاري في (التاريخ) والترمذي وحسنه من حديث عائشة رضي الله عنها وهو مخرج في (الأحاديث الصحيحة) (883) ]) وعند الترمذي أن عائشة رضي الله عنها حملت من ماء زمزم في القوارير، وقالت: حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وكان يصبّ على المرضى ويسقيهم " رواه الترمذي 4/37. وَأَنَّهُ Iحَنَّكَ بِهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. وفي التراتيب الإدارية نظام الحكومة النبوية(1/ 141) للكتاني– رحمه الله - عن أم معبد قال: مرّ بي بخيمتي غلام سهيل أزيهر ومعه قربتا ماء، فقلت: ما هذا؟ فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مولاه سهيل يستهديه ماء زمزم، فإني أعجل السير، لكيلا تنشف القرب. بل إن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قد كان  أول من حمل زمزم عند رجوعه من حجَّ البيت تبرُّكًا به واستشفاءً) "الإعلام الملتزَم بفضيلة زمزم"، لأحمد ابن علي الشافعي الغزِّي (ص24) ، و (ص27) ومع مشروعية الاستشفاء بشربها من عموم الأدواء، فإنها كذلك يُسْتشفى بها من أمراض بعينها، ومن ذلك: أنها تُبرد الحُمَّى، لقولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوها بِالْمَاءِ، أَوْ قَالَ: بِمَاءِ زَمْزَمَ5» ، ويكون ذلك الإبراد بصب الماء عند الجَيْبِ6  ، أو بِرَشِّه رشًّا بين يدي المريض وثوبه كما استنبطه الحافظ ابن حجر – رحمه الله حيث قال: (وأَوْلى ما يُحمل عليه كيفية تبريد الحُمّى ما صنعَتْه أسماءُ بنت الصديق رضي الله عنهما، فإنها كانت ترشّ على بدن المحموم شيئًا من الماء بين يديه وثوبه، فيكون ذلك من باب النُّشْرة المأذون فيها، والصحابي - ولا سيما مثل أسماء التي هي ممن كان يلازم بيت النبيِّ صلى الله عليه وسلم - أعلمُ بالمراد من غيرها، ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري رحمه الله لحديثها عقب حديث ابن عمر المذكور، وهذا من بديع ترتيبه رحمه الله) . اهـ..انظر: الفتح (10/186) . وفي سبل الهدى والرشاد : قال  ابن عباس – رضي الله عنهما -: اشربوا من شراب الأبرار يعني زمزم وأن الرسول إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة سقاه من ماء زمزم.  واستنِّ ابن عباس - رضي الله عنهما – بهذه السنة فكان إذا نزل به ضيف أتحفه بماء زمزم. وسئل عطاء عن حمله فقال قد حمله النبي والحسن والحسين رضي الله عنهما. وقال عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم: لما حجّ معاوية حججنا معه، فلما طاف بالبيت صلى عند المقام ركعتين، ثم مر بزمزم وهو خارج إلى الصّفا، فقال: إنزع لي منها دلوا يا غلام، قال: فنزع له منها دلوا، فأتي به. فشرب، وصبّ على وجهه ورأسه، وهو يقول: زمزم شفاء وهي لما شرب له. وهذا الامام وهب بن منبه التابعي الجليل الثقة الحافظ، كان اذا دخل مكة لا ينقطع ماء زمزم عن بيته، وما كان له شراب ولا غسل ولاوضوء الا منه، زيادة حرص منه على التبرك به. وكان الامام العلامة القاضي تقي الدين ابن فهد المكي، ((لا ينفك عن المطالعة والكتابة والقيام بما يهمه من امر عياله، واهتمامه بكثرة الطواف والصوم، وحرصه على الشرب من ماء زمزم، بحيث يحمله معه الى خرج من مكة غالباً)). رابعا: لهذه الآثار السابقة أُثِر عن غير واحد من أهل العلم النص على مشروعية نقل هذا الماء المبارك خارج مكة، وبقاء بركته وخاصيته حتى بعد نقله.وما ذلك إلا استئناسا بهدي المصطفي I ، فقد كان أول من حمله ونقله واستهداه ، وكذلك عمل الصحابة رضي الله عنهم -  والتماسا لهذه الخاصية التي خصَّه الله تبارك وتعالى بها دون سائر مياه الأرض ، ومن هؤلاء العلماء – رحمهم الله تعالى – 1-شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال:" وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ جَاز فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَحْمِلُونَهُ ". 2-وقال الصاوي المالكي رحمه الله: " (ونُدب نقله - يعني ماء زمزم -) وخاصيته باقية خلافا لمن يزعم زوال خاصيته " انتهى." حاشية الصاوي على الشرح الصغير " (2/44) ، ونحوه في " منح الجليل شرح مختصر خليل " (2/273) 3-وقال الشيخ علي الشبراملسي الشافعي رحمه الله: " (قوله: ماء زمزم لما شرب له) هو شامل لمن شربه في غير محله " انتهى. " حاشية نهاية المحتاج " (3/318) . 4-وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في " تحفة المحتاج " (4/144) : " وأن ينقله إلى وطنه استشفاء وتبركا له ولغيره " انتهى. 5-من المجموع شرح المهذب: "اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على جواز نقل ماء زمزم إلى جميع البلاد،واستحباب أخذه للتبرك. 6- (وسئل عطاء بن ابي رباح في ماء زمزم يُخرَج به من الحرم؟ فقال: انتقل كعب الاحبار باثنتي عشرة راوية الى الشام يستقون بها)) 7- بل قال الملا علي القاري، رحمه الله:" وأما نقل ماء زمزم للتبرك به فمندوب اتفاقا ". انتهى.مرقاة المفاتيح (9/194) خامسا وختاما : من الموسوعة الفقهية الكويتية: " وَلاَ خِلاَفَ فِي جَوَازِ نَقْل مَاءِ زَمْزَمَ إِلَى الْحِل لأِنَّهُ يُسْتَخْلَفُ، فَهُوَ كَالثَّمَرَةِ." اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّزَوُّدُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَنَقْلُهُ؛ لأَِنَّهُ يُسْتَخْلَفُ، فَهُوَ كَالثَّمَرَةِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ يَزُول فَلاَ يَعُودُ.وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّزَوُّدُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَحَمْلُهُ إِلَى الْبِلاَدِ فَإِنَّهُ شِفَاءٌ لِمَنِ اسْتَشْفَى، ..، وَأَنَّهُ حَنَّكَ بِهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والصلاة والسلام على  سيدنا محمد ومن والاه. هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل. والله أعلم الهوامش: 1 عَكَنَ الشيءُ: إذا تجمَّع بعضُه فوق بعض وانثنى، والعُكْنة: ما انطوى وتثنّى من لحم البطن سِمَنًا. انظر: "المعجم الوسيط"، (عكن) 2 سُخْفَةَ جوع، يعني: رِقَّته وهُزاله، وقيل: هي الخفة التي تعتري الإنسان إذا جاع. انظر: "النهاية" لابن الأثير (2/315) . 3 صحيح الجامع الصغير برقم (5502) . 4 ، قد صحَّحها الحاكم في مستدركه (1/473) ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما 5 الحديث أخرجه أحمد في مسنده (1/291) ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بجزم همّامٍ – أحد رواة الحديث «بِمَاءِ زَمْزَمَ» . 6 الجَيْبُ: جيب الثوب، وهو: ما يُدخل منه الرأس عند لبسه. انظر: "المعجم الوسيط"، (جاب)

8249

| 04 أغسطس 2012

حكمة مشروعية الصيام.. ومجيء رمضان عز الصيف هذا العام

: يتساءل كثير من الناس عن حكمة مشروعية الصيام ، مع شدة الحر، ومجيء رمضان فى عز الصيف هذا العام ؟ ج: الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه  وبعد فقد قال تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ *شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"1  وفى الصحيح""بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ".2 فى هذه النصوص من شقي الوحي الكتاب والسنة  دليل على وجوب صوم شهر رمضان، وأنه من أركان الإسلام ومبانيه العظام،  وشعبه الكبار ولقد فرضه الله تعالى على عباده لحكم عظيمة، وأسرار باهرة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها.وهاك بعضا منها: 1) من حكم الصيام وأسراره أنه عبادة لله تعالى يتقرب العبد فيها إلى ربه بترك ما يحب ويشتهي، طاعة لربه، وامتثالاً لأمره، فيظهر بذلك صدق إيمانه، وكمال عبوديته لله، وقوة محبته له. ورجائه ما عنده، لأنه علم أن رضا مولاه في ترك شهواته، فقدّم رضا مولاه على هواه ورضا نفسه، ولهذا كان كثير من المؤمنين لو ضرب أو حبس على أن يفطر يوماً من رمضان بلا عذر لم يفعل.قال تعالى:" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِينا"3 وفى الصحيح  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَىَ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلاَّ الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي"4. 2) ومن حِكم الصيام أنه سبب التقوى، وتزكية النفس، بطاعة الله فيما أمر، والانتهاء عما نهى، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (5) والتقوى جماع خيري الدنيا والآخرة، وكلُّ ثمرة من ثمار الصيام فهي ناشئة عن التقوى.بل إن التقوى هي الغاية من وراء سائر العبادات ، قال تعالى :"يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم  والذين من قبلكم لعلكم تتقون"6.وفي الحج قال تعالى :"لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم"7. 3) ومن حِكم الصيام حبس النفس وكسرها عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتضييق مجاري الشيطان من العبد، بتضييق الطعام والشراب، فيضعف نفوذ الشيطان، وتقل المعاصي.فى الصحيح عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :" يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"8 وفى هذا الحديث الصحيح إرشاد العاجز عن تكاليف إنشاء وإقامة الحياة الزوجية إلى الصيام لأن شهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل تقوى بقوته وتضعف بضعفه وكثير من الناس الآن يصومون، لكنهم لا يجدون لهذا الصيام أثراً لتخفيف حدة الشهوة، وذلك أنهم لم يذوقوا ألم الجوع والعطش والتعب، بل ظلت نفوسهم متعبة بالشهوات، وأنّى لهم أن يتركوها وقد أضافوا إلى صومهم كل ما تعف النفس عن رؤيته من أفلام خليعة ومسلسلات ماجنة. 4) ومن حِكم الصيام أن القلب يصفو، ويتخلى للفكر والذكر، لأن تناول الشهوات يقسّي القلب، ويعمي عن الحق، والصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها وقوتها وعافيتها.والعود كلما خلا جوفه حلا صوته. وإذا امتلأت البطنة قعدت الفطنة.  فقلة الأكل تحد الفهم، وتقوى الحواس، كما أن كثرة الأكل تعمي القلب وقلة الأكل تمنع كثيراً من الباطل كما أن قليل النار يحرق كثير الحطب.(9) كان سقراط الحكيم قليل الأكل خشن اللباس، فكتب إليه بعض فلاسفة عصره: أنت تزعم تحسب أن الرحمة لكل ذي روح واجبة، وأنت ذو روح، فلم لا ترحمها بترك قلة الأكل وخشن اللباس؟ فكتب في جوابه: عاتبتني على لبس الخشن وقد يعشق الإنسان القبيحة ويترك الحسناء، وعاتبتني على قلة الأكل، وإنما أريد أن آكل لأعيش، وأنت تريد أن تعيش لتأكل: والسلام. فكتب إليه الفيلسوف: قد عرفت السبب في قلة الأكل، فما السبب في قلة كلامك، وإذا كنت تبخل على نفسك بالمأكل، فلم تبخل على الناس بالكلام؟ فكتب في جوايه: ما احتجت إلى مفارقته وتركه للناس، فليس لك والشغل بما ليس لك عبث، وقد خلق الحق سبحانه لك أذنين ولساناً لتسمع ضعف ما تقول، لا لتقول أكثر مما تسمع والسلام10.وقيل للحارث بن كلدة طبيب العرب: ما أفضل الدواء؟ قال: الأزم - يريد قلة الأكل- ، ومنه قيل للحمية: الأزمة، وللكثير أزمات.وقيل لآخر: ما أفضل الدواء؟ قال: أن ترفع يدك عن الطعام وأنت تشتهيه.أبو الأشهب عن أبي الحسن قال: قيل لسمرة بن جندب: إن ابنك إذا أكل طعاما كظّه حتى كاد أن يقتله. قال: لو مات ما صليت عليه!11 5) ومن حكم الصيام معرفة نعمة الله على العبد بالشبع والرّي إذا تذكر بالصيام الأكباد الجائعة من الفقراء والمساكين، فيشكر ربّه ويحسُّ بآلام إخوانه المعدمين. والنعم لا يعرف قدرها إلا بفقدها.فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضي.قيل ليوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : أتجوع وفي يدك خزائن الآرض، قال: أخاف أن أشبع فأنسى الجياع12. فكان عليه السلام لا يشبع في زمان القحط، لئلا ينسى الجياع، وكان عمر رضي الله عنه يصر بطنه عام الرمادة فيقول: قرقري إن شئت ولا تقرقري، فوالله لا شبعت والمسلمون جياع13. 6)  ومن حكم الصيام ما يترتب عليه من الفوائد الصحية، التي تحصل بتقليل الطعام. "مَامَلأَ آدمِيٌ وِعَاءً شَرّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلْثٌ لِنَفَسِهِ".14 والصحة من أجل وأعظم نعم الله تعالى على خلقه قال رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- :" فيما أخرجه البخاري في صحيحه كِتَاب الرِّقَاقِ. بَاب لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ. منْ حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- :" نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ. أي صحة البدن وفراغ الخاطر بهما يحصل الأمن ويبلغ المرء حد  الكفاية الأمنية. والمعنى لا يعرف قدر هاتين النعمتين كثير من الناس حيث لا يكسبون فيهما من الأعمال كفاية ما يحتاجون إليه في معادهم فيندمون على تضييع أعمارهم عند زوالها، ولا ينفعهم الندم قال تعالى :" أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ"15 ومما يمتن الله تعالى به على عباده ويؤسس عليه المعاتبة على  التقصير في الطاعة مع توفر دواعيها العافية ففي الحديث  فيما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال النبي –-صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- -: "إن أول ما يسأل عنه العبد من النعيم، أن يقال له ألم نصحّ لك بدنك، ونروك من الماء البارد"؟ (أخرجه الترمذي وابن حبان) وفي سر الجمع بين الصحة والفراغ قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : إن الإنسان قد يكون صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، والدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون، لأن الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم كما قيل:   يسر الفتى طول السلامة والبقا   * * *   فكيف ترى طول السلامة يفعل يرد الفتى بعد اعتدال وصحة    * * *   ينوء إذا رام القيام ويحمل هذا وللصوم دور كبير في استرداد الصحة ودوام العافية بل في حفظها وتقويتها شرعا وعقلا وعرفا في كل من البدن والعقل والنفس ففي الأثر "صوموا تصحوا" فالصائم يناله من الخير بصومه في جسمه وصحته ورزقه حظ وافر مع عظم الأجر في الآخرة من صحة وعافية في البدن فليست كثرة الطعام صحة ، وفي العقل بالتهيئة للتدبر والفهم فكلما امتلأت البطنة قعدت الفطنة وما أفلح سمين قط إلا محمد بن الحسن كما قال الشافعي رحمه الله تعالى 7) ومن حكم الصيام أنه شرع لأجل أن يتضرع الإنسان -إذا ما أحسَّ بالجوع- فيدعو ربه، كما ورد في الحديث: "إن النبي صلى الله عليه وسلم عرضت عليه جبال مكة ذهباً، فقال: لا يا رب بل أرضى بأن أجوع يوماً، وأشبع يوماً، فإذا جُعْتُ تضرعتُ إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك"16 (. فذكر أن الجوع سببٌ للتضرع والذكر. فالإنسان إذا أحس بالجوع يتضرع إلى الله ويدعوه، ويتواضع له، ويكون ذاكراً له، مقبلاً إليه، متواضعاً بين يديه. 8) ترتيب أوقات الوجبات،حيث مع الغروب يكون الإفطار لما في الصحيح عَنْ عُمَرَ -رَضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ، وَأَدْبَرَ النَّهارُ، وَغَابَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ".17  وفي نفس التخريج منْ حديث عَبْدِ الله ابْنِ أَبِي أَوْفَىَ، قَالَ: النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. بِيَدِهِ: "إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَهُنَا، وَجَاءِ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ".18 وقبيل الفجر يكون السحور للحديث فى فضل تأخير السحور.... فقد أوصي الرسول صلى الله عليه وسلم بضرورة تناول وجبة السحور . فقال - صلى الله عليه وسلم : " تسحروا فإن في السحور بركة "19 ، فهو الغداء المبارك ، وفيه مخالفة لأهل الكتاب ، و " نِعمَ سحور المؤمن التمر "20 ولا شك في أن تناول السحور يفيد في منع حدوث الإعياء والصداع أثناء نهار رمضان ، ويخفف من الشعور بالعطش الشديد . كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تأخير السحور فقال : "ما تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور" 9) ومن هذه الحِكم والأسرار إراحة جهاز الهضم مدة معينة.ففي الأثر: "صوموا تصحوا" فالصائم يناله من الخير في جسمه وصحته ورزقه حظ وافر مع عظم الأجر في الآخرة ففيه صحة للبدن والعقل بالتهيئة للتدبر والفهم وانكسار النفس إلى رتبة المؤمنين والترقي إلى رتبة المحسنين.وقد جاء فى وصية والد لولده فى الحرص على تقليل الطعام وأثر ذلك لصحة البدن والعقل وطول العمر بحيوية ونشاط ، وعافية وقوة قال الجاحظ: كان أبو عثمان الثوري يجلس ابنه معه ويقول له: إياك يا بنيّ ونهم الصبيان، وأخلاق النوائح، ونهش الأعراب؛ وكل مما يليك، واعلم أنه إذا كان في الطعام لقمة كريمة، أو مضغة شهيّة، أو شيء مستطرف، فإنما ذلك للشيخ المعظّم، أو للصبي المدلّل، ولست بواحد منهما، وقد قالوا: مد من اللحم كمد من الخمر.أي بنيّ، عوّد نفسك الأثرة، ومجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهش نهش السباع، ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النعاج، ولا تلقم لقم الجمال؛ فإن الله جعلك إنسانا فلا تجعل نفسك بهيمة، واحذر سرعة الكظة، وسرف البطنة؛ فقد قال بعض الحكماء: إذا كنت نهما فعدّ نفسك من الزّمنى؛ واعلم أن الشّبع داعية البشم ، والبشم داعية السقم، والسقم داعية الموت؛ ومن مات هذه الميتة فقد مات ميتة لئيمة، لأنه قاتل نفسه، وقاتل نفسه ألأم من قاتل غيره. أي بنيّ، والله ما أدّى حقّ الركوع والسجود ذو كظة، ولا خشع للَّه ذو بطنة، والصوم مصحّة، والوجبات عيش الصالحين. أي بنيّ، لأمر ما طالت أعمار الهند، وصحت أبدان العرب؛ وللَّه درّ الحارث بن كلدة إذ زعم أن الدواء هو الأزم، فالداء كله من فضول الطعام؛ فكيف لا ترغب في شيء يجمع لك صحة البدن، وذكاء الذهن، وصلاح الدين والدنيا، والقرب من عيش الملائكة! أي بني، لم صار الضب أطول عمرا؟ إلا لأنه يتبلغ بالنسيم؛ ولم قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إن الصوم وجاء «2» ؟ إلا لأنه جعله حجابا دون الشهوات؛ فافهم تأديب الله عز وجل، وتأديب رسوله عليه الصلاة والسلام. أي بني، قد بلغت تسعين عاما ما نغضت لي سنّ، ولا انتشر لي عصب، ولا عرفت ذنين أنف، ولا سيلان عين، ولا سلس بول؛ ما لذلك علة إلا التخفيف من الزاد؛ فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تحب الموت فلا أبعد الله غيرك!21 10)  إحساس النفس بعز الربوبية وذل العبودية حين يجوع، فيشعر بأن لقمة ترد جوعته، وشربة تروي ظمأه وتحفظ حياته. قال علي –رضي الله عنه - مسكين ابن آدم مكتوم الأجل مكتوب العمل، تؤذيه البقة، وتقتله الشرقة، وتنتنه العرقة، وتميته الغرقة22 11)  تربية النفس على العفة والصبر والشجاعة والوفاء والحزم وقوة الإرادة. 12)  الشعور وإشعار النفس بالمساواة، فالكل يشترك في الحكم لا فرق بين غني وفقير وعظيم وحقير وأمير وخفير 13) معرفة قيمة وقدر النعمة، كما قيل: لا يعرف المقيم مشقة الراحل إلا إذا ترحل، ولا يعرف الراكب مشقة الراجل إلا إذا ترجل. 14) صحة البدن، حيث يغني ويحلل ما زاد عن الحاجة، والشجر إذا استمر في الماء مات، ويقوى إذا حبس عنه وتعهد به في فترات. 15) و يرقق الفؤاد نحو المساكين، ومن أجل هذا شرعت زكاة الفطر في نهاية شهر الصوم حتى يخرجها القادر. لعلها مقولة الغزالي – رحمه لله تعالى - الصوم.. تأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع لكل فريضة حكمة . وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمه ، يستثير الشفقة ويحض على الصدقة ، ويكسر الكبر ، ويعلم الصبر ، ويسن خلال البر ، حتى إذا جاع من ألف الشبع ، وحرم المترف أسباب المتع عرف الحرمان كيف يقع ، وألم الجوع إذا لذع. 16) سيطرة الروح على الجسم. 17) مُخَالَفَةُ الْهَوَى؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ 18) وَالِاتِّصَافُ بِصِفَةِ الْمَلَائِكَة 19) فيه إظهار الخضوع لله عز وجل وتعظيمه. 20) إن الصيام من شأنه أن يوقظ قلب المؤمن لمراقبة الله عز وجل، ذلك لأن الصائم ما إن يستدبر جزءاً من نهاره حتى يحس بالجوع والعطش، وتهفو نفسه إلى الطعام والشراب، لكن شعوره بأنه صائم يحول دون تحقيقه لرغبات نفسه، تحقيقاً لأمر الله عز وجل، ومن خلال هذا التدافع يستيقظ القلب، وينمو فيه شعور المراقبة لله تعالى، ويظل على ذكر لربوبيته وعظيم سلطانه، كما يظل متنبهاً إلى أنه عبد خاضع لحكم الله تعالى، ومنقاد لإرادته، والصيام عبادة بدنية قوامُها ترك المفطرات المعروفة، ولما كان ترك هذه المفطرات سراً بين العبد وبين ربه، فإنه مما لا شك فيه أنه متى تم هذا العمل فيما بين الإنسان وبين الله كان ذلك أعظم لأجره، وأجزل لثوابه. وقد ذكر ذلك كثير من العلماء، فقالوا: إن الصيام سر بين العبد وبين الله. وقالوا: إن ملائكة الحفظة لا تكتبه، لأن الإنسان إذا صام لا يطّلع عليه إلا الله.فإذا صمت فمن الذي يراك في كل حركاتك، وفي كل أوقاتك؟! إن من يغفل عن مراقبة الله له يمكنه أن يفعل ما يريد فيتناول طعامه وشرابه دون ما خوف من الله عز وجل. ولكن العبد المؤمن يعلم أن معه من يراقبه، وأن عليه رقيب عتيد؛ يعلم أن ربه يراه قال تعالى: ((الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين))23 فإذا كان العبد يؤمن بأن الله تعالى هو المطّلع عليه وحده، كان ذلك مما يحمله على أن يخلص في عمله، كما يحمله على الإخلاص في كل الحالات، ويبقى معه في كل شهور السنة. أليس الذي يراقبنا في رمضان هو الذي يراقبنا في سائر الأوقات؟ فيجب على المسلم أن يستحضر ربه دائماً، فإنه عليه رقيب يعلم ما تكنه نفسه، يقول تعالى: ((ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد))24 21) إن شهر رمضان شهر قدسي بين أشهر السنة كلها، يريد الله عز وجل من عباده أن يملؤوه بالطاعات والقربات، ويحققوا فيه أسمى معاني عبوديتهم لله سبحانه وتعالى، وهيهات أن يتحقق ذلك أمام موائد الطعام، وفي مجالس الشراب، وبعد امتلاء المعدة، وتصاعد أبخرة الطعام إلى الفكر والدماغ، فكان في شريعة صيام هذا الشهر أيسر سبيل للقيام بحقه، وأداء واجب العبودية فيه. 22) وفوق هذا كله مغفرة الذنوب ، والعتق من النيران ، بفضله وكرمه نسأله أن يمن علينا بالعتق من النيران, وفى الصحيح أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".25 23) وبالجملة فحكم الصيام وأسراره عظيمة. وفوائده كثيرة، وقد رتب الله عليه من جزيل الثواب وعظيم الأجر. ما لو تصورته نفس صائمة لطارت فرحاً وتمنت أن تكون السنة كلها رمضان. .قال تعالى :"إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً"26  وفى الصحيح عن أبي هريرة – رضي الله عنه قال -: قال رسول الله (: " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَىَ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلاَّ الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي.. . الحديث"(27) [رواه البخاري ومسلم].      وقد دلت النصوص على أن من أدى الواجبات والفرائض وترك المحرمات، فهو من أهل الجنة، لما ورد عن طَلْحَة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ  قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرَ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَصِيَامُ رَمَضَانَ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ. أو دخل الجنة إن صدق"(28). هذا الحديث دليل على أن مدار الفلاح على الفرائض أما السنن وغيرها فهي مكملات لا يفوت أصل الفلاح بها.‏  هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل.   الهوامش: 1 البقرة:183-185 2 صحيح البخاري كِتَابُ الإِيمَانِبَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ»صحيح مسلم كتاب الإيمان. باب بيان أركان الإِسلام ودعائمه العظام. 3 الأحزاب:36 4 صحيح مسلم كتاب الصيام. باب فضل الصيام 5 سورة البقرة، الآية: 183. 6 البقرة: 21 7 الحج:37 8 صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب الصَّوْمِ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعُزْبَةَ.كِتَاب النِّكَاحِ. باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ.باب مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْبَاءَةَ فَلْيَصُمْ. ‏صحيح مسلم كتاب النِّكاح. باب استحباب النِّكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة، واشتغال من عجز عن المؤن بالصَّوم. 9 [مجاني الأدب في حدائق العرب 2/ 71] 10 [الكشكول 1/ 175] 11 12 [التمثيل والمحاضرة ص: 14] 13 [نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب ت إحسان عباس 5/ 164] 14 سنن الترمذي كتاب الزهد عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ كثْرَةِ الأَكْل. 15 فاطر37 16 أخرجه الترمذي برقم 2347 وقال حديث حسن) 17 ‏صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب مَتَى يَحِلُّ فِطْرُ الصَّائِمِ. صحيح مسلم  كتاب الصيام. باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار. صحيح مسلم  كتاب الصيام. باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار. 18 صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالْإِفْطَارِ. باب يُفْطِرُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ.باب تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ كِتَاب الطَّلَاقِ. باب الْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْأُمُورِ. 19 رواه البخاري فتح 4/139 20 رواه أبو داود رقم 2345 وهو في صحيح الترغيب 1/448 21 [العقد الفريد 8/ 18] 22 [ربيع الأبرار ونصوص الأخيار 2/ 342] 23 الشعراء:218-219 24 ق:16 25 صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. بَاب صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنْ الْإِيمَانِ.باب مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَنِيَّةً.صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها.  باب التَّرغيب في قيام رمضان وهو التَّراويح.سنن أبى داود كتاب الطهارة. باب في تمام قيام شهر رمضان. 26 الأحزاب:35. (27)مسند الإمام أحمد والبخاري (4/103)، في صحيحه كِتَاب الصَّوْمِ باب هَلْ يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ إِذَا شُتِمَ ومسلم (1151) (164)، في صحيحه كتاب الصيام باب فضل الصيام واللفظ له من حديث أبي هريرة، وأخرجه مسلم أيضاً (165) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه. سنن ابن ماجه كتاب الصيام. باب ما جاء في فضل الصيام (28)مسند الإمام أحمد. رواه البخاري (1/106)،فيصحيحه كِتَاب الْإِيمَانِ. باب الزَّكَاةُ مِنْ الْإِسْلَامِ كِتَاب الشَّهَادَاتِ.  باب كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ كِتَاب الْإِكْرَاهِ. باب فِي الزَّكَاةِ. ‏صحيح ومسلم في صحيحه  كتاب الإيمان. باب بيان الصَّلوات الَّتي هي أحد أركان الإسلام.

