رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أهمية الرياضة البدنية في حياة المسلم (1)

أولا: مقدمة الإسلام يريد أن يكون أبناؤه أقوياء في أجسامهم وفى عقولهم وأخلاقهم وأرواحهم لأنه يمجِّد القوة، فهي وصف كمال لله تعالى ذي القوة المتين، قال تعالى " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ"1 كما أنها وصف لرسول الوحي " إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ*مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ"2 وشُرعت بعض العبادات لتحصيل القوة "وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ "3 بل إن الصلاة، والصيام، والحج إضافة إلى فوائدها الروحية، فيها مكاسب بدنية لا تَتَأتَّى ولا تَتَحصَّل من أي رياضة من الرياضيات البدنية، وكلَّف الله تعالى المؤمنين بإعداد العدة وتحصيل القوة اللازمة لجهاد ودفع أعداء الله تعالى فقال عز من قائل "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ"4 وفى الصحيح يقول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"5،  فالجسم الصحيح السليم القوى أقدر من غيره على أداء التكاليف الدينية والدنيوية، وعند العلة والضعف، تُخفف التكاليف الشرعية – كما أو كيفا-  فللمريض صلاته وصيامه، وفى الترحال والأسفار  - والسفر قطعة من العذاب – شُرع قصر الصلاة، والعدول عن صيام رمضان - في رمضان - إلى أيام أخر للمريض والمسافر "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"6، إبقاء على صحة الجسم، وحتى يقوى المسلم على أداء تكاليف أخرى، كما يُشرع الفطر لمن بعرفة ؛ ليقوى على الذكر والدعاء، بينما يصوم من ليس بعرفة، وهكذا، ولم يُقِر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه من عزموا على إرهاق وإنهاك وإهلاك البدن بأنواع من العبادات ـ فتقعد بهم أجسادهم عن عبادات أخرى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص. وقد أرهق نفسه بالعبادة صياما وقياما " صم وأفطر وقم ونم، فإن لبدنك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا"7. وقدم ابن القيم فى كتابه "زاد المعاد" بحثا قيما عنوانه [فَصْلٌ هَدْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّيَاضَةِ] تَدْبِيرُ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَهُوَ الرِّيَاضَةُ وَالْحَرَكَةُ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي مَنْعِ تَوَلُّدِ وَسُدَدُ الْفَضَلَاتِ – وهي - لَا مَحَالَةَ ضَارَّةٌ تُرِكَتْ، أَوِ اسْتُفْرِغَتْ، ثم يقول وَالْحَرَكَةُ تُسَخِّنُ الْأَعْضَاءَ، وَتُسِيلُ فَضَلَاتِهَا، فَلَا تَجْتَمِعُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ، وَتُعَوِّدُ الْبَدَنَ الْخِفَّةَ وَالنَّشَاطَ، وَتَجْعَلُهُ قَابِلًا لِلْغِذَاءِ، وَتُصَلِّبُ الْمَفَاصِلَ، وَتُقَوِّي الْأَوْتَارَ وَالرِّبَاطَاتِ، وَتُؤَمِّنُ جَمِيعَ الْأَمْرَاضِ الْمَادِّيَّةِ وَأَكْثَرَ الْأَمْرَاضِ الْمِزَاجِيَّةِ إِذَا اسْتُعْمِلَ الْقَدْرُ الْمُعْتَدِلُ مِنْهَا فِي وَقْتِهِ، وَكَانَ بَاقِي التَّدْبِيرِ صَوَابًا.- بل إنه يتكلم عن الوقت المناسب لممارسة الرياضة وثمارها وآثارها فيقول "وَوَقْتُ الرِّيَاضَةِ بَعْدَ انْحِدَارِ الْغِذَاءِ، وَكَمَالِ الْهَضْمِ، وَالرِّيَاضَةُ الْمُعْتَدِلَةُ هِيَ الَّتِي تَحْمَرُّ فِيهَا الْبَشَرَةُ، وَتَرْبُو وَيَتَنَدَّى بِهَا الْبَدَنُ، وَأَمَّا الَّتِي يَلْزَمُهَا سَيَلَانُ الْعَرَقِ فَمُفْرِطَةٌ، وَأَيُّ عُضْوٍ كَثُرَتْ رِيَاضَتُهُ قَوِيَ، وَخُصُوصًا عَلَى نَوْعِ تِلْكَ الرِّيَاضَةِ، بَلْ كُلُّ قُوَّةٍ فَهَذَا شَأْنُهَا، فَإِنَّ مَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْحِفْظِ قَوِيَتْ حَافِظَتُهُ، وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْفِكْرِ قَوِيَتْ قُوَّتُهُ الْمُفَكِّرَةُ، وَلِكُلِّ عُضْوٍ رِيَاضَةٌ تَخُصُّهُ، فَلِلصَّدْرِ الْقِرَاءَةُ، فَلْيَبْتَدِئْ فِيهَا مِنَ الْخُفْيَةِ إِلَى الْجَهْرِ بِتَدْرِيجٍ، وَرِيَاضَةُ السَّمْعِ بِسَمْعِ الْأَصْوَاتِ وَالْكَلَامِ بِالتَّدْرِيجِ، فَيَنْتَقِلُ مِنَ الْأَخَفِّ إِلَى الْأَثْقَلِ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ اللِّسَانِ فِي الْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ الْبَصَرِ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ الْمَشْيِ بِالتَّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَأَمَّا رُكُوبُ الْخَيْلِ وَرَمْيُ النُّشَّابِ، وَالصِّرَاعُ، وَالْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ، فَرِيَاضَةٌ لِلْبَدَنِ كُلِّهِ، وَهِيَ قَالِعَةٌ لِأَمْرَاضٍ مُزْمِنَةٍ، كَالْجُذَامِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالْقُولَنْجِ وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ هَدْيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَجَدْتَهُ أَكْمَلَ هَدْيٍ حَافِظٍ لِلصِّحَّةِ وَالْقُوَى، وَنَافِعٍ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا فِيهَا مِنْ حِفْظِ صِحَّةِ الْبَدَنِ، وَإِذَابَةِ أَخْلَاطِهِ وَفَضَلَاتِهِ مَا هُوَ مِنْ أَنْفَعِ شَيْءٍ لَهُ سِوَى مَا فِيهَا مِنْ حِفْظِ صِحَّةِ الْإِيمَانِ، وَسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ أَنْفَعِ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ، وَمِنْ أَمْنَعِ الْأُمُورِ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ، وَمِنْ أَنْشَطِ شَيْءٍ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ وَالْقَلْبِ، كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ، فَإِنْ هُوَ اسْتَيْقَظَ، فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ثَانِيَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ) . وَفِي الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ وَرِيَاضَةِ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ مَا لَا يَدْفَعُهُ صَحِيحُ الْفِطْرَةِ. وَأَمَّا الْجِهَادُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْحَرَكَاتِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْقُوَّةِ، وَحِفْظِ الصِّحَّةِ، وَصَلَابَةِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ، وَدَفْعِ فَضَلَاتِهِمَا، وَزَوَالِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْحُزْنِ، فَأَمْرٌ إِنَّمَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ مِنْهُ نَصِيبٌ. وَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَفِعْلُ الْمَنَاسِكِ، وَكَذَلِكَ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْخَيْلِ وَبِالنِّصَالِ، وَالْمَشْيُ فِي الْحَوَائِجِ، وَإِلَى الْإِخْوَانِ، وَقَضَاءُ حُقُوقِهِمْ، وَعِيَادَةُ مَرْضَاهُمْ، وَتَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ، وَالْمَشْيُ إِلَى الْمَسَاجِدِ لِلْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَحَرَكَةُ الْوُضُوءِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَهَذَا أَقَلُّ مَا فِيهِ الرِّيَاضَةُ الْمُعِينَةُ عَلَى حِفْظِ الصِّحَّةِ، وَدَفْعِ الْفَضَلَاتِ، وَأَمَّا مَا شُرِعَ لَهُ مِنَ التَّوَصُّلِ بِهِ إِلَى خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَدَفْعِ شُرُورِهِمَا، فَأَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ. فَعَلِمْتَ أَنَّ هَدْيَهُ فَوْقَ كُلِّ هَدْيٍ فِي طِبِّ الْأَبْدَانِ وَالْقُلُوبِ، وَحِفْظِ صِحَّتِهَا، وَدَفْعِ أَسْقَامِهِمَا، وَلَا مَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ لِمَنْ قَدْ أَحْضَرَ رُشْدَهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ8. ثانيا: أدلة مشروعية الرياضية البدنية في القرآن الكريم قال تعالى :" قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ "9 من أحكام هذه الآية: مشروعية المسابقة ثانيا : في السنة النبوية تصارع الرسول عليه الصلاة والسلام مع ركانة فصرعه الرسول عليه الصلاة والسلام، والاهتمام بالبدن داخل في عموم قوله صلوات الله وسلامه عليه في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَلَا تَعْجَزْ، فَإِنْ غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ، وَإِيَّاكَ وَاللَّوْ؛ فَإِنَّهُ يَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"10. وفى الحديث عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: سَابَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقْتُهُ، فَلَمَّا حَمَلْتُ مِنَ اللَّحْمِ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ هَذِهِ بِتِلْكَ"11. وفي الحديث أيضا:"كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَرَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ"12 فهذه الثلاثة  ليست من اللهو الباطل؛ لأنه يستعان بها على الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، وبعد هذه كلها نصوص نبوية دالة على مشروعية الرياضة البدنية بضوابطها الذي سنأتي عليها بعد حين بحول لله وقوته. ثالثا: أهمية التربية البدنية رأس مال الإنسان الصحة كما في الصحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ"13 فيجب عليه المحافظة على صحته وعدم تركها أو إهمالها؛ لأنها من أعظم النعم، ومما يحفظ الصحة الاهتمام بالرياضة، فلابد من الاهتمام بالرياضة البدنية والصحة البدنية؛ لأن هذا رصيد ينفع الإنسان في المستقبل إذا احتاج إليه دفاعاً عن النفس، حتى في الصلاة قد يصل الإنسان به الضعف أن يتعب من السجود والركوع ولا يقوى على العبادة.ما لم تكن لديه اللياقة البدنية اللائقة التي بها يتمكن من الاستمرار والدوام على العبادة بكافة أشكالها وألوانها. ويواظب عليها بحساب واستمرار ونظام وتطوير لا كهواية ولعب ولهو ومرح فقط. ولا بد أن يكون ذلك بإشراف مُعَلِّمَ الرِّيَاضَةِ الْبَدَنِيَّة ومدربها الذي يضْبط وينظم الدورات المطلوبة، والتمارين ذات القَوَاعِدَ وَالأَسَالِيبَ المناسبة للتعلم وبكَيْفِيَّاتٍ خاصة وعدد مِنَ الْحَرَكَاتِ تتوافق مع أَعْضَاءِ الإنسان وَتَطَوُّرَ قَامَتِهِ انْتِصَابًا وَرُكُوعًا وَقُرْفُصَاءَ، وبَعْضُ ذَلِكَ يُثْمِرُ قُوَّةَ عَضَلَاتِهِ وَبَعْضُهَا يُثْمِرُ اعْتِدَالَ الدَّوْرَةِ الدَّمَوِيَّةِ وَبَعْضُهَا يُثْمِرُ وَظَائِفَ شَرَايِينِهِ، وَهِيَ كَيْفِيَّاتٌ حَدَّدَهَا أَهْلُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةِ وَأَدْنَوْا بِهَا حُصُولَ الثَّمَرَةِ الْمَطْلُوبَةِ14. في الدول الأوربية بحث أحدهم في تربية الأمة تربية طبيعية فقال إن اليابان قد قوي جنسها بتمريناتها العضلية المعروفة عندها باسم جيوجيتسو وإن السويد أدركت ما يتهددها من أخطار المشروبات الروحية فقاومتها وأخذت في الإكثار من الرياضات البدنية فعاد إلى الأجسام نشاطها بعد أن كادت تفقده وهكذا كل أمة تريد أن تتربى التربية الطبيعية ينبغي لها أن تكثر من أنواع الرياضيات وتمتنع عن الموبقات والمسكرات15. ويوجه الإسلام الاهتمام إلى العناية بالبدن، واتخاذ الأسباب التي تحافظ عليه قويا قادرًا على أداء مهامه في السعي في مناكب الأرض ليعمرها، والسعي بين الناس بالإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي لتوفير أسباب الحياة له ولمجتمعه. ويؤكد الإسلام هذا إلى درجة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف في قوله -صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير"16. كما يوجه الإسلام العناية إلى الوقاية من الأمراض، لذلك حرم الإسلام المأكولات الضارة تحريمًا صريحًا. فقد جاء في محكم التنزيل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}17، كما قال عليه السلام: "إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها"18". وفى سبيل الاهتمام بالبدن وصحته وعافيته يوجه الإسلام إلى النظافة, فوجه كتاب الله المسلمين إلى أن يأخذوا زينتهم عند الذهاب إلى المساجد, وهم يذهبون إليها خمس مرات، على الأقل، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}19 وقال -صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل"20. " وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان, والاستحداد، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وقص الشارب"21. هوامش: 1-الذاريات:58 2-التكوير : 19 - 21 3-هود : 52 4- الأنفال: 60 5- رواه مسلم 6-البقرة:84 7- رواه البخارى ومسلم 8-  زاد المعاد في هدي خير العباد 9- يوسف:17 10- مسند الحميدي (2/ 267) 11- مسند الحميدي (1/ 289) 12- المعجم الكبير للطبراني (17/ 341) 13- صحيح البخاري (8/ 88) 14- التحريروالتنوير (2/ 161) 15- مجلة المقتبس (12/ 62، بترقيم الشاملة آليا) 16- صحيح مسلم 17- المائدة: 3 18- متفق عليه 19-الأعراف: 21 20- متفق عليه 21- متفق عليه".

