رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أعضاء فريق السيسي في الإجرامبئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد.العضو الثالث : الساكتون على جرائم فريق الانقلابجاء عن بعض السلف: أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، والمتكلم بالباطل شيطان ناطق" هذا نوع آخر من الشياطين قال ابن القيم - رحمه الله تعالي-: " وليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة، بل بالقيام مع ذلك بالأمور المحبوبة لله، وأكثر الديَّانين لا يعبأون منها إلا بما شاركهم فيه عموم الناس، وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ورسوله وعباده، ونصرة الله ورسوله وكتابه ودينه، فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم، فضلًا عن أن يريدوا فعلها، وفضلًا عن أن يفعلوها، - ومعنى ذلك السكوت على هذه الجرائم وهو محل الشاهد - وأقل الناس دينًا، وأمقتهم إلى الله من ترك هذه الواجبات وإن زهد في الدنيا جميعها، وقلّ أن ترى منهم من يحمرّ وجهه، ويتمعَّر في الله، ويغضب لحرماته، ويبذل عرضه في نصرة دينه، وأصحاب الكبائر أحسن حالًا عند الله من هؤلاء" عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص: 147).والأصل في جريمة هذا العضو قوله تعالى " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " المائدة : (78) -(79) هذه الآيات الكريمة نص فى تجريم الساكت عن الحق، قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسير هذه الآية جـ 2ص155: "أي كانوا يفعلون المنكر ولا ينهى بعضهم بعضًا، فيشترك بذلك المباشر وغيره، الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك، وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله، وأن معصيته خفيفة عليهم، فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه ولغضبوا لغضبه". اه إن السكوت على ظلم الظالم من أعظم أسباب عقوبة الله تعالى، وعدم استجابة الدعاء كما في حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً "وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ" . سنن الترمذى برقم (2323) وهو صحيح لغيره وعَنْ قَيْسٍ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ". وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ هُشَيْمٍ وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ "مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِى ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ" سنن أبى داود برقم (4340) وهو صحيح، ومن الخطأ الشائع الظن بأن فساد السلطة نتيجة لفساد الرعية، والعكس أولى بالصواب- فالناس على دين ملوكهم - غير أن الرعية تعاقَب على سكوتها عن ظلم السلطان، ورضاها به، باستدامة ذلك الظلم عليهم جزاء وفاقاً، ولا يظلم ربك أحداً. ولذا كان سيد الشهداء من أنكر على السلطان فساده فقتله " الحسبة لابن تيمية ت الشحود بتصرف يسير(ص: 133)خطورة وضرر السكوت على الظلم والإجرامفإن السكوت عن ذلك كله حرام، وَحُرْمَةِ السُّكُوتِ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ إظْهَارِ الْحَقِّ وَتَرْكٌ لِلْوَاجِبِ احْتِشَامًا لِلْغَيْرِ، ولِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْبَاطِلِ يُوهِمُ الْجَوَازَ، ولأنه يجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. ولأن السكوت فيه خذلان وتخذيل لإخوانهم الذين لم يأخذهم فى الله لومة لائم فجهروا بالحق وصدعوا بالشرعية، والمسلم - كما فى الصحيح - أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يُسلمه " ولَا يَنْبَغِي لعين مُؤمنَة ترى مَن يعْصى الله تَعَالَى فَلَا تُنكر عَلَيْهِ، وكل من رأى سيئة وسكت عليها، فهو شريك في تلك السيئة، فكل من يُشاهد جرائمهم فى أي مكان فى العالم ويسكت فهو شريك لهم بمشاهدته وعدم تغييره ما رأي من المنكر بواحد من مراتب تغيير المنكر الثلاثة المستطاعة . فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظَهْرَ الْمُؤْمِنِ , وَمَنْ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ رَغِمَ أَنْفُ الْمُنَافِقِ , وَمَنْ صَبَرَ فِي الْمَوَاطِنِ قَضَى الَّذِي عَلَيْهِ , وَمَنْ غَضِبَ لِلَّهِ وَشَنَأَ الْفَاسِقِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ.يقول الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى - ومتى سكت أهل الحق عن بيان أخطاء المخطئين، وأغلاط الغالطين لم يحصل منهم ما أمرهم الله به من الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعلوم ما يترتب على ذلك من إثم الساكت عن إنكار المنكر وبقاء الغالط على غلطه، والمخالف للحق على خطئه، وذلك خلاف ما شرعه الله سبحانه من النصيحة والتعاون على الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والله ولي التوفيق ".والأصل في تجريم السكوت على ظلم الظالم وجرائم المجرم التي وقع فيها هذا العضو من أعضاء فريق الإجرام من السنة النبوية المطهرة...في صحيح البخاري وجامع الترمذي عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَثَلُ الْقَائِمِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَصَارَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، وَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا، إِذَا اسْتَقَوا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا فَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوا وَنَجَوا جَمِيعًا" هذا الحديث مثل ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم للاعتبار والتفكر والانتقال إلى نظيره وشبيهه، من فوائد هذا الحديث: أن شركاء السفينة إذا سكتوا عمن أراد خرقها كانوا هم وإياه في الهلاك سواء، ولم يتميز المفسد في الهلاك من غيره، ولا الصالح منهم من الطالح، كذلك إذا سكت الناس عن تغيير المنكر عمهم العذاب ولم يميز بين مرتكب الإثم وغيره، ولا بين الصالح منهم وغيره، ومن سكت عن خرق الشريك السفينة مع استطاعته حتى غرق، آثم فيما نزل به، وعاص بقتل نفسه، كذلك الساكت عن إنكار المنكر آثم بسكوته، عاص بإهلاك نفسه .سكوت شركاء السفينة عن الشريك الذي أراد فسادها سبب هلاكهم في الدنيا، كذلك سكوت المسلمين عن الفاسق وترك الإنكار عليه سبب هلاكهم في الآخرة، بل في الدنيا، وأيضا من الأدلة النبوية على تجريم هذا العضو حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ، فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ، فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ "، ثُمَّ قَالَ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [ص:122] عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إِلَى قَوْلِهِ {فَاسِقُونَ} [المائدة: 81]، ثُمَّ قَالَ: "كَلَّا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا" سنن أبي داود (4/ 122) (4336) حسن.وعن ابن عباس قال: قيل: يا رسول الله؛ أتهلك القرية وفيها الصالحون؟، قال: ((نعم))، قيل: بم يا رسول الله؟. قال: ((بتهاونهم وسكوتهم على معاصي الله)). أخرجه البزار والطبراني، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا رَأَيْتُمْ أُمَّتِي لَا تَقُولُ لِلظَّالِمِ: أَنْتَ ظَالِمٌ، فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ " السنن الكبرى للبيهقي (6/ 158) (11516) صحيح لغيره، وقال تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [النساء: 148]والساكتون على هذه الجرائم ومجرميها، كُثُر من طوائف وأفراد الشعب والأمة، ويأتي فى مقدمتهم الدعاة والخطباء والأئمة والمدرسون والوعاظ والمفكرون والكتاب والأدباء الذين آتاهم الله الكتاب وأخذ عليهم العهد أن يبينوه للناس ولا يكتمونه فهؤلاء هم هداة الأمة ومرشدوها وهم المطالبون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهم إذًا المسئولون بعد الأمراء الذين بيدهم الحل والعقد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، ولقوله أيضًا: (ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة) إلى غير ذلك من الآثار الكثيرة، فوجه مسئولية هذه الشرائح كلها فى هذه الجرائم التي تُرتكب – ولا زالت - هي أنهم عدلوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى التزلف والتملق لركاب كابينة سفينة الانقلاب التى يؤذن الله تعالى الحق بغرقها ونجاة أرض الكنانة وشعبها، عدل هؤلاء بسكوتهم عن الإرشاد الصحيح إلى التضليل، وعدم مواكبتهم بموضوعاتهم أحداث الساعة وبيان الحق فيها الأرضي لله تعالى ورسوله صلوات الله وسلامه عليه، واستمع إلى قول الحق تبارك وتعالى:" لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" المائدة : (63).قال القرطبي في تفسير هذه الآية جـ6 ص 237: "دلت الآية على أن تارك النهي عن المنكر كمرتكب المنكر فالآية توبيخ للعلماء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".أقول : صلوات وسلامه على النبي المصطفى المختار كان له منبر واحد، درجاته من الخشب لا مزخرفات ولا منقوشات، فأسمع منه الدنيا كلها صوت الحق، دعاها فلبَّت، وأمرها فأطاعت، وعندنا اليوم آلاف بل ألوف المنابر، فيها النقش البارع والزخرف الرائع يعلوها الخطباء فينادون (يا أيها الناس اتقوا الله). فلا يتقي أحد، لأن الخطيب ما قال إلا بلسانه، والمصلي ما استمع إلا بأذنه قد فسد العلماء فهم يعلمون ولا يعملون، ويُزهِّدون فى الدنيا ولا يزهدون، ويقولون (الساكت عن الحق شيطن أخرس). ويسكتون، ويتلون (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) ويذلون للوزراء والأغنياء والسلاطين. فسد العلماء ففسد الناس فمن أين ينتقى الصلاح؟.إن سكوتهم هؤلاء – الذين أشرنا إليهم - على هذه الجرائم التى تُرتكب ولا زالت إنما هو فى الحقيقة تركٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا بخلاف ما شهد اللَّه به لهذه الأمَّة من أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وتجد كثيراً من الصحف والمجلات والقنوات والمواقع تنادي زوراً وبهتاناً بحقوق الإنسان وبالعدالة وبالديمقراطية وغير ذلك، بينما تغض الطرف وتكسر الأقلام وتكمم الأفواه عندما يكون هناك أمر متعلق بالمسلمين، فلتجر الدماء سيولاً ولتزهق الأرواح بالآلاف ولا شيء في ذلك !!!!!، ولتنتهك حقوق الدعاة والعلماء والمنادين بالشرعية، ومع ذلك تصدر الصحف في بلاد المسلمين صباح مساء ليس فيها حتى إشارة، وإنما تجد فيها إثارة وتعدِّياً واستعداءً وتهييجاً للعقول وصرفها عن إدراك مثل هذه المخاطر والجرائم، والأمر في هذا بين واضح، وفي المقابل تجد أن إذاعات وصحف ومواقع وقنوات الكفر أحياناً تخبر بكثير من الوقائع والفظائع التي تحصل للمسلمين، وحسب ذلك بعداً للكلمة الحرة الصادقة فى ديارنا، وحسبه أيضاً إهانة للكلمة التي لا تستطيع أن تكون عادلة. فى بلاد الوحيين.ذكر ابن أبي الدنيا: "أن الله أوحى إلى يوشع بن نون، إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم، وستين ألفاً من شرارهم، قال: يا رب، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، وكانوا يُواكلونهم ويُشاربونهم". وذكر ابن عبد البر وغيره: "أن الله تعالى أمر ملكاً من الملائكة أن يخسف بقرية، فقال: يا رب، إن فيهم فلاناً الزاهد العابد، قال: به فابْدأ، وأسمعني صوته، إنه لم يتمعَّر وجهه فيّ يوماً قط". فالنجاة عند نزول العقوبات، هي لأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ" الأعراف: 165] .وذكر ابن أبي الدنيا عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: " لَمَّا أَصَابَ دَاوُدُ الْخَطِيئَةَ، قَالَ: يَا رَبِّ، اغْفِرْ لِي، قَالَ: قَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ، وَأَلْزَمْتُ عَارَهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: كَيْفَ يَا رَبِّ؟، وَأَنْتَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ لَا تَظْلِمُ أَحَدًا، أَعْمَلُ الْخَطِيئَةَ وَتُلْزِمُ عَارَهَا غَيْرِي؟، فَأَوْحَى اللَّهُ: يَا دَاوُدُ، إِنَّكَ لَمَّا اجْتَرَأْتَ عَلَيَّ بِالْمَعْصِيَةِ، لَمْ يُعَجِّلُوا عَلَيْكَ بِالنَّكِيرِ " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا (ص: 109).إِنَّ الدِّينَ هُوَ الْقِيَامُ لِلَّهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ، وَتَارِكُ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ – ومن ذلك إنكار المنكر على مرتكبه - أَسْوَأُ حَالًا عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - صلوات الله وسلامه - مِنْ مُرْتَكِبِ الْمَعَاصِي؛ فَإِنَّ تَرْكَ الْأَمْرِ أَعْظَمُ مِنْ ارْتِكَابِ النَّهْيِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَجْهًا ... وَأَيُّ دِينٍ وَأَيُّ خَيْرٍ فِيمَنْ يَرَى مَحَارِمَ اللَّهِ تُنْتَهَكُ وَحُدُودَهُ تُضَاعُ وَدِينَهُ يُتْرَكُ وَسُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرْغَبُ عَنْهَا وَهُوَ بَارِدُ الْقَلْبِ سَاكِتُ اللِّسَانِ؟ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ، كَمَا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِالْبَاطِلِ شَيْطَانٌ نَاطِقٌ، وَهَلْ بَلِيَّةُ الدِّينِ إلَّا مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إذَا سَلَّمْت لَهُمْ مَآكِلَهُمْ وَرِيَاسَاتِهِمْ فَلَا مُبَالَاةَ بِمَا جَرَى عَلَى الدِّينِ؟، وَخِيَارُهُمْ الْمُتَحَزِّنُ الْمُتَلَمِّظُ، وَلَوْ نُوزِعَ فِي بَعْضِ مَا فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَيْهِ فِي جَاهِهِ أَوْ مَالِهِ بَذَلَ وَتَبَذَّلَ وَجَدَّ وَاجْتَهَدَ، وَاسْتَعْمَلَ مَرَاتِبَ الْإِنْكَارِ الثَّلَاثَةِ بِحَسَبِ وُسْعِهِ. وَهَؤُلَاءِ الساكتون رغم إمكان الله تعالى على التغيير - مَعَ سُقُوطِهِمْ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ وَمَقْتِ اللَّهِ لَهُمْ - قَدْ بُلُوا فِي الدُّنْيَا بِأَعْظَمَ بَلِيَّةٍ تَكُونُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَهُوَ مَوْتُ الْقُلُوبِ؛ فَإِنَّهُ الْقَلْبُ كُلَّمَا كَانَتْ حَيَاتُهُ أَتَمَّ كَانَ غَضَبُهُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ أَقْوَى، وَانْتِصَارُهُ لِلدِّينِ أَكْمَلُ.وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ أَثَرًا "أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْحَى إلَى مَلِكٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَنْ اخْسِفْ بِقَرْيَةِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ وَفِيهِمْ فُلَانُ الْعَابِدُ؟ فَقَالَ: بِهِ فَابْدَأْ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَمَعَّرْ وَجْهُهُ فِي يَوْمًا قَطُّ".وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ "أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْحَى إلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ أَنْ قُلْ لِفُلَانٍ الزَّاهِدِ: أَمَّا زُهْدُك فِي الدُّنْيَا فَقَدْ تَعَجَّلْت بِهِ الرَّاحَةَ، وَأَمَّا انْقِطَاعُك إلَيَّ فَقَدْ اكْتَسَبْت بِهِ الْعِزَّ، وَلَكِنْ مَاذَا عَمِلَتْ فِيمَا لِي عَلَيْك؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ لَك عَلَيَّ؟ قَالَ: هَلْ وَالَيْت فِي وَلِيًّا أَوْ عَادَيْت فِي عَدُوًّا" ؟ إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 121).تَكَلَّمَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيّ يَوْمًا فِي الْجِهَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: هَذَا وَاجِبٌ قَدْ وُضِعَ عَنَّا، فَقَالَ: هَبِي أَنَّهُ قَدْ وُضِعَ عَنْكُنَّ سِلَاحُ الْيَدِ وَاللِّسَانِ، فَلَمْ يُوضَعْ عَنْكُنَّ سِلَاحُ الْقَلْبِ، فَقَالَتْ: صَدَقْت جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا. إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 120)، ومما يقتل النفس حسرة سكوت الساكتين القادرين على التغيير ولو بقلوبهم، وهذا السكوت إما أن يكون هيبة وخوفا أو توقيرا أو خوف فتنة متوهمة أو اشتباه.ولِرَد هذه البواعث نقول عن السكوت هيبة وخشية " وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ" الأحزاب :37، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ، إِذَا رَأَى لِلَّهِ أَمْرًا حَقَّ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: خَشِيتُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: إِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى".وإذا كان السكوت خوف الفتنة فإن السكوت على هذه الجرائم هو فى حد ذاته فتنة للأضرار التي تترتب على هذا السكوت الآثم كما وضحنا سابقا." أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا " التوبة :49، وإذا كان باعث السكوت الخوف على الرزق أو الأجل فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ، أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ"وأخيرا: دفع شبهة ورد إلتباسكيف يؤخذ المحسنون بظلم الظالمين، والله سبحانه وتعالى يقول: "وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى؟" (18: فاطر)، ويقول سبحانه: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ؟" (105: المائدة) .. ويقول: "وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" .. فكيف يكون مع المتقين ثم يأخذهم بما أخذ به الظالمين؟.والجواب- والله أعلم-:أولا: أن سكوت غير الظالمين عن الظالمين هو وزر، له عقابه، فهم وإن لم يظلموا أحدا، فقد ظلموا أنفسهم بحجزها عن هذا المنطلق الذي تنطلق منه إلى رضوان الله، وإلى حماية أنفسهم وحماية المجتمع الذي هم فيه مما يشيعه الظالمون من فساد وضلال، وشر مستطير.وثانيا: أن قوله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ" هو حماية للمؤمنين من أن يجرفهم تيار المفسدين، وأن يسلموا زمامهم لهم، ويسلكوا معهم الطريق الذين سلكوه حين يستشرى الفساد ويغلب المفسدون.. فهنا يكون واجب المؤمن حيال نفسه أن يحميها أولا من هذا الوباء، وأن يمسك عليه دينه حتى لا يفلت منه فى زحمة هذا الفساد الزاحف بخيله ورجله..ومع هذا، فإنه لن يعفى المؤمنين استشراء الشرّ من أن يقوموا بما يجب عليهم فى تلك الحال، من النصح، والتوجيه، والدعوة إلى الله، فهم أساة المجتمع لهذا الوباء الذي نزل به.. فإذا قصّروا في أداء هذا الواجب كانوا بمعرض المؤاخذة والجزاء..وثالثا: قوله تعالى: "وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" هو توكيد لما يجب على المؤمنين من التناصح، والتناهي عن المنكر فيما بينهم، وإلا لم يكونوا من المتقين، ولم يحسبوا فيهم.. إذ كيف يكون المؤمن ممن اتقى الله، وهو يرى المنكر ولا ينكره، ويرى الظلم ولا يقف فى وجهه؟ورابعا: إن المجتمع الإنساني جسد واحد، وما يصيب بعضه من فساد وانحلال، لا بد أن يتأثر به المجتمع كله، كما يتأثر الجسد بفساد عضو من أعضائه وإنه كما يعمل المجتمع على حماية نفسه من الأمراض المعدية والآفات الجائحة، فيحشد كل قواه لدفع هذا الوباء، بتطبيب المرضى أو عزلهم- كذلك ينبغي أن يعمل على إخماد نار الفتن المشبوبة فيه، والضرب على أيدي مثيريها. وإلا امتد إليهم لهيبها، والتهمتهم نارها.. فحيث كان شر، فإنه لا يصيب من تلبّس به وحده، بل لا بد أن ينضح منه شيء على من حوله.. فكان من الحكمة دفع الشر ومحاربته في أي مكان يطل بوجهه منه، هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الخلل والخطأ والزلل في القول والعمل.
2478
| 03 نوفمبر 2013
حُرْمَةَ الدِّمَاءِ فَوْقَ حُرْمَةِ الْأَمْوَالِ; لِأَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْعَبْدَ يَسْرِقُ مَالَ مَوْلَاهُ فَلَا يُقْطَعُ , وَإِنْ كَانَ قَدْ سَرَقَهُ مِنْ حِرْزٍ، وَرَأَيْنَاهُ يَقْتُلُ مَوْلَاهُ عَمْدًا فَيُقْتَلُ، فَكَانَ الدَّمُ فِي الْحُرْمَةِ أَغْلَظَ مِنَ الْمَالِ فِي الْحُرْمَةِ.والْعُقُوبَةُ فِي انْتِهَاكِ الدِّمَاءِ الْمُحَرَّمَةِ بِالْمِلَّةِ وَبِالذِّمَّةِ سَوَاءً فعُرِفَ مِنْ ذلك رُجْحَانِ حُرْمَةِ الدِّمَاءِ عَلَى الْأَمْوَالِ. فى الصحيح كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ" صحيح مسلم كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ بَابُ تَحْرِيمِ ظُلْمِ الْمُسْلِمِ، وَخَذْلِهِ، وَاحْتِقَارِهِ وَدَمِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَالِهِ.وفى الصحيح أيضا " إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ" صحيح البخاري بَابُ فَضْلِ العِلْمِ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ".لعلك تلاحظ أن النبي صلوات الله وسلامه عليه ، قد بدأ فى هذين النصين بالدماء مما يدل على ما قررناه من أن حرمة الدماء فوق كل الحرمات.ويشهد لشدة الأمر في القتل العمد ما في الصحيح من قَول ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأمُورِ الَّتِى لا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ[1] والمعنى : أَي ذَنْب وَقع كَانَ لَهُ فِي الدّين وَالشَّرْع مخرج إِلَّا الْقَتْل، فَإِن أمره صَعب والورطات جمع ورطة: وَهِي كل بلَاء لَا يكَاد صَاحبه يتَخَلَّص مِنْهُ. يُقَال: تورط واستورط[2].قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْبَهِيمَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْوَعِيدُ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ بِقَتْلِ الْآدَمِيِّ فَكيف بِالْمُسلمِ فَكَيْفَ بِالتَّقِيِّ الصَّالِحِ، إن شأن القتل – بغير حق - في الإسلام عظيم، ولو لغير مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا" صحيح البخاري كِتَابُ الجِزْيَةِ بَابُ إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ جُرْمٍ وفى رواية أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا" سنن ابن ماجه كِتَابُ الدِّيَاتِ بَابُ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا فِي عَهْدِهِ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ من مسيرة خمس مائة عام" الإحسان في تقريب صحيح ابن حبانقال الحسن البصري – رضي الله عنه - يَا سُبْحَانَ اللَّهِ الثلاثة الذين خُلِّفوا مَا أَكَلُوا مَالًا حَرَامًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ أَصَابَهُمْ مَا أصابهم وَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ فَكَيْفَ بِمَنْ يُوَاقِعُ الْفَوَاحِشَ وَالْكَبَائر قلت وأعظمها بعد الشرك بالله تعالى قتل النفس المعصومة بغير حق. فهي أشد حرمة من الكعبة.لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: "رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: مَا أَطْيَبَك وَمَا أَطْيَبَ رِيحَك، مَا أَعْظَمَك وَمَا أَعْظَمَ حُرْمَتَك، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَتِك مَالِهِ وَدَمِهِ". ابْنُ مَاجَهْ.لهذا وغيره نقول بلا ترد – إن شاء الله تعالى – بحرمة نشر وإذاعة وتسجيل وترويج أغنية " تسلم الأيادى " لأنها تشجيع على الحرام من سفك الدماء المحرمة , وإزهاق الأرواح البريئة وقتل الأنفس المعصومة ، وقتل غير القاتل ، ولما كانت القاعدة أن ما أدَّى إلى حرام فهو حرام ، والوسائل تأخذ أحكام المقاصد كان إذاعة هذه الأغنية حرام ، ولا سيما أنه قد عرف الداني والقاصي مناسبة هذه الأغنية ، بعد الاعتداء الغاشم والأثيم على المتظاهرين والمعتصمين فى كل ميادين أرض الكنانة ، وقد قتل الآلاف من أبناء مصر حرقا وخنقا وصعقا ودهسا وقنصا وحسرة بغير جريرة إلا المطالبة بالشرعية وإحقاق الحق ورد البغي ، فتزامن إعداد وتلحين وإذاعة هذه الأغنية ، ليرددها من لم يحترق لهم كبد على حبيب ولا عزيز ، من أب أو أخ أو جار أو صديق أو ولي حميم أو فلذة كبد ، ومن لم تزرف لهم عين دمعة أسفا على حق مضاع أو كرامة مُهانة ، والواجب شرعا إنكار هذا المنكر لا إقراره ، وذم مرتكبي هذه الجرائم لا مدحهم ، ومن مقررات الشريعة أن الإعانة على المحظور محظورة، والإعانة على المعصية معصية، وكل ما أدي إلى حرام فهو حرام.الأدلة التى استُنْبِط منها الحكم هنا فضلا عن قاعدة " الإعانة على الحرام حرامأولا: من القرآن الكريم الله تعالى يقول1-: " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"[3] ونشر وإذاعة وترويج هذه الأغنية تعاون على الإثم والعدوان وليس تعاونا على البر والتقوي.2- ومن الأدلة على ذلك أيضا قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا عدوا بغير علم}فإنه نهى عن سب الأصنام لكونه ذريعة إلى سب عابديها فيسبوا الله.3- وقوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} . فنهاهم عن قربانها لأن القرب من الشيء ذريعة للوقوع فيه كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه.ثانيا: من السنة النبوية المطهرة1- حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: أَتَانِي جِبْرِيل فَقَال: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُسْتَقِيَهَا "[4] ووجه الدلالة الإعانة على الحرام2- وَلِحَدِيثِ " مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَل، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ"[5] ووجه الدلالة الإعانة والتشجيع على الإثم والعدوان3- وَحَدِيثُ " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَال: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ"[6]4- أخرج الطبراني والبيهقي من طريق محمد بن أحمد بن أبي خيثمة عن بريدة مرفوعا: "من حبس العنب آيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو من نصراني أو ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار على بصيرة" زاد البيهقي: "أو ممن يعلم أنه يتخذه خمرا" وحسنه ابن حجر في بلوغ المرام.5- ومن الأحاديث الصحيحة الدالة على أن ذريعة الحرام حرام، قوله صلى الله عليه وسلم: {إن من العقوق شتم الرجل والديه. قالوا يا رسول الله هل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه) فقد جعل صلى الله عليه وسلم ذريعة السب سباً، وهو واضح في أن ذريعة الحرام حرام.هذه نصوص قرآنية ونبوية ناطقة روحها بحرمة الإعانة على محرم فى الشريعة الإسلامية , هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل.هوامش:[1] [شرح صحيح البخارى لابن بطال 8/ 491][2] [كشف المشكل من حديث الصحيحين 2/ 590][3] المائدة: 2[4] أخرجه أحمد والحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، كما قال أحمد شاكر محقق المسند: إسناده صحيح (مسند أحمد بن حنبل 4 / 322 ط دار المعارف بمصر، والمستدرك 4 / 45)[5] أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا، وقال الحافظ البوصيري في الزوائد: في إسناده يزيد بن أبي زياد، بالغوا في تضعيفه، حتى قيل كأنه حديث موضوع. (سنن ابن ماجه 2 / 874 ط عيسى الحلبي، وفيض القدير 6 / 72 ط المكتبة التجارية)[6] أخرجه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا (فتح الباري 5 / 98 ط السلفية)
739
| 30 أكتوبر 2013
السيسي في 100 يوم قتل آلاف المتظاهرين والمعتقلين " قنصا" و"حرقا "و"خنقا " و"دهسا" "وجرْفًا" و"صعقا" بالكهرباء في رابعة والنهضة والمنصة والحرس الجمهوري ورمسيس وفي سيارة الترحيلات وفي العديد من المحافظات كما قتل عددا من المواطنين "حسرة" على ذويهم الذين استشهدوا. أو لم يعرفوا لهم طريقا ، أو لم يعثروا لهم على أثر حتى فى أكوام نفايات الداخلية والقوات المسلحة ، وكم هى القنوات التى أغلقت وقُطع عنها الإرسال ، وشارة البث عبر الأثير من خلال التواطؤ المفضوح ، وكم هى القنوات التي تُمَجِّد الحرام من قتل الأنفس البريئة والأرواح المعصومة ونهب وإتلاف الممتلكات الخاصة ومقرات مُشْهرة رسمية، فقد أُرخي الحبل على الغارب لهذه القنوات بينما أُلجمت أفواه الناطقين بالحق والحقيقة ، بل غُيِّب أصحابها وحيل بينهم وبين كشف سوءات الانقلابين ، إن لم يتم اغتيالهم ، فقد قتل 9 صحفيين في ظرف 100 يوم ، ولم يسبق فى تاريخ مصر أن قتل مثل هذا العدد ، حتى في سوريا , التى تدور رحى المعركة فيها بالصواريخ والمدفعية والأسلحة الثقيلة، لم نسمع عن مقتل هذا العدد من الصحفيين فى مثل تلك المدة الوجيزة ,فضلا عن اعتقال قرابة 40 صحفي ، وأغرب اتهام يوجه لمصور صحفي هو حيازة كاميرا، كما يُوجَّه لرجل اتهام بأنه أنجب ذرية من خلال زواجه من امرأة ولود. هذا فيض من غيض ، وقليل من كثير ، وما ذُكر دليل على ما لم يُذكر، وكما قيل بلاغيا وحذف ما يُعلم جائز ، ولعل القارئ الكريم يُراجع المقالة التى دبجها يراعة قلم أحد الكتاب تجميعا لصور الواقع الأليم الذي تحياه أرض الكنانة ، مما يُؤهل قائد الانقلاب الذي تولى كِبره ، لِأن يدخل يدخل موسوعة جينيس العالميةولهذا القائد فريق لولاه ما كان ليقوم بهذا المسلسل من الإجرام لولا التعاون المُحَرَّم على الإثم والعدوان وقد سبق أن أشرنا إلى عضو من أعضاء هذا الفريق وهو المعترفون لهم بشرعية زائفة باطلة ، على حساب الشرعية الحقة ، والتى في أعناق الشعب المصري لها بيعة ، وبينه وبين هذه الشرعية الحقة عقد وعهد كان من الواجب شرعا أن يتم هذا العهد إلى مدته لولا غدر الغادرين ، ونكث الناكثين ، وخيانة الخائنين، وتآمر الكارهين ، وحقد الماكرين ، وتعصب الشانئين ، والله غالب على أمره وبالغ أمره ، ولله في خلقه شؤون ، وهنا نُقدم عضوا جديدا من أعضاء هذا الفريق ، ألا وهوالعضو الثاني : المطيعون للانقلابيين من أصحاب الوظائف التي يستقوون بها فى مفاصل الدولةفالذين اتبعوا الانقلابيين وأطاعوهم واستمروا فى أعمالهم من أصحاب الوظائف التى يستقوي بها الانقلابيون في مختلف الوزارات والإدارات والهيئات والمجالس والنقابات والنوادي في كافة الحرف والوظائف والمهن، ولم ينفضوا عنهم ، هؤلاء وأمثالهم ونظراؤهم وأشباههم شركاء للطغاة والظلمة فى بغيهم وظلمهم فى معصية الله تعالى والإفساد في الأرض ، فى إطاعتهم لأوامرهم وتنفيذهم لتعليماتهم التي بها يقع الإفساد والظلم والبغي والتمكين للانقلابيين المفسدين والأصل عدم الطاعة لقوله تعالى: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ "} [الشعراء: 151 - 152] هذه دعوة إلى اعتزال السلطة الظالمة الجائرة وعدم العمل لها أو معها ولاسيما الأعمال التي تعين وتمكن للظالمين ـ فهذا نوع من المقاومة السلبية والمقاطعة الكلية فقد نعى القرآن الكريم على من اتبعوا الجبابرة وأطاعوهم في قوله تعالى: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [هود: 59]، والجبار في لغة العرب الملك والطاغية واتباع أمرهم هو طاعتهم، وكما في قوله تعالى: {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] والقرآن الكريم عندما وجَّه التهمة ، لم يقتصر على الحاكم الظالم ؛ فحسب بل جمع بين الحاكم الظالم ، وبين الوزير الآمر بالظلم ؛ والجندي القائم بمباشرة الظلم فقال عز من قائل " إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ" القصص (8) ، والمسلم أو المواطن الصالح المحب لوطنه تأبى نفسه قبول ظلم الحاكم الجائر ، وفساد الوزير الفاسد ، وبطش الجندي الغاشم ، فضلا عن معاونته ، بل يخرج مطالبا بالكرامة وعزة المؤمن ولا يكون عاصيا ولكن العاصي رأس هؤلاء الطغمة الفاسدة وأعوانه ، عن بِشْرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَسَارٍ السُّلَمِيِّ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَبْعُدَنَّ عَلَيْكُمْ، وَلَا يَطُولَنَّ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَتْهُ مَنِيَّتُهُ فَقَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ قِيَامَتُهُ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزِيدَ فِي حَسَنٍ، وَلَا يَعْتِبَ مِنْ سَيِّئٍ، أَلَا لَا سَلَامَةَ لِامْرِئٍ فِي خِلَافِ السُّنَّةِ، وَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، أَلَا وَإِنَّكُمْ تُسَمُّونَ الْهَارِبَ مِنْ ظُلْمِ إِمَامِهِ الْعَاصِي، أَلَا وَإِنَّ أَوْلَاهُمَا بِالْمَعْصِيَةِ الْإِمَامُ الظَّالِمُ»[1] هذه نصوص تؤكد أن حق السلطة بالطاعة إنما هو منوط بما كان معروفا أنه طاعة لله، وبهذا سبق الإسلام جميع القوانين البشرية في تقييد حق السلطة في الطاعة، وأنها ليست طاعة مطلقة، ولا طاعة لذات السلطة، ولا طاعة عمياء ، وأن السلطة تفقد حق الطاعة عندما تأمر بالمنكر أو الظلم. " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " النساء (59) ، ومن بلاغة التعبير القرآني أنه لم تتم إعادة فعل الأمر " وَأَطِيعُوا " مع أولى الأمر للإشعار بألا طاعة لهم مستقلة عن طاعة الله تعالى ورسوله صلوات الله وسلامه عليه ، فيحرم إعانة السلطة الجائرة بطاعتها فيما حرم الله ولذا يجب عصيان أوامرها ـ بل العصيان المدني لها فريضة حتى يُحق الله الحق ويُبطل الباطل في الحديث الصحيح عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا، فَأَوْقَدَ نَارًا، وَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: «لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ قَوْلًا حَسَنًا، وَقَالَ: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ»[2] وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ»[3] وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَيْفَ بِكَ يَا عَبْدَ اللهِ، إِذَا كَانَ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُضَيِّعُونَ السُّنَّةَ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا؟ " قَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " تَسْأَلُنِي ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، كَيْفَ تَفْعَلُ؟ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "[4]أرأيت كيف لم يُقرُّهم على الطاعة العمياء التى تُدخلهم نار الدنيا ، أفيُقرهم أو يقبل منهم قبول طاعة تُهلكهم بنار الآخرة وشتان بين النارين ؟؟؟!!!فهذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية فيها دعوة إلى اعتزال الطغاة وعدم طاعتهم مطلقا وهذه كافية في إسقاطهم إذ قوة الطغاة إنما يستمدونها من طاعة الشعوب لهم ، وخاصة أصحاب الوظائف التي يستقوون بها ، فإذا اعتزلتهم الأمة وهجرتهم ومع عموم الأمة أصحاب هذه الوظائف ، تحللت قوتهم وضعفت وسقطوا تلقائيا. ومن الوظائف التي تستقوي بها السلطة على الأمة الشرطة[5] وجنود الجيش وجباة الأموال والقضاة والإعلام وسائر الجهات التنفيذية حيث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل في هذه الوظائف للظلمة وأئمة الجور، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما - ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُقَرِّبُونَ شِرَارَ النَّاسِ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلَا يَكُونَنَّ عَرِيفًا، وَلَا شُرْطِيًا، وَلَا جَابِيًا، وَلَا خَازِنًا»[6] وعَنْ مَهْدِيٍّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «كَيْفَ أَنْتَ يَا مَهْدِيُّ إِذَا ظُهِرَ لِخِيَارِكُمْ وَاسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ أَحْدَاثُكُمْ، أَوْ أَشْرَارُكُمْ، وَصُلِّيَتِ الصَّلَاةُ لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا؟» قُلْتُ: لَا أَدْرِي، قَالَ: «لَا تَكُنْ جَابِيًا، وَلَا عَرِيفًا، وَلَا شُرَطَيًّا، وَلَا بَرِيدًا، وَصَلِّ الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا»[7] عَنْ نَوْفٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ خَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى النُّجُومِ فَقَالَ: يَا نَوْفُ أَرَاقِدٌ أَنْتَ أَمْ رَامِقٌ قُلْتُ: بَلْ رَامِقٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: يَا نَوْفُ طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَةِ أُولَئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطًا وَتُرَابَهَا فِرَاشًا وَمَاءَهَا طِيبًا وَالْقُرْآنَ وَالدُّعَاءَ دِثَارًا وَشِعَارًا فَرَضُوا الدُّنْيَا عَلَى مِنْهَاجِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَا نَوْفُ إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ مُرْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إِلَّا بِقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ ، وَأَبْصَارٍ خَاشِعَةٍ ، وَأَيْدٍ نَقِيَّةٍ فَإِنِّي لَا أَسْتَجِيبُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَلِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِي عِنْدَهُ مُظْلِمَةٌ، يَا نَوْفُ لَا تَكُونَنَّ شَاعِرًا وَلَا عَرِيفًا وَلَا شُرَطِيًّا وَلَا جَابِيًا وَلَا عَشَّارًا فَإِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَامَ فِي سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: إِنَّهَا سَاعَةٌ لَا يَدْعُو عَبْدٌ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَرِيفًا أَوْ شُرَطِيًّا أَوْ جَابِيًا أَوْ عَشَّارًا أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَةٍ - وَهِيَ الطُّنْبُورُ أَوْ صَاحِبُ كُوبَةٍ - وَهِيَ الطَّبْلُ "[8] ومثل جهاز الشرطة والخزانة – المالية – من الأجهزة التي يستقوى بها الانقلابيون - جهازُ القضاء ، الذي لا يحكم بكتاب الله ولا بسنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه كما فى حديث معاذ – رضي الله عنه – ولو حكموا بهما لأحقوا الحق وأبطلوا الباطل ، لو أنصف القاضي لبات كلٌ عن أخيه راضي ، فكيف إذا كان الشأن على غير ذلك ، فمكنوا لغير الشرعية ، ولم يسارعوا فى النظر فى ملفات فساد ثلاثين عاما أفسدت العباد ، وخربت البلاد ، لم يسارعوا فى ذلك مسارعتهم فى تلفيق وامتحال تهم وقضايا ، علم الله حقيقتها وأنها لا تخرج عن إلتماس العيب للبرآء، عن زَيْدَ بْنِ أَبِي خِدَاشٍ، قَالَ: لَقِيَ سُفْيَانُ شَرِيكًا بَعْدَمَا وَلِيَ قَضَاءَ الْكُوفَةِ , فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْفِقْهِ وَالْخَيْرِ تَلِي الْقَضَاءَ وَصِرْتَ قَاضِيًا؟» فَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ , لَابُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ قَاضٍ " فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ لَابُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ شُرْطِيٍّ" [9]!!! فمقاطعة هذه الوظائف وتركها أمر واجب شرعا وهو كاف في إصابة قوة هذه الأنظمة الاستبدادية بالشلل والضغط عليها للاستجابة لإرادة الأمة. فدور هذه الأجهزة بأفرادها جليل الشأن فى بقاء نظام ورحيله ، والواقع يُصدِّق البيان ، - و لعلك تلاحظ أن سفيان الثوري - رحمه الله - فى حديثه مع القاضي شريك - قد شبه القضاء لهم كالعمل شرطيا لهم. ولك أن تتخيل وضع دولة ، وحال نظام ، تنفض عنه أجهزة الشرطة ، وقادة الألوية ورؤساء الأفرع بالجيش ، والقضاء والإعلام والخزانة وغيرها من أركان وأعمدة الدولة فأَنَّى يكون له بقاء أو استمرار ، هذا وصلوات الله وسلامه على من لهج لسانه بالدعاء " رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ" القصص: (17) هذا وللحديث صلة بحول الله وقوته ، ببيان عضو آخر ، من أعضاء الفريق وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل . _________________________________[1] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/ 325) فيه انقطاع[2] صحيح مسلم (3/ 1469) 39 - (1840[3] المعجم الكبير للطبراني (18/ 185) (437) صحيح[4] مسند أحمد ط الرسالة (6/ 432) (3889) صحيح لغيره[5] "الشُّرْطَةُ" بِالسُّكُونِ"بوزن غُرْفَةٍ" وَبالْفَتْحِ أَيْضًا مِثَالُ رُطَبَةٍ وَالْجَمْعُ شُرَطٌ مِثْلُ: رُطَبٍ الجماعة المهيؤون لمهم، واحدهم رَجُلٌ شُرْطِيٌّ وشُرَطِيٌّ "بسكون الراء وفتحها": مَنْسُوبٌ إِلى الشُّرطةِ وَالْجَمْعُ شُرَطٌ، الشُّرْطةُ فِي السُّلْطان: - أَعْوَانُ السُّلْطَانِ ونُخْبةُ أَصحابه الَّذِينَ يقدِّمهم عَلَى غَيْرِهِمْ مَنْ جُنْدِهِ - مِنَ الْعَلَامَةِ والإِعْدادِ ، سُمُّوا بِذَلِكَ لأَنهم أَعَدُّوا لِذَلِكَ وأَعْلَمُوا أَنفسَهم بِعَلَامَاتٍ يُعْرَفون بها، وَقِيلَ: هُمْ أَول كَتِيبَةٍ تَشْهَدُ الْحَرْبَ وتتهيأُ لِلْمَوْتِ" . المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 489) لسان العرب (7/ 330) هذا وفى تاج العروس ( وَفِي الأَسَاسِ والمِصْباح مَا يدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوابَ فِي النَّسَبِ إِلَى الشُّرْطَة شُرْطِيٌّ، بالضَّمِّ وتَسْكينِ الرَّاءِ، رَدًّا عَلَى واحِدِه، والتَّحريكُ خَطَأٌ، لأنَّه نُسِبَ إِلَى الشُّرَطِ الَّذي هُوَ جَمْعٌ. قُلْتُ: وَإِذا جَعَلْناهُ مَنْسوباً إِلَى الشُّرْطَةِ كهُمَزَةٍ، وَهِي لغةٌ قَليلَةٌ، كَمَا أَشَرْنا إِلَيْه قَريباً أَوْلَى من أَنْ نَجْعَلَه مَنْسُوباً إِلَى الجَمْعِ، فتَأَمَّل) تاج العروس (19/ 408). وفى كتاب تكملة المعاجم العربية ( شُرْطى: رجل البوليس، حافظ الأمن في البلد. فالشرطة يقومون بكل أعمال حفظ الأمن) تكملة المعاجم العربية (6/ 291) وفى معجم اللغة العربية المعاصرة – تعريف وأنواع ومهام كل نوع كالآتي : شُرْطة: هيئة مُكلَّفة بحفظ الأمن، وتنظيم السَّير، وتطبيق القانون في البلاد ،رجال الشُّرطة أفراد المؤسَّسة المكلَّفة بالسَّهر على سلامة الشَّعب- شرطة التَّحرِّي- صاحب الشُّرطة: رئيسها.• شُرْطة الآداب: الشُّرطة المكلَّفة بمراعاة الآداب العامّة.• شُرْطة الإطفاء: الشُّرطة المكلَّفة بإطفاء الحرائق.• شُرْطة النَّجدة: الشُّرطة السّريعة، فرقة من الشّرطة مجهّزة بأجهزة لاسلكيّة تُغيث الجمهور بأقصى سرعة.• شُرْطة قضائيَّة: الشُرْطة المكلَّفة بملاحقة مرتكبي المخالفات وتسليمهم للعدالة.• شُرْطة المرور: شُرْطة مكلّفة بتنظيم حركة المرور.• الشُّرطة العسكريَّة: (سك) فرع من القوّات المسلّحة مهمّتها تنفيذ القانون في مكانٍ ما. معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1187)[6] صحيح ابن حبان - مخرجا (10/ 446) (4586) حسن[7] المعجم الكبير للطبراني (9/ 299) (9498) صحيح[8] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (6/ 53) حسن[9] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (7/ 47)
1192
| 21 أكتوبر 2013
ومن فضل هذه الأيام العشر أن العمل الصالح فيها لا يضاهيه عمل، ولا الجهاد في سبيل الله، إلا خروج الرجل بكل ما يملك، لا يرجع بشيء من هذا كله. ومن الأدلة على فضل هذه الأيام العشر من شقي الوحي الكتاب العظيم والسنة النبوية المطهرة ما يأتي قال تعالى: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ"[11] قال ابن عباس — رَضِيَ الله عنهما —: الأيام المعلومات أيام العشر، وهو مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد بن حنبل. وهذه العشر مشتملة على يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر ويوم القر، وقد ورد الحديث بأنها أفضل أيام الدنيا،فى الحديث " أفضل أيام الدنيا العشر — يعني عشر ذي الحجة — "[12]، وقد فضّل هذه العشر كثير من العلماء على عشر رمضان الأخير، لأنه يشرع فيه ما يشرع في تلك من صلاة وصيام وصدقة وغيرها، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه. وقال تعالى:" وَالْفَجْرِ *وَلَيَالٍ عَشْرٍ"[13] المراد بها عشر ذي الحجة (وهو قول ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف — رَضِيَ الله عنهم — ). قال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح وهكذا قد تبين فضل وأهمية هذه الليالي العشر الأول من شهر ذي الحجة بأن الله تعالى قد أقسم بها والإقسام بالشيء دليل على أهميته وعظم نفعه. ومنه تعرف قدر أهميتها وفضلها ومن السنة النبوية المطهرة في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر. قالوا ولا الجهاد في سبيل الله!! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء"[14] وفي الحديث أيضا: (ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء [15]" وجاء في اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية: (واستيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلاً ونهاراً أفضل من جهاد لم يذهب فيه نفسه وماله، والعبادة في غيره تعدل الجهاد؛ للأخبار الصحيحة المشهورة، وقد رواها أحمد وغيره — وكان سعيد بن جبير — رحمه الله — إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يُقدَرُ عليه، وكان يقول: "لا تطفئوا سُرُجكم ليالي العشر"[16]. قال ابن حجر[17] — رحمه الله تعالى — — في الفتح: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره.وقد سبقه إلى ذلك الحافظ ابن كثير — رحمه الله تعالى — [18] وقال المحققون من أهل العلم: أيام عشر ذي الحجة أفضل الأيام، وليالي العشر الأواخر من شهر رمضان أفضل الليالي. فهذه النصوص والآثار وغيرها تدلّ على أنّ هذه العشر أفضل من سائر أيام السنة من غير استثناء شيء منها، حتى من العشر الأواخر من رمضان. ففيها يوم عرفة وهو اليوم المشهود الذي أكمل الله فيه الدّين وصيامه يكفّر آثام سنتين، وقد قال فيه — صلى الله عليه وسلم — كما في حديث عائشة رضي الله عنها: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ )[19] وفيها أيضا يوم النحر الذي هو أعظم أيام السنّة على الإطلاق بل أعظم الأيام عند الله وهو يوم الحجّ الأكبر الذي يجتمع فيه من الطّاعات والعبادات ما لا يجتمع في غيره وقال فيه رسول الله — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ —: (أعظم الأيام عند الله تعالى، يوم النحر، ثم يوم القرّ )[20]. ولكنّ ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، لاشتمالها على ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر[21]. فينبغي على المسلم أن يستفتح هذه العشر بتوبة نصوح إلى الله تعالى والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب.وكف الجوارح عنها، والقلب سلطانها وملكها، وترك ما يكرهه الله تعالى ظاهراً وباطناً، ندماً على ما مضى، وتركا في الحال، وعزماً على عدم العود والاستقامة على الحقّ بفعل ما يحبّه الله تعالى ويرضاه {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}[22] ولا غناء لمؤمن عنها في جميع الأوقات والأزمان. وذلك حتى يترتب علـى الأعمال الصالحة المغفـرة والرحمة، فالمعاصي سبب البعد والطرد، والطاعات أسباب القرب والود، وفي الصحيح عن أبـي هريرة — رضي الله عنه — أن النبي — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وسلَّمَ — قال: «إن الله يغار، وغَيْرَةُ الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه"[23] هذا ومن أحب الأعمال إلى الله تعالى في هذه الأيام فضلا عن غيرها مما ثبت في الصحاح ما افترضه الله تعالى على عباده للحديث القدسي "ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدى يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" وفي مقدمة هذه الفروض على كل من الحاج وغيره.
6736
| 10 أكتوبر 2013
يدخل فى عضوية هذا الفريق كل من كان له أو منه إِعَانَةٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَتَرْك لِلتَّنَاهِي عَنْ الْمُنْكَرِ والظلم والبغي والخيانة والغدر ونكث العهد والقتل والحرق والخنق والتمثيل بالموتى ، وانتهاك حرمات الأحياء من الشيوخ والنساء والأطفال غير المحاربين ، والتعامل معهم بهذه الوحشية والبربرية ، وانتهاك حرمات الأموات والمساجد والساجدين ، والقائمين والراكعين ، واقتياد المسلمين أساري ، وإذلالهم وسائر صور الإجرام الأمر الذي لا يقع ولا يحدث إلا للأعداء وحتى مع الأعداء لا يقع إلا تجاوزا واستثناء لا قاعدة ، والتمثيل بجثث الموتى - حرْقًا وتجريفا- انتقاما ، وترويعا وتفزيعا ،الأمر الذي لا يجوز مع العدو حتى أثناء الحرب سواء في صد العدوان أو الهجوم، فلا يجوز التمثيل بالجثث ولا قتل الأسرى ولا سفك دماء المدنيين، ولا تخريب العامر ولا قتل الحيوان إلا لمنع تمويل العدو، كما لا يجوز التعرض لغير المقاتلين. وقد تجاوز هذا الإجرام وفاق كل الحدود والآن انتقل إلى الجيران من الأشقاء ، هؤلاء الأعضاء فى مسلسل هذا الإجرام يبلغون العشرين عضوا أو يزيدون وهم منبثون فى بقاع شتى لا يجمعهم إلا الإجرام وسنعرض لك عضو مع تاصيل وتفصيل دوره راجين من الله تعالى براءة الذمة والإعذار إلى الله تعالى "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" الأعراف: (164)العضو الأول : المعترفون لهم بشرعية زائفة باطلةأول هؤلاء الأعضاء : المعترفون لهم بشرعية زائفة باطلة على حساب الشرعية الحقة الحقيقية المختطفة ، المستسلمون لهم سواء فى ذلك المعترفون بهم داخليا أو خارجيا ، والمعترفون بهم دوليا أو عربيا أو محليا ، المعترفون بهم رسميا أو شعبيا ، وكيف تكون لهم شرعية !! لمَّا قال تعالى " لخليله إبراهيم عليه السلام " ..إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" البقرة : (124) فلا شرعية لظالم ، واسمع ما دعا به أصحاب الأعراف ربهم حين " ... صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " الأعراف :(47) ، وتأمل ما أوعز به هارون إلى أخيه موسي " قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" الأعراف (150) وتدبَّر ما عَلَّمَ الحق تبارك وتعالى صفوة الخلق أن يدعو به ربه " قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " المؤمنون : (93) + (94)هذا بعض ما ورد فى الوحي الأول القرآن الكريم عن فقدان شرعية الظالم الجائر الغادر ، فلا اعتراف له بل لم تنعقد له ولاية شرعية أصلا ، وفي الوحي الثاني السنة المطهرة جاء فى معجم الطبراني عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة، ووزراء فسقة، وقضاة خونة، وفقهاء كذبة، فمن أدرك منكم ذلك الزمان فلا يكونن لهم جابياً ولا عريفاً ولا شرطياً)[1] جابياً : الجابِي: هو الذي يَجْبِي الخَراجَ، أي: يجمعُه. والمقصود هنا من يعترف لهم بشرعية فيتعامل معهم كولاة شرعيين لذا ورد النهى عن ذلك ومثل الجابي الوارد فى الحديث ، مأمور الضرائب ومحصل الكهرباء وغيرهم وغيرهم ، عريفاً : العريفُ والعارِفُ بمعنًى، مثل عليمٍ وعالمٍ. - مأخوذ من المعرفة - والعَريفُ: النقيبُ، وهو دون الرئيس، والجمع: عُرَفاءُ[2] ولابن فارس فى معجم المقاييس " ... الْعَرِيفُ قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الْقَيِّمُ بِأَمْرِ قَوْمٍ قَدْ عَرَفَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَرِيفًا لِأَنَّهُ عُرِفَ بِذَلِكَ"[3]. وعلى هذه الاشتقاقات فالعريف فعيل بمعنى فاعل أي فهو عارف لأحوال من هو عليهم والعريف أيضا فعيل بمعنى مفعول فهو معروف ، قَالَ ابْنُ الأَثير: العُرَفَاء جَمْعُ عَرِيف وَهُوَ القَيِّم بأُمور الْقَبِيلَةِ أَو الْجَمَاعَةِ مِنَ النَّاسِ يَلي أُمورهم ويَتَعَرَّفُ الأَميرُ مِنْهُ أَحوالَهُم طاووس: أَنَّهُ سأَل ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا مَعْنَى قَوْلِ النَّاسِ: أَهْلُ الْقُرْآنِ عُرَفَاء أَهل الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: رُؤساء أَهل الْجَنَّةِ "[4] ، وعلى هذا فمن الجرائم والمشاركة معهم فى جرائمهم الاعتراف لهم بذلك من خلال الاستمرار فى الوظائف التى تمكن لهم ، وفى الصحيح عن النعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ألا إنها ستكون بعدي أمراء يظلمون ويكذبون، فمن صدقهم بكذبهم ومالأهم على ظلمهم فليس مني ولا أنا منه ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يمالئهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه "الألباني: صحيح الترغيب رقم (2244) وقال حسن لغيره. لا ينسي الناس مواقف الكذب الشهيرة ، التي شهد عليها رئيس وزراء الرئيس المنتخب الولى الشرعي لأرض الكنانة كما شهد عليها الشيخ الحويني ، والمستشار محمد سليم العوا ، وغيرها وغيرها . وكذا ما نسبه وزير خارجية الانقلاب إلى منظمة دولية من أنها شهدت بوجود أسلحة فى ميادين الاعتصام ، وانبرت المنظمة مفندة هذه الفرية ، أما عن الظلم فلا تخطئه العين فى رابعة والنهضة ودار الحرس الجمهوري ، والمنصة وغيرها من الصور البشعة للظلم وها هو صفوة الخلق يتبرأ ممن يصدقهم ويمالئهم على ظلمهم ، ومَنْ هذا المسلم الذي يبيع دينه ويقبل أن يمارس عملا يتبرأ به منه رسول الله صلوات الله عليه .وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَكُونُ أُمَرَاءٌ يُعْرَفُونَ وَيُنْكَرُونَ، فَمَنْ نابذَهُمْ نَجَا، وَمَنِ اعْتَزَلَهُمْ سَلِمَ، وَمَنْ خالَطَهُمْ هَلَكَ» المعجم الكبير للطبراني (11/ 39) (10973) حسن لغيره نبَذ الشّيءَ: طرَحه وألقاه أمامَه أو وَراءَه ، تركه وهجره ، ونابذ فلانًا: فارقه على خلاف وبُغْض ، ونبَذ العهْدَ: أي نقَضَه " {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} وفى لسان العرب[5] (النَّبْذُ: يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فِي الأَجسام وَالْمَعَانِي؛ وَمِنْهُ نَبَذَ الْعَهْدَ إِذا نَقَضَهُ وأَلقاه إِلى مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنِهِ وَفِي التَّنْزِيلِ: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) وفي التَّنْزِيل {فنبذوه وراء ظهورهم} آل عمران 187 وذلك كناية عن عدم الاعتراف والإقرار لعلك تلاحظ فى هذا الحديث ألا نجاة إلا بالنبذ لهم أي بالطرح وهو كناية عن عدم الاعتراف ، ومخالطهم هالك معهم ،وعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا الْقَاسِمِ، مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّهُ سَيَلِي أُمُورَكُمْ بَعْدِي رِجَالٌ يُعَرِّفُونَكُمْ مَا تُنْكِرُونَ، وَيُنْكِرُونَ عَلَيْكُمْ مَا تَعْرِفُونَ، فَلَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللهَ فَلَا تَعْتَلُّوا بِرَبِّكُمْ " مسند أحمد ط الرسالة (37/ 428) (22769) حسن لغيرهقوله صلوات الله وسلامه عليه : "فلا تعتلوا بربكم"، قال السندي: من الاعتلال، أي: فلا تطيعوهم في المعاصي معتلين بإذن ربكم بأن أذن لكم في ذلك، فإنه ما أذن لكم بذلك، فلا يقولن قائل قال تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " النساء (59) فإن الطاعة لولي الأمر مشروطة بأن تكون بالمعروف ، وفى طاعة الله تعالى وهذا هو سر عدم إعادة الأمر بالطاعة مع أولى الأمر كما أعاده مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه فطاعتهم ليست مستقلة عن طاعة الله تعالى والله تعالى أعلم. ففى هذا الحديث نهى عن الاعتلال أو الاحتجاج بأن الله تعالى أمر بطاعتهم فالطاعة المأمور بها لا تتوفر شروطها ولا ظروفها هنا بل إن الطاعة هنا معصية لله تعالى ، لأنها إعانة على الظلم والحرام والإعانة على الظلم ظلم ، كما الإعانة على الحرام حرام ، وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خُذُوا الْعَطَاءَ مَا دَامَ عَطَاءً، فَإِذَا صَارَ رِشْوَةً فِي الدِّينِ فَلَا تَأْخُذُوهُ، وَلَسْتُمْ بِتَارِكِيهِ، يَمْنَعْكُمُ الْفَقْرَ وَالْحَاجَةَ، أَلَا إِنَّ رَحَى الْإِسْلَامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلَا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلَا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا لَا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: «كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرَ، وَحُمِلُوا عَلَى الْخَشَبِ، مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ» المعجم الكبير للطبراني (20/ 90) (172) حسن لغيره ، هذا الخبر النبوي المعجز يشهد له واقع الحال فمن عصى سلطات الانقلاب ولم يعترف بها وتنادى بعدم شرعيتها لاحقته وطاردته فإما قتلته وإما اعتقلته ، ومن أطاعها أضلته وفتنته عن دينه ، ولعلك قد لفت نظرك وأثار انتباهك ، ما أخبر به المصطفى صلوات الله وسلامه عليه فى هذا الحديث مما يُعدُّ ويُعتبر نبوءة من افتراق الكتاب – القرآن الكريم – والسلطان ، وأيضا انفتاح صنبور المساعدات من بعض دول لم تعد مجهولة ولا خافية انفتح صنبور مساعدتها للغادرين والخائنين والقتلة فليست للشعب – ومع ذلك يزداد الحال الاقتصادي سوءا يوما بعد يوم ، وقد اتضح العداء للإسلام من تسريبات لم تعد تُخطئها العين ، تصريحات وزير خارجية حكومة الانقلاب ، من أن بواعث الانقلاب الحيلولة دون أن تكون لمصر وجهة إسلامية ، وثلة من الموالين للانقلابيين صرحوا من أن مصر ليست متدينة بالفطرة بل هى علمانية بالفطرة ؟؟؟!! وكذبوا على الله تعالى وعلى رسوله صلوات الله وسلامه عليه ، "فكل مولود يولد على الفطرة " وغير خافِ أيضا إغلاق القنوات التلفزيونية ذات الطابع الدينى والإيماني منذ اللحظ الأولى ، وكان التوجيه النبوي عند افتراق الكتاب والسلطان بألا نفارق الكتاب ، وإنما نجور معه حيث دار ، ولا معنى لذلك إلا عدم الاعتراف بهذا المفترق عن الكتاب ، وتعجب ممن اعترف بهؤلاء الانقلابيين ، ممن ينتسبون إلى بعض الحركات الإسلامية، وعلى كلِّ فلا تأس ولا تحزن كما قيل كلٌ يدعى وصلًا بليلى ، وليلى لا تقر لهم بذاك إذا اشتبكت دموع فى جفون تبيَّن من بكى ممن تباكى.ورحم الله ابن عقيل الذي وضع معيارا لمعرفة محل الإسلام فى قلوب أهل كل زمان فقال " إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْلَمَ مَحَلَّ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ فَلَا تَنْظُرْ إلَى زِحَامِهِمْ فِي أَبْوَابِ الْجَوَامِعِ، وَلَا ضَجِيجِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ بِلَبَّيْكَ، وَإِنَّمَا اُنْظُرْ إلَى مُوَاطَأَتِهِمْ أَعْدَاءَ الشَّرِيعَةِ "الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 237) فهذا يدل على مدى حرارة الدين وبرودته فى قلوب الناس. فلا تغتر بزحامهم على أبواب الجوامع إنه يأتي يصلي في الصف الأول ويرتشي ويأتي يصلي في المسجد ويزني ويشرب الخمر، فلا تنظر إلى هذا الزحام، ولكن انظر إلى مواطأتهم لأعداء الشريعة. إن مواطأة أعداء الشريعة أعظم جريمة يرتكبها المسلم ،وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: يكون أمراء تغشاهم غواش أو حواش من الناس، يكذبون ويظلمون، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، أعانهم على ظلمهم, فليس مني، ولست منه، ومن لم يدخل عليهم، ولم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم, فهو مني، وأنا منه"[6]وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن معاذ بن جبل قال يا رسول الله أرأيت إن كان علينا أمراء لا يستنون بسنتك ولا يأخذون بأمرك فما تأمرنا في أمرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طاعة لمن لم يطع الله"[7]. ولك أن تستحضر أو أن تتصور المشهد سلطات لم يعترف بها أحد لا فى الداخل من شعبها ولا من النقابات المهنية ، ولا من المنظمات العاملة ، ولا فى الخارج دوليا ولا عربيا ولا محليا ، ولا رسميا ولا شعبيا ، وكذا لم تعترف بها المنظمات الأممية والدولية وشاهد أثر ذلك ، عدم توجه الرئيس المؤقت المعين إلى الاجتماع الدولى السنوي للمنظمة العالمية الأمم المتحدة فى نيويورك ، بلا شك بعدم الاعتراف ستنهار هذه الزمرة الانقلابية وتهوى فى مكان سحيق من مزابل التاريخ .وستسقط لا محالة ، فاللهم لا ترفع لهم راية ، ولا تٌحقق لهم غاية ، واخذلهم ونكِّل بهم واجعلهم لغيرهم عبرة وآية. وللحديث صلة بحول الله وقوته_____________________________[1] الطبراني: المعجم الصغير (1/ 204) , وقال: لم يروه عن قتادة إلا ابن أبي عروبة، ولا عنه إلا ابن المبارك تفرد به داود بن سليمان وهو شيخ لا بأس به, وبنحوه عند أبي يعلى، ورجاله رجال الصحيح خلا عبد الرحمن بن مسعود وهو ثقة, انظر: مجمع الزوائد (5/ 240) , والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد (12/ 63) وقال فيه داود بن سليمان الخراساني قال الطبراني لا بأس به[2] الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1402)[3] مقاييس اللغة (4/ 282)[4] لسان العرب (9/ 238)[5] لسان العرب (3/ 512)[6] الألباني: صحيح الترغيب رقم (2246) وقال صحيح لغيره وبمثله من حديث كعب بن عجرة قال الوادعي: الصحيح المسند رقم (1098) صحيح, وقال أيضا في صحيح دلائل النبوة رقم (562) حسن وورد من حديث حذيفة بن اليمان قال الألباني: تخريج كتاب السنة رقم (759) إسناده جيد[7] الهيثمي: مجمع الزوائد (5/ 228) وقال فيه عمرو بن زينب ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
763
| 09 أكتوبر 2013
مضى رمضان، وتصرمت لياليه الفاضلة وأيامه المباركة، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر، وبعده بدأ الفتور يغزو القلوب، كما بدأ منحنى الإيمان في الهبوط مرة أخرى عند الكثيرين إلا من رحم الله، ولكنه عز وجل دائم العطاء والمنّ، يلاحق عباده بأسباب المغفرة وموجبات الرحمة وفي الحديث: "افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده". فهلا تقبلت أخي المسلم وأختي المسلمة هذه المنحة الإلهية؟ والنفحة الربانية الآنية وهلا — بإخلاص — أكثرنا من الأعمال الصالحة من صدقة وصيام وتلاوة للقرآن وصلة الرحم وإطعام المساكين. والدعاء بخيريِ الدنيا والآخرة، لك ولإخوانك المسلمين، الأحياء منهم والأموات، ولأمر ما وسط آيات الحج جاء الدعاء الجامع: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار" ومن هذه الأعمال الصالحة نشر العلم الشرعي وردُّ المظالم إلى أهلها مع حفظ الجوارح، سيما السمع والبصر واللسان. فمن عجز عن ذلك كله فليكفَّ أذاه وشره عن الآخرين.إلى غير ذلك من أعمال البر وشعب الإيمان فأبواب الخير كثيرة لا تنحصر، ومفهوم العمل الصالح واسع شامل ينتظم كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة،فينبغي لمن وفقه الله، أن يعرف لهذه الأيام فضلها، ويقدر لها قدرها، فيحرص على الاجتهاد فيها، ويحاول أن يتقلل فيها ما أمكن من أشغال الدنيا وصوارفها، فإنما هي ساعات ولحظات ما أسرع انقضاءها وتصرمها، والسعيد من وفق فيها لصالح القول والعمل. والفرص سوانح قلما ترجع إذا فاتت والعمر قصير والقدر غائب وأمر الله غالب.. فهلا شمرنا عن ساعد الجِد في هذه الأيام، واستعنا بالله على الطاعة فيها، فهو المُوفق والمسهل والمساعد في كل وقت وآن، ولقد اختار الله تعالى من الأيام والليالي أياما وليالي جعلها مواسم خير، وأيام عبادة، وأوقات قربات، وهي بين أيام السنة، كأوقات الضحى من النهار، قليلة عزيزة وبين لياليها كالساعات الأولى عند انبلاج الفجر، ما تلبث أن تذهب سريعا، والرشيد السعيد من تعرض لها، ونهل من خيرها، ومن هذه المواسم النيرات، والنفحات المباركات، أيام العشر الأول من ذي الحجة الحرام، فقد آثرها الله على ما سواها، فرفع من شأنها واجتباها، وجعل ثواب العمل فيها أعلى من ثوابه فيما دونها، علاوة على ما خصها الله تعالى به من أعمال فريضة الحج التي لا تكون في غيرها. وإن إدراك هذه العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على عباده، لأنه يدرك موسماً من مواسم الطاعة التي تكون عوناً للمسلم — بتوفيق الله — على تحصيل الثواب واغتنام الأجر، فعشر ذي الحجة "هذه هي الأيامُ العشر التي أقسم اللّه بلياليها في كتابه بقوله: "وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ"، بل ورد أنها هي العشر التي أتمها الله — تعالى — لموسى — عليه السلام —، والتي جاء ذكرها في قوله — تعالى —: "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ"، وقال ابن كثير: (وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما هي؟ فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة والعشر عشر ذي الحجة... فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى — عليه السلام —، وفيه أكمل الله الدين لمحمد — صلى الله عليه وسلم — كما قال — تعالى —: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً".
550
| 07 أكتوبر 2013
وجه الحاجة يومياً إلى الفاتحة ودعائها على طول العمر ولكل الأعمار.. وَاظَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طُولَ عُمْرِهِ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَبَ عَلَيْنَا ذلك، لقوله تعالى: " فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"[الأعراف: 158] وَلِقَوْلِهِ: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النُّورِ: 63] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آلِ عِمْرَانَ: 31] ولِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا»، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا». ولقوله فى الصحيح " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "[1] وكذا الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدُونَ وَاظَبُوا عَلَى قِرَاءَتِهَا طُولَ عُمْرِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ عَلَيْنَا ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الراشدين من بَعْدِي»، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» والْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ صَلَاةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ، غَيْرُ تَمَامٍ، قَالُوا: الْخِدَاجُ هُوَ النُّقْصَانُ، هَذِهِ السُّورَةَ مَحْفُوظَةٌ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ مُتَيَسِّرَةٌ لِلْكُلِّ، والْأَخْبَارَ دَالَّةٌ عَلَى أنها أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ السُّوَرِ، ومن مقتضى استدامة دعاء الفاتحة بالهداية يوميا طول العمر ولكل الأعمار أَنَّ الْإِنْسَانَ طُولُ عُمُرِهِ لَا يَنْفَكُ عَنْ زَلَّاتٍ وَهَفَوَاتٍ، إِمَّا مِنْ بَابِ الصَّغَائِرِ، وَإِمَّا مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَفْضَلِ، والْوَسَاوِسُ تَقَعُ فِي القُلُوبِ؛ من آن لآخر فَكُلَّمَا وَقَعَتْ وَسْوَسَةٌ فِي قَلْبِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَابَ إِلَى اللَّهِ مِنْهَا، وَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ فِي إِزَالَتِهَا عَنْ قَلْبِهِ، فَلِكَثْرَةِ الإِقْدَامِ عَلَى الدعاء بالهداية والتَّوْبَةِ بِسَبَبِ خَطِرَاتِ تِلْكَ الْوَسَاوِسِ بِبَالِهِمْ يهدي الله تعالى العبد ويتوب عليه من هذه الوساوس والخطرات، ومن حِكَم إيجاب الله تعالى لهذا الدعاء على المسلم يوميا " أن الْإِنْسَان خلق ظلوما جهولا فَالْأَصْل فِيهِ عدم الْعلم وميله إِلَى مَا يهواه من الشَّرّ فَيحْتَاج دَائِما إِلَى علم مفصل يَزُول بِهِ جَهله، وَعدلٍ فِي محبته وبغضه وَرضَاهُ وغضبه وَفعله وَتَركه وإعطائه وَمنعه، وكل مَا يَقُوله ويعمله يحْتَاج فِيهِ إِلَى عدل يُنَافِي ظلمه فَإِن لم يمن الله عَلَيْهِ بِالْعلمِ الْمفصل وَالْعدْل الْمفصل وَإِلَّا كَانَ فِيهِ من الْجَهْل وَالظُّلم مَا يخرج بِهِ عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم. وقال ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في الحسنة والسيئة - العبد محتاج إلى أن يُعلِّمه ربه ما يفعله من تفاصيل أحواله. وإلى ما يتولد من تفاصيل الأمور في كل يوم، وإلى أن يلهم أن يعمل ذلك. فإنه لا يكفى مجرد علمه ؛ إن لم يجعله الله مريداً للعمل بعلمه، وإلا كان العلم حجة عليه، ولم يكن مهتدياً، والعبد محتاج إلى أن يجعله الله قادراً على العمل بتلك الإرادة الصالحة. فإنه لا يكون مهتدياً إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إلا بهذه العلوم والإرادات، والقدرة على ذلك. ويدخل في ذلك من أنواع الحاجات ما لا يمكن إحصاؤه. ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة؛ لفرط حاجتهم إليه، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء. وإنما يَعرف بعضَ قَدْرِ هذا الدعاء من اعتبر أحوال نفسه ونفوس الإنس والجن والمأمورين بهذا الدعاء، ورأى ما في النفوس من الجهل والظلم الذي يقتضي شقاءها في الدنيا والآخرة، فيعلم أن الله بفضله ورحمته جعل هذا الدعاء من أعظم الأسباب المقتضية للخير، المانعة من الشر.[2] ومن مقتضيات دعاء الفاتحة يوميا وفى كل ركعة كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى فى مجموع الفتاوى ".. وَلَمَّا كَانَ الْعَبْدُ فِي كُلِّ حَالٍ مُفْتَقِرًا إلَى هَذِهِ الْهِدَايَةِ فِي جَمِيعِ مَا يَأْتِيهِ وَيَذَرُهُ مِنْ أُمُورٍ قَدْ أَتَاهَا عَلَى غَيْرِ الْهِدَايَةِ، فَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى التَّوْبَةِ مِنْهَا، وَأُمُورٍ هُدِيَ إلَى أَصْلِهَا دُونَ تَفْصِيلِهَا، أَوْ هُدِيَ إلَيْهَا مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى تَمَامِ الْهِدَايَةِ فِيهَا لِيَزْدَادَ هُدًى، وَأُمُورٍ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِنْ الْهِدَايَةِ فِيهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ مَا حَصَلَ لَهُ فِي الْمَاضِي، وَأُمُورٍ هُوَ خَالٍ عَنْ اعْتِقَادٍ فِيهَا فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْهِدَايَةِ فِيهَا، وَأُمُورٍ لَمْ يَفْعَلْهَا فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى فِعْلِهَا عَلَى وَجْهِ الْهِدَايَةِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَاجَاتِ، إلَى أَنْوَاعِ الْهِدَايَاتِ، - لهذا - فُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ هَذِهِ الْهِدَايَةَ فِي أَفْضَلِ أَحْوَالِهِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ أَهْلَ هَذِهِ النِّعْمَةِ مُغَايِرُونَ لِلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " الْيَهُودِ " وَالضَّالِّينَ " النَّصَارَى "[3] وَقد قَالَ تَعَالَى لنَبيه - صلوات الله وسلامه عليه - بعد صلح الْحُدَيْبِيَة وبيعة الرضْوَان فى العام السادس الهجري التاسع عشر من البعثة " إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَيتم نعْمَته عَلَيْك ويهديك صراطا مُسْتَقِيمًا وينصرك الله نصرا عَزِيزًا [سُورَة الْفَتْح 1 — 3] فَأخْبر أَنه فعل هَذَا ليهديه صراطا مُسْتَقِيمًا فَإِذا كَانَ هَذَا حَاله فَكيف حَال غَيره[4] هذا وللحديث صلة بحول الله وقوته.
816
| 30 سبتمبر 2013
◄ ما الحكم الشرعي في إمام يصلي بالناس وإذا كبر للإحرام أتى بواو ساكنة بين لفظ الجلالة (الله وأكبر) هل صلاته صحيحة أو فاسدة؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعدأجمع الفقهاء على أن افتتاح الصلاة بالتكبير بذكر اسم الله تعالى أمر لازم لا بد منه، فلا تصح صلاة إلا به، وقد وردت أحاديث صحيحة تؤيد ذلك الإجماع: منها ما رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"،.وقد استدل بعضهم على فرضية تكبيرة الإحرام بقوله تعالى: {وربك فكبر} ووجه الاستدلال أن لفظ: "فكبر" أمر وكل أمر للوجوب، ولم يجب التكبير الا في الصلاة بإجماع المسلمين فدل ذلك على أن تكبيرة الإحرام فرض.والأئمة الثلاثة اتفقوا على أن تكون تكبيرة الإحرام بلفظ: الله أكبر، كما هو الظاهر من هذه الأدلة، وقد أيده النبي صلى الله عليه وسلم بعملهاما شروط صحة تكبيرة الإحرام، والتى إن اختل واحد منها لم تنعقد الصلاة فهي أن تكون باللغة العربية لِمَن كان قادراً عليها، أو يُكبِّر باللغة التي يقدر عليهاأن يُقدم لفظ الجلالة على لفظ أكبر، فيقول: الله أكبر، أما إذا قال: أكبر الله فإنه لا يصح، وهذا متفق عليه.أن يَنطق أو يلفظ أو يُحرك لسانه بالتكبيرة، فلو أتى بها في نفسه بدون أن يُحرك لسانه، فإنه لا تصح.ألا يمد همزة لفظ الجلالة — فليست همزة مد — لأن معنى هذا الاستفهام فكأنه يستفهم عن الله.ألا يمد الباء، من لفظ أكبر فيقول: الله أكبار سواء فتح همزة أكبار، أو كسرها لأن أكبار — بفتح الهمزة — جمع كبر، وهو اسم للطبل الكبير.وإكبار — بكسر الهمزة — اسم للحيض، ومن قال ذلك متعمداً، فإنه يكون ساباً لإلهه، فيرتد عن دينه.ألا يُشَدِّد الباء من أكبر. ألا يزيد واوًا ساكنة أو متحركة بين الكلمتين: بين لفظ الجلالة ولفظ أكبر، فلو قال: " الله وأكبر " لم تنعقد صلاته.ألا يأتي بواو قبل لفظ الجلالة فلو قال: والله أكبر لم تنعقد صلاته.أن يُسمِع بها نفسه، فلو نطق بها في سره بدون أن يَسْمعها هو فإنها لا تصح، الا إذا كان أخرس، أو أصم، أو كانت بالمكان جلبة أو ضوضاء، فإنه لا يلزم في هذه الحالة أن يُسمع. أن تتأخر التكبيرة عن تكبيرة الإمام إن كان يصلي فى جماعة مقتدياً بإمام. إذا مد الهاء من لفظ الجلالة حتى ينشأ عنها واو، فإنه لا يضر عند الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة، فقال الشافعية: إذا كان المصلي عامياً فإنه يغتفر له ذلك، أما غير العامي فإنه لا يغتفر له، ولو فعله تبطل التكبيرة، أما الحنابلة قالوا: إن ذلك يضر، وتبطل به التكبيرة على أي حال، أقول: وببطلان تكبيرة الإحرام تبطل الصلاةوالخلاصة: إذا كان زيادة هذه الواو فلا شيء فى صلاته عند الأحناف والمالكية. وكذا لا شيء فى صلاته عند الشافعية إن كان من العامة، وإلا فإن كان عالما عامدا فسدت صلاته وعليه الإعادة، والله أعلم"◄ قصر الصلاة فى سوهاج◄ أنا من القاهرة وسافرت إلى سوهاج لبعض المصالح ومكثت بها أسبوعاً ثم عدت وفي خلال هذه المدة كنت أقصر الصلاة، فهل أصبت أم أخطأت؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد قال تعالى: "وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ" عَلَّقَ الْقَصْرَ فى الآية الكريمة عَلَى الْخَوْفِ؛ «لِأَنَّ غَالِبَ أَسْفَارِ النَّبِيِّ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — لَمْ تَخْلُ مِنْهُ. وقد ظَنَّ البعض أَنَّ الْقَصْرَ مَشْرُوطٌ بِالْخَوْفِ، فَإِذَا زَالَ الْخَوْفُ زَالَ سَبَبُ الْقَصْرِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ غَيْرٌ صَحِيحٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — سَافَرَ آمِنًا وَكَانَ يُقْصِرُ الصَّلَاةَ وقَدْ أُشْكِلَتْ الْآيَةُ عَلَى عُمَرَ — رَضِيَ اللهُ عَنْهُ — وَغَيْرِهِ فَسَأَلَ عَنْهَا رَسُولَ اللهِ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — فَأَجَابَهُ بِالشِّفَاءِ وَأَنَّ هَذَا صَدَقَةٌ مِنَ اللهِ وَشَرْعٌ شَرَعَهُ لِلْأُمَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «صَحِبْت النَّبِيَّ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ» وحكمة قصر الصلاة الرباعية فى السّفر: هي أن مَظَنَّة الْمَشَقَّة وَهِي تجلب التَّيْسِير فَلهَذَا حط الشرع من الصَّلَاة الرّبَاعِيّة رَكْعَتَينِ، وَالقصر أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — وَخُلَفَاءَهُ دَاوَمُوا عَلَيْهِ وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» " وَكَانَ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — يَقْصُرُ الرُّبَاعِيَّةَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مُسَافِرا إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّهُ أَتَمَّ الرُّبَاعِيَّةَ فِي سَفَرِهِ الْبَتَّةَ والمسافة بين سوهاج والقاهرة مسافة تزيد كثيراً عن مسافة القصر الشرعية، والمسافة الشرعية التي يصح فيها قصر الصلاة الرباعية، تبلغ ستة عشر فرسخاً ذهاباً فقط وهذه المسافة تساوي ثمانين كيلو ونصف كيلو ومائة وأربعين متراً — وتقدير المسافة بهذا متفق عليه بين الأئمة الثلاثة ما عدا الحنفية، ولا يصح القصر إلا إذا نوى السفر، ونوى قطع تلك المسافة بتمامها من أول سفره، ومن ثم يكون قصرك الصلاة في أثناء الطريق ذهاباً وإياباً موافقاً للشرع، أما قصرك الصلاة في حال إقامتك بسوهاج فينظر فيه فحكمة قصر الصلاة الرباعية للمسافر دفع المشقة عنه، والنصوص الواردة في القصر نصوصٌ عامة ليس فيها تقييدٌ بزمنٍ معين مثل قوله تعالى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ)] ومثل قول الله تعالى (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)[] ومن المعلوم أن الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله قد تطول مدتهم لشراء السلع وتصريفها المهم ما دام الإنسان على نية السفر وأنه متى انتهى شغله غادر البلد فإنه مسافر يترخص برخص السفر ولا يتقيد ذلك بأيامٍ معلومة ولأنه لا دليل على هذا، فإن كنت تعلم أنك ستقيم هذه المدة — أسبوعا — من يوم أن نزلت بها، كان القصر غير جائز، لانقطاع نية السفر، وفى الصحيح " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " وعليه تكون الصلاة التى قصرتها باطلة لعدم استيفاء شروط القصر، وعلى رأسها نية السفر، وعليك أن تعيدها، أما إذا كنت لا تعلم متى ستسافر؟؟ بأن كانت مأموريتك يمكن إنهاؤها في أي وقت وجيز، وتعود أدراجك إلى محل إقامتك واستقرارك، وأنت معتزم الرجوع بمجرد إنهائها، ولكنها تأخرت لظروف تتجدد يوما بعد يوم وتفاجئك وتضطرك إلى التأخر، إذا كان الأمر كذلك فقصرك الصلاة في هذا الحال جائز والصلاة صحيحة ولو طالت المدة إلى أكثر من أسبوع مادمت مستصحبا لنية السفر، وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه أقام عام الفتح في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة وأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة"] لاستصحابه — صلوات الله وسلامه عليه — نية السفر فى كل من السفرتين، ولم ينو الإقامة، لهذا قَصَر الصلاة خلال هذه المدة التى زادت على مدة إقامة السائل فى سوهاج، والخلاصة: بنية الإقامة لا بد من إتمام الصلاة، أما باستصحاب نية السفر فلك الحق فى قصر الصلاة،.. والله أعلم"
35335
| 28 أغسطس 2013
أولا : مقدمةقال تعالى " هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ" آل عمران: (138)فى هذا البيان – بحول الله وقوته – رد علمي موضوعي على كل من ( خطيب الحرم المكي وإمامه ، وكذا شاغل منصب الإفتاء فى مصر سابقا ، وأزهري يُدعى سالم عبد الجليل ، وعمرو خالد ، وغيرهم ممن يرون رأيهم ) راجيا من الله تعالى القبولثانيا : تهيئة وتوطئةمن خلال مقطع يوتيوب لوازرة الدفاع المصرية ، ولا سيما إدارة الشئون المعنوية ، ظهر فيه صور شخصية ، لكل من ( سالم عبد الجليل ) وقد ظهر بزي أزهري ، بينما الصورة الأخرى لــ ( عمرو خالد ) وقد انبرى وافترى الأول على المعتصمين - في رابعة والنهضة وسائر مدن ومحافظات أرض الكنانة بأنهم بغاة – وأوجب على الدولة استخدام السلاح ضدهم للقضاء عليهم ، وشايعه في ذلك قرينه في هذا المقطع ، في استخدام العنف ضد الفكر ، وقوة السلاح في مواجهة الرأي تعزيزا وتأكيدا حتى يتوهم الجنود عند سماعهم لهذا المقطع أنهم في عمل برئ في سفك الدماء المحرمة ، وإزهاق الأرواح البريئة ، وهكذا تحريفا وتزييفا لعقيدة الجيش المصري ، وتحويل معاركه بعيدا عن العدو الحقيقى الفعلي للأمة ، وانحرافا لمسار خط سير الجيش ، بل تجرَّأ الأول – الأزهري - على تجريد هؤلاء المتظاهرين والمعتصمين من مصريتهم ، وأنهم ليسوا على دين ولا منطق ولا عقل فيما خرجوا فيه ويطالبون به ، وأفصح عن أن مهمة الجيش المحافظة على الأرض والعرض والدم والمال ، ويبدو أن المعتصمين في رابعة والنهضة ، والمتظاهرين في سائر ميادين مصر ليسوا مصريين بناء على مقدمة كلامه في تجريدهم من مصريتهم ولذا أحَّل للجيش سفك دمائهم وانتهاك حرماتهم ، وفى صدر كلامه أنكر نكسة الثلاثين من يونيو 2013 م ولم يعتبرها انقلابا بل ثورة بدليل خروج الشعب ، وما كان له أن يرى سوى ذلك ، حتى تُصدِّر الشئون المعنوية صورته وصوته ، أيقول إنه انقلاب ، وتنشر الشئون اللامعنوية قِيْله !، فماذا هو قائل لمستشار شيخ الأزهر – رئيس مجمع اللغة العربية - الذي صدع الحق ولم يخش في الله لومة لائم ، وجهر بأن ذلك إنما هو انقلاب عسكري مكتمل الأركان ، - وما هو قائل للسناتور الأمريكى جون ماكين الذي جهر بذلك - واستدل الأزهري بما لا ينهض معه دليلا أن ما حدث هو ثورة وإرادة شعب ، وهذا تلبيس إبليس ، أولا : شتان بين الخروج في الخامس والعشرين من يناير 2011م ، والخروج في الثلاثين من يونيو 2013م ، الأول كان إجماعا شعبيا ، والثاني كان هناك انقسام شعبي بين مؤيد ومعارض ، ولما افترق الخروجان ، افترق عليه موقف الجيش ، في الخروج الأول بإجماع شعبي سانده الجيش فقلَّت الخسائر ، وحُقنت دماء ، وانحسم الأمر ، بينما الخروج الثاني كان الانقسام الشعبي بين مؤيد ومعارض ، واستقوى المعارض بالجيش ، وانقسم الشعب بتدخل الجيش إلى قاتل ومقتول ؛ فقد أسفرت الأيام عن الوجه الكالح للمعارض ومن استقوى به ، عن أن المعركة ضد الإسلام ومن يُمثله ، ثانيا : شتان بين عدد الخارجين في الخامس والعشرين من يناير 2011م والخارجين فى نكسة الثلاثين من يونيو 2013م ، والتى اشتد فرح اليهود بها أشد من فرحهم بنكسة يونيو 1967م ، فقد كفاه الجيش المصري المؤونة حيث انكفأ إلى الداخل ووجَّهَ سهامه وسلاحه إلى شعبه لا إلى اليهود ولا يخفى ذلك على متابع !! وفعل بأفراد شعبه المخالفين له في الرأي والمعارضين لانقلابه وبغيه وغدره ،ما لم يفعله باليهود ، بل قتل وسحق من أفراد شعبه في سويعات من نهار ولا زال ، أضعاف ما قتل من اليهود في ربع قرن أو يزيد ، ثالثا : العدد الذي خرج في نكسة الثلاثين من يونيو 2013م يحتاج إلى شهادات موثوقة من أهل العدالة والنزاهة بحقيقة هذا العدد ، ما هو السبيل القانوني الصحيح بل ما هو المستند الشرعي الذي اعتمدت عليه أيها الأزهري وكذا شاغل منصب الإفتاء سابقا – مما ستلقون به ربكم ، بأحقية هذا العمل والخروج على الرئيس الشرعي المنتخب ، وما دمت مع البيادة ، فكيف تبلغ السيادة العلمية ، والحيادية العلية ، والنزاهة اليقينية ، والعجيب أن من كان يشغل منصب المفتى سابقا ، لا يتورع عن أن يقول إنه مع البيادة حيث يقول نصا " أنا مع الجيش " وليس ذلك بدعا ولا غريبا على بدعيات الرجل ، وتاريخه ، مما أُنزِّه قلمى ولساني عن الخوض فيه ، ولكنى أدور مع الحق - حيث دار بحول الله وقوته - ، وأسوقه ممهورا بالدليل والبرهان ليتقدم اتضاحا ، وتتأخر الشبهة افتضاحا ، فأولى بأمثاله أن يقول : أنا الحق ، كائنا من كان الذي معه الحق ، جيشًا أم شعبًا أم فردًا أم جماعة ، رئيسًا أم مرؤوسًا ، والأعجب الأغرب في كلام الأزهرى – سالم عبد الجليل – في وصفه لمعتصمي ومتظاهري رابعة والنهضة وسائر ميادين مصر بأنهم بغاة ، وجاء كلامه دون دليل من كتاب أو سنة ، فجاء حديثه عاريا عن الحقيقة ، ولكنها النفس حين تزل ، ويستبيح المرء لنفسه أن يقول على الله بغير علم ، فيوبق نفسه ويبيع أخراه ، ودينه بعرض من الدنيا ، وعلى شاكلته شاغل منصب الإفتاء في مصر سابقا ، فيصف المعتصمين والمتظاهرين - المطالبين بالشرعية المتمثلة في عودة الرئيس المنتخب من اختطافه القسري وعودة الدستور المستفتى عليه وكذا مجلس الشورى ، والقائلين بحرمة الخروج على هذا الحاكم الشرعي – يصفهم بالخوارج ويستحل سفك دمائهم ، ليبوء بإثمه وإثم من أفتاهم بالقتل فقتلوا ، وإثم شهداء مجزرة الساجدين ، والمنصة وحرائر المنصورة ، والأربعاء الأسود ،" إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ" المائدة:(29) ، ويُغالط الرجل – أعنى شاغل منصب الإفتاء سابقا أقول : يُغالط نفسه ويخون الأمانة العلمية ، حيث اعتبر قائد الانقلاب هو القائد الشرعي المجمع عليه ، والخارج عليه يحل قتله ، حيث يقول : هناك من يريد أن يشق الصفوف ، والنبي صلوات الله وسلامه عليه – يتكلم " إذا كنتم جميعا على رجل – وليس جماعة – هكذا يقول : وهذا هو الذي حدث في ثورة ثلاثين يونيو – هو يسمي ذلك ثورة - خرج الشعب ولذلك كان الجيش معه ، إذا نحن جميعا على رجل ، وجاء من يريد أن يفرقكم فاقتلوه كائنا من كان " يا صاحب الفضيلة هل نسبة التصويت التى فاز بموجبها الرئيس مرسي بولاية أمر مصر لمدة أربع سنوات كانت أصوات الجماعة أم أصوات الجميع يا فضيلة الشيخ ؟؟؟!! يا فضيلة الشيخ : كم النسبة التى يحكم أوباما جميع الشعب الأمريكى ؟؟ !! لا يحكم شعبه فحسب ؟؟!!! كم النسبة التي بها رجحت كفة الرئيس الفرنسى الحالى على منافسه ساركوزي !!! إن الرجل يغالط نفسه ، ويلعب بالأحداث والأحاديث الصحيحة ، الحديث الشريف الذي ساقه صحيح ، ولا ينطبق على قائد الانقلاب – بحال من الأحوال - بقدر انطباقه على الرئيس الشرعي ، إذا ما نظرنا إلى نسبة التصويت التى أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات وتسلَّم الرجل مقاليد الأمور في البلاد بموجبها وكان هذا بمثابة عقد بين الأمة والحاكم الشرعي إلى أجل ، والواجب الشرعي ، الصبر حتى يبلغ الكتاب أجله ، لقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " المائدة: 1، أما قائد الانقلاب فمن الذي انتخبه ، من الذي اختاره ؟؟ !! وعلى كل حال نبرأ إلى الله تعالى من هذه الافتراءات والاتهامات ، ومن كل قطرة دم أريقت بغير حق ، ولما كان الواجب على أمثال هؤلاء بل كل المسلمين قول الحق ، وتحرِّيه ، وألا نقول ما ليس لنا بحق لقوله تعالى :" مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ " المائدة : 116، وكان التكليف بأن نقول القول السديد " وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا" النساء(9) ، وقوله تعالى : " يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " الأحزاب : 70 – 71) ولأن الله تعالى أخذ على أمثالنا العهد والميثاق ، بالبيان والتوضيح ، وأن نقول بالحق حيث كنا ولا نخاف في الله لومة لائم ، وحذرا من إثم الكتمان الذي توعد عليه الله تعالى أهل العلم فى قوله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ*إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " البقرة: 159-160) . لهذه المنطلقات كلها من النصوص جاء هذا البيان ردا على كلٍ مِنْ : من كان يشغل منصب الإفتاء سابقا ، ومن ظهروا فى مقطع اليوتيوب لوزارة الدفاع المصرية إدارة الشئون المعنوية ، ( صاحب الزي الأزهري ، سالم عبد الجليل ، وعمرو خالد ) بل ردا كذلك على خطيب الحرم المكي – الذي ذاد فى اسمه على قائد الانقلاب بانحشار حرف الدال بعد السين الأولى - ،وإمامه فى مباركته لانتهاك حرمة المؤمنين الراكعين الساجدين ، الصائمين القائمين ، وغيرهم فقد كان الأحرى بخطيب الحرم ، أن يستحضر وهو في الحرم وينصح لإمامه ، أن هؤلاء الركَّع السجود أعظم عند الله حرمة من حرمة الكعبة ، ولكنها الفتنة ، وزلة العَالِم زلَّةٌ للعالَم ، كما سأتناوله في ردى على شيخ الأزهر ، بحول الله وقوته ، أقول وبالله التوفيق : البغاة والخوارج لهم أحكام مبثوثة فى كتب الفقه المبسوطة والموجزة ، وأصل هذه الأحكام قوله تعالى "إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[1]" وقوله تعالى :" وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" الحجرات:( 9 : 10) والسؤال المهم الآن هل هؤلاء المتظاهرون بغاة أو خوارج تنطبق عليهم هذه الآيات وأحكامها حتى يحل لأنظمة الحكم مواجهتها بالسلاح أم لا ؟؟ ، وهاك الجواب مؤصلا - بعدم بغيهم بعشرين دليلا - ومفصلاثالثا : الدلائل والبراهين على أن*هؤلاء المتظاهرين ليسوا بغاة*1-فالبغاة لهم شوكة ومنعة - لَا يَتَحَقَّقُ الْبَغْيُ بِدُونِهَا- بِحَيْثُ يُمْكِنُ بِهَا مُقَاوَمَةُ الْإِمَامِ ( السلطان وجنوده ، أو بِحَيْثُ لَا يَسْهُلُ الظَّفَرُ بِهِمْ ، و ليس لهؤلاء شوكة ولا منعة ، وإنما هم أُنَاس عُزَّل ، تلقَّوا بصدورهم العارية طلقات الأعيرة النارية ، وتمَّ إشعال النيران فى أجسادهم ، وبعضهم لا زالت الروح تجرى فى أوصاله ، ومن الأدلَّة التاريخية الدالة على أن هؤلاء ليسوا بغاة ولا خوارج ما وقع فى عهد عليّ - رضي الله عنه , فإن عليًا لم يتعرض لهم – أي للخوارج - حتى استعملوا القوة, ولم يعتبرهم بغاة إلا بعد استعمالها[2] بل البغى هنا قد كان من قادة الانقلاب وأعوانه ، ومفتيه ، هل لو كانت لهم شوكة ومنعة ، أكان يتم اعتقال من اعتقل ، وفى مقدمتهم المرشد ، وقتل من تم قتله ، وفيهم حفيد البنا ، وكريمة البلتاجي ، ونجل المرشد ؟؟!!2- ليسوا بغاة ، إذ البغاة هم الخارجون على الإمام العادل القائم بأمر الله تعالى ، وليس الأمر هكذا هنا ، كما استوعبه القاصي والداني ، حتى طفح الكيل وأظلم الليل ، وبلغ الحزام الطبيين ،فالْخُرُوجَ عَلَى الْجَائِرِ لَيْسَ بَغْيًا[3] ، والجائر هنا من ظل ثلاثين عاما يعيث مصر فسادا وبغيا وعدوانا حتى خرجت عليه جموع الشعب فى الخامس والعشرين من يناير 2011م ، وكذا الجائر هنا ربيبه الذي غدر وخان العهد وحنث فى اليمين ، وقاد الانقلاب على الشرعية وسقك دماء الساجدين ، الصائمين ، ولا زال .3- ليسوا بغاة فلم يحملوا سلاحا فقد وَعَوا أن النبي صلوات الله وسلامه عليه حذرهم من اللجوء إلى هذه الوسيلة فقال: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا".[4]، ولما كان حمل السلاح مؤديا بصورة أو بأخرى إلى إيذاء المسلمين كان تحريم تعاطي مثل هذا وغيره من الأسباب المفضية إلى الأذية بكل وجه، وفي الحديث حجة للقول بسد الذرائع".وفى رواية "مَنْ سَلَّ عَلَيْنَا السَّيْفَ فَلَيْسَ مِنَّا".[5] " من رمانا بالنبل فليس منا"[6] ، والمنظمات الدولية التى وصلت إلى ميدان رابعة شهدت بعدم حملهم أو احتواء أماكن اعتصامهم على أسلحة ، ولما نسب إليهم وزير خارجية الانقلاب زورا وبهتانا أنهم شاهدوا الأسلحة كذبوه جهرا نهارا. وذلك ليس سرا ، بل هو متداول مشهور.4- ليسوا بغاة إذ لَيْسَ فِيهِمْ مُطَاعٌ[7]، إذْ لَا شَوْكَةَ لِمَنْ لَا مُطَاعَ لَهُمْ ،لَا يُكْتَفَى فِي قِيَامِ شَوْكَتِهِمْ بِكُلِّ مُطَاعٍ بَلْ لَا تُوجَدُ شَوْكَتُهُمْ إلَّا إنْ وُجِدَ الْمُطَاعُ، وَهُوَ (إمَامٌ) لَهُمْ (مَنْصُوبٌ) مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ[8] ، فكم أعيا المراقبين البحث عن قيادات لهم ومراكز توجيه لهم ، فلم يرجعوا حتى بخفي حنين ، وإنما الذكاء الجمعي الذي تجاوب معه كافة أطياف الشعب – على اختلاف حرفهم ومهنهم وأعمارهم ودرجات تدينهم ومِلَّتهم - في كافة محافظات مصر وخارجها، بل تجاوب معهم كذلك غير المصريين بل غير عرب كما في اليابان فى ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م - ، وماليزيا، وتركيا وغيرها من بلدان العالم ، تضامنا مع المتظاهرين ضد الانقلاب والمعتصنمين فى رابعة والنهضة وغيرها من ميادين مصر ، عجيب !! ما الذي أصاب شعوب هذه البلدان من ظلم وجور المخلوع والخائن ؟!!، أهو شعور الإنسانية العام، القرآن الكريم فيه شاهد لهذا ، وكذا التاريخ ، أما القرآن الكريم فقد قال تعالى :"مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً"[9] وأما التاريخ فلما عُزل المنصور بن عمران عن القضاء، جعل الناس يسبّونه. وكان فيهم رجل يلجّ ( يبالغ ) في أذاه فقال له: يا هذا أسأت إليك قطّ؟ قال: لا. قال: فما حملك على هذا الذي تأتيه؟ قال: سمعت الناس يشتمونك فساعدتهم، فأنشد المنصور:غير مطالبين وترا ولكن ... مال دهر على أناس فمالواوَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلى ذَمِّهِ ... ذَمُّوْهُ بِالحَقِّ وَبِالبَاطِلِمقالة السّوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل[10]قلت : لا عجب في ذم أناس لولاة جور وظلم وحيف ، ولا سبيل ولا سلطان لهؤلاء الولاة عليهم ، ولم يمسسهم منهم سوء ، في القرآن الكريم ورد أن الملائكة - وهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون- يلعنون من يلعنه الله ، ويلعنه عموم الناس ، قال تعالى:" كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ*أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ*خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ*إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ [11]" " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ *خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ[12] ، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله أما بعد فقد أمكنتك القدرة من ظلم العباد فإذا هممت بظلم أحد فاذكر قدرة اللّه عليك واعلم أنك لا تأتي الناس شيئاً إلا كان زائلاً عنهم باقياً عليك واللّه آخذ للمظلوم من الظالم والسلام[13] كل ذلك ليحذر الإنسان في سلوكه مما يجلب عليه اللعنة من الخالق ، والمقت من المخلوقين، وقد قيل قديما: إياك وما يعتذر منه، وقيل: من عرَّض نفسه للتهم فلا يأمن من إساءة الظن، وقالوا: حسبك من شرّ سماعه. وكان من الأدب الجم : التحفظ من أن تكون عرضة للمقالة القبيحة وإن كانت باطلا.5- ليسوا بغاة : لأنهم ليسوا متأولين[14] : فلم يخرجوا لإنكار أمر منكر يحتمل التأويل ،أي يحتمل أن يكون منكرا ، ويحتمل غير ذلك ،كالمرتدين [15] بل خرجوا لرد الظلم البيِّن ودفع البغي القطعي ، والعدوان السافر ، على السلطة الشرعية المتمثلة فى الرئيس المنتخب ، والدستور المستفتى عليه ، والمجلس المنتخب بأنزه انتخابات شهدتها مصر وشهد لها العالم ، وفى القرآن العزيز " لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً"[16] وقال تعالى :" وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ"[17]6- ليسوا بغاة : لأنهم ليسوا معاندين كمانعي الزكاة[18] فلم يعاندوا فى منع حق وجب عليهم 7- ليسوا بغاة: فلم يتركوا الجُمع والجماعات فقد أقاموا الجمع والجماعات ، بل صلوا التروايح والتهجد على سمع وبصر العالم كله، في ساحة الميادين ، حيث يعتصمون ، وحيثما أدركتهم الصلاة. فكيف تقول عنهم يا عبد الجليل إنهم بغاة ، بأي وجه حق ؟؟؟!! 8- ليسوا بغاة فلم يتحصنوا بحصن ، آووا إليه ، ولا بمعسكر عسكروا فيه، بحيث يُمْكِنُهم مَعَه مُقَاوَمَةُ الْإِمَامِ فَيَحْتَاجُ فِي رَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ لِكُلْفَةٍ مِنْ بَذْلِ مَالٍ وَتَحْصِيلِ - وَإِعْدَادِ - رِجَالٍ[19] وَنَصْبِ قِتَالٍ لِيَرُدَّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ[20] 9- ليسوا بغاة: لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ ، ولا ترويع الآمنين ، فَيكون ُحكْمُهُمْ كَحُكْمِ قُطَّاعِ طَرِيقٍ ، فيواجهوا بالسلاح ، بل كانوا دعاة أمن وسلام ، وطلاب حق ودعاة خير ووئام ، ولم يصولوا على غير المسلمين، مما كان يتوهم ويُروَّج له ، بل إن غير المسلمين التحموا معهم ، وكوَّنُوا ملحمة رائعة قل أن يوجد لها نظير في العالم. أعان كل واحد منهم الآخر على إقامة شعائر دينه بسماحة منقطعة النظير وبحراسة انتفت معها مزاعم التعصب والفتنة الطائفية المدعاة ، بل تم خلال هذه الاعتصامات إشهار حالات إسلام غير مسلمين ، فالحقيقة جمع هؤلاء المتظاهرين والمعتصمين دعاة حق مسلوب ، وأصحاب مطالب مشروعة، سلبت حقوقهم، ونهبت ثروات بلادهم، وحيف عليهم ، وتعثر بهم السبيل، ولم يجدوا من الراعي – الذي سقط بثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، ولا من قادة الانقلاب الغادرين الخائنين ، وإن زعموا أبوة رحيمة ، ولا أخوة شفيقة، ولا رعاية حميمة، ولكن وجدوا أنفسهم تحت هذين الحكمين – قبل الخامس والعشرين من يناير 2011م ومن الثلاثين من يونيو 2013م- أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام، لا يجدون قوتا في بيوتهم ، ولا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلا، وأمام أعينهم وتحت سمعهم وبصرهم ، يعب أناس من المال حتى التخمة، وهم يتضورون جوعا. والله تعالى سائل المخلوع والخائن عنهم يوم القيامة – سواء أدركتهم يد العدالة في الدنيا أم لم تدركهم ، فمن استطاع الإفلات من عدالة الدنيا فلن يُفلت من عدالة الآخرة ، ولئن انبرى وبرع محامون ليجادلوا بالباطل عن هؤلاء الطغاة البغاة من الانقلابيين وأركان الدولة العميقة ، فلسوف يخزيهم الله – جميعا يوم القيامة قال تعالى : " هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا" النساء (109)10- هذا ومما يدل على أن هؤلاء المعتصمين والمتظاهرين ليسوا بغاة، وإنما دعاة حق ، ومن ساند أو ظاهر هذا الانقلاب من أفراد العامة ، من أركان الدولة العميقة ، ومن فلول الحزب الباغي أو من غير الحزب، أو من زعماء العالم المزيفين ، ليسوا على حق فى اتصالهم بقادة الانقلاب ، ومؤازرتهم ومناصرتهم، وتأييدهم لهم، ما تقرر فى الشرع من حرمة ذلك قال ابن عابدين، -[21] رحمه الله تعالى: "َإن الْمُسْلِمِينَ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى إمَامٍ وَصَارُوا آمِنِينَ بِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ بِهِ فَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الظُّلْمَ وَيُنْصِفَهُمْ. وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُعِينُوا الْإِمَامَ، عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ، وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى خُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ"[22] ، ومما هو مقرر أصوليا : أن الإعانة على الحرام حرام.11- ليسوا بغاة فلم يَتَعَرَّضُوا لِحَرِيمِ أَهْلِ الْعَدْلِ[23] فلم تؤثر حالة واحدة تم فيها التعرض لامرأة كبيرة أو صغيرة بخدش حياء ، أو تدنيس ثوب ، أو تجاوز حدود بل شاع العفاف، وانتشر الطهر فى النفس قبل الواقع المعاش.12- ليسوا بغاة فلم يَأْخُذُوا مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ مَا لَيْسَ لَهُمْ ،أَوْ يَمْتَنِعُوا مِنْ دَفْعِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ بل مُنِعوا حقوقهم وانْتُهكت حرماتهم ، "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد". البروج : 8 13- ليسوا بغاة فلم يَتَظَاهَرُوا عَلَى خَلْعِ الْإِمَامِ الَّذِي انْعَقَدَتْ بَيْعَتُهُ[24] بحق ؛ بل بالزور والبهتان والغش والبطلان مما أقر به رأس النظام بأن العملية الانتخابية شابها ما شابها ، وشهد به القاصي والداني وبدليل ما تقرر من العزم على إعادة الانتخاب فى بعض الدوائر ، وترافع إلى القضاء متظلمون .وأقُصي الكفاة والأخيار ، وتم التمكين لأزلام النظام ، وسدنته ، هذا حال ما قامت عليه ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م ، وما وقع فى الثلاثين من يونيو 2013م فقد وقع الانقلاب ، غدرا وخيانة للعهد ، وحنثا فى اليمين ، وإفسادا فى الأرض ، وتكميم الأفواه ، وإغلاق القنوات ، وقصف الأقلام التى من خلالها تتضح الصورة الأخرى بل الوجه الحقيقى لمجريات الأحداث ، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم ، وشاع الاستبداد والقمع ، والمصادرة للحريات منذ اللحظة الأولى للانقلاب ، وألغيت قرارات ، وتم بمجرد الإنقلاب تعطيل وإيقاف وإلغاء مشاريع ، جبارة عملاقة كانت ذات بال فى تعديل المسار الاقتصادي للبلد، وذلك مما لا يخفى على متابع.14- ليسوا بغاة ، فخروجهم إنما هو لإزالة جور أو – رفع - ظلم[25]15- ليسوا بغاة ، ولو تنادوا بعزل ( الراعي العام ) – والمراد به هنا الرئيس المؤقت المُعيَّن أو قائد الانقلاب - أو بعصيانه وعدم طاعته أو بالامتناع عن أداء ما عليهم من واجبات تقوم الدولة على استيفائها[26].16- ليسوا بغاة : فلم يرتكبوا جرما ، ولم يفعلوا محرما ، بل المجرمون - فى دولة الانقلاب - آمنون ، مطمئنون ، فقد أمِن الملحدون فى عهد هؤلاء الطغاة الانقلابيين ، وأخيف المُوحِّدون ، وأوحِشَت المساجد ، وأونست البِيَعُ والكنائس - ولكن إذا فعل الخارجون شيئًا محرمًا عوقبوا عليه باعتباره جريمة عادية[27]، لا على خروجهم وتظاهرهم وجؤارهم بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وإزالة الظلم والعسف، ، وسائر ما ترتب علي الانقلاب من آثار ، ومن الأدلة على ذلك ما قاله علي –رضي الله عنه - بعد أن جرحه ابن ملجم, قال على – رضي الله عنه - لابنه الحسن: أحسنوا إساره؛: أطعموه واسقوه واحبسوه, فإن عشت فأنا ولى دمى أعفو إن شئت وإن شئت استقدت, وإن مت فاقتلوه ولا تمثلوا به. - أنه أشار بالقصاص منه فقد اعتبر عليٌ – رضي الله عنه - جريمة ابن ملجم جريمة عادية ولم يعتبره باغيًا لأن خروجه لم يكن مغالبة[28]هذا هدي الخلفاء الراشدين الذين قال فيهم رسول الله – صلوات الله وسلامه عليه - " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ " صحيح الجامع (رقم2549) ، ولكن مفتى قائد الانقلاب والشئون المعنوية للجيش المصري اعتبروا المعتصمين المتظاهرين فى كافة المحافظات بغاة هكذا بلا تأصيل ولا دليل وأنَّى لهم الدليل والبرهان على ذلك ولو ابْيضَّ الغراب ، إلا فى دولة البوليس ، حيث تُكال التُهم ، ويتم تفصيل المؤامرات ويأمن الخائنون ، ويخاف الأمناء ، وتُلَوَّث صحائف الشرفاء ،لقد جاءت فتوى من ظهروا فى مقطع اليوتيوب الذي عليه شارة وزارة الدفاع المصرية لتدفع بالجيش المصري متخذا من هذه الكلمات الشوهاء ، ستارا وغطاء ليُحاكي الجيش ما فعله الحزب الشيوعي الصيني فى أخريات القرن الماضي عندما امتلأ ميدان السماء بالطلاب المطالبين بالحرية ، فسحقهم بالدبابات ،" وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" النساء: (115) " يروى الحضرمى يقول: دخلت مسجد الكوفة من قِبَل أبواب كندة, فإذا نفر خمسة يشتمون عليًا وفيهم رجل عليه بُرْنُس يقول: أعاهد الله لأقتلنَّه, فتعلقتُ به وتفرقتْ أصحابه عنه, فأتيت به عليًا فقلت: إنى سمعت هذا يعاهد الله ليقتلنَّك, فقال: ادْنُ, ويحك من أنت؟ فقال أنا سور المنقرى. فقال عليٌ: خل عنه. فقلت: أُخَلِّى عنه وقد عاهد الله ليقتلنَّك؟! قال: أفأقْتُلْه ولم يَقْتُلني[29]؟ أرأيت يا صاحب الفضيلة ، يريد الرجل الذي جلب من هدَّد بقتل الخليفة العادل ختن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أن يتنزع تفويضا من الخليفة الشرعي – لا المؤقت ولا الخائن لسفك دم حرام ، فيأبي عليه لأن الله تعالى يأبى ذلك ورسوله والمؤمنون. " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" النساء: (115)17- إن هؤلاء المتظاهرين ليسوا بغاة، ولو نفضوا أيديهم من يد قائد الانقلاب وأعوانه وحكومته ؛ لبغيهم وظلمهم وتضييعهم للأمانة وعدم قيامهم على مصالح الشعب ، وتفريطهم في دم أبناء وطنهم الذي أهدر على يد الصهاينة المتعصبين على الحدود بدم بارد ، فى كل ذلك لا يعدون به بغاة ، ولا أدل ولا أنص على ذلك من مثل ما وقع من بعض الصحابة – رضي الله عنهم - فى صدر الإسلام, من الامتناع عن البيعة المشروعة ؛ فقد امتنع عليٌ – رضي الله عنه - عن مبايعة الصديق أشهرا ثم بايع, ورفض سعد بن عبادة مبايعته ولم يبايعه حتى مات. وكامتناع عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير عن المبايعة ليزيد. ولم يعتبرهم أحد بذلك بغاة ؛ حتى يوجب قتالهم وقتلهم.18- إن هؤلاء المتظاهرين ليسوا بغاة فلا يحل قتالهم ، ولا سفك دمائهم ،فها هو الخليفة الراشد علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – لم يعتبر الخارجين لمجرد خروجهم وتجمعهم – اعتصامهم - بغيا وعدوانا يقتضي قتالهم وقتلهم ، كان يخطب يومًا فقال رجل بباب المسجد: لا حكم إلا لله, وهى عبارة كان الخوارج يتنادونها يُعرِّضون بقبول عليٍ التحكيم. فقال عليٌ : كلمة حق أريد بها باطل, لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله, ولا نمنعكم من الفيء ما دامت أيديكم معنا, ولا نبدؤكم بقتال[30]. أرأيت هدي الخليفة الراشد . فما بال هؤلاء الانقلابيين ، ومن أصدروا لهم الفتاوى ، بأي دليل وبأي مستند شرعي ، استباحوا حرمات الراكعين الساجدين الصائمين القائمين والشيوخ والأطفال والنساء بل أشعلوا النيران في المصابين وهم داخل الخيام حتى تفحمت أجسادهم مما لم يسبق له مثيل؟؟19- إن هؤلاء المتظاهرين ليسوا بغاة ،فلم يقطعوا سبيلا ، ولم يعتدوا على أحد قائم بعمله ، ولم يقاتلوا أحدا ؛ كتب عمر بن عبد العزيز إلى الولاة فى شأن الخوارج قائلا: إِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِ الْقَوْمِ أَنْ يَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ فَسَادٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا يَتَنَاوَلُونَ أَحَدًا وَلَا قَطْعَ سَبِيلٍ مَنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَذْهَبُوا حَيْثُ شاؤوا وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُمُ الْقِتَالَ فَوَاللَّهِ لَوْ أَنَّ أَبْكَارِي مِنْ وَلَدِي خَرَجُوا رَغْبَةً عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَأَرَقْتُ دِمَاءَهُمْ أَلْتَمِسُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ والدار الآخرة[31] وكان من سيرة الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه - فى الخوارج: ما ورد من أنه لما كتب إليه عدى بن أرطأة أن الخوارج يسبونك, فكتب إليه: إن سبونى فسبوهم, وإن شهروا السلاح فأشهروا عليهم, وإن ضربوا فاضربوا[32]. أرأيت لم يأذن بإشهار السلاح والضرب إلا معاملةً بالمثل ، وإلا فمن أين لهؤلاء المفتين ما ذهبوا إليه فى تضليل الرأي العام ، وتجرئيهم الجيش على شعبه ، حتى يقتل الأخ أخاه ، والابن أباه. أولم تتعالى الأصوات هادرة ، ومتجاوبة مع المرشد ، ثورتنا سلمية ، سلميتنا أقوى أقوى من الرصاص.؟؟!!20- ولا يعتبر الخروج – التظاهر والاعتصام - بغيًا عند مالك والشافعى وأحمد والظاهريين إلا حينما يبدأ هؤلاء الخارجين باستعمال القوة فعلاً, أما قبل استعمالها فلا يُعتبر الخروج بغيًا ولا يُعتبرون بغاة ، ويعاملون كما يعامل العادلون ولو تحيزوا فى مكان وتجمعوا – أي اعتصموا - ولو كانوا يقصدون استعمال القوة فى الوقت المناسب, ولكن ليس ثمة ما يمنع من منعهم من التحيز وتعزيرهم على التجمع بقصد استعمال القوة ولإثارة الفتنة. أما أبو حنيفة فيعتبرهم بغاة- إذا كان تجمعهم أي اعتصامهم بقصد القتال - ويعتبر حالة البغى قائمة من وقت تجمعهم بقصد القتال - والامتناع من الإمام لأنه لو انتظر حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه الدفع. وعلى ذلك فقد التقى رأي الإمام أبي حنيفة مع الأئمة الثلاثة والظاهريين بأن هؤلاء المعتصمين والمتظاهرين ليسوا بغاة ، إلا إذا توفرت القرائن على قصد المعتصمين والمتظاهرين القتال ، ودون إثبات ذلك خرط القتاد ، لأنه عزيز الملتمس ، بعيد المقتبس ، هذا ومذهب الشيعة الزيدية يماثل مذهب أبى حنيفة فى هذا. والأصل عند الجميع أن البغاة لا يحل قتالهم إلا إذا قاتلوا, فمن نظر إلى حقيقة القتال اشترط أن يقع القتال فعلاً, ومن نظر إلى وجودهم فى حال قتال اكتفى بتجمعهم بقصد القتال والامتناع[33] ما أنصع هذا التقرير الذي حرَّره شهيد الإسلام القاضي : عبد القادر عودة – عليه سحائب الرحمة - ومنه تتبين أيضا أن هؤلاء المعتصمين والمتظاهرين ليسوا بغاة ، وأنه يحرم قتلهم بل قتالهم إلا إذا قاتلوا أو كان حالهم حال قتال ودون تبَيُّن هذا من دون قرائن خرط القتاد كما أسلفنا ، فكيف أيها المفتى تجرؤ على أن تُحِل ما حرَّم الله ، ورسوله -صلوات الله وسلامه عليه .؟؟؟!!!21-إن هؤلاء المتظاهرين ليسوا بغاة ، كما أسلفنا، وإنما هم طلاب حق ودعاة إصلاح سدت في وجوههم الأبواب، وحيل بينهم وبين قول كلمة الحق، وإحقاقه ، وتحقيق الصالح للعباد والبلاد ، وسد النظام في وجوههم أبواب الحوار والمراجعة أو قل الرجوع إلى المسار الديمقراطي الذي تواضع الكل عليه ، وصار ما يُسمى بخارطة الطريق كقرار فرعون القديم " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى " ووصدت في نفوسهم بواعث الأمل ، وكممت الأفواه، وقصفت أقلام الحق، وتم إقصاء دعاة الحق عن المنابر ،في المساجد، والصحف وأجهزة الإعلام ، والمجالس النيابية ، بتزييف إرادتهم في الانتخابات، فلم يكن أمامهم بد من ركوب متن الطريق، ليسمع صوتهم، وليصل أنينهم إلى سمع كل ذي سمع ، قاصي وداني، بل إلى سمع العالم الحر ، وذوي الضمائر الحية ، والفطر السليمة ، انتصارا وانتصافا ، قال تعالى "لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً"[34] أولم يأمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم من تأذي من جاره ، - عندما تفاقم أذاه - ، وبلغ السيل الزبي من ضره وانتشار شره، أولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى الطريق العام ويجلس بمتاعه فيه ، أمام ناظري المارة والغادي والرائح ، يستلعنهم على الجار المؤذي، حتى أقلع عن ظلمه ، وكفَّ عن بغيه وغَيِّه ، لمَّا كان فيه بقية من خير، عن أبي جحيفة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، قال: "اطرح متاعك على الطريق". فطرحه، فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيت من الناس؟ قال: "وما لقيت منهم؟". قال: يلعنوني. قال: "لعنك الله قبل الناس". فقال: إني لا أعود. فجاء الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارفع متاعك فقد كفيت". ورواه الطبراني والبزار بنحوه إلا أنه قال: "ضع متاعك على الطريق، أي على ظهر الطريق". فوضعه، فكان كل من مر قال: ما شأنك؟ قال: جاري يؤذيني. فيدعو عليه، فجاء جاره فقال: رد متاعك، فلا أؤذيك أبدا[35] وهو فى مستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- بلفظ -: أن رجلا أتى النبي -صلَّى الله عليه وسلم-، فشكا إليه جاره. فقال: يا رسول الله، إن جاري يؤذيني. فقال: (أخرج متاعك، فضعه على الطريق). فأخرج متاعه، فوضعه على الطريق. فجعل كل من مر عليه قال: ما شأنك؟ قال: إني شكوت جاري إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمرني أن أخرج متاعي، فأضعه على الطريق. فجعلوا يقولون: اللهم العنه، اللهم اخزه. قال: فبلغ ذلك الرجل. فأتاه، فقال: ارجع، فوالله لا أؤذيك أبدا[36] " أرأيت كيف أن الرأي العام كان له دوره في تقويم انحراف واعوجاج الجار وقد كان سبيل ذلك الطريق العام ، بمعناه ولفظه البدهي وقد تكون وسيلته توظيف كل وسائل الإعلام (من صحف ومدونات ومطويات ومنشورات وقنوات واليوم الشبكة العنكبوتية، ومواقع النت المتطورة التي جعلها الله تعالى جندا من جنوده المعاصرة ) لإظهار السوء الذي طفح ، والظلم الذي ربى ، والبغي الذي طم والبلاء الذي عم أرجاء النفس والناس ، والهدف رفع الظلم ورد البغي ، والتغيير والإصلاح ، وقد يكون بإمكان هذا الجار الذي تأذي أن يتحول ، إلى سكن آخر ، أما الرعية التي يؤذيها راعيها ويظلمها فأين تتحول؟ وإلى أين تذهب؟، وعليه فالشارع والطريق العام خير منبر، والتكاتف والتآزر من كافة الفئات وأصحاب الحرف ، سبيل لا نظير له لكفكفة يد الراعي الظالمة، وتقليم أظفاره .رحم الله زمانا، كان الراعي فى هذه الأمة يستشعر المسئولية الجسيمة ، والتبعة العظيمة الملقاة على عاتقه ، والتي يأتي بها يوم القيامة أعتقه عدله ، أو أوبقه جوره ، ها هو الفاروق يستشعر هذه المسئولية والتبعة ، فيقول :" لو عثرت بغلة بالعراق ، لقد خشيت أن يسألني الله تعالى عنها يوم القيامة لِمَ لَمْ أسوي لها الطريق ، ويتعثر شباب ، وطبقات بأكملها في الشعب ، ولا يحس بهم الراعي ، ولا تتحرك فيه شعرة ، ولا ينبض عرق بدمه هشاشة لحال هؤلاء وأولئك لطول الأمد ، وقسوة لقلوب ، وها هو الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز يتذكر الموقف العظيم بيد يدي ديان السموات والأرضين ، ويتوجس خيفة من زلة القدم، فيزرف الدموع تململا من شدة وطأة التبعة وجسامتها، ويشعر به أهله ، فلم يعُد له تواجد بينهم ولا حضور ، فتسأله زوجه فاطمة بنت عبد الملك ، أن يبثها شجنه ومشاعره ، لعلها تتعظ، وتتيقظ ،وإلا فما انفكت عنه، وما أخلته وشأنه ، عَن عَطاء قَالَ: قلت لفاطمة بنت عبد الْملك: أَخْبِرِينِي عَن عمر بن عبد الْعَزِيز. قَالَت: أفعل، وَلَو كَانَ حَيا مَا فعلت. إِن عمر رَحمَه الله كَانَ قد فرَّغ للْمُسلمين نَفسه، ولأمورهم ذهنه ، فَكَانَ إِذا أَمْسَى مسَاء لم يفرغ فِيهِ من حوائج النَّاس فِي يَوْمه دَعَا بسراجه الَّذِي كَانَ يسرج لَهُ من مَاله ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أقعى وَاضِعا رَأسه على يَدَيْهِ، تسيل دُمُوعه على خديه يشهق الشهقة تكَاد ينصدع لَهَا قلبه، أَو تخرج لَهَا نَفسه، حَتَّى يرى الصُّبْح. وَأصْبح صَائِما فدنوت مِنْهُ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ ألشيء كَانَ مِنْك مَا كَانَ؟ قَالَ: أجل، فَعَلَيْكِ بشأنكِ، وخلِّيني وشأني. فَقلت: إِنِّي أَرْجُو أَن أتعظ. قَالَ: إِذًا أخْبرك، إِنِّي نظرت قد وجدتني وليت أَمر هَذِه الْأمة أحمرها وأسودها، ثمَّ ذكرت الْفَقِير الجائع، والغريب الضائع، والأسير المقهور، وَذَا المَال الْقَلِيل والعيال الْكثير، وَأَشْيَاء من ذَلِك فِي أقاصي الْبِلَاد، وأطراف الأَرْض، فَعلمت أَن الله عز وَجل سائلي عَنْهُم، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجيجي، لَا يقبل الله مني فيهم معذرة، وَلَا يقوم لي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة، فرحمت - وَالله يَا فَاطِمَة - نَفسِي رَحْمَة دَمَعَتْ لَهَا عَيْني، ووجع لَهَا قلبِي، فَأَنا كلما ازددت ذكرا ازددت خوفًا فأيقظي أو دعي[37]. أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ"[38] أُولَئِكَ أكفائي فجئني بمثلهم أولئك آبائي فجئني بمثلهم..... إذا جمعتنا يا جرير المجامع[39]هذا وللحديث صلة بحول الله وقوته.[1] المائدة:33-34.[2] [التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي 2/ 687][3] [أسنى المطالب في شرح روض الطالب 4/ 111][4] صحيح البخاري كِتَاب الْفِتَنِ. باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا صحيح مسلم كتاب الإيمان. باب قول النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا".[5] مسند الإمام أحمد، صحيح مسلم كتاب الإيمان. باب قول النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا". [6] عند أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه [7] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (5/ 401):[8] [تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي 9/ 67][9] المائدة:32.[10] من أبيات لكعب بن زهير[11] آل عمران: 86-89[12] البقرة:161- 162[13] فيض القدير، شرح الجامع الصغير[14] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (5/ 401):[15] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 403):[16] النساء: 148[17] الشروى:41+ 42[18] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 403):[19] [تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي 9/ 66] [20] [حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد 4/ 200][21] محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ)[22] الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 261):[23] [حاشية الجمل على شرح المنهج = فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب 5/ 114][24] [حاشية الجمل على شرح المنهج = فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب 5/ 114][25] أسنى المطالب, وحاشية الشهاب الرملى ج4 ص111, كشاف القناع ج4 ص96.[26] [التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي 2/ 687][27] [التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي 2/ 687][28] المهذب ج2 ص237, 238, مواهب الجليل ج6 ص278, شرح الزرقانى, وحاشية الشيبانى ج8 ص60, المغنى ج10 ص58, 60, كشاف القناع ج4 ص99[29] شرح فتح القدير ج4 ص409.[30] [التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي 2/ 687][31] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (23/ 336)[التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي 2/ 688][32] المرجع السابق.[33] شرح فتح القدير ج4 ص410, الروض النضير ج4 ص331, شرح الزرقانى, وحاشية الشيبانى ج8 ص60, نهاية المحتاج ج7 ص383[34] النساء:148.[35]مجمع الزوائد كتاب البر والصلة. باب ما جاء في جار السوء وإمام السوء وزوجة السوء نعوذ بالله منهم باب ما جاء في أذى الجار. صحيح الترغيب والترهيب محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420هـ) مكتبة المعارف - الرياض 2558 - (صحيح لغيره)[36] مستدرك الحاكم كتاب البر والصلة[37] نثر الدر في المحاضرات (4/ 30):[38] الأنعام:90[39] البيت للفرزدق من قصيدة من الطَّوِيل يفتخر بهَا على جرير
1654
| 25 أغسطس 2013
لقد تعاظم دور هذه الشرذمة المجرمة هذه الأيام ، ولا سيما مع النكسات التى تشهدها ثورات دول الربيع العربي ، وأصبحت تٌؤدى دورها ، بغطاء من قوات الأمن والجيش ، جهارا نهارا ، هذا من ناحية وأخرى انحراف القوات المسلحة في الجيوش العربية عن دورها الرئيس في الذود عن الحدود الجغرافية للأوطان ، والتصدى للعدو الخارجي الحقيقى للمسلمين المتربص بالأوطان الدوائر ، وانساق الجنود انسياقا عمياء وراء القادة الذين نقضوا العهد ، ونكثوا أيمانهم ، وتنكبوا المسار الصحيح ، فأردت بحول الله تعالى تسليط الضوء على عظيم جرمها وكبير خطرها ، وكل أعوان الظلمة والخائنين ، وما ينتظرهم من سوء العقاب ، ورهيب العذاب ، ووخيم العاقبة ، والإجابة على سؤال هل يُعفى الجنود من المسؤولية كونهم مأمورين ، أم لا ؟؟ فأقول وبالله التوفيق : كَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَقُولُ: سَيَعْلَمُ الظَّالِمُونَ حَقَّ مَنْ انْتَقَصُوا، إنَّ الظَّالِمَ لَيَنْتَظِرُ الْعِقَابَ، وَالْمَظْلُومُ يَنْتَظِرُ النَّصْرَ وَالثَّوَابَ. وَرُوِيَ: إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا سَلَّطَ عَلَيْهِ مَنْ ظَلَمَهُ ، دَخَلَ طَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ يَوْمَ الْأَذَانِ؛ قَالَ هِشَامٌ. وَمَا يَوْمُ الْأَذَانِ؟ قَالَ: اقرأ قَوْله تَعَالَى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ[1]} فَصَعِقَ هِشَامٌ، فَقَالَ طَاوُسٌ: هَذَا ذُلُّ الصِّفَةِ فَكَيْفَ الْمُعَايَنَةُ؟ وَقد تَبَرَّأَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ أَعَانَ الظَّالِمَ. وَفِي الحَدِيثٍ: «مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ» . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا تَمْلَئُوا أَعْيُنَكُمْ مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ إلَّا بِإِنْكَارٍ مِنْ قُلُوبِكُمْ لِئَلَّا تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ الصَّالِحَةُ.قال سفيان الثوري: إذا لم يكن للعالم حرفة ولا عقار كان شرطيا لهؤلاء الظلمة، وإذا لم يكن للجاهل حرفة كان رسولا للفساق[2].قال خياط لابن المبارك : أنا أخيط ثياب السلاطين فهل تخاف علي أن أكون من أعوان الظلمة؟ قال: لا، إن أعوان الظلمة من يبيع منك الخيط والإبرة، أما أنت فمن الظلمة أنفسهم[3].وَقَالَ مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيُّ: يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الظَّلَمَةُ وَأَعْوَانُهُمْ؟ فَمَا يَبْقَى أَحَدٌ حَبَّرَ لَهُمْ دَوَاةً أَوْ بَرَى لَهُمْ قَلَمًا فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَّا حَضَرَ مَعَهُمْ فَيُجْمَعُونَ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ فَيُلْقَوْنَ فِي جَهَنَّمَ. وَجَاءَ خَيَّاطٌ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: إنِّي أَخِيطُ ثِيَابَ السُّلْطَانِ أَفَتَرَانِي مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ؟ فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: بَلْ أَنْتَ مِنْ الظَّلَمَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ يَبِيعُ مِنْك الْإِبْرَةَ وَالْخُيُوطَ.ذكر أعرابيّ السلطان - الجائر - فقال: أما والله لئن عزّوا في الدنيا بالجور، لقد ذلّوا في الآخرة بالعدل[4]وقالَ كعب: يقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ للإمامِ الجائرِ: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ . فيُسحَبُ على وجهِه في النَّارِ، فينتثرُ لحمهُ وعظامُه ومخهُ[5].ويتكرر التحذير من الاعتداء على الإنسان بالضرب والإهانة، من ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم: - "إن الله تعالى يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا"[6].عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ، عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ، مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا".[7].ويقول أيضا: "أول من يدخل من هذه الأمة النار السواطون"[8].والسواطون هم رجال الشرطة، والمخابرات الذين يجلدون الناس بالأسواط. بغير ذنب ولا جريرة ،طاعة للحكام فى معصية الله تعالىوعن أبي هريرة أنه قال: قد رأينا من كل شيء قاله لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم. غير أنه قال: - "يقال لرجال يوم القيامة: اطرحوا سياطكم وادخلوا جهنم"[9].وقال -صلى الله عليه وسلم: "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة أشدهم عذابا للناس في الدنيا"[10].وقال أيضا: "يوشك إن طالت بك مدة أن ترى أقواما في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله"[11].وقال أيضا: "يكون في آخر الزمان شُرَط يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله، فإياك أن تكون منهم"[12].وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "يكون أمراء يعذبونكم ويعذبهم الله"[13].قد كان عمر بن الخطاب إذا بعث عماله شرط عليهم أن يعيشوا معيشة الناس، وأن يركبوا ما يركبه عامة الناس، وأن يلبسوا ما يلبسه عامة الناس ثم يشيعهم. فإذا أراد أن يرجع قال: "إني لم أسلطكم على دماء المسلمين، ولا على أعراضهم ولا على أموالهم. ولكني بعثتكم لتقيموا الصلاة وتقسموا فيهم فيئهم، وتحكموا بالعدل.فإذا أشكل عليكم شيء فارفعوه إلي. ألا فلا تضربوا العرب فتذلوها، ولا تجمروها فتفتنوها، ولا تعتلوا عليها فتحرموها، جردوا القرآن"[14]. ولقد خطب الخليفة عمر رضي الله عنه يوما في الناس فقال: "ألا إني والله ما أرسل عمالي إليكم، ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم. ولكن أرسلهم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي. فوالذي نفسي بيده إذا لأقصنه منه"! فوثب عمرو بن العاص – رضي الله عنه - فقال: "يا أمير المؤمنين أو رأيت إن كان رجل من المسلمين على رعية، فأدب بعض رعيته أئنك لمقصنه منه"؟ فقال الخليفة: "أي والذي نفس عمر بيده إذا لأقصنه منه، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقص من نفسه. ، ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوا حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوا الغياض فتضيعوهم"[15] وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ السَّوَّاطُونَ الَّذِينَ يَكُونُ مَعَهُمْ الْأَسْوَاطُ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ بَيْنَ يَدَيْ الظَّلَمَةِ.» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: الْجَلَاوِزَةُ، أَيْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ، وَالشُّرَطُ أَيْ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ: وُلَاةُ الشُّرْطَةِ وَهُمْ أَعْوَانُ الْوُلَاةِ وَالظَّلَمَةِ، الْوَاحِدُ مِنْهُمْ شُرْطِيٌّ: بِضَمٍّ فَفَتْحٍ - كِلَابُ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَرُوِيَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى مُوسَى صَلَّى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: «أَنْ مُرْ ظَلَمَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يُقِلُّوا مِنْ ذِكْرِي، فَإِنِّي أَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَنِي وَإِنَّ ذِكْرِي إيَّاهُمْ أَنْ أَلْعَنَهُمْ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنِّي أَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَنِي مِنْهُمْ بِاللَّعْنَةِ» .وَجَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مَوْقِفٍ يُضْرَبُ فِيهِ رَجُلٌ ظُلْمًا فَإِنَّ اللَّعْنَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ حِينَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ» . وَجَاءَ كَمَا مَرَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ يُضْرَبُ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَدْعُو حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةً وَاحِدَةً فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَارًا، فَلَمَّا ارْتَفَعَ عَنْهُ وَأَفَاقَ قَالَ: عَلَامَ جَلَدْتُمُونِي؟ قِيلَ: إنَّك صَلَّيْت بِغَيْرِ طَهُورٍ، وَمَرَرْت عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ» فَهَذَا حَالُ مَنْ لَمْ يَنْصُرْ الْمَظْلُومَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى نَصْرِهِ فَكَيْفَ حَالُ الظَّالِمِ؟ . قَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْت فِي الْمَنَامِ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ يَخْدُمُ الظَّلَمَةَ وَالْمَكَّاسِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي حَالَةٍ قَبِيحَةٍ فَقُلْت لَهُ: مَا حَالُك؟ فَقَالَ شَرُّ حَالٍ، فَقُلْت لَهُ: إلَى أَيْنَ صِرْت؟ فَقَالَ إلَى عَذَابِ اللَّهِ، قُلْت: فَمَا حَالُ الظَّلَمَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالَ شَرُّ حَالٍ، أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ[16]}. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْت رَجُلًا مَقْطُوعَ الْيَدِ مِنْ الْكَتِفِ وَهُوَ يُنَادِي مَنْ رَآنِي فَلَا يَظْلِمَنَّ أَحَدًا، فَتَقَدَّمْت إلَيْهِ وَقُلْت لَهُ: يَا أَخِي مَا قِصَّتُك؟ فَقَالَ يَا أَخِي قِصَّتِي عَجِيبَةٌ، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْت مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ، فَرَأَيْت يَوْمًا صَيَّادًا قَدْ اصْطَادَ سَمَكَةً كَبِيرَةً فَأَعْجَبَتْنِي، فَجِئْت إلَيْهِ فَقُلْت: أَعْطِنِي هَذِهِ السَّمَكَةَ، فَقَالَ لَا أُعْطِيكَهَا أَنَا آخُذُ بِثَمَنِهَا قُوتًا لِعِيَالِي، فَضَرَبْته وَأَخَذْتهَا مِنْهُ قَهْرًا وَمَضَيْت بِهَا، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا مَاشٍ بِهَا حَامِلَهَا إذْ عَضَّتْ عَلَى إبْهَامِي عَضَّةً قَوِيَّةً فَلَمَّا جِئْت بِهَا إلَى بَيْتِي وَأَلْقَيْتهَا مِنْ يَدِي ضَرَبَتْ عَلَيَّ إبْهَامِي وَآلَمَتْنِي أَلَمًا شَدِيدًا حَتَّى لَمْ أَنَمْ مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ وَوَرِمَتْ يَدِي فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت الطَّبِيبَ وَشَكَوْت إلَيْهِ الْأَلَمَ فَقَالَ: هَذِهِ بُدُوُّ أَكَلَةٍ اقْطَعْهَا وَإِلَّا تَلِفَتْ يَدُك كُلُّهَا فَقَطَعْت إبْهَامِي ثُمَّ ضَرَبَتْ يَدِي فَلَمْ أُطِقْ النَّوْمَ وَلَا الْقَرَارَ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ، فَقِيلَ لِي اقْطَعْ كَفَّك فَقَطَعْتهَا وَانْتَشَرَ الْأَلَمُ إلَى السَّاعِدِ وَآلَمَنِي أَلَمًا شَدِيدًا وَلَمْ أُطِقْ النَّوْمَ وَلَا الْقَرَارَ وَجَعَلْت أَسْتَغِيثُ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ، فَقِيلَ لِي: اقْطَعْهَا مِنْ الْمِرْفَقِ فَانْتَشَرَ الْأَلَمُ إلَى الْعَضُدِ وَضَرَبَتْ عَلَيَّ عَضُدِي أَشَدَّ مِنْ الْأَلَمِ فَقِيلَ لِي: اقْطَعْ يَدَك مِنْ كَتِفِك وَإِلَّا سَرَى إلَى جَسَدِك كُلِّهِ فَقَطَعْتهَا فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ: مَا سَبَبُ أَلَمِك فَذَكَرْت لَهُ قِصَّةَ السَّمَكَةِ، فَقَالَ لِي: لَوْ كُنْت رَجَعْت مِنْ أَوَّلِ مَا أَصَابَك الْأَلَمُ إلَى صَاحِبِ السَّمَكَةِ فَاسْتَحْلَلْت مِنْهُ وَاسْتَرْضَيْته وَلَا قَطَعْت يَدَك، فَاذْهَبْ الْآنَ إلَيْهِ وَاطْلُبْ رِضَاهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْأَلَمُ إلَى بَدَنِك.قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَطْلُبُهُ فِي الْبَلَدِ حَتَّى وَجَدْته فَوَقَعْت عَلَى رِجْلَيْهِ أُقَبِّلُهُمَا وَأَبْكِي وَقُلْت: يَا سَيِّدِي سَأَلْتُك بِاَللَّهِ إلَّا مَا عَفَوْت عَنِّي، فَقَالَ لِي: وَمَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْت أَنَا الَّذِي أَخَذْت مِنْك السَّمَكَةَ غَصْبًا، وَذَكَرْت لَهُ مَا جَرَى وَأَرَيْته يَدِي فَبَكَى حِينَ رَآهَا ثُمَّ قَالَ: يَا أَخِي قَدْ حَالَلْتُكَ مِنْهَا لِمَا قَدْ رَأَيْت بِك مِنْ هَذَا الْبَلَاءِ، فَقُلْت لَهُ: بِاَللَّهِ يَا سَيِّدِي هَلْ كُنْت دَعَوْت عَلَيَّ لَمَّا أَخَذْتهَا مِنْك؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: اللَّهُمَّ هَذَا تَقَوَّى عَلَيَّ بِقُوَّتِهِ عَلَى ضَعْفِي وَأَخَذَ مِنِّي مَا رَزَقْتَنِي ظُلْمًا فَأَرِنِي فِيهِ قُدْرَتَك، فَقُلْت لَهُ: يَا سَيِّدِي قَدْ أَرَاك اللَّهُ قُدْرَتَهُ فِي وَأَنَا تَائِبٌ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا كُنْت عَلَيْهِ مِنْ خِدْمَةِ الظَّلَمَةِ وَلَا عُدْت أَقِفُ لَهُمْ عَلَى بَابٍ وَلَا أَكُونُ مِنْ أَعْوَانِهِمْ مَا دُمْت حَيًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى،". وفى الصحيح عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ نَبِىِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَتَكَلَّمُ يَقُولُ: وُكِّلْتُ الْيَوْمَ بِثَلاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عنيد، وَبِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَيَنْطَوِى عَلَيْهِمْ، فَيَقْذِفُهُمْ فِى غَمَرَاتِ جَهَنَّمَ[17].وهؤلاء الشبيحة – فى الشام - أو البلطجية – فى مصر - والبلاطجة فى اليمن – أوالزعران فى الأردن - ومن وراءهم فى سعيهم وحملهم على سفك الدماء وإزهاق الأرواح بغير حق هم أبغض الخلق إلى الله تعالى فى الصحيح عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أبْغض النَّاس إِلَى الله ثَلَاثَة: ملحدٌ فِي الْحرم، ومبتغ فِي الْإِسْلَام سنة جَاهِلِيَّة، ومطلب دم امْرِئ بِغَيْر حقٍّ ليهريق دَمه [18]". وهذه الدماء لن تضيع هدرا فى الدنيا قبل الآخرة، فى الصحيح عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أول مَا يقْضى بَين النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي الدِّمَاء[19] ". الدنيا كلها أهون على الله تعالى من نفس واحدة لمؤمن تقتل ظلما عَن الْبَراء بن عَازِب أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لزوَال الدُّنْيَا أَهْون عَلَى الله من قتل مُؤمن بِغَيْر حق[20]"وكل الشركاء فى هذه الجريمة فى النار وبئس القرار عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن الثقلين اجتمعوا على قتل مؤمن لكبهم الله على مناخرهم في النار، وإن الله حرم الجنة على القاتل والآمر[21]))عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: «لَنْ يزالَ المؤمِنُ في فُسحَة من دِينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً» ، قال: وقال ابن عمر: «إنَّ من وَرَطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفكُ الدَّم الحرام بغير حِلِّه[22]»عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ مَظْلُومًا فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ نَفْسِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ جَارِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ فِي جَنْبِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ[23]".والسؤال : هل يعفى هؤلاء الشبيحة والبلطجية – وكذا الجنود - من المسؤولية كونهم مأمورين من القيادات ، والجواب لا : للنصوص السابقة ولقوله تعالى : إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ: القصص: 8 . لقد اعتبرهم النص القرآني مسؤولين جميعا ونسب إليهم الخطأ بل الخطيئة كلهم ، وفرعون هنا مثال ونموذج للقائد ، وهامان مثال ونموذج للوزراء ، والجنود هم الجنود ، ومثلهم معهم من البلطجية والشبيحة ، وأثبت أو نسب القرآن الكريم فى مواطن كثيرة من آياته الجرم إلى القادة والجنود معا لما كانوا على دين قادتهم قال تعالى :" وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ" القصص:39. ولذا عند العقوبة يأخذ أو يُؤاخذ الله تعالى كلا بذنبه قال تعالى " فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ* وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ" القصص: 40-42. وما يحذرونه ويودون دفعه بجرائمهم سيق لا محالة فلا حذر يغنى عم قدر : قال تعالى إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ* وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ" القصص :4-6.هذا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.هوامش:[1] الأعراف: 44[2] [ربيع الأبرار ونصوص الأخيار 3/ 113][3] [ربيع الأبرار ونصوص الأخيار 3/ 116][4] [التذكرة الحمدونية 3/ 176][5] [تفسير ابن رجب الحنبلي 2/ 324][6] صحيح مسلم، كتاب البر. مسند أحمد،[7] صحيح مسلم "كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها. باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء[8] المتقي الهندي، كنز العمال، جـ5، ص798 نقلا عن ابن أبي شيبة[9] المستدرك للحاكم[10] مسند أحمد المستدرك للحاكم[11] صحيح مسلم "شرح النووي"، جـ17، كتاب الجنة[12] مسند أحمد "تصنيف الساعاتي"، جـ19، ص324. المستدرك للحاكم،[13] الحاكم، المستدرك[14] المتقي الهندي، كنز العمال، جـ5، ص688 نقلا عن البيهقي في شعب الإيمان. تجمروها: تجمير الجيش جمعه في الثغور وحبسهم عن العود إلى أهلهم. جردوا القرآن: لا تقرنوا به شيئا ليكون وحده منفردا.[15] مسند أحمد، "تصنيف الساعاتي"، جـ3، ص87[16] الشعراء: 227[17] [سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها 6/ 447] حديث رقم 2699[18] [الجمع بين الصحيحين 2/ 74][19] مسند الإمام أحمد. صحيح البخاري كِتَاب الرِّقَاقِ. باب الْقِصَاصِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.صحيح مسلم كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والدِّيَّات. باب المجازاة بالدِّماء في الآخرة، وأنَّها أوَّل ما يقضى فيه بين النَّاس يوم القيامة. سنن النسائي كتاب تحريم الدم. باب تعظيم الـدم.سنن ابن ماجة كتاب الديات. باب التغليظ في قتل مسلم ظلما.[20] [صحيح وضعيف سنن ابن ماجة 6/ 119، بترقيم الشاملة آليا]حديث رقم 2619[21] [الترغيب والترهيب لقوام السنة 3/ 190][22] أخرجه البخاري في كتاب الديات في فاتحته.[23] [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة 5/ 151]
7578
| 18 أغسطس 2013
1. استحب صيام ستة من شوال أكثر العلماءهذا هو مذهب السلف والخلف وجمهور العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ، والشافعي وأحمد .للحديث الصحيح عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".صحيح مسلم كتاب الصيام. باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان.عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: "الصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار[1].قال أبو السعادات ابن الأثير في النهاية: أي إذا ترك الناس الطاعات ورغبوا عنها . كان المتسمك بها له ثواب كثواب الكار في الغزو بعد أن فر الناس عنه.وقد قال تعالى :"فإذا فرغت فانصب" في هذه الآية الكريمة حث على الاجتهاد في العبادة والنَّصَب فيها، وأن يواصل بين بعضها وبعض، ويتابع ويحرص على أن لا يخلى وقتا من أوقاته منها. فإذا فرغ من عبادة ذنبها بأخرى، فنحن لتوِّنا فرغنا من صيام الفرض (شهررمضان ) فلننهض لصيام السنَّة بأنواعها على مدار العام وفي مقدمتها الأيام الستة ..2. وجه كون صيام ستة أيام بعد رمضان يعدل صيام الدهروإنما كان صيام رمضان واتباعه بصيام ست من شوال يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها لقوله تعالى :" مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا"الأنعام/160. وقد جاء ذلك مفسرا من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام سنة" صححه الألباني في الإرواء تحت حديث: 950 , وصَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1007 وهذا من عظيم فضل الله تعالى أن تتاح للعبد فرصة الحصول على ثواب عبادة الدهر على وجه لا مشقة فيه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .ومن ذا الذي يتأتي له صيام الدهر مع القيام بباقي التكاليف والمسؤوليات والتبعات المنوطة به للخالق سبحانه وللخلق ؟؟!! انظر مثلا قيام الليل كله ، يكره صلاة كل الليل دائماً لكل أحد،لأن في صلاة الليل كله لا بد فيها من الإضرار بنفسه وتفويت بعض الحقوق، لأنه إن لم ينم بالنهار فهو ضرر ظاهر، وإن نام نوماً ينجبر به سهره فوَّت بعض الحقوق، بخلاف من يصلي بعض الليل فإنه يستغني بنوم باقيه، وإن نام معه شيئاً في النهار كان يسيراً لا يفوت به حق ولهذا رأينا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، لا يُقر من عزم على قيام الليل كله بلا نوم ، كما في الصحيح عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالُ جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" صحيح البخاري،. كِتَاب النِّكَاحِ. باب التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ. لقد أرشد هذا الحديث إلى طريقة النبي صلوات الله وسلامه عليه الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل.وقس على هذا الصيام كما رأينا في هذا الحديث الصحيح وسائر التكاليف الأخرى .فسبحان من يمن بالفضل على من يشاء من عباده.3. حكمة النص على شوال أن ثواب الصيام فيه ثواب الفرضفإن قال قائل: فلو صام هذه الأيام الستة من غير شوال يحصل له هذا الفضل؟ فكيف خص صيامها من شوال؟ قيل: صيامها من شوال يلتحق بصيام رمضان في الفضل والأجر والثواب فيكون له أجر صيام الدهر" فرضا" ذكر ذلك ابن المبارك وذكر: أنه في بعض الحديث حكاه الترمذي في جامعه ولعله أشار إلى ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها: أن من صام الغد من يوم الفطر فكأنما صام رمضان. وأكثر العلماء على: أنه لا يكره صيام ثاني يوم الفطر وقد دل عليه حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لرجل: [ إذا أفطرت فصم]ومما لا شك فيه أن ثواب وأجر الفرض أعظم وأكبر من ثواب وأجر النافلة ، هذا من ناحية وأخرى أنه إذا تحقق صيام الدهر أو تحصَّل ثواب صيام الدهر بصيام ستة أيام مع رمضان ، وكان الأجر بحساب الفريضة ، فإنه ثمَّة طريق أخرى لتحصيل ثواب صيام الدهر ولكن بحساب النافلة وذلك للحديث الصحيح عن عبد الله بن عَمْرو – رضي الله عنهما – قال : قَالَ لي رَسُول الله صلوات الله وسلامه عليه - صم من كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن لَك بِكُل حَسَنَة عشر أَمْثَالهَا، فَإِن ذَلِك صِيَام الدَّهْر " الجمع بين الصحيحين (3/ 430)[2] وثمَّة روايات عن عائشة وأم سلمة ، وأبي ذر عبد الله بن مسعود وغيرهم – رضي الله عن الصحابة أجمعين .4. ثاني حكمة في النص على شوال إرادة اليسر والسهولة على المكلفينأن المراد به الرفق بالمكلف , لأنه حديث عهد بالصوم , فيكون الصوم أسهل عليه وأيسر ، ومما لا شك فيه أن صيام اليوم العشرين وما يتلوه لا يكون فيه من المشقة ما يكون في اليوم الأول وتاليه ، من نقص لنسبة السكر في الدم ، وتغيير نمط الحياة ، فيسهل الأمر بعد ذلك ويهون، ولذا تم النص على شوال لأنه الأيسر والأسهل ، فيُستحب للمسلم أن يعمد إلى الأسهل والأيسر من أمور عبادته وطاعته إيلافا للنفس على الطاعة وعونا لها، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت {ما خُيِّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعدَ الناس منه ... }[3] ألم تر إلى الحديث الشريف عن عامر بن مسعود الجُمَحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة}[4] رواه أحمد ، ومراعاة اليسر على النفس في القيام بالعبادة متوافق مع روح الشريعة السمحاء يقول تعالى وسط آيات الصيام : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)البقرة/185ويقول تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)البقرة/286وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ."صحيح البخاري، كِتَاب الْإِيمَانِ. باب الدِّينُ يُسْرٌ.وقال رسول صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتاً وَلاَ مُتَعَنِّتاً، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّماً مُيَسِّراً".صحيح مسلم.كتاب الطَّلاق. باب بيان أن تخيِّير امرأته لا يكون طلاقاً إلاَّ بالنِّية. وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل ولأبي موسى الأشعري عندما بعثهما إلى اليمن: " "يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا". صحيح البخاري، كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ. باب مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْحَرْبِ وَعُقُوبَةِ مَنْ عَصَى إِمَامَهُ. صحيح مسلم كتاب الجهاد والسِّير. باب في الأمر بالتَّيسير، وترك التَّنفير. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً5. ثالث حكمة في النص على شوال المشقة في الصوم بعده لبعد العهد إذًا في ذكر شوال تنبيه على أن صوم هذه الأيام الستة في غير شوال أفضل , -لما كان الثواب على قدر المشقة - حكاه القرافي من المالكية , وهو غريب عجيب.ويشهد له قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنّ لَكَ مِنَ الأَجْرِ على قَدْرِ نَصَبِكَ ونفقتك) صحيح الجامع حديث رقم: 2160 عن عائشة رضي الله عنها - [الألباني] وفي الرواية الأخرى: (أجرك على قدر نفقتك)وفي الصحيح عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال:" إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَء.."[صَحَّحَهُ الْعَلاَّمَةُ الأَلبَانيُّ في سُنَنِ الإِمَامِ ابْنِ مَاجَةَ بِرَقم: 4031، وَفي الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحَةِ بِرَقْمَيْ: 2111، 146] موسوعة الرقائق والأدب - ياسر الحمداني (ص: 4894، بترقيم الشاملة آليا)6. رابع حكمة في النص على شوال القصد إلى المبادرة بالصيام قبل العوارض والموانعأن المقصود به المبادرة بالعمل , وانتهاز الفرصة , خشية الفوات.أو قبل أن تعرض العوارض ، وتمنع الموانع ، قال تعالى {فاستبقوا الخيرات} وقال تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وهذا تعليل طائفة من الشافعية وغيرهم.وفي الأثر "بادِرُوا بالأَعْمالِ هَرَماً ناغِصاً وَمَوْتاً خالِساً وَمَرَضاً حابِساً وَتَسْوِيفاً مُؤْيِساً[5] "هب - عن أبي أمامة" وفى رواية أو "ندمًا قائمًا" ومن غريب الحديث: "ناغصًا": مكدرًا. "خالسًا": يأتى خلسة.وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَّرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ[6]. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب، وأخرجه الحاكم[7]ومعنى بادر الشيءَ: عجل إليه , واستبق وسارع. قالوا: ولا يلزم أن يعطي هذا الفضل لمن صامها في غيره , لفوات مصلحة المبادرة والمسارعة المحبوبة لله.وأقول لا حرج على فضل الله تعالى وظاهر الحديث "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ،صحيح مسلم كتاب الصيام. باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان مع هذا القول. أي المبادرة قبل أن تمنع الموانع ومن ساعده الظاهر فقوله أولى. ولا ريب أنه لا يمكن إلغاء خصوصية شوال , وإلا لم يكن لذكره فائدة.7. خامس حكمة في النص على شوال استدراك الرسول Iفيه ما فاته فى رمضانقال الحافظ ابن رجب – رحمه الله تعالى - قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي ما فاته من أوراده في رمضان في شوال فترك في عام اعتكاف العشر الأواخر من رمضان ثم قضاه في شوال فاعتكف العشر الأول منه كما في صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً فَأَذِنَتْ لَهَا فَضَرَبَتْ خِبَاءً فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْأَخْبِيَةَ فَقَالَ مَا هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَالْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ" صحيح البخاري كتاب الاعتكاف.باب اعْتِكَافِ النِّسَاءِ. فيه دليل على أن النوافل المعتادة إذا فاتت تقضي استحباباوقضاؤه صلى الله عليه وسلم له فعلى طريق الاستحباب لأنه كان إذا عمل عملا أثبته لم يدخل فيه؛ لأنه Iكان أوفى الناس بما عاهد عليه الله ، قال المهلب: فى قوله عليه السلام: (آلبر ترون بهن) من الفقه أن من عُلم منه الرياء فى شىء من الطاعات فلا بأس أن يُقطع عليه فيه ومنعه منه، ألا ترى قوله عليه السلام: (آلبر ترون بهن) . يعنى أنهن إنما أردن الحظوة والمنزلة منه عليه السلام، فلذلك قطع عليهن ما أردنه وأخر ما أراده لنفسه.8. سادس حكمة في النص على شوال استنهاض أم سلمة أهلها قضاء الدَّين فيهفقد ورد عن أم سلمة رضي الله عنها - أنها كانت تأمر أهلها من كان عليه قضاء من شهر رمضان فليبدأ أن يقضيه الغد من يوم الفطر فمن كان عليه قضاء من شهر رمضان فليبدأ بقضائه في شوال فإنه أسرع لبراءة ذمته، وبمثل ما قلنا في المسارعة إلى مرضاة الله تعالى نقول هنا بل إن المسارعة في أداء الفرض أولى منها في النافلة ، لمَّا كان الحساب بين يدي الله تعالى عن الفرض أولا ثم السنة .9. سابع حكمة في النص على شوال المسارعة إلى جبر الخلللما كان صوم رمضان لا بد أن يقع فيه نوع تقصير وتفريط , وهضم من حقه وواجبه ندب إلى صوم ستة أيام من شوال , جابرة له , ومسددة لخلل ما عساه أن يقع فيه. فجرى صيام هذه الأيام مجرى سنن الصلوات التي يتنفل بها بعدها جابرة ومكملة , قلت وعلى هذا المعنى المسارعة إلى جبر الخلل والاعتذار عن السهو والتفريط خلال صيام الشهر فَحَسُن صيام الأيام الستة خلال شوال مثلها في ذلك مثل سجود السهو في الصلاة ، ولمَّا كان سجود السهو منه ما يكون قبل السلام ومنه ما يكون بعد السلام ، فكذا من لم يتمكن من صيام هذه الأيام الستة حلال شوال ، فليبادر بها بعده ، وفضل الله لا حرج فيه ، وتظهر فائدة اختصاصها بشوال إذا ما بادر بها المسلم , والله أعلم.10. هل يمكن أن تُصام هذه الأيام الستة في غير شوال وتحصل نفس المزية والأجر ؟نعم إن شاء الله تعالى للحديث الصحيح عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ , وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ بِشَهْرَيْنِ , فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ) قال تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (جة) 1715 , صححه الألباني في الإرواء تحت حديث: 950 , وصَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1007فهل الْمُرَادُ بقوله "...بَعْدَ الْفِطْرِ .." الْبَعْدِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا: "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمثالها} صحيح الجامع حديث رقم: 6328 عن ثوبان[الألباني] صحيح الترغيب 997و صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1084)قال الملا الهروي القاري فى مرقاة المفاتيح (..لَا يَخْفَى أَنَّ ثَوَابَ صَوْمِ الدَّهْرِ يَحْصُلُ بِانْضِمَامِ سِتٍّ إِلَى رَمَضَانَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي شَوَّالٍ فَكَانَ وَجْهُ التَّخْصِيصِ الْمُبَادَرَةَ إِلَى تَحْصِيلِ هَذَا الْأَمْرِ، وَالْمُسَارَعَةَ إِلَى مَحْصُولِ هَذَا الْأَمْرِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذكَرْنَاهُ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ" مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1417)ودليل من ذهب إلى أن ثوَابَ صَوْمِ الدَّهْرِ يَحْصُلُ بِانْضِمَامِ سِتٍّ إِلَى رَمَضَانَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي شَوَّالٍ ما أخرجه أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ والدارمي وَالْبَزَّار من حَدِيث ثَوْبَان عَنهُ[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَآله وَسلم أَنه قَالَ: "من صَامَ رَمَضَان وَسِتَّة أَيَّام بعد الْفطر كَانَ تَمام السّنة من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا "حيث قال "وَسِتَّة أَيَّام بعد الْفطر"وهناك استنباط آخر دقيق في المسألة من نص حديث أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".صحيح مسلم كتاب الصيام. باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان" وذلك كالآتي : نقول "مِنْ " تأتي في كتاب الله تعالى على نحو بضعة عشر معنى اتفق النحاة على أن المعنى الرئيسي لهذه المعاني لــ(من) الجارة هو ابتداء الغاية ؛ مكانية: مثل: قوله تعالى {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، أو زمانية مثل: قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ} ، أو مطلقة من المكان والزمان مثل: قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} وفي الحديث الشريف قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) «مطرنا من الجمعة إلى الجمعة»ومن معاني "مِنْ" أيضا في اللغة التبعيض بأنْ تسدّ "بعض " مسدَّها، نحو: (حتى تُنْفِقوا مما تحبون) .وقرأ ابن مسعود "بَعْض ما تحبّون" وعلى هذا إذا اعتبرنا أن " مِنْ " في قوله صلوات الله وسلامه عليه " مِنْ شَوَّالٍ " تبعيضية فعليه تكون الأيام الستة بعض شهر شوال، وإذا اعتبرناها ابتدائية فيكون الصيام لهذه الأيام الستة في أي وقت من أشهر الإفطار ابتداء من شوال ، على اعتبار أنه أول أشهر الفطر ، ويكون النص على شوال في الحديث لأنه أول هذه الأشهر وللمعاني الأخرى التي سقناها ، ويشهد له الروايات الصحيحة التي سبقت فى هذا المبحث والتي جاء بها ذكر الأيام الستة دون قيد شوال : "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمثالها} صحيح الجامع حديث رقم: 6328 [الألباني] قلت :وهذا الاستنباط الدقيق المفيد لكون صيام الأيام الستة يتحقق فضله وأجره ، وإن لم تقع في شوال – إن كان على صواب وهدي وفتح من الله تعالى - يكون باب رحمة من الله تعالى لعباده فلا نُحجِّر واسعا ، وتبقي حكمة النص على شوال ما سبق أن أشرنا إليه والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم. 11. المسارعة إلى ما فيه مرضاة لله تعالىفي النهوض من ثاني أيام شوال إلى صيام الأيام الستة مسارعة إلى مافيه مرضاة لله تعالى قال تعالى:"وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى"طه/84 وقال تعالى:"وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"آل عمران/133 وقال تعالى:"سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"الحديد/21.12.استكمال أجر صيام الدهر كله بحساب فرض رمضان بهامن هذه الحِكَم أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله بحساب فرض رمضان ، فعن الشعبي قال: لأن أصوم يوما بعد رمضان أحب إليّ من أن أصوم الدهر كله وإلا فإن صيام الدهر يتحصل بطرق أخري عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".صحيح مسلم كتاب الصيام. باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إِتباعاً لرمضان" ومن صور صيام الدهر وتحصيل أجره بيسر وسهولة ما ورد في الصحيح أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ له : رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ". صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ.صحيح مسلم كتاب الصيام. باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرّر به أو فوّت به حقاً أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم، ولكن هذه الصورة الأخيرة صيام ثلاثة أيام من كل شهر يكون ثوابها ثواب النافلة بينما صيام ستة أيام بعد رمضان يكون ثوابها ثواب صيام الدهر بحساب الفريضة والحديث الصحيح قدَّم الفريضة على النافلة "..وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّه.." صحيح البخاري، كِتَاب الرِّقَاقِ. باب التَّوَاضُعِ.فافترق النوعان والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم.13. كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدهامن هذه الحِكَم أن الصيام فى شعبان وشوال كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنهما - قالت: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» (رواه البخاري ومسلم.).هذا عن الصيام القبلي – أي قبل صوم رمضان- كما أن للصلاة سننا قبلية وأخرى بعدية فكذلك الصيام في الحديث الصحيح ،عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيْقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَنْ تَطَوُّعِهِ؟ فَقَالَتْ:كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعَاً، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الْوِتْرُ، وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلاً طَوِيلاً قَائِمَاً، وَلَيْلاً طَوِيلاً قَاعِداً، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِداً رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها. باب فضل السُّنن الرَّاتبة قبل الفرائض وبعدهنَّ، وبيان عددهنَّ. وعند البخاري منْ حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ"صحيح البخاري كتاب التهجد. باب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى. وكذا الشأن في الزكاة للحديث في المال حق سوى الزكاة.وإن لم تكن بنفس التراتبية.القبلية والبعدية.14. إكمال النقص وجبر الخللمن حِكْمة مشروعية صيام الأيام الستة بعد رمضان جبر الخلل ، وتعويض النقص الذي عساه أن يكون قد وقع خلال الصوم فالإنسان لا يخلوا من خطأ ونقص ومعصية، فكانت مشروعية النوافل التي تكمل الناقص من الفرائض ومن ذلك الصوم، فهناك مكروهات كثيرة قد يقع فيها صائم الفريضة تنقص أجر صومه، فشرعت النافلة لسد ذلك النقص وترقيع ذلك الخلل. فكل ابن آدم خطاء، والكل يجوز عليه الذنب والخطيئة، فشرع التطوع لجبر ذلك النقص، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة " [رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند]، فالمسلم يسعى لزيادة الأجر، وتحصيل المثوبة من الله تعالى، ولا يتأتى ذلك إلا بفعل الواجبات والإكثار من المستحبات، ومنها صيام ستة أيام بعد رمضان ، ومنها صوم يوم عرفة. وهناك أيام وأشهر رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تحري صيامها لما فيها من أجر ومثوبة، وهي من صوم التطوع. فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال ولهذا في الحديث النهى أن يقول الرجل صمت رمضان كله أو قمته كله ،عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ صُمْتُ رَمَضَانَ وَلاَ قُمْتُهُ كُلَّهُ. وَلاَ أَدْرِي كَرِهَ التَّزْكِيَةَ، أَوْ قَالَ: لاَ بُدَّ مِنْ غَفْلَةٍ وَرَقْدَةٍ. - وفي رواية: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي قُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ. قَالَ قَتَادَةُ: فَاللهُ أَعْلَمُ أَخَشِيَ التَّزْكِيَةَ عَلَى أُمَّتِهِ، أَمْ يَقُولُ: لاَ بُدَّ مِنْ رَاقِدٍ، أَوْ غَافِلٍ[8]. حم (20795)هذا والأصل في هذه الحكمة ما ورد عن أبي هُريرَةَ رضي الله عنه قال سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنّ أولَ ما يُحَاسَبُ به العبد يومَ القيامةِ من عملهِ صَلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خابَ وخسرَ، فإن انتقصَ من فريضته شيءٌ قال الرب عز وجل: أنظروا هل لَعْبْدِيَ منْ تطوعٍ؟ فيُكْمِلُ بها ما انتقصَ من الفريضةِ، ثم يكونُ سائرُ عملِهِ على ذلك".سنن الترمذي كتاب الصلاة عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ـ باب مَا جَاء أن أولَ ما يحاسَبُ به العَبْدُ يومَ القيامةِ الصّلاة.قال العراقي في شرح الترمذي: هذا الذي ورد من إكمال ما ينتقص العبد من الفريضة بما له من التطوع يحتمل أن يراد به ما انتقص من السنن والهيئات المشروعة المرغب فيها من الخشوع والأذكار والأدعية وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة وإن لم يفعله في الفريضة وإنما فعله في التطوع، ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأساً فلم يُصَلِّه فيعوض عنه من التطوع، والله تعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عوضاً عن الصلاة المفروضة ولله سبحانه أن يفعل ما شاء، فله الفضل والمن، بل له أن يسامح وإن لم يصل شيئاً لا فريضة ولا نفلاً (ثم تؤخذ الأعمال على ذاك): أي إن انتقض فريضة من سائر الأعمال تكمل من التطوع، وفي رواية لابن ماجه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك. قال المنذري: وأخرجه ابن ماجه. فالإنسان عليه أن يحرص على الفرائض ويحرص على النوافل، ولا يتهاون بالنوافل؛ لأن التهاون بالنوافل قد يؤدي إلى التهاون بالفرائض والعياذ بالله –15. مشروعية الصيام عند العجز عند صدقة الفطركان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: من لم يجد ما يتصدق به فليصم يعني من لم يجد ما يخرجه صدقة الفطر في آخر رمضان فليصم بعد الفطر فإن الصيام يقوم مقام الإطعام في التكفير للسيئات كما يقوم مقامه في كفارات الإيمان وغيرها من الكفارات في مثل كفارات القتل والوطء في رمضان والظهار فإنه في كفارات كثير من الذنوب قد تمت المراوحة بين الصيام والإطعام –في كفارة اليمينقال تعالى:"لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْأَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"المائدة/89}في كفارة الظهارقال تعالى:"وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ"المجادلة/3-4وفي كفارة الجماع في نهار رمضانجاء الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "وَمَا أَهْلَكَكَ؟".قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ.قَالَ: "هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟".قَالَ: لاَ.قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟".قَالَ: لاَ.قَالَ: "فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟".قَالَ: لاَ.قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَقٌ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: "تَصَدَّقْ بِهَذَا".قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا.فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّىَ بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ. صحيح مسلم كتاب الصيام. باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفارة الكبرى فيه وبيانها، وأنها تجب على الموسر والمعسر وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع.وفي مشروعية صدقة الفطر جاء في الحديث "طعمة للمساكين ، وطهرة للصائم من اللغو والرفث"ومن ذلك استنبط الخليفة الخامس قيام الصيام مقام الإطعام عند العجز عن صدقة الفطر ، لاشتراكهما في تكفير السيئات كما أصَّلنا وفصَّلنا.16. نقض دليل سقوط النوافل بعد أداء الفرائضفي الحديث الصحيح عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً، أدخل الجنة؟ قال: "نعم". رواه مسلم كتاب الإيمان. باب بيان الإِيمان الَّذي يدخل به الجنَّة، وأنَّ من تمسَّك بما أمر به دخل الجنَّة.هذا الرجل السائل هو النعمان بن قوقلوعن طَلْحَة بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرَ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَصِيَامُ رَمَضَانَ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ.قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟قَالَ لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ." صحيح البخاري كِتَاب الشَّهَادَاتِ. باب كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ.هذا الرجل لعله ضمام بن ثعلبة ، والحديث الصحيح هنا دليل على أن الإنسان إذا اقتصر على الواجب في الشرع فإنه مفلح ولكن لا يعني هذا أنه لا يسن أن يأتي بالتطوع لأن التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة وكم من إنسان أدى الفريضة وفيها خلل وفيها خروق وفيها خدوش تحتاج إلى تكميل وإلى رتق الصدع.ومن ناحية أخرىيحتمل أن يكون هذا الحديث الأخير فى أول الإسلام قبل ورود كامل الفرائض ، فإنه لم يُذكر هنا الحج ، وشرائع وشعب أخرى للإيمان مما يقطع بأنه قد كان في أول الإسلام ولا يجوز أن يسقط فرض الحج عمن استطاع إليه سبيلاً، كما لا يجوز أن تسقط عنه فرائض النهى كلها، وهى غير مذكورة فى هذا الحديث، ولا يجوز ترك اتباع النبى (صلى الله عليه وسلم) والاقتداء به فى سنته، لقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر: 7] وفي الحديث تأويل آخر: يحتمل أن يكون قوله: تمت والله لا أزيد على هذا ولا أنقص - على معنى التأكيد فى المحافظة على الوفاء بالفرائض المذكورة، من غير نقصان شىءٍ من حدودها، كما يقول العبد لمولاه إذا أمره بأمر مهم عنده: والله لا أزيد على ما أمرتنى به ولا أنقص، أى أفعله على حسب ما حددته لى، لا أخلُّ بشىءٍ منه، ولا أزيد فيه من عند نفسى غير ما أمرتنى به، ويكون الكلام إخبارًا عن صدق الطاعة وصحيح الائتمار. ومن كان فى المحافظة على ما أُمِرَ به بهذه المنزلة، فإنه متى ورد عليه أمرٌ لله تعالى أو لرسوله فإنه يبادر إليه، ولا يتوقف عنه، فرضًا كان أو سُنَّةً. فلا تعلُّق فى هذا الحديث لمن احتج أن تارك السُّنن غير حَرِجٍ ولا آثمٍ، لتوعد الله تعالى على مخالفة أمر نبيه. في قوله تعالى :" ً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِأَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "النور/63. وبهذا التأويل تتفق معانى الآثار والكتاب، ولا يتضاد شىء من ذلك.شرح صحيح البخارى لابن بطال (1/ 105)قال صاحب المفهم: لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم للسائل في هذا الحديث شيئاً من التطوعات على الجملة وهذا يدل على جواز ترك التطوعات على الجملة لكن من تركها ولم يفعل شيئاً فقد فوَّت على نفسه ربحاً عظيماً وثواباً جسيماً، ومن داوم على ترك شيء من السنن كان ذلك نقصاً في دينه وقدحاً في عدالته، فإن كان تركه تهاوناً ورغبة عنها كان ذلك فسقاً يستحق به ذماً.قال علماؤنا: لو أن أهل بلدة تواطئوا على ترك سنة لقوتلوا عليها حتى يرجعوا. ولقد كان صدر الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم يثابرون على فعل السنن والفضائل مثابرتهم على الفرائض ولم يكونوا يفرّقون بينهما في اغتنام ثوابها.وإنما احتاج أئمة الفقهاء إلى ذكر الفرق لما يترتب عليه من وجوب الإعادة وتركها وخوف العقاب على الترك ونفيه إن حصل ترك بوجه ما. وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تنبيهه على السنن والفضائل تسهيلاً وتيسيراً لقرب عهده بالإسلام لئلا يكون الإكثار من ذلك تنفيراً، له وعلم أنه إذا تمكن في الإسلام وشرح الله صدره رغب فيما رغب فيه غيره أو لئلاَ يعتقد أن السنن والتطوعات واجبة فتركه لذلك. وإنما شرعت لتتميم الفرائض فهذا السائل والذي قبله إنما تركهما النبي صلى الله عليه وسلم تسهيلاً عليهما إلى أن تنشرح صدورهما بالفهم عنه، والحرص على تحصيل المندوبات فيسهل عليهما. وهذا يسمى بمحافظته على فرائضه وإقامتها والإتيان بها في أوقاتها من غير إخلال بها - فلاحاً كثير الفلاح والنجاح - وليتنا وفقنا - كذلك ومن أتى بالفرائض وأتبعها النوافل كان أكثر فلاحاً منه. شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 83)17. رد شبهة ودفع تَوَهُّم قيام النافلة مقام الفريضةولكن هل تقوم النافلة مقام الفريضة؟في ذخيرة القرافيقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَا وَرَدَ مِنَ أَنَّ النَّوَافِلَ فِي الصَّلَاةِ تُكَمَّلُ بِهَا الْفَرَائِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعْنَاهُ تَجْبُرُ السُّنَنَ الَّتِي فِيهَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْدِلَ النَّوَافِلُ وَإِنْ كَثُرَتْ فَرْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ (مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ) فَفَضَّلَ الْفَرْضَ عَلَى النَّفْلِ وَإِنْ كَثُرَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا بِهَذَا الظَّاهِرِ غَيْرَ أَنَّهُ يُشْكِلُ بِأَنَّ الثَّوَابَ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَالْعِقَابَ يَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ فَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ إِنَّ ثُمُنَ دِرْهَمٍ مِنَ الزَّكَاةِ يُرْبِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمِ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ وَإِنَّ قِيَامَ الدَّهْرِ لَا يَعْدِلُ الصُّبْحَ. الذخيرة للقرافي (13/ 358)وقال الإمام جلال الدين السيوطي في حاشيته على سنن النسائي "..وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ يُكْمِلُ لَهُ مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ سَائِرُ الْأَعْمَالِ تجرى على حسب ذَلِك قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُكْمَلَ لَهُ مَا نَقَصَ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَأَعْدَادِهَا بِفَضْلِ التَّطَوُّعِ وَيَحْتَمِلُ مَا نَقَصَهُ مِنَ الْخُشُوعِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ كَذَلِكَ وَلَيْسَ فِي الزَّكَاةِ إلا فرض أَوْ فَضْلٌ فَلَمَّا تَكَمَّلَ فَرْضُ الزَّكَاةِ بِفَضْلِهَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ وَفَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَعُ وَوَعْدُهُ أَنْفَذُ وَكَرَمُهُ أَعَمُّ وَأَتَمُّ وَفِي أَمَالِي الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنَّ النَّوَافِلَ مِنَ الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُكْمَلُ بهَا الْفَرَائِض المعني بذلك أَنَّهَا تَجْبُرُ السُّنَنَ الَّتِي فِي الصَّلَوَاتِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْدِلَ شَيْءٌ مِنَ السُّنَنِ وَاجِبًا أَبَدًا إِذْ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ أَحَدٌ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ فَفُضِّلَ الْفَرْضُ عَلَى النَّفْلِ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ يُعَضِّدُهُ الظَّاهِرُ إِلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ مُرَتَّبَانِ عَلَى حَسَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَلَا يُمْكِننَا أَنْ نَقُولَ إِنَّ ثَمَنَ دِرْهَمٍ مِنَ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ تَرْبُو مَصْلَحَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمِ تَطَوُّعٍ وَأَنَّ قيام الدَّهْرِ كُلِّهِ لَا يَعْدِلُ رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ). حاشية السيوطي على سنن النسائي (1/ 236)18. أمارة عدم السآمة والملل من عبادة الله تعالىالنهوض إلى صيام ستة أيام بعد رمضان دليل عدم السآمة والملل ، وأمارة انتفاء التضجر من هذه العبادة وفي الحديث الصحيح "...فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا" صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. باب أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ. وفي الرِّواية الأخرى: "لاَ يَسْأَمُ حَتَّى تَسْأَمُوْا" وهما بمعنىً. والملال: استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته، وهو محال على الله تعالى باتفاق. إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازا كما قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) ، قال القرطبي: وجه مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالا، عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه.وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه.وقال غيره: معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم،وقد ذمَّ الله من اعتاد عبادة ثمَّ فرَّط فيها فقال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27]ولم يقبل رسول الله صلوات الله وسلامه ، التشدُّد في العبادة على النفس ، وإنما أحب أخذ النفس بالعزيمة على الطاعة عند قوتها وحيويتها ونشاطها، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْجِدَ، وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ: "مَا هَذَا؟"قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ.فَقَالَ: "حُلُّوْهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ".صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها. باب فضيلة العمل الدَّائم من قيام اللَّيْل وغيره والأمر بالاقتصاد في العبادة وهو أن يأخذ منها ما يطيق الدَّوام عليه.وقد ندم عبد الله بن عمرو بن العاص عَلَى تركه قبول رخصة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في تخفيف العبادة ومجانبة التَّشديد على النفس مراعاة لأحوالها التي لاتدوم ، ففي الصحيح أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ:أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يَقُولُ: لأَقُومَنَّ اللَّيْلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهَارَ، مَا عِشْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "آنْتَ الَّذِي تَقُولُ ذَلِك؟".فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ.فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ".قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِك.قَالَ: "صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ".قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ.قَالَ: "صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً، وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَامِ".قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ".قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاَثَةَ الأَيَّامَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي.وفي رواية :"قَالَ: فَشَدَّدْتُ، فَشُدَّدَ عَلَيَّ.قَالَ: وَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّكَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمْرٌ".قَالَ: فَصِرْتُ إِلَىَ الَّذِي قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنَّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ.باب حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ.صحيح مسلم كتاب الصيام. باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرّر به أو فوّت به حقاً أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم.واتخذ صلوات الله وسلامه عليه من أسلوب المدح وسيلة لإنهاض العزائم على فعل الخير ، ففي الصحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يَا عَبْدَ اللهِ لاَ تَكُنْ مِثْلِ فُلاَنٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ".صحيح مسلم كتاب الصيام. باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرّر به أو فوّت به حقاً أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم.19.أمارة الإخلاصالصيام أفضل أعمال العباد التطوعية ، لأنه لا يدخله الرياء ، جَمِيعُ أَعْمَالُ العباد تَظْهَرُ بِفِعْلِهَا لأَنها لَا تكون إلاَّ بالحركات فيُمْكِنُ أن يَدْخُلَهَا الرِّيَاءُ إلاَّ الصَّوْم فَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّيَّةِ الَّتِي تخفى على النَّاس، ولذا الصَّوْمُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ - أحد من الخلق - بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ – إلاَّ إذا أخبر عن نفسه ، فَدُخُولُ الرِّيَاءِ فِي الصَّوْمِ إِنَّمَا يَقَعُ مِنْ جِهَةِ الْإِخْبَارِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ الرِّيَاءَ قَدْ يَدْخُلُهَا بِمُجَرَّدِ فِعْلِهَا - لأنَّ حَالَ الْمُمْسِكِ شِبَعًا مِثْلُ حَالِ الْمُمْسِكِ تَقَرُّبًا فِي الصُّو
16006
| 12 أغسطس 2013
لَوْ بَلَغَ الْعَبْدُ مِنَ الطَّاعَةِ مَا بَلَغَ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ الْحَذَرُ والخوف من أَنْ يُغَيِّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ شُهُودَ أَوَّلِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ وَمِنَّتِهِ وَفَضْلِهِ، وَأَنَّهُ مَحْضُ مِنَّتِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ بِهِ وَحْدَهُ، وَمِنْهُ وَحْدَهُ. فَيَغِيبُ عَنْ شُهُودِ حَقِيقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى " وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ"الأعراف/43، وقوله تعالى{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] وَقَوْلِهِ {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154] وقوله " وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّه"هود/88، وَقَوْلِهِ {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107] ، وَقَدْ خَافَهُ خِيَارُ خَلْقِهِ، وَصَفْوَتِهِ مِنْ عِبَادِهِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْمِهِ - وَقَدْ خَوَّفُوهُ بِآلِهَتِهِمْ - فَقَالَ {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأنعام: 80] فَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ.قَالَ شُعَيْبٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ قَالَ لَهُ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ (..لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ*قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ"الأعراف/88-89، فَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ، أَدَبًا مَعَ اللَّهِ، وَمَعْرِفَةً بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، وُوُقُوفًا مَعَ حَدِّ الْعُبُودِيَّةِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99] . وعلى ضوء ذلك جاء الحديث عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ صُمْتُ رَمَضَانَ وَلاَ قُمْتُهُ كُلَّهُ. وَلاَ أَدْرِي كَرِهَ التَّزْكِيَةَ، أَوْ قَالَ: لاَ بُدَّ مِنْ غَفْلَةٍ وَرَقْدَةٍ. - وفي رواية: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي قُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ. قَالَ قَتَادَةُ: فَاللهُ أَعْلَمُ أَخَشِيَ التَّزْكِيَةَ عَلَى أُمَّتِهِ، أَمْ يَقُولُ: لاَ بُدَّ مِنْ رَاقِدٍ، أَوْ غَافِلٍ[1].والحديث وإن ضعف سندا ؛ إلا أن الآيات القرآنية السابقة ، تؤكد معناه.فالفضل لله وحده.أولا وآخرا.معنى الْفَرَحُهذا والفرح بمعنى السرور. والفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب.والفَرَح: ضدُّ التَرَح، وهو انشراح الصَّدْر بلذَّة عاجلة، والفَرِح: الكثير الفَرَح قال الله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} . ولك عندى فَرْحة، أَى بشرى.وأَفْرَحَهُ: غمَّه، وأَزال فرحه، وتقول: أَفرحتنى الدُّنيا ثم أَفرحتنى، والهمزة للسّلب ورجل مِفراح: كثير الفرح[2].وَالْفَرَحُ : لَذَّةٌ تَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِإِدْرَاكِ الْمَحْبُوبِ وَنَيْلِ الْمُشْتَهَى. فَيَتَوَلَّدُ مِنْ إِدْرَاكِهِ حَالَةٌ تُسَمَّى الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ. كَمَا أَنَّ الْحُزْنَ وَالْغَمَّ مِنْ فَقْدِ الْمَحْبُوبِ. فَإِذَا فَقَدَهُ: تَوَلَّدَ مِنْ فَقْدِهِ حَالَةٌ تُسَمَّى الْحُزْنَ وَالْغَمَّ. وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْأَمْرَ بِالْفَرَحِ بِفَضْلِهِ وَبِرَحْمَتِهِ عَقِيبَ قَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57] وَالسُّرُورُ يُذَكِّرُ بِالسُّرُورِ. وَاللَّذَّةُ تُذَكِّرُ بِاللَّذَّةِ. وَصِيَانَةُ السُّرُورِ أَنْ يُدَاخِلَهُ أَمْنٌ. إِنَّ السُّرُورَ وَالْفَرَحَ يَبْسُطُ النَّفْسَ وَيُنَمِّيهَا. وَيُنْسِيهَا عُيُوبَهَا وَآفَاتِهَا وَنَقَائِصَهَا. إِذْ لَوْ شَهِدَتْ ذَلِكَ وَأَبْصَرَتْهُ لَشَغَلَهَا ذَلِكَ عَنِ الْفَرَحِ.الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرَحُ والرِّضَاالْفَرَحَ أَعْلَى أَنْوَاعِ نَعِيمِ الْقَلْبِ، وَلَذَّتِهِ وَبَهْجَتِهِ. وَالْهَمُّ وَالْحُزْنُ عَذَابُهُ. وَالْفَرَحُ بِالشَّيْءِ فَوْقَ الرِّضَا بِهِ. فَإِنَّ الرِّضَا طُمَأْنِينَةٌ وَسُكُونٌ وَانْشِرَاحٌ. وَالْفَرَحُ لَذَّةٌ وَبَهْجَةٌ وَسُرُورٌ. فَكُلُّ فَرِحٍ رَاضٍ. وَلَيْسَ كُلُّ رَاضٍ فَرِحًا. وَلِهَذَا كَانَ الْفَرَحُ ضِدَّ الْحُزْنِ، وَالرِّضَا ضِدَّ السُّخْطِ. وَالْحُزْنُ يُؤْلِمُ صَاحِبَهُ، وَالسُّخْطُ لَا يُؤْلِمُهُ، إِلَّا إِنْ كَانَ مَعَ الْعَجْزِ عَنِ الِانْتِقَامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.وطلاب الدنيا وأصحاب الحظوظ الدنيوية ، تجدهم راضين بها فرحين غرورا قال تعالى "إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ*أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {8}يونس/7-8- " وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ" الرعد/26} ولبيان الفرق الدقيق بين الفرح والرضا، عند ظهور نتيجة العام الدراسي يجد بعض الطلاب اسمه في كشوف الناجحين ؛ ولكن بنسبة 50 % ، بينما يجد طالب آخر اسمه في كشوف الناجحين بنسبة فوق 95% بحيث يتمكن من دخول الكلية التي يرغب فيها ، بينما الأول صاحب الخمسين في المائة بمجموعه هذا لا يصل إلى الكلية التي يريدها، فما تقول في مشاعر كل منهما ، لا شك أن صاحب الخمسين في المائة راضٍ لأنه ناجح ، ولكنه غير فرح ، بينما صاحب النسبة فوق الخمسة والتسعين فرح وراضٍ ، حيث نجح بمجموع يُؤهله لدخول ما يرغب من كليات القمة كما يقولون. ولهذا قلنا فَكُلُّ فَرِحٍ رَاضٍ. وَلَيْسَ كُلُّ رَاضٍ فَرِحًا.الْفَرْقُ بَيْنَ الفرح وَالِاسْتِبْشَارِوَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِبْشَارِ: أَنَّ الْفَرَحَ بِالْمَحْبُوبِ يكون بَعْدَ حُصُولِهِ ووقوعه، وَالِاسْتِبْشَارُ يَكُونُ بِهِ قَبْلَ حُصُولِهِ ووقوعه ؛إِذَا كَانَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ حُصُولِهِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} [آل عمران: 170] .وَالْفَرَحُ صِفَةُ كَمَالٍ وَلِهَذَا يُوصَفُ الرَّبُّ تَعَالَى بِأَعْلَى أَنْوَاعِهِ وَأَكْمَلِهَا، كَفَرَحِهِ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ أَعْظَمُ مِنْ فَرْحَةِ الْوَاجِدِ لِرَاحِلَتِهِ الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ بَعْدَ فَقْدِهِ لَهَا، وَالْيَأْسِ مِنْ حُصُولِهَا.في الصحيح " لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ" صحيح البخاري، كِتَاب الدَّعَوَاتِ. باب التَّوْبَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124] نماذج للفرح المحمود في القرآن الكريم.1-فرح المؤمنين من أهل الكتاب بالقرآن الكريمقَالَ تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [الرعد: 36] .2-فرح الشهداء بما آتاهم الله من فضلهقال تعالى "فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ"آل عمران/170-173-فرح المؤمنين بنصر اللهقال تعالى"لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ"الروم/4-5.4-الفرح بنعمة الإسلام والقرآن الكريمقال تعالى:"قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ" يونس/58}غالبا ما يكون الفرح في أمور دنيويةوعن مشاعر أعداء المؤمنين نحوهم يقول تعالى: "إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ" آل عمران/120.وقال جلَّ مذكورا وعز مرادا "إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ" التوبة/50.وقال سبحانه :"فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ" النمل/36وَالْجَنَّةُ مِنْ أَعْظَمِ الْبُشْرَيات. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: 25] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30] .قِيلَ: وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي بَشَرَةِ الْوَجْهِ. وَلِذَلِكَ كَانَتْ نَوْعَيْنِ: بُشْرَى سَارَّةٌ تُؤَثِّرُ فِيهِ نَضَارَةً وَبَهْجَةً، وَبُشْرَى مُحْزِنَةٌ تُؤَثِّرُ فِيهِ بُسُورًا وُعُبُوسًا. وَلَكِنْ إِذَا أُطْلِقَتْ كَانَتْ لِلسُّرُورِ. وَإِذَا قُيِّدَتْ كَانَتْ بِحَسَبِ مَا تُقَيَّدُ بِهِالفرق بين السرور والفرحقَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ:السُّرُورُ: اسْمٌ لِاسْتِبْشَارٍ جَامِعٍ. وَهُوَ أَصْفَى مِنَ الْفَرَحِ. لِأَنَّ الْأَفْرَاحَ رُبَّمَا شَابَهَا الْأَحْزَانُ. وَلِذَلِكَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِاسْمِهِ فِي أَفْرَاحِ الدُّنْيَا فِي مَوَاضِعَ. وَوَرَدَ السُّرُورُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ فِي حَالِ الْآخِرَةِ. يُرِيدُ بِهِمَا: قَوْلَهُ تَعَالَى {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 7] وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 11] وَوَرَدَ السُّرُورُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا فِي مَوْضِعٍ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 10] . فَقَدْ رَأَيْتَ وُرُودَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ فِي الْقُرْآنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَأَحْوَالِ الْآخِرَةِ، التَّرْجِيحُ لِلْفَرَحِ: لِأَنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُوصَفُ بِهِ. وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُهُ دُونَ السُّرُورِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَكْمَلُ مِنْ مَعْنَى السُّرُورِ، وَأَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] وَأَثْنَى عَلَى السُّعَدَاءِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 170]السُّرُورُ وَالْمَسَرَّةُ: مَصْدَرُ سَرَّهُ سُرُورًا وَمَسَرَّةً. وَكَأَنَّ مَعْنَى سَرَّهُ: أَثَّرَ فِي أَسَارِيرِ وَجْهِهِ. فَإِنَّهُ تَبْرُقُ مِنْهُ أَسَارِيرُ الْوَجْهِوَلِذَلِكَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِاسْمِهِ فِي أَفْرَاحِ الدُّنْيَا فِي مَوَاضِعَ. أي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَبَ الْفَرَحَ إِلَى أَحْوَالِ الدُّنْيَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الأنعام: 44] وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود: 10] . فَإِنَّ الدُّنْيَا لَا تَتَخَلَّصُ أَفْرَاحُهَا مِنْ أَحْزَانِهَا وَأَتْرَاحِهَا أَلْبَتَّةَ. بَلْ مَا مِنْ فَرْحَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا تَرْحَةٌ سَابِقَةٌ، أَوْ مُقَارِنَةٌ، أَوْ لَاحِقَةٌ. وَلَا تَتَجَرَّدُ الْفَرْحَةُ. بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَرْحَةٍ تُقَارِنُهَا. وَلَكِنْ قَدْ تَقْوَى الْفَرْحَةُ عَلَى الْحُزْنِ فَيَنْغَمِرُ حُكْمُهُ وَأَلَمُهُ مَعَ وُجُودِهَا. وَبِالْعَكْسِ.الفرح المذموموقد ورد ذم الفرح في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز وبالملاحظة تجد أنها قد جاءت كلها بالفرح مقرونا بالمعصية من أشر وبطر واستمراء للمخالفة واستملاح لها وذلك1-كقوله تعالى:" لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[3]2-كقوله تعالى:" فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ"[4]3-وقوله تعالى:" فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ* فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ"[5]4-وقوله تعالى : " وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ*إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ"[6]5-وقال تعالى :" وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ"[7] وقال تعالى:" فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ"[8]6-وكقوله تعالى : " إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ"[9]7-وقال تعالى:" وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ*مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ"[10]8-وقال تعالى:" ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ* ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ"[11]9-وقال تعالى:" فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون* فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ*فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ"[12] في كل هذه المواضع جاء الفرح مذموما لاقترانه بمعصية من المعاصي كما أشرنا من قبل أما إذا اقترن بطاعة وتجرد من الملابسات السابقة كان مشروعا محمودا.1-لقوله تعالى : " فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ" آل عمران: 170[13]]2-وقوله تبارك وتعالى:"قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"[14] أي بالقرآن والإسلام فليفرحوا؛ لقد جاء الأمر بالفرح هنا بأجل نعم الله تعالى وهو القرآن والإسلام وفي الحديث " مَنْ سَرّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيّئتُهُ فَذَلِكُمْ المُؤْمِن"[15] صحيح الجامع حديث رقم: 2546 فالسرُور بِطَاعَة الله والاغتمام بِمَعْصِيَة الله من علامات الإيمان ، كما نص على ذلك هذا الحديثوكان السرور والفرح هنا مشروعا للتوفيق للطاعة والعكس الغم والهم عند المعصية فالمنهي عنه من الفرح ما كان أشرا وبطرا وكان اغترارا وخداعا وعدوانا والمرح : شدة الفرح. وقال الضحاك: الفرح السرور، والمرح العدوان قال تعالى:" وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً*كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً"[16]وفي الصحيح: (للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه) صحيح مسلم كتاب الصيام. باب فضل الصيام.ولكن ما سبب هذا الفرح فيما ترى ؟!رحمة التشريع في حرمة الوصال1- هل الرحمة في تشريع الإفطار بمغيب الشمس ؟ ولم يأذن بالوصال بل حرَّمه ، فأزال عن الصائم سبباً من أسباب الهلاك والْوِصَالَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وسائر المفطرات فِي اللَّيْلِ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ، والقول الصحيح الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أن الوصال حرام ففي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ فَقَالُوا إِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ" صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب الْوِصَالِ وَمَنْ قَالَ لَيْسَ فِي اللَّيْلِ صِيَامٌ. وعن أبي ذرٍّ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم واصَلَ بينَ يومينِ وليلةٍ، فأَتاهُ جبريلُ فقالَ: «إنَّ اللهَ قدْ قبلَ وِصالَكَ، ولا يحلُّ لأحدٍ بعدَكَ[17]، وذلكَ بأنَّ اللهَ قالَ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] قالت عائشة - رَضِيَ الله عنها - : (الليل غاية الصوم )، وَاللَّيْلُ لَيْسَ بِزَمَانِ صَوْمٍ شَرْعِيٍّ، حَتَّى لَوْ شَرَعَ إِنْسَانٌ فِيهِ الصَّوْمَ بِنِيَّةِ مَا أُثِيبَ عَلَيْهِ، ومحل الإفطار ساعة غروب الشمس ، وافتراق النهار عن الليل كما في الصحيح "إذا أقبل الليل وأدبر النهار، وغابت الشمس، فقد أفطر الصائم".أخرجه أحمد في المسند وأورده مسلم في صحيحه كتاب الصيام. باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار. ،هذا والحكمة في النهي عن الوصال في الصيام هي درء المفسدة المترتبة على الوصال، وهي الملل من العبادة والتعرض للتقصير في بعض وظائف الدين، من إتمام الصلاة بخشوعها وأذكارها وآدابها، وملازمة الأذكار وسائر الوظائف المشروعة في نهاره وليله، والله أعلم. وقد ورد في رواية عند مسلم " فَاكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ"وقال الطيبي رحمه الله: الجوع يضعف القوى ويشوّش الدماغ فيثير أفكاراً ردية وخيالات فاسدة، فيخل بوظائف العبادات والمراقبات ولذلك خص بالضجيع الذي يلازمه ليلا ومن ثم حرم الوصال. والليل ليس زمانا لصومٍ شرعي، حتى لو شرع إنسان فيه الصوم بنية ما أثيب عليه، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال مخافة الضعف على الأبدان وكل ما سد الجوعة وسكن الظمأ، فمندوب إليه عقلا وشرعا، لما فيه من حفظ النفس وحراسة الحواس ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال؛ لأنه يضعف الجسد ، ويميت النفس ، ويقعد به عن العبادة ، ويميت النفس، ، وذلك يمنع منه الشرع ويدفعه العقل. . كما يكره صوم الدهر، لأنه يضعفه، أو يصير طبعاً له، ومبنى العبادة على خلاف العادة. فأفرح قلبه بتشريع الفطر والنهي عن الوصال. وليس لمن منع نفسه قدر الحاجة حظ من بر ولا نصيب من زهد؛ لأن ما حرمها من فعل الطاعة بالعجز والضعف أكثر ثوابا وأعظم أجرا.راجع بحثنا (مِن حِكم الصوم وأسراره)التميز وعدم التشبه بأهل الكتاب2- أم بالتميز وعدم التشبه بأهل الكتاب الذين يُواصلون، فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ لَيْلَى امْرَأَةِ بَشِيرِ ابْنِ الْخَصَاصِيَةِ قَالَتْ أَرَدْت أَنْ أَصُومَ يَوْمَيْنِ مُوَاصَلَةً فَمَنَعَنِي بَشِيرٌ وَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوِصَالِ وَقَالَ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى[18] صوموا كما أمركم الله، وأتموا الصوم كما أمركم الله و {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، فإذا كان الليل فأفطروا"[19].قال شيخ الإسلام: "فعلل النهي عن الوصال بأنه صوم النصارى، وهو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ويشبه أن يكون من رهبانيتهم التي ابتدعوها"الدعوة المستجابة عند الفطر3- أم الدعوة المستجابة عند الفطر للحديث عند أحمد في المسند من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم. مشكاة المصابيح (2/ 695) وَكَانَ ابْنُ عَمْرٍو إذَا أَفْطَرَ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِرَحْمَتِك الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي"[20]. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: (لَكَ صُمْنَا وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْنَا فَتَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: (ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ[21]) رواه أبوداود وحسنه الألباني... وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ: (أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ).فالمسلم يبدأ صيام يومه من وقت مبارك من آخر ثلث الليل الأخير وهو وقت الفيض الإلهي والتجلي الرباني حيث تكون أبواب السماء مفتحة لكل داعٍ أو سائل أو تائب أو مستغفر أو مستغيث كما في الصحيح أن رسول اللّه - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - قال: "ينزل اللّه تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر"[22]. فهذا الوقت مظنة القبول وإجابة الدعاء ، والصائم كامل ومقبول الصوم هو الذي صان جميع جوارحه عن المخالفات فيُجَاب دعاؤه لطهارة جسده بمخالفة هواه.ولا سيما أثناء صومه_ في كنز العمال/ للمتقي الهندي /الفصل الرابع في إجابة الدعاء باعتبار الذوات والأوقات المخصوصة ((ثلاث حق على الله أن لا يرد لهم دعوة: الصائم حتى يفطر،والمظلوم حتى ينتصر، والمسافر حتى يرجع)).وعزاه الهندي إلى البزار من حديث أبي هريرة رَضِيَ الله عنه _ قال الدميري: يستحب للصائم أن يدعو في حال صومه بمهمات الآخرة والدنيا له ولمن يحب وللمسلمين لهذا الحديث، والمسلم ينتهي صيام يومه بوقت مبارك يستجيب الله تعالى فيه الدعاء وذلك من ناحيتين الأولى نهاية يوم الصوم ووقته ، والصيام عمل صالح ، والتوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة لا خلاف فيه بين العلماء كما في حديث أصحاب الغار الثلاثة، والناحية الثانية عند الآذان لصلاة المغرب فعند النداء تُفتَّح أبواب السماء كما في الحديث ، ويؤيد استجابة الدعاء عند الفطر رواية "إن للصائم عند فطره لدعوة ما تردّ وقول _ كثير من الفقهاء _يستحب للصائم أن يدعو عند إفطاره. والنص الذي استنبط منه العلماء خصوصية وقت الإفطار وفضيلته بأنه من الأوقات الفاضلة التي يستجاب فيها الدعاء /عند الترمذي / كتاب صفة الجنة /باب مَا جَاءَ في صِفَةِ الْجَنةِ وَنَعِيمِهَا_ منْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنه قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم "… ثَلاَثٌ لاَ تُرَدُ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَالصّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ، وَتَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السّمَاءِ، وَيَقُولُ الرّبّ عز وجل: وَعِزّتِي لأَنْصُرَتّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ". _ كما أخرجه أحمد في المسند وابن ماجة/ كتاب الصوم/ باب في (الصائم لا ترد دعوته. فالمسلم يصوم فترة من الوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس خلال هذه الفترة يكون مستجاب الدعوة سحابة نهاره لحاله ويكون مستجاب الدعوة في البداية والنهاية باعتبار فضيلة الوقتين، ولأمر ما توسطت آية الدعاء آيات الصوم وأعقبت الأمر بإكمال العدة " قال تعالي :"وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"البقرة/185-186، قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى (وفي ذكره تعالي هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العِدَّة ونهاية شهر الصوم بل عند كل إفطار بنهاية نهار الصوم من كل يوم ) ألا يدعو ذلك إلى الفرح ؟الإباحة بعد الحظر4- أم في الإباحة للطعام والشراب وسائر النِّعم والمتع بعد الحظر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وإن لم يتناول شيئا من المفطرات لما في طبع النفس من محبة الإرسال وكراهة التقييد. قال تعالى:" أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ"البقرة/187. ولعلك تُلاحظ كلمة " أُحِلَّ لَكُمْ " أي أن هذا الأمر قد كان من قبل حراما ، قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى - في تفسيره للآية: هَذِهِ رُخْصَة مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ وَرَفْع لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْر فِي اِبْتِدَاء الإِسْلام فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ أَحَدهمْ إِنَّمَا يَحِلّ لَهُ الْأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع إِلَى صَلاة الْعِشَاء أَوْ يَنَام قَبْل ذَلِكَ فَمَتَى نَامَ أَوْ صَلَّى الْعِشَاء حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَالْجِمَاع إِلَى اللَّيْلَة الْقَابِلَة فَوَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّة كَبِيرَة.روى البخاري في صحيحه كتاب الصوم. باب: قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم عن البراء قال: كان أصحاب محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما - وفي رواية: كان يعمل في النخيل بالنهار وكان صائما - فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - فنزلت هذه الآية: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" ففرحوا فرحا شديدا، ونزلت: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر"البقرة {187}.وفي تفسير القرطبي وَفِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لَا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ". يُقَالُ: خَانَ وَاخْتَانَ بِمَعْنًى مِنَ الْخِيَانَةِ، أَيْ تَخُونُونَ أَنْفُسَكُمْ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي لَيَالِي الصَّوْمِ. وَمَنْ عَصَى اللَّهَ فَقَدْ خَانَ نَفْسَهُ إِذْ جَلَبَ إِلَيْهَا الْعِقَابَ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: أَصْلُ الْخِيَانَةِ أَنْ يؤتمن الرجل على شي فَلَا يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فِيهِ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَجَعَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَمَرَ عِنْدَهُ لَيْلَةً فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ نَامَتْ فَأَرَادَهَا فَقَالَتْ لَهُ: قَدْ نِمْتَ، فَقَالَ لَهَا: مَا نِمْتُ، فَوَقَعَ بِهَا. وَصَنَعَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ مِثْلَهُ، فَغَدَا عُمُرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَعْتَذِرُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ، فَإِنَّ نَفْسِي زَيَّنَتْ لِي فَوَاقَعْتُ أَهْلِي، فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ رُخْصَةٍ؟ فَقَالَ لِي: (لم تكن حقيقا يَا عُمَرَ) فَلَمَّا بَلَغَ بَيْتَهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَنْبَأَهُ بِعُذْرِهِ فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ. -أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ..الآية - " فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ...وَكُلُوا وَاشْرَبُوا" هَذَا جَوَابُ نَازِلَةٍ قَيْسٍ، وَالْأَوَّلُ "بَاشِرُوهُنَّ"...جَوَابُ عُمَرَ، وَقَدِ ابْتَدَأَ بِنَازِلَةِ عُمَرَ لِأَنَّهُ الْمُهِمُّ فَهُوَ الْمُقَدَّمُ""" كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ، أَيْ قَدْ أَحَلَّ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. وَسُمِّيَ الْوِقَاعُ مُبَاشَرَةً لِتَلَاصُقِ الْبَشَرَتَيْنِ فِيهِ. ابْتَدَأَ بِهِ لِأَنَّهُ الْمُهِمُّ الذي نزلت الآية لأجله. تفسير القرطبي (2/ 315)إتمام الله نعمة صوم اليوم5- أم بإتمام الله نعمة صوم اليوم قال تعالى :" وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ"البقرة/187. وفي الناس من لم يُتم صيام اليوم ، وعرض له ما أفسد عليه صومه. عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل الله بعد الله وَجهه عَن النَّار سبعين خَرِيفًا " الجمع بين الصحيحين (2/ 453)هذا فضل الله تعالى في جزاء صيام يوم في سبيل الله في غير رمضان كما جاء الحديث هكذا مطلقا، فما بالك إذا كان اليوم من أيام رمضان؟! وفي الصحيح " الصوم جُنّة وحصن حصين من النار " رواه أحمد 2/402 وهو في صحيح الترغيب 1/411 وصحيح الجامع 3880 ، ألا يدعو ذلك إلى الفرح ؟!إتمام الله تعالى النعمة وإكمال العدة6- أم بإتمام الله تعالى نعمة صوم الشهر وإكمال العدة برؤية الهلال ، قال تعالى :" فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ"البقرة/185. وبذلك حقَّقَّ ركن الإسلام وشعبة الإيمان، وفي الصحيح :" عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ."صحيح البخاري صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. بَاب قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ".صحيح مسلم كتاب الإيمان. باب بيان أركان الإِسلام ودعائمه العظام. وفي الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلوات الله وتسيلاماته عليه -: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ."صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. بَاب صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنْ الْإِيمَانِ.وذلك مدعاة للفرح والسرور ، ولا يأتي على المسلم شهر خير له من سائر شهور العام مثل رمضان، فعن أبى هريرة -رضي الله عنه :عن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال:أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله ما مر على المسلمين شهر هو خير لهم منه ولا يأتى على المنافقين شهر شر لهم منه إن الله يكتب أجره وثوابه من قبل أن يدخل ويكتب وزره وشقاءه قبل أن يدخل وذلك أن المؤمن يعد فيه النفقة للقوة فى العبادة ويعد فيه المنافق اغتياب المؤمنين واتباع عوراتهم فهو غُنْم للمؤمن ومعصية على الفاجر"[23] قال تعالى" قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون" يونس/58 وقد مضي معنا فضل الله تعالى في جزاء صيام يوم في سبيل الله بإبعاد النار عن وجه الصائم سبعين عاما، في غير رمضان فما بالك إذا كان هذا اليوم في رمضان المضاعف الأجر والمثوبة ، فالعمل الصالح يضاعف الله تعالى الأجر عليه لفضيلة الزمان أو المكان إلى آخر هذه الأسباب التي استوفيناها في بحثنا " أولئك يؤتون أجرهم مرتين" بحمد الله ومنته . فإذا أتم الله تعالى النعمة على العبد فصام الشهر حتى أحل الله تعالى له الفطر برؤية هلال شوال، فأفرح قلبه ، وشرح صدره فقد باعد الله تعالى بصيامه الشهر كاملا النار عن وجهه ألفين ومائة عام ، حرَّم الله تعالى بشرتنا وشعرنا على النار بحرمة وجهه الكريم. جعل الله تعالى الصوم "أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ"7-أم لأن الله تعالى جعل الصوم "أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ" هي أَيَّام رَمَضَان، ثلاثون يوما أو تسعة وعشرون يوما لما روى سعيد بن العاص إنّه سمع ابن عمر يحدّث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إنّا أمّة أميّة لا تحسب ولا تكتب الشهر هكذا وهكذا وهكذا» وعقد الإبهام في الثالثة والشّهر هكذا وهكذا وهكذا تمام ثلاثين"السنن الكبرى للنسائي: 2/ 74. ففِيه إِشَارَة إِلَى التَّيْسِير، حَيْثُ لم يُوجب صَوْم كل السّنة، وَإِنَّمَا أوجبه أَيَّامًا معدودات ، تَسْهِيلًا عَلَى الْمُكَلَّفِ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ يَحْصُرُهَا الْعَدُّ لَيْسَتْ بِالْكَثِيرَةِ الَّتِي تَفُوتُ الْعَدَّ فمعنى مَعْدُوداتٍ موقتات بعدد معلوم. أو قلائل، وَلِهَذَا وَقَعَ الِاسْتِعْمَالُ بِالْمَعْدُودِ كِنَايَةً عَلَى الْقَلَائِلِ، كَقَوْلِهِ: "فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ" سورة البقرة: 2/ 203.لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً "سورة البقرة: 2/ 80."وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُود" سورة يوسف: 12/ 20. وأصله أنّ المال القليل يقدّر بالعدد. والذي يُرجِّح أنه تعالى جعل الصيام"أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ" هي أَيَّام رَمَضَان أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ أَوَّلًا: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ [البقرة: 183] وَهَذَا مُحْتَمِلٌ لِيَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَأَيَّامٍ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَزَالَ بَعْضُ الِاحْتِمَالِ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [الْبَقَرَةِ: 185] فَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ يُمْكِنُ جَعْلُ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ بِعَيْنِهَا شَهْرَ رَمَضَانَ.قال الفخر الرازي – رحمه الله تعالى :" وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: إِنِّي رَحِمْتُكُمْ وَخَفَّفْتُ عَنْكُمْ حِينَ لَمْ أَفْرِضْ عَلَيْكُمْ صِيَامَ الدَّهْرِ كُلِّهِ، وَلَا صِيَامَ أَكْثَرِهِ، وَلَوْ شِئْتُ لَفَعَلْتُ ذَلِكَ وَلَكِنِّي رَحِمْتُكُمْ وَمَا أَوْجَبْتُ الصَّوْمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا فِي أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ" تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (5/ 242) ألا يدعو ذلك إلى الفرح ؟؟ !!توفيق الله تعالى فصامها وأقامها دون زيادة8-أم لأنه وفَّقه الله تعالى فصامها وأقامها "أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ" فلم يزد في أولها ولا في آخرها ، ولم يُحدث عليها ما يرده الله تعالى عليه –كما فعلت الأمم السابقة - للحديث الصحيح " عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ".صحيح مسلم كتاب الأقضية. باب نقض الأحكام الباطلة، وردُّ محدثات الأمور. وقد أضافت الأمم السابقة علي هذه الأيام المعدودات أياما أُخَر قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُ يَوْمَ الشَّكِّ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَى فُرِضَ عَلَيْهِمْ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ كَمَا فُرِضَ عَلَيْنَا، فَحَوَّلُوهُ إِلَى الْفَصْلِ الشَّمْسِيِّ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُوَافِقُ الْقَيْظَ فَعَدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُمْ قَرْنٌ فَأَخَذُوا بِالْوَثِيقَةِ لِأَنْفُسِهِمْ فَصَامُوا قَبْلَ الثَّلَاثِينَ يَوْمًا وَبَعْدَهَا يَوْمًا، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْآخَرُ يَسْتَنُّ بِسُنَّةِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ حَتَّى صَارُوا إِلَى خَمْسِينَ يَوْمًا"تفسير القرطبي (2/ 275)ثم لكي يبقي الصيام والقيام "أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ" هي شهر رمضان – كما وضحنا - حرَّم الشرع الحنيف صوم اليوم الذي قبله وهو يوم الشك ففي الصحيح عن عمار ابن ياسر – رضي الله عنه -: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم r"([24]).صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا" وحرَّم صوم اليوم الذي بعده لقول عمر – رضي الله عنه:" هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْيَوْمُ الْآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُم" ([25]).لهذا الحديث وغيره قد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك..وفي الصحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَىَ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ[26].ألا يدعو ذلك إلى الفرح؟؟!!اللحاق والانتظام بركب المتقين السابقين9- أم لأنه بتمكنه من الصيام نَظَم نفسه في سلك العابدين وموكب القائمين بأمر الله وركب السابقين لأصالة هذه العبادة وقِدَمِهَا فالصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى اللَّه أمّة من افتراضها عليهم، فلم يفرضها عليكم وحدكم، بل فرضها عليكم كما فرضها على من سبقكم لعلكم تنتظمون في زمرة المتقين، لأنّ الصوم شعارهم.قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"البقرة/183. ولأن الصوم عبادة شاقة والشيء الشاق إذا عم سهل عمله.سعة رحمة الله في قبول القضاء كالأداء10- أم لأنه رأي فضل الله تعالى عليه فوَّسع عليه ، إذا لم يتمكن من تحقيق الصيام خلال الشهر لعذر من سفر أو مرض ، قَبِل الله تعالى منه تأخير صيام الشهر أو أيام العذر في وقت آخر ، قال تعالى:" وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ"البقرة/185 -وَفِي الْحَدِيثِ. «دِينُ اللَّهِ يُسْرٌ"وفيه أيضا"يَسِّروا وَلَا تُعَسِّروا» ."وَمَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أيسرهما"، وفي القرآن: "مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ"سورة الحج: 22/ 78. "وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ"سورة الأعراف: 7/ 157. - فسبحانه ما أكرمه ، وما أعظم فضله وجوده ، حيث قَبِل من عبده في القضاء ما قَبِلَه منه ومن غيره في الأداء ، وهذا من عظيم فضل الله ورحمته وهو من موجبات الفرح. قال تعالى:"قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"يونس/58}رحمة الله في تشريع ما يتم به نيل شرف التقوى11-أم لأن الله تعالى بفضله وجوده شرع لعبده ما به ينال شرف التقوى وكرامة العابدين فشرع الصوم ، ولو لم يُشرعه لفات العبد هذا الشرف "..كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"البقرة/183 قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ: انْظُرُوا إِلَى عَجِيبِ مَا نَبَّهَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ سَعَةِ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ فِي هَذَا التَّكْلِيفِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ أَنَّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فِي هَذَا التَّكْلِيفِ أُسْوَةً بِالْأُمَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأُمُورَ الشَّاقَّةَ إِذَا عَمَّتْ خَفَّتْ، ثُمَّ ثَانِيًا بَيَّنَ وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِي إِيجَابِ الصَّوْمِ، وَهُوَ أَنَّهُ سَبَبٌ لِحُصُولِ التَّقْوَى، فَلَوْ لَمْ يَفْرِضِ الصَّوْمَ لَفَاتَ هَذَا الْمَقْصُودُ الشَّرِيفُ، ثُمَّ ثَالِثًا: بَيَّنَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، فَإِنَّهُ لَوْ جَعَلَهُ أَبَدًا أَوْ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ لَحَصَلَتِ الْمَشَقَّةُ الْعَظِيمَةُ ثُمَّ بَيَّنَ رَابِعًا: أَنَّهُ خَصَّهُ مِنَ الْأَوْقَاتِ بِالشَّهْرِ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ لِكَوْنِهِ أَشْرَفَ الشُّهُورِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ خَامِسًا: إِزَالَةَ الْمَشَقَّةِ فِي إِلْزَامِهِ فَأَبَاحَ تَأْخِيرَهُ لِمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمُسَافِرِينَ وَالْمَرْضَى إِلَى أَنْ يَصِيرُوا إِلَى الرَّفَاهِيَةِ وَالسُّكُونِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ رَاعَى فِي إِيجَابِ الصَّوْمِ هَذِهِ/ الْوُجُوهَ مِنَ الرَّحْمَةِ فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى نِعَمِهِ كَثِيرًا. تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (5/ 243)النجاح في التحريم المؤقت تدريب وتأهيل للنجاح في التحريم المؤبد12- أم بالذي تَخرَّج به من مدرسة الصوم خلال ثلاثين يوما فقد نجح في التحريم المؤقت لأنواع من المباحات بها حفظ نوعه ، وبقاء جنسه، وفي هذا تدريب
1366
| 12 أغسطس 2013
مساحة إعلانية
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
2514
| 30 نوفمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1494
| 02 ديسمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1161
| 01 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1095
| 03 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
975
| 04 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
846
| 04 ديسمبر 2025
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات...
651
| 28 نوفمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
594
| 30 نوفمبر 2025
في مايو 2025، قام البابا ليو الرابع عشر،...
531
| 01 ديسمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
522
| 03 ديسمبر 2025
كل دولة تمتلك من العادات والقواعد الخاصة بها...
504
| 30 نوفمبر 2025
في كلمتها خلال مؤتمر WISE 2025، قدّمت سموّ...
495
| 27 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية