رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
سر الاجتهاد في العشر الأواخر طلبُ ليلة العمر بحق
في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر([1]) [رواه البخاري، ومسلم، وفي رواية لمسلم: كان رسول الله r يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره]. مسند الإمام أحمد أخرجه البخاري في صحيحه كِتَاب صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. باب الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ومسلم في صحيحه كتاب الاعتكاف. باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان. سنن ابن ماجه كتاب الصيام. باب في فضل العشر الأواخر من شهر رمضان. النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل
في الحديث إنما الأعمال بالخواتيم والعشر الأواخر خاتمة رمضان فخص صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم آخر رمضان بهذه الأمور الأربعة لقرب خروج وقت العبادة فيجتهد فيه لأنه خاتمة العمل، والأعمال بخواتيمها والأيام بعواقبها. ففي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأخير وإشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة لأن مدار الإيمان على الخاتمة وأن التقصير فيما قبلها مجبور بحسنها فنسأل اللّه حسن الخاتمة * والموت على الهداية والتوبة مما صدر * في البداية والنهاية
وأن يحشرنا في زمرة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. اجتهد صلى الله عليه وآله وسلم في العشر الأواخر أملا في إدراك ليلة القدر فهي سُرَّة العشر الأواخر بل سُرَّة الشهر بل سُرَّة الدهر كلِّه
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله r يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: "تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" وفي رواية: في الوتر من العشر الأواخر من رمضان"([2]) [رواه البخاري، ومسلم].
وفي فضلها جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"([3]) . . . [رواه البخاري ومسلم].
أرأيت من عظيم فضلها من قامها إيماناً واحتساباً غفرت ذنوبه، ونزل في هذا الفضل آيات تتلى إلى يوم القيامة قال تعالى: }إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم{([4]).
وقال تعالى: }إنا أنزلناه في ليلة القدر *وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر*تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر{([5]).
ومن بركتها أن الله تعالى أنزل القرآن فيها، وتنزُّل الملائكة فيها، وأنها خير من ألف شهر، وأنها سلام حتى مطلع الفجر. قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: (تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم) أي: يكثر تنـزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة ينـزلون مع تنـزل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق، تعظيماً له)([6]).
ليلة العمر
هي ليلة عظيمة شرفها الله تعالى، وجعلها خيراً من ألف شهر، في بركتها وبركة العمل الصالح فيها، فهي أفضل من عبادة ألف شهر. وهي عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر
إنها ليلة عظيمة اختارها الله تعالى لبدء تنـزيل القرآن، وعلى المسلم أن يعرف قدرها، ويحييها إيماناً وطمعاً في ثواب الله تعالى، لعل الله عز وجل أن يغفر له ما تقدم من ذنبه. وقد حذّر النبي r من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها لئلا يحرم المسلم من خيرها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم"([7]).
وعلى الإنسان أن يكثر من الدعاء في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر. ويدعو بما أرشد إليه النبي r أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما قالت يا رسول الله: أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"([8]).
قال ابن كثير رحمه الله: (ويستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات. وفي شهر رمضان أكثر. وفي العشر الأخير منه. ثم في أوتاره أكثر. والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني")([9]).
فاللهم إنا نسألك خير هذه الليلة فتحها ونصرها وبركتها ونورها وهداها ونعوذ بك من شرها ،أحسن الله عاقبتنا في الأمور كلها وجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاه والحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخصها دون غيرها بمزيد الطاعة والعبادة من صلاة وذكر وتلاوة قرآن.
الأمور الأربع التي خص بها الرسول صلوات وسلامه عليه العشر الأواخر
قد وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها نبينا وقدوتنا محمداً r في العشر الأواخر بأربع صفات:
الأولى: قولها (أحيا الليل) أي: سهره فأحياه بالطاعة، وأحيا نفسه بسهره فيه، وأضافه إلى الليل اتساعا لأن القائم إذا حيى باليقظة أحيي ليله بحياته ، وأحيا الليل :أي غالبه، أو كله، والظاهر غالبه ، لخبر عائشة ما علمته قام ليلة حتى الصباح ولم يرو صريحاً أنه عليه الصلاة والسلام ترك النوم في الليل جميعه. لأن النوم أخو الموت، ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم لما سئل: أفي الجنة نوم؟ قال: (لا النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها). أخرجه الدارقطني. فالنوم أخو الموت - لانقطاع العمل فيه ، النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل - والانتباه نشور وحياة ويدل عليه أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه عن حذيفة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور".[10]
والحكمة في إطلاق الموت على النوم أن انتفاع الإنسان بالحياة إنما هو لتحري رضا الله عنه وقصد طاعته واجتناب سخطه وعقابه، فمن نام زال عنه هذا الانتفاع فكان كالميت فحمد الله تعالى على هذه النعمة وزوال ذلك المانع
النوم أخو الموت ، والميت لا يصلي ويؤيده ما رواه مسلم: (مثل البيت الذي يذكر اللَّه فيه والبيت الذي لا يذكر اللَّه فيه كمثل الحي والميت)وعلى هذا فمعنى: "أحيا الليل " فيه استعارة الإحياء للاستيقاظ أحياه بالقيام والتعبد لله رب العالمين، وأما ما ورد من النهي عن قيام الليل كلّه الوارد في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه([11])، فهو محمول على من دوام عليه جميع ليالي السنة([12]).أفاده النووي في شرحه لصحيح مسلم
من مفاسد كثرة النوم
فإنه يورث الغفلة والشبهات وفساد المزاج الطبيعي والنفساني ويكثر البلغم والسوداء ويضعف المعدة وينتن الفم ويولد دود القرح ويضعف البصر والباه حتى لا يكون له داعية للجماع ويفسد الماء ويورث الأمراض المزمنة في الولد المتخلق من تلك النطفة حال تكوينه ويضعف الجسد، هذا في النوم في غير وقت العصر والصبح ، أما النوم في وقتهما فإنه أعظم ضرراً لأنه يفسد كيموس صحة حكم عين المزاج المادي والصوري ولا يمكن استقصاء وحصر مفاسده في العقل والنفس والروح ومنها أنه يورث ضعف الحال بحكم الخاصية. والنوم بالنهار أكثر ضرراً من النوم بالليل طباً. قال ابن سينا: النوم بالنهار رديء جداً وتركه لمن اعتاده أردأ وذلك لأنه خرج عن نظام الكون الرباني ،"وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا"الفرقان: 47 . "وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا"النبأ : 9 + 10. "وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْل" الأنعام/60- " وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ"الروم/23}
الثانية: قولها (وأيقظ أهله) أي: أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن؛ ليشاركنه اغتنام الخير والذكر والعبادة في هذه الأوقات المباركة. وحتى لا يتكلن على كونهن أزواج صلى الله عليه وآله وسلم
الثالثة: قولها (وجدّ) أي: اجتهد في العبادة زيادة على عبادته في العشرين الأوّلين. وذلك لأن في العشر الأواخر ليلة القدر.
الرابعة: قولها (وشدّ المئزر) أي: جدّ واجتهد في العبادة. وقيل: اعتزل النساء، وهذا أظهر لعطفه على ما قبله. ، وبذلك جزم عبد الرزاق عن الثوري، واستشهد بقول الشاعر:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم عن النساء ولو باتت بأطهار
ولحديث أنس رضي الله عنه: (وطوى فراشه واعتزل النساء)([13])، وقد كان r يعتكف العشر الأواخر والمُعْتَكِف ممنوعٌ من النساء. قال تعالى "ولا تباشروهن أنتم عاكفون في المساجد"البقرة:187
فلتحرص – أخي المسلم – على هذه الأربع متحليا بالصبر على طاعة الله تعالى، فى هذا الشهر صياما وقياما فهي – والله – فرصة العمر، وغنيمة الدهر لمن وفقه الله تعالى. وما يدري لعل الإنسان تدركه فيها نفحة من نفحات المولى فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة.
كان السلف الصالح يطيلون صلاة الليل تأسياً بنبيّهم r،
وقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يطيلون صلاة الليل تأسياً بنبيّهم r، يقول السائب بن يزيد (أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبيّ بن كعب وتميماً الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر)([14])، والزيادة في العشر الأواخر يحمل على التطويل في التلاوة والزيادة فيها دون الزيادة في عدد الركعات . وعن عبد الله بن أبي بكر قال: (سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر)([15]).
والمؤمن في رمضان يجاهد نفسه: بالنهار صياما وبالليل قياما إلى آخر هذه الطاعات التي لا تجتمع إلا في رمضان فمن وفي هذه العبادات حقها فهو من الصابرين الذين يوفَّون أجرهم بغير حساب.
إن هذه العشرة هي ختام الشهر، والأعمال بخواتيمها. ولعل الإنسان يدرك فيها ليلة القدر وهو قائم لرب العالمين، فيغفر له ما تقدم من ذنبه.
وعلى الإنسان أن يحث أهله وأولاده وينشطهم ويرغبهم في العبادة. والاستفادة من ساعات الليل، والحذر من ضياعها في القيل والقال في المجالس المحرمة والاجتماعات الآثمة نسأل الله السلامة والعافية
مسؤولية الرجل عن قيام الأهل والأولاد والخدم بإحياء الليل
قال تعالى :"يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"التحريم/6
فالرجل مطالب بأن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. يعلمهم الحلال والحرام، ويجنبهم المعاصي والآثام، إلى غير ذلك من الأحكام ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم). يخبر أهله وأولاده بأوقات الصلاة ووجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجب
وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول: (قومي فأوتري يا عائشة). وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله امرأ قام من الليل فصلى فأيقظ أهله فإن لم تقم رش وجهها بالماء. رحم الله امرأة قامت من الليل تصلى وأيقظت زوجها فإذا لم يقم رشت على وجهه من الماء). ومنه قوله صلي الله عليه وسلم: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ[16])[17]. وهذا وإن ورد على أزواج المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ونبه بأمرهن بالاستيقاظ على أنه لا ينبغي لهن التكاسل والاعتماد على كونهن أزواجه {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون}المؤمنون: 101 ويدخل هذا في عموم قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى" [المائدة: 2]. وذكر القشيري أن عمر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية: يا رسول الله، نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟. فقال: (تنهونهم عما نهاكم الله وتأمرونهم بما أمر الله). وقال مقاتل: ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه. قال الكيا: فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب. وهو قوله تعالى: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" [طه: 132]. ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: "وأنذر عشيرتك الأقربين". [الشعراء: 214]. وفي الحديث: (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع).وقال عليه السلام: (ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن)
حتى الخدم : في سير أعلام النبلاء للذهبي "أَنَّ سَعِيْدَ بنَ جُبَيْرٍ قَالَ: لاَ تُطْفِئُوا سُرُجَكُم لَيَالِيَ العَشْرِ - تُعْجِبُهُ العِبَادَةُ - وَيَقُوْل: أَيْقِظُوا خَدَمَكُم يَتَسَحَّرُوْنَ لِصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ."هذا في النوافل فما البال في الفرائض.
وزوج البنت : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ: " {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] ، كَانَ يجيءُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَابِ عَلِيٍّ صَلاةَ الْغَدَاةِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، يَقُولُ: الصَّلاةُ رَحِمَكُمُ اللَّهُ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها (4/ 148)"
كلما اقترب المتسابقون من خط نهاية السباق جدوا واجتهدوا فالعبرة بالخواتيم
البدار البدار إلى اغتنام العمل فيما بقي من الشهر، فعسى أن يستدرك به ما فات من ضياع العمر.
ومما يؤسف عليه أن ترى بعض الناس يقبل على الأعمال الصالحة في أول الشهر من الصلاة والقراءة ثم ما يلبث سريعا أن يفتر والعبرة بالخواتيم وأفراد السباق ما إن يقتربون من خط النهاية إلا وينشطون أشد من ذي قبل ، عن أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ وَفَاتِهِ، حَتَّى تُوُفِّيَ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [18]فعلى الإنسان أن يواصل الجد والاجتهاد ويزيد في الطاعة إذا أخذ شهره في النقص، فالأعمال بخواتيمها " "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ"المطففين:26.
ومما يؤسف له أيضا أن نسبة لا بأس بها من المسلمين يسهرون ليلهم في اللهو واللعب ، وبعض النوادي لا يحلو لها إقامة الدورات الرياضية إلا في رمضان وفي العشر الأواخر منه وفي الليل حتى ساعات متأخرة من الليل،
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله r يقول: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه . ."([19]). [رواه البخاري، ومسلم].
إيماناً واحتساباً :أي يحمله على ذلك الإيمان بالله وإرادة وجهه وطلب الأجر منه عز وجل لا الرياء وغيره.
والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدد، وإنما قيل فيمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه لأنه له حينئذ أن يعتد عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به قاله في النهاية.
في هذا الشهر تجتمع عدة طاعات لا تجتمع في غيره من صيام وقيام واعتكاف وصدقة وتلاوة .
قال ابن عطاء الله : لوّن الله تعالى لنا الطاعات من صلاة وصوم وحج وغيرها لئلا تسأم نفوسنا تكرماً وتفضلاً لأن النفس لو كلفت بحالة واحدة في زمن واحد ملت ونفرت وبعدت من الانقياد للطاعة فرحمها الله سبحانه وتعالى بالتنويع وحجر علينا الصلاة في أوقات ليكون همنا إقامة الصلاة لا وجود الصلاة فما كل مصل مقيم.
وقد يعبر عن الصلاة بالقيام؛ يقال: فلان يقوم الليل أي يصلي؛ ومنه هذا الحديث الصحيح
وهو دليل على مشروعية قيام رمضان. وأنه من أسباب مغفرة الذنوب. ومن صلى التراويح كما ينبغي فقد قام رمضان. والمغفرة مشروطة بكون القيام : "إيماناً واحتساباً" ومعنى "إيماناً" أي: أنه حال قيامه مؤمناً بالله تعالى وبرسوله r، مصدقاً بوعد الله، وبفضل القيام، وعظيم أجره عند الله تعالى. ومحتسباً الثواب عند الله تعالى لا بقصد آخر من رياء ونحوه.
فعلى المسلم أن يحرص على صلاة التراويح مع الإمام ولا يفرط في شيء منها. ولا ينصرف قبل إمامه. لقول النبي r: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"([20]). فما هي إلا ليالٍ معدودة يغتنمها العاقل قبل فواتها.
يقول السائب بن يزيد: (أمر عمر بن الخطاب أبّي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين، حتى نعتمد على العصيي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر)([21]).
وكان الأوزاعي - رحمه الله - يقول: من أطال القيام في صلاة الليل هوّن الله عليه طول القيام يوم القيامة، أخذ ذلك من قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً * إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} [الإنسان: 26- 27][22]
وإذا سلّم المصلي من الوتر قال: (سبحان الملك القدوس) ثلاثاً، يمد بها صوته ويرفع في الثالثة.
لثبوت ذلك عن النبي ([23]).
ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة، وخرجن محتشمات غير متبرجات بثياب زينة ولا طيب. وصلين بخشوع وخضوع. منـزهات بيوت الله تعالى عن اللغو ورديّ الكلام، من غيبة أو نميمة أو نحوهما، لعلّهن أن يسلمن من الإثم. ويحظين بثواب الله تعالى.
وفى خروجهن لصلاة العشاء والتراويح بغير طيب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُوراً، فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ".[24]
وأخرج ابن عبد البر عن أبي سلمة، وأبي هريرة مرفوعاً: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر.
صور قيام الليل كثيرة
لعب الورق وقيام الليل
ليس من صور قيام الليل : لعب الورق ولا مشاهدة المسلسلات ، ولا متابعة الأفلام ، وإنما كل ذلك من تلبيس إبليس الإنس ، أو إبليس الجن من غير المردة إذ المردة مقيدون كما ثبت في الصحيح ،
"أتاكُمْ شَهْرُ رَمَضانَ شَهْرٌ مُبارَكٌ فَرَضَ الله عَلَيْكُمْ صِيامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أبْوابُ الجَنَّةِ وتُغْلَقُ فِيهِ أبوابُ الجَحِيمِ وتُغَلُّ فِيه مَرَدَةُ الشَّياطينِ وَفيهِ لَيْلَةٌ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَها فَقَدْ حُرِمَ "صحيح الجامع حديث رقم: 55 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - فبذلك يشغلون الناس ويلهونهم عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة .
وإنما صور قيام الليل التي بها تحيا القلوب منها :
1-استقبال الليل وتوديعه بتوبة صادقة مع الله تعالى "للحديث " عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الله عز وَجل يبسط يَده بِاللَّيْلِ ليتوب مسيء النَّهَار، ويبسط يَده بِالنَّهَارِ ليتوب مسيء اللَّيْل، حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا " الجمع بين الصحيحين (1/ 320)
2-وصلاة العشاء والفجر في جماعة ، للحديث الصحيح فى ذلك. عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ" نصب الراية (2/ 24)
3-وصلاة التراويح ، لما أخرجه ابن عبد البر عن أبي سلمة، وأبي هريرة مرفوعاً: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر.
4-التهجد ولا يكون إلا بعد نوم ،قال تعالى:" وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً" الإسراء/79
5-الاستغفار – ولا سيما - في ثلث الليل الأخير لآيتي آل عمران والذاريات ، يقول تعالى :" لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" آل عمران/15 وقال تعالى:" إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ *كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" الذارايات/15-18
6- الدعاء لآية السجدة، يقول تعالى :" تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون" السجدة/13 وللحديث الصحيح عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الآخر، يَقُول من يدعوني فأستجيب لَهُ، من يسألني فَأعْطِيه من يستغفرني فَأغْفِر لَهُ ". وَعند مسلم "إِن الله يُمْهل حَتَّى إِذا ذهب ثلث اللَّيْل الأول نزل إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول: هَل من مستغفرٍ، هَل من تائب، هَل من سائلٍ، هَل من داعٍ، حَتَّى ينفجر الْفجْر ".الجمع بين الصحيحين (3/ 78)
7- التفكر في خلق السموات والأرض لآية آل عمران ،قال تعالى "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ "}آل عمران/190-194 كان النبي صلوات الله وسلامه يقرأ هذه الآيات من الليل وهو يقلب النظر في السماوات والأرض ويقول ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتفكر فيها.
8- التلاوة لكتاب الله تعالى ،للحديث الصحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ - رضي الله عنهما – أَنَّ رسول الله r قَالَ: الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِصَاحِبِهِمَا يَوْمَ القِيَامَةِ. يَقُوْلُ الصِّيَامُ: يَا رَبِّ، إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ، وَالشَّرَابَ، وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيْهِ. وَيَقُوْلُ القُرْآنُ: يَا رَبِّ، إِنِّي مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيْهِ، فَيُشَفَّعَانِ فِيْهِ "
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال: سمعت رسول الله r يقول: "من قرأ حرفاً من كتاب الله. فله به حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها لا أقول: (آلم) حرف، ولكن (ألف) حرف (ولام) حرف، و(ميم) حرف"([25]). فينبغي للصائم أن يكثر من تلاوة القرآن في هذه الأيام المباركة والليالي الشريفة، فإن لكثرة القراءة في رمضان مزية خاصة ليست لغيره من الشهور، ليغتنم شرف الزمان في هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن، فشهر رمضان شهر القرآن ، وقراءة القرآن في ليالي رمضان لها مزية، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع الهمم ويتواطأ القلب واللسان على التدبر، والله المستعان. وقد ثبت أن جبريل كان يلقى النبي r كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن([26]). صحيح البخاري كتاب بدء الوحي كِتَاب بَدْءِ الْخَلْقِ. باب ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ.كِتَاب الْمَنَاقِبِ باب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما سبق تعظيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن فيه، ثم معارضته ما نزل منه فيه، ويلزم من ذلك كثر، نزول جبريل فيه.وفي كثرة نزوله من توارد الخيرات والبركات ما لا يحصى، ويستفاد منه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة.وفيه أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير. وفيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره، وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم لأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية
وقد أفادنا هذا الحديث استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك وعرض القرآن على من هو أحفظ له([27]).
نماذج من أحوال السلف في قيام الليل وإحيائه بالقرآن الكر يم
وقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان وكانوا إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحداً. وكانوا يقرأون القرآن في الصلاة وخارجها. كان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة. وكان بعض السلف يختمه في قيام رمضان في كل ثلاث ليال. وبعضهم في كل سبع وبعضهم في كل عشر.
كان الأسود بن يزيد النخعي يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان. وكان قتادة يختم القرآن في كل سبع دائماً، وفي رمضان كلّ ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة. وأخبارهم في ذلك مشهورة.
وقد ورد في فضيلة الختم
عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال: إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلّت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه آخر الليل صلّت عليه الملائكة حتى يُمسي. قال الدارمي: هذا حسن رواه أبو داود ، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه وله شواهد في التذكار، للقرطبي، ومسند الفردوس للديلمي ، والحلية لأبي نعيم
قال الحافظ بن رجب رحمه الله: (إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقلّ من ثلاث على المداومة على ذلك. فأما الأوقات المفضلة كشهر رمضان، وخصوصاً الليالي التي تطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره)([28]).
ومن قعدت به الشواغل وأعباء الحياة عن الإكثار من التلاوة فلا أقل من أن يختم مرتين خلال الشهر الكريم للحديث الصحيح قال صلوات ربي وسلامه عليه
"إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ"[29]
والمعارضة مفاعلة من الجانبين كأن كلا منهما كان تارة يقرأ والآخر يستمع.
ولولا التصريح بأنه كان يعرضه مرة واحدة وفي السنة الأخيرة عرضه مرتين لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلة ثم يعيده في بقية الليالي.
فيقرأ كل ليلة جزءا من القرآن في جزء من الليلة، والسبب في ذلك ما كان يشتغل به في كل ليلة من سوى ذلك من تهجد بالصلاة ومن راحة بدن ومن تعاهد أهل، ولعله كان يعيد ذلك الجزء مرارا بحسب تعدد الحروف المأذون في قراءتها ولتستوعب بركة القرآن جميع الشهر
اللهم أيقظنا لتدارك بقايا الأعمار، ووفقنا للتزوّد من الخير والاستكثار، واجعلنا ممن قبلت صيامه، وأسعدته بطاعتك فاستعدّ لما أمامه، وغفرت زلله وإجرامه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد..
الاعتكاف في العشر الأواخر
وفي العشر الأواخر يشرع الاعتكاف لما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله r يعتكف العشر الأواخر من رمضان"([30])، [رواه البخاري ومسلم].
من ألوان الاجتهاد في العشر الأواخر الاعتكاف في المساجد لهذا الحديث فله فائدة عظيمة، فهو عزلة مؤقتة عن أمور الحياة وشواغل الدنيا وانعكاف على الذات . وإقبال بالكلية على الله تعالى.وقد كانت هذه سنته صلى الله عليه وآله وسلم حتى توفاه الله عزّ وجل.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان، عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما"صحيح البخاري.كتاب الاعتكاف. باب الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ.
والاعتكاف ليس خاصا بهذه الأمة، بل كان معروفا من قبل، يدل عليه قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [سورة البقرة، الآية (125) ] .
وما فعله الرسول r على وجه الطاعة والقربة فهو مندوب لنا ليس واجبا بالإجماع – إلا إذا نذره المسلم - إنما هو قربة من القرب ونافلة من النوافل، عمل بها رسول الله r وأصحابه وأزواجه رضي الله عنهم، ويتأكد في رمضان. ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جماعة لقول الله تعالى: }وأنتم عاكفون في المساجد{ ([31]).قال القرطبي في تفسيره:(أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد) فإن تيسر أن يكون في مسجد تقام فيه الجمعة فهو أحوط لأن من أهل العلم من يشترط ذلك.
والاعتكاف: لزوم مسجد على وجه القربة من شخص مخصوص بصفة مخصوصة،
ويدخل معتكفه قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين – وعلى قول جمهور أهل العلم – لحديث أبي سعيد – رضي الله عنه – عن النبي r، وفيه: ".. من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر.."([32]) ويؤيد ذلك أن من مقاصد الاعتكاف التماس ليلة القدر، وهي ترجي في أوتار العشر، وأولها ليلة إحدى وعشرين
المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفاً في مسجده لقوله تعالى "}ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد "البقرة/187ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بُدّ له منها، فلا يحل له أن يثبت فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك، من قضاء الغائط أو الأكل، وليس له أن يقبِّل امرأته، ولا أن يضمها إليه، ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه، ولا يعود المريض لكن يسأل عنه وهو مارّ في طريقه
وهكذا فلا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإنسان الضرورية كالاغتسال إن أصابته جنابة بالاحتلام، وكالبول والغائط إذا لم يوجد في المسجد حمام يقضي حاجته فيه ويغتسل. وله أن يخرج ليأتي بطعامه إذا لم يكن هناك من يأتيه به. قالت عائشة رضي الله عنها: (السنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجته التي لابد منها)([33]).
أما خروجه لطاعة لا تجب عليه كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك فلا يفعله، إلا إن اشترط ذلك في ابتداء اعتكافه – على أحد القولين – والله أعلم.
وإن مرض أثناء اعتكافه فإن كان يسيراً بحيث لا تشق معه الإقامة في المسجد كصداع ووجع ضرس وعين ونحوهما من الأمراض التي لا تلزم الفراش فهذا لا يجوز له الخروج؛ لإمكانه تعاطي بعض الأدوية وهو في مكانه فإن خرج بطل اعتكافه.
وإن كان المرض شديداً بحيث تشق معه الإقامة في المسجد لحاجته إلى الفراش والخادم، ومعاودة مراجعة الطبيب، فهذا يباح له الخروج لحاجته إليه. فإذا شفي رجع وبنى على اعتكافه، ولم يؤسس من جديد والله أعلم.
وعلى المعتكف أن يدرك حكمة الاعتكاف فيقضي وقته مصليا تاليا ذاكرا، مذاكرا ، مهللا ، مستغفرا ، تائبا ولا بأس أن يتحدث قليلاً بحديث مباح مع أهله أو غيرهم لمصلحة، لحديث صفية رضي الله عنها: قالت: (كان النبي r معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي . . . الحديث"( وفي الصحيحين أن صفية بنت حيي كانت تزور النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو معتكف في المسجد، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت لترجع إلى منزلها، وكان ذلك ليلاً، فقام النبي صلى اللّه عليه وسلم يمشي معها حتى تبلغ دارها، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة، فلما كان ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم أسرعا (وفي رواية) تواريا - أي حياءً من النبي صلى اللّه عليه وسلم لكون أهله معه - فقال لهما صلى اللّه عليه وسلم : "على رسلكما إنها صفية بنت حيي" (أي لا تسرعا واعلما أنها صفية بنت حيي أي زوجتي) فقالا: سبحان اللّه يا رسول اللّه! فقال صلى اللّه عليه وسلم : "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال شراً" [34]) (رواه البخاري ومسلم) قال الشافعي رحمه اللّه: أراد عليه السلام أن يعلِّم أمته التبري من التهمة في محلها، لئلا يقعا في محذور، وهما كانا أتقى للّه من أن يظنا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم شيئاً. والله أعلم. في أواخر آيات الصيام من سورة البقرة جاء الحديث عن الاعتكاف "..وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ.." البقرة/187 ففي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام، في آيات الصيام هنا كما رأينا إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام ولا سيما في آخر شهر الصيام، كما ثبت في السنّة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الحديث معنا أنه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه اللّه عزّ وجلّ، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
المقصود من الاعتكاف والحكمة من مشروعيته
وأما المقصود منه فهو جمع القلب على الله تعالى بالخلوة مع خلوّ المعدة والإقبال عليه تعالى والتنعم بذكره والإعراض عما عداه.
قال ابنُ القيم رحمه الله مبيناً المقصود من الاعتكاف :(وشرع لهم الاعتكافُ الذي مقصودهُ وروحهُ عكوفُ القلبِ على الله _تعالى_ وجَمْعِيَّتُهُ عليه، والخلوةُ به عن الاشتغال بالخلق، والاشتغَالُ به وحده سبحانه؛ بحيث يصير ذكرُه، وحبُّه، والإقبالُ عليه في محلِّ هموم القلب، وخطراتهِ؛ فيستولي عليه بدلَها، ويصير الهمُّ كلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكرُ في تحصيل مراضيه، وما يُقرِّب منه؛ فيصير أُنْسُهُ بالله بدلاً عن أنسه بالخلق؛ فَيُعِدُّهُ بذلك لأُنسه به يومَ الوحشةِ في القبور حين لا أنيسَ لَه، ولا ما يَفْرَحُ به سواه؛ فهذا مقصودُ الاعتكافِ الأعظم)
آداب الاعتكاف
وهذه جملةٌ من الآداب يحسن بالمعتكفين مراعاتُها، والأخذُ بها؛ ليكون اعتكافُهم كاملاً مقبولاً بإذن الله.
أولاً: استحضارُ النيَّةِ الصالحةِ، واحتسابُ الأجر على الله_عز وجل_.
ثانياً: استشعارُ الحكمةِ من الاعتكاف، وهي الانقطاع للعبادة، وجَمْعِيَّةُ القلب على الله _عز وجل_.
ثالثاً: ألا يخرج المعتكفُ إلاَّ لحاجته التي لا بد منها.
رابعاً: المحافظةُ على أعمال اليوم والليلة من سنن وأذكار مطلقة ومقيَّدة، كالسنن الرواتب، وسنَّة الضحى، وصلاة القيام، وسنَّة الوضوء، وأذكار طرفي النهار، وأذكار أدبار الصلوات، وإجابة المؤذن، ونحو ذلك من الأمور التي يحسن بالمعتكف ألا يفوته شيء منها.
خامساً: الحرصُ على الاستِيقاظ من النوم قبل الصلاة بوقتٍ كاف، سواء كانت فريضة، أو قياماً؛ لأجل أن يتهيأ المعتكف للصلاة، ويأتِيَها بسكينة ووقار، وخشوع.
سادساً: الإكثار من النوافل عموماً، والانتقالُ من نوع إلى نوع آخر من العبادة؛ لأجل ألا يدبَّ الفتور والملل إلى المعتكف؛ فَيُمْضِيَ وقته بالصلاة تارة، وبقراءة القرآن تارة، وبالتسبيح تارة، وبالتهليل تارة، وبالتحميد تارة، وبالتكبير تارة، وبالدعاء تارة، وبالاستغفار تارة، وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تارة ،وبـ: لا حول ولا قوة إلا بالله تارة، وبالتدبُّر تارة، وبالتفكُّر تارة، وهكذا....
سابعاً: اصطحاب بعض كتب أهل العلم، وخصوصاً التفسير؛ حتى يستعانَ به على تدبُّر القرآن.
ثامناً: الإقلال من الطعام، والكلام، والمنام؛ فذلك أدعى لرقَّة القلب، وخشوع النفس، وحفظ الوقت، والبعد عن الإثم.
تاسعاً: الحرص على الطهارة طيلة وقت الاعتكاف.
عاشراً: يحسن بالمعتكفين أن يتواصوا بالحق، وبالصبر، وبالنصيحة، والتذكير، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، والإيقاظ من النوم، وأن يَقْبَل بعضُهم من بعض.
وبالجملة فليحرص المعتكف على تطبيق السنَّة، والحرص على كل قربة، والبعد عن كل ما يفسد اعتكافه، أو ينقص ثوابه.
ملحوظات سلبية حال الاعتكاف
أولاً: كثرةُ الزياراتِ وإطالتُها من قبل بعض الناس لبعض المعتكفين، وينتجُ عن ذلك كثرةُ حديثٍ، وإضاعةُ أوقات.
ثانياً: كثرةُ الاتِّصالات والمراسلات عبرَ الجوال بلا حاجة.
ثالثاً: المبالغةُ في إحضار الأطعمة؛ وذلك يفضي إلى ثِقَلِ العبادة، وإيذاءِ المصلين برائحة الطعام؛ فالأولى للمعتكف أن يقتصد في ذلك.
رابعاً: كثرةُ النومِ، والتثاقلُ عند الإيقاظ، والإساءةُ لمن يوقِظُ من قبل بعض المعتكفين، بدلاً من شكره، والدعاء له.
خامساً: إضاعةُ الفرصِ؛ فبعضُ المعتكفين لا يبالي بما يفوته من الخير، فتراه لا يتحرى أوقات إجابة الدعَاء، ولا يحرص على اغتنام الأوقات، بل ربما فاته بسبب النوم أو التكاسل بعضُ الركعاتِ أو الصلوات.
سادساً: أن بعض الناس يشجع أولاده الصغار على الاعتكاف، وهذا أمرٌ حسن، ولكنْ قد يكون الأولادُ غيرَ متأدبين بأدب الاعتكاف، فيحصل منهم أذية، وإزعاج، وجلبةٌ وكثرةُ مزاح وكلام، وخروج من المسجد، ونحو ذلك. فإذا كان الأمر كذلك فبيوتهم أولى لهم. هذا وبالله التوفيق
([1])مسند الإمام أحمد أخرجه البخاري (4/269)، في صحيحه كِتَاب صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. باب الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. ومسلم (1174).في صحيحه كتاب الاعتكاف. باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان. سنن ابن ماجه كتاب الصيام. باب في فضل العشر الأواخر من شهر رمضان. النسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل
([2]) أخرجه البخاري (4/259)، مسلم (1169).
([3]) أخرجه البخاري (4/225)، ومسلم (957).
([4]) سورة الدخان، الآية: 3، 4.
([5]) سورة القدر.
([6]) تفسير ابن كثير (8/465).
([7]) سبق تخريجه أول الكتاب.
([8]) رواه الترمذي (3513) وابن ماجة (3580)، وأحمد (6/171، 182، 183، 208) والنسائي في عمل اليوم والليلة. ص499، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
([9]) تفسير ابن كثير (8/472).
[10] صحيح البخاري كِتَاب الدَّعَوَاتِ. باب مَا يَقُولُ إِذَا نَامَ.
([11]) أخرجه البخاري (4/217)، ومسلم (1159).
([12]) مجموع الفتاوى (22/308).
([13]) انظر: لطائف المعارف ص219، فتح الباري (4/269).
([14]) تقدم تخريجه.
([15]) رواه مالك في الموطأ (1/116)، وانظر له ولما قبله (الصيام) للفريابي ص129، وما بعدها.
[16] صحيح البخاري كِتَاب الْإِيمَانِ. باب الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ
[17] في هذا الحديث الصحيح استحباب الإسراع إلى الصلاة عند خشية الشر كما قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة) وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وأمر من رأى في منامه ما يكره أن يصلي
[18] مسند الإمام أحمد صحيح البخاري كِتَاب فَضَائِلِ الْقُرْآنِ. باب كَيْفَ نَزَلَ الْوَحْيُ وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُهَيْمِنُ الْأَمِينُ الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ.صحيح مسلم كتاب التفسير.
([19])مسند الإمام أحمد البخاري (4/250)،في صحيحه كِتَاب الْإِيمَانِ بَاب تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ الْإِيمَانِ. كِتَاب صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ باب فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ.ومسلم (759). في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها. باب التَّرغيب في قيام رمضان وهو التَّراويح. موطأ الإمام مالك أبواب الصلاة باب قيام شهر رمضان وما فيه من الفضل سنن الترمذي كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب التّرْغِيبِ في قِيَامِ رَمَضانَ وما جَاءَ فِيهِ مِنْ الفَضْل. سنن أبي داود، كتاب الصلاة. باب في تمام قيام شهر رمضان سنن النسائي كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب ثواب من قام رمضان إيماناً واحتساباً.
([20]) رواه أبو داود (4/248)في سننه كتاب الصلاة. باب في تمام قيام شهر رمضان. ، والترمذي (3/520)في سننه كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب ما جَاءَ في قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَان ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.، والنسائي (3/203)في سننه كتاب السهو. باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف ، وابن ماجة (1/420)في سننه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها. باب ما جاء في قيام شهر رمضان.
([21]) رواه مالك في الموطأ (1/115) وسنده صحيح، والسائب بن يزيد صحابي صغير، وفروع جمع فرع وهو أعلى الشيء، يعني بذلك أنهم لا يقضون صلاتهم لطول القيام إلا قرب الفجر، انظر: جامع الأصول (6/123)، والمنتقى للباجي (1/209).
[22] البداية والنهاية
([23]) أخرجه أبو داود (4/308)في سننه باب في الدعاء بعد الوتر. والنسائي (3/224) فى سننه كتاب قيام الليل وتطوع النهار. باب التسبــيح بعد الفراغ وابن ماجة (1171)، وأحمد (5/123)، وغيرهم وهو حديث صحيح.
[24] صحيح مسلم كتاب الصلاة. باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة.
([25]) أخرجه الترمذي (2912) وقال حديث حسن صحيح وقد جاء هذا الحديث من عدة طرق بعضها موقوف وبعضها مرفوع. انظر: الصحيحة للألباني رقم (660).
([26]) رواه البخاري (1/30)، ومسلم (3308).
([27]) اللطائف ص199.
([28]) لطائف المعارف (201، 202).
[29] صحيح البخاري كِتَاب فَضَائِلِ الْقُرْآنِ. باب كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كِتَاب الْمَنَاقِبِ باب عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ.
([30]) البخاري (4/271)، ومسلم (1171).
([31]) سورة البقرة، الآية: 178.
([32]) أخرجه البخاري (4/259 فتح) ومسلم (1167).
([33]) رواه أبو داود (7/144)، بإسناد جيد على شرط مسلم، انظر الإرواء (4/139).
([34]) أخرجه البخاري (4/278)، ومسلم (2175).
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4200
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1812
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1752
| 04 ديسمبر 2025