رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يأتي حديثنا هنا عمَّا ينبغى أن يكون عليه المسلم بعد رمضان على النحو الموجز الآتيفي أمور :الاستقامة والدعاء بالقبولاستدامة أعمال البر والتقوىخوف العاقبة :عدم الاغترار:الحرص على إدامة بل إدمان ذكر الله تعالي :الحذر من الانتكاسة :دوام النفور من الكبائر :الوفاء بالدين إكمالا للعدةالإكثار من صوم النفل بعد تحقيق الفرضودونك هذه الأمور بشيء من التفصيل :1. الاستقامة والدعاء بالقبولعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله r: "قل لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحداً غيرك" قال r: "قل: آمنت بالله ثم استقم"([1]) [رواه مسلم].سؤالُ الله قبول العمل الصالح من صدق الإيمان؛ بنى إبراهيم - عليه السلام - الكعبةَ ودعا ربَّه: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 127]. والثباتُ على الدين من عزائمِ الأمور؛. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم يكثر في الدعاء: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب! صرف قلبي على طاعتك) ، وأهل الإيمان يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8]ولهذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم يدعون الله أن يُبلغهم شهر رمضان ويستعدِّون لاستقباله ستَّة أشهر ويُودِّعون شهر رمضان ويدعون الله تعالى أن يتقبَّله منهم ستَّة أشهر وعلى هذا يكون العام كله عندهم رمضان،كان للحسن بن صالح جارية فباعها إلى قوم ، فلما مضى وقت من الليل أيقظتهم ، فقالوا أسفرنا؟ (أى هل طلع الفجر؟) ، فقالت ألا تتهجدوا؟! قالوا : لا نقوم إلا لصلاة الفجر ، فجاءت الحسن تبكى وتقول : ردنى ، لقد بعتنى لأناس لا يصلون إلا الفريضة. فردها.2. استدامة أعمال البر والتقوىمن قيام ليل إلى تلاوة وغيرها في النصوص الآتية دليل على عموم قيام الليل في رمضان وبعد رمضان قال تعالى :"وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً *وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً" الفرقان/64} وقال تعالى :" تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ"السجدة/16، وقال تعالى :"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" الزمر/9} وقال تعالى :" وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ"آل عمران/17. وقال تعالى :" وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"الذاريات/18 ، وفي هاتين الآتين الأخيرتين جاء الحديث عن صورة من صور قيام الليل ولا سيما الثلث الأخير وذلك بالاستغفار ، وجاء التعبير مرة بالجملة الاسمية المفيدة للثبات والدوام ، كما في آية آل عمران ومرة بالجملة الفعلية المفيدة للتجدد والحدوث كما في آية الذاريات ، والشاهد أن ذلك جاء عاريا من قيد زمان رمضان مما يدل على الاستمرار والدوام ، وعن قيام الليل والتهجد فيه وحض الأهل على القيام ، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ طرقه وَفَاطِمَة لَيْلَة، فَقَالَ: " أَلا تصليان " مُتَّفق عَلَيْهِ. صحيح البخاري، كتاب التهجد. باب تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ. صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها. باب الحثّ عَلَى صلاة الوقت وإن قلَّت. طرقه: أَتَاهُ لَيْلًا، قال ابن بطال: فيه فضيلة صلاة الليل وإيقاظ النائمين من الأهل والقرابة لذلك. والاجتهاد والصبر على ذلك ، في رواية عن علي – رضي الله عنه – قال " ودخل النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ وعلى فاطمة من الليل فأيقظنا للصلاة، ثم رجع إلى بيته فصلى هوياً من الليل فلم يسمع لنا حساً، فرجع إلينا فأيقظنا " قال الطبري: لولا ما علم النبي صلى الله عليه وسلم من عظم فضل الصلاة في الليل ما كان يزعج ابنته وابن عمه في وقت جعله الله لخلقه سكناً، لكنه اختار لهما إحراز تلك الفضيلة على الدعة والسكون امتثالا لقوله تعالى (وأمر أهلك بالصلاة) الآية.وَعَن سَالم بن عبد الله بن عمر [عَن أَبِيه] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: " نعم الرجل عبد الله لَو كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل " قَالَ سَالم: فَكَانَ عبد الله بعد ذَلِك لَا ينَام من اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا. مُتَّفق عَلَيْهِ صحيح البخاري كتاب التهجد. باب فَضْلِ قِيَامِ اللَّيْلِ.صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم. باب من فضائل عبد اللهِ بْن عمر رضي الله عنهما. وثبت عن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه إدامة ذلك على مدار العام "في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعاً فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعاً فَلاَ تَسْأَلْ عنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثاً. صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها. باب صلاة اللَّيل وعدد ركعات النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في اللَّيل، وأنَّ الوتر ركعة، وأنَّ الرّكعة صلاة صحيحة. عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى الله أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ".واقتدت به أم المؤمنين عَائِشَةُ – رضي الله عنها كما في الصحيح فكَانَتْ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ وجاء التوجيه النبوي بالحرص على ذلك ولو قليلا. عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- حَصِيرٌ، وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ: فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ[2]، فَإِنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى الله مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ[3]". وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِذَا عَمِلُوا عَمَلاً أَثْبَتُوهُ.صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها. باب فضيلة العمل الدَّائم من قيام اللَّيْل وغيره والأمر بالاقتصاد في العبادة وهو أن يأخذ منها ما يطيق الدَّوام عليه. والحكمة في ذلك أن المديم للعمل يلازم الخدمة فيكثر التردد إلى باب الطاعة كل وقت ليجازي بالبر لكثرة تردده، فليس هو كمن لازم الخدمة مثلا ثم انقطع. وأيضا فالعامل إذا ترك العمل صار كالمعرض بعد الوصل فيتعرض للذم والجفاء، ومن ثم ورد الوعيد في حق من حفظ القرآن ثم نسيه، والمراد بالعمل هنا الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات.وفي الصحيح عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ فَكَأَنِّي لَا أُرِيدُ مَكَانًا مِنْ الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ إِلَيْهِ وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى رُؤْيَايَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ"صحيح البخاري كتاب التهجد باب فَضْلِ مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى.وعن التلاوة جاء الحديث في القرآن الكريم عن تجدد ذلك وحدوثه دوما فقال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ" فاطر/29-30} وهكذا فلنحافظ على ما هدانا الله تعالى إليه من أعمال البر والتقوى، فذلك دليل قبول الصيام والقيام .فالطاعة بعد الطاعة دليل قبول الأولى.كما أن المعصية بعد المعصية عقوبة على المعصية الأولى، والمعصية بعد الطاعة دليل عدم قبول الطاعة والعياذ بالله . فلنحافظ على ما اعتدنا عليه من أعمال البر والخير قَالَ الله تَعَالَى: {إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهِمْ} . [الرعد (11) ] . أي: لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يُغِّيروا ما بأنفسهم فيعصوا ربهم.3. خوف العاقبة :قيل قديما : ابن آدم مبتلى في أربعة أشياء ضعف البشرية وتكليف العبودية وإخفاء السابقة وإبهام العاقبة. وليكن معلوما أنّ أصل الدين خوف العاقبة، فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يأمن. عن محمد بن نعيم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما جاءني جبريل - عليه السلام - إلا وهو رعد فرقاً وخوفاً من الجبار - عز وجل -» وقيل: لما ظهر على إبليس ما أظهر من المخالفة والطرد بعد القرب والعبادة، طفق جبريل وميكائيل عليهما السلام يبكيان فأوحى الله إليهما ما لكما تبكيان هذا البكاء وإني لا أظلم أحداً قالا: يا رب لا نأمن مكرك أي: ما نأمن أن تقضي علينا بالبعد بعد القرب، وبالشقاوة بعد السعادة فقال: الله تعالى هكذا كونا لا تأمنا مكري. وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه خرج إلى صلاة الجمعة فلقيه إبليس في صورة شيخ عابد فقال: له إلى أين يا عمر؟ فقال له: إلى الصلاة، فقال: قضينا الصلاة وفاتتك الجماعة، والجمعة فعرفه فمسكه بتلابيبه وخنقه وقال له: ويلك ألم تك رأس العابدين وقدوة الزاهدين، فأُمرت بسجدة واحدة فأبيتَ واستكبرتَ وكنتَ من الكافرين، وطُردت وأبعِدت إلى يوم القيامة فقال: تأدب يا عمر هل كانت الطاعة بيدي أم الشقاوة بمشيئتي، إني كنت أبسط سجادة عبادتي تحت قوائم العرش، ولم أترك في السماوات بقعة إلا فيها سجدة وركعة ومع هذا القرب قيل لي: أخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين، فإن كنت يا عمر أمنت مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، فقال له عمر: اذهب فلا طاقة لي بكلامك" شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/ 300)وعن سفيان الثوري -رحمه الله- أنه خرج إلى مكة حاجاً فكان يبكي من أول الليل إلى آخره في المحمل فقال له شيبان الراعي: يا سفيان، ما بكاؤك إن كان لأجل المعصية فلا تعصه ، فقال: يا شيبان ليس بكائي ، من أجل المعصية ولكن خوف العاقبة، لأني رأيت شيخاً كبيراً كتبنا عنه العلم، - والعياذ بالله - وكان تُلْتمس بركته ويُستقى به الغيث، فلما مات تحول وجهه عن القبلة ومات على الشرك كافراً، فما أخاف إلا من سوء الخاتمة فقال له: إن ذلك من شؤم المعصية والإصرار على الذنوب، فلا تعص ربك طرفة عين. شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/ 300)لقد أتم الله علينا النعمة بصوم شهر رمضان وقيامه والقبول بيد الله عـزَّ وجلَّ وحده رُويَ عن عليٍّ - رضي الله عنه - أنَّه كانَ ينادي في آخرِ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ: يا ليتَ شِعْرِي! مَن هذا المقبولُ فنهنِّيه؟ ومَن هذا المحرومُ فنُعَزِّيه؟وروي عن ابنِ مسعودٍ مثله أيُّها المقبولُ هنيئًا لكَ، أيها المردودُ جبرَ اللَّه مُصيبتك.عن عليٍّ رضي الله عنه: «كُونُوا لقبول العمل أشدَّ اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعُوا الله - عز وجل - يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} » .قال مالك بنُ دينار: الخوفُ على العمل أن لا يُقبل أشدُّ من العمل.وعن فضالةَ: لأن أعلم أن الله تقبّل مني مثقال حبةِ خردلٍ، أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها، لأن الله تعالى يقول:" إنما يتقبل الله من المتقين "[4] ومن ذا الذي يستطيع أن يقطع لنفسه بالتقوى مع قوله تعالي " فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى "[5] لقد علم الله من كل نفس ما هي صانعة وإلى ما هي صائرة فلا تزكوا أنفسكم فلا تبرئوها من الآثام ولا تمدحوها بحسن الأعمال. فهو أعلم بكم أيها المؤمنون علم حالكم من أول خلقكم إلى آخر يومكم فلا تزكوا أنفسكم رياء وخيلاء ولا تقولوا لمن لم تعرفوا حقيقته أنا خير منك أو أنا أزكى منك أو أتقى منك فإن العلم عند الله فلا تنسبوا أنفسكم إلى الزكاة والطهارة من المعاصي ولا تثنوا عليها واهضموها فقد علم الله الزكي منكم والتقي أولا وآخرا قبل أن يخرجكم من صلب أبيكم آدم وقبل أن تخرجوا من بطون أمهاتكم ، وفيه إشارة إلى وجوب خوف العاقبة فإن الله يعلم عاقبة من هو على التقوى "هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى"النجم/32} ومع إنكاره تعالى على من يُزكى نفسه بين يديه عزَّ وجلَّ "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكى من يشاء ولا يظلمون فتيلاً "[6] وعلى هذا ينبغي أن يكون قلب المسلم بعد رمضان وجلاً مشفقاً لأنه لا يدرى هل قُبٍل منه الصوم أم لا ؟! قال تعالي في وصف عباد خُلَّص له " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون "[7]عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله r عن هذه الآية: }والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة{([8]). أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا تقبل منهم. أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون"([9]). الإشفاق كمال الخشية من الله عـزَّ وجلَّ والخشية درجة أعلى من الخوف إذ لا تتأتي إلاَّ مع العلم ولذلك وصف الله تعالي العلماء بها فقال " إنما يخشى الله من عباده العلماء "[10] " أمَّا الشفقة فهي كمال الخشية من الله تعالي مع رقة وضعف وقد ذكر الله تعالي عن أهل الجنة تذكرهم ما كانوا عليه في الدنيا في سورة الطور " إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم "[11] ولذا كانت السيدة عائشة - رضي الله عنها - عندما تقرأ هذه الآية تقول اللهم مُنَّ علينا وقنا عذاب السموم اللهم آمين . وَوَصْف الله تعالي لقلوبهم بأنها وجلة بعد الأعمال الصالحة كما في حديث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعائشة وختام الآية بقوله تعالي " أنهم إلى ربهم راجعون " يؤذن بخوفهم العاقبة إذ الأعمال بالخواتيم كما في صحيح البخاري ولقد كان السلف رضي الله عنهم على الحسنات من أن تُردَّ عليهم أشفق منَّا على السيئات أن نُعذَّب عليها كما يقول الحسن رضي الله عنه وعن أبي بكرة رَضِيَ الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« لا يقولن أحدكم صمت رمضان كله أو قمت رمضان كله الله أعلم أكره التزكية على أمته أو قال لا بد من رقدة أو من غفلة»[12].وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« لا يقولن أحدكم إني صمت رمضان»[13]. قال منصور بن عمار -رحمه الله-: إذا دنا موت العبد قسم حاله على خمسة أقسام المال للوارث، والروح لملك الموت، واللحم للدود، والعظم للتراب، والحسنات للخصوم.فماذا يبقي ؟؟!!4. عدم الاغترار:قال ابن القيم - رحمه الله -: "إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا سلبَ رؤيةَ أعماله الحسنةِ من قلبه، وسلبَ الإخبارَ بها من لسانه، وشغَلَه برؤية ذنبه". مع الصيام والقيام والزكاة والاعتكاف والتلاوة وغيرها من أعمال البر التي وقعت في شهر رمضان إلاَّ أنا لا ندخل على الله تعالي بأعمالنا فرحمة الله أرجي عندنا من عملنا ومغفرته أوسع من ذنوبنا عَنْ عَائِشَةَ, زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهَا كَانَتْ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «سَدّدُوا وَقَارِبُوا. وَأَبْشِرُوا. فَإِنّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنّةَ أَحَداً عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ: «وَلاَ أَنَا. إِلاّ أَنْ يَتَغَمّدَنِيَ اللّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ. وَاعْلَمُوا أَنّ أَحَبّ الْعَمَلِ إِلَىَ اللّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلّ»[14]. ثُمَّ علام الاغترار ؟! ولولا فضل الله وعونه ما كان منَّا الصيام ولا القيام ولا غيره من هذه الأعمال الصالحة أولم نُقرْ بذلك في مساء كل يوم "الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت."[15] ومعنى هذا أنه لولا عون الله تعالى لك لما قمت بهذا الركن من أركان الإسلام وغيره من الأعمال الصالحة وألوان الطاعات ومن حداء الصحابة [ اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا ] ومن أقوال أهل الجنة " الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون "[16] فعلام الاغترار إذا مادام العمل لا تُوفَّق له إلاَّ بالله تعالى ؟ قال موسى عليه السلام يوم الطور: يا رب إن أنا. صليت فمن قبلك وإن أنا تصدقت فمن قبلك وإن بلغت رسالاتك فمن قبلك فكيف أشكرك؟ قال: يا موسى الآن شكرتني.5. الحرص على إدامة بل إدمان ذكر الله تعالي :فأعظم الصائمين-بل المسلمين- أجراً أكثرهم لله ذكراً كما في الحديث " أن رجلاً سأل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: أي الجهاد أعظم أجراً؟ قال: «أَكْثَرُهُمْ لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذِكْراً» قال: فأي الصائمين أعظم أجراً؟ قال: «أَكْثَرُهُمْ لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذِكْراً» ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - يقول: «أَكْثَرُهُمْ لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذِكْراً» فقال أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنهما: يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - : «أَجَلْ»[17]. وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» . وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: الَّذِينَ لَا تَزَالُ أَلْسِنَتُهُمْ رَطْبَةً مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، يَدْخُلُ أَحَدَهُمَا الْجَنَّةَ وَهُوَ يَضْحَكُ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ مِائَةَ نَسَمَةٍ، فَقَالَ: إِنَّ مِائَةَ نَسَمَةٍ مِنْ مَالِ رَجُلٍ كَثِيرٌ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ إِيمَانٌ مَلْزُومٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنْ لَا يَزَالَ لِسَانُ أَحَدِكُمْ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ مُعَاذٌ: لَأَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى اللَّيْلِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْمِلَ عَلَى جِيَادِ الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى اللَّيْلِ. جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 514ولهذا رأينا في القرآن الكريم بعد كثير من التكاليف الشرعية يأتي الأمر بالذكر الكثير لله تعالي ومن ذلك بعد الصلاة يقول تعالي "فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعوداً وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة … "[18] وفي الحج يقول تعالي " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشدَّ ذكرا "[19] فقد كان من عادة العرب في الجاهلية أن يتخذوا من موسم الحج فرصة للتفاخر بالآباء والأجداد وتعداد مآثرهم ومفاخرهم حتى إن ذلك ليغلب على ذكرهم لله تعالي فقلبوا بذلك الأمر ولذا تدرج الله تعالي بهم فدعاهم إلى ذكره عـزَّ وجلَّ وإن لم يَزد ذكرهم لله تعالي على ذكرهم لآباءهم فلا يقل ولا ينقص عنه وفي الجهاد يقول تعالي " إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون "[20]. وفي الجمعة يقول تعالي " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون "[21] وفي سورة الأحزاب بيان لصفات الشخصية المسلمة الحقة المستجمعة لخصال الخير والمتأبية على خصال الشر هذه الصفات جاءت مرتبة ترتيباً تصاعدياً حتى جاء الذكر الكثير في أعلاها قال تعالي " إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعدَّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيما "[22] .هذا وممَّا يُعين على الذكر الكثير الأخوَّة في الله ولهذا دعا موسي عليه السلام ربه أن يجعل له من أخيه من أبيه وأمه أخا له في الله تعالى فقال " رب اشرح لي صدري ويسِّر لي أمر ي واحلل عقدة من لساني يفقه قولي ، واجعلي وزيرا من أهلي هارون أخي أُشدد به أزري وأشركه في أمري " لماذا قال " كي نُسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا قال قد أوتيت سؤلك يا موسي "[23] وتلك دعوة مُجرَّبة فلنحرض عليها ولاحظ الهدف منها عند موسي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لم يكن الهدف منها العصبية ولا الحزبية ولا القومية ولكن الذكر الكثير والتسبيح الكثير وقد آتاه الله تعالى سؤله6. الحذر من الانتكاسة :إن الطفل بعد أن تتم فترة رضاعته وبعد أن يستوفي حقه من ذلك تماما على النحو الذي فصَّل الله عـزَّ وجلَّ في كتابه فقال " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة "[24]. أقول بعد هذه الفترة ،لا يرجع الوالدان به بعد ذلك إلى الرضا ع من جديد ولا يسمحان له بالعود إلى ذلك لأن هذا يعنى انتكاسة لا يُسمح للطفل بها أبدا بهذه الانتكاسة تربية للعزيمة وتقوية للإرادة لدى الطفل وكما أن الأمر هكذا بالنسبة للطفل فهو هكذا للنفس فنحن في رمضان أخذنا أنفسنا بالعزيمة وقمنا بفطامها عن المعاصي وأعاننا المولى عـزَّ وجلَّ على ذلك فحبس عنَّا شياطين الجن كما في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» صحيح مسلم كتاب الصيام. باب فضل شهر رمضان. فينبغى أن نحذر الانتكاسة بعد رمضان بالعود إلى المعاصي من جديد فإنها انتكاسة ما بعدها انتكاسةوالنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمولنحذر نقض غزلنا بعدما أبرمناه قال تعالى :"وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"النحل: 92 يحذر الله المؤمنين أن يكونوا بهذه الصفة، والذي يوعد الوعد ومن ثم يخلف ولا ينفذ، أو يعقد العقد ومن ثم يتحلل منه ولا يعطيه شبهه الله بامرأة خرقاء حمقاء كانت في الجاهلية تغزل غزلها إلى أن تعمل منه ثوباً، ومن ثم تنقض هذا الثوب، ومن ثم ترجع تغزله مرة أخرى، ومن ثم تنقضه! أتكون مثلها كلما عقدت عقداً نقضته، وكلما عاهدت عهداً غدرت به؟! فيقول لنا: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} [النحل:92] من بعد ما كنتم أقوياء بالإيمان فارقتم ذلك بالمعاصي ورجعتم القهقري!قال كعب: من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر من رمضان لم يعص الله دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر عصى ربه فصيامه عليه مردود.وذلك للحديث الصحيح " الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"صحيح البخاري كِتَاب الْعِتْقِ. باب الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَلَا عَتَاقَةَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ.ولأنه بات مصرا على معصية الله تعالى وقد جاء فى وصف المتقين عدم الإصرار على المعصية ، قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ *وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ *أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ "آل عمران:133-136،7. دوام النفور من الكبائر : الذنوب منها ما الكبار ومنها الصغار ، ولا بد للمسلم من مجاهدة نفسه حتى يسلس له منها الانقياد والمرء بجبلته يقع في المعصية عنْ أَنَسٍ رَضِيَ الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلّ بَنِي آدَمَ خَطّاءٌ. وَخَيْرُ الْخَطّائِينَ التّوّابُونَ»[25].وقد ادخر الله تعالي عنده خيرا كثيرا باقيا وما عنده تعالى هو خير وأبقي لقوم من أبرز صفاتهم ومحاسنهم اجتنابهم للكبائر فقال تعالى:" وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ *وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ.."الشورى:36-39" وفي النجم جاء في وصف من سيجزيهم الله بالحسنى أنهم " الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاَّ اللمم … "[26] . واللمم صغائر الذنوب وعلى هذا فالمسلم مطالب بالمجاهدة لنفسه حتى لا يقع في الكبائر فيغفر الله تعالي له الصغائر مطالب بأن يعيش روح رمضان من رمضان حتى رمضان القادم مجتنباً للكبائر فيمحو الله عنه ما يرتكب من صغائر يدل على ذلك قوله تعالي " إن تجتنبوا كبائر ما تُنهون عنه نُكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً "[27] . والمقصود بالسيئات هنا الصغائر فاجتناب الكبائر _ مع القيام بالأعمال الصالحة من مثل الصوم والصلاة وغيرها _ يُكفِّر الصغائر لهذه الآية الكريمة السابقة وكما في الحديث الشريف عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ «الصّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ. وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ. مُكَفّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنّ. إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»[28]. ولئن كان الجو العام في رمضان يساعد على الاستقامة والنفور من الكبائر لتصفيد الله تعالي لشياطين الجن عنَّا فأولى بنا أن نكون أشدَّ حذراً بعد رمضان لإطلاق سراحهم وعودتهم إلى الغواية من جديد " لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ، إلاَّ عبادك منهم المخلصين "[29] ومن هنا يتوجب على المسلم النفور من الكبائر لتسلم له الأعمال الصالحة ولا تبطل ويضيع أجرها عليه لقوله تعالي " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم "[30] فكما أن الحسنات يذهبن السيئات فكذلك السيئات يذهبن الحسنات " " لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " [31]. وعلى هذا فما الكبائر ؟ التي إذا اجتنبها المسلم من رمضان إلى رمضان مع أدائه للأعمال الصالحة المفروضة كفَّر ذلك عنه – السيئات الصغيرة _ وغيرها . الكبيرة : هي كل ما ورد فيه حد أو وعيد شديد وهذه فرصة ندعو فيها الإخوة والأخوات إلى قراءة كتاب : "الكبائر " للإمام الذهبي رحمه الله فقد جمع فيه قرابة السبعين كبيرة وهو كتاب يسير بثمن بخس دراهم معدودة لكنه عظيم النفع والفائدة وثّمَّة كتاب آخر في بابه عنوانه " الزواجر عن اقتراف الكبائر " جمع فيه صاحبه قرابة الثلاثمائة كبيرة مع أصولها من الكتاب والسنة وأقوال العلماء عن أخطارها وأضرارها فهما كتابان لا نظير لهما في بابهما وذلك حتى يتأتَّى للمسلم اجتناب الكبيرة لا بد له أن يعرف الكبيرة أولاً فقد يقع فيها وهو لا يدرى ! ولهذا كان ابن مسعود رضي الله عنه يسأل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن أعظم الذنوب ؟! وذلك ليتركها ويتجنبها فعن عبد الله قال: «سألتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم: أيّ الذْنبِ أعظمُ عندَ الله؟ قال: أن تجعلَ للّهِ ندّاً وهوَ خَلَقَكَ. قلتُ إنّ ذلك لعظيم, قلتُ: ثمّ أيّ؟ قال: وأن تَقْتُلَ وَلَدَكَ تخافُ أن يَطعمَ معك, قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تُزاني حَليلةَ جارِك»[32]. وكما قال عمر رضي الله عنه عرفت الشـرَّ لا للشر ولكن لتَوَقِّيه. ومن العيب على المرء أن يظل غفلا جاهلاولا تعرفون الشر حتى يُصيبكم ولا تعرفون الأمر إلا تدبرا.8. الوفاء بالدين إكمالا للعدةمن أفطر بعض أيام رمضان بسبب مرض أو سفر- رجالا أو نساء – والمرأة إذا أفطرت بسبب حيض أو نفاس - فذلك دين لله تعالي يجب الوفاء به لقوله تعالي " ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر "[33]وَالصِّيَامُ كالصلاة كِلَاهُمَا فَرْضٌ وَاجِبٌ وحق مؤكد ، وَدَيْنٌ ثَابِتٌ يُؤَدَّى أَبَدًا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ الْمُؤَجَّلُ لَهُمَا، وَمَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ لِعِبَادِهِ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، وَقَدْ شَبَّهَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَقَالَ ((دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى)) وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ،غير أم المرأة تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة .للحديث الصحيح في الصحيحين عَنْ مُعَاذَةَ بنت عبد الله العدوية قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ؟فَقالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ([34]) أَنْتِ؟قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرْورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ.قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ" [رواه البخاري، ومسلم]([35]).الحيض خلقة في النساء، وطبع معتاد معروف منهن.هذا الحديث دليل على أن الحائض ومثلها النفساء – بالإجماع – لا يحل لهما الصوم، وأنهما تفطران أيام الحيض من رمضان وتقضيان.وقد ورد في الصحيح ما يقر المرأة على ترك التكاليف الشرعية من صلاة وصيام وغيرها خلال فترة الحيض وكذا النفساء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا" ([36]).مع هذا الحديث الإجماع قائم على ترك المرأة – حال حيضها ونفاسها - الصوم والصلاة وكونهما لا يجبان عليها، ويجب عليها قضاء الصيام؛ لأدلة أخر.منها حديث معاذة العدوية. وكون المرأة تؤمر بقضاء الصوم دون الصلاة نصا على خلاف الرأي والقياس كما قَالَ أَبُو الزِّنَادِ : إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ اتِّبَاعِهَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، مع أن القياس وجوبها كالصوم، لأن كلا منهما عبادة تركت لعذر، ولكن ثبت الحكم على خلاف هذا القياس لحكمة يعلمها الله عز وجل، والمسلمة تلتزم ذلك تعبدا له سبحانه.[37] ومثله قول علي: لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أحق بالمسح من أعلاه"[38] ونظائر ذلك في الشرع كثير.وهذا من رحمة الله تعالى بالنساء فإن الصلاة تتكرر كلّ يوم، والحيض يتكرر كل شهر غالباً. فإلزامها بقضاء الصلاة فيه مشقة. ...، والصوم عبادة سنوية ليس في قضائها مشقة، بل فيه مصلحة للمرأة، والله عليم حكيم([39]).والمشقة المرفوعة بعدم مشروعية قضاء المرأة صلاة أيام حيضها لأنه يكون غالباً في كل شهر ستاً أو سبعاً وقد يمتد إلى عشرة أيام وحاصل ضرب عشرة أيام في اثني عشر شهرا يكون المجموع مائة وعشرين يوما مع قسمتها على ثلاثين عدد أيام الشهر فيلزم قضاء صلوات أربعة أشهر من السنة وذلك في غاية المشقة9. الإكثار من صوم النفل :قال تعالى " فإذا فرغت فانصب " مع الوفاء بالفرض وإتمامه فلئن كان وقت المفروض من الصوم قد انتهى فما أكثر أيام النوافل فيما نستقبل من أيام ومن ذلك 1- صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع ففيهما تعرض الأعمال على رب العالمين كما في الحديث الشريف عن عائشة قالت:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان ورمضان ويتحرى صوم الاثنين والخميس[40].2- الأيام الثلاثة البيض من كل شهر كصدقة عن عافية البدن كل يوم عن أبي هريرةَ رضيَ اللّهُ عنه قال «أوصاني خليلي بثلاثٍ لا أدعهنّ حتى أموت: صومِ ثلاثةِ أيّامٍ من كل شهر, وصلاةِ الضّحى, ونوم على وِتر»[41]. عن أَبَي ذَرٍّ رضي الله عنه قال : قالَ رسولُ الله - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - : «يَا أَبَا ذَرٍّ إذَا صُمْتُ من الشهرِ ثلاثةَ أيامٍ فَصُمْ ثلاثَ عَشْرَةَ وأرْبَعَ عَشْرَةَ وخَمْسَ عَشْرَةَ"[42]. عن موسى بن طلحة ، قال: أُتِي النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - بأرنب قد شواها رجلٌ فلما قدمها إليه، قال يا رسول الله: إني رأيت بها دماً، فتركها رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - فلم يأكلها وقال لمن عنده: كلوا فإني لو اشتهيتها أكلتها، ورجل جالس فقال رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - : «ادن فكل مع القوم. فقال: يا رسول الله إني صائم. قال: فهلا صمت البيض قال: وما هُنَّ؟ قال: ثلاث عشرة وأربع عشرةَ وخمس عَشرةَ»[43].وعلى هذا فالأيام البيض في الأحاديث السابقة هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربي كما وضحها الحديث السابق 3-يوم عرفة فإن صومه يكفر ذنوب سنتين ـ عن أبي قتادة قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - : «صوم عرفة كفارة سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة وصوم عاشوراء كفارة سنة»[44].4- وأيام العشر الأول من ذي الحجة ـ عن ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قال قال رَسُولُ الله - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - : «مَا مِنْ أيّامٍ الْعَمَلُ الصّالِحُ فيهَا أحَبّ إلَى الله مِنْ هَذِهِ الأيّامِ يَعْني أيّامَ الْعَشْرِ قالُوا يارَسُولَ الله وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ قالَ وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله قالَ إلاّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»[45].5- ويوم عاشوراء فإن صومه يكفر ذنوب سنة كما مر في الحديث. 6- وأيام الأشهر الحرم . 7- وصوم داود أحب الصيام إلى الله تعالي كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بلغ النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - أني أصوم أسرد وأصلي الليل قال: فأرسل إليه وإمّا لقيه قال:» ألم أخبر أنك تصوم لا تفطر وتصلي الليل فلا تفعل فإن لعينك حظاً ولنفسك حظاً ولأهلك حقاً, صم وأفطر وصل ونم وصم من كل عشرة أيام يوماً ولك بأجر تسعة قال: إني أقوى من ذلك يا رسول الله قال: صم صيام داود إذاً قال: وكيف صيام داود يا نبي الله؟ قال: كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى قال: قال ومن لي بهذا يا نبي الله؟"[46] . لاحظ قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عن أخيه داود عليه السلام إنه مع صومه المتواصل إلاَّ أنه لا يقعد به عن فرض ولا يُصيبه بضعف فيخور عند الشدائد يقول صلي الله عليه وآله وسلم " ولا يفر إذا لاقى " . 8- وصوم ستة أيام من شهر شوال فعَنْ أَبِي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوّالٍ. كَانَ كَصِيَامِ الدّهْرِ»[47]. وصومها مستحب عند الشافعي وأحمد وداود ومن وافقهم لهذا الحديث الشريف وعند أحمد يستوى التتابع في صومها وعدمه ، وعند الشافعية والأحناف التتابع أفضل عقب العيد قلت : صوم هذه الأيام في أي وقت من شهر شوال تقع به الفضيلة وكيفما وقع الصوم بصوم يومين في العشر الأولى وآخرين في العشر الوسطى وآخرين في العشر الأخيرة من الشهر أو بصوم الاثنين والخميس بنية الأيام الستة أو بصوم ستة أيام متتالية من أول الشهر أو من وسطه أو من آخره المهم أن تقع في شهر شوال والكل يقع عليه " اسم " التتابع وتحصل به فضيلة صيام الدهر قال العلماء " إنما كان ذلك كصيام الدهر لأن رمضان بعشرة أشهر والأيام الستة بشهرين في الصحيح " صيام شهر رمضان بعشرة أشهر ، وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة[48]" وثمَّة المعيار الذي يتم عليه الأجر بين يدي الله عـزَّ وجلَّ عن ثوبان مولى رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - أنه: سمع رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - يقول: «جعل الله الحسنة بعشرٍ فشهرٌ بعشرةِ أشهرٍ وستة أيام بعد الفطر تمام السنة»[49]. هذا وبالله التوفيق وكل عام أنتم بخير.([1]) صحيح مسلم 38.[2]صحيح البخاري كِتَاب الرِّقَاقِ. باب الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ.[3] صحيح البخاري، كِتَاب الرِّقَاقِ. باب الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ.[4] المائدة / 27[5] النجم / 32[6] النساء /49[7] المؤمنون 57 – 61([8]) سورة المؤمنون، الآية: 60. ([9]) رواه الترمذي (9/19) وقوله: (أولئك الذين) هكذا في رواية الترمذي، وفي القرآن (أولئك يسارعون) والحديث صححه الألباني (صحيح الترمذي 3/79، 80).[10] فاطر/28[11] الطور / 26 – 28[12] صحيح ابن خزيمة[13] مسند اسحاق بن راهوية[14] مسلم في صحيحه كتاب صفة القيامة والجنة والنار باب لن يدخل احداً عمله الجنة …[15] مصنف ابن أبي شيبة كان الربيع بن خُثيم يدعو به[16] الأعراف /43[17] مسند أحمد[18] النساء / 103[19] البقرة / 200[20] الأنفال / 45[21] الجمعة /10[22] الأحزاب 35[23] طه/25-36[24] البقرة / 233[25] سنن ابن ماجة كتاب / الزهد باب ذكر التوبة[26] النجم / 32[27] النساء 31[28] مسلم في صحيحه كتاب / الطهارة ـ باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر[29] الحجر / 39- 40
3114
| 12 أغسطس 2013
◄ هناك من يفرح بانتهاء رمضان فهل في ذلك إثم ويقول: أخيرا انتهى شهر الصوم؟► الفرح بإتمام نعمة الله على العبد أن فرض عليه الصيام فصام محمود ومطلوب. جاء الحديث عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ صُمْتُ رَمَضَانَ وَلاَ قُمْتُهُ كُلَّهُ. وَلاَ أَدْرِي كَرِهَ التَّزْكِيَةَ، أَوْ قَالَ: لاَ بُدَّ مِنْ غَفْلَةٍ وَرَقْدَةٍ. — وفي رواية: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي قُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ. قَالَ قَتَادَةُ: فَاللهُ أَعْلَمُ أَخَشِيَ التَّزْكِيَةَ عَلَى أُمَّتِهِ، أَمْ يَقُولُ: لاَ بُدَّ مِنْ رَاقِدٍ، أَوْ غَافِلٍ. والحديث وإن ضعف سندا؛ إلا أن الآيات القرآنية، تؤكد معناه. فالفضل لله وحده أولا وآخرا.والفرح بإتمام الله نعمة صوم اليوم مشروع قال تعالى: "وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ" البقرة/187. وفي الناس من لم يُتم صيام اليوم، وعرض له ما أفسد عليه صومه. عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "من صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل الله بعّد الله وَجهه عَن النَّار سبعين خَرِيفًا" الجمع بين الصحيحين (2/ 453) هذا فضل الله تعالى في جزاء صيام يوم في سبيل الله في غير رمضان كما جاء الحديث هكذا مطلقا، فما بالك إذا كان اليوم من أيام رمضان؟!والفرح بإتمام الله تعالى نعمة صوم الشهر وإكمال العدة برؤية الهلال، قال تعالى: "فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ" البقرة/185. وبذلك حقَّقَّ ركن الإسلام وشعبة الإيمان، وفي الصحيح: "عَنْ ابْنِ عُمَرَ — رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا — قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ —: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ." صحيح البخاري صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. بَاب قَوْلُ النَّبِيِّ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ". صحيح مسلم كتاب الإيمان. باب بيان أركان الإِسلام ودعائمه العظام. وفي الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ — صلوات الله عليه: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ."صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. ولا يأتي على المسلم شهر خير له من سائر شهور العام مثل رمضان، فعن أبى هريرة — رضي الله عنه عن النبي — صلى الله عليه وسلم — قال: أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله ما مر على المسلمين شهر هو خير لهم منه ولا يأتى على المنافقين شهر شر لهم منه إن الله يكتب أجره وثوابه من قبل أن يدخل ويكتب وزره وشقاءه قبل أن يدخل وذلك أن المؤمن يعد فيه النفقة للقوة فى العبادة ويعد فيه المنافق اغتياب المؤمنين واتباع عوراتهم فهو غُنْم للمؤمن ومعصية على الفاجر" [23] قال تعالى" قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون" يونس/58 وقد مضي معنا فضل الله تعالى في جزاء صيام يوم في سبيل الله بإبعاد النار عن وجه الصائم سبعين عاما، في غير رمضان فما بالك إذا كان هذا اليوم في رمضان المضاعف الأجر والمثوبة، فالعمل الصالح يضاعف الله تعالى الأجر عليه لفضيلة الزمان أو المكان إلى آخر هذه الأسباب التي استوفيناها في بحثنا "أولئك يؤتون أجرهم مرتين" بحمد الله ومنته. فإذا أتم الله تعالى النعمة على العبد فصام الشهر حتى أحل الله تعالى له الفطر برؤية هلال شوال، فأفرح قلبه، وشرح صدره فقد باعد الله تعالى بصيامه الشهر كاملا النار عن وجهه ألفين ومائة عام، حرَّم الله تعالى بشرتنا وشعرنا على النار بحرمة وجهه الكريم.والمسلم يفرح لأنه وفَّقه الله تعالى فصامها وأقامها "أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ" فلم يزد في أولها ولا في آخرها، ولم يُحدث عليها ما يرده الله تعالى عليه — كما فعلت الأمم السابقة — للحديث الصحيح " عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ". صحيح مسلم كتاب الأقضية. باب نقض الأحكام الباطلة، وردُّ محدثات الأمور. وقد أضافت الأمم السابقة على هذه الأيام المعدودات أياما أُخَر قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُ يَوْمَ الشَّكِّ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَى فُرِضَ عَلَيْهِمْ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ كَمَا فُرِضَ عَلَيْنَا، فَحَوَّلُوهُ إِلَى الْفَصْلِ الشَّمْسِيِّ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُوَافِقُ الْقَيْظَ فَعَدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُمْ قَرْنٌ فَأَخَذُوا بِالْوَثِيقَةِ لِأَنْفُسِهِمْ فَصَامُوا قَبْلَ الثَّلَاثِينَ يَوْمًا وَبَعْدَهَا يَوْمًا، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْآخَرُ يَسْتَنُّ بِسُنَّةِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ حَتَّى صَارُوا إِلَى خَمْسِينَ يَوْمًا"تفسير القرطبي ثم لكي يبقي الصيام والقيام "أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ" هي شهر رمضان — كما وضحنا — حرَّم الشرع الحنيف صوم اليوم الذي قبله وهو يوم الشك ففي الصحيح عن عمار ابن ياسر — رضي الله عنه —: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم r"([24]).صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا" وحرَّم صوم اليوم الذي بعده لقول عمر — رضي الله عنه:" هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْيَوْمُ الْآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُم" ([25]).لهذا الحديث وغيره قد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك.. وفي الصحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ — رضي الله عنه — أَنَّ رَسُولَ اللهِ — صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — نَهَىَ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ[26].ألا يدعو ذلك إلى الفرح؟وهو كذلك فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح طبعي وهو السابق للفهم، عن ابْن عُمَر: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ — صلى الله عليه وسلم — إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ((ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)).◄ لماذا شرع الذكر والتكبير في أيام العيد؟► من أعمال المسلمين في أعيادهم الذكر والتسبيح والتهليل لله تعالى فلا يغفل المسلمون عن ذكر الله تعالى أيام مرحهم وساعات ترويحهم عن أنفسهم فقد قال تعالى في آيات الصيام بعد بيان عدَّة أيام الصيام والمطالبة بإكمالها أقول بعد ذلك جاء الأمر بالتكبير والشكر لله تعالى في سورة البقرة/185 "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون" وقال تعالى في آيات الحج من سورة الحج "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ {37} الحج روى ابن أبي شيبة بسنده عن الزهري. أن رسول الله كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير([3])، [ إسناده صحيح. وهو مرسل، وله شواهد يتقوى بها]. الحديث دليل على مشروعية التكبير جهراً في الطريق إلى مصلى العيد وكذا إذا أتى المصلى إلى أن تقضي الصلاة.وقد شرع الله تعالى لعباده التكبير عند إكمال عدة رمضان من غروب الشمس آخر يوم من رمضان ودخول ليلة العيد إلى صلاة العيد. قال تعالى: "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلّكم تشكرون" وصفته أن يقول الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. ويسن الجهر به وإظهاره في المساجد والمنازل والطرقات وكلّ موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى. قال النووي رحمه الله تعالى في أذكاره (ويستحبّ التكبير ليلتي العيدين، ويُستحبّ في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يُحرم الإِمام بصلاة العيد، ويُستحبّ ذلك خلفَ الصلواتِ وغيرها من الأحوال. ويُكثر منه عند ازدحام الناس، ويُكَبِّر ماشياً وجالساً ومضطجعاً، وفي طريقه، وفي المسجد، وعلى فراشه، وأما عيدُ الأضحى فيُكَبِّر فيه من بعد صلاة الصبح من يوم عَرَفة إلى أن يصليَ العصر من آخر أيام التشريق، وَيُكَبِّر خلفَ هذه العَصْرِ ثم يقطع).
5852
| 07 أغسطس 2013
◄ ما المقصود بنجاسة المشركين فى قوله تعالى (إنما المشركون نجس) ؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعدفى قوله تعالى (إنما المشركون نجس) لَيْسَ الْمُرَادُ نَجَاسَةَ الْأَعْيَانِ وَالْأَبَدَانِ بَلْ نَجَاسَةُ الْمَعْنَى وَالِاعْتِقَادِ.إذًا هي نجاسة معنوية، من جهة اعتقادهم الباطل، وعدم تحرزهم من الأقذار والنجاسات، لا أن أعيانهم وأبدانهم نجسة، وقد كانوا يخالطون المسلمين، وترد رسلهم ووفودهم على النبي صلى الله عليه وسلم ويدخلون مسجده، ولم يأمر بغسل شيء مما أصابته أبدانهم.قال ابن كثير — رحمه الله — في تفسيره ": وأما نجاسة بدنه؛ فالجمهور على أنَّه ليس البدن والذات؛ لأنَّ الله تعالى أحل طعام أهل الكتاب... ".وقال ابن الجوزي في كتابه "زاد المسير في علم التفسير: أنَّه لمّا كان علينا اجتنابهم كما تُجتَنَب الأنجاس؛ صاروا بحُكم الاجتناب كالأنجاس، وهذا قول الأكثرين، وهو صحيح".وقال بعض المفسرين النجس الشيء القذر من الناس وغيرهم، وقيل النجس الشيء الخبيث، والمراد أيضًا من هذه النجاسة نجاسة الحكم لا نجاسة العين سمواً نجساً على سبيل الذم لأن الفقهاء اتفقوا على طهارة أبدانهم.◄ هناك من يقول بأن نجاسة المشركين نجاسة أعيان وأبدان لا نجاسة معان واعتقاد؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعدمن قال بأن نجاسة غير المسلمين نجاسة العين والبدن يستدل ما رُوى عن ابن عباس — رضي الله عنهما — أن أعيانهم — أي غير المسلمين — نجسة كنجاسة الكلاب والخنازير، وبه قال الحسن بن صالح والهادي من أئمة الزيدية حتى قالوا بالوضوء من مصافحة المشرك.. ومال الفخر الرازي إلى هذا القول قال وهو الذي يقتضيه ظاهر الآية وهو الذي لا يُعدل عنه إلا بدليل منفصل.. ويشهد لما قال ابن عباس ومن تبعه ما أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صافح مشركاً فليتوضأ أو ليغسل كفيه )[ وأيضاً أخرج ابن مردويه عن هشام ابن عروة عن أبيه عن جده قال (استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فناوله يده فأبى أن يتناولها فقال يا جبريل ما منعك أن تأخذ بيدي؟ فقال إنك أخذت بيد يهودي، فكرهت أن تمس يدي يداً قد مستها يد كافر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ فناوله يده فتناولها) قال بعض العلماء: وعلى هذا القول لا يحل الشرب من أوانيهم ولا مواكلتهم ولا لبس ثيابهم.لكن القول بأن نجاسة غير المسلمين نجاسة العين والبدن مردود لضعف حديث: (من صافح مشركاً فليتوضأ أو ليغسل كفيه) " وحديث (استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فناوله يده فأبى أن يتناولها فقال يا جبريل ما منعك أن تأخذ بيدي؟ فقال إنك أخذت بيد يهودي، فكرهت أن تمس يدي يداً قد مستها يد كافر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ فناوله يده فتناولها) فالأصح أن نجاستهم نجاسة المعنى والاعتقاد لا نجاسة الأعيان والأبدان وذلك نظرا لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من طعامهم وفى أوانيهم.. وكذلك السلف الصالح.. وأيضاً المنع من ذلك يؤدي إلى حرج عظيم لكثرة اختلاط المسلمين بهم في مجاورتهم ومعاملتهم، وهو مدفوع بالنص (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال العلامة النسفي: (إنما المشركون نجس) لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس ولأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات، فهي ملابسة لهم، أو جعلوا كأنهم النجاسة بعينها مبالغة في وصفهم بها"[229]، وعلى كل حال فالمراد بالمشركين جميع أصناف الكفار من عبدة الأصنام وغيرههم من اليهود والنصارى وقيل المراد بهم عبدة الأصنام فقط. نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه.هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعملوَقد أَكَلَ صلى الله عليه وسلم مِنْ الشَّاةِ الَّتِي أَهْدَتْهَا لَهُ يَهُودِيَّةٌ مِنْ خَيْبَرَ كما فى الصحيح: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ: أَلاَ نَقْتُلُهَا، قَالَ: «لاَ»، فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — ووجه الدلالة فى الحديث الشريف عدم توقيه — صلوات الله وسلامه عليه — الأكل من طعام أهل الكتاب أو فى أوانيهم، مما يدل على أن نجاستهم نَجَاسَةُ الْمَعْنَى وَالِاعْتِقَادِ لا نَجَاسَةَ الْأَعْيَانِ وَالْأَبَدَانِ ؛ وإلا لما أكل لما صافحهم ولما جلس على موائهم وتناول من طعامهم.وَأَكَلَ — صلوات الله وسلامه عليه — مِنْ الْجُبْنِ الْمَجْلُوبِ مِنْ بِلَادِ النَّصَارَى كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبْنَةٍ فِي تَبُوكَ فَدَعَا بِسِكِّينٍ فَسَمَّى وَقَطَعَ»[وعَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: «كُلُوا مِنَ الْجُبْنِ مَا صَنَعَ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ».وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَلْبَسُونَ وَيَسْتَعْمِلُونَ مَا يُجْلَبُ إِلَيْهِمْ مِمَّا يَنْسِجُهُ الْكَفَّارُ بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي، وَكَانُوا فِي الْمَغَازِي يَقْتَسِمُونَ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الْأَوْعِيَةِ، وَالثِّيَابِ وَيَسْتَعْمِلُونَهَا، وَصَحَّ عَنْهُمْ أَنَّهُمُ اسْتَعْمَلُوا الْمَاءَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ كما مر معنا هنا نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه.هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل.والله أعلم". ◄ سرق ليحج◄ رجل كون له مبلغاً من النقود بطريق السرقة من الناس ثم اشترى به (بعيراً) حج عليه بيت الله الحرام بعد أن تاب توبةً نصوحا فهل يقبل حجه أو لا؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد فيشترط فى نفقة الحج ليكون مقبولا عند الله تعالى ان يكون حلالا، ؛ فلا يُرد على صاحبه أن تكون النفقة من مصدر أو كسب حلال لما ورد فى الصحيح عَنْ أبي هُرَيرة — رضي الله عنه — قال: قال رسولُ الله — صلى الله عليه وسلم —: ((إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلاَّ طيِّباً..."[237] وكان الفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا، وَلَا يَقْبَلُهُ إِذَا كَانَ خَالِصًا لَهُ إِلَّا عَلَى السُّنَّةِ "[238]، ومن أعظم ما يجب على الحاج اتقاؤه من الحرام وأن يطيب نفقته في الحج وأن لا يجعلها من كسب حرام، وإلا فالحج بمال حرام غير مقبول ولا يترتب عليه ثواب بل هو مردود على صاحبه، للحديث الصحيح عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ»[240] ففى الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا بِنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَلَالٌ، وَرَاحِلَتُكَ حَلَالٌ، وَحَجُّكُ مَبْرُورٌ غَيْرُ مَأْزُورٍ، وَإِذَا خَرَجَ بِالنَّفَقَةِ الْخَبِيثَةِ، فَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَنَادَى: لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَرَامٌ وَنَفَقَتُكَ حَرَامٌ، وَحَجُّكَ غَيْرُ مَبْرُورٍ» وهذا الحديث الشريف — وإن ضعف سنده إلا أن معناه صحيح تشهد له نصوص كثيرة فى الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة الصحيحة.
22417
| 06 أغسطس 2013
روى ابن أبي شيبة بسنده عن الزهري. أن رسول الله كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير([1])، [ إسناده صحيح. وهو مرسل، وله شواهد يتقوى بها].الأعياد في الإسلام لها صورتها الخاصة ونظامها وفلسفتها وتستمد مشروعيتها من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ، وتعقب أداء ركن من أركان الإسلام وشعبة من شعب الإيمان فالفطر يعقب أداء ركن الإسلام : الصوم والأضحي يعقب أداء شعبة الإيمان الحج وفي حديثنا عن خصائص شهر الصوم قلنا من ذلك أن أوَّل يوم يعقبه جعله الله تعالى عيدا و هنا يكمن سر فرح المسلمين ونشوتهم في أعيادهم حيث قد أمكنهم الله تعالى من أداء ما افترض عليهم من عبادات وأطال في أعمارهم حتى ازدادوا إيمانا بهذه الطاعات " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا" يونس / 58_إن الله تعالى جعل لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه لله تعالى، وكل قوم اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم اتخذوه صلاة وذكرا وبرا بالفقراء وشفقة عليهم بصدقة الفطر في عيده وتوزيع لحوم الأضاحي يوم النحر وثلاثة أيام بعده.خلاصة سر التسمية للعيد بالعيد1- لرجوعه وعودته ، أصله من عاد يعود أي رجع2- لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى- قاله العيني3- لكثرة عوائد الله تعالى فيهما4- للعود فيه إلى المرح والفرح فهو يوم سرور الخلق كلهم5- لأن كل إنسان يعود إلى قدر منزلته ألا ترى إلى اختلاف ملابسهم وهيئاتهم ومآكلهم فمنهم من يُضيف ومنهم من يُضاف6- لأنه يوم شريف تشبيها بالعيد: وهو فحل كريم مشهور عند العرب وينسبون إليه فيقال: إبل عيدية عيدية أرهنت فيها الدنانير7- لعود ما كان مأمورًا به في غيره من العبادة مباحاً تركه8- لعود ما كان منهيًا عنه مباحًا فيه من نحو الغفلة والسهو.، وعن الإكثار من العبادة9- لأنه بدون إعطاء النفس حظها من الشهوات لا يتم للإنسان سرور اليوم، فمن حبس النفس للعبادة في يوم العيد فقد أخطأ حكمة الشارع صلوات اله وسلامه عليه ، التي طلبها لأمته في يوم العيدهذا والأعياد في الإسلام مناسبة لكثير من الأمورأولا: الصلاةوقد شرع الله تعالى لعباده صلاة العيد يوم العيد، وهي من تمام ذكر الله تعالى. وهي سنة لا ينبغي لمسلم تركها. بل ذهب فريق من أهل العلم إلى وجوبها؛ بدليل ما ورد عن أم عطية – رضي الله عنها – قالت: "أمَرَنا – تعني النبي r – أن نُخرج في العيدين العواتق، وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين"([2]) والأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها، وإذا كان النبي r أمر النساء، فالرجال من باب أولى..وقد دل حديث أم عطية رضي الله عنها – المتقدم – على مشروعية حضور النساء صلاة العيد. بشرط أن يكون ذلك على وجه تؤمن معه الفتنة بهن ومنهن، فيخرجن غير متطيبات، ولا متبرجات بزينة، بعيدات عن أماكن الرجال. وعلى المسلم أن يتذكر باجتماع الناس لصلاة العيد، اجتماعهم على صعيد واحد. يوم البعث والجزاء، يوم يقوم الناس لرب العالمين. ويتذكر بتفاضلهم في هذا المجتمع، التفاضل الأكبر في الآخرة، قال الله تعالى: }انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا{ الإسراء/ قال تعالى{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} الأنعام:162 - 163. قيل: المراد بالصلاة هنا : صلاة العيد. والنسك جمع نسيكة، وهي الذبيحة، كذلك قال مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغيرهم وفي سورة الكوثر/ 2 قال تعالى {فصل لربك وانحر}. أي : أعبد ربك، وانحر له، كما أن المراد بالصلاة هنا : أيضا صلاة العيد أي عيد الأضحي أرأيت كيف أن يوم العيد عند المسلمين يكون محلا للصلاة والذكر والتكبير. ولا صلاة قبل صلاة العيد هذه ولا بعدها لما في "الصحيحين"، من حديث ابن عباس رَضِيَ الله عنهما : أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج يوم الفطر، فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما. وفي موطأ مالك رحمه الله تعالى . قال الزهري: لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر أن أحداً من سلف الأمة كان يصلي قبل صلاة العيد وبعدها.هذا وصلاة العيد من كل عام في العيدين إنما يبدأ وقتها بعد شروق الشمس بعشرين دقيقة تقريبا وتصح فرادى لمن لم يشهد جماعتها كما أنها لا تفوت بفوات الجماعة.ثانيا: المظاهرة وتكثير سواد المسلمينفي مثل هذا الحشد الجامع من المسلمين الذين يلتقون على محبة ومودَّة ومناسبة سعيدة أبهي صورة وأجمل هيئة تلك التي يجتمع فيها المسلمون مع اختلاف جنسهم على ذكر الله وأداء صلاة العيد وإعلان التكبير وشعار الإسلام يُشارك في هذا الجمع كل المسلمين الرجال والنساء ، الكبار والصغار على السواء والذكور والإناث حتى الحُيَّض منهم كل ذلك لتكثير سواد المسلمين وهن وإن لم تكن عليهن صلاة لعدم توفر شرط الطهارة فإنهن يذكرن ويكبرن الله تعالى ويسمعن الموعظة ويتجاوبن مع الدعوة العامة لفعل الخير وعمل البر في الصحيحين: أنَّ رسولَ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم أمر الحُيَّضَ بالخروج يومَ العيد فيشهدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين. حتى إن المرأة التي لا تجد من الثياب ما تخرج فيه لشهود هذه الخير سنَّ لها النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن تستعير من أختها من الثياب ما تخرج فيه ولا تغيب عن هذا الجمع المبارك مع نسوة أخريات يكثر بهن سواد المسلمين في سنن أبي داود كتاب الصلاة باب خروج النساء في العيد من حديث أُمّ عَطِيّةَ رَضِيَ الله عنها قالت: "أمَرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نُخْرِجَ ذَوَاتِ الْخُدُورِ يَوْمَ الْعِيدِ، قِيلَ: فالْحُيّضُ؟ قال: لِيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قال فقالت امْرَأةٌ: يارسولَ الله إنْ لَمْ يَكُنْ لأحْدَاهُنّ ثَوْبٌ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قال: تُلْبِسُهَا صَاحِبَتُهَا طَائِفَةً مِنْ ثَوْبِهَا".ثالثا: العيد مظهر من مظاهر الوحدة والجماعةعند الترمذي في سننه ( "الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس") قال الترمذي: فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس انتهى. وجاء في سبل السلام: فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس وأن المنفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية انتهىرابعا: الذكر والتكبير في أيام العيدمن أعمال المسلمين في أعيادهم الذكر والتسبيح والتهليل لله تعالى فلا يغفل المسلمون عن ذكر الله تعالى أيام مرحهم وساعات ترويحهم عن أنفسهم فقد قال تعالى في آيات الصيام بعد بيان عدَّة أيام الصيام والمطالبة بإكمالها أقول بعد ذلك جاء الأمر بالتكبير والشكر لله تعالى في سورة البقرة/185 " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}" و قال تعالى في آيات الحج من سورة الحج "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ {37} الحج روى ابن أبي شيبة بسنده عن الزهري. أن رسول الله r كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير([3])، [ إسناده صحيح. وهو مرسل، وله شواهد يتقوى بها]. الحديث دليل على مشروعية التكبير جهراً في الطريق إلى مصلى العيد وكذا إذا أتى المصلى إلى أن تقضي الصلاة.وقد شرع الله تعالى لعباده التكبير عند إكمال عدة رمضان من غروب الشمس آخر يوم من رمضان ودخول ليلة العيد إلى صلاة العيد. قال تعالى: }ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلّكم تشكرون{ وصفته أن يقول الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. ويسن الجهر به وإظهاره في المساجد والمنازل والطرقات وكلّ موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى. قال النووي رحمه الله تعالى في أذكاره (ويستحبّ التكبير ليلتي العيدين، ويُستحبّ في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يُحرم الإِمام بصلاة العيد، ويُستحبّ ذلك خلفَ الصلواتِ وغيرها من الأحوال. ويُكثر منه عند ازدحام الناس، ويُكَبِّر ماشياً وجالساً ومضطجعاً، وفي طريقه، وفي المسجد، وعلى فراشه، وأما عيدُ الأضحى فيُكَبِّر فيه من بعد صلاة الصبح من يوم عَرَفة إلى أن يصليَ العصر من آخر أيام التشريق، وَيُكَبِّر خلفَ هذه العَصْرِ ثم يقطع).خامسا: التبرؤ من المشركين لا التشبه بهملقد وقع الإعلام ببراءة الله تعالى ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من المشركين لتحريفهم الكلم عن مواضعه ولصدهم عن سبيل الله وقع هذا في يوم العيد يوم الحج الأكبر قال تعالى: {وأذان} أي إعلام {من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله} قال البيضاوي: أي يوم العيد لأن فيه تمام الحج، ومعظم أفعاله، ولأن الإعلام كان فيه، ولما روى أنه عليه الصلاة والسلام وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الأكبر. يفهم المسلم هذا من سيرة سيد المرسلين سيدنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في الوقت الذي تشهد فيه التجمعات الإسلامية تشابها ومحاكاة للمشركين في أعيادهم من الاختلاط والتبرج والسفور إلى آخر ما هنالك.سادسا : تجديد العهد مع الله في العيدوقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتعاهد النساء يوم العيد بالبيعة التي سجلها الله تعالى في كتابه ، كما روى البخاري، عن ابن عباس، - رضي الله عنهما - قال: شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، فنزل نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف} حتى فرغ من الآية كلها، ثم قال حين فرغ: "أنتن على ذلك؟" فقالت امرأة واحدة ولم يجبه غيرها: نعم يا رسول اللّه، قال: فتصدقن، قال: وبسط بلال ثوبه، فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال (أخرجه البخاري). وهي هي البيعة التي أخذها على الرجال عن عبادة بن الصامت قال: كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مجلس فقال: "تبايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم – قرأ الآية التي أخذت على النساء إذا جاءك المؤمنات – فمن وفى منكم فأجره على اللّه، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره اللّه عليه فهو إلى اللّه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه" (أخرجه البخاري ومسلم).سابعا: لإقامة الحجة على حقيقة التوحيدوهو صنيع موسي عليه السلام كما حكى الله تعالى ذلك عنه فقال تعالى {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى، قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى، فأجمعوا كيدكم ثم أتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى}طه: 62 – 64. والمعنى :ائتوا المُصلَّي - صفوفا ليكون أشد لهيبتكم - وهو الموضع الذي تجتمعون فيه يوم العيد ولهذا يُقال ليوم العيد: يوم الصف.ثامنا: مناسبة لتغيير المنكر لا لشيوعهكما حدث من إبراهيم عليه السلام وقد حكاه الله تعالى فقال {وإن من شيعته لإبراهيم، إذ جاء ربه بقلب سليم، إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون، أإفكا آلهة دون الله تريدون، فما ظنكم برب العالمين، فنظر نظرة في النجوم، فقال إني سقيم، فتولوا عنه مدبرين} الصافات: 83. ورد أن ملكهم أرسل إليه إن غدا عيدنا فاخرج معنا، فلما كلفوه الخروج معهم تفكر فيما يعمل. فنظر إلى نجم طالع فقال: إن هذا يطلع مع سقمي. وأراد سقيم النفس لكفرهم. (وهذا فيه تورية وتعريض) ؟؟ثم توجه إلى الأصنام التي يعبدونها من دون الله تعالى فحطمها قال تعالى {فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون، ما لكم لا تنطقون، فراغ عليهم ضربا باليمين، فأقبلوا إليه يزفون، قال أتعبدون ما تنحتون، والله خلقكم وما تعملون} الصافات: 91 – 96. وقال عز من قائل : "فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ {58} الأنبياء إذا قد كان ذلك من إبراهيم عليه السلام في يوم العيد.تاسعا: لهو مباح ولعب مشروعفي تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم /كتاب الصلاة. /باب صلاة العيدين. عن أنَسٍ رضي الله عنه قال: "قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلعَبُونَ فيهِمَا فقال: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قالُوا: كُنّا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِليّةِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله قَدْ أبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا: يَوْمَ الأضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ".ولقد ورد أن الحبش كانوا يلعبون بالدرق والحراب في المسجد يوم العيد، والنبي صلى اللّه عليه وسلم ينظر. وعائشة رَضِيَ الله عنه تنظر إليهم من ورائه وهو يسترها منهم حتى ملّت ورجعت، ودخل أبو بكر في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عائشة رضي اللّه عنها وعندها جاريتان من جواري الأنصار تغنيان؛ فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال: (دعهما يا أبا بكر، فإنه يوم عيد).عاشرا: الزينة والتجمُّلقيل: في يوم الفطر يستحب للمرءِ ستة أشياء أن يغتسل ويستاك ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويؤدي فطرته ويتناول شيئاً ثم يخرج إلى المصلى.وهذه الأشياء مستحبة يوم الأضحي لكن بدلا من أن "يؤدي فطرته ويتناول شيئاً " لا يتناول شيئا حتى يرجع فيتناول من أضحيته ، هذا ولقد اختار موسي عليه السلام اليوم الذي يتجملون فيه ويتزينون فيه ليُقيم عليهم حجة الله تعالى عند ابن أبي حاتم، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله تعالى {موعدكم يوم الزينة} قال: يوم العيد، يوم يتفرغ الناس من الأعمال، ويشهدون ويحضرون ويرون. ومن المعلوم بداهة أن أصحاب المهن والحرف لهم ثياب خاصة بمهنهم لا يتناسب معها التزيُّن والتجمُّل وعليه فلا بد لهم للتزيُّن والتجمُّل من التفرغ حتى يتسنى لهم التجمُّل والتزيُّن والالتقاء والاجتماع على أبهى زينة وأجمل حُلَّة وهذا لا يتأتي إلاَّ مع التفرغ من الأعمال تماما حتى سمِّي اليوم الذي يتم فيه ذلك بيوم الزينة وأتم ما يكون يوم العيد لشيوع المعنى فيه .وقال تعالى( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) الأعراف/31 -: لهذه الآية وما ورد في معناها من السنّة يستحب التجمل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة، ويوم العيد، والتطيب لأنه من الزينة، والسواك لأنه من تمام ذلك، ومن أفضل اللباس البياض، كما روى الإمام أحمد عن ابن عباس – رضي الله عنهما - مرفوعاً قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إلبسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر" ويروى أن تميماً الداري اشترى رداء بألف وكان يصلي فيه.وعند البخاري، قال ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة. وإن اللّه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه)،هذا وقد استدل البخاري رحمه الله تعالى على التجمل في العيدين بحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هذه لباس من لا خلاق له" الحديث، ووجه الاستدلال به من جهة تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للعيد وقصر الإنكار على لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريراً .روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين، كذا في فتح الباري. وقال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام: يندب لبس أحسن الثياب والتطيب بأجود الأطياب في يوم العيد لما أخرجه الحاكم من حديث الحسن السبط قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد،هذا ويتبع التزيًّن والتجمُّل في الظاهر العناية بالنظافة الباطنية من الاغتسال وتقليم الأظافر ونتف الإبط إلى غير ذلك مما يتطلبه لقاء الناس بصورة كريمة وهيئة حسنة تجعل صاحبها يألف ويُؤلف هذا ومن الاغتسالات المسنونة غسل العيدين وكان ابن عمر رَضِيَ الله عنهما يتعاهد نفسه بهذه الاغتسالات روى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلي. وهو الأشد تتبعا للسنن.أحد عشر: أكل وشرب بضوابط الشرعلقد ورد الشرع بتحريم صيام هذين اليومين فعند مالك في موطئه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلَّى العيد قبل أن يخطب بلا أذان ولا إقامة ، ثم انصرف فخطب ، فقال: إن هذين اليومين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما ، يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون من لحوم نسككم أي من أضحيتكم، قال ابن عبد البر في هذا الحديث أن الضحايا نسك وأن الأكل منها مستحب. والنهي عن الصيام هنا :نهي تحريم. ولهذا من السنة في يوم الفطر أن يأكل المسلم قبل أن يغدو إلى المًصلَّى أو قبل أن يُصلي صلاة العيد شكرا لله تعالى الذي أباح له ما كان محظورا عليه فبالأمس كان صائما واليوم أصبح مفطرا والأمر لله من قبل ومن بعد . والمعنى هنا أن يفقه المسلم أن القبض لليد عن الطعام والبسط لها إلى الطعام لا يتأتي بمجرد وجود الطعام بل لا بد من الأمر الإلهي فتكون حركة اليد بل والجسم كله دائرة مع الأمر الإلهي حيث دار فليس مجرد وجود الطعام كافيا لبسط اليد نحوه ولذلك نظائر كثيرة وشواهد في الوحي قال تعالى " وما نتنزَّل إلاَّ بأمر ربك له ما بين أيدنا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا " مريم / 64.هذا عن أيام العيد يوم الفطر وعن أيام عيد الأضحي يوم النحر فالأمر فيه بخلافه على ما فيه من استحباب الفطر على شيء من أضحيته كذا في قوت المغتذي (ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي) وفي رواية ابن ماجه: حتى يرجع، وزاد أحمد: فيأكل من أضحيته، ورواه أبو بكر الأثرم بلفظ: حتى يضحي، كذا في المنتقى والنيل. وفي رواية البيهقي: فيأكل من كبد أضحيته، كذا في عمدة القاري، ورواه الدارقطني في سننه وزاد: حتى يرجع فيأكل من أضحيته، وهي زيادة صحيحة صححها ابن القطان كما في نصب الراية. وقد خصص أحمد بن حنبل استحباب تأخير الأكل في عيد الأضحى بمن له ذبح، إن كان له أضحية كما في رواية أحمد. والحكمة في تأخير الفطر في يوم الأضحى أنه يوم تشرع فيه الأضحية والأكل منها فشرع له أن يكون فطره على شيء منها قاله ابن قدامة. قال الزين بن المنير: وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما، فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها. وعن البراء بن عازب قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا ( يوم النحر ) أن نصلي (صلاة العيد ) ثم نرجع فننحر(وذلك بيان لمشروعية الأضحية ، والسنة فيها أن يكون للفقراء منها ثلثها والأحبة منها ثلثها الثاني هديَّة ولأهل البيت منها ثلثها الثالث أكلا وطهيا وادخارا ) ، فمن فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء" ( وكناحية تنظيمية تعبدية طالب الشرع بأن تكون الصلاة أولا ويكون الذبح ثانيا (أخرجاه في الصحيحين)، وأيام التشريق الثلاثة لا يجوز صيامها لما رواه مسلم، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر اللّه عزّ وجل".ثاني عشر: ورود العيد في القرآن الكريمهذا والموضع الوحيد الذي وردت فيه كلمة العيد في القرآن الكريم صريحا في سورة المائدة في قوله تعالى"إذ قال الحواريون يا عيسي يا بن مريم هل يستطيع ربك أن يُنزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ، قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين}. المائدة/14-16- والمعنى: تكون لنا عيدا، نعبد ربنا في اليوم الذي تنزل فيه ونصلي له فيه، كما يعيد الناس في أعيادهم. وقوله: {وآية منك} معناه: وعلامة وحجة منك يا رب على عبادك في وحدانيتك، وفي صدقي على أني رسول إليهم بما أرسلتني به. {وارزقنا وأنت خير الرازقين} وأعطنا من عطائك، فإنك يا رب خير من يعطي وأجود من تفضل، لأنه لا يدخل عطاءه منٌّ ولا نكد. هذا وبالله التوفيق وكل عام أنتم والأمة الإسلامية جمعاء بخير وعافية([1]) مصنف ابن أبي شيبة (2/164)، وانظر: لشواهده "السلسلة الصحيحة" رقم (171) وإرواء الغليل (3/122).([2]) أخرجه البخاري (980 فتح) ومسلم (890).([3]) مصنف ابن أبي شيبة (2/164)، وانظر: لشواهده "السلسلة الصحيحة" رقم (171) وإرواء الغليل (3/122).
