رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
◄ رجل من حملة القرآن الكريم لم يسبق له حضور علم ولم يعاشر العلماء ولم يعرف شيئاً في اللغة العربية ، شرع في قراءة تفسير القرآن وشيئاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لطائفة من العوام ، وعندما يقرأ الحديث يلحن فيه فهل يحل له ذلك أو لا ؟ وإذا لم يحل أفلا يكون من الواجب منعه من القراءة ؟
► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد وَكَيْفَ يُفَسَّرُ كِتَابُ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ الله تعالى وهو الأعلم بما يُنزِّل, وَكَيْفَ يُفَسَّرُ كِتَابُ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الأعلم بما أنزله الله تعالى عليه، وأوكل إليه مهمة البيان والتوضيح " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[167]" "وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[168]" " وَكَيْفَ يُفَسَّرُ كِتَابُ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، والَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ؟ وقد عاصروا التنزيل وعايشوا ظروف وملابسات تنزُّل الوحي المعصوم عليه صولا الله وسلامه، وقد اختارهم الله تعالى لصحبة رسوله، ومن خلالهم انتشر الإسلام بلاغا وجهادا وتعليما، هذا وقد قال كثير من العلماء بحرمة تفسير القرآن الكريم بالرأي
أولا: لِقَولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. وَفِي رِوَايَةٍ: الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول آلله : قال "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" وفي رواية: "من قال في القرآن بغير ما يعلم جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار".
وروى الترمذي أيضاً عن جندب بن عبدالله عن رسول الله قال " من قال في كتاب الله عز وجل برأيه فأصاب فقد أخطأ " وإن أصاب لأنه يكون من باب القول على الله تعالى بغير علم، ومن باب تأويل كلام الله عز وجل بغير علم حتى وإن أصاب الحق؛ وذلك لأنه يحكم على كل إنسان أن يتكلم وأن يتأول وأن يفسر كلام الله عز وجل بغير علم، فمن تكلم بالقرآن برأيه واجتهاده، وليس من أهل الاجتهاد، ولا من أهل النظر والدراسة والبحث؛ فإن هذا معتد متجرئ على كلام الله عز وجل، حتى وإن أصاب.
وإن ظن أن هذا ظاهر لكل أحد، وفسره بغير رجوعه لكلام أهل العلم، أو لسنة النبي عليه الصلاة والسلام؛ فإن هذا مخطئ وإن أصاب المراد من الآية، أو من الحديث النبوي؛ وذلك لأنه لا يجوز له أن يتكلم في دين الله عز وجل إلا ببينة قوية، وعلم أكيد متين.
ثانيا : لتوقف الصحابة وإحجامهم عن ذلك " فقد سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس/31]. مَا الْأَبُّ؟ فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ؟ لقد توقف الصديق في تفسير أمر من عالم الشهادة، فالْأَبُّ ليس من أمور الغيب، إنما هو من النعم التي أنعم الله بها على عباده، لهذا كان التفسير بمجرد الرأى حراما ولقوله تعالى:" قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
ثالثا: توقف التابعين وإحجامهم عن ذلك أيضا ولقد قال مسروق: " اتقوا التفسير فإنه الرواية عن الله] "
عن ابن مجاهد قال: قال رجل لأبي: أنت الذي تفسر القرآن برأيك؟ فبكى أبي ثم قال: إني إذا لجريء. لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلا من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم رضي الله عنهم.
وَكَيْفَ يُفَسَّرُ كِتَابُ اللَّهِ بِغَيْرِ إلمام بعلوم اللغة ، وآدابها والبلاغة وأنواعها، والصرف والاشتقاق، ومَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَأسبَابِ النُّزُولِ، وسائر أنواع علوم القرآن الكريم ، وعلوم الحديث ، ولعل السبب الذي دفع بهؤلاء العلماء إلى القول بذلك سد الذريعة لمنع الأوهام التي وجدت بتفسير بعض الإمامية، والإسماعيلية، والباطنية، فقد رويت تفسيرات سموها باطن القرآن وجعلوا للباطن باطنا، حتى وصلوا إلى سبعة بواطن، فكان منع التفسير بالرأي دفعًا لهذه الأوهام الباطنية التي أفسدت المعاني القرآنية بتأويلات لَا برهان عليها.
فإذا كان الإسرائيليون قد أدخلوا على التفسير ما ليس بمعقول ولا مقبول، فالباطنيون قد أدخلوا بتأويلاتهم وبواطنهم ما ليس من التفسير في شيء، والله حافظ كتابه من الفريقين، وهو بنوره الساطع يلفظ الخبث كما يلفظ الفلز خبثه في كير النار.
مما سبق يتضح لنا بجلاء كل الوضوح شناعة هذه الجريمة التي يستخف بها البعض ، وتنبئ النصوص عما يرتقب مقترفيها من سوء العاقبة وقبح المآل ، سواء في ذلك المخطئ فيما تهجم به على حرمة كلام الله والمصيب ، لأن موافقة ما قاله وجه الصواب لم تنف عنه تهمة التهجم والقول في دين الله تعالى بغير علم فهو آثم ، وهو والمخطئ قرينان في جهنم وبئس القرار ، فليحذر كل مسلم من السقوط في هذه المهاوي ، وعليه ألا يفسر آية من كتاب آلله إلا إذا كان مستنداً فيما يقول إلى ماسمعه في معناها من عالم أمين على شرع آلله تعالى ، أو يكون قد اطلع على ماكتبه المفسرون المحققون ، أو يكون له من الاطلاع على علم اللغة وأساليب العرب وما أشبه ذلك من الوسائل المساعدة ، وما يُسمي علوم الآلة بالقدر الذي يُمَكنه من التعرض لتحمل هذا العبء، وإلا كان مخاطراً بنفسه، معرضاً لها لسخط آلله في الدنيا، وعذابه في الآخرة، وقانا آلله تعالى من ذلك وحفظنا.
ثم إنه قد يكون القول الذي يسرده في تفسير آية من كتاب الله تعالى مردوداً أو فهمه له على خلاف المراد منه لجهله باللغة العربية، ولاحتمال أن يكون الحديث الذي يرويه موضوعاً فيشيعه في العامة ويدخل الكل تحت الوعيد الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" لهذا كله يحرم شرعاً على هذا الرجل أن يقرأ تفسير القرآن ، وأن يروي حديث خير الأنام صلى الله عليه وسلم اعتماداً على ما سطر في الكتب ، وعلى ولي الأمر والجهات المختصة منعه وزجره والتشديد عليه، حتى لا يعود لمثل هذا المنكر الذي يحسب أنه به يحسن صنعاً وهو وبال عليه، فليدع هذا لأربابه ، نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والتوفيق للعمل على ما يحبه ويرضاه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن والاه.
هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل فى القول والعمل.
والله أعلم.
مكافحة الفساد مسؤولية عالمية
تعكس جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد والتي دخلت عامها العاشر، الأهمية... اقرأ المزيد
90
| 15 ديسمبر 2025
كأس العرب من منظور علم الاجتماع
يُعَدّ علم الاجتماع، بوصفه علمًا معنيًا بدراسة الحياة الاجتماعية، مجالًا تتفرّع عنه اختصاصات حديثة، من أبرزها سوسيولوجيا الرياضة،... اقرأ المزيد
93
| 15 ديسمبر 2025
في زحمة الصحراء!
يُخطئ كثيرون في الظنّ بأن الصحراء مجرد رمال وحصى وحرارة تُنهك الجلد وتخدع الروح، كأنها مكان مُفرغ من... اقرأ المزيد
132
| 15 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1227
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
798
| 10 ديسمبر 2025