4979

| 24 فبراير 2013

الضوابط والآداب الشرعية للرياضة البدنية

نواصل حديثنا عن الرياضة في الإسلام، ونتحدث في هذا المقال عن الضوابط والآداب الشرعية للرياضة البدنية، فنقول: لقد اهتم الإسلام بجميع جوانب الإنسان بروحه وبجسده وبعقله، وشجعه على ممارسة الرياضة الذهنية والبدنية المضبوطة بالضوابط الشرعية، والآداب السلوكية الحميدة، تحصيلاً وتحصيناً للقوة وحفاظاً على الصحة والعافية. ولكن الرياضة البدنية ليست هدفاً أو غاية في ذاتها، بل هي وسيلة من وسائل القوة لحماية الدين ونصرة المسلمين وإنقاذ المستضعفين.. وإذا تحولت الرياضة البدنية إلى هدف في حد ذاته، أو شغلت عما ينفع المسلم في دينه أو دنياه وأخراه، فقد تحولت عن المراد منها شرعاً، وانحرفت عن القصد منها عقلياً وعرفياً وينبغي للمسلم ألا يُضِيِّع فيها وقته أو جهده حينئذ. التربية الرياضية لا تثمر ثمرتها المرجوة إلا إذا صحبتها الرياضة الروحية الأخلاقية، ولذلك ضوابط وآداب، يجب أن يحافظ على آدابها، ويُلتزم بضوابطها، والتى من أهمها: 1 — عدم التعصب الممقوت فإذا حدث انتصار لفرد أو فريق وكان الفرح بذلك على ما تقتضيه الطبيعة البشرية، وجب أن يكون فى أدب وذوق، فالقدر قد يخبئ للإنسان ما لا يسره، وقد تكون الجولات المستقبلة فى غير صالح الفائز الآن. وفي الحديث عن جبير بن مطعم — رضي الله عنه — أن رسولَ الله — صلى الله عليه وسلم — قال: «ليس مِنَّا مَنْ دعا إلى عصبيَّة، وليس منا من قاتل عصبيَّة، وليس منا من مات على عصبيَّة» 2 — ويجب ألا تكون هناك شماتة بالفريق المنهزم، ففى الأثر: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ» قال عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود — رضي الله عنه —، قَالَ: «لَوْ سَخِرْتُ كَلْباً، خَشِيتُ أَنْ أَحُورَ — أرجع — كَلْباً». وقَالَ إِبْرَاهِيم: إِنِّي لأرى الشَّيْء، فأكره أَن أعيبه مَخَافَة أَن أبتلى بِهِ، إِن عَبْد اللَّهِ، كَانَ يَقُول: إِن الْبلَاء مُوكل بالْقَوْل. وقَالَ سعيد بْن الْمسيب: إِن أربى الرِّبَا استطالة الْمَرْء فِي عرض أَخِيه الْمُسلم. 3 — وإنما يجب أن يحب كل فريق وجمهوره للآخر ما يحبه لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، وفي الصحيح عَن أنس — رضي الله عنه — عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ" كَذَا عِنْد البُخَارِيّ. وَقَالَ مُسلم فِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث شُعْبَة عَن قَتَادَة: حَتَّى يحب لِأَخِيهِ — أَو قَالَ — لجاره مَا يحب لنَفسِهِ "25 وقد رأيتم أن الأعرابى سبق بقعوده ناقة النبى صلوات الله وسلامه عليه التي كانت لا تُسبق، وشق على المسلمين ذلك تمثلت الروح الرياضية الصحيحة — كما يعبر المتحدثون — عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن حقا على الله ألا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه، وذلك ليهدئ من ثائرة المتحمسين له. وقال لعائشة لما سبقها: هذه بتلك. 4 — من الأدب الإسلامي عند الخصومة والمنافسة، رعاية حسن العهد فحسن العهد من الإيمان، كما في الصحيح 26 وعدم نسيان الشرف والذوق؟ وعدم الفجور فى المخاصمة فتلك من خصال المنافقين، ففي الحديث الصحيح "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً. ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". 5 — عدم الاستغراق في ممارسة الرياضة إلى حد نسيان وإهمال الواجبات الدينية والوطنية أو الواجبات الوظيفية والأسرية الأخرى وغيرها، ولا يرضى الإسلام أبدا أن نصرف لها اهتماماً كبيراً يستغرق — جهداً ومالاً ووقتاً — يغطى على ما هو أهم منها بكثير. مما تتقدم به الأمة وتنهض، فلا بد من مراعاة سُلَّم الأولويات، وفرض الوقت، ووقت الفرض. "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا" "وَلَا يزَال قومٌ يتأخرون حَتَّى يؤخرهم الله". 6 — عدم ممارسة الرياضة أو إقامة المباريات بشكل يؤذي الغير — زماناً أو مكاناً —، كما يمارس البعض لعب الكرة فى الأماكن الخاصة بالمرور أو حاجات الناس، وفي أوقات ينبغى أن توفر فيها الراحة للمحتاجين إليها. من الدارسين، والمرضي، والنائمين . 7 — عدم التحزب الممقوت، الذي فرَّق بين الأحبة، وباعد بين الأخوة، وجعل فى الأمة أحزاباً وشيعاً، والإسلام يدعو إلى الاتحاد ويمقت النزاع والخلاف، وغير بعيد ما وقع مؤخراً بين شقيقتين (مصر والجزائر) في وطننا العربي الإسلامي بسبب لعبة رياضة كرة القدم. 8 — لا يرضى الإسلام لجنس أن يزاول ألعاب جنس آخر تليق به ولا تتناسب مع غيره فى تكوينه وفي مهمته ورسالته في الحياة ذلك أن الإسلام حين يبيح شيئاً ويجيزه يجعل له حدوداً تمنع خروجه عن حد الاعتدال وتحافظ على الآداب وتتسق مع الحكمة العامة للتشريع، وفي إطار هذه الحدود يجب أن تمارس الرياضة، وإلا كان ضررها أكبر من نفعها، وذلك مناط تحريمها، كما هي القاعدة العامة للتشريع. ويشير إلى ذلك كله قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}، فالآية بعموم لفظها تحرم الاعتداء في كل تصرف، سواء أكان ذلك مطعوماً أم ملبوساً أم شيئاً آخر وراء ذلك، والاعتداء هو تجاوز الحد المعقول الذي شرعه الدين. بالإلتزام بمثل هذه الضوابط والآداب لا تتكرر مجزرة بورسعيد الشهيرة، ولا مأساة مباراة مصر والجزائر. هذا وللحديث صلة بحول الله وقوته

4890

| 19 فبراير 2013

أهمية الرياضة في حياة المسلم

الإسلام يريد أن يكون أبناؤه أقوياء فى أجسامهم وفى عقولهم وأخلاقهم وأرواحهم لأنه يمجِّد القوة، فهى وصف كمال لله تعالى ذى القوة المتين، قال تعالى " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين"، كما أنها وصف لرسول الوحي " إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ*مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ" وشُرعت بعض العبادات لتحصيل القوة "وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ " بل إن الصلاة، والصيام، والحج إضافة إلى فوائدها الروحية، فيها مكاسب بدنية لا تَتَأتَّى ولا تَتَحصَّل من أي رياضة من الرياضيات البدنية، وكلَّف الله تعالى المؤمنين بإعداد العدة وتحصيل القوة اللازمة لجهاد ودفع أعداء الله تعالى فقال عز من قائل "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ" وفى الصحيح يقول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"، فالجسم الصحيح السليم القوى أقدر من غيره على أداء التكاليف الدينية والدنيوية، وعند العلة والضعف، تُخفف التكاليف الشرعية — كما أو كيفا — فللمريض صلاته وصيامه، وفى الترحال والأسفار — والسفر قطعة من العذاب — شُرع قصر الصلاة، والعدول عن صيام رمضان — في رمضان — إلى أيام اخر للمريض والمسافر "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"6، إبقاء على صحة الجسم، وحتى يقوى المسلم على أداء تكاليف أخرى، كما يُشرع الفطر لمن بعرفة ؛ ليقوى على الذكر والدعاء، بينما يصوم من ليس بعرفة، وهكذا، ولم يُقِر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه من عزموا على إرهاق وإنهاك وإهلاك البدن بأنواع من العبادات فتقعد بهم أجسادهم عن عبادات أخرى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص. وقد أرهق نفسه بالعبادة صياما وقياما " صم وأفطر وقم ونم، فإن لبدنك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا". وقدم ابن القيم فى كتابه "زاد المعاد" بحثا قيما عنوانه [فَصْلٌ هَدْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّيَاضَةِ] تَدْبِيرُ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَهُوَ الرِّيَاضَةُ وَالْحَرَكَةُ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي مَنْعِ تَوَلُّدِ وَسُدَدُ الْفَضَلَاتِ — وهي — لَا مَحَالَةَ ضَارَّةٌ تُرِكَتْ، أَوِ اسْتُفْرِغَتْ، ثم يقول وَالْحَرَكَةُ تُسَخِّنُ الْأَعْضَاءَ، وَتُسِيلُ فَضَلَاتِهَا، فَلَا تَجْتَمِعُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ، وَتُعَوِّدُ الْبَدَنَ الْخِفَّةَ وَالنَّشَاطَ، وَتَجْعَلُهُ قَابِلًا لِلْغِذَاءِ، وَتُصَلِّبُ الْمَفَاصِلَ، وَتُقَوِّي الْأَوْتَارَ وَالرِّبَاطَاتِ، وَتُؤَمِّنُ جَمِيعَ الْأَمْرَاضِ الْمَادِّيَّةِ وَأَكْثَرَ الْأَمْرَاضِ الْمِزَاجِيَّةِ إِذَا اسْتُعْمِلَ الْقَدْرُ الْمُعْتَدِلُ مِنْهَا فِي وَقْتِهِ، وَكَانَ بَاقِي التَّدْبِيرِ صَوَابًا. — بل إنه يتكلم عن الوقت المناسب لممارسة الرياضة وثمارها وآثارها فيقول "وَوَقْتُ الرِّيَاضَةِ بَعْدَ انْحِدَارِ الْغِذَاءِ، وَكَمَالِ الْهَضْمِ، وَالرِّيَاضَةُ الْمُعْتَدِلَةُ هِيَ الَّتِي تَحْمَرُّ فِيهَا الْبَشَرَةُ، وَتَرْبُو وَيَتَنَدَّى بِهَا الْبَدَنُ، وَأَمَّا الَّتِي يَلْزَمُهَا سَيَلَانُ الْعَرَقِ فَمُفْرِطَةٌ، وَأَيُّ عُضْوٍ كَثُرَتْ رِيَاضَتُهُ قَوِيَ، وَخُصُوصًا عَلَى نَوْعِ تِلْكَ الرِّيَاضَةِ، بَلْ كُلُّ قُوَّةٍ فَهَذَا شَأْنُهَا، فَإِنَّ مَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْحِفْظِ قَوِيَتْ حَافِظَتُهُ، وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْفِكْرِ قَوِيَتْ قُوَّتُهُ الْمُفَكِّرَةُ، وَلِكُلِّ عُضْوٍ رِيَاضَةٌ تَخُصُّهُ، فَلِلصَّدْرِ الْقِرَاءَةُ، فَلْيَبْتَدِئْ فِيهَا مِنَ الْخُفْيَةِ إِلَى الْجَهْرِ بِتَدْرِيجٍ، وَرِيَاضَةُ السَّمْعِ بِسَمْعِ الْأَصْوَاتِ وَالْكَلَامِ بِالتَّدْرِيجِ، فَيَنْتَقِلُ مِنَ الْأَخَفِّ إِلَى الْأَثْقَلِ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ اللِّسَانِ فِي الْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ الْبَصَرِ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ الْمَشْيِ بِالتَّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَأَمَّا رُكُوبُ الْخَيْلِ وَرَمْيُ النُّشَّابِ، وَالصِّرَاعُ، وَالْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ، فَرِيَاضَةٌ لِلْبَدَنِ كُلِّهِ، وَهِيَ قَالِعَةٌ لِأَمْرَاضٍ مُزْمِنَةٍ، كَالْجُذَامِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالْقُولَنْجِ وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ هَدْيَهُ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — فِي ذَلِكَ، وَجَدْتَهُ أَكْمَلَ هَدْيٍ حَافِظٍ لِلصِّحَّةِ وَالْقُوَى، وَنَافِعٍ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا فِيهَا مِنْ حِفْظِ صِحَّةِ الْبَدَنِ، وَإِذَابَةِ أَخْلَاطِهِ وَفَضَلَاتِهِ مَا هُوَ مِنْ أَنْفَعِ شَيْءٍ لَهُ سِوَى مَا فِيهَا مِنْ حِفْظِ صِحَّةِ الْإِيمَانِ، وَسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ أَنْفَعِ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ، وَمِنْ أَمْنَعِ الْأُمُورِ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ، وَمِنْ أَنْشَطِ شَيْءٍ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ وَالْقَلْبِ، كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ النَّبِيِّ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — أَنَّهُ قَالَ: («يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ، فَإِنْ هُوَ اسْتَيْقَظَ، فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ثَانِيَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ» ). وَفِي الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ وَرِيَاضَةِ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ مَا لَا يَدْفَعُهُ صَحِيحُ الْفِطْرَةِ. وَأَمَّا الْجِهَادُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْحَرَكَاتِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْقُوَّةِ، وَحِفْظِ الصِّحَّةِ، وَصَلَابَةِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ، وَدَفْعِ فَضَلَاتِهِمَا، وَزَوَالِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْحُزْنِ، فَأَمْرٌ إِنَّمَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ مِنْهُ نَصِيبٌ. وَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَفِعْلُ الْمَنَاسِكِ، وَكَذَلِكَ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْخَيْلِ وَبِالنِّصَالِ، وَالْمَشْيُ فِي الْحَوَائِجِ، وَإِلَى الْإِخْوَانِ، وَقَضَاءُ حُقُوقِهِمْ، وَعِيَادَةُ مَرْضَاهُمْ، وَتَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ، وَالْمَشْيُ إِلَى الْمَسَاجِدِ لِلْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَحَرَكَةُ الْوُضُوءِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَهَذَا أَقَلُّ مَا فِيهِ الرِّيَاضَةُ الْمُعِينَةُ عَلَى حِفْظِ الصِّحَّةِ، وَدَفْعِ الْفَضَلَاتِ، وَأَمَّا مَا شُرِعَ لَهُ مِنَ التَّوَصُّلِ بِهِ إِلَى خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَدَفْعِ شُرُورِهِمَا، فَأَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ. فَعَلِمْتَ أَنَّ هَدْيَهُ فَوْقَ كُلِّ هَدْيٍ فِي طِبِّ الْأَبْدَانِ وَالْقُلُوبِ، وَحِفْظِ صِحَّتِهَا، وَدَفْعِ أَسْقَامِهِمَا، وَلَا مَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ لِمَنْ قَدْ أَحْضَرَ رُشْدَهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.8 ثانيا: أدلة مشروعية الرياضية البدنية في القرآن الكريم قال تعالى:" قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ " من أحكام هذه الآية: مشروعية المسابقة ثانيا: في السنة النبوية تصارع الرسول عليه الصلاة والسلام مع ركانة فصرعه الرسول عليه الصلاة والسلام، والاهتمام بالبدن داخل في عموم قوله صلوات الله وسلامه عليه في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَلَا تَعْجَزْ، فَإِنْ غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ، وَإِيَّاكَ وَاللَّوْ؛ فَإِنَّهُ يَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".   وفى الحديث عَنْ عَائِشَةَ — رضي الله عنها — انَّهَا قَالَتْ: سَابَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقْتُهُ، فَلَمَّا حَمَلْتُ مِنَ اللَّحْمِ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ هَذِهِ بِتِلْكَ». وفي الحديث أيضا: "كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَرَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ" فهذه الثلاثة ليست من اللهو الباطل؛ لأنه يستعان بها على الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى. هذا وللحديث صلة بحول الله وقوته.  

567

| 14 فبراير 2013

خماسيتان في ذكرى ميلاد سيد ولد عدنان

في ذكرى ميلاد سيد ولد عدنان يطيب لنا ذكر بعض ما يجب له صلوات الله وسلامه عليه على أمته، ونختار مما يَجِبُ لَهُ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — عَلَى أُمَّتِهِ خَمْسُ وَاجِبَاتٍ.(الْأَوَّلُ) وُجُوبُ حُبِّهِ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — بِالتَّبَعِ لِحُبِّ اللهِ تَعَالَى وَفِي الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي دَرَجَتَهُ فِي ثَمَرَةِ الْإِيمَانِ، وَتَفْضِيلِ نَوْعِ حُبِّهَا عَلَى كُلِّ مَا يَجِبُ بِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ وَمَصَالِحِ الدُّنْيَا، قال تعالى:"قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ".(الثَّانِي) وُجُوبُ تَحَرِّي مَرْضَاتِهِ بِالتَّبَعِ لِمَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.قال تعالى:" يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ"قال الزجاج: لم يقل أحق أن يرضوهما، لأن في الكلام مايدلّ عليه، لأن في رضى الله تعالى رضى الرسول فحذف تخفيفاً، ومعناه: والله أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه.(الثَّالِثُ) وُجُوبُ طَاعَتِهِ بِالتَّبَعِ لِطَاعَةِ اللهِ فِي صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ.قال تعالى:" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" ولأن طاعته — صلوات الله وسلامه عليه — من طاعة الله "مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ"، وحيثما ورد الأمر بطاعته صلوات الله وسلامه عليه، فقد جاء مشفوعا بطاعة الله تبارك وتعالى، وقد ورد ذلك فى مواضع عِدة من الكتاب الخالد "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ" "وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ"، و"وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ".(الرَّابِعُ) وُجُوبُ النُّصْحِ لَهُ بِالتَّبَعِ لِلنُّصْحِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي صِفَاتِ الْمَعْذُورِينَ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْقِتَالِ قال تعالى:" لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"وفى الحديث:"عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ، وَلَنَبِيِّهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِعَامَّتِهِمْ»(الْخَامِسُ) وُجُوبُ نَصْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قوله تعالى "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".ومِمَا يَحْظُرُ عَلَيْهِمْ مِنْ إِيذَاءٍ وَتَقْصِيرٍ فِي حَقِّهِ وَهُوَ خَمْسَةُ مَحْظُورَاتٍ:(الْأَوَّلُ) حَظْرُ إِيذَائِهِ — فِدَاؤُهُ أَبِي وَأُمِّي وَنَفْسِي — وَالْوَعِيدُ عَلَيْهِ. قال تعالى:" وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" " وفى الأحزاب جاء الوعيد الشديد "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا"(الثَّانِي) حَظْرُ مُحَادَّتِهِ أَيْ مُعَادَاتِهِ، وَالْوَعِيدُ عَلَيْهَا.قال تعالى:"أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ" وقال في المجادلة "إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ* يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" "وقال في المجادلة أيضا:"إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ".(الثَّالِثُ) الْكُفْرُ الصَّرِيحُ بِالِاسْتِهْزَاءِ بِهِ، قال تعالى:" وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ"(الرَّابِعُ) حَظْرُ الْقُعُودِ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَهُ لِلْجِهَادِ فِي ْآيَتَيْنِ من سورة التوبة(81 و90).قال تعالى:" فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ" وقال تعالى:" وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"(الْخَامِسُ) حَظْرُ تَخَلُّفِهِمْ عَنْهُ وَالرَّغْبَةُ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ.قال تعالى "مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " وَهَذَا تَعْبِيرٌ بَلِيغٌ جِدًّا يَتَضَمَّنُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَصُونُ نَفْسَهُ عَنْ جِهَادٍ وَعَمَلٍ، بَذَلَ الرَّسُولُ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — نَفْسَهُ فِيهِ، فَهُوَ مُفَضِّلٌ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ فِي عَهْدِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِيمَنْ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ ظَاهِرًا مِنْ نَاحِيَةِ مُلَاحَظَةِ ذَلِكَ وَعَدَمِهَا، وَمِنْ نَاحِيَةِ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ بِمَا لَا تَقُومُ بِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فَضْلًا عَمَّنْ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا نَعْنِي بِالْإِمْكَانِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَتَأَسَّى بِهِ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — فِي بَذْلِهِ مَالَهُ وَنَفْسَهُ لِلَّهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِقَدْرِ إِمْكَانِهِ "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا" وفى الصحيح عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرًا تَرَخَّصَ فِيهِ فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا مِنْهُمْ بَلَغَهُمْ ذَلِكَ فَتَنَزَّهُوا عَنْهُ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ بَلَغَهُمْ أَنِّي صَنَعْتُ أَمْرًا تَرَخَّصْتُ فِيهِ يَتَنَزَّهُونَ عَنْهُ، وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً».