3408

| 03 أغسطس 2012

صوم يثمر التقوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد، فحتى يمن الله علينا بالتقوى تلك الثمرة المُتوخاه من وراء الصوم لقوله تعالي "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"1 والتى كان رسول الله  صلي الله عليه وآله وسلم  يدعو ربه أن يُؤتيه إيَّاها فيقول "اللهم آت نفسي تقواها  وزكِّها  أنت  خير من زكَّاها  أنت وليُّها ومولاها"  فلا بدَّ لنا أن نعقل ونَعِيَ أن الهدف من الصوم .إنما هو التهذيب للنفس والتأديب للطبع وذلك بِكف الجوارح عن المحارم. وإمساك سائر الأعضاء عن المحرَّمات أبداً انطلاقاً وامتداداً لهذا الإمساك المؤقت  للبطن والفرج في نهار الصوم، كما قال تعالي "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثًمَّ أتموا الصيام إلى الليل ولا تُباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد"  2. ومن هنا فإن لكل جارحة صومها الخاص بها  ولكل عضو إمساكه ونعنى بالأعضاء هنا" اللسان واليد والعين والرجل  والبطن والفرج والقلب "فالمسلم إن أمسك عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أو قُل أَمَسَك عن شهوتي البطن والفرج ولكنه أطلق للسانه ولسائر جوارحه العنان فوقع في المُحرَّمات وانتهك الحرمات فإنه يُحبط أجر صومه  ويُبطل عمله قال تعالي "ياأيها الذين آمنوا أطيعوا  الله وأطيعوا الرسول ولا تُبطلوا أعمالكم "3 وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش, ورب قائم حظه من قيامه السهر»4. إذ ينبغي أثناء الصيام الكثير من التحفظ والتوقي والحذر حتى لا يبوء الصائم من صيامه بالجوع والعطش ومن قيامه بالسهر والتعب إذ الأصل في الصوم الإمساك عن كل ما يفسد الصوم. [عن طليق بن قيس قال: قال أبو ذر: إذا صمت فتحفظ ما استطعت وكان طليق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلاَّ لصلاة.]5 هذا التحفظ يُكسب المرء الوقار والزينة والاتزان وتتجمع مخايل الشخصية المسلمة الحقة ولا يستويان أبدا الصائم المستصحب لمعية الله واللاهي اللاعب. كما لا يستوى أبدا من أمضى ليله ساهرا لمشاهدة التمثيليات والأفلام، وآخر أسهر القرآن الكريم ليله، "أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما..." وعن إجمال هذا التحفظ  قال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ودع أذى الخادم وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء6. وهناك ما ينبغى أن تكون عليه في يومك وليلك حتى تتأتى لك التقوى تلك الثمرة المرجوة من وراء الصوم ونبدأ بالقلب لأهميته بين سائر الجوارح ففى الصحيح عن  النّعمانُ بنَ بَشيرٍ - رضي الله عنهما- يقول: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «الحَلالُ بَيّنٌ, وَالحَرامُ بَيّنٌ, وَبَيْنَهما مُشَبّهاتٌ لا يَعْلَمُها كثيرٌ منَ الناسِ. فمنِ اتّقىَ المُشَبّهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينهِ وعِرْضِه, ومَنْ وَقَعَ في الشّبُهاتِ كراعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمىَ يُوشِكُ أنْ يُواقِعَه. ألا وإِنّ لِكلّ مَلكٍ حِمى, ألا إِنّ حِمَى اللهِ مَحارِمُه. ألا وإِنّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسدُ كلّه, وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسَدُ كله, أَلا وهِيَ الْقَلْبُ»7. وسبيل استقامة الإنسان  استقامة قلبه أوَّلاً  فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : «لا يَسْتَقِيمَ إيمانُ عَبْدٍ حَتّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلاَ يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ, ولا يَدْخُلُ رَجُلٌ الجنة, لا يأمَنْ جَارُهُ بوَائِقَه»8. وهذه المُضغة بمثابة الملك  أو الحاكم وسائر  الأعضاء له جنود  يأتمرون بأمره   كما قيل: إذا حلَّت الهداية قلباً نشـــطت في العبادة الأعضاء  ليس الإيمان بالتمنى ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل وكما أن القلب مصدر الحياة ماديَّاً بسبب ضَخِّه الدم لسائر الأعضاء وبه تكون الحياة  المادية فكذلك به تكون حياة الروح وفاعلية الإيمان في حركة المسلم اليومية .  وكثيرة هي  الآثام الباطنة التي تقع بهذه المضغة  وقد أمرنا الله تعالي بِترك  كل إثم  ظاهراً كان أم باطناً   قال تعالي " وذروا ظاهر الإثم وباطنه "9 ومن هذه الآثام التى يجب أن نغسل قلوبنا  منها مايلى : الكبر : وهو بطر الحق وغمط الناس الاستخفاف بهم. في الحديث الصحيح ما يُشير إلى حُرمة الكبر وكونه سبباً في الحرمان من دخول الجنة في الصحيح  عَنْ  عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ, عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: إِنّ الرّجُلَ يُحِبّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنا, وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: «إِنّ الله جَمِيلٌ يُحِبّ الْجَمَالَ. الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقّ وَغَمْطُ النّاسِ»10.  في الحديث ما يشير إلى ما وضعه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم من علاج لبوادر الكبر وبواعثه في النفس ومنها أنه صلي الله عليه وآله وسلم وجد أُناساً يسيرون خلفه فيقف ويُقدِّم الناس أمامه حتي لا يسيرون خلفه فتكون من ذا فتنة له  وهو المعصوم فما بالك بمن ليس معصوماً.عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه - قَالَ: مَرّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم, فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرّ نَحْوَ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ. وَكَانَ النّاسُ يَمْشُونَ خَلْفَهُ. فَلَمّا سَمِعَ صَوْتَ النّعَالِ وقَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ. فَجَلَسَ حَتّى قَدّمَهُمْ أَمَامَهُ, لِئَلاّ يَقَعَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مِنَ الْكِبْرِ"11 2-  الأمن من مكر الله تعالي:  يجب أن تصوم قلوبنا عن الأمن من مكر الله عـزَّ وجلَّ لأننا لا ندرى بما يُختم لنا فلا يَغرُّنا ما نحن عليه الآن من القيام بأنماط من الطاعة وألوان من العبادة لأنّا لا ندري هل تُقُبل هذا العمل منا أم لا ؟ " إنما يتقبل الله من المتقين "12. ومن ذا الذي  يستطيع أن يقطع لنفسه بالتقوى مع قول الله "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"13. فالعبرة بالخاتمة كما في الحديث "إنما الأعمال بالخواتيم" هذا هو أبو بكر الصدِّيق على فضله وشهادة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم  له مما يطول الحديث لو استعرضناه هنا أقول مع هذا كلِّه يقول لو كانت إحدى قدميَّ في الجنة ما أمنت مكر الله عـزَّ وجلَّ  "فلا يأمن مكر الله إلاَّ القوم الخاسرون "14 3- الرياء: وهو قصد الوجاهة عند الناس والشهرة  بأعمال مشروعة قال تعالي " فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يُراؤون ويمنعون الماعون"15.  وفي الحديث ما يشير إلى  خطورة الرياء على صاحبه يوم العرض على الله عـزَّ وجلَّ  لقد اعتبره رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم شركاً تخوَّفه على أُمته  ويوم القيامة لا أجر لهؤلاء المرائين عند الله عـزَّ وجلَّ حيث يُقال لهم  إذهبوا إلى من كنتم تقصدونهم بأعمالكم  فعند ذلك تكون الحسرة والندامة عن محمود بن لبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر, قالوا: يا رسول الله, وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء, إن الله تبارك وتعالى يقول يوم تجازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤن بأعمالكم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء». 4- الغِلّ : " ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في  قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم"17. وقد جعل الله تعالي الناس أصنافاً ثلاثة الأول: المهاجرون، الثانى: الأنصار وقد فاتنا الصنفان فلم يبق إلاَّ الثالث: وهم: الذين يدعون لمن سبقوهم بالإيمان ويسألونه أن يمن عليهم بسلامة قلوبهم من الغل لإخوانهم هؤلاء ومن لم يسلم قلبه من الغل لهؤلاء فقد خرج من الأصناف الثلاثة  ولهذا قلنا ينبغى أن تصوم قلوبنا عن هذه الرذيلة. وأفضل الناس من صفا قلبه من هذه الآفات كما جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمرو قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب, صدوق اللسان». قالوا: صدوق اللسان, نعرفه. فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي. لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد»18. الحسد :  وهو تمنى زوال النعمة عن الغير وأشدُّه أن يتمنى الحاسد أن تزول النعمة عن الغير وحصولها له. والحسد من الكبائر التي تُؤدى إلى  التقاطع والتدابر بين أبناء المجتمع الواحد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَن رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِيّاكُمْ وَالظّنّ. فَإِنّ الظّنّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَلاَ تَحَسّسُوا, وَلاَ تَجَسّسُوا, وَلاَ تَنَافَسُوا, وَلاَ تَحَاسَدُوا, وَلاَ تَبَاغَضُوا, وَلاَ تَدَابَرُوا, وَكُونُوا, عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً»19. 6- الإعجاب بالنفس أو بالرأي: عن أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيّةِ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيّلَ وَاخْتَالَ, وَنَسِيَ الكَبِيرَ المتَعَالَ. وَبِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ تَجَبّرَ وَاعْتَدَى, وَنَسِيَ الْجَبّارَ الأَعْلَى. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ سَهَى وَلَهَى, وَنَسِيَ المَقَابِرَ وَالْبِلَى. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ عَتَا وَطَغَى, وَنَسِيَ المُبْتَدأَ وَالمُنْتَهَى. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ يَختِلُ الدّنْيَا بالدّينِ. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدّينَ بالشّبُهَاتِ. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ هوَى يُضِلّهُ. بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ رُغَبٌ يُذِلّهُ»20. 7-  محبَّة ما لا يُحبه الله تعالي أو المحبة لغير الله تعالي "إن الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون"21  والحب والكره وثيق الصلة بالإيمان وعظيم الخطر على مستقبل الإنسان بل على آخرته فالمرء مع من أحب  كما في الحديث. وخلاصة القول لا بد من التنبه لهذه المضغة فهي صغيرة الحجم عظيمة الشأن وبها وباللسان يكون الإنسان كما قيل  المرء بأصغريه قلبه ولسانه ونكتفى بما طرحناه هنا من آفات هذه المضغة وفيما ذكرنا دليل إلى مالم نذكر من آفاتها ولا بُدَّ لنا مِنْ أن نُمسك هذه المضغة عن آفاتها الموبقة  حتي تستقيم لنا سائر الجوارح  . صوم اللسان :  والارتباط بين اللسان والقلب وثيق، والعلاقة بينهما غير مُنْفكَّة ففي الحديث "وَلاَ يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ,"  وفي الأمثال (ما فيك يظهر على فيك) وفي الشعر إن الكلام لفى الفؤاد وإنما             جُعل اللسان على الفؤاد دليلاً  لهذا كان حديثنا عن صوم اللسان بعد صوم القلب هذه الجارحة ينبغى أن تصوم عن  ما يلى: 1- الكذب: وهو قول غير الحقيقة والواقع. ولا يجتمع الكذب والإيمان في قلب أبداً: قال: أبو بكر - رضي الله عنه - يا أيها الناس إياكم والكذب فإن الكذب مجانب للإيمان »22 . وفي الحديث ما يفيد استبعاد وقوع الكذب من المؤمن عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنّهُ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: أَيَكُونُ المُؤْمِنُ جَبَاناً؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ المُؤْمِنُ بَخِيلاً؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ كَذّاباً؟ فَقَالَ: «لاَ»23. قد يعترى المؤمن بعض الحالات التى يجبن فيها لكن إذا ووجه بصرامة النصوص وشديد العقاب على التخاذل والجبن والقعود عن نصر الحق وخذلان الباطل نهض من غفوته وهب من نومته، وهذا هو سر التعبير النبوي بتقليل وقوع  الجبن من المؤمن ، وتقليل  وقوع البخل فقد تنتاب المؤمن بعض المشاعر والأحاسيس التى يبخل بسببها ويضن  فلا يسخو ولا يجود وإنما يُمسك! لكن إذا ما ذُكِّر بأليم العقاب وشديد العذاب على البخل والمنع للحق والمستحق ومنها "وأما من بخل واستغنى وكذَّب بالحسنى فسنيسره للعسرى، وما يغني عنه ماله إذا تردى"24 أقول إذا ما ذُكِّر بهذا أسرع فتخلص من البخل والشح وأدَّى ما أوجبه الله عليه. أمَّا  الكذب فلا ترخيص فيه ولا تهاون ليقع فيه المؤمن قليلاً فضلاً عن الكثير"إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب"25 2- النميمة: نقل الكلام بين الناس لإيقاع العداوة والبغضاء بين الناس  وإيغار الصدور. ولذا استحق صاحبها الحرمان من الجنة لعظيم الأثر الذي يترتب على جريمته  ففيها كشف أستار ونشر أسرار فضلاً عن أنها ترمي بفاعلها في بؤرة الفسق  وتنأى به عن أعين الصالحين من عباد الله عـزَّ وجلَّ حيث توضع له البغضة في الأرض ويُحرم من القبول إذ الجزاء من جنس العمل ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها عَنْ حُذَيْفَةَ أَنّهُ بَلَغَهُ أَنّ رَجُلاً يَنِمّ الْحَدِيثَ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ نَمّامٌ»26. 3- السِباب: وهو شتم الغير بما فيه وبما ليس فيه وهو أعظم إثماً من السب فالأخير الشتم للإنسان بما فيه أمَّا السِباب فيكون بما فيه وبما ليس فيه. ولذا من يقع منه السباب يرمى به في دائرة الفسق وربما أحبط عليه عمله كما في الصحيح عن عبد اللّهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «سِبابُ المُسْلمِ فُسوقٌ وَقِتالُه كُفْر»27. ومما يؤسف له أن من المسلمين من يتذرع بالصوم ويتخذه مدرجة للتطاول على الناس بلسانه وربما تجاوز ذلك إلى اليد بحجة أنه صائم فأين ذلك من هدي السنة في الصوم وما وجه إليه الصادق صلي الله عليه وآله وسلم عن أبي هُريرةَ - رضيَ اللهُ عنه - قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «... الصّيامُ جُنّة, وإِذا كانَ يومُ صومِ أحدِكم فلا يَرفُثْ ولا يَصخَب, فإِن سابّهُ أحدٌ أو قاتَلهُ فلْيَقُلْ إِني امرؤٌ صائم. والذي نَفسُ محمدٍ بيدِه لَخُلُوفُ فمِ الصائمِ أطْيَبُ عندً اللهِ من رِيحِ المِسكِ. للصائمِ فًرْحًتانِ يَفرَحُهما: إِذا أفطَرَ فرِحَ, وإِذا لَقِيَ ربّهُ فَرِحَ بصومهِ»28 4- الغِيبة: أن تذكر أخاك بما يكره في غيابه . وذلك حرام وقد نفَّر القرآن الكريم منها أبلغ تنفير  حيث شبه فاعلها بآكل لحم أخيه ميتا ، قال تعالي " ولا يغتب بعضكم بعضاً أيُحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه  واتقوا الله إن الله تواب رحيم "29. في الصحيح  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِن كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ, فَقَدِ اغْتَبْتَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ, فَقَدْ بَهَتّهُ»30. 5- شهادة الزور: قال تعالي " فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور "31  لهذه الآية عدلت شهادة الزور الإشراك بالله تعالي عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الأَسَدِيّ قَالَ: صَلّى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الصّبْحَ. فَلَمّا انْصَرَفَ قَامَ قَائِماً. فَقَالَ: «عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزّورِ بِالإِشْرَاكِ بِاللّهِ» ثَلاَث مَرّاتٍ. ثُمّ تَلاَ هَذِهِ الاَيَةَ: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزّورِ حُنَفَاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}32. ولذا كانت من الكبائر عن أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِرَ (أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ) فَقَالَ: «الشّرْكُ بِالله. وَقَتْلُ النّفْسِ. وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» وَقَالَ: «أَلاَ أُنَبّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» قَالَ: «قَوْلُ الزّورِ (أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزّورِ)» قَالَ شُعْبَةُ: ظَنّي أَنهُ شَهَادَةُ الزّورِ.33  وذلك لما يترتب عليها من: 1- تضييع الحقوق  2- وظلم الحقيقة  3- وتبرئة المتهم 4- ونجاة الظالمين والمجرمين  5- وانتشار البغضاء في المجتمع 6- وفقدان العدالة والثقة  7- والإصابة بالإحباط  8- وفقدان الشعور بالأمان   لهذا كله وغيره كانت شهادة الزور كبيرة من الكبيرة للأضرار الخطيرة التى تترتب عليها .على كلٍ من الفرد والمجتمع 6-  القذف : وهو الاتهام للعفائف والأعفَّة بالفاحشة وهو كبيرة من الكبائر للحديث الصحيح عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «اجتَنِبوا السبعَ الموبقات. قالوا: يارسولَ الله وما هنّ؟ قال: الشركُ بالله, والسّحْر, وقتلُ النفس التي حرّمَ الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكلُ مالِ اليتيم, والتّولي يومَ الزّحف, وقذفُ المحصنات المؤمنات الغافِلات»34. ولقوله تعالي "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون"35. ولقوله تعالي "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يُوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المُبين"36 7-  السخرية: قال تعالي "لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراُ منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن"37 8-  اللغو: وهو كل ما لا فائدة فيه قولاً كان أو فعلاً، قال تعالي "والذين هم عن اللغو مُعرضون"38 9-  التنابز بالألقاب: المناداة بالأسماء غير المحبوبة قال تعالي: ولا تنابزوا بالألقاب"39. الطعن واللعن والفحش والبذاءة لقد أمسك النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن اللعن حتى عن المشركين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. قَالَ «إِنّي لَمْ أُبْعَثْ لَعّاناً. وَإِنّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً»40. عن أنسٍ قال: «لم يكنْ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم فاحِشاً ولا لَعّاناً ولا سَبّاباً, كان يقولُ عند المعتَبة: مالهُ ترِبَ جبينُه»41. هذه أخلاق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم  فما بالنا نتجاوزها ؟! وهو محل القدوة والأسوة قال تعالي "لقد  كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً "42 هذا طرف من آفات هذه الجارحة التى تُورد موارد التهلكة على النحو الذي أصلنا وفصلنا حتي يأخذ المسلم حذره وهو يُمسك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات المادية فلا يضيع ذلك عليه سُدى. صوم العين  وهذه جارحة ثالثة لها خطرها وعنها يُسأل المرء يوم القيامة قال تعالي "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً"43 ومما ينبغى أن تُربي عليه هذه الجارحة مراقبة الله تعالي الذي "يعلم خائنة الأعين وما تُخفى الصدور "44  وصومها يكون عما يأتي: النظر إلى العورات نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية أو نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي عنها والمقصود بالأجنبي من يحل للمرأة التزوُّج به، قال تعالي "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم  وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن"45. 3- مطالعة ما ليس بإسلامي. لقوله تعالي "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً"46 4- مشاهدة ما يدعو إلى الإباحية والتحلل. 5- النظرة التي تُدخل الرعب والروع في نفس مسلم . 6- النظر في الأوراق الخاصة كالأجندة وغيرها مما لها صبغة السرِّية ويغلب عليها الطابع الشخصي. صوم الأذن وذلك يكون بكفها عن سماع اللغو فقد قال تعالي "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم "47. سماع الكذب فقد ذمَّ الله تعالي قوماً فقال " سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت"48. سماع  الغيبة "المغتاب والمستمع شريكان في الإثم". سماع النميمة، وهي نقل الكلام بقصد إيقاع العداوة والبغضاء بين المنقول عنه والمنقول إليه الكلام عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: « لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر, قال: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم : مال فقسمه , قال: فمررت برجلين وأحدهما يقول لصاحبه: والله , ما أراد محمد بقسمته وجه الله, ولا الدار الاَخرة , فتثبتّ حتى سمعت ما قالا , ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقلت : يا رسول الله , إنك قلت لنا : لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً وإني مررت بفلان وفلان وهما يقولان كذا وكذا, قال: فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وشق عليه , ثم قال: دعنا منك فقد أوذي موسى أكثر من ذلك ثم صبر»49 . 4- التجسس، تتبع عورات الناس والاستماع إلى حديثهم ونجواهم ومُحاولة كشف ما ستروه واستخفوا به من المحرمات قال تعالي "ولا تجسسوا"50 سماع الباطل والأغاني قال تعالي "ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا"51. صوم اليد وهذه الجارحة لها صومها أيضاً  فمما ينبغى أن تصوم عنه ما يلي: 1- البطش والإيذاء للمؤمنين بغير حق وهو كبيرة من الكبائر قال تعالي "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثماً مبيناً "52. إن من علامات الإيمان عند المسلم أن يكون الناس في مأمن من شرِّه عن عبدِ اللّهِ بن عَمْرٍو رضي اللّهُ عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمونَ مِن لِسانِهِ وَيَدهِ, والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه»53. 2- الغلول، قال تعالي "ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة ثُمَّ تُوفَّى كل نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون"54. لقد أحجم النبي صلي الله عليه وآله وسلم عن الصلاة على من عُرف عنه أنه قد غَلَّ عن زيد بن خالد الجهني «أن رجلاً من المسلمين توفي بخيبر, وأنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: صلوا على صاحبكم, قال: فتغيرت وجوه القوم لذلك, فلما رأى الذي بهم قال: إن صاحبكم غل في سبيل الله, ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزاً من خرز اليهود ما يساوي درهمين»55. 3- السرقة، إن أخذ أموال الناس في خفية والاستيلاء عليها دون وجه حق  سبيل لاستجلاب لعنة الله عـزَّ وجلَّ  عن أبي هريرةَ رضي الله عنه - عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَعن الله السارقَ يَسرقُ البيضةَ فتقطعُ يده, ويسرقَ الحبلَ فتقطعُ يدهُ». قال الأعمش: كانوا يرَون أنه بيضُ الحديد, والحبلُ كانوا يرون أنه منها ما يَساوي دراهمَ56. 4- كتابة ما ليس بحق وما من كاتب إلاَّ سيبلى         ويُبلى الدهر ماكتبت يداه فلا تكتبن بكفك غير شيء          يسرُّك يوم القيامة أن تراه يدخل في ذلك ما يورد في التقارير التي يرفعها الولاة والرعاة عمن تحت أيديهم إلى من هم أعلى منهم  وتخضع هذه التقارير للأهواء والميول  فتبعد عن الموضوعية والانصاف والشفافية وتتجنى على الحقيقة ويترتب عليها إلحاق الضرر بغير جريرة  بينما يترتب عليها من ناحية أخرى ترفيع من لا يستحق الترفيع وإقصاء ذوى الكفاءات والقدرات عن مواقع التأثير وعليه تكون هذه التقارير شهادات زور  وقد مرَّ بنا شيء من أخطارها 5- منع حق لله تعالي أو لأحد من خلق الله عـزَّ وجلَّ،  قد وجب وحان أوانه قال تعالي " فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يُراؤون ويمنعون الماعون "57 وفي الحديث  ما يقطع بعدم اجتماع  الشح والإيمان  في قلب مسلم أبداً  عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري رجل مسلم, ولا يجتمع شح وإيمان في قلب رجل مسلم»58.  وقد ورد في الحديث الشريف  النهي عن منع أصحاب الحقوق  حقوقهم  والإلحاح في السؤال  وتضييع المال  الذي استخلفنا الله عـزَّ وجلَّ  عن المغيرةِ - رضي الله عنه - قالَ: نَهَى رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عنْ وأدِ البناتِ, وعقوقِ الأمهاتِ, وعن منعٍ وهاتِ, وعنْ قيلَ وقالَ وكثرةِ السؤالِ, وإضاعةِ المالِ59. صوم الرِجْل هذه الجارحة يجب أن تصوم عن ما يلي : 1. السير بها إلى أماكن اللهو والفجور . 2. السعي في الأرض فساداً . 3. البطش بها  والإيذاء . هذه الجارحة سوف تشهد يوم القيامة على أصحابها  قال تعالي "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين "60 وقال تعالي أيضاً " حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ، وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرَّة وإليه ترجعون "61. إن الصوم بهذا النحو آكد ما يكون  حتي إذا وصلنا إلى هذا النوع من الإمساك الشرعي المتكامل  سائر أشهر العام  صمنا الدهر كلَّه  فيكون رمضان فعلاً إلى رمضان التالى مُكفِّراً لما بينهما مع اجتناب  الكبائر  كما في الحديث  .كم يرجو المسلم أن يعيش المسلمون بهذا الإمساك  كل أيامهم  جهاداً  للنفس والأهواء  والشياطين  من الإنس والجن  " اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " هذا وبالله التوفيق . وكل عام أنتم بخير..     الهوامش: 1 البقرة / 183 2 البقرة / 187 3 محمد / 33 4 مسند أحمد 5 مصنف ابن أبي شيبة 6 مصنف ابن أبي شيبة 7 البخاري في صحيحه  في كتاب / الإيمان  باب فَضل مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينهِ 8 مسند أحمد 9 الأنعام /120. 10 مسلم في صحيحه كتاب / الإيمان 45 ــ  باب تحريم الكبر وبيانه 11 سنن ابن ماجة 12 المائدة/27 13 النجم/ 32 14 الأعراف/99. 15 الماعون /4-7 17 الحشر /10 18 ابن ماجة في سننه ومصباح الزجاجة كتاب الزهد  باب الورع والتقوى وإسناده صحيح رواه البيهقي في سننه من هذا الوجه 19 مسلم في صحيحه كتاب / البر والصلة والآداب. باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش, ونحوها 20 الترمِذِيّ في جامعه كتاب صفة القيامة  قال أَبو عيسى: غريب لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من هذا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالقَوِيّ. 21 النور / 19 22 أحمد في المسند 23 مالك في موطأه كتاب  الغيبة والكلام والتقى باب ما جاء في الصدق والكذب  23 الليل / 8-11. 24 الليل / 11 25 غافر / 28. 26 مسلم في صحيحه كتاب / الإيمان باب بيان غلظ تحريم النميمة باب بيان غلظ تحريم النميمة 27 البخاري في صحيحه  كتاب / الإيمان  باب خوف المُؤْمِنِ مِنْ أنْ يَحْبَطَ عَمَلُه وَهُوَ لا يَشْعُر 28 البخاري في صحيحه  كتاب / الصومباب هل يقولُ إِني صائمٌ إِذا شُتِم 29 الحجرات / 12 30 مسلم في صحيحه في كتاب / البروالصلة والآداب باب تحريم الغيبة 31 الحج:30 32 ابن ماجة في سننه كتاب / الأحكام باب شهادة الزور 33 مسلم في صحيحه كتاب / الإيمان  باب  الكبائر وأكبرها 34 البخاري في صحيحه   كتاب / الحدود باب رمي المحصنات 35 النور /3-4 36 النور /23-25. 37 الحجرات /11. 38 المؤمنون /3. 39 الحجرات/11 40 مسلم في صحيحه  كتاب / البروالصلة والآداب  باب النهي عن لعن الدواب وغيرها 41 البخاري في صحيحه  كتاب / الأدب باب مايُنهى عن السباب واللعن 42 الأحزاب / 21. 43 الإسراء/36. 44 غافر:19 45 النور / 30 - 31 46 الإسراء/36. 47 القصص / 55 48 المائدة/42 49 أحمد في المسند 50 الحجرات /12. 51 لقمان/6 52 الأحزاب / 58 53 البخاري في صحيحه  كتاب / الإيمان باب المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ 54 آل عمران /161 55 أحمد في المسند 56 البخاري في صحيحه   كتاب / الحدود باب لَعنِ السارقِ إذا لم يُسمّ 57 الماعون 4-7 58 أحمد في المسند  59 الدارمي في كتاب / الرقائق باب إن الله كره لكم قيل وقال 60 النور/24-25  61 فصلت /  20-21        

2873

| 25 يوليو 2012

أسباب الاختلاف بين الدول الاسلامية والعربية حول رؤية هلال رمضان

مقدمة: بين يدي  التعرُّف على سبب هذا الاختلاف الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد فخالق الكون سبحانه وتعالى جعل له نواميس وسنن يسير عليها ، وأجْرى ذلك بنظام دقيق وتنظيم بديع ، وتري مظاهر الكون ، وكواكبه تسير بدقة عجيبة " قال تعالى:" وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ {39} لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"يس/38-40 وهكذا كل الكائنات المكونة لهذا الكون " الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ *ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِير"الملك/3-4 ثم أتي خليفة الله تعالى في أرضه " الإنسان" " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً"البقرة/30‏ وكلفه خالقه بأنماط وألوان من العبادة ، يتجه بها نحوه T لينسجم مع باقي المخلوقات المسبحة له تبارك وتعالى وربط هذه العبادات ، بدوران الكواكب ، فالصلاة مربوطة بدوران الشمس " أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً *وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً"الإسراء/78-79 وربط الحج والصوم بالقمر" يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ .."البقرة/189 " الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَج"البقرة/197 وفي الصيام " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"البقرة/185 وفي الصحيح عن عبد بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله r: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه. فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له"، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لهما "فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". الحديث دليل وجوب صوم رمضان إذا ثبتت رؤية هلاله شرعاً، وأنه يجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً إذا حال غيم أو نحوه دون رؤية هلال رمضان، وعلى وجوب إكمال رمضان ثلاثين يوماً إذا حال غيم أو نحوه دون هلال شوال؛ لأن الأصل بقاء الشهر، فلا يحكم بخروجه إلا بيقين، -كما كان الدخول فيه بيقين - وإذا رأى الهلال من يثبت بشهادته دخول الشهر أو خروجه ثبت الحكم. وينبغي أن يعنى بهلال شعبان حتى تعرف ليلة الثلاثين التي يتحرى فيها هلال رمضان. ويستكمل الشهر عند عدم الرؤية، لما ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: "أحصوا هلال شعبان لرمضان . . . الحديث". أي: اجتهدوا في إحصائه وضبطه، بأن تتحروا وتتراءوا منازله، لأجل أن تكونوا على بصيرة في إدراك هلال رمضان فلا يفوتكم منه شيء. فينبغي أن يجعل الناس عبادتهم مرتبطة ابتداء وانتهاء باستهلاله. وقد  أَقْسَمَ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرَاً. قَالَت عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: لَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً أَعُدُّهُنَّ، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: بَدَأَ بِي-.فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْراً، وَإِنّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ. فَقَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ". وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: اعْتَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءهُ شَهْرَاً، فَخَرَجَ إِلَيْنَا صَبَاحَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعاً وَعِشْرِينَ"، ثُمَّ طَبَّقَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَيْهِ ثَلاثَاً مَرَّتَيْنِ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ كُلِّهَا، وَالثَّالِثَةَ بِتِسْعٍ مِنْهَا. وسبب الاختلاف بين الدول الاسلامية والعربية حول رؤية هلال رمضان فيما يأتي: لقد قرر الحديث الصحيح السابق أن ثبوت دخول رمضان والخروج منه إنما يكون برؤية الهلال يراه واحد على رأي الجمهور أو اثنان على رأي آخرين. والسؤال الآن هل عند رؤية الهلال في بلد من بلدان العالم العربي والإسلامي يُلزم جميع المسلمين في شتى البقاع بالصيام أم أنه لأهل كل بلد رؤيتهم نظرا لتباعد البلدان ، واختلاف خطوط الطول والعرض بعدا وقربا بين بلدان العالم الإسلامي؟ الجواب للعلماء في ذلك مذهبان: أولهما : لأهل كل بلد رؤيتهم- نظرا لاختلاف خطوط الطول والعرض بعدا وقربا بين بلدان العالم الإسلامي - وهو ما نميل إليه - لحديث ابن عباس وفي صحيح مسلم ما يشهد له،عنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَىَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الهِلاَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ -رضي اللهِ عنهما- ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَلَ فَقَالَ: مَتَىَ رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّىَ نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ، أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ: أَوَلاَ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لاَ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق، وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه، وحكاه الماوردي وجها للشافعية. في مقابل هذا المذهب القائل بأن لأهل كل بلد رؤيتهم – ثانيهما: إذا رُؤِيَ ببلدة واحدة من بلدان العالم الإسلامي لزم أهل البلاد كلها، وهو المشهور عند المالكية، لكن حكى ابن عبد البر – وهو من الموالك - الإجماع على خلافه. وقال: أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بَعُد من البلاد كخراسان والأندلس. قال القرطبي – وهو مالكي المذهب - :  قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نُقِل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم. وقال ابن الماجشون: لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم – أي عندما تكون هناك خلافة إسلامية جامعة لكل المسلمين - فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع. وأنَّى ذلك الآن في عالمنا المعاصر من القرن  الحادي والعشرين وقال بعض الشافعية: إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا وإن تباعدت فوجهان: لا يجب عند الأكثر، واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب وحكاه البغوي عن الشافعي. من الملاحظ: أن سبب الاختلاف بين الدول الاسلامية والعربية حول رؤية هلال رمضان فيما يظهر من أقوال علماء المذاهب كما مر معنا في الرأيين السابقين 1-عدم وجود خلافة إسلامية جامعة للمسلمين قاطبة ، تأخذ بأيديهم ، وتتجه بهم نحو آفاق الوحدة في الشعائر ليتوحدوا فيما بينهم في المشاعر. ابن الماجشون 2-تباعد البلدان عن بعضها ، واختلاف خطوط الطول والعرض فيما بينها 3-تبقي مسألة النص في الحديث على الرؤية فهل من لم ير هل يأخذ برؤية من رأي ؟؟ أم لا ؟ ، وهل يتم قبول شهادة أهل منطقة رؤي فيها الهلال أم لا تقبل بل لا بُد من الرؤية ؟ تمسكا بنص الحديث كما مر فابن عباس – رضي الله عنهما – بالحجاز – لم يأخذ برؤية كُرَيْبٍ  مولى – أمه - أُمَّ الفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ عندما بَعَثَتْهُ إِلَىَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ – وثبتت الرؤية بالشام – دمشق عاصمة دولة الخلافة الأموية في ذلك الوقت رغم أن ابن عباس استوثق من الرؤية الشخصية لمولى أمه  حيث قال له "قَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ. فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّىَ نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ، أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ: أَوَلاَ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لاَ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهاهو ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن يتوقف في الأخذ برؤية وقعت في بلد واحد من بلدان العالم الإسلامي ، وذلك خلال دولة الخلافة الواحدة تحت حكم الأمويين آنذاك ، ورغم أن الخليفة العام قد صام ، ويقول : لاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّىَ نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ، أَوْ نَرَاهُ ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحديث في ‏صحيح مسلم  كتاب الصيام. باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم. فقد دل الحديث على أن الصوم أو الفطر لا يجب على البعيد عن مكان الرؤية إذا اختلفت المطالع؛ لأن الشرع علق الحكم بالرؤية. ولذا لم يأخذ حبر الأمة برؤية أهل الشام مع قيام دولة الخلافة الواحدة ، لأنه لم ير الهلال لا حقيقة ولا حكماً. وهذا وإن كان الخطاب في الحديث لجميع الأمة "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه." فالصوم والإفطار يكونان عند وجود السبب الذي هو الرؤية. فالذين يرون الهلال يلزمهم الصوم والإفطار لوجود سببه ، ومن لم تتحقق عندهم الرؤية فلا يلزمهم ذلك لتخلف سببه. المهم هو رؤية الهلال صغيرا كان أم كبيرا  فلا اعتبار لكبر الهلال أو صغره وإنما العبرة برؤيته لما ثبت في الصحيح من حديث  أَبِي الْبَخْتَرِيِّ - سعيد بن فيروز- قَالَ: خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ قَالَ: تَرَاءيْنَا الْهِلاَلَ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. قَالَ: فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْنَا: إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلاَلَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمُ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. فَقَالَ: أَيُّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالَ: فَقُلْنَا: لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ فَهُوَ لِلَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ". فقوله – صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث " فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " لم يقل فاسألوا أهل الحساب، الحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون حيث يدرك الرؤية والعدد الخاص والعام والجاهل والعالم فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم ولا يعتمد على قول أهل الحساب في دخول الشهر ولا في خروجه؛ لأن النبي r علق الحكم بالرؤية لا بالحساب ، وهذا من يسر الشريعة، ولله الحمد.ثم إن حساب المنجمين لا يعرفه إلا القليل والشرع إنما يعرف بما يعرفه الجماهير. ثم إن الذين ذهبوا إلى القول بأن لأهل كل بلد رؤيتهم يقيسون ذلك على الصلاة فمواقيت الصلاة، مع مشروعية فريضة الصلاة على كافة الأمة ، في كافة أصقاع الأرض ، وإن اختلفت مطالع الشمس شروقا وغروبا ، والصلاة مربوطة بدوران الشمس لقوله تعالى "أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً"الإسراء/78 ولهذا ترانا في دول الخليج وأرض الجزيرة فقط ، تختلف مواقيت الصلاة ، عن بعضها البعض وفيما بينها وبين أرض الكنانة تجدنا هنا في الخليج أمسكنا عن الطعام والشراب وفرغنا من صلاة الفجر ، بينما الناس في أرض الكنانة لا يزالون يأكلون ، هذا مع  التقارب بين خطوط الطول والعرض إلى حد ما ، فما بالك إذا ترامت الأطراف ، وامتدت فروق التوقيت ساعات وساعات ، بل في الدولة الواحدة قد تجد تباينا كبيرا بين مواقيت الصلاة ، مراعاة لفروق التوقيت والله أعلم. وعليه فلا  اتفاق بين الدول في الصلاة ، حتى يُقال لماذا لا يتفقون على رؤية هلال رمضان كما يتفقون على الصلاة .فأين الاتفاق في الصلاة المزعوم في السؤال؟ أما عن الاتفاق في الحج فالكل لا محيد له عن اعتبار رؤية هلال ذي الحجة في السعودية ، لأن الحج مع كونه عبادة مرتبطة بالهلال والهلال يظهر عند الجميع كما في الأشهر الأخري إلا أنه عبادة مكانية ، محدودة محصورة في مهبط الوحي فعدم تعدد المشاعر المقدسة، وانحصارها في أرض الحرمين تم حسم الأمر والتزم الجميع بعرفات واحد ، ومطاف واحد ، ومسعى واحد  ، ومنحر واحد ومبيت واحد.وميقات زماني واحد ، وبقي الميقات المكاني لاتساع وامتداد الكرة الأرضية ، وانتشار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.وهذا من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده. وأحكام الزكاة ، خلت من تحكم البقعة الجغرافية ، فلا أثر لها في هذا المجال. لكن على القول بعدم كفاية وقوع الرؤية في بلد واحد من بلدان العالم الإسلامي لتعميم العمل به في سائر البلدان نظرا لاختلاف المطالع ، من ناحية إضافة لآختلاف خطوط  والعرض ، فإذا تقاربت لزم التعميم . فما هو ضابط البعد والقرب بين بلدان العالم الإسلامي في متابعة رؤية الهلال؟ الجواب : في ضبط ذلك البعد أوجه:  أحدها : اختلاف المطالع قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في " الروضة " و " شرح المهذب". ثانيها : مسافة القصر قطع به الإمام والبغوي وصححه الرافعي في " الصغير " والنووي في شرح مسلم". فعلى طول مسافة القصر تعتبر البلدان الواقعة خلال هذه المسافة متقاربة تجمعها رؤية واحدة وإلا فلا. ثالثها : اختلاف الأقاليم. رابعها : حكاه السرخسي فقال: يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنها بلا عارض دون غيرهم. خامسها : قول ابن الماجشون المتقدم واستدل به على وجوب الصوم والفطر على من رأى الهلال وحده وإن لم يثبت بقوله، وهو قول الأئمة الأربعة في الصوم، واختلفوا في الفطر فقال الشافعي: يفطر ويخفيه. وقال الأكثر: يستمر صائما احتياطا. والأقرب لزوم أهل بلد الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها.   ماالحكمة في عدم الأخذ بالحساب الفلكي مع التقدم العلمي والتكنولوجي، أو حساب المنازل الذي يراه المنجمون ؟؟ والجواب متمثل في عدة نقاط كما يأتي : أولا: أن هذا الحساب لا يعرفه إلا أفراد الناس وآحادهم، والشرع إنما يَتَعَرَّف إلى الناس بما يعرفه جماهيرهم. ثانيا: اختلاف الأقاليم فيما بينها في مواقع المنازل مما يؤدي إلى اختلاف الصوم حيث يُرى في إقليم دون آخر. ثالثا: الصائمون إنما يُعَوِّلُون على طريق مقطوع به فلا يلزمهم ما يثبت عند غيرهم. رابعا: لو كان حساب النجوم والمنازل معتبرا لبينه الشرع كما بين للناس أوقات الصلاة والحج والزكاة وغيرها. خامسا: لو كُلِّف الناسُ ذلك لضاقَ عليهم وجلبَ لهم الشقة. سادسا: ثم إن القمر يُخالف الشمس فعلي حساب المنجمين يتقدم الشهر بالحساب على الشهر بالرؤية يوما أو يومين فيستحدث للناس سبب لم يشرعه الله تعالى. سابعا: المقصود بقوله تعالى" وعلامات وبالنجم هم يهتدون"، الاهتداء في طرق البر والبحر وقد ذكر البخاري في صحيحه تعليقا: قال قتادة خلق الله تعالى  هذه النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها ؛ فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه ، وتكلف ما لا علم له به "والمقصود به الاهتداء للتسيير لا للتأثير". ثامنا: ولكن إذا ثبت بالحساب طلوع الهلال من الأفق على نحو يُرى ، ومنع من الرؤية غيم مثلا ، فوجود الهلال سبب شرعي موجب للصوم ، إذ ليس حقيقة الرؤية الذاتية الشخصية شرطا في وجوب الصوم ، فالمحبوس في مطمورة أو في مكان  يُحال بينه وبين النظر في الأفق والرؤية ، إذا علم أن اليوم من رمضان بطريقة أو بأخرى وجب عليه الصوم . هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخلل والخطأ في القول والعمل. اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وأعنّا فيه على كل خير وبر وإحسان يا من إذا استعين أعان، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، واجعلنا فيه بحرمة وجهك الكريم من عتقائك من النيران وصل الله وسلم وبارك على  نبينا محمد دائما وأبدا بدوامك ياذا الجود والإحسان.كل عام أنتم بخير.

10907

| 22 يوليو 2012

الاستعداد لقدوم شهر الإقبال على الله..

(قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحن، ومن ألم فراقه تئن!) كما يقول ابن رجب وفي الاستعداد له يقول الشيخ محمد الغزالى:" من الخطأ تصور الاستعداد بأنه تدبير النفقات وتجهيز الولائم للأضياف. إن هذا الشهر شرع للإقبال على الله والاجتهاد فى مرضاته وتدبر القرآن وجعل تلاوته معراج ارتقاء وتزكية، إنه سباق فى الخيرات يظفر فيه من ينشط ويتحمس". رمضان فرصة لا تتاح كل عام إلا مرة واحدة فلنغتنم هذه الفرصة،ولنستفد منه كأنه آخر رمضان سيمر علينا، فربما يأتي العام القادم وبعضا غير موجود،لأنه تحت التراب،كما سيحضر رمضان هذا العام وقد فقدنا بعضا من أحبابنا، كنا نتمنى كما كانوا يتمنون أن نكون جميعا معا في رمضان — نسأل الله أن يجمعنا وإياهم في مستقر رحمته ودار كرامته بجوار سيد الخلق محمد — صلى الله عليه وسلم، هذا وحديثنا عن الاستعداد لقدوم شهر الإقبال على االله من خلال النقاط الآتية أولا: الاستبشار بقدوم خير الشهور والأعوام في الكتاب العزيز قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]. ورسول الله I يُقدِّم شهر رمضان لأمته على أنه شهر البركة 1 — شهر البركة فيقول I ((أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء! وتغلق فيه أبوب الجحيم! وتغل فيه مردة الشياطين! لله فيه ليلة خير من ألف شهر! من حرم خيرها فقد حرم! )) رواه النسائي والبيهقي:صحيح الترغيب: 985 وعن عبادة بن الصامت — رضي الله عنه — عن النبي — صلى الله عليه وسلم — قال:\" أتاكم شهر رمضان شهر بركة فيه خير يغشيكم الله فيُنزل الرحمةَ ويَحُطُّ فيه الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ينظر الله إلى تنافسكم ويباهى بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشَّقِىّ من حُرم فيه رحمة الله عز وجل " قال الإمام ابن رجب (رحمه الله ): (هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان. 2 — شهر السباق وهو شهر السباق قال الحسن البصري (رحمه الله): (إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا،وتخلف آخرون فخابوا! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون! ويخسر فيه المبطلون! ) وكان ابن مسعود (رضي الله عنه) إذا انقضى رمضان يقول: (من هذا المقبول منا فنهنيه؟ ومن المحروم منا فنعزيه!) قال صلى الله عليه وسلم: ((افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم)) رواه الطبراني/ السلسلة الصحيحة: 1890 3 — شهر الغفران وهو شهر الغفران فهناك أعمال كثيرة وعبادات متنوعة في الشهر الكريم أثاب الله تعالى عليها أعظم المثوبة فحطَّ الذنوب عن أصحابها من هذه الأعمال 1 — الصيام { من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [أخرجه البخاري ومسلم] 2 — صلاة القيام قال النبي صلى الله عليه وسلم (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم 3 — تفطير الصائمين في حديث سلمان: { من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء }، قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، فقال رسول الله: { يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء، ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها، حتى يدخل الجنة }. 4 — صلاة التراويح وعدم الانصراف دون الإمام قال صلى الله عليه وسلم: من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة. [رواه أهل السنن]. 5 — قيام ليلة القدر قال الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:1 — 3] وقال I: { من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [أخرجه البخاري ومسلم]. وكان النبي Iيتحرى ليلة القدر ويأمر أصحابه بتحريها وكان يوقظ أهله ليالي العشر رجاء أن يدركوا ليلة القدر. وفي المسند عن عبادة مرفوعاً: { من قامها ابتغاءها ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر } وللنسائي نحوه، قال الحافظ: إسناده على شرط الصحيح. 4 — شهر العتق من النيران وهو شهر العتق من النيران قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لله عزّ وجلّ عند كلّ فطر عتقاء " رواه أحمد 5/256 وهو في صحيح الترغيب 1/419. 5 — شهر الصيام وصيامه يعدل صيام عشرة أشهر أنظر مسند أحمد 5/280 وصحيح الترغيب 1/421 حديث زيد بن خالد الجهنى رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم الله عليه وآله وسلم الله عليه وآله وسلم: " من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً " من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا " رواه مسلم 2/808 فضل الموت على صيام " من صام يوما ابتغاء وجه الله خُتم له به دخل الجنّة " رواه أحمد 5/391 وهو في صحيح الترغيب 1/412 6 — شهر الدعاء وهو شهر الدعاء قال العلماء إن الله وضع آية الدعاء وسط آيات الصيام إشعارا منه بأن الدعاء في الصيام لا يرد فقد قال تعالى:" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"البقرة/86 بداية من ثلث الليل الأخر الذي نستعد فيه للصيام بتناول البركة — السحور — فهو وقت مبارك يستجاب فيه الدعاء ففي ثلث الليل الآخر ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا نزولا يليق به ويقول: { هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له، وكذلك خلال ساعات النهار للصحيح "دعوة الصائم لا تُردّ رواه البيهقي 3/345 وهو في السلسلة الصحيحة 1797. وساعة الإفطار دعاء الصائم فيها مستجاب كما ورد في الحديث الشريف " ثلاثة لاترد دعوتهم.... الصائم حين يفطر " ولا سيما الدعاء (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى) رواه أبو داود. الدعاء الخاص بليلة القدر عن عائشة قالت: يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: {قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني} [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني]. 7 — شهر الفرح وهو شهر الفرح ففي الصحيح " للصائم فرحتان، إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربّه فرح بصومه رواه مسلم 2/807، 8 — شهر الشفاعة وهو شهر الشفاعة في الصحيح "الصيام يشفع " للعبد يوم القيامة يقول: أي ربّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه " رواه أحمد 2/174 وحسّن الهيثمي إسناده: المجمع 3/181 وهو في صحيح الترغيب هذا وبالله التوفيق نسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يتقبل منا الصلاة والصيام والقرآن ويجعلنا فيها من عتقائه من النار اللهم آمين.

631

| 19 يوليو 2012

إلى رئيس مصر القادم "2 — 2"

نواصل في هذه المقالة تقديم وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لمالك الأشتر النخعي حينما ولاه مصر، حيث يقول في هذه الوصية الجامعة: " ثم اخْتَرْ للحُكْم بين الناس أفضلَ رعيَّتِك فِي نفسك مِمَّن لا تَضيقُ به الأمُور ولا تُمَحِّكُه الخصوم، ولا يَتَمَادى في أزله، ولا يَحْصُر عن الفيء إلى الحقّ إذا عرفه، ولا تَشْرُف نَفْسُه على طمع، ولا يَكتفي بِأدنى فهم دون أقْصَاه؛ أوْقَفَهَم في الشُّبهات وآخَذَهم بالحجج، وأقلَّهَم تبرمًا بِمُرَاجعة الْخَصم، وأصبَرَهم على تكشيف الأمور، وأصرَمَهم عند اتضاح الْحُكم مِمَّن لا يَزْدهيه إطراء، ولا يَسْتمِيله إغراء، وأولئك قليلٌ، ثم أكْثِر تَعَاهُد قَضَائِه، وافْسحْ له في البَذْل مَا يُزيحُ عِلَّته، وتَقِلُّ معه حاجته إلى النَّاس، وأعْطِه مِن الْمَنزلة لدَيك ما لا يَطْمع فِيْه غَيْرُه مِن خَاصَّتك، لِتَأَمن بِذَلك اغْتِيَال الرِّجَال له عندك، فانْظر في ذلك نظرًا بليغًا. ثم انظرْ في أمور عُمَّالك فاسْتَعْمِلْهم اخْتِيَاراً، ولا تُوَلِّهم محاباةً وأثرةً، فإِنَّهما جماع من شُعَب الجور والخيانة، وتوخَّ منهم أهلَ التجربةِ والحَيَاء من أهل البُيُوتات الصَّالحةِ، وَالقدَم في الإسْلام المُقَدَّمة، فإنَّهم أكرمُ أخلاقاً، وأصحُّ أعراضاً، وأقلُّ إلى المطامع إشرافا، وأبْلغُ في عواقب الأمور نَظرًا، ثم أسْبِغ عليهم الأرْزاق، فإن ذلك قوةً لهم على اسْتِصْلاح أنْفسِهم، وغِنًى لهم عن تناولِ ما تحت أيْديهم، وحُجّةً عليهم إنْ خالفوا أمَرْك أو ثَلَمُوا أمانتكَ، ثُمَّ تفقّدْ أعمالهمْ وابْعثْ العُيُونَ مِنْ أهل الصِّدق والوَفاء عليهم، فإنَّ تَعَاهُدك في السِّرّ لِأُمُورِهم حُدْوة لهم على اسْتِعْمال الأمَانة والرِّفق بِالرَّعيَّة. وتَحَفَّظْ مِن الأعْوان فإنْ أحدٌ منهم بَسَطَ يَدَهَ إلى خِيَانَةٍ اجتمعت بها عليه عندك أخْبارُ عُيُونك، اكتفيتَ بِذَلكَ شَاهدًا فَبَسَطت عليه العُقُوبة في بَدَنِه، وأَخَذْتَه بِمَا أصَابَ مِن عَمَلِه، ثم نَصَبْتَهُ بِمَقَام الْمَذَلَّة، وَوَسَمْته بِالْخِيَانة، وَقَلَّدْتَه عارَ التُّهْمة. ثم استوصِ بالتجار وذوي الصناعات وأوصِ بهم خيراً: المقيم منهم، والمضطرب بماله والمترفّق ببدنه، فإنهم موادّ المَنافع، وأسباب المَرافق، وجُلّابها من المباعد والمطارح، في بَرّك وبحرك، وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس إلى مواضعها، ولا يجترئون عليها، فإنهم سِلم لا تخاف بائقته، وصُلح لا تخشى غائلته، وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك، واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً، وشحاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرّة للعامّة، وعيب على الولاة، فامنع الاحتكار فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم منع منه؛ وليكن البيعُ بيعًا سمحًا بموازينِ عدل وأسعارٍ لا تُجْحِف بالفريقين: مِن البائع والمبتاع، فمن قارف حَكرةً بعد نَهيك إيَّاه، فنكِّل به، وعاقبْ في غير إسراف. ثم اللهَ اللهَ في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين، و[أهل] البؤسى والزّمْنى، فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتّراً، فاحْفظ الله تعالى ما اسْتحْفظك مِنْ حَقِّه فيهم، واجْعل لهم قَسْمًا من بيت مالك، وقَسْمًا مِن غَلَّاتِ صَوَافي الاسلام في كلِّ بلد، فإن لِلْأقْصى منهم مِثل الذي لِلْأدنى، وكلٌّ قد اسْتُرعِيت حقَّه، فلا يَشْغَلْك عنهم نظر، فإنَّك لا تُعْذرُ بِتَضْييع التَّافه لإحْكامك الكثيرَ الْمُهمَّ، ولا يَشْخَص همّك عنهم، ولا تُصَعِّر خدّك لهم، وتفقّد أمور مَنْ لا يصلُ إليك منهم، مَمْن تقتحمه العُيُون وتَحْقِرُه الرجال، فَفَرِّغ لأولئك ثقتك مِنْ أهل الخشية والتواضع، فَليرفعْ إليك أمورَهم، ثم اعملْ فيهم بِالإعْذار إلى الله تعالى يوم تلقاه، فإنَّ هؤلاء مِنْ بين الرعيَّة أحوجُ إلى الإنصافِ مِن غيرهم، وكلٌّ فأعْذر إلى الله تعالى في تأدِية حقِّه إليه. وتعَهدْ أهلَ اليُتم وذَوِي الرِقِّة في السنّ، مِمْن لا حيلة له ولا يَنْصُبُ للمسألة نَفْسه، وذلك على الوُلَاة ثقيل، والحقّ كلُّه ثقيل، وقد يُخَفِّفه الله تعالى على أقوام طلبوا العاقبةَ فَصَبَّرُوا أنفسهم وَوَثِقُوا بِصِدْق مَوْعُود اللهِ تعالى لهم. واجْعل لِذَوِي الحاجات مِنْك قَسْمًا تَفَرَّغُ لهم فِيه نَفْسُك، وَتَجْلسُ لهم مجلسًا عامًا فَتَتَواضع فِيْه للهِ الذي خلقك، وَتُقْعد عنهم جُندك وأعوانك مِنْ أحراسك وَشُرطك، حتى يُكَلّمُك مُتَكلمهم غيرَ مُتَعْتع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في غير موطن: "لن تُقدَّس أمة لا يُؤخذ للضعيف فيها حقُّه مِنْ القويّ غير مُتَعْتع"، ثم احتمل الْخُرْق منهم والعَيَّ، ونَحِّ عنك الضِيق والأنف يَبْسُط اللهُ تعالى عليك بِذَلك أكنافَ رحمته، ويُوجِبْ لك ثوابَ طاعته، وأعْط ما أعْطيت هَنِيئًا، وامْنَع في إجْمالٍ وإعْذارٍ. ثم أمورٌ مِنْ أمورك لا بُدَّ لك مِنْ مُبَاشَرتها: منها إِجَابة عُمَّالك بِمَا يَعْيَ عنه كُتَّابُك، ومنها إصْدار حاجاتِ الناس عِنْد وُرُودِها عليك، مِمَّا تخرج به صدور أعوانك، وأمْض لكلِّ يومٍ عمله، فإنّ لكلِّ يوم ما فيه، واجْعل لِنَفْسك فيما بينك وبين اللهِ تعالى أفْضلَ تِلك المواقيت وأجْزِلَ تلك الأقسام، وإنْ كانَت كُلُّها لله، إذا صَلُحت فيها النِيَّة، وسَلمت مِنْها الرعيَّة، ولْيَكُن في خاصّة ما تُخْلص به للهِ دينك: إِقَامَة فَرَائِضِهِ التي هِي له خاصَّة، فأعْطِ للهِ مِن بَدَنك في لَيْلك ونَهَارك، وَوَفِّ مَا تَقرَّبت بِهِ إلى اللهِ تعالى مِنْ ذلك كَاملاً غير مَثْلوم ولا منْقوصٍ بَالِغًا مِن بَدنك ما بَلَغ، وإذا قُمْتَ في صلاتك لِلنَّاس فلا تَكونَنَّ مُنَقِّرًا ولا مُضَيِّعًا، فإنَّ في النَّاس مَنْ بِهِ العِلَّةُ وَلَهُ الحَاجة. وقَد سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين وَجَّهني إلى اليمن: كَيْف أُصَلِّي بِهِم؟ فقال: صَلِّ بِهِم كَصَلاةِ أضْعَفهم، وَكُنْ بالمؤمنين رحيماً. وأما بعد هذا فلا يَطُولَنَّ احتجابُك عَن رَعِيتك، فإن احْتِجَاب الوُلَاة عن الرعيَّة شُعْبة مِن الضِيْق، وقِلَّة عِلْمٍ بِالأمُور، والاحْتِجَاب مِنْهُم يَقْطعْ عَنْهم عِلْم ما احْتَجَبُوا دُوْنَه، فَيَصْغُر عِنْدهم الكبيرُ ويَعْظُم الصَّغَيرُ، ويَقْبُح الحَسن ويَحْسُن القَبيح، ويُشَاب الحقُّ بِالبَاطِل، وإنَّما الوَالي بَشُرٌ لا يَعْرف ما تَوَارى عنه النَّاسُ بِهِ مِن الأمُور، وليست على الحقِّ سِمات تُعْرف بِهَا ضُرُوب الصِّدق مِن الكَذِب، وإنَّما أنت أحدُ رجلين: إما امرؤٌ سَخَت نفسُك بِالبَذْل في الحقِّ فَفِيم احتجَابُك مِنْ وَاجب حقٍّ تُعْطِيه، أو فِعْل كَرَم تُسْدِيه؟ أو مُبْتلًى بِالمَنْع، فَمَا أسْرعَ كَفُّ النَّاس عن مسْألتك إذا يَئِسوا منك بذلك، مع أن أكثرَ حاجات النَّاس إليك مَا لا مَؤُونة فيه عليك، مِن شِكاة مظْلمة أو طَلَب إنْصافِ في مُعاملة. إِيَّاك والدِّمَاءَ وسَفْكَها بِغَيْر حَقِّها، فإنَّه ليس شيءٌ أدْعى لِنِقْمةٍ، ولا أعْظَم تَبِعَةً ولا أحْرَى لِزَوَال نِعْمةٍ وانْقِطَاع مُدَّةٍ مِن سِفْك الدِّمَاء بِغَيْر حَقِّها، واللهُ سُبْحَانه مُبْتَدىءٌ بِالحُكْم بين العباد فيما تَسَافَكُوا مِن الدِّمَاء بِغَير حَقِّها يوم القِيَامة، فلا تُقَوِينّ سُلْطانك بِسَفْك دمٍ حرام، فإن ذلك مِمَّا يُضْعِفُهُ ويُوهِنُهُ بَلْ يُزِيْلُه ويَنْقِلُهُ، ولا عُذْر لَكَ عِنْد اللهِ ولا عِنْدي في قَتْل العَمْد، لِأنّ فيه قَوَدُ البَدَن، فإنْ ابْتُلِيت بِخَطأٍ وأفْرَط عليك سَوْطُك أو يَدُك بِعُقُوبة، فإنَّ في الوَكْزة فما فوْقَها مَقْتَلة، فلا تَطْمَحَنَّ بِك نَخْوَة سُلْطَانِك عنْ أنْ تُؤَدِّي إلى أوْلياءِ الْمَقْتُول حَقَّهم. وإيَّاك والإعْجابَ بِنَفْسِك والثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُك مِنْها، وحُبَّ الإطْرَاء، فإنَّ ذلك مِنْ أوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطان في نَفْسِه لِيَمْحَق مَا يَكُون مِنْ إحْسَان الْمُحسن. وإيَّاكَ والْمَنِّ على رَعَيتِك بِإِحْسَانك، أو التَزَيُّد فيما كان مِنْ فِعْلِك، أوْ أنْ تَعِدَهُم فَتُتْبِع مَوْعِدَك بِخٌلْف، فإنَّ الْمَنَّ يُبْطِل الإحْسان، والتّّزَيُّد يُذْهِبُ بِنُورِ الْحَقِّ، والْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْت عِنْد اللهِ والنَّاس؛ قال الله تعالى: "كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ". وإيَّاكَ والعجلةَ بِالأمُورِ قَبْل أوَانِها، أوْ التَثَبُّط فيها عند إمْكانِهَا، واللَّجَاجة فِيها إذا تَنَكَّرت، أوْ الوَهَن عَنْها إذَا اسْتُوْضِحَت، فَضَعْ كلَّ أمْر مَوْضِعَه، وأوْقِعْ كلَّ عملٍ مَوْقِعَه. ومن هذا العهد، وهو آخره: وأنَا أسألُ اللهَ بِسَعَة رَحْمَتِه، وَعَظِيم قُدْرَتِه عَلَى إعْطاء كلِّ رغبة، أنْ يُوَفِّقَنِي وإيَّاكَ لِمَا فيه رِضَاه مِن الإقَامَة على العُذْر الوَاضِح، إليْه وإلى خَلْقِه، مَعَ حُسْن الثَّنَاء في العِباد، وَجَمِيل الأَثَر في البِلَاد، وَتَمَام النِّعْمة وَتَضَعِيف الكَّرَامَة، وَأَن يَخْتِم لِي ولَكَ بِالسَّعَادَة وَالشَّهَادة، إنَّا إليْهِ رَاغِبُون.

476

| 17 يوليو 2012

خلطة الفريق شفيق رؤية شرعية

الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد.. ففي مقابلة تليفزيونية مع مرشح النظام البائد آخر رئيس وزراء ما قبل الثورة المباركة الفريق شفيق أعلن عن توجهه إلى وضع نصوص من الإنجيل في الكتب المدرسية بجوار آيات القرآن الكريم أو يحذف آيات القرآن الكريم من الكتب، ونحن بدورنا، رجعنا إلى أصولنا من الكتاب العزيز الخالد المحفوظ بحفظ الله، ونصوص السنة المطهرة لنرى جواز ذلك من عدمه، وهل وافق صفوة الخلق صلوات الله وسلامه عليه، المسلمين على أن تكون لديهم هذه الخلطة، وإلا أعرضوا عن القرآن الكريم فنقول وبالله التوفيق لا يجوز لمسلم الاستجابة لمثل هذه الدعوة لما فيها من إنكار ظهور الإسلام على الدين كله، وأن هذه الأديان مع الإسلام على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولاشك أن إقرار مثل هذا أو اعتقاده أو الرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين، واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله، تعالى الله عن ذلك، - ولا يجوز لمسلم أن يقوم بطباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد!! - أو آيات منه، مضافة أو مجاورة لبعض نصوص هذه الكتب المقدسة - عند أهلها -، فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد؛ لما في ذلك من الجمع بين الحق (القرآن الكريم) والمحرف أو الحق المنسوخ (التوراة والإنجيل). كما لا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً ورسولاً، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين أبناء المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والتجاوب مع أئمة هذه الضلالة، قال تعالى:"وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ[1] ولأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، وتُبطل صدق القرآن الكريم ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتُبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع فمن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن كتاب الله تعالى: (القرآن الكريم) هو آخر كتب الله نزولاً وعهداً برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل، من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى: (القرآن الكريم) قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ[2]} وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة: إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد، فهي دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها: خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجرُّ أهله إلى ردة شاملة فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ[3]" ومصداق ذلك في قول الله سبحانه: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا[4]} وقوله جل وعلا: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً[5]} وثبت في صحيح مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار». وإن تعجب فعجب، أن ترى مثل هذا التهافت، والتساقط وتتساءل لماذا؟؟؟!!! هل لإرضاء حفنة من الخلق قال تعالى "وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ[6]" وَمَنِ الْتَمَسَ مَحَامِدَ النَّاسِ بِسُخْطِ اللَّهِ، عَادَ حَامِدُهُ مِنَ النَّاسِ ذَامًّا لَهُ. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي. فَكَتَبَتْ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مَئُونَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ " وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ[7]». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فالذي يلتمس رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ يَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ لأنه رضي لنفسه بولاية من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فَوَكَله إليه، ومن الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مَئُونَةَ النَّاسِ لأنه جعل نفسه من حزب الله ولا يخيب من التجأ إليه {ألا إن حزب الله هم المفحلون} أوحى الله إلى داود عليه السلام "ما من عبد يعتصم بي دون خلقي فتكيده السماوات والأرض إلا جعلت له مخرجا وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السماء من بين يديه وأسخطت الأرض من تحت قدميه" هذا ومما يجب الإيمان به أن (التوراة والإنجيل) قد نُسِخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم، منها: قول الله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا[8]} وقوله جل وعلا: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ[9]} وقوله سبحانه: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[10]} ولهذا: فما كان من هذه الكتب صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل، وليس في قراءة التوراة والإنجيل فائدة إلا لمتخصص ينقدها، وما كل أحد يستطيع ذلك، ولكن من رسخ في علوم الشريعة، وتمكن من معرفة أصولها، وصار لديه من قوة النظر، ما به يستطيع أن يميز بين الحق والباطل، والصواب والخطأ، فله أن ينظر ويبحث أما أن يقرأهما عامة الناس أو من لا علاقة له بهذا التخصص فهذا منهي عنه، والدليل على ذلك قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن ثابت أنه قال: ((جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله: فقلت له: ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين[11])). وفي رواية ((... أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية... والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني[12]))... ثم ترك - الفاروق - الاطلاع عليها[13] - كما سنُبين بحول الله وقوته.

495

| 04 يوليو 2012

(الحبيس رئيس ، والرئيس حبيس) الأيام دول والدول أيام والعاقبة للمتقين

بالأمس القريب كان "مبارك" رئيسا، وكان "مرسي" حبسا، أصبح اليوم "مرسي" رئيسا وبات "مبارك" حبيسا، بالأمس القريب وعلى مدار ثمانين عاما أو يزيد كانت كبرى الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي ، مُغَيَّبة ، ومطاردة ، يتم التنكيل برجالها ، ويحاربون في أرزاقهم ، وأفكارهم وتُكال لهم التُهم ، وتتم ملاحقة أبنائها في الداخل والخارج ، وبين الحين والآخر ، يُزجُّ بهم في غياهب السجون، ويتم الاعتداء عليهم ، بغير ذنب إلا أن يقولوا ربنا الله ، وكان الحزب الوطني في سدة الحكم ، عاث في الأرض فسادا حتى أظلم الليل وطفح الكيل ، ولكن الأيام دول والدول أيام ، وسبحان من يُغيِّر ولا يتغيَّر ، أين أبناء وأبتاع الحزب الوطني ورموزه  اليوم ؟؟؟!! وليس هذا في مصر وحدها في تونس الخضراء ، كم عاني حزب النهضة على يد الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم ، واليوم أين موقع كل من الحزبين ورجال كل ، والأيام دُوَل ، والدول أيام.وبين يدي ذكرنا لوقائع  من التاريخ أقدم بمقدمات أربع.. أولا: في الحديث الشريف عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «خَمْسَةٌ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ إنْ شَاءَ أَمْضَى غَضَبَهُ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا ثَوَّى بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ إلَى النَّارِ: أَمِيرُ قَوْمٍ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ رَعِيَّتِهِ وَلَا يُنْصِفُهُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَدْفَعُ الظُّلْمَ عَنْهُمْ، وَزَعِيمُ قَوْمٍ يُطِيعُونَهُ وَلَا يُسَوِّي بَيْنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَيَتَكَلَّمُ بِالْهَوَى، وَرَجُلٌ لَا يَأْمُرُ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَلَا يُعَلِّمُهُمْ أَمْرَ دِينِهِمْ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَعْمَلَهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ، وَرَجُلٌ ظَلَمَ امْرَأَةً فِي صَدَاقِهَا» . على رأس هؤلاء الذين غضب الله عليهم ، أمير استوفي حقه من رعيته ، ولكنهم عدموا إنصافه، ورعايته فظُلموا في الداخل والخارج ، بلا نصير ، وتشردت الكفاءات والكفايات ، ، وثاني من غضب الله عليهم في الحديث ، زعيم أطاعه قومه ، ولكنه أضاع حقوقهم ، فاستضبع القوي ، وازداد الضعيف ضعفا، وأضل قومه وما هدي ، واتبع هواه فتردي. وثانية : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ وَاسْتَوَوْا عَلَى أَقْدَامِهِمْ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ إلَى اللَّهِ وَقَالُوا يَا رَبِّ مَعَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ مَعَ الْمَظْلُومِ حَتَّى يُؤَدَّى إلَيْهِ حَقُّهُ. وهذا الأثر فيه بشارة لكل مظلوم أن الله تعالى معه فلا يأس ولا قنوط ولا إحباط ، ولكن أمل وتفاؤل . وَثالثة : عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بَنَى جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ قَصْرًا وَشَيَّدَهُ فَجَاءَتْ عَجُوزٌ فَقِيرَةٌ فَبَنَتْ إلَى جَانِبِهِ شَيْئًا تَأْوِي إلَيْهِ، فَرَكِبَ الْجَبَّارُ يَوْمًا وَطَافَ حَوْلَ الْقَصْرِ فَرَأَى بِنَاءَهَا، فَقَالَ لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: لِامْرَأَةٍ فَقِيرَةٍ تَأْوِي إلَيْهِ فَأَمَرَ بِهَدْمِهِ فَهُدِمَ فَجَاءَتْ الْعَجُوزُ فَرَأَتْهُ مَهْدُومًا، فَقَالَتْ: مَنْ هَدَمَهُ؟ فَقِيلَ لَهَا الْمَلِكُ رَآهُ فَهَدَمَهُ، فَرَفَعَتْ الْعَجُوزُ رَأْسَهَا إلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ يَا رَبِّ أَنَا لَمْ أَكُنْ حَاضِرَةً فَأَنْتَ أَيْنَ كُنْت؟ قَالَ: فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جِبْرِيلَ أَنْ يَقْلِبَ الْقَصْرَ عَلَى مَنْ فِيهِ فَقَلَبَهُ. ونحن بدورنا نقول يا إله العرش ، ياذا الجلال والإكرام لا يخفى عليك حالنا ، وحال إخواننا في الشام ، بيوت يتم قصفها حتى يخر السقف على سكانها من فوقهم، وكل يوم بالعشرات تزهق أرواح وتسفك دماء أبرياء ، عزَّل ، نقول ياإلهنا : إن لم نكن حاضرين لنصرتهم ونجدتهم فأنت أين ، يا من لا يُعجزه شيئ ، ياكائنا قبل كل شيئ يا مكونا لكل شيئ، يا كائنا بعد كل شيئ ، كن لأمة محمد ناصرا ومعينا ولا تشمت بها عدوا ولا حاسدا. ورابعة : قِيلَ لَمَّا حُبِسَ - خَالِدُ بن بَرْمَكٍ وَوَلَدُهُ - قَالَ: يَا أَبَتِ بَعْدَ الْعِزِّ صِرْنَا فِي الْقَيْدِ وَالْحَبْسِ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ دَعْوَةُ مَظْلُومٍ سَرَتْ بِلَيْلٍ غَفَلْنَا عَنْهَا وَلَمْ يَغْفُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا[1]..أقول : عندما يلتقي الرئيس المخلوع بولديه ووزير داخليته ، ألا يتحدثون ، بمثل هذا الحديث ، ماذا كانوا ؟! وإلام صاروا ؟!! كم من دعوات الثكالي والمظلومين ارتفعت إلى عنان السماء وتلقفها سامع الدعاء ، وادخرها إلى حين ، وكان القدر المحتوم أن يحبسه في جلده حتى بأم عينيه زوال نعمة الله عز وجل عنه لما لم يشكرها ، ولم يصنها ، وقد استوفي حقه من رعيته ، ولم يحطها بنصحه ، ولم يدفع الظلم عنهم بل ظلمهم في الداخل والخارج، وبات اليوم حبيسا، وأصبح حبيس الأمس رئيسا.هذا خزي الدنيا !!فماذا في الآخرة ، وهذا الحبس على جناية واحدة فماذا عن باقي الجرائم؟؟!! الأيام دول وَمَعْنَاهُ: رُجُوع الشَّيْء إِلَيْك مرّة وَإِلَى صَاحبك أُخْرَى تتداولانه، ومن حاول قهر الحق قُهرِ.والدهر قُلَّب : يوم لك ويوم عليك. وسنة الحياة عدم ثبات الأحوال لكن العاقبة للمتقين فلابد من استحضار هذا عند الابتلاء فعلى الباغي تدور الدوائر ، وليعتبر الناس بهذه الأحداث ، وأن الأمر أولًا وآخرًا بيد الله -عز وجل- ولا يقع في الكون إلا ما أراد الله؛ فما على المسلم إلا أن يستحضر مثل هذه المعاني ومثل الآيات: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ[2]} ، لكن الفارق هو أنكم {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ[3]} ومهما اشتدت المحن بالمؤمن، فما عليه إلا أن يفزع إلى الله ويستعمل سلاح الدعاء والتضرع لله تبارك وتعالى؛ لأن الله سبحانه هو نصير للمؤمنين ومولى لهم قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ[4]} ، (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ[5]}  يكفي أن المدد مقطوع بين الظالم وبين الله سبحانه وتعالى؛ لأن ما بينه وبين الله خراب ودمار. إذاً: يكفي المؤمن في البلاء أن يفزع إلى الله؛ ولأن الحبل بينه وبين الله متصل، وإذا فزع إلى الله سبحانه وتعالى فإن الله يمده بنصره وبمعونته. إذاً فلا تضِقْ ذرعاً فمن المُحالِ دوامُ الحالِ، وأفضلُ العبادِة انتظارُ الفرجِ، والأيامُ دُولٌ، والدهرُ قُلّبٌ، والليالي حُبَالى، والغيبُ مستورٌ، والحكيمُ كلَّ يوم هو في شأنٍ، يغفرُ ذنباً، ويكشفُ كرْباً، ويرفع أقواماً، ويضعُ آخرين ولعلَّ الله يُحْدِثُ بعد ذلك أمراً، وإن مع العُسْرِ يُسْراً، إن مع العُسْرِ يُسْراً. ينتبه لهذه المعاني أولو الألباب فلا تمر عليهم المواقف مر السحاب حتى يستخلصوا منها العبر والعظات. وكما أن الأيام دول فكذلك الدول أيام.والدهر دولاب، يهبط العالي، ويعلو الذي هبط، ويذل العزيز، ويعز الذي ذل، وإن دار علينا الدهر حينا، فتفرقنا وتباعدنا، ولَفَّنا ليل مظلم، أغمضنا فيه عيوننا، وأغمدنا فيه سيوفنا، فلم نبصر اللص يدخل علينا، ولم ننهض إليه لنرده عنا، وحَسِبْنا لطول الليل أن لا صباح له، فقد طلع الآن الصباح، وانقضى الليل، وهب النائمون يمشون إلى الأمام. إلى الأمام! وإلا فما هذه الثورات، وما هذه الوثبات؟ وما هذه الوحدة في العواطف والمشاعر ، في العالم لتداعيات أحداث عالمنا ، فينبغي عدم اليأس، فالأيام دول، ودولة الإسلام قد بدأت تعود، وإرهاصات النصر قد لاحت ، فيومٌ علينا ويومٌ لنا ويوم نُساءُ ويومٌ نسر فلم تدم الدنيا للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فمن الأنبياء من كانت لهم حكومات، ودانت لهم البلاد وطبقوا شريعة الله عز وجل في الأرض وفي الناس، ولا شك أنه لا أحد يتصور أبداً أن هناك ما هو أحسن للبشر من شريعة ربهم، ومع ذلك دارت الدورة، وصار للجاهلية مكانٌ في بعض الوقت، ثم جاء الإسلام وهكذا: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ[6]}. العضباء ناقة الرسول.. هذه السنة إلهية واضحة، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لما سُبِقَتْ العضباء وهي ناقته، سبقها أعرابي، فتأثر لذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: {حقٌ على الله ألا يرتفع شيٌ إلا وضعه} فالدنيا ليس فيها خلود، وحقٌ على الله ألا يرتفع شيٌ إلا وضعه. يقول هرقل: الرسل يدال عليهم ثم تكون لهم العاقبة. الأيام دول كما أخبر الله جل ذكره، وقد سأل هرقل أبا سفيان عن حالهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل حاربتموه؟ قال: نعم. قال: كيف كانت الأيام بينكم وبينه؟ وكيف كانت الحروب؟ قال: الحروب بيننا وبينه دول، ننال منه مرة، وينال منا مرة. قال هرقل: وهكذا حال الرسل، يُدال عليهم ثم تكون لهم العاقبة. فهذا هو شأن الحياة الدنيا، لا تبقى لشخص على وتيرة واحدة، ولو كان النصر دائماً حليفاً للمؤمنين لأورثهم طغياناً وكبراً واستغناء عن الله سبحانه وتعالى، ولكن يُكسروا ويُدال عليهم مرة، ثم يعلو أمرهم وينتشر قولهم، هذه سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه.وفي ضوء هذا تفهم أحداث غزوة أحد ، ووقوع الرسول صلوات الله وسلامه عليه في كمين بن قمئة قمأه الله ، وتُكسر رباعيته ، وينزف دمه الشريف، بل يُشاع أنه قد قُتل، حتى فتَّ ذلك في عضد البعض حتى ألقي السلاح إلا أن الله تعالى قيَّد من يُعلن التعبئة من جديد ، ويقول قوموا فموتوا على ما مات عليه.وتفهم كذلك أحداث غزوة حنين. سنة التدافع مهمة لتصحيح الأوضاع؟ قدر الله أن تكون المعركة بين الحق والباطل ، والخير والشر والهدى والضلال إلى قيام الساعة والأيام مداولة بين الناس: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ[7]} ، { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ[8]}  إذاً سنة التدافع مهمة لتصحيح الأوضاع، يدفع الله تعالى حزبا بحزب ، وأحداثا بأحداث والله قادر أن ينزل النصر بلا جهاد، لكن لا بد من الجهاد لإزالة ما في النفوس من الشوائب، ويعلم الله الصابرين، ويتخذ شهداء، ويعلم المنافقين." وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم[9]" وقال تعالى:" وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ[10]"انظر إلى يونس بن متَّى عليه السلام في ظلمات ثلاث، لا أهل، ولا ولد، ولا صاحب، ولا حبيب، ولا قريب، إلا الله الواحد الأحد، فهتف بالكلمة الصادقة المؤثرة النافعة: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ[11]}  فجاء الفرج. لا يأس من رحمة الله وفرجه؟ يعقوب عليه السلام ، تآمر أولاده عليه وعلى أخيهم حتى فرَّقوا بين أبيهم وأخيهم وأحزنوا أباهم ، وابيضت عيناه من الحزن ، فهو كظيم يقول لأبنائه: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[12]}. فلا يأس والله يُدعَى، ولا قنوط والله يُرجَى، ولا خيبة والله يُعبَد، ولا إحباط والله يُؤمَن، جل في علاه، فإذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً}." حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ[13]" والله غالب على أمره.. المنصور بن أبي عامر -الملك الأندلسي- حكم بقتل عالم من العلماء، وأعطى السياف ورقة، أراد أن يَكتب فيها: يُقتَل، فكتب: يُطلَق، فردَّها السياف إليه، فشطبها وكتبها: يُطلَق، فردها إليه، فشطبها وكتبها: يطلق، يريد أن يُقتَل، فلما كتب يُطلَق، تعجب واحتار، وقال: والله إنه لأمر الله جل في علاه، والله ما أردتُ إلا قتله، وإنه ليُطلَق على رغم أنفي، فأطلقه: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ[14]} وصدق الله القائل في علاه " وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً[15]". ?وَائِلِ بْنِ حُجْرِ ومُعَاوِيَةُ. ""عن وَائِلِ[16] بْنِ حُجْرِ -  رضي الله تعالى عَنْهُ -  أَحَدِ مُلُوكِ الْيَمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم أَقْطَعَهُ أَرْضًا – بحضرموت[17] وَبعث مَعَه مُعَاوِيَة ليقطعها إِيَّاه» [18] - فَقَالَ أَعْطِهَا إِيَّاهُ ، فَخرج مَعَه رَاجِلا، يَمْشِي فِي نِصْفِ النَّهَارِ[19] فَشَكا إِلَيْهِ حَرَّ الرَّمْضَاءِ ، فَقَالَ: انْتَعِلْ ظِلَّ النَّاقَةِ. فَقَالَ: وَمَا يُغْنِي عَنِّي ذَلِكَ، لَوْ جَعَلْتَنِي رِدْفًا؟  , فَقَالَ ما بي [ضن] بهذه الناقة – ولكن : لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ أَرْدَافِ الْمُلُوكِ[20] , قَالَ: فَأَعْطِنِي نَعْلَيْكَ أَنْتَعِلُهُمَا , قَالَ : لستُ [أضن] بالجلدتين ، لَا تُقِلُّهَا قَدَمَكَ[21]، ولكن لستَ ممن يلبس لباس الملوك ، ولكن : انْتَعِلْ ظِلَّ النَّاقَةِ ، وكفاك به شرفا[22] قَالَ: فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ مُعَاوِيَةُ أَتَيْتُهُ فَأَقْعَدَنِي مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ , وَذَكَّرَنِي الْحَدِيثَ ، فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ لَحَمَلْتُكَ بَيْنَ يَدَيَّ[23]" ونحن بدورنا نقول: لو علم المخلوع أن ما صار اليوم سيكون فماذا كان فاعلا ؟؟!! إن ممالا شك فيه أن أعظم بلاء ابتليت به أمتنا في رعاة لا يدرسون التاريخ ، وإذا درسوا لا يعتبرون ، رعاة لا يقرأون وإذا قرأوا لا يعون ، وإذا وعوا لا يعملون. وفي رواية، عَرَضَ عَلَيْهِ جَائِزَةً سَنِيَّةً - لوفوده عَلَيْهِ - فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا، وَقَالَ: أَعْطِهَا مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهَا مِنِّي[24].وَأَرَادَ أَن يرزقه فَأبى من ذَلِك وَقَالَ يَأْخُذهُ من هُوَ أولى بِهِ مني وَأَنا فِي غنى عَنهُ[25]). وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : «قَالَ لَهُ: يَا وَائِل، إِن الرمضاء قد أَصَابَت بَاطِن قدمي؛ فأردفني خَلفك. قلت: مَا أَضِنُّ عَنْك بِهَذِهِ النَّاقة، وَلَكِن لستَ من أرداف الْمُلُوك، وأكره أَن أُعيَّر بك. قَالَ: فألق إليَّ حذاءك أتوقى بِهِ من حر الشَّمْس. (قَالَ) : مَا أضنُّ عَنْك بِهَاتَيْنِ الجِلْدتين، وَلَكِن لستَ مِمَّن يلبس لِبَاس الْمُلُوك، وأكره أَن أعيَّر بك» وَفِي آخِره: «فلمَّا قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَة؛ أَمر أنْ يتَلَقَّى، وأَذِنَ لَهُ، فأجْلَسَهُ مَعَه عَلَى سَرِيره، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: أَسَرِيري هَذَا أفضل أم ظهر نَاقَتك؟ قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، كنتُ حَدِيث عهدٍ بجاهلية وكُفر، وَكَانَت تِلْكَ سيرة الْجَاهِلِيَّة، وَقد أَتَانَا اللهُ الْيَوْم الْإِسْلَام[26]». يوسف عليه السلام وإخوته. قول وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ-?- لِمُعاوية – رضي الله عنهما - كنتُ حَدِيث عهدٍ بجاهلية وكُفر، وَكَانَت تِلْكَ سيرة الْجَاهِلِيَّة، وَقد أَتَانَا اللهُ الْيَوْم بالْإِسْلَام[27]"أقول ذكَّرتني هذه الكلمة ، بقول الصديق يوسف عليه السلام لإخوته " قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ[28] "فما يُقْدِم على إيذاء أخيه والإساءة إليه إلا جاهل بمنطوق هذه الآية الكريمة. وسبحان الله العظيم الأيام دول ، يتآمر الإخوة على أخيهم ويفرقون بينه وبين أبيهم حتى أحزنوا أباهم ، ويلقون بأخيهم في الجب ، والله تعالى يسليه ويواسيه " .. وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ[29] " تدور الأيام ويُمكن الله تعالى ليوسف عليه السلام ويأتيه إخوانه الذين ألقوه أمس في الجب يستطعمونه ، ويتلطفون معه " فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ[30]" سبحان مقلب القلوب والأحوال، سبحان من بيده مقاليد الأمور، من بيده ملكوت كي شيئ ، من امتدت يدهم أمس بالإساءة يمدونها اليوم بالسؤال والاستعطاف.والأيام دول. ابن مسعود وأبو جهل؟ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ الرَّحْمَنِ عَلَّمَ القرآن قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ مَنْ يَقْرَؤُهَا مِنْكُمْ عَلَى رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ، فَتَثَاقَلُوا مَخَافَةَ أَذِيَّتِهِمْ، فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَجْلَسَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَقُمْ إِلَّا ابْنُ مَسْعُودٍ، ثُمَّ ثَالِثًا كَذَلِكَ إِلَى أَنَّ أَذِنَ لَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُبْقِي عَلَيْهِ لِمَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ ضَعْفِهِ وَصِغَرِ/ جُثَّتِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِمْ فَرَآهُمْ مُجْتَمِعِينَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَافْتَتَحَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ، فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ فَلَطَمَهُ فَشَقَّ أُذُنَهُ وَأَدْمَاهُ، فَانْصَرَفَ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَقَّ قَلْبُهُ وَأَطْرَقَ رَأْسَهُ مَغْمُومًا، فَإِذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَجِيءُ ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ تَضْحَكُ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي! فَقَالَ: سَتَعْلَمُ، فَلَمَّا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ الْتَمَسَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَظٌّ فِي الْمُجَاهِدِينَ، فَأَخَذَ يُطَالِعُ الْقَتْلَى فَإِذَا أَبُو جَهْلٍ مَصْرُوعٌ يَخُورُ، فَخَافَ أَنَّ تَكُونَ بِهِ قُوَّةٌ فَيُؤْذِيَهُ فَوَضَعَ الرُّمْحَ عَلَى مِنْخَرِهِ مِنْ بعيد فَطَعَنَهُ، وَلَعَلَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ثُمَّ لَمَّا عَرَفَ عَجْزَهُ وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْعَدَ عَلَى صَدْرِهِ لِضَعْفِهِ فَارْتَقَى إِلَيْهِ بِحِيلَةٍ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو جَهْلٍ قَالَ: يَا رُوَيْعِيَّ الْغَنَمِ لَقَدِ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقًى صَعْبًا، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:  الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: بَلِّغْ صَاحِبَكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ فِي حَيَاتِي ولا أحد أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ فِي حَالِ مَمَاتِي، فَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ قَالَ: «فِرْعَوْنِي أَشَدُّ مِنْ فِرْعَوْنِ مُوسَى فَإِنَّهُ قَالَ آمَنْتُ[31] وَهُوَ قَدْ زَادَ عُتُوًّا» ثُمَّ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: اقْطَعْ رَأْسِي بِسَيْفِي هَذَا لِأَنَّهُ أَحَدُّ وَأَقْطَعُ، فَلَمَّا قَطَعَ رَأْسَهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَمْلِهِ، وَلَعَلَّ الْحَكِيمَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا خَلَقَ ابن مسعود ضَعِيفًا لِأَجْلِ أَنْ لَا يَقْوَى عَلَى الْحَمْلِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَلْبٌ وَالْكَلْبُ يُجَرُّ وَالثَّانِي: لِشَقِّ الْأُذُنِ فَيَقْتَصُّ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالثَّالِثُ: لِتَحْقِيقِ الْوَعِيدِ المذكور بقوله: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ فَتُجَرُّ تِلْكَ الرَّأْسُ عَلَى مُقَدَّمِهَا، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمَّا لَمْ يُطِقْهُ شَقَّ أُذُنَهُ وَجَعَلَ الْخَيْطَ فِيهِ وَجَعَلَ يَجُرُّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَضْحَكُ، وَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أُذُنٌ بأذن لكن الرأس هاهنا مَعَ الْأُذُنِ[32] ألم نقل لكم ، إن الأيام دُوَلٌ ، والدُوَلٌ أيام.والعاقبة للمتقين عثمان بن طلحة ومفاتيح الكعبة؟ ذَكَرَ ابن سعد فِي "الطَّبَقَاتِ"عَنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: كُنَّا نَفْتَحُ الْكَعْبَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ الْكَعْبَةَ مَعَ النَّاسِ فَأَغْلَظْتُ لَهُ وَنِلْتُ مِنْهُ، فَحَلُمَ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: " «يَا عثمان لَعَلَّكَ سَتَرَى هَذَا الْمِفْتَاحَ يَوْمًا بِيَدِي أَضَعُهُ حَيْثُ شِئْتُ، فَقُلْتُ: لَقَدْ هَلَكَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَئِذٍ وَذَلَّتْ، فَقَالَ: بَلْ عَمَرَتْ وَعَزَّتْ يَوْمَئِذٍ، وَدَخَلَ الْكَعْبَةَ فَوَقَعَتْ كَلِمَتُهُ مِنِّي مَوْقِعًا ظَنَنْتُ يَوْمَئِذٍ أَنَّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إِلَى مَا قَالَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ قَالَ: يَا عثمان ائْتِنِي بِالْمِفْتَاحِ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَأَخَذَهُ مِنِّي ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ: خُذُوهَا خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ، يَا عثمان إِنَّ اللَّهَ اسْتَأْمَنَكُمْ عَلَى بَيْتِهِ، فَكُلُوا مِمَّا يَصِلُ إِلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ بِالْمَعْرُوفِ» " قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ نَادَانِي فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: " أَلَمْ يَكُنِ الَّذِي قُلْتُ لَكَ؟ " قَالَ: فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ: لَعَلَّكَ سَتَرَى هَذَا الْمِفْتَاحَ بِيَدِي أَضَعُهُ حَيْثُ شِئْتُ، فَقُلْتُ: بَلَى أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ". ولا شك أن عثمان خجل من نفسه، وتمنى لو تبتلعه الأرض حين فاجأه النبي بهذا الكلام، ذلك لأنه يذكر يوماً آخر في مكة قبل هذا اليوم، حين كان النبي   فقيراً وحيداً مُكذَّباً طريداً .ولكنه اليوم غير ما كان بالأمس. ألم نقل لكم ، إن الأيام دُوَلٌ ، والدُوَلٌ أيام.والعاقبة للمتقين. وَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ العباس تَطَاوَلَ يَوْمَئِذٍ لِأَخْذِ الْمِفْتَاحِ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ[33] " قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله تعالى - هذا الحديث يدل على أن الكعبة كان لها باب يغلق عليهم ويفتح، ولم يزل ذلك في الجاهلية والإسلام، وقد أقر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها على ما كانت عليه، ودفع مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة، وأقره بيده على ما كان[34]. عدم إلغاء الامتيازات.. في تفسير القرطبي : أَنَّ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ – ومعه ابن عمه عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْحَجَبِيِّ - أَرَادَ أَلَّا يَدْفَعَ مِفْتَاحَ الكعبة إلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، وَكَانَا كَافِرَيْنِ وَقْتَ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ دَفَعَهُ ، وَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْهُ بِأَمَانَةِ اللَّهِ ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ فَكَسَرَ مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْأَوْثَانِ، وَأَخْرَجَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ ، وصلى ما شاء الله له أن يُصلي ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وطَلَبَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أن يدفع إليه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه المفتاح لِتَنْضَافَ لَهُ السِّدَانَةُ إِلَى السِّقَايَةِ ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عليه السلام بالآية الكريمة التي خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جوف الكعبة يتلوها " إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيرا[35]" فَدَعَا عُثْمَانَ وَشَيْبَةَ فَقَالَ: (خُذَاهَا خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ) عن ابن عباس وغيره: نزلت في الأمراء وأن يؤدوا الأمانة فيما ائتمنهم الله من أمر رعيته. ومناسبتها لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر وعد المؤمنين وذكر عمل الصالحات في قوله تعالى:" وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً[36]" نبه على هذين العملين الشريفين (أداء الأمانات ، والحكم بالعدل ) اللذين من اتصف بهما كان أحرى أن يتصف بغيرهما من الأعمال الصالحة: فأحدهما ما يختص به الإنسان فيما بينه وبين غيره وهو أداء الأمانة. والثاني ما يكون بين اثنين من الفصل بينهما بالحكم العدل الخالي عن الهوى، وهو من الأعمال العظيمة التي أمر الله بها رسله وأنبياءه والمؤمنين. ولما كانت الترتيب الصحيح أن يبدأ الإنسان بنفسه في جلب المصالح ودفع المضار ثم يشتغل بحال غيره، أمر بأداء الأمانة ثم بعده بالأمر بالحكم بالحق[37].بهذا – يأمن الناس من وصول الإسلاميين إلى الحكم ، فلا مطامع عندهم ، ولا استشراف للامتيازات ,لا خوف عليها. وعند ابن عائذ من مرسل عبد الرحمن بن سابط أنه دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان فقال: "خذها خالدة مخلدة إني لم أدفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم ولا ينزعها منكم إلا ظالم[38]".وهذا القول "لم أدفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم" يُذكرنا بقول الله تعالى :" فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى[39]" إنه التجرد لله تعالى والتبرؤ من الحول والقوة إلى حول الله وقوته. عدم التميز على سائر أفراد الأمة.. وفي الجانب الآخر ، لا تجد الإسلام يُقر الإسلاميين عند وصولهم إلى الحكم على الحصول على امتيازات ، يتفرقون بها عن باقي أفراد الأمة  في ((المسند)) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر عائشة أن تطلب من شيبة أن يفتح لها الكعبة ليلا، فأتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: والله ما فتحته بليل في جاهلية ولا في إسلام، فقال: ((فانظر ما كنت تصنع فافعله، ولا تفتحه)) وأمر عائشة أن تصلي في الحجر[40].وليس عائشة رضي الله تعالى عنها فحسب هي التي تٌصلي في الحجر فتكون قد صلت في جوف الكعبة ، بل كل مسلم ، إذا الثابت تاريخيا أن حجر إسماعيل من الكعبة فقد قصرت النفقة بقريش عند تجديدها بناء الكعبة عن أن تقيمها على قواعد إبراهيم ، فقد كان الحجر قبل ذلك داخلا في مساحة الكعبة المشرفة. هذا وبالله التوفيق..       [1] الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 200) [2] النساء:104 [3] النساء:104 [4] محمد:11 [5] الحج:71 [6] آل عمران:140 [7] آل عمران:140 [8] البقرة:251 [9] محمد:4 [10] آل عمران:139-140 [11] الأنبياء:87 [12] يوسف:87 [13] يوسف:110 [14] الرحمن:29 [15] آل عمران:145. [16] وَائِلِ بْنِ حُجْرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ وَائِل بن يعمر الْحَضْرَمِيّ بن هنيدة أَحَدِ مُلُوكِ الْيَمَنِ وَفَد عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَالُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَ أَصْحَابَهُ قَبْلَ قُدُومِهِ بِهِ، وَقَالَ: يَأْتِيكُمْ بَقِيَّةُ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ. فَلَمَّا دَخَلَ رَحَّبَ بِهِ وَأَدْنَاهُ مِنْ نَفْسِهِ وَقَرَّبَ مَجْلِسَهُ وَبَسَطَ لَهُ رِدَاءَهُ. وَقَالَ: " اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي وَائِلٍ وَوَلَدِهِ وَوَلِدِ وَلَدِهِ " السيرة النبوية لابن كثير (4/ 154) [17] اسْم لبلدٍ بِالْيمن [18] البدر المنير (7/ 69) [19] مسند البزار = البحر الزخار (10/ 345) [20] قَالُوا: رِدْفُ الْمُلُوكِ: الَّذِي يَحْمِلُهُ الْمَلِكُ خَلْفَهُ، وَيَكُونُ عَنْ يَمِينِهِ إِذَا شَرِبَ، وَإِذَا نَحَرَ جَزُورًا أَعْطَاهُ الْعَجْزَ. الدلائل في غريب الحديث (2/ 952). [21] الدلائل في غريب الحديث (2/ 952) [22] إكمال تهذيب الكمال (12/ 204) [23] الأموال لابن زنجويه (2/ 614) [تعليق الألباني] صحيح - «الترمذي» (1641).تعليق شعيب الأرنؤوط] إسناده صحيح على شرط مسلم، وسماع شعبة بن سماك قديم، وقول الحافظ في "التقريب" في ترجمة علقمة: صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه مردود، فقد صرح بسماعه من أبيه في "صحيح مسلم" "1680" وغيره، وانظر التفصيل في تعليقنا على "السير" 2/573 وحجاج بن محمد: هو الأعور قوله: "قال: وددت ... " فاعل "قال": هو وائل كما جاء مصرحاً به في رواية البيهقي. وأخرجه أحمد 6/399، والبيهقي 6/144 من طريق حجاج بن محمد، بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني 12/"13"، وابن زنجويه في "الأموال" "1019" من طريقين عن شعبة، به. وأخرجه الطيالسي "1017"، وأبو داود "3058" في الخراج: باب في إقطاع الأرضين، والترمذي "1381" في الأحكام: باب ماجاء في القطائع، والطبراني 22/"12"، وابن زنجويه "1018" من طرق عن شعبة، به. بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً بحضرموت، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.وأخرجه أبو داود "3059"، والطبراني 22/"4" من طريق جامع بن مطر، عن علقمة، به. [24] السيرة النبوية لابن كثير (4/ 154) [25] المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي (2/ 304) [26] البدر المنير (7/ 70) [27] البدر المنير (7/ 70) [28] يوسف عليه السلام : 89 [29] يوسف :15 [30] يوسف:88 [31] يونس: 90 [32] تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (32/ 225 [33] زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 361) شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (2/ 181) سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي (2/ 267) تاريخ دمشق لابن عساكر (38/ 383) [34] فتح الباري لابن رجب (3/ 388) [35] النساء:58 [36] النساء:57 [37] دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 492) [38] شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (6/ 394) [39] الأنفال:17 [40] فتح الباري لابن رجب (3/ 388) نقلا عن المسند

1475

| 30 يونيو 2012

بماذا يستوجب الحاكم الطاعة والمحبة والنصح؟ "1"

في الوقت الذي يُمكِّن الله تعالى فيه لبعض عباده في الأرض، فيضعهم في موقع الصدارة، وفي أعناقهم أمانة إدارة شؤون البلاد والعباد، يَجِبُ عَلَيْهِمُ التَّصَرُّفُ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وغيرِهم من أبناء الوطن ورعايا الدولة، كُلٌّ فِي مَجَالِهِ وَبِحَسَبِ سُلْطَتِهِ. وَفِي ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ: "التَّصَرُّفُ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ"، وهذا التصرف أو قل يناط بولي الأمر ـ (الحاكم أياً ما كان لقبه) رئيسا أو أميرا أو ملكا أو خليفة — وظائف، منها ما هو ديني ومنها ما هو سياسي، وهذه إشارات إلى كل منهما، ففي الوظائف دينية يتمثل ذلك في أمور أربعة: أحدها: حفظ الدّين على أصوله المستقرّة "الكتاب والسنة الصحيحة، وما أجمع عليه سلف الأمّة"، وإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه، أوضح له الحجّة، وبيّن له الصّواب، حتى تتأخر شبهته افتضاحاً، ويتقدم الحق اتضاحاً، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ليكون الدّين محروساً من الخلل، والأمّة ممنوعة من الزّلل. فالْمُلك بِالدّينِ يبْقى، وَالدِّين بِالْمُلكِ يقوى.كما قال ابن المعتز، وقد قال تعالى في بيان وظائف من يَصِلون إلى الحكم: "الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ"، وما هلك وأهلك من وصلوا ـ قَبْلُ ـ إلى الحكم عبر القرون الخوالي إلا بسبب إخلالهم بهذه الوظائف التي كلفهم الله تعالى إياها، قال تعالى: "أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ"، وقال جل مذكوراً وعز مراداً: "وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون"، والمستقرئ لآيات الكتاب العزيز يلحظ الاقتران الدقيق بين الدين والسلطان، بين الحق والقوة، بين المصحف والسيف، قال تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ"، وقيمة التلازم بين هذين الأمرين في غاية الأهمية فالحق بغير القوة ضائع، والقوة بغير الحق ظلم وبغي؛ قَالَ بعض القدماء الدّين وَالسُّلْطَان توأمان، وَقيل الدّين أس وَالسُّلْطَان حارس فَمَا لَا أس لَهُ فمهدوم، وَمَا لَا حارس لَهُ فضائع، السلطان زمام الأمور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود والقطب الذي عليه مدار الدين والدنيا. وهو حمى الله في بلاده وظلّه الممدود على عباده، به يمتنع حريمهم، وينتصر مظلومهم، وينقمع ظالمهم، ويأمن خائفهم. ثانيا: جِهَادُ مَنْ عَانَدَ الإِْسْلاَمَ بَعْدَ الدَّعْوَةِ حَتَّى يُسْلِمَ، أَوْ يَدْخُل فِي الذِّمَّةِ. ليقام بحقّ الله تعالى في إظهاره على الدّين كلّه. وهذا مشروطٌ بوجود قوة للمسلمين ووجود عدوان على دعاة الإسلام أو بلاده، قال تعالى: "قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّـهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ"، "قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ"، وقال تعالى: "قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً"، وقال تعالى عن مدافعة أعداء الأمة في الداخل والخارج: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ". ثالثًا: — جباية الفيء والصّدقات على ما أوجبه الشرع نصّاً واجتهاداً من غير حيف ولا عَسف. والمقصود بالفيء والغنائم: الأموال التي تصل إلى المسلمين من المشركين أو كانوا سبب وصولها. وهاك نصوص تذكر بعض مصادر بيت مال المسلمين، أو قل "مصادر الميزانية العامة"، قال تعالى: "وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ* لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ* وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ". وقال تعالى: "وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". وأما الصدقات فهي الأموال الواجبة على المسلمين نصاً كالزكاة، واجتهاداً كالأموال المفروضة على الأغنياء إذا خلا بيت المال، واحتاجت الدولة لتجهيز الجيش ونحوه من المصالح العامة، وقال تعالى: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"، ولهذا من أمارات الرشد، وقرائن الحكمة في الحكم، في هذا البلد وجود "صندوق الزكاة " تلك الهيئة الرسمية القائمة على تلقي الزكاة من أصحابها، وتوزيعها على المستحقين لها من الأسر المتعففة في داخل الدولة وخارجها، فكم سَدّت من رمق، وكم روت من ظمأ، وكم داوت من جراح، وجبرت من كسر، وسدَّت من خلة، وما أكثر مشاريع الخير التي كان وراءها هذا الصندوق، — جزى الله القائمين عليه كل خير — تأسيساً وتوظيفاً وأداءً — ولعل دولاً إسلامية أخرى تحذو حذوها، ويكون ثمة الإحصاء الدقيق للأغنياء والموسرين يحصيهم ديوان، وفي المقابل ديوان آخر يحصر الفقراء تنظيماً أكثر دقة وشمولاً حتى يغنى الفقير، ويُكسَى العاري، وهذا من أوجب واجبات أولياء الأمور في عالمنا الإسلامي، أوَلم يعلنها الصديق حربا مدويةً على من منعوا الزكاة، وقال قولته الشهيرة: "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه".. تلك وقفة كان لها ما بعدها، فاستقام الناس، ودامت دولة الإسلام.. هذا وللحديث بقية بحول الله وقوته، ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل.

803

| 21 مايو 2012

الأعذار المبيحة للتخلف عن صلاة الجمعة أو الجماعة "2 — 2"

نواصل حديثنا في هذا المقال عن الأعذار المبيحة للتخلف عن صلاة الجمعة أو الجماعة، فمنها: (9) رائحة كريهة لم يجد لها مزيلاً كرائحة الثوم أو البصل أو الكراث أو ملابس صناعته إذا كانت كريهة الرائحة، لكيلا يتأذى الناس للحديث الصحيح "مَنْ أَكَلَ ثُوماً أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ". وقال ابن المرابط: ويلحق به من به بخّر في فيه، أو به جرح له رائحة. ومثله جزار له رائحة كريهة منتنة، ونحوه من كل ذي رائحة منتنة كالسباك وعمال المراحيض وأمثالهم، لأن العلة الأذى وكذا من به برص وغيره من الأمراض قياسا على الثوم ونحوه بجامع الأذى.. وعلى من أكل — الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ — وجوباً أن يتجنب تعاطي ما تنتج عنه الرائحة في هذا اليوم، أو أن يستحضر له مزيلاً قبل تعاطيه من مثل تناول قدر من أعواد البقدونس الخضراء، أو بعضا من سفيف القرنفل أو مطحون البن أو قضم تفاحة، أو استعمال معجون أسنان ذي راحة نفاذة قوية تذهب معها رائحة الثوم أو البصل، حيث كان الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما إذا وجدت العلة (الرائحة الكريهة) وجد الحكم بالامتناع عن شهود الجماعة، وإذا فقدت العلة ارتفع الحكم، فمن أمكنه التداوي والمعالجة لهذا العذر فله أجره في حرصه على شهود الجماعة ودعوة الخير (10) عدم وجود قائد لأعمى لا يهتدي بنفسه فيسقط عنه الحضور لشهود الجمعة ويصليها ظهراً في أي مكان إلا إذا وجد من يقوده أو يحمله متبرعا لزمته الجمعة لعدم تكررها — دون الجماعة — ذلك الحنابلة والمالكية والشافعية — وذلك حتى لا تعظم المشقة على المعذور، والمنة ممن تفضل عليه. وعن عمرو — عبد الله — ابن أم مكتوم. قال: جئت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقلت: يا رسول اللّه أنا ضرير شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: أتسمع النداء؟ قلت: نعم، قال: ما أجد لك رخصة"،. وأخرجه أبو داود. والنسائي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن أم مكتوم، أنه قال: يا رسول اللّه، إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: تسمع حي على الصلاة. حي على الفلاح؟ قال: نعم، قال: فحي هلا. انتهى. ورواه الحاكم في "المستدرك" وصححه، وقد حمله العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشي وحده ككثير من العميان. قال البيهقي: معناه لا أجد لك رخصة تحصل لك — بها — فضيلة الجماعة من غير حضورها، وليس معناه إيجاب الحضور على الأعمى. (11) حبس فى مكان أو حصر أو خائف من حبس بحق لا يجد له سدادا وحبس المعسر ظلم لقوله تعالى:" لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا "البقرة: 286 (12) مدافعة الأخبثين (البول والغائط) أو الريح لأن ذلك يحول دون كمال الخشوع والطمأنينة في الصلاة، للحديث "لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلاَ هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ ". (13) حضور طعام تتوقه نفسه لجوع أو عطش شديدين عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ —: "إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَابْدَأُوا بِالْعَشَاءِ، وَلاَ يَعْجَلَنَّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ ". وهذه الأحوال تسقط معها الجماعة وتكون صلاة صاحبها حتى منفردا مكروهة عند أكثر العلماء إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة، وأما إذا ضاق الوقت بحيث لو أكل أو دافع الأخبثين خرج الوقت صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها. وعليه يحمل ما ورد عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِ، عَنْ أَبِيِه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَامَ وَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ." قال النووي في هذه الأحاديث التي وردت في هذا الباب كراهة للصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من اشتغال القلب وذهاب كمال الخشوع وهذه الكراهة إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة فإن ضاق بحيث لو أكل خرج الوقت لا يجوز تأخير الصلاة. (14) ومن هذه الأعذار — عند الشافعية — ريح السموم الحارة ليلا أو نهارا، والبحث عن ضالة يرجو الظفر بها، والسعي فى استرداد مغصوب تم العثور على غاصبه، والسمن المفرط، والهم المانع من الخشوع، والاشتغال بتجهيز ميت، ووجود من يؤذيه في طريقه أو فى المسجد، وزفاف زوجه إليه فى الصلاة الليلية — وهو كذلك عند الحنابلة — وهذا عند المالكية أيضا مما تسقط به الجمعة والجماعة وقدروا المدة بستة أيام بسبب الزفاف، وكونه يخشى وقوع فتنة له أو به. (15) من عليه قصاص — بحيث لو ظفر به المستحق أو ولي المقتول لقتله. أو حد قذف — عند الشافعية والمالكية. إذا كان يرجى العفو عنه. (16) الفلج عند الأحناف. (17) من هذه الأعذار الزلزلة — نص عليه فى الحاوي —  لأن فيها نوع خوف. ويشهد لها حديث ابن عباس حيث جاء فيه (العذر: خوفٌ أو مرضٌ) هذا والمرجو من فضل الله تعالى، أن يحصل ثواب وفضل الجماعة والجمعة لمن تخلف عنها أو انقطع لعذر من أعذارها الشرعية المبيحة للتخلف عنها. هذا على أداء الصلاة في جماعة المسجد، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا " وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه اللَّه عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) فكل من نوى الخير وفعل ما يقدر عليه منه كان له — إن شاء الله تعالى — كأجر فاعله ولا حرج على فضل الله تعالى. ومع بياننا لهذه الأعذار فلا يعنى ذلك إيجاد سبيل أو رخصة للتنصل من جماعة الصلاة، ففضلها لا يقادر قدره، كما فى الصحيح، أما من تخلف عن جماعة الصلاة في المسجد وصلى فى بيته أو حيث يجلس — حتى من أصحاب هذه الأعذار — برفيقه أو زوجه أو ولده، حاز — إن شاء الله تعالى — فضيلة الجماعة إلا أنها فى المسجد أفضل وأعظم أجرا، ومن العلماء من اعتبر المنفرد بصلاته مع إمكانه الصلاة في جماعة اعتبره عاصيا — والله أعلم — ولم تفت رسول الله — صلى الله عليه وآله وسلم — فيما نعلم صلاة جماعة واحدة من الصلوات إلا ما أشرنا إليه من المرض لبيان الرخصة والجواز وهو المبين عن الله تعالى صلوات ربي وسلامه عليه. والله أعلى وأعلم وأحكم.

30613

| 14 مايو 2012

الأعذار المبيحة للتخلف عن صلاة الجمعة أو الجماعية "1 - 2"

في صحيح البخاري قَالَ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ — تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ — فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ»(المِهنة): الخدمة. وهذه الخدمة من مجموع الروايات كالآتي:"«كان في بيته في مهنة أهله يفلي ثوبه ويحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه ويعلف ناضحه ويقمّ البيت ويعقل البعير ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق» لكن رغم هذا كله - إذ ليس هناك ما هو أهم من الصلاة، وشغل الخلق مهما كان لا يتقدم ولا يُقدم على ما شغلنا الله تعالى وتعبدنا به ولذا جاء في الحديث "فإذا نودي بالصلاة - خرج - كأنه لَمْ يعرفنا"الروايات كلها تقول خرج.أي إلى الجماعة، وهذا كان دأب الرسول عليه الصلاة والسلام فعن النُّعْمَان بْن بشير، رضي الله عنهما - صليت مَعَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ مراراً، كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سَمِعَ النداء كأنه لا يعرف أحداً من النَّاس. قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى - المقصود أن الصلاة إذا أقيمت والإنسان فِي شغل بعمل شيء من مصالح دنياه، فإنه يدعه - ويقوم إلى الصلاة، إماماً كَانَ أو مأموماً. ولم يثبت أبدا أنه صلوات الله وسلامه عليه صلى صلاة مكتوبة بلا جماعة، فالأعذار التي يباح معها التخلف عن الجمعة والجماعة منها ماهو عام ومنها ما هو خاص وأنت لا تعدم بصيرة تميز بين العام منها والخاص، وهاك هذه الأعذار الشرعية: (1)شدة وحل بحيث يضطر معها أواسط الناس إلى خلع النعال (2) شدة مطر يضطر معها أواسط الناس إلى تغطية رؤوسهم عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلاَةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ. فَقَالَ: أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ. ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ — يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ، يَقُولُ: "أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ " وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فلاَ تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ. فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟ قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ " فهذا دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار كالريح الشديدة ليلا، والبرد الشديد ليلا ونهارا، والظلمة الشديدة، ومثل البرد الشديد الحر الشديد ظهرا، ومثل المطر الشديد الثلج والجليد وأصل ذلك كله وشاهده الحديث الصحيح عن العبادلة ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وسائر الصحابة أجمعين (3) مرض معد كجذام يتضرر الناس به. فإن وجد مكاناً تصح فيه الجمعة بعيداً عن الناس أداها فيه وإلا سقط عنه شهودها ويؤديها ظهراً، شاهده ما ورد من أنه كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ. - الذين قدموا لمبايعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رَجُلٌ مَجْذُومٌ — فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، (ارْجعْ فَقَدْ بَايَعْنَاكَ). ‏قال القاضي: قالوا: ويمنع من المسجد، والاختلاط بالنَّاس. قلت: ووقت البيعة أقل من وقت كل من الجمعة والجماعة ومع هذا قال له صلوات الله وسلامه عليه "ارْجعْ فَقَدْ بَايَعْنَاكَ " هَذَا مُوَافِق لِلْحَدِيثِ الْآخَر فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ: (وَفِّرْ مِنْ الْمَجْذُوم فِرَارك مِنْ الْأَسَد) والفرار من المجذوم والابتعاد عنه - كما فى الحديث الذي استشهدنا به هنا - ليس من باب العدوى في شيء بل هو لأمر طبيعي وهو انتقال الداء من جسد لجسد بواسطة الملامسة والمخالطة وشم الرائحة ولذلك يقع في كثير من الأمراض في العادة انتقال الداء من المريض إلى الصحيح بكثرة المخالطة. قال ابن قتيبة المجذوم تشتد رائحته حتى يسقم من أطال مجالسته ومحادثته ومضاجعته وكذا يقع كثيرا بالمرأة من الرجل وعكسه وينزع الولد إليه ولهذا يأمر الأطباء بترك مخالطة المجذوم - لا على طريق العدوى - بل على طريق التأثر بالرائحة لأنها تسقم من واظب اشتمامها قال ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لا يورد ممرض على مصح لأن الجرب الرطب قد يكون بالبعير فإذا خالط الإبل أو حككها وآوى إلى مباركها وصل إليها بالماء الذي يسيل منه وكذا بالنظر نحو ما به. ( 4) مرض يشق معه الذهاب إلى المسجد لقوله تعالى:"وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج" وقوله:"مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَج " أي من ضيق في الدين فلهذا سهل عليكم ويسر ولم يعسر قال تعالى: {يُريدُ اللّه بكُم اليُسْرَ وَلاَ يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ} ولأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لما مرض واشتد عليه المرض تخلف عن المسجد وكان موضع صلاة المكتوبة له صلوات ربي وسلامه عليه، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأُذِّنَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". (5) تمريض لقريب كزوجة أو ولد ولو كان عنده من يقوم به، أو أجنبي كصديق إذا لم يكن عنده من يمرضه ويعنى بشؤونه، لأن دفع الضرر عن الآدمي من المهمات المشروعة، ولأنه يتألم على القريب أكثر من تألمه لذهاب المال، ومثل القريب الزوجة والصهر والصديق وسائر من ينطبق عليه الوصف والحال والضابط عدم وجود متعهد بالرعاية والعناية. (6) شدة المرض على قريب كزوجة أو ولد، وأولى إشرافه على الموت أو موته بالفعل ومثل ذلك الصديق الحميم المخلص (7) خوف على مال يضر به فقده، أو خوف على عرض أو على نفس، أو على دين كأن يخاف إلزامه بقتل شخص أو ضربه أو خوف غريم يحبسه، أو يلازمه وهو معسر، للحديث الآنف "عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتِّباعه عذرٌ قالوا: وما العذر؟. قال: "خوفٌ أو مرضٌ لم تقبل منه الصَّلاة الَّتي صلّى" (8) عرى لا يجد معه ما يستر به عورته بل ولو وجد ما يستر العورة ولكنه ليس من لباس أمثاله بأن كان يزري به لبسه ولما يلحقه من الخجل. وللحديث صلة بحول الله وقوته.

8827

| 07 مايو 2012

alsharq
سابقة قضائية قطرية في الذكاء الاصطناعي

بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...

2598

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

2226

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1551

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1548

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
أهلاً بالجميع في دَوْحةِ الجميع

ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...

1185

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1149

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1143

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

903

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

786

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

621

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
المجتمع بين التراحم والتعاقد

يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...

618

| 30 نوفمبر 2025

543

| 01 ديسمبر 2025

أخبار محلية