رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
نواصل حديثنا في هذا المقال عن الأعذار المبيحة للتخلف عن صلاة الجمعة أو الجماعة، فمنها:
(9) رائحة كريهة لم يجد لها مزيلاً كرائحة الثوم أو البصل أو الكراث أو ملابس صناعته إذا كانت كريهة الرائحة، لكيلا يتأذى الناس للحديث الصحيح "مَنْ أَكَلَ ثُوماً أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ". وقال ابن المرابط: ويلحق به من به بخّر في فيه، أو به جرح له رائحة. ومثله جزار له رائحة كريهة منتنة، ونحوه من كل ذي رائحة منتنة كالسباك وعمال المراحيض وأمثالهم، لأن العلة الأذى وكذا من به برص وغيره من الأمراض قياسا على الثوم ونحوه بجامع الأذى.. وعلى من أكل — الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ — وجوباً أن يتجنب تعاطي ما تنتج عنه الرائحة في هذا اليوم، أو أن يستحضر له مزيلاً قبل تعاطيه من مثل تناول قدر من أعواد البقدونس الخضراء، أو بعضا من سفيف القرنفل أو مطحون البن أو قضم تفاحة، أو استعمال معجون أسنان ذي راحة نفاذة قوية تذهب معها رائحة الثوم أو البصل، حيث كان الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما إذا وجدت العلة (الرائحة الكريهة) وجد الحكم بالامتناع عن شهود الجماعة، وإذا فقدت العلة ارتفع الحكم، فمن أمكنه التداوي والمعالجة لهذا العذر فله أجره في حرصه على شهود الجماعة ودعوة الخير
(10) عدم وجود قائد لأعمى لا يهتدي بنفسه فيسقط عنه الحضور لشهود الجمعة ويصليها ظهراً في أي مكان إلا إذا وجد من يقوده أو يحمله متبرعا لزمته الجمعة لعدم تكررها — دون الجماعة — ذلك الحنابلة والمالكية والشافعية — وذلك حتى لا تعظم المشقة على المعذور، والمنة ممن تفضل عليه. وعن عمرو — عبد الله — ابن أم مكتوم. قال: جئت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقلت: يا رسول اللّه أنا ضرير شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: أتسمع النداء؟ قلت: نعم، قال: ما أجد لك رخصة"،. وأخرجه أبو داود. والنسائي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن أم مكتوم، أنه قال: يا رسول اللّه، إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: تسمع حي على الصلاة. حي على الفلاح؟ قال: نعم، قال: فحي هلا. انتهى. ورواه الحاكم في "المستدرك" وصححه، وقد حمله العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشي وحده ككثير من العميان. قال البيهقي: معناه لا أجد لك رخصة تحصل لك — بها — فضيلة الجماعة من غير حضورها، وليس معناه إيجاب الحضور على الأعمى.
(11) حبس فى مكان أو حصر أو خائف من حبس بحق لا يجد له سدادا وحبس المعسر ظلم لقوله تعالى:" لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا "البقرة: 286
(12) مدافعة الأخبثين (البول والغائط) أو الريح لأن ذلك يحول دون كمال الخشوع والطمأنينة في الصلاة، للحديث "لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلاَ هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ ".
(13) حضور طعام تتوقه نفسه لجوع أو عطش شديدين عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ —: "إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَابْدَأُوا بِالْعَشَاءِ، وَلاَ يَعْجَلَنَّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ ". وهذه الأحوال تسقط معها الجماعة وتكون صلاة صاحبها حتى منفردا مكروهة عند أكثر العلماء إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة، وأما إذا ضاق الوقت بحيث لو أكل أو دافع الأخبثين خرج الوقت صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها. وعليه يحمل ما ورد عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِ، عَنْ أَبِيِه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَامَ وَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ." قال النووي في هذه الأحاديث التي وردت في هذا الباب كراهة للصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من اشتغال القلب وذهاب كمال الخشوع وهذه الكراهة إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة فإن ضاق بحيث لو أكل خرج الوقت لا يجوز تأخير الصلاة.
(14) ومن هذه الأعذار — عند الشافعية — ريح السموم الحارة ليلا أو نهارا، والبحث عن ضالة يرجو الظفر بها، والسعي فى استرداد مغصوب تم العثور على غاصبه، والسمن المفرط، والهم المانع من الخشوع، والاشتغال بتجهيز ميت، ووجود من يؤذيه في طريقه أو فى المسجد، وزفاف زوجه إليه فى الصلاة الليلية — وهو كذلك عند الحنابلة — وهذا عند المالكية أيضا مما تسقط به الجمعة والجماعة وقدروا المدة بستة أيام بسبب الزفاف، وكونه يخشى وقوع فتنة له أو به.
(15) من عليه قصاص — بحيث لو ظفر به المستحق أو ولي المقتول لقتله. أو حد قذف — عند الشافعية والمالكية. إذا كان يرجى العفو عنه.
(16) الفلج عند الأحناف.
(17) من هذه الأعذار الزلزلة — نص عليه فى الحاوي — لأن فيها نوع خوف. ويشهد لها حديث ابن عباس حيث جاء فيه (العذر: خوفٌ أو مرضٌ) هذا والمرجو من فضل الله تعالى، أن يحصل ثواب وفضل الجماعة والجمعة لمن تخلف عنها أو انقطع لعذر من أعذارها الشرعية المبيحة للتخلف عنها. هذا على أداء الصلاة في جماعة المسجد، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا " وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه اللَّه عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) فكل من نوى الخير وفعل ما يقدر عليه منه كان له — إن شاء الله تعالى — كأجر فاعله ولا حرج على فضل الله تعالى. ومع بياننا لهذه الأعذار فلا يعنى ذلك إيجاد سبيل أو رخصة للتنصل من جماعة الصلاة، ففضلها لا يقادر قدره، كما فى الصحيح، أما من تخلف عن جماعة الصلاة في المسجد وصلى فى بيته أو حيث يجلس — حتى من أصحاب هذه الأعذار — برفيقه أو زوجه أو ولده، حاز — إن شاء الله تعالى — فضيلة الجماعة إلا أنها فى المسجد أفضل وأعظم أجرا، ومن العلماء من اعتبر المنفرد بصلاته مع إمكانه الصلاة في جماعة اعتبره عاصيا — والله أعلم — ولم تفت رسول الله — صلى الله عليه وآله وسلم — فيما نعلم صلاة جماعة واحدة من الصلوات إلا ما أشرنا إليه من المرض لبيان الرخصة والجواز وهو المبين عن الله تعالى صلوات ربي وسلامه عليه. والله أعلى وأعلم وأحكم.
في منتدى الدوحة 2025 وسط حضور كبير تجاوز ستة آلاف شخص وفي التنوع في الجلسات الحوارية التي ناقشت... اقرأ المزيد
129
| 17 ديسمبر 2025
تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
وصلت صباحا وكلي همة وتفكير من أين سوف أبدأ، فإذا بي أدخل المكتب وأجد مكتب زميلتي ليس على... اقرأ المزيد
150
| 17 ديسمبر 2025
قطر.. قصة وطن يتألّق في يومه الوطني
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تكون دولة قطر على موعدٍ مع ذاكرتها الوطنية، وتفتح صفحات... اقرأ المزيد
90
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
813
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025