3506
| 04 أغسطس 2013
◄ ما هي فوائد غض البصر؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه فإنه يأتي فى مقدمة فوائد غض البصر تزكية النفس التى أشار إليها قوله تعالى:قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ"[221] وقد عدد العلامة ابن القيم — رحمه الله تعالى بعض فوائد غض البصر فهاكها(إحْدَاهَا) غَضُّ الطَّرْفِ فيه تَخْلِيصُ الْقَلْبِ مِنْ الْحَسْرَةِ فَإِنَّ مَنْ أَطْلَقَ نَظَرَهُ دَامَتْ حَسْرَتُهُ، فَأَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى الْقَلْبِ إرْسَالُ الْبَصَرِ، فَإِنَّهُ يُرِيهِ مَا لَا سَبِيلَ إلَى وُصُولِهِ وَلَا صَبْرَ لَهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ غَايَةُ الْأَلَمِ.قَالَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُرَيْبٍ وشهرته الْأَصْمَعِيُّ: " كُنْتُ فِي بَعْضِ مِيَاهِ الْعَرَبِ فَسَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ: قَدْ جَاءَتْ، قَدْ جَاءَتْ، فَتَحَوَّلَ النَّاسُ، فَقُمْتُ مَعَهُمْ لِلنَّظَرِ، فَإِذَا جَارِيَةٌ قَدْ وَرَدَتِ الْمَاءَ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهَا قَطُّ حُسْنَ وَجْهٍ وَتَمَامَ خَلْقٍ، فَلَمَّا رَأَتْ تَشَوُّقَ النَّاسِ إِلَيْهَا وَإِلْحَاحَهُمْ عَلَيْهَا أَرْسَلَتْ بُرْقُعَهَا فَكَأَنَّهُ غَمَامَةٌ غَطَّتْ شَمْسًا، فَقُلْتُ: لِمَ تَمْنَعِينَ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِكِ هَذَا الْحَسَنِ؟ فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ: وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا... لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَسْلَمَتْكَ الْمَحَاجِرُ رَأَيْتَ الَّذِيَ لَا كُلَّهُ أَنْتَ قَادِرٌ... عَلَيْهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ.الثَّانِيَةُ): غَضُّ الطَّرْفِ يُورِثُ الْقَلْبَ نُورًا وَإِشْرَاقًا يَظْهَرُ فِي الْعَيْنِ وَفِي الْوَجْهِ وَفِي الْجَوَارِحِ، كَمَا أَنَّ إطْلَاقَ الْبَصَرِ يُورِثُ ذَلِكَ ظُلْمَةً وَكَآبَةً. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ وَنُزْهَةِ الْمُشْتَاقِينَ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ. وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ آيَةَ النُّورِ فِي قَوْلِهِ {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور: 35] عَقِبَ قَوْلِهِ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] وَفى الحَدِيثُ «النَّظَرُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ» وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ «فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوْرَثَ اللَّهُ قَلْبَهُ نُورًا».(الثَّالِثَةُ) غَضُّ الطَّرْفِ يُورَثُ صاحبه صِحَّةَ الْفِرَاسَةِ فَإِنَّهَا مِنْ النُّورِ وَثَمَرَاتِهِ، فَإِذَا اسْتَنَارَ الْقَلْبُ صَحَّتْ الْفِرَاسَةُ، وَقَالَ شُجَاعٌ الْكَرْمَانِيُّ — رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى —: مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ، وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنْ الْمَحَارِمِ، وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنْ الشَّهَوَاتِ وَأَكَلَ مِنْ الْحَلَالِ، لَمْ تُخْطِئْ فِرَاسَتُهُ. وَكَانَ شُجَاعًا لَا تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَجْزِي الْعَبْدَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ، فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ الْمَحَارِمِ عَوَّضَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إطْلَاقَ نُورِ بَصِيرَتِهِ، فَلَمَّا حَبَسَ بَصَرَهُ لَهُ تَعَالَى، أَطْلَقَ لَهُ بَصِيرَتَهُ جَزَاءً وِفَاقًا. قال تعالى: " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ"[222].(الرَّابِعَةُ) غَضُّ الطَّرْفِ يَفْتَحُ لِصاحبه طُرُقَ الْعِلْمِ وَأَبْوَابَهُ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ أَسْبَابَهُ وَذَلِكَ سَبَبُ نُورِ الْقَلْبِ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَنَارَ ظَهَرَتْ فِيهِ حَقَائِقُ الْمَعْلُومَاتِ، وَانْكَشَفَ لَهُ بِسُرْعَةٍ، وَنَفَذَ مِنْ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ. وَمَنْ أَرْسَلَ بَصَرَهُ تَكَدَّرَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ، وَأَظْلَمَ، وَانْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الْعِلْمِ وَأُحْجِمَ. قال تعالى: " وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"[223](الْخَامِسَةُ) غَضُّ الطَّرْفِ يُورِثُ الْقَلْبَ قُوَّةً وَثَبَاتًا وَشَجَاعَةً، فَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ سُلْطَانَ الْبَصِيرَةِ مَعَ سُلْطَانِ الْحُجَّةِ. وَفِي أَثَرٍ أَنَّ الَّذِي يُخَالِفُ هَوَاهُ يَفْرَقُ الشَّيْطَانُ مِنْ ظِلِّهِ، وَلِذَا يُوجَدُ فِي الْمُتَّبِعِ لِهَوَاهُ مِنْ ذُلِّ الْقَلْبِ وَضَعْفِهِ وَمَهَانَةِ النَّفْسِ وَحَقَارَتِهَا مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِمُؤْثِرٍ هَوَاهُ عَلَى رِضَاهُ، بِخِلَافِ مَنْ آثَرَ رِضَا مَوْلَاهُ عَلَى هَوَاهُ، فَإِنَّهُ فِي عِزِّ الطَّاعَةِ وَحِصْنِ التَّقْوَى، بِخِلَافِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْأَهْوَاءِ.(السَّادِسَةُ) غَضُّ الطَّرْفِ يُورِثُ الْقَلْبَ سُرُورًا وَفَرْحَةً أَعْظَمَ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِالنَّظَرِ، وَذَلِكَ لِقَهْرِهِ عَدُوَّهُ وَقَمْعِهِ شَهْوَتَهُ وَنُصْرَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَفَّ لَذَّتَهُ وَحَبَسَ شَهْوَتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَفِيهِمَا مَضَرَّةُ نَفْسِهِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، أَعَاضَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَسَرَّةً وَلَذَّةً أَكْمَلَ مِنْهُمَا، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاَللَّهِ لَلَذَّةُ الْعِفَّةِ أَعْظَمُ مِنْ لَذَّةِ الذَّنْبِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ النَّفْسَ إذَا خَالَفَتْ هَوَاهَا أَعْقَبَهَا ذَلِكَ فَرَحًا وَسُرُورًا وَلَذَّةً أَكْمَلَ مِنْ لَذَّةِ مُوَافَقَةِ الْهَوَى بِمَا لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا. وَهُنَا يَمْتَازُ الْعَقْلُ مِنْ الْهَوَى. وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن غضّ بصره لله أورثه الله حلاوة يجدها في قلبه إلى يوم يلقاه»(السَّابِعَةُ) غَضُّ الطَّرْفِ يُخَلِّصُ الْقَلْبَ مِنْ أَسْرِ الشَّهْوَةِ، فَلَا أَسْرَ أَشَدُّ مِنْ أَسْرِ الشَّهْوَةِ وَالْهَوَى، قَدْ سَلَبَ الْحَوْلَ وَالْقُوَّةَ، وَعَزَّ عَلَيْهِ الدَّوَاءُ، قال تعالى:" فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا"[224](الثَّامِنَةُ) غَضُّ الطَّرْفِ يَسُدُّ عَنْ صاحبه بَابًا مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، فَإِنَّ النَّظَرَ بَابُ الشَّهْوَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى مُوَاقَعَةِ الْفِعْلِ، وَتَحْرِيمُ الرَّبِّ تَعَالَى وَشَرْعُهُ حِجَابٌ مَانِعٌ مِنْ الْوُصُولِ، فَمَتَى هَتَكَ الْحِجَابُ تَجَرَّأَ عَلَى الْمَحْظُورِ، وَلَمْ تَقِفْ نَفْسُهُ مِنْهُ عِنْدَ غَايَةٍ، لِأَنَّ النَّفْسَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا تَقْنَعُ بِغَايَةٍ تَقِفُ عِنْدَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ لَذَّتَهُ فِي الشَّيْءِ الْجَدِيدِ. فَصَاحِبُ الطَّارِفِ لَا يُقْنِعُهُ التَّلِيدُ، وَإِنْ كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ مَنْظَرًا أَوْ أَطْيَبَ مَخْبَرًا. فَغَضُّ الْبَصَرِ يَسُدُّ عَنْهُ هَذَا الْبَابَ، الَّذِي عَجَزَتْ الْمُلُوكُ عَنْ اسْتِيفَاءِ أَغْرَاضِهِمْ فِيهِ، وَفِيهِ غَضَبُ رَبِّ الْأَرْبَابِ.(التَّاسِعَةُ) غَضُّ الطَّرْفِ يُقَوِّي عَقْلَهُ وَيُثَبِّتُهُ وَيَزِيدُهُ، فَإِرْسَالُ الْبَصَرِ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ قِلَّةٍ فِي الْعَقْلِ، وَطَيْشٍ فِي اللُّبِّ، وَخَوَرٍ فِي الْقَلْبِ، وَعَدَمِ مُلَاحَظَةٍ لِلْعَوَاقِبِ، فَإِنَّ خَاصَّةَ الْعَقْلِ مُلَاحَظَةُ الْعَوَاقِبِ، وَمُرْسِلُ الطَّرْفِ لَوْ عَلِمَ مَا تَجْنِي عَوَاقِبُ طَرْفِهِ عَلَيْهِ لَمَا أَطْلَقَ بَصَرَهُ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ:وَأَعْقَلُ النَّاسِ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ سَبَبًا... حَتَّى يُفَكِّرَ مَا تَجْنِي عَوَاقِبُهُالْعَاشِرَةُ) غَضُّ الطَّرْفِ يُخَلِّصُ الْقَلْبَ مِنْ سَكْرَةِ الشَّهْوَةِ وَرَقْدَةِ الْغَفْلَةِ، فَإِنَّ إطْلَاقَ الْبَصَرِ يُوجِبُ اسْتِحْكَامَ الْغَفْلَةِ عَنْ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَيُوقِعُ فِي سَكْرَةِ الْعِشْقِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي عُشَّاقِ الصُّوَرِ {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] قال تعالى: { وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } [ الكهف: 28 ].قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْت لِأَحْمَدَ — رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ —: الرَّجُلُ يَنْظُرُ إلَى الْمَمْلُوكَةِ؟ قَالَ أَخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ، كَمْ نَظْرَةٍ أَلْقَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا الْبَلَابِلَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ — رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا —: الشَّيْطَانُ مِنْ الرَّجُلِ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي بَصَرِهِ وَقَلْبِهِ وَذَكَرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمَرْأَةِ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي بَصَرِهَا وَقَلْبِهَا وَعَجُزِهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه. هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل. والله أعلم".◄ الصلاة قبل وقتها◄ السؤال: ما حكم الصلاة قبل وقتها؟ حيث إني أعمل بعيدًا عن المنزل، وأصلي صلاة الفجر قبل وقتها؛ لأني امرأة، ولا أستطيع الصلاة في الحافلة بعد الأذان، وبوصولي إلى مكان العمل يكون وقت الصلاة قد خرج، وقد صليت الصلاة قبل وقتها قرابة الثلاث سنوات، فأفتوني — جزاكم الله خيرًا — فأنا في انتظار ردكم، وتقبلوا مني فائق الاحترام والتقدير.► الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فلقد حدد الله تعالى لكل صلاة وقتًا تؤدى فيه، لا تقدم عليه ولا تؤخر عنه بغير عذر، قال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا {النساء:103}.ومن صلى الصبح قبل دخول وقتها لم تجزئه، وعليه إعادتها بعد دخول الوقت؛ وبناء على ما سبق فصلاتك لفريضة الصبح باطلة لوقوعها قبل دخول وقتها، وكان يكفيك أن تصلي داخل الحافلة حسب استطاعتك، إذا كان توقف الحافلة غير ممكن قبل خروج الوقت، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا كنت في سفر طويل في الحافلة، ولم تتوقف الحافلة، وأدركتني الصلاة المفروضة، كيف أفعل، أأصلي إيماء أو أقضيها بعد انتهاء السفر؟إذا حانت الصلاة وأنت في الحافلة أثناء السفر: فإن كانت هذه الصلاة مما يجوز جمعها مع الصلاة التي بعدها كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، فإنك تنوي الجمع، وتصليها جمعًا إذا نزلت من الحافلة، وإن كانت الصلاة مما لا يجوز جمعها مع الصلاة التي بعدها كصلاة الفجر، وصلاة العصر، وصلاة العشاء، والحافلة لا تتوقف إلا بعد خروج الوقت، فإنك تصليها في الحافلة على حسب استطاعتك. والله أعلم.
15884
| 04 أغسطس 2013
◄ ما الدليل على مشروعية تعجيل إخراج زكاة المال قبل تمام الحول؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد: فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أن العباس بن عبدالمطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، سأل الرسول عليه الصلاة والسلام في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخص له في ذلك) رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما. وقال الإمام النووي: "إسناده حسن" المجموع 6/145، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن، صحيح سنن الترمذي 1/207. وعن علي أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: (إنا أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام) رواه أبو داود والترمذي، وقال الشيخ الألباني: حسن أيضاً صحيح سنن الترمذي 1/207، وفي رواية أخرى عن علي أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا كنا احتجنا فاستسلفنا من العباس صدقة عامين) قال البيهقي: وهذا مرسل. قال الإمام النووي بعد أن ذكر الأدلة على جواز تعجيل الزكاة: "إذا عرفت هذا، حصل الاستدلال على جواز التعجيل من مجموع ما ذكرنا، والشافعي يحتج بالحديث المرسل إذا اعتضد بأحد أمور أربعة، وهي أن يسند من جهة أخرى أو يرسل، أو يقول بعض الصحابة أو أكثر العلماء به فمتى وجد واحدا من هذه الأربعة جاز الاحتجاج به، وقد وجد في هذا الحديث المذكور عن علي رضي الله عنه، بأنه روي في الصحيحين معناه من حديث أبي هريرة السابق وروى هو أيضاً مرسلاً ومتصلاً كما سبق، وقال به من الصحابة ابن عمر، وقال به أكثر العلماء كما نقله الترمذي، فحصلت الدلائل المتظاهرة على صحة الاحتجاج به، والله أعلم" المجموع 6/146.وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه الإمام النووي، هو ما رواه البخاري ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا. وفي رواية أخرى: (وأما العباس فهي عَلَيَّ ومثلها معها) رواه مسلم.وقد اختلف أهل العلم في المراد بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في حق صدقة العباس على أقوال منها ما قاله الحافظ ابن حجر: "وقيل معنى قوله (عَلَيَّ) أي هي عندي قرض، لأنني استلفت منه صدقة عامين، وقد ورد ذلك صريحاً بما أخرجه الترمذي وغيره من حديث علي"، ـ ثم ذكر الروايات الواردة في تعجيل العباس صدقته وبين حال إسنادها ـ ثم قال: ".... وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق، والله أعلم" فتح الباري 4/76. قال الشيخ الألباني: "قلت: وهو الذي نجزم به لصحة سندها مرسلاً وهذه شواهد لم يشتد ضعفها فهو يتقوى بها ويرتقي إلى درجة الحسن على أقل الأحوال" إرواء الغليل 3/49.وقال الإمام النووي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فهي عليَّ ومثلها معها) "والصواب أن معناه تعجلتها منه وقد جاء في حديث آخر في غير مسلم (إنا تعجلنا منه صدقة عامين) شرح النووي على صحيح مسلم 3/49. ومما يدل على جواز تعجيل الزكاة، ما ورد في جواز تعجيل صدقة الفطر قبل وقت الوجوب، كما هو مذهب جمهور أهل العلم، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، (أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة) رواه مالك في الموطأ والبيهقي في السنن وغيرهما. وأيضًا: من الأدلة على مشروعية تعجيل الزكاة قبل حولان الحول: القياس: ومما احتج به العلماء على جواز تعجيل الزكاة قبل حلول الحول، قياس ذلك على جواز الكفارة قبل الحنث، لما ثبت في أحاديث كثيرة منها، قوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير) رواه مسلم. والله أعلم.◄ ما أقصى أمد يجوز تعجيل إخراج زكاة المال له مع التدليل؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد فالأمد الأقصى لتعجيل إخراج الزكاة في الأموال التي لا يشترط حولان الحول لإخراج زكاتها. سنتان أو ثلاث على أبعد تقدير، فقد أجاز الحنفية تعجيل زكاة سنوات كثيرة، وأجاز الحسن البصري أن يعجلها لثلاث سنوات فقد روى أبو عبيد بإسناده عن حفص بن سليمان قال: "قلت للحسن: أأخرج زكاة ثلاثة أعوام ضربة ـأي دفعة واحدة ـ فلم ير بذلك بأساً" الأموال ص703. والأولى هو ألا يزيد التعجيل عن حولين، لأنه هو الذي وردت به النصوص. نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه. هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل. والله أعلم.◄ من قصد بزكاته قبل حولان الحول أسرة متعففة، فهل يلزمه إعادة إخراج الزكاة بمرور الحول؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد، فإذا قام صاحب السؤال؛ بتعهد العائلات الفقيرة التي يعرفها بزكاته، فمدَّ لها يد العون والمساعدة بزكاته، قبل حولان الحول على أمواله فيجزئه ذلك، وتبرأ ذمته.وتخلى مسؤوليته، لأن سبب وجوب الزكاة موجود وهو ملك النصاب الكامل، قد برئت ذمته، من الانشغال بحق الله تعالى لوفائه به، ومسارعته به خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة. طه/48 ولا يلزمه إعادة إخراج الزكاة بعد تمام الحول. وإنما يقوم بمراجعة ما تحت يده من عطاء الله تعالى، وما وجب فيه من حق لله تعالى، ولا يخرج عن واحدة من ثلاث، إنما أن يكون ما وجب لله تعالى هو عين ما أخرج بلا وكس ولا شطط فبها ونعمت ولله الحمد وقد سارع إلى مغفرة من ربه، وإما أن يكون ما وجب لله تعالى قد بقيت بقية منه لله تعالى عما أخرج قبل حولان الحول، فليسارع إلى إبراء الذمة وإخلاء المسؤولية، ويسأل الله تعالى القبول، والحالة الثالثة أن يكون ما وجب لله تعالى بعد المراجعة الدقيقة قد ربى عليه ما قد سبق أن أخرجه، فهو بالخيار إما أن يحتسبه عند الله تعالى سلفا أو يرصده للعام القادم إذا بقي فى العمر بقية. نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه.هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل. والله أعلم.
2330
| 03 أغسطس 2013
◄ أملك من المال ما يزيد على النصاب زيادة عن حوائجى الأصلية ولم يمض عليه الحول وأعرف عائلات فقيرة جداً تحتاج إلى المساعدة وأرغب أن أمد إليها يد المساعدة حالا (قبل حولان الحول) أيجزئ ذلك عنى أم يلزم إعادة إخراج الزكاة بعد حولان الحول ؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد فمن الأدلة على ذلك قوله تعالى: "فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ " وقد أثني تعالى على طرفي أسرة فقال "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات" ولقد اطرد هذا الثناء فتجد في المؤمنين ثناء على المجتمع المؤمن لأعمال كثيرة ، منها ما هو في حق الله تعالى ومنها ما هو في حق خلق الله تعالى وهكذا يقول عز وجل في المجتمع المؤمن "إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ*وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ*وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ *وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ* أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" المؤمنون. ولم ينحصر الثناء على المبادرة إلى عمل الخير وألوان البر في هذه الأمة بل شمل من قام بهذه الأعمال الخيِّرة من الأمم السابقة لعظيم فضل الله تعالى "مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ* يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ". آل عمران.ولئن كانت المبادرة إلى الطاعات محمودة بوجه عام فهي في الزكاة والصدقات والكفارات والعتق والوفاء بالنذور وَالْوَصَايَا وَالْأَوْقَافُ وَسَائِرُ جِهَاتِ الْبِرِّ ، ونحو ذلك من الطاعات المالية آكد ، قبل أن تعرض العوارض ، وتطرأ طوارئ الغيب ، والقدر المخبأ، وقبل أن يغلب الشح ، وتتقلب النفس ويستحكم الهوى ، فيضيع الفقراء بضياع حقوقهم ، وأرزاقهم التي قدَّرها الله تعالى في أموال الأغنياء ، والله تعالى إنما يرزق الناسَ بعضهم من بعض، وفي الصحيح "لا يزالُ قومٌ يتأخَّرُونَ حتى يؤخِّرَهم الله ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي" وفي نيل الأوطار أَبْوَابُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ بَابُ الْمُبَادَرَةِ إلَى إخْرَاجِهَا عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ فَأَسْرَعَ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ، فَقُلْتُ: أَوْ قِيلَ لَهُ: فَقَالَ كُنْت خَلَّفْت فِي الْبَيْتِ تِبْرًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَكَرِهْت أَنْ أُبَيِّتَهُ فَقَسَمْتُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيّاستفاد العلماء من هذا الحديث " أَنَّ الْخَيْرَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَادَرَ بِهِ، فَإِنَّ الْآفَاتِ تَعْرِضُ وَالْمَوَانِعَ تَمْنَعُ، وَالْمَوْتَ لَا يُؤْمَنُ، وَالتَّسْوِيفَ غَيْرُ مَحْمُودٍ ،والمبادرة أَخْلَصُ لِلذِّمَّةِ ، وَأَنْفَى لِلْحَاجَةِ. وَأَبْعَدُ مِنْ الْمَطْلِ الْمَذْمُومِ ، وَأَرْضَى لِلرَّبِّ تَعَالَى ، وَأَمْحَى لِلذَّنْبِ. بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار (1/ 550) نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه .هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل .والله أعلم".◄ ما الأدلة على مشروعية المبادرة إلى إخراج الزكاة ؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد يرى جمهور الفقهاء أن الزكاة واجبة على الفور، فلا ينبغي تأخيرها إذا وجبت هذا في حق من وجبت عليه الزكاة، ومن باب أولى في حق من هو موكل بتوزيعها على المستحقين ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) سورة الأنعام/141، وهذه الآية في زكاة الزروع ويلحق بها غيرها. فالله سبحانه وتعالى أمر بإيتاء الزكاة، فمتى وجبت الزكاة في مال فيجب المبادرة إلى إخراجها وتوزيعها على مستحقيها، ولأنه لو جاز التأخير لجاز إلى غير غاية فتنتفي العقوبة على الترك، ولأن حاجة الفقراء والمساكين ناجزة وحقهم في الزكاة ثابت، فيكون تأخيرها منعاً لحقهم في وقته.وبناءً على ما تقدم، فلا يجوز شرعاً تأخير إخراج الزكاة أو تأخير توزيعها من الشخص أو الجهة الموكلة بتوزيعها، ومن يؤخرها بدون عذر شرعي فهو آثم. قال الإمام النووي: " ..إذا وجبت الزكاة وتمكن من إخراجها، وجب الإخراج على الفور فإن أخرها أثم، وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء " المجموع 5/335. فلذلك نوجه النصيحة إلى لجان الزكاة والقائمين على هيئات الزكاة في عالمنا الإسلامي والعاملين على توزيع الزكاة، أنهم إذا جمعوا الزكاة فيجب عليهم المبادرة إلى توزيعها على مستحقيها، ولا يؤخروها إلا لمدة يسيرة ولعذر مقبول بمقدار ما يتهيأ لهم القيام بذلك ، وكأن تؤخر لتدفع إلى فقير غائب أشد حاجة وفقراً من الحاضرين. وعلى كل حال فالتأخير المسموح به هو التأخير اليسير، قال العلامة الدكتور القرضاوي: " وعندي أنه لا ينبغي العدول عن ظاهر ما جاء عن فقهاء المذاهب، وإن كان التسامح في يوم أو يومين بل أياماً أمراً ممكناً جرياً على قاعدة اليسر ورفع الحرج، أما التسامح في شهر أو شهرين بل أكثر إلى ما دون العام.... فلا يصح اعتباره حتى لا يتهاون الناس في الفورية الواجبة " فقه الزكاة 2/830. نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه .هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل .والله أعلم"◄ ما الأموال التى يشترط لإخراج زكاتها تمام الحول ، وما لا يشترط ذلك لإخراج زكاتها؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد:فتنقسم الأموال التى تجب فيها الزكاة من حيث حولان الحول إلى قسمينالأول: يشترط له مرور الحول ( النقدين، السلع التجارية، المواشي)الثاني: لا يشترط له مرور الحول(الزروع والثمار والركاز والمعدن ) وإنما بمجرد الحصادلقوله تعالى: "وآتوا حقه يوم حصاده " بالنسبة للقسم الأول: الذي يشترط لإخراج زكاته مرور الحول ، - وهو المتعلق بسؤالنا يجوز تعجيل زكاة هذه الأموال قبل حلول الحول، - لأن سبب وجوب الزكاة موجود وهو ملك النصاب الكامل ، أما قبل ملك النصاب فلا يجوز – هذا على الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول الحسن البصري وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي والحنفية والشافعية والحنابلة، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم ابن سلام وغيرهم، انظر المغني 2/470،
1353
| 02 أغسطس 2013
◄ دُعيت لأداء شهادة حق في قضية مرفوعة، من أخ على أخيه فهل يجوز لى الإنكار أو التمويه أو الامتناع حتى لا يُحكم على الأخ، أم أنه يجب تأدية الشهادة بالحق مهما كانت النتيجة؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد فلا يجوز الإنكار ولا الامتناع عن أداء الشهادة لأن تبين الحق موقوف على أدائها وثَمَّة في الوحي المعصوم تحذير شديد من كتمان الشهادة والحث على أدائها على وجهها الصحيح بما لا يصح معه مصانعة أحد في تركها وعدم القيام بأدائها. وذلك النحو الآني تعالوا نر ما يقول تعالى ورسوله — صلوات الله وسلامه عليه — في الشهادة. ثمَّة عدة آيات من كتاب الله تعالى وعدة أحاديث صحيحة. وهاكها فى التفريعات الآتية:الأدلَّة من القرآن الكريم على وجوب أداء الشهادة بالحق وتحريم كتمان الشهادة قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً" هذه الآية الكريمة في سورة النساء ثالثة السبع الطوال وقد أتي الأمر فيها "كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ" " قَوَّامِينَ" قَوَّام صيغة مبالغة على وزن فعال أي كثير القيام بِالْقِسْطِ أي بالعدل ثم يقول تعالى " شُهَدَاء لِلّهِ" وفي رابعة السبع الطوال المائدة يقول تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وهنا جاء النص "كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ" في النساء "" شُهَدَاء لِلّهِ" وفي المائدة " قَوَّامِينَ لِلّهِ"في النساء" قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ" وفي المائدة" شُهَدَاء بِالْقِسْطِ"فالقيام يجب أن يكون بالقسط والشهادة يجب أن تكون بالقسط، والقيام يجب أن يكون لله والشهادة يجب أن تكون لله بدليل الآية الثالثة يقول تعالى{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ]} وهنا يقول "وَأَقِيمُوا الشهادة" فأشعر ذلك أهمية إقامة الشهادة وأنها يجب أن تُؤدي لله لا لعوض ولا لمقابل وإنما لله تعالى وحده فهي عبادة، والعبادات لا يجوز أخذ العوض لإقامتها، ولا لإضاعتها، وإنما لله تعالى، ولله تعالى فقط قال تعالى " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ " وكما تُقام الصلاة لله تعالى بلا رياء ولا شائبة تحبط ثوابها، وتُضيِّع أجرها فكذا الشهادة ينبغي أن تُؤدي لله تعالى، والآية الرابعة جاءت في أوصاف المُكْرمين في الجنة قال تعالى في المعارج " إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً *إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً *وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ *" فيُذكر في أوصاف هؤلاء المكرمين في الجنة إلى جانب إدامتهم الصلاة، ومحافظتهم عليها، يأتي قوله تعالى " وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ" وذلك لتخرج بهذه الحقيقة أن القيام بالشهادة على وجهها لا يقل أهمية عن باقي الفروض المذكورة بجانبها وعليه فالمسلم لا يخلو حاله من أن يكون قائما بالشهادة عادلا في وقت من الأوقات،ويقول تعالى:"{وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} فالامتناع عن الإدلاء بالشهادة منهي عنه بهذه الآية الكريمة التي تدل على وجوب تحمل الشهادة على من دُعي إليها وعلى وجوب تأديتها لمن طُلب تأديتها، وذلك من خلال إجراءات رفع القضية أمام المحاكم، وتحديد موعد ومقر لنظر القاضي في القضية، للفصل بين الخصوم، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل، وردع الظالم ونصفة المظلوم، فتلك هي الدعوة لأداء الشهادة على وجهها قَالَ تَعَالَى: "وَأقِيمُوا الشَّهَادَة لله ذَلِكُم يوعظ بِهِ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر".◄ لماذا اعتبر الاسلام الامتناع عن الشهادة إثما وهو أمر يراه البعض شخصيا؟► اداء الشهادة ليس امرا للانسان حرية اختياره او تركه فمن يمتنع عن الشهادة آثم قلبه بنص الآية.ومعنى آثم قلبه: أي فاجر قلبه، ونهيه تعالى في قوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} يحرم بموجبه كتمان الشهادة، وإثم القلب يؤدي إلى انحراف البدن، لقول النبي — صلوات الله وسلامه عليه — " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "قال الزمخشري: "فإن قلت: هلا اقتصر على قوله آثم؟ وما فائدة ذكر القلب، والجملة هي الآثمة لا القلب وحده؟ قلت: كتمان الشهادة هي أن يضمرها ولا يتكلم بها، فلما كان إثمًا مقترفا بالقلب أسند إليه؛ لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يُعمل بها أبلغ، ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد: هذا مما أبصرته عيني، ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي".وأيضا: إضافة الإثم إلى القلب الذي هو أشرف أعضاء البدن ورئيسها تأكيد في تأكيد، لأن القلب محل اكتساب الآثام والأجور والآلة التي وقع بها أداؤها لما عرف أن إسناد الفعل إلى محله أقوى من الإسناد إلى كله، ولأنه هو محل الكتمان فهو محل المعصية بتمامها هنا، بخلاف سائر المعاصي التي تتعلق بالأعضاء الظاهرة فإنها وإن كانت مسبوقة بمعصية القلب وهو الهم المتصل بالفعل فليس هو محلا لتمامها.وثالثا: إنما خص القلب، لأنه قد تمكن الإثم في أصله، وملك أشرف شيء منه، ولأن أفعال القلوب أعظم من سائر الجوارح، فأصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر وهما من أفعال القلوب، فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب، كان من أعظم الذنوب. والآيتان: فيهما نهي عن كتمان الشهادة بعدم الإدلاء بها والغياب عن موعد ومكان نظر القضية "وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ]"} وهذا مما يدل على الوجوب ويحرم بموجب هاتين الآيتين الكريمتين كتمان الشهادة بالامتناع عن أدائها، وحرمان المظلوم — من الخصمين — من المظاهرة والتأييد والنصرة والمكاثرة في مواجهة الظالم الباغي الذي استضعفه وبغى عليه وتلك جريمة كبرى لِمَا يترتب عليها من تضليل الحقيقة، وتمكين الباغي من الإفلات من قبضة العدالة، والتسبب في ضياع الحق والحقيقة.◄ هل كتمان الشهادة من الكبائر؟► يقول سبحانه: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" هذه الآية الكريمة يعتبر الممتنع عن الإدلاء بالشهادة كاتما لها قد أتي بابا من أبواب الكبائروقال تعالى "ستكتب شَهَادَتهم ويُسألون" دالة على الوعيد على كتمان الشهادة وأن ذلك محل مساءلة بين يدي الله تعالى، كما أن أداءها محل سؤال ومراجعة ومحاسبة ستُسأل عنها بين يدي الله تعالى يوم القيامة. وقال جلَّ مذكورا وعزَّ مرادا بعدما نهى عن كتم الشهادة في آية البقرة "وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" قال بعدها "لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". ألا فليعلم المسلم — يقينا — أن الله تعالى يكره الآثام ما ظهر منها وما بطن. وهناك رذائل وآثام لا يطلع عليها الناس كالحسد والرياء والكبر، يؤاخذ الله عليها وإن كانت مخبوءة — عن الناس — فى ضمير صاحبها، ومنها كتمان الشهادة فإن ذلك يُضلِّل القضاء ويُضيِّع العدالة فتلك جريمة وإن لم يطلع عليها الناس — إلا من خلال آثارها —، وبهذا فسر بعض العلماء قوله تعالى: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" وقالوا: إنه جاء بعد النهى عن كتمان الشهادة فى سياق القرآن الكريم وممن قال بذلك ابْن عَبَّاسٍ وعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ أَنَّ هَذه الآية نَزَلَتْ فِي كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ، وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْوَاجِب لهذه الآيات الكريمة كان الإدلاء بالشهادة، والمساهمة في تبصير عدالة المحكمة بمقاطع العدل، ومفاصل الحق بإيجابية فريضة شرعية، وضرورة اجتماعية حتى لا يبغي أحد على أحد، هذه شهادة والشهادة يجب على من هي عنده أداؤها لله سبحانه وتعالى، لا لأجل مطمع دنيوي، وإنما يُؤديها بدون مقابل، وبدون أخذ عوض؛ لأن هذه عبادة أمر الله تعالى بها في قوله: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } كما الشأن في الصلاة قال تعالى: "وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ". والله أعلم.
33054
| 01 أغسطس 2013
قال المفسّرون: عمل صالح في ليلة القدر خَيْرٌ مِنْ عمل أَلْفِ شَهْرٍ ليس فيها ليلة القدرفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"((1)).. (رواه البخاري ومسلم).من ألوان الاجتهاد في العشر الأواخر تحري ليلة القدر فالحديث دليل على فضل قيامها، وهي ليلة عظيمة شرفها الله تعالى، وجعلها خيراً من ألف شهر، في بركتها وبركة العمل الصالح فيها، فهي أفضل من عبادة ألف شهر. وهي عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر. ومن قامها إيماناً واحتساباً غفرت ذنوبه، ونزل في هذا الفضل آيات تتلى، قال تعالى: إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم((2)).قال تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهرتنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر ((3)).وليلة القدر في رمضان قطعاً؛ لأن الله تعالى أنزل القرآن فيها وقد أخبر سبحان أن إنزاله في شهر رمضان، قال تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن((4)) أي: أنزل جملة إلى السماء الدنيا وأول نزوله إلى الأرض((5)).ولقوله تعالى "إنا أنزلناه في ليلة القدر "وقوله تعالى:"إنا أنزلناه في ليلة مباركة "ومن بركتها أن الله تعالى أنزل القرآن فيها، وتنزل الملائكة تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى(6) ،وأنها خير من ألف شهر، وأنها سلام حتى مطلع الفجر.قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: (تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم) أي: يكثر تنـزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة ينـزلون مع تنـزل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق، تعظيماً له)((7)).فهي ليلة عظيمة اختارها الله تعالى لبدء تنـزيل القرآن، وعلى المسلم أن يعرف قدرها، ويحييها إيماناً وطمعاً في ثواب الله تعالى، لعل الله عز وجل أن يغفر له ما تقدم من ذنبه. وقد حذّر النبي r من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها لئلا يحرم المسلم من خيرها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم"((8)).وعلى الإنسان أن يكثر من الدعاء في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر. ويدعو بما أرشد إليه النبي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما قالت يا رسول الله: أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"((9)).قال ابن كثير رحمه الله: (ويستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات. وفي شهر رمضان أكثر. وفي العشر الأخير منه. ثم في أوتاره أكثر. والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني")((10)).وقوله (ليلة القدر) بسكون الدال إما من الشرف والمقام، كما يقال: فلان عظيم القدر، أي: الليلة الشريفة. وإما من التقدير والتدبير، أي: الليلة التي يكون فيها تقدير ما يجري في تلك السنة، كما قال تعالى: فيها يفرق كل أمر حكيم((11)).قال قتادة: يفرق فيها أمر السنة((12))، قال ابن القيم: وهذا هو الصحيح((13)) أ هـ، والظاهر أنه لا مانع من اعتبار المعنيين، والله أعلم.وقوله: (إيماناً) أي: إيماناً بالله، وبما أعد الله تعالى من الثواب للقائمين في هذه الليلة العظيمة، ومعنى (احتساباً) أي: للأجر وطلب الثوابليلة القدر هي ليلة العمر بحق ،خير من ألف شهرفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله r يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: "تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" وفي رواية: في الوتر من العشر الأواخر من رمضان"((14)) (رواه البخاري، ومسلم).وفى مسند الإمام أَحْمَدُ: عنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ- - ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي مَنْ قَامَهُنَّ ابْتِغَاءَ حِسْبَتِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَهِيَ لَيْلَةٌ وَتْرٌ تِسْعٌ أَوْ سَبْعٌ أَوْ خَامِسَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ أَوْ آخِرُ لَيْلَةٍ"(15) في الحديث أمر المسلم بتحري ليلة القدر في العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم. وذلك بالقيام وإحياء الليل في طاعة الله تعالى.وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَتَأَهَّبُونَ لَهَا. فَكَانَ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ حُلَّةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يَلْبَسُهَا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرْجَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. وَكَانَ ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ يَغْتَسِلانِ وَيَتَطَيَّبَانِ وَيَلْبَسَانِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِمَا وَيُطَيِّبَانِ مَسَاجِدَهُمَا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(16). ومعنى: (يجاور) أي: يعتكف في المسجد. ومعنى (تحروا) أي: اطلبوا، قال في النهاية: (أي: تعمدوا طلبها فيها. والتحري: القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول)((17)) أ هـ.وقد دلت الأحاديث الثابتة على أن المسلم والمسلمة يتحرى ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر. فإن ضعف أو عجز عن طلبها في الأوتار، فلا تفوته ليلة القدر في أوتار السبع البواقي خمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وأٌقربها ليلة سبع وعشرين؛ لحديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: والله إني لأعلم أي ليلة هي؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله r بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين((18)).وهذا الحديث فى صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها. باب النَّدب الأكيد إلى قيام ليلة القدر وبيان دليل من قال إنَّها ليلة سبع وعشرين وَقَالَ عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ: ذُقْتُ مَاءَ الْبَحْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَوَجَدْتُهُ عَذْبًا(19).وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ "لَيْلَةَ الْقَدْرِ " تَكَرَّرَتْ فِي سُّورَةِ القدر ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَهِيَ تِسْعَةُ أَحْرُفٍ، وَالتِّسْعَةُ إِذَا كُرِّرَتْ ثَلاثًا كَانَتْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ(20). وهو كذلك حاصل ضرب تسعة فى ثلاثة يكون الناتج سبعة وعشرين فسواء جمعت ثلاث تسعات أو ضربتها تسعة فى ثلاثة يكون الناتج سبعة وعشرين وابن عباس – رضي الله عنهما – له قول آخر ودليل آخر في استنباط ليلة القدر أنها ليلة سبع وعشرين، وذلك أنه عد كلمات سورة القدر حتى انتهى إلى قوله هي فكانت كلمة " هي " هِيَ الْكَلْمَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ بين كلمات السورة الكريمة(21) ومجموع كلماتها كلها ثلاثون كلمة ، والضمير أعرف المعارف – كما يقول العلماء – هذا دليل أول عند ابن عباس – رضي الله عنهما - والثاني أَنَّ السَّبْعَةَ تَتَكَرَّرُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، فالأرض سبع ، والسماء سبع ، والأيام سبعة ، والطواف سبع ،والسعي سبع ، ورمي الجمار سبع ، ويسجد الإنسان على سبع ، للحديث أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ..." وأعطى المصطفى صلوات الله وسلامه عليه من المثاني سبعا " أي سورة الفاتحة فهي سبع آيات ، ونهى الله تعالى في كتابه عن فى نكاح الأقربين عن سبع قال تعالى :" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ .."(22) هؤلاء المحرمات بسبب القرابة وهناك أسباب أخرى وخلق الإنسان فى أطوار سبع لقوله تعالى :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ"(23) "، وطعام الإنسان من سبع لقوله تعالى "فلينظر الإنسان إلى طعامه.أنا صببنا الماء صببنا ثم شققنا الأرض شقا ، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً، وَعِنَباً وَقَضْباً، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً، وَحَدَائِقَ غُلْباً، وَفَاكِهَةً وَأَبّاً(24).فذهب بهذا ابن عباس إلى أنها ليلة السابع والعشرين بهذا الاجتهاد وناهيك به علما وفهما وفقها ولا عجب فهو حبر الأمة وترجمان القرآن ودعا له رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فقال " اللهم فقه فى الدين وعلمه التأويل حتى قال عمر - رضي الله عنه – لابن عباس بعد هذا الاستنباط : لقد فطنت لأمر ما فطنا له(25).يقول الحافظ ابن رجب – رحمه الله تعالى – شارح صحيح البخاري وصاحب جامع العلوم والحكم شرح الأربعين النووية فى كتابه لطائف المعارف "ومما استدل به من رجح ليلة سبع وعشرين بالآيات والعلامات التي رأيت فيها قديما وحديثا وبما وقع فيها من إجابة الدعوات(26)وذكر أن رجلا مقعدا دعا الله ليلة سبع وعشرين فأطلقه وعن امرأة مقعدة كذلك وعن رجل بالبصرة كان أخرس ثلاثين سنة فدعا الله ليلة سبع وعشرين فأطلق لسانه فتكلم. وطاف بعض السلف ليلة سبع وعشرين بالبيت الحرام فرأى الملائكة في الهواء طائفين فوق رؤوس الناس، وبعدما ذكر الحافظ ابن رجب هذه اللطائف وآثار القدرة العجيبة ، والمنح الربانية والتجليات الرحمانية قال واعلم أن جميع هذه العلامات لا توجب القطع بليلة القدر"(27)قلت ذلك منه – رحمه الله تعالى ورع لكي يحرص المسلمون على إحياء كل الليالي فيدركوها حتما والله المسؤول أن يمن علينا بفضلها فهو خير مسؤول وخير مأمول.ولا تقف ليلة القدر عند ليلة معينة في جميع الأعوام، بل تنتقل فتكون في عام ليلة سبع وعشرين – مثلاً – وفي آخر ليلة خمس وعشرين تبعاً لمشيئة الله تعالى وحكمته، والأحاديث تفيد ذلك((28)). وقد روى عن أبي قلابة – رحمه الله – أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر في وتر((29)) والله أعلم.الذي رفع تعيينها وتحديدها على سبيل القطع وبقي فضلها هذا ما عليه أهل السنة والجماعة أما الروافض فيقولون رفع كذلك فضلها وهذا باطل مردود وإلا فكيف يحثنا الرسول صلوات وسلامه علي تحريها إذا كان فضلها قد رفع كما رفع تعيينها،وقد رفع الله تعيين ليلة القدر بعدما تم تحديدها تماما على الأمة فلم تبق تحديدا وتعيينا كما أخفيت ساعة الجمعة. وساعة الإجابة من الليل ولله تعالى حكمة بالغة في إخفائها. ليتحراها المسلمون، ويجتهدوا في طلبها في سائر الليالي وتعلو همتهم ويشتدّ طلبهم، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ مَا لا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ كَانَ يَسْهَرُ لَيْلَهُ وَيَحْمِلُ كَلَّهُ فَيَشُدُّ مِئْزَرَهُ. إذ لو تيقنا أيّ ليلة هي، لتراخت العزائم طوال الشهر، واكتفى بإحياء تلك الليلة. فكان إخفاؤها مستدعياً قيام كلّ الشهر والاجتهاد في العشر الأواخر منه، بل العام كله حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه – من أقام الحول أدرك ليلة القدر " ووَاللَّهِ مَا يَغْلُو فِي طَلَبِهَا عَشْرٌ، لا وَاللَّهِ وَلا شَهْرٌ، لا وَاللَّهِ وَلا دَهْرٌ. فَاجْتَهِدُوا فِي الطَّلَبِ فَرُبَّ مُجْتَهِدٍ أَصَابَ(30). كما أن في إخفائها اختباراً للعباد ليتبين بذلك من كان جاداً في طلبها حريصاً على إحيائها إيماناً وطمعاً في أجرها. ممن كان كسلاناً متهاوناً لا يقيم لها وزناً. ففي إخفائها خير عظيم، يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: خرج النبي r ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين. فقال "خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت. وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة"((31)).ومعنى: (فتلاحى فلان وفلان) أي: وقعت بينهما ملاحاة. وهي المخاصمة والمنازعة والمشاتمة ورفع الأصوات، وذلك شؤم، ولهذا حرموا بركة ليلة القدر في تلك الليلة، وهذا مما سبق في علم الله تعالى. قال ابن كثير رحمه الله: (فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع. وكما جاء في الحديث: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"((32)).قلت وفيه الإشارة إلى خطر سوء ذات البين فهي الحالقة لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين كما في الحديثوقوله: (فرفعت) أي: رفع علم تعيينها لكم، لا رفعت بالكلية. لأنه قال بعد ذلك: (فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة).فعلى المسلم أن يحرص على نيل هذا الخير، بالعبادة والطاعة بألوانها في ليالي العشر من الصلاة والتلاوة والذكر والتضرع بالدعاء، والصدقة. وحضور صلاة التراويح وصلاة التهجد آخر الليل، ليدخل مع الإمام من أول الصلاة بخضوع وخشوع وذل وانكسار متأملاً في مواعظ القرآن متدبراً آياته يسأل عند آية الرحمة. ويتعوذ عند الآية التي فيها عذاب. وكل ما يستطيعه من الباقيات الصالحات. ولا يقصر في ذلك فما هي إلا ليالٍ معدودة يربح فيها الممتثل المطيع. ويخسر فيها العاصي المضيع.والعاقل يعرف قدر عمره وقيمة أنفاسه. فيغتنم ما يفوت استدراكه، ومن عرف شرف المواسم. وأوقات الفضائل اغتنمها.ومن طلب الحسناء أمهرهاوليلة القدر ليلة عامة لجميع من يطلبها ويبتغي خيرها وأجرها وما عند الله فيها، يحصل الثواب المرتب عليها لمن اتفق له أن قامها ووافقها. وإن لم يظهر له شيء من علاماتها. لا يشترط لحصولها رؤية شيء ولا سماعه. وقد يطلع الله عليها بعض عباده بأمارات يعرفونها بها، - كما مر معنا ما وقع لعَبْدَة بْن أَبِي لُبَابَةَ من عذوبة ماء البحر والأصل أنه ملح أجاج – ومن علاماتها كما فى الحديث " إِنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا صَافِيَةٌ كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا سَاكِنَةٌ صَاحِيَةٌ لا بَرْدَ فِيهَا وَلا حَرَّ، وَلا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ أَنْ يُرْمَى بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ، وَإِنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ "(33) وفى الحديث " اطْلُبُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ وَآخِرِ لَيْلَةٍ، وَهِيَ لَيْلَةٌ بَلْجَةٌ لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ وَلا يُرْمَى فِيهَا بِنَجْمٍ وَلا يَنْبَحُ فِيهَا كَلْبٌ"(34) وكما رأى الرسول لله أنه يسجد صبيحتها في ماء وطين((35))،هذا والدعاء فى هذه الليلة أفضل الأعمال فقد أمر الرسول صلوات الله وسلامه عليه عائشة – رضي الله عنها - بالدعاء فيها قال سفيان الثوري الدعاء في تلك الليلة أحب إلي من الصلاة ولا بدمن الاجتهاد فى نهارها كليلها فقد قال الشعبي في ليلة القدر: ليلها كنهارها وقال الشافعي في القديم: استحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها وهذا يقتضي استحباب الإجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ليله ونهاره ، اللهم إنا بفضلك وحولك نسألك خير هذه الليلة فتحها ونصرها وبركتها ونورها وهداها اللهم ما قدرت فيها من خير فاجعل لنا منه أوفر الحظ ,وأكبر النصيب ، وما قدرت مما سوى ذلك فعافنا واعف عنا بوجهك الكريم ، هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل.ليلة القدر هي ليلة العمرهوامش:((1)) أخرجه البخاري (4/225)، ومسلم (957)((2)) سورة الدخان، الآية: 3، 4((3)) سورة القدر((4)) سورة البقرة، الآية: 185((5)) المرشد الوجيز لأبي شامة ص(115، 129)، التذكار للقرطبي ص23.(6) (التبصرة لابن الجوزي 2/ 97) وعزاه إلى الإمام أحمد((7)) تفسير ابن كثير (8/465)((8)) سبق تخريجه أول الكتاب((9)) رواه الترمذي (3513) وابن ماجة (3580)، وأحمد (6/171، 182، 183، 208) والنسائي في عمل اليوم والليلة. ص499، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.((10)) تفسير ابن كثير (8/472)((11)) سورة الدخان، الآية: 4((12)) أخرجه الطبري في تفسيره (25/65) والبيهقي في "فضائل الأوقات" ص216، وإسناده صحيح((13)) شفاء العليل لابن القيم 42((14)) أخرجه البخاري (4/259)، مسلم (1169).(15) (التبصرة لابن الجوزي 2/ 96)(16) (التبصرة لابن الجوزي 2/ 98)((17)) النهاية لابن الأثير (1/376)((18)) رواه مسلم (762)(19) (التبصرة لابن الجوزي 2/ 96)(20) (التبصرة لابن الجوزي 2/ 96)(21) (قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد 2/ 249)(22) النساء:23(23) المؤمنون:12- 14(24) عبس: 27, 31(25) (لطائف المعارف لابن رجب ص: 201)(26) (لطائف المعارف لابن رجب ص: 203)(27) (لطائف المعارف لابن رجب ص: 203)((28)) انظر: المفهم للقرطبي (3/251) فتح الباري (4/265)، رسالة العراقي: (شرح الصدر بذكر ليلة القدر ص48).((29)) أخرجه عبد الرازق (4/252)، وابن أبي شيبة (3/76) وأخرجه الترمذي (3/159) عن عبد بن حميد عن عبد الرازق.(30) (التبصرة لابن الجوزي 2/ 98)((31)) رواه البخاري (4/267).((32)) تفسير ابن كثير (8/471) وأما الحديث فهو جزء من حديث راجع له السلسلة الصحيحة للألباني رقم 154.(33) (التبصرة لابن الجوزي 2/ 96)(34) (التبصرة لابن الجوزي 2/ 97)((35)) أخرجه مسلم (1168) من حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه، وورد أيضاً من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عند مسلم أيضاً.
35676
| 31 يوليو 2013
◄ رجل من حملة القرآن الكريم لم يسبق له حضور علم ولم يعاشر العلماء ولم يعرف شيئاً في اللغة العربية ، شرع في قراءة تفسير القرآن وشيئاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لطائفة من العوام ، وعندما يقرأ الحديث يلحن فيه فهل يحل له ذلك أو لا ؟ وإذا لم يحل أفلا يكون من الواجب منعه من القراءة ؟► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد وَكَيْفَ يُفَسَّرُ كِتَابُ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ الله تعالى وهو الأعلم بما يُنزِّل, وَكَيْفَ يُفَسَّرُ كِتَابُ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الأعلم بما أنزله الله تعالى عليه، وأوكل إليه مهمة البيان والتوضيح " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[167]" "وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[168]" " وَكَيْفَ يُفَسَّرُ كِتَابُ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، والَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ؟ وقد عاصروا التنزيل وعايشوا ظروف وملابسات تنزُّل الوحي المعصوم عليه صولا الله وسلامه، وقد اختارهم الله تعالى لصحبة رسوله، ومن خلالهم انتشر الإسلام بلاغا وجهادا وتعليما، هذا وقد قال كثير من العلماء بحرمة تفسير القرآن الكريم بالرأيأولا: لِقَولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. وَفِي رِوَايَةٍ: الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول آلله : قال "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" وفي رواية: "من قال في القرآن بغير ما يعلم جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار".وروى الترمذي أيضاً عن جندب بن عبدالله عن رسول الله قال " من قال في كتاب الله عز وجل برأيه فأصاب فقد أخطأ " وإن أصاب لأنه يكون من باب القول على الله تعالى بغير علم، ومن باب تأويل كلام الله عز وجل بغير علم حتى وإن أصاب الحق؛ وذلك لأنه يحكم على كل إنسان أن يتكلم وأن يتأول وأن يفسر كلام الله عز وجل بغير علم، فمن تكلم بالقرآن برأيه واجتهاده، وليس من أهل الاجتهاد، ولا من أهل النظر والدراسة والبحث؛ فإن هذا معتد متجرئ على كلام الله عز وجل، حتى وإن أصاب.وإن ظن أن هذا ظاهر لكل أحد، وفسره بغير رجوعه لكلام أهل العلم، أو لسنة النبي عليه الصلاة والسلام؛ فإن هذا مخطئ وإن أصاب المراد من الآية، أو من الحديث النبوي؛ وذلك لأنه لا يجوز له أن يتكلم في دين الله عز وجل إلا ببينة قوية، وعلم أكيد متين.ثانيا : لتوقف الصحابة وإحجامهم عن ذلك " فقد سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس/31]. مَا الْأَبُّ؟ فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ؟ لقد توقف الصديق في تفسير أمر من عالم الشهادة، فالْأَبُّ ليس من أمور الغيب، إنما هو من النعم التي أنعم الله بها على عباده، لهذا كان التفسير بمجرد الرأى حراما ولقوله تعالى:" قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].ثالثا: توقف التابعين وإحجامهم عن ذلك أيضا ولقد قال مسروق: " اتقوا التفسير فإنه الرواية عن الله] "عن ابن مجاهد قال: قال رجل لأبي: أنت الذي تفسر القرآن برأيك؟ فبكى أبي ثم قال: إني إذا لجريء. لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلا من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم رضي الله عنهم.وَكَيْفَ يُفَسَّرُ كِتَابُ اللَّهِ بِغَيْرِ إلمام بعلوم اللغة ، وآدابها والبلاغة وأنواعها، والصرف والاشتقاق، ومَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَأسبَابِ النُّزُولِ، وسائر أنواع علوم القرآن الكريم ، وعلوم الحديث ، ولعل السبب الذي دفع بهؤلاء العلماء إلى القول بذلك سد الذريعة لمنع الأوهام التي وجدت بتفسير بعض الإمامية، والإسماعيلية، والباطنية، فقد رويت تفسيرات سموها باطن القرآن وجعلوا للباطن باطنا، حتى وصلوا إلى سبعة بواطن، فكان منع التفسير بالرأي دفعًا لهذه الأوهام الباطنية التي أفسدت المعاني القرآنية بتأويلات لَا برهان عليها.فإذا كان الإسرائيليون قد أدخلوا على التفسير ما ليس بمعقول ولا مقبول، فالباطنيون قد أدخلوا بتأويلاتهم وبواطنهم ما ليس من التفسير في شيء، والله حافظ كتابه من الفريقين، وهو بنوره الساطع يلفظ الخبث كما يلفظ الفلز خبثه في كير النار.مما سبق يتضح لنا بجلاء كل الوضوح شناعة هذه الجريمة التي يستخف بها البعض ، وتنبئ النصوص عما يرتقب مقترفيها من سوء العاقبة وقبح المآل ، سواء في ذلك المخطئ فيما تهجم به على حرمة كلام الله والمصيب ، لأن موافقة ما قاله وجه الصواب لم تنف عنه تهمة التهجم والقول في دين الله تعالى بغير علم فهو آثم ، وهو والمخطئ قرينان في جهنم وبئس القرار ، فليحذر كل مسلم من السقوط في هذه المهاوي ، وعليه ألا يفسر آية من كتاب آلله إلا إذا كان مستنداً فيما يقول إلى ماسمعه في معناها من عالم أمين على شرع آلله تعالى ، أو يكون قد اطلع على ماكتبه المفسرون المحققون ، أو يكون له من الاطلاع على علم اللغة وأساليب العرب وما أشبه ذلك من الوسائل المساعدة ، وما يُسمي علوم الآلة بالقدر الذي يُمَكنه من التعرض لتحمل هذا العبء، وإلا كان مخاطراً بنفسه، معرضاً لها لسخط آلله في الدنيا، وعذابه في الآخرة، وقانا آلله تعالى من ذلك وحفظنا.ثم إنه قد يكون القول الذي يسرده في تفسير آية من كتاب الله تعالى مردوداً أو فهمه له على خلاف المراد منه لجهله باللغة العربية، ولاحتمال أن يكون الحديث الذي يرويه موضوعاً فيشيعه في العامة ويدخل الكل تحت الوعيد الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" لهذا كله يحرم شرعاً على هذا الرجل أن يقرأ تفسير القرآن ، وأن يروي حديث خير الأنام صلى الله عليه وسلم اعتماداً على ما سطر في الكتب ، وعلى ولي الأمر والجهات المختصة منعه وزجره والتشديد عليه، حتى لا يعود لمثل هذا المنكر الذي يحسب أنه به يحسن صنعاً وهو وبال عليه، فليدع هذا لأربابه ، نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه.هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل.والله أعلم.