578

| 05 فبراير 2013

ترشيد حوار القوى السياسية والرئاسة

أولا: الحوار فريضة شرعية وضرورة بشرية قد حفل القرآن الكريم بعشرات النصوص حول الحوار تأمر به وتحض عليه وتنوه بقيمته وتقدم نماذج من الحوار منها :حوار الله تعالى مع الملائكة، حوار الله تعالى مع ابليس، حوار الله تعالى مع الرسل عليهم السلام، حوار الله تعالى مع الناس، حوارات الانسان مع الجماد (حوار الإنسان مع أعضائه يوم القيامة) حوارات الأنبياء مع بعض المخلوقات (الهدهد، النمل)، حوارات الأنبياء والمرسلين عليهم السلام مع أقوامهم وأممهم، هذا وحوار الله تعالى مع بعض مخلوقاته ليس الا لبيان أهمية الحوار في تجلية الحق للقاصر فهمه عنه، ولوضوح هذه الحوارات في القرآن الكريم نكتفى بهذه الإشارة إليها، والإحالة إلى الكتاب العزيز لمطالعتها .ونذكر نموذجا واحدا وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ" 1 وفى السنة النبوية عشرات الأمثلة يتبين من خلالها أنه صلى الله عليه وسلم كان يربي أصحابه على الحوار حتى في أحلك الظروف وفي المواقف التي تستدعي أناة وترويا، ونذكر هنا نموذجا واحدا هو ما كان يوم الحديبية لما كتب الصلح ورأى بعض المسلمين فيها إجحافا،كيوم الحديبية، قال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: - ألست نبي الله حقا؟ - قال: بلى - قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟! - قال: بلى - قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا إذا؟! - قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري - قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟! - قال: بلى. فأخبرتك أنا نأتيه العام؟! - قال: قلت لا - قال: فإنك آتيه ومطوف به - قال:فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ - قال: بلى - قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ - قال: بلى - قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا إذاً؟ - قال: أيها الرجل، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق - قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ - قال: بلى. أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ - قلت: لا - قال: فإنك آتيه ومطوف به قال الزهري قال عمر فعملت لذلك أعمالا 2 وفى حياة الصحابة وعصر الخلافة الراشدة  عشرات الأمثلة يتبين من خلالها أنهم رضي الله عنهم  قد انتهجوا هذا النهج في حياتهم امتثالا لهدي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، الذي بُني على ما أسَّسَّه القرآن الكريم من هذه المنهجية، وفى ذكر مثال واحد نطوي فيه الزمن طيا لعهود الصديق والفاروق وذي النورين حتى نقطف هذا النموذج من عصر آخر الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين أذن لحبر الأمة وترجمان القرآن الكريم ابن عمه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما في حوار المعارضين الخارجين عليه قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: لما اعتزلت الحرورية وكانوا على حدتهم قلت لعلي يا أمير المؤمنين أخِّر الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم قال: إني أتخوفهم عليك قلت كلا إن شاء الله فلبست أحسن ما قدرت عليه من هذه اليمانية ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة. فدخلت على قوم لم أر قوما أشد اجتهادا منهم أيديهم كأنها ثفن الابل ووجوههم معلنة من آثار السجود فدخلت فقالوا: - مرحبا بك يا ابن عباس / لا تحدثوه - قال بعضهم لنحدثنه قال: - قلت أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأول من آمن به وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. - قالوا: ننقم عليه ثلاثا - قلت: ما هن؟ - قالوا: أولهن أنه حكم الرجال في دين الله وقد قال الله تعالى إن الحكم إلا لله - قلت: وماذا قالوا قاتل ولم يَسْب ولم يغنم لئن كانوا كفارا لقد حلت أموالهم وإن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم - قال: قلت وماذا - قالوا: ومحى نفسه من أمير المؤمنين - قال: قلت أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم وحدثتكم من سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون أترجعون - قالوا: نعم - قال: قلت أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله فإنه تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} 3، إلى قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} 4 وقال في المرأة وزوجها {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} أنشدكم الله أفحكم الرجال في دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات البين أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم - قالوا: اللهم في حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم - قال: أخرجت من هذه؟ - قالوا: نعم - وأما قولكم: إنه قتل ولم يسب ولم يغنم أتسبون أمكم أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها إن قلتم نعم فقد كفرتم وإن زعمتم إنها ليست بأمكم فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام إن الله تبارك وتعالى يقول: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} 5 وأنتم تترددون بين ضلالتين فاختاروا أيهما شئتم أخرجت من هذه؟ . - قالوا: اللهم نعم - وأما قولكم: محا نفسه من أمير المؤمنين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا فقال: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب يا علي محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفضل من علي أخرجت من هذه؟! - قالوا: اللهم نعم فرجع منهم عشرون ألفا وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا" 6، وختاما الحوار شرعه الله تعالى حتى بين المختلفين عقائديا، "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"7 " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"8 بين المختلفين أسريا " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"9 ثانيا: أهمية الحوار  من المقدمة السابقة نرى أن الحوار فريضة شرعية وضرورة بشرية، مطلب شرعي يتم من خلاله فهم كل من المتحاورين منطلقات بعضهم ومسوغات مواقفهم الحوار مهم جداً لتحقيق التقارب والتجانس بين مختلف القوى السياسية فى الأمة،بذلك تُصْقَل الملكات وتُوضَّح المشكلات ونتقدم خطوة إلى الأمام. الحوار له دور مهم في اكتشاف الحق كما أنه مهم في اكتشاف فهم المخالف بما يعين على توجيهه أو تصحيحه يقول الحافظ الذهبي: "إنما وضعت المناظرة – الحوار - لكشف الحقِّ، وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ"10 وهو مهم لإزالة أو تقليل كثير من صور البغي والعدوان بين المتخالفين، وهو مهم لرسم سياسة التعاون، به يتم التنسيق المثمر، ثم هو في النهاية صورة من صور النصيحة التي يجب أن يبذلها المسلمون والمواطنون لبعضهم ولولاتهم وأئمتهم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"11 هو سبيل لتوسيع المدارك، وليس ثمَّة مجال إلى توسيع المدارك غير الحوار الفكري الصحيح هو طريق لاشتراك الجميع في توجه الأمر إليهم بطلب الحق والصواب والعمل به؛ وهذا لا يتم على النحو المأمول إلا بالحوار الإنسان مهما بلغ من العلم فهو في حاجة إلى أن يستنير برأي غيره، وليس بمقدور المتصدر للرأي وصناعة القرار ـ مهما علا قدره ـ أن يوفَّق للصواب منفرداً في كل حين وآن، فلا عصمة إلا لنبي، والكمال لله تعالى وحده سبحانه، وهذا ينطبق على المجموعة أو الجماعة أو التنظيم كما ينطبق على الفرد؛ من هنا كان للحوار ضرورته في إشراك الغير في الرأي والنظر طلباً للحق ووصولاً إلى الصواب.وفى الحديث " لا تجتمع أمتى على ضلالة " وعليه ففى الاجتماع للحوار، وبتلاقح الأفكار، وتبادل الآراء، يحفظ الله تعالى الأمة من الضلال قد يوجد عند أحد طرفي الحوار ما لا يوجد عند الطرف الآخر، في قضية من القضايا، والحكمة ضالة المؤمن وهو أحق الناس أنى وجدها في موطأ مالك لما قتل ابن خيري رجلاً وجده مع زوجته، رفع الأمر إلى معاوية فأشكل ذلك عليه فكتب إلى أبي موسى أن يسأل له علياً فكتب إليه علي بالجواب. – رضي الله عنهم أجمعين-12 من خلال الحوار يتم الاتفاق على منهج عام في تحليل الأحداث، وترتيب العلاقات بينهم والعلاقات مع غيرهم، وما الذي يجب تقديمه وما الذي يجب تأخيره؟ وما المفاسد التي يجب أن تُدْرَأ أولاً؟ وما المصالح التي تُمنح الأولوية في السعي لتحقيقها؟ وما المساحات التي يجب التقارب فيها؟ وما القضايا التي لا بأس أن يختلفوا فيها؟ من أجل اختصار المسافة بين صواب المصيب وخطأ المخطئ وتقليص نقاط التباين، مع تصحيح القصد بابتغاء وجه الله تعالى. من أجل إيجاد حل وسط يرضي كافة الأطراف أو يتوافقون عليه فرضا الناس غاية لا تُدرك الحوار للبحث والتنقيب من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرؤى والتصورات المتاحة، وذلك من أجل الوصول إلى نتائج أفضل وأمكن، ولو في حوارات تالية، لا يعني الحوار ولا يهدف إلى أن يكون الجميع نسخة واحدة، وإنما يكفي اتفاقهم على قاسم مشترك أعظم يلتقون عليه فيكونون أمة واحدة في الغاية والهدف وفي الفكر والشعور، وفي السمات المميزة لهم الحوار يعنى الاعتراف بأن الخلاف سنة من سنن الله في خلقه، وهو سبيل للتعارف والتعرُّف على الأمور محل الاتفاق ومن ثَمَّ يتوجب العمل بهذا المتفق أو الذي وقع التوافق عليه، حيث يُصبح فريضة من فرائض الدين لتحقيق مفهوم الأمة الواحدة، والرجوع إلى الأصول وعدم الجدل في الفروع، والانطلاق من نقاط الاتفاق لا نقاط الاختلاف، والانطلاق من المقاصد لا من الوسائل الواجب على أهل العلم النصح للأمة والسعي إلى الاجتماع ونبذ الفرقة؛ لأن الاجتماع سبيل النصر بينما الفرقة سبيل الفشل وذهاب القوة {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}13 الحوار يراد منه إيصال الحق وإقامة الحجة على المخالف ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي. فهو تعاون من المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها للتحاور والتشاور والتقارب فيما بينها، لتجاوز سوء الفهم القائم هنا وهناك، وللتخلص من الخلاف المفتعل والمتوهم، ولبلورة الأصول الجامعة للعمل ففي التقارب روح المودة وعود المخالف إلى الحق، ولا شك أن الحوار والنصح من أسباب الوصول إلى ذلك بل إنه سبيل لترسيخ التقارب والإيناس وكسر الحواجز، ولا سيما إذا ما روعي أدب الخلاف والإنصاف في التعامل مع الأفراد والجماعات فليس من سبيل إلى ذلك إلا الحوار ثالثا: قواعد ومنطلقات إثمار الحوار ومن القواعد الضرورية لإثمار الحوار وللإفادة منه إتاحة الفرصة لكافة ذوى الكفاءات والكفايات في كافة المجالات ؛ ليدلوا بدلوهم في نهضة الوطن، تفعيل دور العلماء في قيادة الأمة، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية والعلمية والتعليمية والإعلامية ؛ وإشاعة الحديث عن المصلحة العامة مصلحة الإسلام والمسلمين، مصلحة الوطن والمواطن، وتطهير القلوب من الحزبية والحسد وحب الرئاسة مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ14 أَيْ: لَيْسَ ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي جَمَاعَةٍ مِنْ جِنْسِ الْغَنَمِ بِأَشَدَّ إِفْسَادًا لِتِلْكَ الْغَنَمِ مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالْجَاهِ، فَإِنَّ إِفْسَادَهُ لِدِينِ الْمَرْءِ أَشَدُّ مِنْ إِفْسَادِ الذِّئْبَيْنِ الْجَائِعَيْنِ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْغَنَمِ إِذَا أُرْسِلَا فِيهَا , أَمَّا الْمَالُ فَإِفْسَادُهُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْقُدْرَةِ , يُحَرِّكُ دَاعِيَةَ الشَّهَوَاتِ , وَيَجُرُّ إِلَى التَّنَعُّمِ فِي الْمُبَاحَاتِ , فَيَصِيرُ التَّنَعُّمُ مَأْلُوفًا، وَرُبَّمَا يَشْتَدُّ أَنْسُهُ بِالْمَالِ وَيَعْجِزُ عَنْ كَسْبِ الْحَلَالِ , فَيَقْتَحِمُ فِي الشُّبُهَاتِ , مَعَ أَنَّهَا مُلْهِيَةٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذِهِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا أَحَدٌ , وَأَمَّا الْجَاهُ , فَيَكْفِي بِهِ إِفْسَادًا أَنَّ الْمَالَ يُبْذَلُ لِلْجَاهِ، وَلَا يُبْذَلُ الْجَاهُ لِلْمَالِ , وَهُوَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، فَيَخُوضُ فِي الْمُرَاءَاةِ وَالْمُدَاهَنَةِ وَالنِّفَاقِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، فَهُوَ أَفْسَدُ وَأَفْسَدُ.15 ومقصود الحديث أن حب المال والجاه أكثر فساداً للدين من إفساد الذئبين للغنم لأن ذلك يستجر صاحبه إلى ما هو مذموم شرعاً إذا قام الحوار في جو من الاحترام المتبادل والنقاش العلمي الموضوعي الهادف، والبحث عن الحق دون اتباع الهوى أو تعصب للرأي فإنه سيثمر بإذن الله تعالى وليكن الجميع على ذكر أنهم  جميعا  مستهدَفون بقيادة أمريكا في حربها للإسلام تحت مسمى الحرب على الإرهاب، - لا إيمانا بنظرية المؤامرة ولكنه الواقع الذي يشهده العيان - وليس أمام العاملين لهذا الوطن - على كافة الأصعدة، ومهما اختلف انتماؤهم - إلا أن يتكاتفوا ويوحدوا صفوفهم، ويجمعوا كلمتهم ؛ ويضعوا الكفوف في الكفوف،  ويُقوي بعضهم ظهر بعض، ويشدوا أزر بعضهم ؛ كي يقفوا أمام هذه الهجمة الشرسة التي تسعى لسحق الأمة الإسلامية كي لا تقوم لها قائمة – فضلا عن الأمة العربية، وإلا بقيت دولنا أشتاتاً متفرقين حيث يسهل ضربهم، وفي ذلك خسارة كبيرة لعالمنا العربي وأمتنا الإسلامية. وقد ورد النهي عن الاختلاف والتشرذم في قال تعالى "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا"16 وبقوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}17 وحُقَّ لسيدنا علي – رضي الله عنه – أن يقول عن تقدم غير المسلمين وغلبتهم للمسلمين، "يُدَالَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ بِصَلَاحِهِمْ فِي أَرْضِهِمْ، وَفَسَادِكُمْ فِي أَرْضِكُمْ، وَبِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ وَخِيَانَتِكُمْ، وَبِطَوَاعِيَّتِهِمْ إِمَامَهُمْ، وَمَعْصِيَتِكُمْ لَهُ، وَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ"18 الهدف المشترك الأبرز هو المستقبل بمختلف جوانب تحدياته، والعمل على إقرار الحريات المشروعة وتحقيق الاستقلال الكامل والتام ؛ استقلال الإرادة والقرار في دول  عالمنا العربي و الإسلامي في المواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجهادية والأمنية والجوانب الثقافية والعلمية، انطلاقا من عقائدنا وقيمنا ومثلنا العليا، ومن الهدف المشترك أيضا قضايا التنمية، ومواجهة الاجتياح الإمبريالي الظالم وفى مقدمة الأهداف المشتركة إعادة روح النهضة والسبق والاستعلاء العلمي في مجالات العلوم والشؤون التي تخلف فيها العالم الإسلامي، لهذه العقود البائسة من حكم هذه الطغمة الطاغية وأيضاً إعادة العدل والحرية والحق والكرامة. العدو مشترك من الأنظمة العلمانية والقومية الفاسدة تستهدفهم جميعاً وأيضا من العدو المشترك الصليبيون والشيوعيون واليهود الذين يستهدفون الجميع ومن منطلقات نجاح هذا الحوار الاقتناع بأن نجاح الغير نجاح للجميع؛ لأن فيه تحقيقاً للكفاية وإزالة للحرج لما لم يؤدَّ ولم يتم إنجازه بعدُ بفعل القصور، أو بسبب تجاوز سنن الله في التغيير الذي يتطلب عدم القفز على الزمن فالداء العضال الذي استشرى لعقود وتمكن ما كان لجسم الأمة أن  يبرأ منه بين عشية وضحاها، كما أن منطلقات نجاح هذا الحوار الاقتناع بأن إخفاقه زيادة في العبء. ومنها كذلك التجرد من الأنانية؛ لأن الفرد – وكذا أي شريحة من شرائح المجتمع - مهما عظمت قدرته إلا أنها تبقى محدودة، وكذلك الابتعاد عن حب الزعامة؛ لأنها تعمي البصيرة عن إمكانات الآخرين ويكون من أسوأ نتائجها دفن طاقات وإمكانات لو أُخرجت من تحت التراب وتم تعهدها وسقيها ؛ لأثمرت بذرتها نتاجاً كبيراً، ومن لم تُؤهله صناديق الاقتراع إلى الصدارة والرئاسة ؛ فلتخلص منه النيَّة ولْيتطهر صدره من الإحنة، ولْيبسط يده متعاونا على البر والتقوى- لا على الإثم  والعدوان - ولْيستوى عنده موقعه في العمل لهذا الوطن، وليكن المهم لديه أن يَرَى الله تعالى ورسوله والمؤمنون من نفسه خيرا، "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"19 إضافة إلى خفض الجناح ومعالجة مواطن الضعف والقصور في الآخر بدلاً من إقصائه مع القناعة التامة بأن الساحة تتسع لجميع العاملين، فبناء الوطن يحتاج إلى كل العاملين؛ مع اختلاف التخصصات والقدرات والمواهب، وما يعجز عنه البعض ويقعد عنه فكره وتصوره،  قد لا يُعْجِز الآخرين؛ وعندئذ تنصبُّ الجهود كلها لتحقيق هدف منشود وغاية واحدة وأياً ما كان الأمر؛ فإنه لا يوجد مسوِّغ شرعي لأحد في التباعد والتجافي وعدم الائتلاف مع إخوانه الباقين، ورغم العواطف المشحونة بأمل النجاح، فإن العواطف وحدها لا تغني عن وجود خطة واضحة يُسار عليها لتحقيق المراد؛ إذ التقارب والحوار عمل، والعمل لكي ينجح ويحقق المراد منه لا بد له من خطة واضحة قابلة للتحقيق فإن لم نستطع بلوغ القمة في التوحد فلا أقل من أن نكون أقرب إلى القمة بخطوة وجوب شعور قادة الحركات والأحزاب العاملة في الساحة - ذات التوجه الدينى وغيره - بأهمية الحوار والتقارب وضرورته، وجعله خطة استراتيجية تلتقي عليه كل فصائلها وأساليبها وأدبياتها وليس هبَّة عاجلة أو حماسة فاترة أو رغبة طارئة استمرار الحديث عن التقارب والتعاون والحوار في مختلف وسائل الإعلام لدى الحركات والأحزاب وعقد المنتديات وإعداد الأبحاث حوله، ونشر المقالات، وتوزيع المطويات،التي تعمق هذا المفهوم والسبيل لإعلاء مصلحة الوطن،  والوقوف صفًا واحدًا أمام دعوات وقنوات تعميق الفرقة بين الحركات والأحزاب العاملة في الساحة لصالح الوطن ونهضته، والرد على أصحابها وتحذير الاتباع من الاستجابة لها؛ لأننا جميعا في  سفينة واحدة البعد عن الطنطنة الإعلامية،  والشنشنة الفضائية البعيدة عن الموضوعية، والتشويش على مائدة الحوار فإن ذلك لا يُقوي حجة، ولا يجلب دليلاً، ولا يُقيم برهاناً، بل إن الصوت العالي، لم يعل في الغالب إلا لضعف حجته وقلة بضاعته، فيستر عورته بالصراخ، ويواري ضعفه بالعويل، وهدوء الصوت عنوان العقل والاتزان والفكر المنظم والنقد الموضوعي والثقة الواثقة القناعة بأنه لا يجوز شرعاً تفرق العاملين للإسلام، فضلا عن العاملين للأوطان، قد نختلف في الوسائل والأساليب، لكن الغايات والأهداف لا مساومة عليها، قد نختلف في التصورات والأفكار المُوصِّلة للغايات المشتركة والأهداف الجامعة، لكن تبقى الصدور على صفائها، والقلوب على نقائها، فاختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية. لمراعاة التوجيه القرآني الذي يقول الله عز وجل فيه: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 21 وقال: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 20 فهذا هو الأصل، {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} 22وإلا نزغ الشيطان بين أبناء الوطن الوحيد، والعقيدة الواحدة، كما قال تعالى "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا"23 ولقد كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما سيدا المسلمين يتنازعان في أشياء لا يقصدان إلا الخير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم بني قريظة:  "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدركتهم العصر في الطريق فقال قوم: لا نصلي إلا في بني قريظة وفاتتهم العصر. وقال قوم: لم يُرِدْ منا تأخير الصلاة فصلوا في الطريق فلم يعب واحداً من الطائفتين "أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن عمر" علي رضي الله عنه يقول لعمر بن طلحة بن عبيد الله، وكان بينه وبين طلحة خلاف يوم الجمل: (إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من  الذين قال الله عز وجل فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}24 والأئمة من بعدهم كانوا على نفس النهج، من المرونة وسعة الأفق ورجاحة العقل، وبعد النظر بحيث لا يُفسد اختلاف الرأي للود قضيَّة، ولا يحمل الاختلاف أحدا على أن يتجاوز حدوده أو أن يخرج عن اللياقة في التعامل صلى الشافعي الصبح في مسجد أبي حنيفة فلم يقنت ولم يجهر ببسم الله تأدباً مع أبي حنيفة رحمهما الله" 25 قال القرطبي: "كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم يصلون خلف أئمة أهل المدينة من المالكية وإن كانوا لا يقرأون البسملة لا سراً ولا جهراً وصلى أبو يوسف خلف الرشيد وقد احتجم وأفتاه مالك بأنه لا يتوضأ فصلى خلفه أبو يوسف ولم يُعد"26 إذا ما تخلقنا بمثل هذه الأخلاق، واهتدينا بمثل هذا الهدي " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ"27 في تعبدنا لله تعالى، فما ارتضيناه في ديننا من مثل هذه الآفاق، جدير بأن تستقيم عليه أمور دنيانا، " رضيه رسول الله لديننا أفلا نرضاه لدنيانا" يقول سفيان: "إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه"28 يقول سفيان: "إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه"29 ويقول يونس الصدفي: "ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ولقيته فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة" قال الذهبي: "هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون"30 وأنا أقول : لمسلمي أرض الكنانة، أم الدنيا، على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية "ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة"كما أقول لغير المسلمين من أبناء مصر "ألا يستقيم أن نكون مواطنين وإن لم نتفق في مسألة" وقال محمد بن أحمد الفنجار:" كان لابن سلام مصنفات في كل باب من العلم، وكان بينه وبين أبي حفص أحمد بن حفص الفقيه مودة وأخوة مع تخالفهما في المذهب"31 قال النووي: "ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً"32 قلت : وإذا لم يكن حق الاعتراض لأصحاب السلطة التشريعية ويُمثلها ( المفتى ) في هذا النص، كما أنه قد سُلب حق الاعتراض من أصحاب السلطة التنفيذية ويُمثلها القاضي فى نص الإمام النووي فمن له حق الاعتراض إذًا ممن كان دونهم ؟؟!! من الإعلاميين وغيرهم وغيرهم ... الذين يشوشون الأفكار، ويُبلبلون الرأي العام، وغيرهم وغيرهم ... وسئل القاسم بن محمد عن القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به فقال: إن قرأت فلك في رجال من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، وإذا لم تقرأ فلك في رجال من أصحاب رسول الله أسوة".33 ألا فليسعنا في دنيانا ما يسعنا في ديننا، ما دامت الغاية واحدة، ومادام الكل عامل على رعاية المصلحة العامة، وعن أنس قال: (إنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا نسافر، فمنا الصائم ومنا المفطر، ومنا المتم ومنا المقصر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، ولا المقصر على المتم، ولا المتم على المقصر)34 لاحظ هذا الاختلاف كان في قضايا دينية، يسوغ الاختلاف فيها أو الاختلاف فيها معتبر، - بعيدا عن الأصول التي لا يسوغ الاختلاف فيها - ومع ذلك بقيت الألفة والعصمة وأخوة الدين، فهلَّا تأدبنا بمثل هذه الآداب، وارتفعنا إلى هذه القيم والقامات، وخاصة أن الأمور الدنيوية فيها مجال لتشعب الآراء، وإنما تبقى مصلحة الوطن هي الضابط الغالب، الذي ينزل عليه الجميع، فلا قداسة إلا لنصوص الوحي المعصوم، وما كان اتباع الرسول صلوات الله وسلامه عليه فيه واجبا رابعا: محاذير على مائدة الحوار احتكار الوطنية والعمل والحق والهدى عند فريق واحد بحيث ينظر إلى ما سواه على أنه ضلال أو انحراف عدم فصل المبادئ عن الأشخاص." لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ"35 "فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ"36 عدم الإخلاص والعصبية الحزبية المقيتة، وتغليب المصالح الشخصية أو الحزبية على المصلحة الوطنية  العامة ولهذا يقول الغزالي أبو حامد – رحمه الله تعالى - : التعاون على طلب الحق من الدين، ولكن له شروط وعلامات، منها: أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده أو على يد معاونه، ويرى رفيقه معيناً لا خصماً، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهره له. وفي ذمّ التعصب ولو كان للحق، يقول الغزالي: (إن التعصّب من آفات علماء السوء، فإنهم يُبالغون في التعصّب للحقّ، وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار، فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة والمقابلة والمعاملة، وتتوفر بواعثهم على طلب نُصرة الباطل، ويقوى غرضهم في التمسك بما نُسبوا إليه. ولو جاؤوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في الخلوة، لا في معرض التعصب والتحقير لأنجحوا فيه، ولكن لمّا كان الجاه لا يقوم إلا بالاستتباع، ولا يستميل الأتْباع مثلُ التعصّب واللعن والتّهم للخصوم، اتخذوا التعصب عادتهم وآلتهم) ولهذا يقول الشافعي رحمه الله: ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق، أو يسدد، أو يعان، وتكون عليه رعاية الله وحفظه، وما ناظرني أحد فباليت أظهرت الحجة على لساني أو لسانه. لهذا يقول ابن عقيل: وليقبل كل واحد منهما من صاحبه الحجة، فإنه أنبل لقدره، وأعون على إدراك الحق، وسلوك سبيل الصدق، والشافعي رضي الله عنه وأرضاه يقول: ما ناظرت أحداً فقبل مني حجة إلا عظم في عيني، ولا ردها إلا سقط من عيني)؟؟؟. أي سمو هذا؟ وأي أخلاق هذه؟ وأي أريحية هذه ؟ أولئك آبائي فجئني بمثلهم استهداف القول الواحد ولا سيما في القضايا التي تتشعب فيها وللآراء فيها مجال (فليس من شرط الحوار الناجح أن ينتهي إلى قول واحد ولا سيما في القضايا الوطنية، أما الكلام في القضايا الدينية فلا اجتهاد مع النص، وليس بعد قول الله تتعالى قول وليس بعد حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه حديث، ولهذا كان ابن قدامة رحمه الله يقول: وكان بعضهم يعذر كل من خالفه في المسائل الاجتهادية، ولا يكلفه أن يوافقه فهمه ولكن الحوار يكون فاشلاً إذا انتهى إلى نزاع وقطيعة وتدابر ومكايدة وتجهيل وتخطية والحذر كل الحذر من أن يؤدي الاختلاف في الرأي وفى الأمور  اليومية والدنيوية إلى جفوة وفتنة بين المختلفين لأن هذا منهى عنه عند الاختلاف في الأحكام الدينية الفرعية فما بالك إذا كانت الأمور محل الاختلاف دنيوية،يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ"37 ولله در الشاعر حين قال: في الرأي تضطغن العقول وليس تضطغن الصدور قال القرطبي – رحمه الله تعالى - : (..وما زال الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث وهم مع ذلك متآلفون) 38- يقول الإمام أحمد بن حنبل: ": "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة"39 وبمثل هذا يقول الذهبي – رحمه الله تعالى –..ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا"40 وفى موضع آخر بعين الإنصاف – للمعارض - يقول الذهبي رحمه الله تعالى "إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلله ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك".41 فهل اعتبرنا بهذا الميزان، واعتمدناه في تعاملنا مع ذوى الرأي الآخر، إذا كان هذا التساهل والتسامح في أمور الدين فأولى به أن يكون في أمور الدنيا وما تُساس به الرعية يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ".. وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا"42. وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية، مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين ... ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة"43 إن مما يُشتِّت القُوَى، ويُبعثر الجهود، ويُبدد الطاقات،ويُضَيِّق السبيل على إمكانية التقارب،  ويُضيِّع الأوطان، الولاءات الحزبية الضيقة التي تُقزِّم وتقعد دون المصلحة العامة، وكذا الولاءات الخارجية المشبوهة، والثبات على المواقف غير الناصحة لمصلحة الأمة، وكذا الجمود على المواقف الباعثة على الشكوك أو التي تحوم حولها الشبه، والتي تبعث الريبة في القلوب، وكذا استباق الحوار بقرارات – تجعل من الحوار – حرثا في البحر – إن هذا الجمود ومثل تلك القرارات تُعتبر عقبة كئود يصعب اقتحامها وتجاوزها قال تعالى:" وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ"44 "قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ"45 خامسا: عندما يغيب الحوار وعندما يغيب الحوار تتحول الأمور إلى الهواجس والظنون والشكوك والتصدعات وهذا هو الخطر؛ كما أن في غياب الحوار المباشر يكون البديل التنافر والتناحر ويقع الاحتراب والكر والفر، والملاسنات عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وتُستنفذ الطاقات، وتذهب الأوقات سدى، ونُستهلك في معارك جزئية جانبية تهدم ولا تبنى، تُدمر ولا تُعمر، تٌبدد ولا تصون، كما تقع الملاحقات عبر الشوارع والحارات وربما كان مدخلا لإبليس الذي يريد أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء، والمواجهة المباشرة عبر الحوار، فيه تُفلح الحجة بالحجة، ويُدفع الرأي بالرأي، وتبقى الأوطان بمنأى عن سفك الدماء، وإزهاق الأرواح، وتعميق الجراح، وإبقاء لخط الرجعة، وتفويت الفرصة على المتربصين بالأمة في الداخل والخارج، والذين لا يودون أن يُنزَّل عليكم من خير من ربكم، ولا يريدون للأوضاع استقرارا . قال العلامة ابن حزم -رحمه الله-: ((ولا غيظ أغيظ على الكفار والمبطلين من هتك أقوالهم بالحجة الصادعة وقد تهزم العساكر الكبار والحجة الصحيحة لا تغلب أبدا فهي أدعى إلى الحق وأنصر للدين من السلاح الشاكي والأعداد الجمة وأفاضل الصحابة الذين لا نظير لهم إنما أسلموا بقيام البراهين على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم فكانوا أفضل ممن أسلم بالغلبة بلا خلاف من أحد من المسلمين وأول ما أمر الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو له الناس بالحجة البالغة بلا قتال فلما قامت الحجة وعاندوا الحق أطلق الله تعالى السيف حينئذ وقال تعالى {قل فلله لحجة لبالغة فلو شآء لهداكم أجمعين} وقال تعالى {بل نقذف بلحق على لباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم لويل مما تصفون}46)) في غياب الحوار في الدولة تتعطل مصالحها ويلحق الضرر بشعوبها ويجعلها تتحمل جهوداً وتكاليف زائدة يمكن الاستغناء عنها وتوفيرها أو استخدامها في المصالح والاحتياجات فالحوار يزيل هذه الآثار والأضرار، وإنما تكون الغاية من الحوار إما  إظهار حجة، أو إثبات حق، أو دفع شبهة، أو رد باطل « وَقَالَ الْمُزَنِيُّ رحمه الله: لَا تَعْدُو الْمُنَاظَرَةُ إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا تَثْبِيتٌ لِمَا فِي يَدِهِ أَوِ انْتِقَالٌ مِنْ خَطَأٍ كَانَ عَلَيْهِ أَوِ ارْتِيَابٌ فَلَا يُقَدَّمُ مِنَ الدِّينِ عَلَى شَكٍّ، قَالَ: وَكَيْفَ يُنْكِرُ الْمُنَاظَرَةَ مَنْ لَمْ يَنْظُرْ فِيمَا بِهِ يَرُدُّهَا"47 سادسا: نختلف ولكن لا نُخالف الاختلاف يكون في حالة المغايرة في الفهم الواقع من تفاوت وجهات النظر، في قضية من القضايا وعليه قوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ}48، ولم يقل سبحانه: خالفوا فيه. ومنه قوله تعالى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ}49، فجعله عز وجل اختلافا لا مخالفة. وقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ}50، ولم يقل سبحانه: تخالفون فيه. وقصة سليمان وداود عليهما السلام في قضية الحرث، الواردة في سورة الأنبياء فقد كان ما بينهما اختلافا وليس مخالفة، للأب رأيه، وللإبن رأيه في هذه القضية لإرضاء الخصوم، وحسم مادة النزاع، وإصلاح ذات البين فهذا اختلاف وليس خلافا، قال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}51. هذا الاختلاف يقع ويحدث ولكن بعد الالتقاء والتحاور وتبادل الرأي، وما يُصار إليه من توجه لا تُحمد المخالفة، فكلمة خالف تستعمل في حالة العصيان الواقع عن قصد كمن يخالف الأوامر، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}52، ولم يقل سبحانه: يختلفون في أمره، وابن نوح عليه السلام خالف نوحا لما قال له فيما يحكيه تعالى عنه إذ قال لابنه: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ}53  {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي}54، فكان مخالفا ولهذا قال هود عليه السلام "وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ"55  لاحظ قوله " وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ" ولم يقل " أختلف معكم "  إن المخالفة تعنى العصيان، تعنى التمرد، تعنى لي الذراع، تعنى " ما  أريكم إلا ما أرى "ولا سيما في المسائل التي فيها مجال للرأي والاجتهاد .ففى المخالفة  بعد ما يُصار إلى توجه، تصاب الحياة بنوع من الشلل، وتتوقف عجلة الإنتاج، وتتعطل المصالح، ونزداد تأخرا، وتعم الفوضي والاضطراب .هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل هوامش: 1- البقرة : 30 - 33 2- صحيح البخاري 2 / 978 (2581) 3- المائدة: 95 4- المائدة: 95  5- الأحزاب: 6 6- رواه الطبراني وأحمد ببعضه ورجالهما رجال الصحيح [مجمع الزوائد 6 / 239 - 241 7- آل عمران : 64 8- العنكبوت: 46 9- المجادلة: 1 10- فيض القدير: 1 - 209 11- صحيح مسلم كِتَابُ الْإِيمَانَبَابُ بَيَانِ أَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ سنن أبى داود كِتَاب الْأَدَبِ بَابٌ فِي النَّصِيحَةِ 12- الموطأ ح1447 13- الأنفال: 46 14- صحيح الجامع حديث رقم: 5620 15- تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 162) (2) (ت) 2376 , (حم) 15822 , صَحِيح الْجَامِع: 5620، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1710 16- آل عمران: 103 17- آل عمران: 105 18- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 191) 19- التوبة: 105 20- الإسراء:53 21- النحل:125 22- البقرة:83 23- الإسراء:53 24- الحجر:47]. [رواه الحاكم ح5613، والبيهقي في السنن ح16491 25- طبقات الحنفية 1/ 433 26- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، 23/ 375 27- الأنعام 28- الفقيه والمتفقه 2/ 69 29- الفقيه والمتفقه 2/ 69 30- سير أعلام النبلاء 10/ 16 - 17 31- سير أعلام النبلاء10/ 630 32- شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 24 33- التمهيد، ابن عبد البر 11/ 54 34- البيهقي في السنن ح5225 35- يونس: 41 36- الشعراء: 216 37- الاستقامة 1/ 31 38- تفسير القثرطبي: 1 / 151 39- سير أعلام النبلاء 14/ 40 40- سير أعلام النبلاء 14/ 374 41- سير أعلام النبلاء 5/ 271 42- النساء: 59 43- مجموع الفتاوى (24/ 173) 44- الأعراف: 132 45- يونس: 53 46- الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (1/ 25) 47- جامع بيانا لعلمو فضله (2/ 972) 48- النحل: 64 49- البقرة: 213 50- الزخرف: 63 51- الأنبياء الآية 79 52- النور:63 53- هود :42 54- هود: 43 55- هود : 88

836

| 01 فبراير 2013

الدروس المهمة من أحداث الأمة (11)

من واجبات الراعي العام في الأمةبم يستوجب الحاكم الطاعة والمحبة والنصرة والنصح؟الوظائف السياسيةإن الأمة اليوم تتطلع إلى قيادات سياسية تعفُّ عن أموالها، وتكفُّ عن دمائها، وتلمُّ شعثها، وتوحد كلمتها، وتحسن سياستها، وتحررها من عبوديتها، بعد أن أترعت الدماء على أيدي الطغاة، وأهدرت الأموال، وانتهكت الأعراض، وامتلأت السجون بالمظلومين، ببغي المجرمينالوظائف السياسية: بما أن الخليفة كان يجمع أحياناً بين السلطتين التنفيذية والقضائية، فإن وظائفه السياسية كانت تشمل التنفيذ والقضاء. وقد أورد الماوردي ستة منها تعد في الحقيقة على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، وهي: أولا: حماية البيضة(الوطن)، - (وَالذَّبُّ عَنْ الْحَوْزَةِ) ؛ أَيْ: حِفْظُ الرَّعِيَّةِ(وَإِنْصَافُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ)وهو ما يعرف حديثا بالمحافظة على الأمن والنظام العام في الدولة-والذّبّ عن الحرمات مِنْ عَدُوٍّ فِي الدِّينِ أَوْ بَاغِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أو أرض أو عرض.ليتصرّف الناس في المعايش، وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال. وهذا ما يقوم به أفراد الشرطة –ومجندو وزارة الداخلية –الآن.ثانيا: تَحْصِينُ الثُّغُورِ بِالْعُدَّةِ الْمَانِعَةِ وَالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ،- وهو ما يعرف حديثا بالدفاع عن الدولة في مواجهة الأعداء- حَتَّى لاَ يَظْفَرَ الأْعْدَاءُ بِثُغْرَةٍ يَنْتَهِكُونَ بِهَا مُحَرَّمًا، وَيَسْفِكُونَ فِيهَا دَمًا لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ. وهذا ما يقوم به أفراد الجيش أو الدفاع – ومجندو وزارة  الدفاع أو الحربية أو القوات  المسلحة بكافة أفرعها وتخصصاتها-الآن.ثالثا: الإشراف على الأمور العامة بنفسه- أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ - أَوْ بِأَعْوَانِهِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ مُشَارَفَةَ الأْمُورِ، وَتَصَفُّحَ الأْحْوَال لِيَنْهَضَ بِسِيَاسَةِ الأْمَّةِ  -، وحراسة الملّة، ولا يعوّل على التفويض تشاغلا بلذّة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغشّ الناصح. وقد قال تعالى: "يا داوُدُ، إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ". فلم يقتصر الله تعالى على التفويض دون المباشرة، بل أمره بمباشرة الحكم بين الخلق بنفسه. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: "كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته" ولقد عِيب على بعض الشعراء، وصْفه الخليفة المأمون بالتفرغ للعبادة والانشغال بها عن متابعة أمور رعيته، وهذا هو محرابه الذي تعبده الله تعالى به  فعن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير، قال: إني بباب المأمون إذ خرج عبد الله بن السمط، فقال لي: علمت أنّ أمير المؤمنين على كماله لا يعرف الشعر! قلت له: وبم علمت ذلك؟ قال: أسمعته الساعة بيتا لو شاطرني ملكه عليه لكان قليلا، فنظر إلى نظرا شزرا كاد يصطلمني. قلت له: وما البيت؟ فأنشد:أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا.. بالدّين، والناس بالدنيا مشاغيلقلت له: والله لقد حلم عليك إذ لم يؤدّبك عليه، ويلك! وإذا لم يشتغل هو بالدنيا فمن يدبّر أمرها؟ وقيل إنه قال له: مازدته على أن وصفته بصفة عجوز فى يدها مسباحها؛ فهلا قلت كما قال جدي في عبد العزيز بن مروان:فلا هو فى الدنيا مضيع نصيبه.. ولا عرض الدّنيا عن الدين شاغلهفقال: الآن علمت أنني أخطأترابعا: إقامة العدل بين الناس قال تعالى:" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ "" قال تعالى" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً "هذا وإقامة العدل يتمثل في أمرين:1- النظر في المظالم وتنفيذ الأحكام، بين المتشاجرين، وقطع الخصام، بين المتنازعين، بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَهْلِهَا وَاعْتِمَادِ النَّصَفَةِ فِي فَصْلِهَا. حتّى تعمّ النّصفة فلا يتعدّى ظالم ولا يضعف مظلوم. قال تعالى:" وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ". (لَو أنصف النَّاس استراح القَاضِي -  وَبَات كلُّ عَن أَخِيه رَاض)2- إقامة الحدود مِنْ غَيْرِ تَجَاوُزٍ فِيهَا، وَلَا تَقْصِيرٍ عَنْهَا. لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من الإتلاف والاستهلاك.ويكون الجميع أمام القانون والشريعة سواء، في الصحيح، عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلاَّ أُسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟" ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا".خامسا: الشؤون المالية والإدارية1- في الشؤون المالية : تقدير العطاء وما يُستحقّ في بيت المال وهذا يقرب مما يعرف في الدول الحديثة (بالْمِيزَانِيَّةُ الْعَامَّةُ) للدولة وإجراء الموازنة بين إيرادتها ونفقاتها مما يحقق توازنًا للميزانية من غير سرف ولا تقتير، لأن السرف قد يؤدي إلى التضخم والافتقار، والتقتير قد يؤدي إلى ظلم الرعية - ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير؛، وذلك كله مما تحرمه الشريعة التي هو منوط بحراستها.وتحديد الأجور بحديها الأدنى والأعلى2- في الشؤون الإدارية: تعيين الموظفين: استكفاء الأمناء، وتقليد النّصحاء، فيما يفوّضه [إليهم من الأعمال] ويكله إليهم من الأحوال ويَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْكِفَايَةِ فِيهَا، وَالْأَمَانَةِ عَلَيْهَا. لتكون الأعمال بالكفاة مضبوطة، والأموال بالأمناء محفوظة.وتَعْيِينُ الْوُزَرَاءِ، وَوِلاَيَتُهُمْ عَامَّةٌ فِي الأْعْمَال الْعَامَّةِ لأِنَّهُمْ يُسْتَنَابُونَ فِي جَمِيعِ الأْمُورِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ.وتَعْيِينُ الأُمَرَاءِ (الْمُحَافِظِينَ) لِلأْقَالِيمِ، وَوِلاَيَتُهُمْ عَامَّةٌ فِي أَعْمَالٍ خَاصَّةٍ، لأِنَّ النَّظَرَ فِيمَا خُصُّوا بِهِ مِنَ الأْعْمَال عَامٌّ فِي جَمِيعِ الأْمُورِ.هذا ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة متضافرة في تحديد المؤهلات التي بموجبها يتم التعيين لشغل مختلف الوظائف، ومن ذلك قوله تعالى على لسان ابنة العبد الصالح لتوظيف كليم الله موسي عليه السلام: "يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ  وقول الصديق يوسف عليه السلام لملك مصر" ..اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ " وقول جند سليمان عليه السلام له عن عرش بلقيس " قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ".وقوله تعالى "إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ "وقال ملك مصر ليوسف عليه السلام "إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ " ومما لا شك أن أعلي الوظائف مقاما، وأجلها احتراما وظائف الدعاة وحملة الرسالات، وأصحاب الدعوات فجعل الله تعالى على رأس أوصاف القائمين بها الأمانة فما خلا رسول من هذه الصفة واقرأ قول كل رسول إلى قومه – عليهم السلام جميعا "إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ".هذه التعيينات بتلك المواصفات، توظيفا للكفاءات، واستثمارا للخبرات، وتسخيرا لكافة القوى والقدرات لصالح الأمة، أما من ليس لديهم قدرة على العمل لعجز أو كِبر أو عاهة أو مرض فلا بد من تدبير وتأمين معيشة كريمة لهم تحفظ ماء وجوههم ؛ لا يغفل عنهم الوالي ولا يلهو، ولا ينشغل بعبادة ولا لذة، وكيف وليس مغفولا عنه في تاريخ الطبري وكامل ابن الأثير "قَالَ أَسْلَمُ: وَخَرَجَ عُمَرُ إِلَى حَرَّةِ وَاقِمٍ وَأَنَا مَعَهُ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِصِرَارٍ إِذَا نَارٌ تَسَعَّرُ. فَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِمْ. فَهَرْوَلْنَا حَتَّى دَنَوْنَا مِنْهُمْ، فَإِذَا بِامْرَأَةٍ مَعَهَا صِبْيَانٌ لَهَا وَقِدْرٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى نَارٍ وَصِبْيَانُهَا يَتَضَاغَوْنَ. فَقَالَ عُمَرُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَصْحَابَ الضَّوْءِ. وَكَرِهَ أَنْ يَقُولَ: يَا أَصْحَابَ النَّارِ. قَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ. قَالَ: أَدْنُوا؟ قَالَتْ: ادْنُ بِخَيْرٍ أَوْ دَعْ. فَدَنَا فَقَالَ: مَا بَالُكُمْ؟ قَالَتْ: قَصَّرَ بِنَا اللَّيْلُ وَالْبَرْدُ. قَالَ: فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَةِ يَتَضَاغَوْنَ؟ قَالَتْ: [مِنْ] الْجُوعِ. قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذِهِ الْقِدْرِ؟ قَالَتْ: مَا لِي مَا أُسْكِتُهُمْ حَتَّى يَنَامُوا، فَأَنَا أُعَلِّلُهُمْ وَأُوهِمُهُمْ أَنِّي أُصْلِحُ لَهُمْ شَيْئًا حَتَّى يَنَامُوا، اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عُمَرَ! قَالَ: أَيْ رَحِمَكِ اللَّهُ، مَا يُدْرِي بِكُمْ عُمَرَ؟ قَالَتْ: يَتَوَلَّى أَمْرَنَا وَيَغْفُلُ عَنَّا. فَأَقْبَلَ عَلَيَّ وَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا. فَخَرَجْنَا نُهَرْوِلُ حَتَّى أَتَيْنَا دَارَ الدَّقِيقِ، فَأَخْرَجَ عِدْلًا فِيهِ كُبَّةُ شَحْمٍ فَقَالَ: احْمِلْهُ عَلَى ظَهْرِي. قَالَ أَسْلَمُ: فَقُلْتُ: أَنَا أَحْمِلُهُ عَنْكَ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. فَقَالَ آخِرَ ذَلِكَ: أَنْتَ تَحْمِلُ عَنِّي وِزْرِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا أُمَّ لَكَ! فَحَمَلْتُهُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ نُهَرْوِلُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا، فَأَلْقَى ذَلِكَ عِنْدَهَا وَأَخْرَجَ مِنَ الدَّقِيقِ شَيْئًا فَجَعَلَ يَقُولُ لَهَا: ذُرِّي عَلَيَّ وَأَنَا أُحَرِّكُ لَكِ، وَجَعَلَ يَنْفُخُ تَحْتَ الْقِدْرِ، وَكَانَ ذَا لِحْيَةٍ عَظِيمَةٍ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الدُّخَانِ مِنْ خَلَلِ لِحْيَتِهِ حَتَّى أَنْضَجَ ثُمَّ أَنْزَلَ الْقِدْرَ، فَأَتَتْهُ بِصَحْفَةٍ فَأَفْرَغَهَا فِيهَا ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمِيهِمْ وَأَنَا أُسَطِّحُ لَكِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَلَّى عِنْدَهَا فَضْلَ ذَلِكَ، وَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ، فَجَعَلَتْ تَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، أَنْتَ أَوْلَى بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ! فَيَقُولُ: قُولِي خَيْرًا، فَإِنَّكِ إِذَا جِئْتِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَجَدْتِنِي هُنَاكَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ -! ثُمَّ تَنَحَّى نَاحِيَةً، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا وَرَبَضَ لَا يُكَلِّمُنِي حَتَّى رَأَى الصِّبْيَةَ يَضْحَكُونَ وَيَصْطَرِعُونَ، ثُمَّ نَامُوا وَهَدَأُوا، فَقَامَ وَهُوَ يَحْمَدُ اللَّهَ، فَقَالَ: يَا أَسْلَمُ، الْجُوعُ أَسْهَرَهُمْ وَأَبْكَاهُمْ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَنْصَرِفَ حَتَّى أَرَى مَا رَأَيْتُ مِنْهُمْ "وَفِي الأْثَرِ الصَّحِيحِ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالأْمِيرِ خَيْرًا جَعَل لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ، إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَل لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ: إِنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ، وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ .وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.سادسا: مُشَاوَرَةُ ذَوِي الرَّأْيِ والاختصاص:قَال ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ: وَاجِبٌ عَلَى الْوُلاَةِ مُشَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا لاَ يَعْلَمُونَ، وَمَا أَشْكَل عَلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَمُشَاوَرَةُ وُجُوهِ الْجَيْشِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَرْبِ، وَمُشَاوَرَةُ وُجُوهِ النَّاسِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَصَالِحِ، وَمُشَاوَرَةُ وُجُوهِ الْكُتَّابِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْعُمَّال فِيمَا يَفْعَلُونَ بِمَصَالِحِ الْبِلاَدِ وَعِمَارَتِهَا .وَتُعْتَبَرُ الْمُشَاوَرَةُ مَبْدَأً مِنْ أَهَمِّ الْمَبَادِئِ الإْسْلاَمِيَّةِ، وَقَاعِدَةً مِنْ أَهَمِّ الْقَوَاعِدِ الأْسَاسِيَّةِ فِي الْوِلاَيَاتِ الْعَامَّةِ. وَقَدْ جَاءَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى الشُّورَى صَرِيحَةً فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي آيَتَيْنِ مِنْهُ الأْولَى: قَوْله تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأْمْرِ}.فإن طرأ طارئ اتخذ الخليفة – رئيس الدولة - من التدابير مايحقق سعادة الأمة بشرطين:الأول ـ ألا يخالف نصاً صريحاً ورد في القرآن أو السنة أو الإجماع.الثاني ـ أن تتفق التدابير مع روح الشريعة ومقاصدها العامة، على وفق ما بينه علماء أصول الفقه، بالحفاظ على الأصول الكلية الخمسة وتوابعها: وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال.فَإِذَا فَعَلَ مَنْ أَفْضَى إلَيْهِ سُلْطَانُ الْأُمَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الواجبات التي ذكرنا في الحلقة السابقة والتي كانت بعنوان "دعوة إلى أول رئيس منتخب لأرض الكنانة" وما تضمنه مقالنا هذا كَانَ مُؤَدِّيًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي رعيته، مُسْتَوْجِبًا لِطَاعَتِهِمْ وَمُنَاصَحَتِهِمْ، مُسْتَحِقًّا لِصِدْقِ مَيْلِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ. وَإِنْ قَصَّرَ عَنْهَا، وَلَمْ يَقُمْ بِحَقِّهَا وَوَاجِبِهَا، كَانَ بِهَا مُؤَاخَذًا ثُمَّ هُوَ مِنْ الرَّعِيَّةِ عَلَى اسْتِبْطَانِ مَعْصِيَةٍ وَمَقْتٍ يَتَرَبَّصُونَ الْفُرَصَ لِإِظْهَارِهِمَا وَيَتَوَقَّعُونَ الدَّوَائِرَ لِإِعْلَانِهِمَا. هذا وللحديث بقية بحول الله وقوته، ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل. هوامش:الأحكام السلطانية للماوردي: ص14، والسلطات الثلاث للطماوي: ص278 ومابعدها.الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 12، والأحكام السلطانية للماوردي ص 16 ص: 26)رواه مسلم عن ابن عمر (شرح مسلم للنووي: 213/ 12).[صبح الأعشى في صناعة الإنشاء 9/ 372]الصناعتين: الكتابة والشعر (ص: 119)العقد الفريد (6/ 214)النساء:58الحجرات:9صحيح مسلم كتاب الحدود. باب قطع السَّارق الشَّريف وغيره، والنَّهي عن الشَّفاعة في الحدود.الأحكام السلطانية للماوردي ص 65، 108، ورد المحتار على الدر المختار 4 / 297، 308، وشرح المنهاج 4 / 295، والمغني لابن قدامة 9 / 38، 106، والأحكام السلطانية لأبي يعلى 78، 92السياسة الشرعية - جامعة المدينة (ص: 563)القصص:26يوسف55النمل:39التكوير:19-21يوسف54الشعراء:107+125+143+162تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/ 206) الكامل في التاريخ (2/ 434)حديث: " إذا أراد الله بالأمير خيرا.. " أخرجه أبو داود (3 / 345 - ط عزت عبيد دعاس) وجود إسناده النووي في رياض الصالحين (ص 317 - ط الرسالة)تفسير القرطبي 4 / 250 - 251آل عمران / 159راجع الموافقات للشاطبي: 10/ 2، ط التجارية، الإحكام للآمدي: 48/ 3، ط صبيح، المستصفى للغزالي: 140/ 1، ط التجارية.

543

| 30 يناير 2013

تعلم أدب الخطاب من رب الأرباب 2 — 2

نواصل اليوم الحديث عن الدروس المستفادة من تدبر سورة الفاتحة وتعلم أدب الخطاب منها. الشاهد الثاني عشر: فى التزيين: التزيين المشروع المحبوب يُنْسَبُ إلى الله تعالى ويُنْسَبُ إلى غيره ما كان دون ذلك، قال تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ" فنسب هذا التزيين المحبوب إليه. وقال: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ" فحذف فاعل التزيين. الشاهد الثالث عشر: فى إيتاء الكتاب حيث ذُكرَ الفاعلَ كان من آتاه الكتاب واقعا في سياق المدح."الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِه" " فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ"، " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ"وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ"، "وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقّ"، وحيث حذف ذكرَ فاعل الإيتاء كان من أوتيه الكتاب واقعا في سياق الذم أو منقسما "وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ"، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ"22 "وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ". "وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ"، والفرق واضح فى الموضعين، حيث سياق المدح يتم ذكر الفاعل وينسب إلى الله تعالى بينما عند الذم يُحذف فاعل الإيتاء تأدبا مع الله تعالى. الشاهد الرابع عشر: قوله تعالى فى ميراث الكتاب يُذكر الفاعل تعظيما وتفخيما، عند المدح "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ"، وعند الذم لا يُذكر الفاعل تأدبا قال تعالى:" وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ". الشاهد الخامس عشر: قوله تعالى:" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ *وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ". قال الآلوسى: وما ألطف نسبة إتيان الآيات والرفع إليه — تعالى — ونسبة الانسلاخ والإخلاد إلى العبد، مع أن الكل من الله — تعالى —، إذ فيه من تعليم العباد حسن الأدب ما فيه. ومن هنا كان دعاء سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الخيرُ بِيَدَيْكَ، والشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك» أَيْ أنَّ الشَّرَّ لَا يُتَقرَّب بِهِ إِلَيْكَ، وَلَا يُبْتغَى بِهِ وجهُك، أَوْ أَنَّ الشَّرَّ لاَ يَصْعَدُ إِلَيْكَ، وَإِنَّمَا يَصْعد إِلَيْكَ الطَّيِّب مِنَ القَول والعَمَل. وَهَذَا الْكَلَامُ إرشادٌ إِلَى اسْتِعْمَالِ الأدَب فِي الثَّناءِ عَلَى اللهِ والدعاء، وَأَنْ تُضافَ إِلَيْهِ محاسنُ الْأَشْيَاءِ دُون مَساوِيها، وَلَيْسَ المقصودُ نَفْىَ شَيْءٍ عَنْ قُدْرته وَإِثْبَاتِهِ لَهَا، فَإِنَّ هَذَا فِي الدُّعَاءِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ. يُقَالُ يَا رَبَّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَا يُقَالُ يَا رَبَّ الْكِلَابِ والخَناَزير، وَإِنْ كَانَ هُوَ ربَّها. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى «وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها» وفي هذا الدعاء إرشاد إلى استعمال الأدب في الثناء على الله. لهذا قال "أنعمت" فأسند الإنعام إليه تعالى ولم يُسند الغضب والإضلال إليه تعالى وقد قال ابن جني رحمه الله أنه أسند النعمة إليه في قوله تعالى {أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} تقرباً وانحرف عن ذلك عند ذكر الغضب إلى الغيبة تأدّباً". والله سبحانه وتعالى ينزل على عبده ما يشاء سبحانه، ولكن من الأدب مع الله أن ينسب العبد النعمة والخير إليه سبحانه، فهو الخالق لكل شيء سبحانه، فالخير من عند الله سبحانه، وهو الذي خلق الخير وغيره، ولكن الأدب مع الله سبحانه أن ينسب العبد البلاء إلى نفسه. قال القرطبي — رحمه الله تعالى — وَالْأَفْعَالُ كُلُّهَا خَيْرُهَا وَشَرُّهَا. فِي إِيمَانِهَا وَكُفْرِهَا، طَاعَتِهَا وَعِصْيَانِهَا، خَالِقُهَا هُوَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي خلقه، ولا في خلق شي غَيْرِهَا، وَلَكِنَّ الشَّرَّ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ ذِكْرًا، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْهُ خَلْقًا، أَدَبًا أَدَّبَنَا بِهِ، وَتَحْمِيدًا عَلَّمَنَاهُ. فالذي يضاف إلى الله تعالى كله خير وحكمة ومصلحة، وعدل. والشر ليس إليه. والخلاصة من دروس سورة الفاتحة — التي تعبدنا الله تعالى بتلاوتها وتدبرها يوميا — التأدب مع الله تعالى — مخاطبة وتحدثا — بنسبة الإنعام إليه وعدم (نسبة) الشر إليه، فلم ينسب الغضب إليه، وإن كان هو الفاعل المختار لكل شيء لكن جرت العادة في مقام التأدب أن ينسب للفاعل الخير دون الشر. هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل.        

981

| 29 يناير 2013

الدروس المهمة من أحداث الأمة (10)

شهداء الثورات فى ظل الله فى القرآن المجيد ما ينبئ بوحدة المشاعر الإنسانية وتألمها لما يُصيب فرد من أفرادها قال تعالى "مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا"  فما بالنا كل يوم بدم بارد تزهق أرواح وتُسفك دماء بغير حق فكم تُقتل الإنسانية يوميا فى الشام وفى اليمن، ويقول تعالى :" وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً"  هذا عن نفس مؤمن واحدة فما البال والحال إذا كان كل يوم يٌقتل مالا يقل عن العشرين أو يزيد بينهم أطفال ونساء، والكل يتلقى الرصاص الغادر من الأنظمة الفاجرة بصدور عارية الظاهر، ولكنها ممتلئة بالإيمان، وأفئدة تهوي إلى ديان السماء، تأمل أن تنال حريتها التي وُلدت بها وقد سلبها منها أحزاب عهر، وأنظمة فجور، لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة،ولقد سبق فى هذا العمود أن أصَّلنا كون هؤلاء شهداء، وهاك نصوص من شق الوحي المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، تبشر بكون هؤلاء الشهداء فى ظل عرش الرحمن يوم  لا ظل إلا ظله، هؤلاء الذين رفعوا الرؤوس، وكسروا حاجز الخوف، وبرهنوا على أحقية دعوى هذه المظاهرات، ويواصلون الليل بالنهار فى الجهر بكلمة الحق فى وجه سلطان جائر، ولسوف يُسأل هؤلاء الشبيحة والبلاطجة وأعوانهم، ومن يمدونهم فى الغي ثم لا يقصرون عن هذه الدماء المحرمة والأرواح المعصومة، فما بال هؤلاء لا يرعوون، ولا يخشون، "أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ  لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ" فى هذا اليوم العظيم يقول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه" إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قيد ميل أو ميلين قال فتصهرهم الشمس فيكونوا في العرق كقدر أعمالهم منهم من يأخذه إلى عقبيه منهم من يأخذه إلى ركبتيه منهم من يأخذه إلى حقويه ومنهم من يلجمه إلجاما". ولا ملجأ من الله إلا إليه، ولا ظل فى هذا اليوم إلا ظله جل مذكورا وعز مرادا وممن يظلهم الله تعالى فى ظله يوم لا ظل إلا ظله شهداء هذه الثورات الذين يقتلون ظلما دون مظالمهم التي أوقعها بهم أنظمة الحكم فى غفلة من الزمان، وهاك من الشواهد والأدلة على هذا المعنى  فى الصحيح، جاء رجل إلى ابن عباس فقال يا ابن عباس، أرأيت رجلا قتل مؤمنا قال ابن عباس – رضي الله عنهما - فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً"  فقال يا ابن عباس، أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحا ؟ قال ثكلته أمه، وأنَّي له التوبة وقد قال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - يجئ المقتول يوم القيامة آخذا رأسه إما قال بشماله وإما بيمينه تشخب أوداجه في قُبُل عرش الرحمن تبارك وتعالى يقول: يارب سل هذا فيم قتلني" ، وقُبُل عرش الرحمن: أي مقابل له ومعاين له، وهو كناية عن قربه من الله تبارك وتعالى وعند الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما -  إن أقرب الخلائق من عرش الرحمن يوم القيامة المؤمن الذي قتل مظلوما، رأسه عن يمينه وقاتله عن شماله وأوداجه تشخب دما يقول: رب! سل هذا فيم قتلني، فيم حال بيني وبين الصلاة. "وبعد هذا الموقف الرهيب يساق هؤلاء القتلة الفجرة إلى النار سوقا بعد الحرمان من ظل الله تعالى فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ سَائِلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، هَلْ لِلْقَاتِلِ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَالْمُتَعَجِّبِ مِنْ شَأْنِهِ: مَاذَا تَقُولُ؟ فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَسْأَلَتَهُ. فَقَالَ: مَاذَا تَقُولُ؟ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «يَأْتِي الْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقًا رَأْسُهُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ مُلَبِّبًا قَاتِلَهُ بِالْيَدِ الْأُخْرَى تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْعَرْشَ، فَيَقُولُ الْمَقْتُولُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ: هَذَا قَتَلَنِي. فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَاتِلِ: تَعِسْتَ. وَيَذْهَبُ بِهِ إِلَى النَّارِ»  ". وفى الصحيح عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ نَبِىِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَتَكَلَّمُ يَقُولُ: وُكِّلْتُ الْيَوْمَ بِثَلاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عنيد، وَبِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَيَنْطَوِى عَلَيْهِمْ، فَيَقْذِفُهُمْ فِى غَمَرَاتِ جَهَنَّمَ وهؤلاء الشبيحة – فى الشام - أو البلطجية – فى مصر - والبلاطجة فى اليمن – أوالزعران فى الأردن - ومن وراءهم فى سعيهم وحملهم على سفك الدماء وإزهاق الأرواح بغير حق هم أبغض الخلق إلى الله تعالى فى الصحيح عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أبْغض النَّاس إِلَى الله ثَلَاثَة: ملحدٌ فِي الْحرم، ومبتغ فِي الْإِسْلَام سنة جَاهِلِيَّة، ومطلب دم امْرِئ بِغَيْر حقٍّ ليهريق دَمه". وهذه الدماء لن تضيع هدرا فى الدنيا قبل الآخرة، فى الصحيح عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أول مَا يقْضى بَين النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي الدِّمَاء". الدنيا كلها أهون على الله تعالى من نفس واحدة لمؤمن تقتل ظلما عَن الْبَراء بن عَازِب أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لزوَال الدُّنْيَا أَهْون عَلَى الله من قتل مُؤمن بِغَيْر حق" وكل الشركاء فى هذه الجريمة فى النار وبئس القرار  عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن الثقلين اجتمعوا على قتل مؤمن لكبهم الله على مناخرهم في النار، وإن الله حرم الجنة على القاتل والآمر)) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: "لَنْ يزالَ المؤمِنُ في فُسحَة من دِينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً"، قال: وقال ابن عمر: "إنَّ من وَرَطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفكُ الدَّم الحرام بغير حِلِّه" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ مَظْلُومًا فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ نَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ جَارِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ فِي جَنْبِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ".هذا وبالله التوفيق وللحديث صلة بحول الله وقوته. هوامش: المائدة:32 النساء:93 المطففون:4-6 غافر:18 مسند الإمام أحمد النساء:93 رواه أحمد وصححه الألباني فى الصحيحة (6/445 ) حديث رقم:2697 قال الألباني –رحمه الله تعالى – قول ابن عباس :"وأنَّى له التوبة "مشهور عنه من عدة طرق والجمهور على خلافه /، وقد صح عن ابن عباس ما يدل على تراجعه عن قوله إلى قول الجمهور موسوعة الألباني في العقيدة 5/ 684 الفتح الرباني  للساعاتي رحمه الله تعالى (16/4) طب - عن ابن عباس رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.والحديث صحيح لغيره صححه الألباني فى الصحيحة رقم:2697 [صحيح الترغيب والترهيب 2/ 317] [سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها 6/ 447] حديث رقم 2699 [الجمع بين الصحيحين 2/ 74] ‏مسند الإمام أحمد. صحيح البخاري كِتَاب الرِّقَاقِ. باب الْقِصَاصِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.صحيح مسلم كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والدِّيَّات. باب المجازاة بالدِّماء في الآخرة، وأنَّها أوَّل ما يقضى فيه بين النَّاس يوم القيامة.  سنن النسائي كتاب تحريم الدم. باب تعظيم الدم.سنن ابن ماجة كتاب الديات. باب التغليظ في قتل مسلم ظلما [صحيح وضعيف سنن ابن ماجة 6/ 119، بترقيم الشاملة آليا] حديث رقم 2619 [الترغيب والترهيب لقوام السنة 3/ 190] أخرجه البخاري في كتاب الديات في فاتحته [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة 5/ 151]

1376

| 19 يناير 2013

الدروس المهمة من أحداث الأمة (9)

دعوة إلى أول رئيس منتخب لأرض الكنانة وأم الدنيا في الوقت الذي يُمكِّن  الله تعالى فيه لبعض عباده في الأرض فيضعهم في موقع الصدارة، وفي أعناقهم أمانة إدارة شؤون البلاد والعباد يَجِبُ عَلَيْهِمُ التَّصَرُّفُ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ لِلْمُسْلِمِينَ - وغيرهم من أبناء الوطن ورعايا الدولة، كُلٌّ فِي مَجَالِهِ وَبِحَسَبِ سُلْطَتِهِ. وَفِي ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ" التَّصَرُّفُ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ " وهذا التصرف أو قل يناط بولي الأمر – الحاكم أيا ما كان لقبه – رئيسا أو أميرا أو ملكا أو خليفة – وظائف منها ما هو ديني ومنها ما هو سياسي وهذه إشارات إلى كل منهما في الوظائف دينية ويتمثل ذلك في أمور أربعة أحدها- حفظ الدّين على أصوله المستقرّة [ الكتاب والسنة الصحيحة]، وما أجمع عليه سلف الأمّة]، وإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه، أوضح له الحجّة، وبيّن له الصّواب، حتى تتأخر شبهته افتضاحا، ويتقدم الحق اتضاحا، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ليكون الدّين محروسا من الخلل، والأمّة ممنوعة من الزّلل. فالْملك بِالدّينِ يبْقى، وَالدّين بِالْملكِ يقوى.كما قال ابن المعتز  . وقد قال تعالى في بيان وظائف من يَصِلون إلى  الحكم :"الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ "، وما هلك وأهلك من وصلوا قبل إلى الحكم عبر القرون الخوالي إلا بسبب إخلالهم بهذه الوظائف التي كلفهم الله تعالى إياها قال تعالى:" أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ " وقال  جل مذكورا وعز مرادا "وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون والمستقريئ لآيات الكتاب العزيز يلحظ الاقتران الدقيق بين الدين والسلطان، بين الحق والقوة، بين المصحف والسيف، قال تعالى:" لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " وقيمة التلازم بين هذين الأمرين في غاية الأهمية فالحق بغير القوة ضائع، والقوة بغير الحق ظلم وبغي ؛قَالَ بعض القدماء الدّين وَالسُّلْطَان توأمان وَقيل الدّين أس وَالسُّلْطَان حارس فَمَا لَا أس لَهُ فمهدوم وَمَا لَا حارس لَهُ فضائع، السلطان زمام الأمور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود والقطب الذي عليه مدار الدين و الدنيا. وهو حمى الله في بلاده وظلّه الممدود على عباده، به يمتنع حريمهم، وينتصر مظلومهم، وينقمع ظالمهم، ويأمن خائفهم. ثانيا:- جِهَادُ مَنْ عَانَدَ الإِْسْلاَمَ بَعْدَ الدَّعْوَةِ حَتَّى يُسْلِمَ، أَوْ يَدْخُل فِي الذِّمَّةِ.ليقام بحقّ الله تعالى في إظهاره على الدّين كلّه. وهذا مشروط بوجود قوة للمسلمين ووجود عدوان على دعاة الإسلام أو بلاده. قال تعالى: " قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ " "قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " وقال تعالى:" قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً". وقال تعالى عن مدافعة أعداء الأمة في الداخل والخارج "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" ثالثًا:- جباية الفيء والصّدقات  على ما أوجبه الشرع نصّا واجتهادا من غير حيف ولا عسف. والمقصود بالفيء والغنائم: الأموال التي تصل إلى المسلمين من المشركين أو كانوا سبب وصولها. وهاك نصوص تذكر بعض مصادر بيت مال المسلمين،أو قل مصادر الميزانية العامة قال تعالى:"وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ* لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ*وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ". وقال تعالى :" وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير". وأما الصدقات فهي الأموال الواجبة على المسلمين نصاً كالزكاة، واجتهاداً كالأموال المفروضة على الأغنياء إذا خلا بيت المال، واحتاجت الدولة لتجهيز الجيش ونحوه من المصالح العامة  وقال تعالى:"خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ولهذا من أمارات الرشد، وقرائن الحكمة في الحكم، في – قطر -  وجود "صندوق الزكاة " تلك الهيئة الرسمية القائمة على تلقي الزكاة من أصحابها، وتوزيعها على المستحقين لها من الأسر المتعففة في داخل الدولة وخارجها، فكم سدت من رمق، وكم روت من ظمأ، وكم داوت من جراح، وجبرت من كسر، وسدَّت من خلة، وما أكثر مشاريع الخير التي كان وراء هذا الصندوق،- جزى الله القائمين عليه كل خير – تأسيسا وتوظيفا وأداء – ولعل دولا أسلامية أخري – ولا سيما دول الربيع العربي وفى مقدمتها أم الدنيا أرض الكنانة - تحذو حذوها ويكون ثمة الإحصاء الدقيق للأغنياء والموسرين يحصيهم ديوان، وفي المقابل ديوان آخر يحصر الفقراء ـ تنظيما أكثر دقة وشمولا حتى يغنى الفقير، ويكسى العاري، وهذا من أوجب واجبات أولياء الأمور في عالمنا الإسلامي، أولم يعلنها الصديق حربا مدويا على من منعوا الزكاة، وقال قولته الشهيرة والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه، وقفة كان لها ما بعدها، فاستقام الناس، ودامت دولة الإسلام . وبالمناسبة هذه دعوة إلى أول رئيس منتخب لمصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ألفين وأحد عشر أن يعمل على إنشاء هذا الصندوق الذي يتداعى له المصريون – بل وغير المصريين من مسلمي العالم - في الداخل والخارج ويتواصون فيما بينهم بحصر وتقديم زكاة أموالهم وأوقافهم إلى هذا الصندوق بإشراف هيئة متوضئة طاهرة مشهود لها بالكفاءة والأمانة ’من علماء الأمة وذوي الكفاءة والخبرة الاقتصادية حتى لا تتكرر الأزمة المالية الحالية. رابعاً ـ القيام على شعائر الدين من أذان وإقامة صلاة الجمعة والجماعة والأعياد، وصيام، وحج، فبالنسبة للصلاة يعين الخليفة – الرئيس أو الأمير أيا ما كان مسماه - الإمام والمؤذن، ويصون المساجد ويرعاها، ويؤم الناس في الصلاة الجامعة إذا حضر، ويشرف على توقيت الصيام بدءاً ونهاية، ويعاقب من يعلن الإفطار دون عذر مقبول، وييسر أداء فريضة الحج بتعيين ولاة للسهر على أداء هذا الواجب، والولاية على الحج لتسيير الحجيج وإقامتهم   قِتَال أَهْل الْبَغْيِ وَالْمُحَارِبِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَتَوْقِيعُ الْمُعَاهَدَاتِ وَعُقُودِ الذِّمَّةِ وَالْهُدْنَةِ وَالْجِزْيَةِ. هذا والله وحده ولي التوفيق وللحديث بقية بحول الله وقوته، ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل. هوامش: اللطائف والظرائف (ص: 28) الحج41 الأنعام:6 الأحقاف:26 الحديد:25 العقد الفريد (1/ 9): التوبة:29 التوبة:123 الفتح:16 التوبة:73+التحريم:9 ذكر الماوردي: ص 121 في المرجع السابق فروقاً أربعة بين أموال الفيء والغنائم وبين الصدقات: أحدها ـ أن الصدقات مأخوذة من المسلمين تطهيراً لهم، والفيء والغنيمة مأخوذان من الكفار انتقاماً منهم. والثاني ـ أن مصرف الصدقات منصوص عليه في القرآن ليس فيه اجتهاد. والفيء والغنيمة يصرفان بحسب اجتهاد الأئمة. والثالث ـ أن أموال الصدقات يجوز أن ينفرد أصحابها بقسمتها في أهلها، ولا يجوز ذلك لأهل الفيء والغنيمة. والرابع ـ اختلاف المصرف: فالصدقات تصرف للأصناف الثمانية في القرآن. والأموال الأخرى تصرف في سبيل المصالح العامة. ويلاحظ أن الفيء: هو كل مال وصل من المشركين عفواً من غير قتال. والغنيمة: ما وصل إلينا من أموال المشركين عنوة وبقتال. الحشر:6-10 الأنفال:41 الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (8/ 6186) التوبة:103 الأحكام السلطانية: ص 96، 103. الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 11، 12، 13 وما بعدها، والأحكام السلطانية للماوردي ص 15، 16، 30، 35 وما بعدها، ورد المحتار على الدر المختار 3 / 158، 212، 218، 311 وما بعدها، جواهر الإكليل 1 / 269، 2 / 286، وشرح المنهاج 4 / 171، 217، والمغني لابن قدامة 2 / 252، 361، 347 و 8 / 287

521

| 16 يناير 2013

تعلُّم أدب الخطاب مع رب الأرباب 1 — 2

قال تعالى"صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ"، ولم يقل: غير الذين غضبت عليهم، وفي ذلك تعليم لأدب جميل، عند مخاطبة رب الأرباب، وكذا عند الحديث عنه تبارك وتعالى، ويتلخص هذا الأدب فى أن الإنسان يجمل به أن يُسند أفعال الإحسان إلى الله، ويتحامى أن يُسند إليه أفعال العقاب والابتلاء، وإن كان كل من الإحسان والعقاب صادراً منه، لشواهد كثيرة في الكتاب العزيز لهذا الأدب — خطاباً وحديثاً —:الشاهد الأول: من حديث الخليل إبراهيم — عليه السلام — لقومه كما حكى المولى — عز وجل — "قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ* الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِين ِ* وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"1فنسب إلى ربه كل كمال من هذه الأفعال، (الخلق والهداية والإطعام والسقاية والإماتة والإحياء والمغفرة وفيها دلائل الوحدانية والقدرة والإنعام والإحسان)، ونسب إلى نفسه — عليه السلام — النقص منها، وهو المرض والخطيئة. فأَسْنَدَ الْمَرَضَ إِلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ قَدَرِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ وخلَقْه، وَلَكِنْ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ أَدَبًا.الشاهد الثاني: من دعاء أيوب — عليه السلام — "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا، وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ"2 هذا فيه غاية الأدب، فهو لم يقل: مَسَسْتَنِي بِضُر، أو أنزلت بي الضر، والله عز وجل هو الذي يخلق الخير والسقم والبلاء.الشاهد الثالث: من قول مؤمني الجنلما بعث الله تعالى محمداً صلوات الله وسلامه عليه، حماية لوحي السماء، من عبث الجن، رُصدت شهب لمن يسترق السمع من الجن، قطعاً للطريق على شياطين الإنس والجن حتى لا يوحي بعضهم إلى بعض، وإنهاء لضروب الكهانة التي كانت فاشية قبل البعثة المحمدية، وتأمل أدب الجن في حديثهم عن الإرادة الربانية بهذه البعثة الربانية:"وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً"3.الشاهد الرابع: قول الخضرفي خرق السفينة "فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها"4 لأن كونه يخلع لوحاً من السفينة، فهذا فيه نوع من الشر والإفساد، لذلك أدباً مع الله سبحانه وتعالى نسب إرادة ذلك إلى نفسه،"فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها"5 مع أن ذلك قد كان بوحي، فقد قال بعد ذلك: "وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي"6.الشاهد الخامس: قول الخضرفي شأن الجدار الذي أراد أن يميل فقام على إصلاحه حتى يظل الكنز مدفوناً ومحفوظاً للغلامين اليتيمين: "وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا"، ثم قال:"فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما"7 ؛ لأن فيه إصلاحاً وخيراً.الشاهد السادس: قوله تعالى: "مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً"8، وقبل هذه الآية بقليل أورد المولى — جلَّ مذكوراً وعزَّ مُراداً — تصورات بعض الناس،  ومفاهيمهم لمُجريات الأحداث، فقال: ".. وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ.."، ولم يخرج من نفس الآية إلا بعدما قرر حقيقة عقدية مهمة؛ هي أن كل الأمور بتقدير الله وقضائه فقال: "قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً"9.الشاهد السابع: قوله تعالى: "..وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْأِنْسَانَ كَفُورٌ"10 نسب إذاقة الرحمة إليه، ونسب فعل الإصابة بغيرها إلى السيئة.الشاهد الثامن: قوله تعالى: "مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"11 ذكر لفظ الجلالة عند فتح الرحمة، دون الإمساك.الشاهد التاسع: قوله تعالى: "وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"12 نسب المس إلى الضر، ولكنه أسند كشفه إلى الله تعالى "كشفنا".الشاهد العاشر: قوله تعالى: "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ"13.الشاهد الحادي عشر: قوله تعالى: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ"14 فأضاف الشر إلى المخلوقات، يعني: شر الذين خلقهم أو من شر المخلوقات، فالشر لا ينسب إلى الله سبحانه وتعالى.وللحديث بقية بحول الله تعالى وقوته.

1778

| 15 يناير 2013

تدبر معاني القرآن يمنع السهو في الصلاة

هناك معان ينبغي أن يتدبرها المصلى وهو يقرأ الفاتحة وَغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ - حتى لا يسهو - فإِذَا قُمْتَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ إِلَى الصَّلَاةِ فَوَجِّهْ كُلَّ قَلْبِكَ فِيهَا إِلَى اسْتِحْضَارِ كُلِّ مَا يَتَحَرَّكُ بِهِ لِسَانُكَ مِنْ ذِكْرٍ وَتِلَاوَةٍ. فَإِذَا قُلْتَ: "اللهُ أَكْبَرُ" فَحَسِبَكَ أَنْ تَذْكُرَ فِي قَلْبِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْظَمُ مَنْ كُلِّ عَظِيمٍ، وَأَكْبَرُ مَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْغَلَكَ عَنِ الصَّلَاةِ لَهُ أَوْ فِيهَا شَيْءٌ دُونَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ. وَإِذَا قَرَأْتَ مَا وَرَدَ فِي ذِكْرِ الِافْتِتَاحِ فَلَا تَشْغَلْ نَفْسَكَ بِغَيْرِ مَعْنَاهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا اسْتَعَذْتَ بِاللهِ تَعَالَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ عَمَلًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (16:98) فَتَصَوَّرْ مِنْ مَعْنَى صِيغَةِ الِاسْتِعَاذَةِ أَنَّكَ تَلْجَأُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَتَعْتَصِمُ بِهِ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ الشَّاغِلَةِ عَنِ الصَّلَاةِ وَمَا يَجِبُ فِيهَا مِنَ التَّدَبُّرِ لِكِتَابِهِ وَالْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ تَعَالَى. وَإِذَا قَرَأْتَ الْبَسْمَلَةَ فَاسْتَحْضِرَ مِنْ مَعْنَاهَا: إِنَّنِي أُصَلِّي (بِسْمِ اللهِ) وَلِلَّهِ الَّذِي شَرَعَ الصَّلَاةَ وَأَقْدَرَنِي عَلَيْهَا - قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ"2 - (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ذِي الرَّحْمَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَالْخَاصَّةِ بِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ. - وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 3 - وَإِذَا قُلْتَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فَاسْتَحْضِرْ مِنْ مَعْنَاهَا أَنَّ كُلَّ ثَنَاءٍ جَمِيلٍ بِالْحَقِّ فَهُوَ لِلَّهِ تَعَالَى اسْتِحْقَاقًا وَفِعْلًا، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ الرَّبُّ خَالِقُ الْعَالَمِينَ وَمُدَبِّرُ جَمِيعِ أُمُورِهِمْ (الرَّحْمَنِ) فِي نَفْسِهِ (الرَّحِيمِ) بِخَلْقِهِ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ذِي الْمُلْكِ وَالتَّصَرُّفِ دُونَ غَيْرِهِ يَوْمَ مُحَاسَبَةِ الْخَلْقِ وَمُجَازَاتِهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ فَلَا يُرْجَى غَيْرُهُ، وَإِذَا قُلْتَ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) إِلَخْ فَتَذَكَّرْ أَنَّكَ تُخَاطِبُ هَذَا الرَّبَّ الْعَظِيمَ كِفَاحًا بِمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ صَادِقًا فِيهِ، وَمَعْنَاهُ نَعْبُدُكَ وَحْدَكَ دُونَ سِوَاكَ بِدُعَائِكَ وَالتَّوَجُّهِ إِلَيْكَ (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) نَطْلُبُ مَعُونَتَكَ وَحْدَكَ عَلَى عِبَادَتِكَ وَعَلَى جَمِيعِ شُئُونِنَا، بِالْعِلْمِ بِمَا أَعْطَيْتَنَا مِنَ الْأَسْبَابِ، وَبِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ وَحْدَكَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) دُلَّنَا وَأَوْصِلْنَا بِتَوْفِيقِكَ وَمَعُونَتِكَ إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا زَلَلَ (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بِالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَثَمَرَتِهِمَا وَهِيَ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ، وَتَذَكَّرْ إِجْمَالًا أُولَئِكَ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ " مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ " وَأَنَّ حَظَّكَ مِنْ هَذِهِ الْهِدَايَةِ لِصِرَاطِهِمْ إِنَّمَا يَكُونُ بِالتَّأَسِّي وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَمُرَافَقَتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) فَضْلًا وَإِحْسَانًا مِنْكَ (غَيْرِ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ) بِإِيثَارِهِمُ الْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ، وَتَرْجِيحِهِمُ الشَّرَّ عَلَى الْخَيْرِ (وَلَا الضَّالِّينَ) عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ بِجَهْلِهِمْ (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا). وقد ورد في صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة عن أبيه، عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين. فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل.. إذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين. قال الله: حمدني عبدي. وإذا قال الرحمن الرحيم. قال الله أثنى عليّ عبدي. فإذا قال: مالك يوم الدين. قال الله: مجدني عبدي. وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".. ولعل هذا الحديث الصحيح - بعد ما تبين من سياق السورة ما تبين - يكشف عن سر من أسرار اختيار السورة ليرددها المؤمن سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة أو ما شاء الله أن يرددها كلما قام يدعوه في الصلاة. الدُّنْيَا..هذا وبالله التوفيق وللحديث صلة بحول الله وقوته.

797

| 08 يناير 2013

الدروس المهمة من أحداث الأمة (8)

عظم مسؤولية الحاكم عن عمل وزرائه  وأفراد حزبه ونظامه نتابع استلهام الدروس المهمة  من أحداث الأمة فى أرض الكنانة وغيرها ، فنقول وبالله التوفيق : لقد علم القاصي والداني ، في الخارج والداخل أن المجالس النيابية الأخيرة فى مصر فى آخر عهد الرئيس المخلوع ، قامت على الغش والتزوير - وليست هذه فحسب - وفي الصحيح :"من غشنا فليس منا" وبناء عليه أهدرت كفاءات وكفايات، على مر هذه العقود الثلاثة،وفى عنق ولي الأمر ومن عاونه إثم كل ما ترتب خلال هذا العهد من المفاسد والمظالم، هذه المفاسد والمظالم التي نتجت عن كيفية إدارة البلاد خلال هذه الحقبة، لقد كان بالإمكان أن يتدارك ذلك كله ويتلافاه ، ويتوقاه،منذ أن تعالت الأصوات بهذه الفضائح التي أزكمت الأنوف داخليا وخارجيا، قد كان بالإمكان تدارك الأمر بحل هذه المجالس وإعادة الانتخاب من جديد مع شفافية ومصداقية ، وهو الرابح دنيا وأخري ، ولا سيما عندما تعكس صناديق الاقتراع - بحق ونزاهة - إرادة الشعب ، درءا لهذه المفاسد وحقنا للدماء، التي سالت بغير حق، وصونا لهذه الأموال التي أتلفت ، ونأيا بالبلاد عن هذه الخسائر التي منيت بها البلاد خلال فترة التظاهرات وقبلها ، إعمالا للقاعدة الشرعية ، درء المفاسد ، مقدم على جلب المصالح أمثال هؤلاء الرعاة ، كلت بصائرهم ، ومرضت أهواؤهم، ونغلت نياتهم،وسقمت ضمائرهم، ودويت قلوبهم،ودغلت صدورهم،وفسدت سرائرهم." اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ وقد أوشك حقا وصدقا ، أن يستكمل مدته ، ويستوفي رزقه ، ويتقصي أُكُله ، ويستتم حظه من الحياة ، ويبلغ الميقات ، ويستنفذ معدود أنفاسه ، وأيام أجله، وكأنه قد أطل من نافذة على شعبه ورعيته ، وقد نبهته من رقدته ، وأيقظته من غفوته ، فطالع سيرته فيهم ، فإذا به يجد نفسه وقد فتح عليهم أبواب الظلم ، وأطلق عليهم عقال الجور ، ، وقد أحيا معالم الجور ، وأمات سنن العدل ، وملأ جنبات جمهوريته بسوء طريقته جورا ، وأضرم البلاد بسوء سيرته نارا ، وتأَكَّل رعيته ، واستأكلهم واستأصلهم ، فدحهم بالمؤن المجحفة ، والكلف الباهظة، والنوائب المجتاحة، فإذا هم قد تشعبتهم الهموم ، وتقسَّمتهم الغموم، وتوزَّعتهم الحيرة ، ألا إنه قد خوى نجمه ، وركدت ريحه ، وكبا جواده ، وخمد ضرامه، ونضب ماؤه، وانثلم ركنه، وانهار جرفه ، ورغم أنفه، وسقط بهاؤه، وصفر إناؤه، كم استفزه الشيطان بغروره ، وأغواه واستزله بختله ، واستهواه بكيده، وفتنه بشبهه ونزغه، وضلله بحيله.واحتوى عليه بشدة الجهالة، فصده عن السعادة، واستحوذ عليه الشقاء، فصرفه عن الرشد، واستطرده الحَيْن فأقبل به إلى  التعدي ، واستولى عليه البغي فحال بينه وبين الإنابة ، واعتلاه التطاول فكبحه عن التوفيق، وغلبت عليه النخوة، فربطته عن الرجعة، وأملى له الشيطان ؛ فورَّطه في الغرور، وزيَّن له قبيح عمله، فأضله عن سواء السبيل، وسوَّل له التغرير، فزاغ عن وضح المحجة، وضلله بخدعه فأورده مُخْوِف الموارد، وأطبق خاتم الحرص على قلبه ، فطبعه بغروره."ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا إن هذه النهاية ، جزاء ما اقترف ، ومكافأة ما اجترح ، ومقابلة ما كسب، ومقايضة ما ارتكب.ومن لم ينظر في العواقب لم يسلم من المعاطب.نهاية أشبعه فيها شعبه لوما ، رحم الله الفاروق عُمَرَ الذي كان من دعائه : " اللَّهُمَّ كَبُرَتْ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي وَخَشِيتُ الانْتِشَارَ مِنْ رَعِيَّتِي فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ عَاجِزٍ وَلا مَلُومٍ.وهو دعاؤنا ، ونعوذ بالله من سوء الخاتمة، وسوء العاقبة أقول : إن ولي الأمر العام خلال هذا العهد يتحمل وزر كل من ولَّاه مباشرة أو غير مباشرة من الوزراء والمحافظين ، والمدراء ، وسائر الولاة من الولايات الصغرى ، فى كل موقع ، إذ الواجب عليه شرعا أن يعين ويقدم فى كل ولاية من هذه الولايات والوظائف الأقوم بصلاحها عدلا وأمانة،والقوة والأمانة ركنا الولاية العامة والخاصة ، قال تعالى:"إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" ""قال عفريت من الجن أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ "وقال تعالى في وصف جبريل عليه السلام "إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ   وقال صاحب مصر ليوسف عليه السلام"إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِين قال الإمام الجويني – رحمه الله تعالى في غياث الأمم في التياث الظلم في معرض بيانه " مَا يُنَاطُ بِالْإِمَامِ مِنْ أَشْغَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ ; إِذَا تَبَيَّنَ مَا يَرْتَبِطُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ يَسْتَنِيبُ فِيمَا إِلَيْهِ الْكُفَاةَ الْمُسْتَقِلِّينَ بِالْأُمُورِ، وَيَجْمَعُ جَمِيعَهُمُ اشْتِرَاطُ الدِّيَانَةِ وَالثِّقَةِ وَالْكِفَايَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالشُّغُلِ الْمُفَوَّضِ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - يَجِبُ عَلَيْهِ – أي ولي الأمر - الْبَحْثُ عَنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوِلَايَاتِ مِنْ نُوَّابِهِ عَلَى الْأَمْصَارِ؛ مِنْ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ هُمْ نُوَّابُ ذِي السُّلْطَانِ وَالْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ وَمِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَمُقَدِّمِي الْعَسَاكِرِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَوُلَاةِ الْأَمْوَالِ: مِنْ الْوُزَرَاءِ وَالْكُتَّابِ وَالشَّادِينَ وَالسُّعَاةِ عَلَى الْخَرَاجِ وَالصَّدَقَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي لِلْمُسْلِمِينَ. وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَسْتَنِيبَ وَيَسْتَعْمِلَ أَصْلَحَ مَنْ يَجِدُهُ؛ وَيَنْتَهِي ذَلِكَ إلَى أَئِمَّةِ الصَّلَاةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُقْرِئِينَ وَالْمُعَلِّمِينَ وَأُمَرَاءِ الْحَاجِّ وَالْبَرَدِ وَالْعُيُونِ الَّذِينَ هُمْ الْقُصَّادُ وَخُزَّانِ الْأَمْوَالِ وَحُرَّاسِ الْحُصُونِ وَالْحَدَّادِينَ الَّذِينَ هُمْ الْبَوَّابُونَ عَلَى الْحُصُونِ وَالْمَدَائِنِ وَنُقَبَاءِ الْعَسَاكِرِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَعَرْفَاءِ الْقَبَائِلِ وَالْأَسْوَاقِ وَرُؤَسَاءِ الْقُرَى الَّذِينَ هُمْ " الدَّهَاقِينُ ". فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيمَا تَحْتَ يَدِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَصْلَحَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وقال أيضا "إذَا عُرِفَ هَذَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ إلَّا أَصْلَحَ الْمَوْجُودِ وَقَدْ لَا يَكُونُ فِي مَوْجُودِهِ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِتِلْكَ الْوِلَايَةِ فَيَخْتَارُ الْأَمْثَلَ فَالْأَمْثَلَ فِي كُلِّ مَنْصِبٍ بِحَسْبِهِ وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ التَّامِّ وَأَخَذَهُ لِلْوِلَايَةِ بِحَقِّهَا فَقَدْ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَقَامَ بِالْوَاجِبِ فِي هَذَا وَصَارَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ؛ وَإِنْ اخْتَلَّ بَعْضُ الْأُمُورِ بِسَبَبِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وَيَقُولُ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} وَقَالَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ} فَمَنْ أَدَّى الْوَاجِبَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ فَقَدْ اهْتَدَى : وقال " مِنْ الْمُسْتَقِرِّ فِي فِطَرِ النَّاسِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْعَدْلَ فَهُوَ عَادِلٌ وَمَنْ فَعَلَ الظُّلْمَ فَهُوَ ظَالِمٌ وقال :وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ لِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى الْأَصْلَحُ لِلْوِلَايَةِ إِذَا أَمْكَنَ: [إِمَّا] وُجُوبًا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَإِمَّا اسْتِحْبَابًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَأَنَّ مَنْ عَدَلَ عَنِ الْأَصْلَحِ مَعَ قُدْرَتِهِ - لِهَوَاهُ - فَهُوَ ظَالِمٌ، وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَوْلِيَةِ الْأَصْلَحِ مَعَ مَحَبَّتِهِ لِذَلِكَ فَهُوَ مَعْذُورٌ. وَيَقُولُونَ: مَنْ تَوَلَّى فَإِنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، [وَلَا يُعَانُ إِلَّا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ] ، وَلَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يُعَانُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ . هذا وبالله التوفيق وللحديث صلة بحول الله تعالى وقوته هوامش: الروم:54 القصص: 26 التكوير:19-21 يوسف:54 غياث الأمم في التياث الظلم (160) عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين (المتوفى: 478هـ)  مجموع الفتاوي:28/247 مجموع الفتاوى: 28/ 252 مجموع الفتاوى: 8/128 منهاج السنة النبوية: 1/ 552

526

| 05 يناير 2013

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

5217

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

1920

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1779

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

963

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

891

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

885

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

756

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
بين دفء الاجتماع ووحشة الوحدة

الإنسان لم يُخلق ليعيش وحيداً. فمنذ فجر التاريخ،...

672

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

651

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...

627

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الشريك الرئيسي في إعداد الأجيال القادمة

كل عام، في الخامس من أكتوبر يحتفى العالم...

627

| 05 أكتوبر 2025

أخبار محلية