29915
| 31 يوليو 2013
سر الاجتهاد في العشر الأواخر طلبُ ليلة العمر بحقفي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر([1]) [رواه البخاري، ومسلم، وفي رواية لمسلم: كان رسول الله r يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره]. مسند الإمام أحمد أخرجه البخاري في صحيحه كِتَاب صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. باب الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ومسلم في صحيحه كتاب الاعتكاف. باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان. سنن ابن ماجه كتاب الصيام. باب في فضل العشر الأواخر من شهر رمضان. النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليلفي الحديث إنما الأعمال بالخواتيم والعشر الأواخر خاتمة رمضان فخص صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم آخر رمضان بهذه الأمور الأربعة لقرب خروج وقت العبادة فيجتهد فيه لأنه خاتمة العمل، والأعمال بخواتيمها والأيام بعواقبها. ففي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأخير وإشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة لأن مدار الإيمان على الخاتمة وأن التقصير فيما قبلها مجبور بحسنها فنسأل اللّه حسن الخاتمة * والموت على الهداية والتوبة مما صدر * في البداية والنهايةوأن يحشرنا في زمرة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. اجتهد صلى الله عليه وآله وسلم في العشر الأواخر أملا في إدراك ليلة القدر فهي سُرَّة العشر الأواخر بل سُرَّة الشهر بل سُرَّة الدهر كلِّهفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله r يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: "تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" وفي رواية: في الوتر من العشر الأواخر من رمضان"([2]) [رواه البخاري، ومسلم].وفي فضلها جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"([3]) . . . [رواه البخاري ومسلم].أرأيت من عظيم فضلها من قامها إيماناً واحتساباً غفرت ذنوبه، ونزل في هذا الفضل آيات تتلى إلى يوم القيامة قال تعالى: }إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم{([4]).وقال تعالى: }إنا أنزلناه في ليلة القدر *وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر*تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر{([5]).ومن بركتها أن الله تعالى أنزل القرآن فيها، وتنزُّل الملائكة فيها، وأنها خير من ألف شهر، وأنها سلام حتى مطلع الفجر. قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: (تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم) أي: يكثر تنـزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة ينـزلون مع تنـزل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق، تعظيماً له)([6]).ليلة العمرهي ليلة عظيمة شرفها الله تعالى، وجعلها خيراً من ألف شهر، في بركتها وبركة العمل الصالح فيها، فهي أفضل من عبادة ألف شهر. وهي عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهرإنها ليلة عظيمة اختارها الله تعالى لبدء تنـزيل القرآن، وعلى المسلم أن يعرف قدرها، ويحييها إيماناً وطمعاً في ثواب الله تعالى، لعل الله عز وجل أن يغفر له ما تقدم من ذنبه. وقد حذّر النبي r من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها لئلا يحرم المسلم من خيرها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم"([7]).وعلى الإنسان أن يكثر من الدعاء في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر. ويدعو بما أرشد إليه النبي r أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما قالت يا رسول الله: أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"([8]).قال ابن كثير رحمه الله: (ويستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات. وفي شهر رمضان أكثر. وفي العشر الأخير منه. ثم في أوتاره أكثر. والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني")([9]).فاللهم إنا نسألك خير هذه الليلة فتحها ونصرها وبركتها ونورها وهداها ونعوذ بك من شرها ،أحسن الله عاقبتنا في الأمور كلها وجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاه والحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخصها دون غيرها بمزيد الطاعة والعبادة من صلاة وذكر وتلاوة قرآن.الأمور الأربع التي خص بها الرسول صلوات وسلامه عليه العشر الأواخرقد وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها نبينا وقدوتنا محمداً r في العشر الأواخر بأربع صفات:الأولى: قولها (أحيا الليل) أي: سهره فأحياه بالطاعة، وأحيا نفسه بسهره فيه، وأضافه إلى الليل اتساعا لأن القائم إذا حيى باليقظة أحيي ليله بحياته ، وأحيا الليل :أي غالبه، أو كله، والظاهر غالبه ، لخبر عائشة ما علمته قام ليلة حتى الصباح ولم يرو صريحاً أنه عليه الصلاة والسلام ترك النوم في الليل جميعه. لأن النوم أخو الموت، ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم لما سئل: أفي الجنة نوم؟ قال: (لا النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها). أخرجه الدارقطني. فالنوم أخو الموت - لانقطاع العمل فيه ، النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل - والانتباه نشور وحياة ويدل عليه أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه عن حذيفة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور".[10]والحكمة في إطلاق الموت على النوم أن انتفاع الإنسان بالحياة إنما هو لتحري رضا الله عنه وقصد طاعته واجتناب سخطه وعقابه، فمن نام زال عنه هذا الانتفاع فكان كالميت فحمد الله تعالى على هذه النعمة وزوال ذلك المانعالنوم أخو الموت ، والميت لا يصلي ويؤيده ما رواه مسلم: (مثل البيت الذي يذكر اللَّه فيه والبيت الذي لا يذكر اللَّه فيه كمثل الحي والميت)وعلى هذا فمعنى: "أحيا الليل " فيه استعارة الإحياء للاستيقاظ أحياه بالقيام والتعبد لله رب العالمين، وأما ما ورد من النهي عن قيام الليل كلّه الوارد في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه([11])، فهو محمول على من دوام عليه جميع ليالي السنة([12]).أفاده النووي في شرحه لصحيح مسلممن مفاسد كثرة النومفإنه يورث الغفلة والشبهات وفساد المزاج الطبيعي والنفساني ويكثر البلغم والسوداء ويضعف المعدة وينتن الفم ويولد دود القرح ويضعف البصر والباه حتى لا يكون له داعية للجماع ويفسد الماء ويورث الأمراض المزمنة في الولد المتخلق من تلك النطفة حال تكوينه ويضعف الجسد، هذا في النوم في غير وقت العصر والصبح ، أما النوم في وقتهما فإنه أعظم ضرراً لأنه يفسد كيموس صحة حكم عين المزاج المادي والصوري ولا يمكن استقصاء وحصر مفاسده في العقل والنفس والروح ومنها أنه يورث ضعف الحال بحكم الخاصية. والنوم بالنهار أكثر ضرراً من النوم بالليل طباً. قال ابن سينا: النوم بالنهار رديء جداً وتركه لمن اعتاده أردأ وذلك لأنه خرج عن نظام الكون الرباني ،"وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا"الفرقان: 47 . "وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا"النبأ : 9 + 10. "وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْل" الأنعام/60- " وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ"الروم/23}الثانية: قولها (وأيقظ أهله) أي: أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن؛ ليشاركنه اغتنام الخير والذكر والعبادة في هذه الأوقات المباركة. وحتى لا يتكلن على كونهن أزواج صلى الله عليه وآله وسلمالثالثة: قولها (وجدّ) أي: اجتهد في العبادة زيادة على عبادته في العشرين الأوّلين. وذلك لأن في العشر الأواخر ليلة القدر.الرابعة: قولها (وشدّ المئزر) أي: جدّ واجتهد في العبادة. وقيل: اعتزل النساء، وهذا أظهر لعطفه على ما قبله. ، وبذلك جزم عبد الرزاق عن الثوري، واستشهد بقول الشاعر:قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم عن النساء ولو باتت بأطهارولحديث أنس رضي الله عنه: (وطوى فراشه واعتزل النساء)([13])، وقد كان r يعتكف العشر الأواخر والمُعْتَكِف ممنوعٌ من النساء. قال تعالى "ولا تباشروهن أنتم عاكفون في المساجد"البقرة:187فلتحرص – أخي المسلم – على هذه الأربع متحليا بالصبر على طاعة الله تعالى، فى هذا الشهر صياما وقياما فهي – والله – فرصة العمر، وغنيمة الدهر لمن وفقه الله تعالى. وما يدري لعل الإنسان تدركه فيها نفحة من نفحات المولى فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة.كان السلف الصالح يطيلون صلاة الليل تأسياً بنبيّهم r،وقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يطيلون صلاة الليل تأسياً بنبيّهم r، يقول السائب بن يزيد (أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبيّ بن كعب وتميماً الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر)([14])، والزيادة في العشر الأواخر يحمل على التطويل في التلاوة والزيادة فيها دون الزيادة في عدد الركعات . وعن عبد الله بن أبي بكر قال: (سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر)([15]).والمؤمن في رمضان يجاهد نفسه: بالنهار صياما وبالليل قياما إلى آخر هذه الطاعات التي لا تجتمع إلا في رمضان فمن وفي هذه العبادات حقها فهو من الصابرين الذين يوفَّون أجرهم بغير حساب.إن هذه العشرة هي ختام الشهر، والأعمال بخواتيمها. ولعل الإنسان يدرك فيها ليلة القدر وهو قائم لرب العالمين، فيغفر له ما تقدم من ذنبه.وعلى الإنسان أن يحث أهله وأولاده وينشطهم ويرغبهم في العبادة. والاستفادة من ساعات الليل، والحذر من ضياعها في القيل والقال في المجالس المحرمة والاجتماعات الآثمة نسأل الله السلامة والعافيةمسؤولية الرجل عن قيام الأهل والأولاد والخدم بإحياء الليلقال تعالى :"يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"التحريم/6فالرجل مطالب بأن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. يعلمهم الحلال والحرام، ويجنبهم المعاصي والآثام، إلى غير ذلك من الأحكام ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم). يخبر أهله وأولاده بأوقات الصلاة ووجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجبوقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول: (قومي فأوتري يا عائشة). وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله امرأ قام من الليل فصلى فأيقظ أهله فإن لم تقم رش وجهها بالماء. رحم الله امرأة قامت من الليل تصلى وأيقظت زوجها فإذا لم يقم رشت على وجهه من الماء). ومنه قوله صلي الله عليه وسلم: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ[16])[17]. وهذا وإن ورد على أزواج المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ونبه بأمرهن بالاستيقاظ على أنه لا ينبغي لهن التكاسل والاعتماد على كونهن أزواجه {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون}المؤمنون: 101 ويدخل هذا في عموم قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى" [المائدة: 2]. وذكر القشيري أن عمر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية: يا رسول الله، نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟. فقال: (تنهونهم عما نهاكم الله وتأمرونهم بما أمر الله). وقال مقاتل: ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه. قال الكيا: فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب. وهو قوله تعالى: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" [طه: 132]. ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: "وأنذر عشيرتك الأقربين". [الشعراء: 214]. وفي الحديث: (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع).وقال عليه السلام: (ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن)حتى الخدم : في سير أعلام النبلاء للذهبي "أَنَّ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ قَالَ: لاَ تُطْفِئُوا سُرُجَكُم لَيَالِيَ العَشْرِ - تُعْجِبُهُ العِبَادَةُ - وَيَقُوْل: أَيْقِظُوا خَدَمَكُم يَتَسَحَّرُوْنَ لِصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ."هذا في النوافل فما البال في الفرائض.وزوج البنت : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ: " {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] ، كَانَ يجيءُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَابِ عَلِيٍّ صَلاةَ الْغَدَاةِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، يَقُولُ: الصَّلاةُ رَحِمَكُمُ اللَّهُ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها (4/ 148)"كلما اقترب المتسابقون من خط نهاية السباق جدوا واجتهدوا فالعبرة بالخواتيمالبدار البدار إلى اغتنام العمل فيما بقي من الشهر، فعسى أن يستدرك به ما فات من ضياع العمر.ومما يؤسف عليه أن ترى بعض الناس يقبل على الأعمال الصالحة في أول الشهر من الصلاة والقراءة ثم ما يلبث سريعا أن يفتر والعبرة بالخواتيم وأفراد السباق ما إن يقتربون من خط النهاية إلا وينشطون أشد من ذي قبل ، عن أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ وَفَاتِهِ، حَتَّى تُوُفِّيَ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [18]فعلى الإنسان أن يواصل الجد والاجتهاد ويزيد في الطاعة إذا أخذ شهره في النقص، فالأعمال بخواتيمها " "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ"المطففين:26.ومما يؤسف له أيضا أن نسبة لا بأس بها من المسلمين يسهرون ليلهم في اللهو واللعب ، وبعض النوادي لا يحلو لها إقامة الدورات الرياضية إلا في رمضان وفي العشر الأواخر منه وفي الليل حتى ساعات متأخرة من الليل،وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله r يقول: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه . ."([19]). [رواه البخاري، ومسلم].إيماناً واحتساباً :أي يحمله على ذلك الإيمان بالله وإرادة وجهه وطلب الأجر منه عز وجل لا الرياء وغيره.والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدد، وإنما قيل فيمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه لأنه له حينئذ أن يعتد عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به قاله في النهاية.في هذا الشهر تجتمع عدة طاعات لا تجتمع في غيره من صيام وقيام واعتكاف وصدقة وتلاوة .قال ابن عطاء الله : لوّن الله تعالى لنا الطاعات من صلاة وصوم وحج وغيرها لئلا تسأم نفوسنا تكرماً وتفضلاً لأن النفس لو كلفت بحالة واحدة في زمن واحد ملت ونفرت وبعدت من الانقياد للطاعة فرحمها الله سبحانه وتعالى بالتنويع وحجر علينا الصلاة في أوقات ليكون همنا إقامة الصلاة لا وجود الصلاة فما كل مصل مقيم.وقد يعبر عن الصلاة بالقيام؛ يقال: فلان يقوم الليل أي يصلي؛ ومنه هذا الحديث الصحيحوهو دليل على مشروعية قيام رمضان. وأنه من أسباب مغفرة الذنوب. ومن صلى التراويح كما ينبغي فقد قام رمضان. والمغفرة مشروطة بكون القيام : "إيماناً واحتساباً" ومعنى "إيماناً" أي: أنه حال قيامه مؤمناً بالله تعالى وبرسوله r، مصدقاً بوعد الله، وبفضل القيام، وعظيم أجره عند الله تعالى. ومحتسباً الثواب عند الله تعالى لا بقصد آخر من رياء ونحوه.فعلى المسلم أن يحرص على صلاة التراويح مع الإمام ولا يفرط في شيء منها. ولا ينصرف قبل إمامه. لقول النبي r: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"([20]). فما هي إلا ليالٍ معدودة يغتنمها العاقل قبل فواتها.يقول السائب بن يزيد: (أمر عمر بن الخطاب أبّي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين، حتى نعتمد على العصيي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر)([21]).وكان الأوزاعي - رحمه الله - يقول: من أطال القيام في صلاة الليل هوّن الله عليه طول القيام يوم القيامة، أخذ ذلك من قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً * إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} [الإنسان: 26- 27][22]وإذا سلّم المصلي من الوتر قال: (سبحان الملك القدوس) ثلاثاً، يمد بها صوته ويرفع في الثالثة.لثبوت ذلك عن النبي ([23]).ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة، وخرجن محتشمات غير متبرجات بثياب زينة ولا طيب. وصلين بخشوع وخضوع. منـزهات بيوت الله تعالى عن اللغو ورديّ الكلام، من غيبة أو نميمة أو نحوهما، لعلّهن أن يسلمن من الإثم. ويحظين بثواب الله تعالى.وفى خروجهن لصلاة العشاء والتراويح بغير طيب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُوراً، فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ".[24]وأخرج ابن عبد البر عن أبي سلمة، وأبي هريرة مرفوعاً: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر.صور قيام الليل كثيرةلعب الورق وقيام الليلليس من صور قيام الليل : لعب الورق ولا مشاهدة المسلسلات ، ولا متابعة الأفلام ، وإنما كل ذلك من تلبيس إبليس الإنس ، أو إبليس الجن من غير المردة إذ المردة مقيدون كما ثبت في الصحيح ،"أتاكُمْ شَهْرُ رَمَضانَ شَهْرٌ مُبارَكٌ فَرَضَ الله عَلَيْكُمْ صِيامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أبْوابُ الجَنَّةِ وتُغْلَقُ فِيهِ أبوابُ الجَحِيمِ وتُغَلُّ فِيه مَرَدَةُ الشَّياطينِ وَفيهِ لَيْلَةٌ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَها فَقَدْ حُرِمَ "صحيح الجامع حديث رقم: 55 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - فبذلك يشغلون الناس ويلهونهم عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة .وإنما صور قيام الليل التي بها تحيا القلوب منها :1-استقبال الليل وتوديعه بتوبة صادقة مع الله تعالى "للحديث " عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الله عز وَجل يبسط يَده بِاللَّيْلِ ليتوب مسيء النَّهَار، ويبسط يَده بِالنَّهَارِ ليتوب مسيء اللَّيْل، حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا " الجمع بين الصحيحين (1/ 320)2-وصلاة العشاء والفجر في جماعة ، للحديث الصحيح فى ذلك. عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ" نصب الراية (2/ 24)3-وصلاة التراويح ، لما أخرجه ابن عبد البر عن أبي سلمة، وأبي هريرة مرفوعاً: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر.4-التهجد ولا يكون إلا بعد نوم ،قال تعالى:" وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً" الإسراء/795-الاستغفار – ولا سيما - في ثلث الليل الأخير لآيتي آل عمران والذاريات ، يقول تعالى :" لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" آل عمران/15 وقال تعالى:" إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ *كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" الذارايات/15-186- الدعاء لآية السجدة، يقول تعالى :" تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون" السجدة/13 وللحديث الصحيح عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الآخر، يَقُول من يدعوني فأستجيب لَهُ، من يسألني فَأعْطِيه من يستغفرني فَأغْفِر لَهُ ". وَعند مسلم "إِن الله يُمْهل حَتَّى إِذا ذهب ثلث اللَّيْل الأول نزل إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول: هَل من مستغفرٍ، هَل من تائب، هَل من سائلٍ، هَل من داعٍ، حَتَّى ينفجر الْفجْر ".الجمع بين الصحيحين (3/ 78)7- التفكر في خلق السموات والأرض لآية آل عمران ،قال تعالى "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ "}آل عمران/190-194 كان النبي صلوات الله وسلامه يقرأ هذه الآيات من الليل وهو يقلب النظر في السماوات والأرض ويقول ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتفكر فيها.8- التلاوة لكتاب الله تعالى ،للحديث الصحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ - رضي الله عنهما – أَنَّ رسول الله r قَالَ: الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِصَاحِبِهِمَا يَوْمَ القِيَامَةِ. يَقُوْلُ الصِّيَامُ: يَا رَبِّ، إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ، وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيْهِ. وَيَقُوْلُ القُرْآنُ: يَا رَبِّ، إِنِّي مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيْهِ، فَيُشَفَّعَانِ فِيْهِ "وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال: سمعت رسول الله r يقول: "من قرأ حرفاً من كتاب الله. فله به حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها لا أقول: (آلم) حرف، ولكن (ألف) حرف (ولام) حرف، و(ميم) حرف"([25]). فينبغي للصائم أن يكثر من تلاوة القرآن في هذه الأيام المباركة والليالي الشريفة، فإن لكثرة القراءة في رمضان مزية خاصة ليست لغيره من الشهور، ليغتنم شرف الزمان في هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن، فشهر رمضان شهر القرآن ، وقراءة القرآن في ليالي رمضان لها مزية، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع الهمم ويتواطأ القلب واللسان على التدبر، والله المستعان. وقد ثبت أن جبريل كان يلقى النبي r كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن([26]). صحيح البخاري كتاب بدء الوحي كِتَاب بَدْءِ الْخَلْقِ. باب ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ.كِتَاب الْمَنَاقِبِ باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما سبق تعظيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن فيه، ثم معارضته ما نزل منه فيه، ويلزم من ذلك كثر، نزول جبريل فيه.وفي كثرة نزوله من توارد الخيرات والبركات ما لا يحصى، ويستفاد منه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة.وفيه أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير. وفيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره، وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم لأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينيةوقد أفادنا هذا الحديث استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك وعرض القرآن على من هو أحفظ له([27]).نماذج من أحوال السلف في قيام الليل وإحيائه بالقرآن الكر يموقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان وكانوا إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحداً. وكانوا يقرأون القرآن في الصلاة وخارجها. كان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة. وكان بعض السلف يختمه في قيام رمضان في كل ثلاث ليال. وبعضهم في كل سبع وبعضهم في كل عشر.كان الأسود بن يزيد النخعي يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان. وكان قتادة يختم القرآن في كل سبع دائماً، وفي رمضان كلّ ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة. وأخبارهم في ذلك مشهورة.وقد ورد في فضيلة الختمعن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال: إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلّت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه آخر الليل صلّت عليه الملائكة حتى يُمسي. قال الدارمي: هذا حسن رواه أبو داود ، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه وله شواهد في التذكار، للقرطبي، ومسند الفردوس للديلمي ، والحلية لأبي نعيمقال الحافظ بن رجب رحمه الله: (إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقلّ من ثلاث على المداومة على ذلك. فأما الأوقات المفضلة كشهر رمضان، وخصوصاً الليالي التي تطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره)([28]).ومن قعدت به الشواغل وأعباء الحياة عن الإكثار من التلاوة فلا أقل من أن يختم مرتين خلال الشهر الكريم للحديث الصحيح قال صلوات ربي وسلامه عليه"إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ"[29]والمعارضة مفاعلة من الجانبين كأن كلا منهما كان تارة يقرأ والآخر يستمع. ولولا التصريح بأنه كان يعرضه مرة واحدة وفي السنة الأخيرة عرضه مرتين لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلة ثم يعيده في بقية الليالي. فيقرأ كل ليلة جزءا من القرآن في جزء من الليلة، والسبب في ذلك ما كان يشتغل به في كل ليلة من سوى ذلك من تهجد بالصلاة ومن راحة بدن ومن تعاهد أهل، ولعله كان يعيد ذلك الجزء مرارا بحسب تعدد الحروف المأذون في قراءتها ولتستوعب بركة القرآن جميع الشهراللهم أيقظنا لتدارك بقايا الأعمار، ووفقنا للتزوّد من الخير والاستكثار، واجعلنا ممن قبلت صيامه، وأسعدته بطاعتك فاستعدّ لما أمامه، وغفرت زلله وإجرامه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد..الاعتكاف في العشر الأواخروفي العشر الأواخر يشرع الاعتكاف لما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله r يعتكف العشر الأواخر من رمضان"([30])، [رواه البخاري ومسلم].من ألوان الاجتهاد في العشر الأواخر الاعتكاف في المساجد لهذا الحديث فله فائدة عظيمة، فهو عزلة مؤقتة عن أمور الحياة وشواغل الدنيا وانعكاف على الذات . وإقبال بالكلية على الله تعالى.وقد كانت هذه سنته صلى الله عليه وآله وسلم حتى توفاه الله عزّ وجل.عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان، عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما"صحيح البخاري.كتاب الاعتكاف. باب الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ.والاعتكاف ليس خاصا بهذه الأمة، بل كان معروفا من قبل، يدل عليه قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [سورة البقرة، الآية (125) ] .وما فعله الرسول r على وجه الطاعة والقربة فهو مندوب لنا ليس واجبا بالإجماع – إلا إذا نذره المسلم - إنما هو قربة من القرب ونافلة من النوافل، عمل بها رسول الله r وأصحابه وأزواجه رضي الله عنهم، ويتأكد في رمضان. ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جماعة لقول الله تعالى: }وأنتم عاكفون في المساجد{ ([31]).قال القرطبي في تفسيره:(أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد) فإن تيسر أن يكون في مسجد تقام فيه الجمعة فهو أحوط لأن من أهل العلم من يشترط ذلك.والاعتكاف: لزوم مسجد على وجه القربة من شخص مخصوص بصفة مخصوصة،ويدخل معتكفه قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين – وعلى قول جمهور أهل العلم – لحديث أبي سعيد – رضي الله عنه – عن النبي r، وفيه: ".. من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر.."([32]) ويؤيد ذلك أن من مقاصد الاعتكاف التماس ليلة القدر، وهي ترجي في أوتار العشر، وأولها ليلة إحدى وعشرينالمعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفاً في مسجده لقوله تعالى "}ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد "البقرة/187ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بُدّ له منها، فلا يحل له أن يثبت فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك، من قضاء الغائط أو الأكل، وليس له أن يقبِّل امرأته، ولا أن يضمها إليه، ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه، ولا يعود المريض لكن يسأل عنه وهو مارّ في طريقهوهكذا فلا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإنسان الضرورية كالاغتسال إن أصابته جنابة بالاحتلام، وكالبول والغائط إذا لم يوجد في المسجد حمام يقضي حاجته فيه ويغتسل. وله أن يخرج ليأتي بطعامه إذا لم يكن هناك من يأتيه به. قالت عائشة رضي الله عنها: (السنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجته التي لابد منها)([33]).أما خروجه لطاعة لا تجب عليه كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك فلا يفعله، إلا إن اشترط ذلك في ابتداء اعتكافه – على أحد القولين – والله أعلم.وإن مرض أثناء اعتكافه فإن كان يسيراً بحيث لا تشق معه الإقامة في المسجد كصداع ووجع ضرس وعين ونحوهما من الأمراض التي لا تلزم الفراش فهذا لا يجوز له الخروج؛ لإمكانه تعاطي بعض الأدوية وهو في مكانه فإن خرج بطل اعتكافه.وإن كان المرض شديداً بحيث تشق معه الإقامة في المسجد لحاجته إلى الفراش والخادم، ومعاودة مراجعة الطبيب، فهذا يباح له الخروج لحاجته إليه. فإذا شفي رجع وبنى على اعتكافه، ولم يؤسس من جديد والله أعلم.وعلى المعتكف أن يدرك حكمة الاعتكاف فيقضي وقته مصليا تاليا ذاكرا، مذاكرا ، مهللا ، مستغفرا ، تائبا ولا بأس أن يتحدث قليلاً بحديث مباح مع أهله أو غيرهم لمصلحة، لحديث صفية رضي الله عنها: قالت: (كان النبي r معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي . . . الحديث"( وفي الصحيحين أن صفية بنت حيي كانت تزور النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو معتكف في المسجد، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت لترجع إلى منزلها، وكان ذلك ليلاً، فقام النبي صلى اللّه عليه وسلم يمشي معها حتى تبلغ دارها، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة، فلما كان ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم أسرعا (وفي رواية) تواريا - أي حياءً من النبي صلى اللّه عليه وسلم لكون أهله معه - فقال لهما صلى اللّه عليه وسلم : "على رسلكما إنها صفية بنت حيي" (أي لا تسرعا واعلما أنها صفية بنت حيي أي زوجتي) فقالا: سبحان اللّه يا رسول اللّه! فقال صلى اللّه عليه وسلم : "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال شراً" [34]) (رواه البخاري ومسلم) قال الشافعي رحمه اللّه: أراد عليه السلام أن يعلِّم أمته التبري من التهمة في محلها، لئلا يقعا في محذور، وهما كانا أتقى للّه من أن يظنا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم شيئاً. والله أعلم. في أواخر آيات الصيام من سورة البقرة جاء الحديث عن الاعتكاف "..وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ.." البقرة/187 ففي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام، في آيات الصيام هنا كما رأينا إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام ولا سيما في آخر شهر الصيام، كما ثبت في السنّة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الحديث معنا أنه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه اللّه عزّ وجلّ، ثم اعتكف أزواجه من بعده.المقصود من الاعتكاف والحكمة من مشروعيتهوأما المقصود منه فهو جمع القلب على الله تعالى بالخلوة مع خلوّ المعدة والإقبال عليه تعالى والتنعم بذكره والإعراض عما عداه.قال ابنُ القيم رحمه الله مبيناً المقصود من الاعتكاف :(وشرع لهم الاعتكافُ الذي مقصودهُ وروحهُ عكوفُ القلبِ على الله _تعالى_ وجَمْعِيَّتُهُ عليه، والخلوةُ به عن الاشتغال بالخلق، والاشتغَالُ به وحده سبحانه؛ بحيث يصير ذكرُه، وحبُّه، والإقبالُ عليه في محلِّ هموم القلب، وخطراتهِ؛ فيستولي عليه بدلَها، ويصير الهمُّ كلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكرُ في تحصيل مراضيه، وما يُقرِّب منه؛ فيصير أُنْسُهُ بالله بدلاً عن أنسه بالخلق؛ فَيُعِدُّهُ بذلك لأُنسه به يومَ الوحشةِ في القبور حين لا أنيسَ لَه، ولا ما يَفْرَحُ به سواه؛ فهذا مقصودُ الاعتكافِ الأعظم)آداب الاعتكافوهذه جملةٌ من الآداب يحسن بالمعتكفين مراعاتُها، والأخذُ بها؛ ليكون اعتكافُهم كاملاً مقبولاً بإذن الله.أولاً: استحضارُ النيَّةِ الصالحةِ، واحتسابُ الأجر على الله_عز وجل_.ثانياً: استشعارُ الحكمةِ من الاعتكاف، وهي الانقطاع للعبادة، وجَمْعِيَّةُ القلب على الله _عز وجل_.ثالثاً: ألا يخرج المعتكفُ إلاَّ لحاجته التي لا بد منها.رابعاً: المحافظةُ على أعمال اليوم والليلة من سنن وأذكار مطلقة ومقيَّدة، كالسنن الرواتب، وسنَّة الضحى، وصلاة القيام، وسنَّة الوضوء، وأذكار طرفي النهار، وأذكار أدبار الصلوات، وإجابة المؤذن، ونحو ذلك من الأمور التي يحسن بالمعتكف ألا يفوته شيء منها.خامساً: الحرصُ على الاستِيقاظ من النوم قبل الصلاة بوقتٍ كاف، سواء كانت فريضة، أو قياماً؛ لأجل أن يتهيأ المعتكف للصلاة، ويأتِيَها بسكينة ووقار، وخشوع.سادساً: الإكثار من النوافل عموماً، والانتقالُ من نوع إلى نوع آخر من العبادة؛ لأجل ألا يدبَّ الفتور والملل إلى المعتكف؛ فَيُمْضِيَ وقته بالصلاة تارة، وبقراءة القرآن تارة، وبالتسبيح تارة، وبالتهليل تارة، وبالتحميد تارة، وبالتكبير تارة، وبالدعاء تارة، وبالاستغفار تارة، وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تارة ،وبـ: لا حول ولا قوة إلا بالله تارة، وبالتدبُّر تارة، وبالتفكُّر تارة، وهكذا....سابعاً: اصطحاب بعض كتب أهل العلم، وخصوصاً التفسير؛ حتى يستعانَ به على تدبُّر القرآن.ثامناً: الإقلال من الطعام، والكلام، والمنام؛ فذلك أدعى لرقَّة القلب، وخشوع النفس، وحفظ الوقت، والبعد عن الإثم.تاسعاً: الحرص على الطهارة طيلة وقت الاعتكاف.عاشراً: يحسن بالمعتكفين أن يتواصوا بالحق، وبالصبر، وبالنصيحة، والتذكير، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، والإيقاظ من النوم، وأن يَقْبَل بعضُهم من بعض.وبالجملة فليحرص المعتكف على تطبيق السنَّة، والحرص على كل قربة، والبعد عن كل ما يفسد اعتكافه، أو ينقص ثوابه.ملحوظات سلبية حال الاعتكافأولاً: كثرةُ الزياراتِ وإطالتُها من قبل بعض الناس لبعض المعتكفين، وينتجُ عن ذلك كثرةُ حديثٍ، وإضاعةُ أوقات.ثانياً: كثرةُ الاتِّصالات والمراسلات عبرَ الجوال بلا حاجة.ثالثاً: المبالغةُ في إحضار الأطعمة؛ وذلك يفضي إلى ثِقَلِ العبادة، وإيذاءِ المصلين برائحة الطعام؛ فالأولى للمعتكف أن يقتصد في ذلك.رابعاً: كثرةُ النومِ، والتثاقلُ عند الإيقاظ، والإساءةُ لمن يوقِظُ من قبل بعض المعتكفين، بدلاً من شكره، والدعاء له.خامساً: إضاعةُ الفرصِ؛ فبعضُ المعتكفين لا يبالي بما يفوته من الخير، فتراه لا يتحرى أوقات إجابة الدعَاء، ولا يحرص على اغتنام الأوقات، بل ربما فاته بسبب النوم أو التكاسل بعضُ الركعاتِ أو الصلوات.سادساً: أن بعض الناس يشجع أولاده الصغار على الاعتكاف، وهذا أمرٌ حسن، ولكنْ قد يكون الأولادُ غيرَ متأدبين بأدب الاعتكاف، فيحصل منهم أذية، وإزعاج، وجلبةٌ وكثرةُ مزاح وكلام، وخروج من المسجد، ونحو ذلك. فإذا كان الأمر كذلك فبيوتهم أولى لهم. هذا وبالله التوفيق ([1])مسند الإمام أحمد أخرجه البخاري (4/269)، في صحيحه كِتَاب صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. باب الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. ومسلم (1174).في صحيحه كتاب الاعتكاف. باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان. سنن ابن ماجه كتاب الصيام. باب في فضل العشر الأواخر من شهر رمضان. النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل([2]) أخرجه البخاري (4/259)، مسلم (1169).([3]) أخرجه البخاري (4/225)، ومسلم (957).([4]) سورة الدخان، الآية: 3، 4.([5]) سورة القدر.([6]) تفسير ابن كثير (8/465).([7]) سبق تخريجه أول الكتاب.([8]) رواه الترمذي (3513) وابن ماجة (3580)، وأحمد (6/171، 182، 183، 208) والنسائي في عمل اليوم والليلة. ص499، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.([9]) تفسير ابن كثير (8/472).[10] صحيح البخاري كِتَاب الدَّعَوَاتِ. باب مَا يَقُولُ إِذَا نَامَ.([11]) أخرجه البخاري (4/217)، ومسلم (1159).([12]) مجموع الفتاوى (22/308).([13]) انظر: لطائف المعارف ص219، فتح الباري (4/269).([14]) تقدم تخريجه.([15]) رواه مالك في الموطأ (1/116)، وانظر له ولما قبله (الصيام) للفريابي ص129، وما بعدها.[16] صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. باب الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ[17] في هذا الحديث الصحيح استحباب الإسراع إلى الصلاة عند خشية الشر كما قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة) وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وأمر من رأى في منامه ما يكره أن يصلي[18] مسند الإمام أحمد صحيح البخاري كِتَاب فَضَائِلِ الْقُرْآنِ. باب كَيْفَ نَزَلَ الْوَحْيُ وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُهَيْمِنُ الْأَمِينُ الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ.صحيح مسلم كتاب التفسير.([19])مسند الإمام أحمد البخاري (4/250)،في صحيحه كِتَاب الْإِيمَانِ بَاب تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ الْإِيمَانِ. كِتَاب صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ باب فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ.ومسلم (759). في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها. باب التَّرغيب في قيام رمضان وهو التَّراويح. موطأ الإمام مالك أبواب الصلاة باب قيام شهر رمضان وما فيه من الفضل سنن الترمذي كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب التّرْغِيبِ في قِيَامِ رَمَضانَ وما جَاءَ فِيهِ مِنْ الفَضْل. سنن أبي داود، كتاب الصلاة. باب في تمام قيام شهر رمضان سنن النسائي كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب ثواب من قام رمضان إيماناً واحتساباً.([20]) رواه أبو داود (4/248)في سننه كتاب الصلاة. باب في تمام قيام شهر رمضان. ، والترمذي (3/520)في سننه كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب ما جَاءَ في قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَان ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.، والنسائي (3/203)في سننه كتاب السهو. باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف ، وابن ماجة (1/420)في سننه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها. باب ما جاء في قيام شهر رمضان.([21]) رواه مالك في الموطأ (1/115) وسنده صحيح، والسائب بن يزيد صحابي صغير، وفروع جمع فرع وهو أعلى الشيء، يعني بذلك أنهم لا يقضون صلاتهم لطول القيام إلا قرب الفجر، انظر: جامع الأصول (6/123)، والمنتقى للباجي (1/209).[22] البداية والنهاية([23]) أخرجه أبو داود (4/308)في سننه باب في الدعاء بعد الوتر. والنسائي (3/224) فى سننه كتاب قيام الليل وتطوع النهار. باب التسبــيح بعد الفراغ وابن ماجة (1171)، وأحمد (5/123)، وغيرهم وهو حديث صحيح.[24] صحيح مسلم كتاب الصلاة. باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة.([25]) أخرجه الترمذي (2912) وقال حديث حسن صحيح وقد جاء هذا الحديث من عدة طرق بعضها موقوف وبعضها مرفوع. انظر: الصحيحة للألباني رقم (660).([26]) رواه البخاري (1/30)، ومسلم (3308).([27]) اللطائف ص199.([28]) لطائف المعارف (201، 202).[29] صحيح البخاري كِتَاب فَضَائِلِ الْقُرْآنِ. باب كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كِتَاب الْمَنَاقِبِ باب عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ.([30]) البخاري (4/271)، ومسلم (1171).([31]) سورة البقرة، الآية: 178.([32]) أخرجه البخاري (4/259 فتح) ومسلم (1167).([33]) رواه أبو داود (7/144)، بإسناد جيد على شرط مسلم، انظر الإرواء (4/139).([34]) أخرجه البخاري (4/278)، ومسلم (2175).
34527
| 30 يوليو 2013
في يسر الإسلام وسماحته يقول تعالي " وما جعل عليكم في الدين من حرج " الحج / 78 " يريد الله أن يُخَفِّف عنكم وخُلق الانسان ضعيفاً " النساء / 28. وفي الحديث "إن الدين يُسر " صحيح البخاري كتاب الإيمان. باب: الدين يسر. ولأمر ما وسط آيات الصيام قال تعالي " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "البقرة : 185. واليسر من السهولة ومنه اليسار للغِنى ويُقال لليد اليسرى يُسرى تفاؤلاً لأنه يسهل الأمر لصاحبها بِمُعاونتها لليُمنى . ومظاهر اليسر كثيرة منها :1- أنه تعالي جعل الصوم أياماً محدودة معدودة قال تعالي " أياماً معدودات " البقرة : 184 . أي مُقدَّرة بعدد معلوم قال تعالي : " دراهم معدودة " يوسف : 20 . أي قليلة وفي ذلك كما قال القفال رحمه الله تعالى فيه (تنبيه لسعة فضله ورحمته).ومن هذه المظاهر. 2- أنه تعالي نهى عن الوصال فيه حيث جعله إلى غروب الشمس قال تعالي " ثُمَّ أتموا الصيام إلى الليل "البقرة: 187. قالت عائشة - رَضِيَ الله عنها - : الليل غاية الصوم . وفي الصحيح "إذا أقبل الليل وأدبر النهار، وغابت الشمس، فقد أفطر الصائم".أخرجه أحمد في المسند وأورده مسلم في صحيحه كتاب الصيام. باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار. وفي هذا نهي عن الوصال ؛ لأنه يضعف الجسد ويميت النفس، ويضعف عن العبادة.3- التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة، كقوله تعالى: "علم أن لن تحصوه فتاب عليكم" [المزمل: 20] يعني خفف عنكم. وقوله عقيب القتل الخطأ: "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله" [النساء: 92] يعني تخفيفا، لأن القاتل خطأ لم يفعل شيئا عامدا قاصدا تلزمه التوبة منه حيث لم يتعمد هدم بنيان الله تعالى ولا إزهاق روح أبدعها الله تعالى ، وقال تعالى: "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة" [التوبة: 117] ولم يكن من النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - ما يوجب التوبة منه. فالتوبة في كل هذه الآيات بمعني التخفيف وقد تأتي التوبة بمعنى الإباحة والرخصة ، وعلى هذا المعنى قد أحلَّ الله تعالى للصائم في ليله الرفث إلى نسائه وقد كان ذلك من قبل حراماً بحيث إذا أدرك الصائم النوم قبل إصابته ما يريد من أهله فقد حرم عليه ذلك إلى اليوم التالي والرفث : كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة قال تعالي " أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" البقرة: 187. روى البخاري في صحيحه كتاب الصوم. باب: قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم من حديث البراء رَضِيَ الله عنه قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل اللّه تعالى: "علم اللّه أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم" البقرة: 187.يقال: خان واختان بمعنى من الخيانة، أي تخونون أنفسكم بالمباشرة في ليالي الصوم. ومن عصى اللّه فقد خان نفسه إذ جلب إليها العقاب. وقال القتبي: أصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه. وسماه خائنا لنفسه في قوله تعالى (تختانون أنفسكم ) البقرة: 187.من حيث كان ضرره عائدا عليه، وذكر الطبري: أن عمر رضي اللّه تعالى عنه رجع من عند النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - وقد سمر عنده ليلة فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت له: قد نمت، فقال لها: ما نمت، فوقع بها. وصنع كعب بن مالك - رَضِيَ الله عنه - مثله، فغدا عمر - رَضِيَ الله عنه - على النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - فقال: أعتذر إلى اللّه وإليك، فإن نفسي زينت لي فواقعت أهلي، فهل تجد لي من رخصة؟ فقال لي: (لم تكن حقيقا يا عمر) فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن. وذكره النحاس ومكي، وأن عمر نام ثم وقع بامرأته، وأنه أتى النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - فأخبره بذلك فنزلت: "علم اللّه أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن" البقرة: 187"4- ومن مظاهر يسر الإسلام في تشريع الصوم أنه تعالي أسقط الصوم عمن يجدون مشقة في القيام به ( وهذا على رأي البعض) ممن يرون سقوطه بالكلية على فهم لقوله تعالى (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) البقرة 286 .قال الله تعالى قد فعلت. كما في صحيح مسلم من حديث ابن عباس - رَضِيَ الله عنهما - قال: لما نزلت "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء. فقال النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- "قولوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا" قال، فألقى الله الإيمان في قلوبهم. فأنزل الله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا (قال: قد فعلت) ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا (قال: قد فعلت) واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا (قال: قد فعلت) البقرة/ آية-286]. أخرجه مسلم كتاب الإيمان. باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق.5- ومن مظاهر يسر الإسلام في تشريع الصوم أنه تعالي عدل بأصحاب الأعذار المؤقتة إلى حين زوال هذه الأعذار قال تعالى " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدَّة من أيام أُخر " . البقرة: 184.وقد قبل تعالى ذلك منهم قضاء كما قبله من غيرهم أداء. 6- ومن مظاهر يسر الإسلام في تشريع الصوم أنه عدل بأصحاب الأعذار الدائمة إلى البدل وهو الفدية قال تعالى " وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين ". البقرة: 184. مثل الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة والحامل والمرضع إذا تتابع حملهما وإرضاعهما والمسافر سفرا دائما كالسائق والمريض مرضا مُزمنا. روي عن أبي هريرة رَضِيَ الله عنه قال: من أدركه الكبر فلم يستطع أن يصوم فعليه لكل يوم مد من قمح. وروي عن أنس بن مالك رَضِيَ الله عنه أنه ضعف عن الصوم عاما فصنع جفنة من طعام ثم دعا بثلاثين مسكينا فأشبعهم.7- ومن مظاهر يسر الإسلام في تشريع الصوم أنه في القضاء للصائم له أن يُتابع وله أن يُفرِّق بين أيام القضاء قال أبو عبيدة رضي الله عنه ( لم يُرخص لكم في الفطر وهو يريد أن يُشق عليكم في القضاء إن شئت فواتر وإن شئت ففرِّق ) وعلى استحباب التتابع جمهور الفقهاء. وإن فرقه أجزأه، وبذلك قال مالك والشافعي رَضِيَ الله عنهما. والدليل على صحة هذا قوله تعالى : "فعدة من أيام أخر" البقرة: 184. هكذا بإطلاق ولم يخص أو يحدد متفرقة من متتابعة، وإذا أتى بها متفرقة فقد صام عدة من أيام أخر، فوجب أن يجزيه". قال ابن العربي: إنما وجب التتابع في الشهر لكونه معينا،( قلت لقوله تعالى " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " البقرة: 185 .وقد عدم التعيين في القضاء فجاز التفريق. لما قال تعالى: "فعدة من أيام أخر" البقرة: 184.دل ذلك على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان، لأن اللفظمسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض8- ومن مظاهر يسر الإسلام في تشريع الصوم أنه في البلاد القطبية التي يكون فيها الليل نصف سنة في القطب الشمالي بينما يكون في القطب الجنوبي على العكس من ذلك تماما أباح لهم الشرع يُسراً منه تعالى ولرحمته الواسعة أن يقْدروا لزمن الصوم نهاراً وليلاً نهارا وليلاً وهكذا مُدَّة تُساوى مُدَّة شهر رمضان والتقدير يكون على البلاد المُعتدلة الأقرب إليهم ، أو البلاد التي وقع التشريع فيها كمكة والمدينة . وذلك أمارة يُسر الإسلام .وذلك قياسا على الصلاة أيام فتنة الدجال فعندما أخبر النبي - صَلَّى الله عَلَيْه و آلِه وَسَلَّم – عن لبثه في الأرض قال - صَلَّى الله عَلَيْه و آلِه وَسَلَّم -: "أَرْبَعُونَ يَوْماً، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: "لاَ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ".. قلت وكذا الصوم يُقدر للنهار قدره فيصام ولليل قدره فيفطر فيه والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.9- ومن مظاهر يسر الإسلام في تشريع الصوم أن القضاء للأيام التي أفطرها المسلم لمرض أو لسفر على التراخي وليس على الفور ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي اللّه عنها قالت: يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول اللّه، أو برسول اللّه - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -. في رواية: وذلك لمكان رسول اللّه - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -. وهذا نص وزيادة بيان للآية. وذلك يرد على داود قوله: إنه يجب عليه قضاؤه ثاني شوال. ومن لم يصمه ثم مات فهو آثم عنده، وقال بعض الأصوليين: إذا مات بعد مضي اليوم الثاني من شوال لا يعصي على شرط العزم. والصحيح أنه غير آثم ولا مفرط، وهو قول الجمهور، غير أنه يستحب له تعجيل القضاء لئلا تدركه المنية فيبقى عليه الفرض. هذا وقد كان ذلك منها - رَضِيَ الله عنها - للرخصة والتوسعة على عباد الله تعالى رحمة منه عز وجل بهم وقد كان ذلك بمحضر ومشهد من رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- فضلا عن أنه -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- كان يصوم معظم شعبان فلا حاجة له فيهن - رَضِيَ الله عنهن - في النهار وثالثة هي أنه إذا جاء شعبان يضيق وقت القضاء فإنه لا يجوز تأخيره عنه وفيه كذلك إشارة إلى أن حقوق الزوج من حسن العشرة وتمام الخدمة يقدم على سائر الحقوق ما لم يكن فرضا محصورا في الوقت. وهذا أيضا وجه من أوجه اليسر في الإسلام. فحقوق العباد تقوم على المشاحة بينما حقوق الله تعالى تقوم على المسامحة.10-ومن مظاهر اليسر في الإسلام في تشريع الصوم أنه شرع الكفارة جبرا للخلل الذي وقع ممن أفسد صومه بمجامعة أهله نهارا عامدا بله شرع له أن يُطعم عياله من كفارته التي أقطعه إياها ففي صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. / باب: متى تجب الكفَّارة على الغني والفقير. من حديث أبي هريرة رَضِيَ الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - فقال: هلكت. قال: (ما شأنك). قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: (تستطيع أن تعتق رقبة). قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين). قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً). قال: لا. قال: (اجلس). فجلس، فأتي النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - بعرق فيه تمر - والعرق المكتل الضخم - قال: (خذ هذا فتصدق به). قال: أعلى أفقر منا؟ فضحك النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - حتى بدت نواجذه، قال: (أطعمه عيالك).11- ومن مظاهر اليسر عدم مشروعية الوصال للحديث الصحيح: " لو مُدَّ بي الشهر، لواصلت وصالاً يدع المتعمِّقون تعمُّقهم"). أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التمنِّي. باب: ما يجوز من اللَّو. وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الصيام. باب النهي عن الوصال في الصوم. ولهذا النص أولى بالمسلم أن يستمسك بالكِتَاب وَالسُّنَّةِ. ويقف حيث أوقفه رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- وذلك لمَا يُكْرَهُ في الشرع الحنيف مِنْ التَّعَمُّقِ وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ.. وقال - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -: (إياكم والوصال إياكم والوصال) تأكيدا في المنع لهم منه، أخرجه البخاري كتاب الصوم. باب: التنكيل لمن أكثر الوصال..وعلى كراهية الوصال - لما ذكرنا ولما فيه من ضعف القوى وإنهاك الأبدان - جمهور العلماء. وقد حرمه بعضهم لما فيه من مخالفة الظاهر والتشبه بأهل الكتاب، قال - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -: (إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر). أخرجه مسلم كتاب الصيام. باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر. وأبو داود. في سننه كتاب الصيام. باب في توكيد السحور والمعنى أن السحور هو الفارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب لأن الله تعالى أباحه لنا إلى الصبح بعد ما كان حراماً علينا أيضاً في بدء الإسلام وحرمه عليهم بعد أن يناموا أو مطلقاً ومخالفتنا إياهم تقع موقع الشكر لتلك النعمة وفيه اعلام بأن هذا الدين يسر ولا عسر فيه، وفي صحيح البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب الْوِصَالِ وَمَنْ قَالَ لَيْسَ فِي اللَّيْلِ صِيَامٌ. من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ الله عنه - أنه سمع رسول اللّه - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - يقول: (لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) قالوا: فإنك تواصل يا رسول اللّه؟ قال: (لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم وساق يسقيني). قالوا: وهذا إباحة لتأخير الفطر إلى السحر، وهو الغاية في الوصال لمن أراده، ومنع من اتصال يوم بيوم، وبه قال أحمد وإسحاق وابن وهب صاحب مالك.واحتج من أجاز الوصال بأن قال: إنما كان النهي عن الوصال لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام، فخشي رسول اللّه - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - أن يتكلفوا الوصال فيفتروا أو يضعفوا عما كان أنفع منه وهو الجهاد والقوة على العدو، وهو أعلى المقامات في الطاعة ومع حاجتهم إليه في ذلك الوقت . وكان هو -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- يلتزم في خاصة نفسه الوصال وأعلى مقامات الطاعات، فلما سألوه عن وصالهم أبدى لهم فارقا بينه وبينهم، وأعلمهم أن حالته في ذلك غير حالاتهم فقال: (لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني). فلما كمل الإيمان في قلوبهم واستحكم في صدورهم ورسخ، وكثر المسلمون وظهروا على عدوهم، واصل أولياء اللّه وألزموا أنفسهم أعلى المقامات واللّه أعلم. قلت: ترك الوصال مع ظهور الإسلام وقهر الأعداء أولى، وذلك أرفع الدرجات وأعلى المنازل والمقامات، والدليل على ذلك ما ذكرناه من الأدلة آنفا . وأن الليل ليس بزمان صوم شرعي، حتى لو شرع إنسان فيه الإمساك عن المفطرات بنية الصوم ما أثيب عليه، ثم لما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم وهو على عادته -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- كما أخبر عن نفسه، وهم على عادتهم حتى يضعفوا ويقل صبرهم فلا يواصلوا. وهذه حقيقة التنكيل حتى يدعوا تعمقهم وما أرادوه من التشديد على أنفسهم. فكان تركه أولى هذا وبالله التوفيق
60733
| 30 يوليو 2013
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
4116
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1740
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1590
| 02 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1410
| 06 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
1311
| 07 ديسمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1185
| 01 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1158
| 04 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1149
| 03 ديسمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
897
| 03 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
651
| 05 ديسمبر 2025
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...
609
| 04 ديسمبر 2025
في مايو 2025، قام البابا ليو الرابع عشر،...
555
| 01 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية