رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

تقديم

في أحد الأيام كتبت لشاب أراد كلمة طيبة، من أجل نص عادي لم أحسه متقدما، بحيث يضيف إليّ شخصيا، وإلى منظومة الحكي نفسها، قلت له: كل ما في النص يجعله نصا، لكني لست منبهرا، ولعل اختلاف التذوق ما جعلني غير راض. فقاطعني صاحب النص وكتب ضدي، وكان من الذين يساندون تجربتي، وبالطبع آلمني ذلك وتمنيت ألا يسألني أحدهم شيئا من ذلك مرة أخرى، وأن يقدم كل صاحب تجربة، تجربته بعيدا عن الوصاية، وتفعيل أدوار لآخرين، ربما هي أكبر منهم.أنا أقولها صراحة وربما قلتها قبل ذلك مرات: إن تفعيل مثل هذه الأدوار الكبيرة، والمتفوقة للمبدعين الذي يحاولون تجويد إبداعهم فقط من دون الاحتكاك بأحد، يزيد من عمليات صناعة الأصنام بشدة، ويحول كثيرين هم في الأصل ودودون ورائعون، ويحبون مساعدة الناس، إلى أشخاص آخرين لن يتمنى أحد أن يلتقيهم بعيدا عما يطالعه من إبداعهم، وأعرف من كان يحمل عصا حقيقية، يهش بها على من يقتحم عزلته المزركشة بالإطراء الكثيف لتجربته، وهناك من يحمل صوتا طاردا، ودائما ينغلق خلف باب كان مفتوحا على مصاريعه من قبل وأغلقته شهوة السيطرة على منابت الإبداع حتى لو كان ذلك وهما.بالنسبة لتقديم الكاتب نفسه عبر المجلات، والصفحات الثقافية، في الصحف اليومية، في بدايات الكتابة، كان الأمر أيضا صعبا للغاية، خاصة أن تلك المجلات والصفحات الثقافية، كانت محدودة العدد، بشكل كبير، ويتولى الإشراف عليها مبدعون برتب عالية في الإبداع، وصحافيون، لا يجدون المعلومات مكومة في صفحات تويتر أو فيس بوك، وتنتظر من يوقظها ويلمها، لينشرها في صحيفة، ولكن يسعون خلف آثار واهية للمعلومات حتى يعثروا عليها وربما لا يعثرون عليها على الإطلاق، لكن كان ثمة اهتمام كبير من الناس، والنص الذي يقهر كل تلك الصعوبات، وينشر في مجلة أو صفحة ثقافية، يظل محفورا في ذاكرة القراء لفترة من الزمن، ولا يضيعه من الذاكرة إلا نص آخر أكثر جدة يأتي فيما بعد. وتأتي مسألة طباعة الكتب نفسها، ولم يكن هناك أكثر تعقيدا منها، لم تكن ثقافة تمويل الكتاب موجودة ولا يحكم مسألة النشر إلا تذوق الناشر شخصيا، أو من يتولى التذوق بدلا عنه، وكان معظم الناشرين من المبدعين أصلا، وأنشأوا دور النشر دعما للإبداع، لذلك كان ديوان شعر مثل: البكاء بين يدي زرقاء اليمامة، مثلا، أول مجموعة لأمل دنقل نهاية الستينات، ونشرتها دار الآداب التي أسسها سهيل إدريس، عملا كبيرا في كل شيء من دفقة الشعر وحلاوته، إلى المعنى الملتصق بكل نص شعري، ومؤكد لن يعبر عمل شعري لا يملك تلك المقومات، ولعل دار العودة بيروت، كانت من دور النشر التي تعلن أنها تحتفي بمبدعين معينين، يقفون على عتبتها الخضراء، كان فيهم درويش وسميح القاسم وأمل جراح وغيرهم.

239

| 21 ديسمبر 2015

الخياط

كنت أملك في خزانة ثيابي الموضوعة في غرفتي الوحيدة بذلتين فصَّلتُهما منذ وقتٍ طويل عند (خ.ر) الذي ينحدر من غرب البلاد، ويمارس الخياطة أمام أحد دكاكين الأقمشة في وسط السوق الكبير. كانت إحدى البذلتين زرقاء غامقة، والأخرى قطيفة رمادية. لا أذكر متى ارتديت بذلةً آخر مرّة وفي أي مناسبة كان ذلك، ولا توجد في حياتي مناسبات تستوجب الأناقة، لكنَّي أخرجت البذلتين من الخزانة، وجدت على الزرقاء بقعةً كثيفةً من دهنٍ جاف، وخمَّنتُ أنني لابدَّ قد ارتديتها في حفل غداء أو عشاء أكلتُ فيه لحماً مدهناً، بينما الرمادية نظيفة تماماً، وتبدو لامعةً برغم عدم الاستعمال. نزعت ثيابي وحاولت ارتداءها، لكن جسدي دخل فيها بصعوبة، وصمّمت أن أعود بها إلى (خ.ر)، أوصيه أن يعيد تفكيكها وخياطتها على قياسي الجديد بعد أن ترهّلتُ وبرز بطني الذي كنت أحتفظ به ضامراً لفترة طويلة. كنت أودُّ تتبّع طقوس الكتابة عند (أ.ت)، ومنها طقس يكتب فيه بكامل أناقته في بهو فندقٍ راقٍ أو صالةٍ للمغادرين في أحد المطارات. بالنسبة للكتابة عارياً، لا توجد مشكلة، والكتابة مشرَّداً في الشوارع، لا توجد مشكلة، والكتابة على سطح قطار أو حافة ترعة أو عند مغنية الزار أمّونة البيضاء، لا توجد مشكلة أبداً، وأستطيع بما لي من صداقات قديمة في السجون والسجانين أن أقضي شهوراً في السجن، إن كانت روايتي التي سأكتبها تستدعي ذلك. طويتُ البذلة، وضعتها في كيس من أكياس التسوّق الكبيرة، لا أعرف كيف دخل بيتي، ولم أتسوّق من قبل بحجم ذلك الكيس، حيث كان تسوّقي محدوداً جدّاً، ولابدّ أن الكيس أتى برفقة العمة (ث)، حين كانت تزورني وتطعمني وتغسل ثيابي حتى استطعت النهوض من جديد. وقفت أمام الخيَّاط (خ.ر)، والكيس في يدي. كان مشغولاً بتناول شطيرة من الجبن الأبيض تناثرت بعض محتوياتها على قميص أصفر عالق بماكينته من دون أن ينفضها. رفع وجهه إلى وجهي ولم يبتسم. وضع الشطيرة على القميص ومدّ يداً خشنةً مقشّرة الأصابع لمصافحتي من دون أن ينهض من مكانه. في الماضي كان الخياط يترك ماكينته، يهرول باتجاهي حين أظهر في مرمى رؤيته، يحيّيني بعبارات لا يُحيَّا بها إلا كبار الشخصيات في الدولة، ويبدو متلهفاً لأخذ قياساتي بدقة، وغالباً ما يسلّمني قميصي أو بنطلوني، الذي أحضره قماشاً، مخيطاً ومكوياً قبل أن أغادر السوق، وأحياناً يتنازل عن أجرته بإصرارٍ غريب. لن أتذمّر من ضياع وظيفتي وساقي، ولن أعتبر اليد الباردة التي مدّها الخياط، ولم تبقَ داخل يدي سوى لحظة فقط، يداً باردة. أنا في مهمة تغذية الطقوس لأكتب رواية، والآن يعرف الجميع أنني خارج الخدمة، ووطّنت نفسي على هذا. فتحت الكيس وسلّمته البذلة طالباً تعديلها حتى تناسب قوامي المعدَّل. تسلّمها بلا حماس، وضعها أسفل مقعده المصنوع من البلاستيك الأبيض، وبحركات غير متحمسة أيضاً ربط مقياساً من القماش على صدري وخصري وفخذي وظهري، ودوَّن قراءاته على ورقة متَّسخة، كانت مكوَّرة على الأرض أمامه، التقطها وقام بفردها.

372

| 14 ديسمبر 2015

انتظار

تتضفّر إلفة الغرابة بشدة، يخترع الصباح زواراً، وسائلين، وحاملي لغةً فضولية وأطفالاً أشقياء، يخترع المساء شهوته في البن، في الثرثرة، في عرض التفاهات: عن ولادة الماعز، احتضار قط، وختان صبيٍّ في عِشّةٍ ما. يخترع الليل وصفته: الظلام، الخوف، الصراع... وجبروتي ملتصق، والجد متعكّز، والرزينة تنتظر أن ينطق ولد الحُور بتلك الجملة التي تنتظرها: – أريد الزواج منك. كم قدحاً من بنّ الصباح والضحى شربت؟ كم طبقاً من عصائد الدخن والحميض أكلت؟ كم كوباً من مرطبات الهجليج شربت؟ كم مرةً طرقت الباب؟ كم مرةً فتحنا؟ كم مرةً دخلت؟ كم مرةً تجولت بعينيك في وجهي في قميصي في مسامات جلدي... كم مرة؟ انطقها... انطقها.تقاوم التوهان، تسير في وحل أم حراب حين تجفّ وطأة المطر ويبدو في التربة تماسكٌ يتقبّل قدميها الرقيقتين، تهشّ الدجاج، تهشّ القطط، الكلاب التي تسعى إلى الإلفة، تصادق الفتيات الصغيرات، واللائي في سنها، ترى الأمهات يهمسن، يتبسمن، يكشّرن، ترى الرجال يتوقفون عن انهماكٍ أو ثرثرةٍ ويلعقونها، ترى الرديم الذي فارقته، موجوداً، ومتوفراً. بائعو حلوى «الدرادم» اللزجة، بائعو حمّصٍ محروق، أكواخ بيع الأسرّة، أزيار الفخار. ترى ألوان قوس قزح، وولد الحُور، ظلّ المستكشفة، دليلها في اختراق المجهول، ولكن أي مجهول في تلك المساحة المحددة؟ وصرخة الملدوغ تُسمع كاملةً، وآلام المخاض تُعرف كلها، وسكرات الموت لا تخفى على أحد. وفي وصفه للريف كان صانع الطبول يقول: « هو البيت المفتوح، الذي يسكنه الجميع، ولكن كلٌّ في غرفة غيره». تلمح يرقات قول تتكوّن على طرف لسان ولد الحُور لكنها لا تنمو إلى شرانق، لا تنتهي قولاً كاملاً. تقترب الرزينة بلسانها، تسأله: – هل من شيء تودّ قوله يا جبروتي؟ – نعم هناك الكثير. يخفق قلبها بشدة، لا بدّ أن الكثير الذي يعنيه هو القليل الذي تريده، فقط تلك الجملة وينتهي الأمر... تقبل بلا شروط. – قل إذن. قل إذن، وتتوقع الآن أن يكون جبروتي هو الخاطب الجديد للرقة الجديدة في الريف الجديد... أريد الزواج منك كما قلت سابقاً. يشير إلى بيتٍ منعزلٍ ومتهالكٍ وغارقٍ في الوحل: – في هذا البيت ولدت، وولد إخواني كلهم، لكننا هجرناه مؤخراً وبنينا واحداً جديداً، سيعجبك. هل هي حصة للتذكّر؟ حصة لسرد تاريخٍ عائلي قد يهمها أن تعرفه، ثم تأتي الخطوة الأخيرة؟ قلها، قلها أرجوك. تستغرب كيف انطفأ فانوس الغطرسة القديم واتّقد مكانه فانوسٌ أخرق، وكيف تقلّصت قناعات الدنيا كلها في قناعة هي في الواقع غير مجزية. تحثّه بالعيون، بالنظرات، باهتمامها المفتعل ببيت إرثه، بسؤالها عن عدد أخوته، عن أعمارهم، بألوانه المفضلة، باللغو. – هل هناك شيءٌ آخر؟ * نعم، أمي تريد رؤيتك.

310

| 07 ديسمبر 2015

من خامات الكتابة المعالج

كان الرجل الذي قدم إلينا، في تلك الأمسية، بوصفه شيخا واصلا، ومعالجا روحيا كبيرا ومعروفا، في زيارة للبلاد، قصيرا بعض الشيء، ممتلئ الجسم، يرتدي ثوبا رماديا طويلا، وعمامة بيضاء لفها على رأسه بإتقان، كان يبدو ثابت النظرات، وممتلئا ثقة، وما أن انتهى الصديق الذي استضافنا في بيته، من تقديمه إلينا حتى انهمر يتحدث عن نفسه بسخاء. قال إنه تخصص في علاج كل شيء، عالج ملوكا ورؤساء، وموظفين كبارا في دول عديدة، ولدرجة أنه لم يعد إلى بيته منذ خرج منه، قبل ثلاث سنوات، وأخرج من محفظة جلدية، كانت في جيبه، ورقة مطوية فردها أمامنا، وكانت تحوي خطابا مكتوبا بخط اليد، وموقعا من أحد الأعيان الخليجيين، يشهد بكفاءته، ويزكيه، ويصفه بالعلامة الشيخ.بدا لي الرجل في تلك اللحظة، شخصية روائية بالفعل، قطعا أستفيد منها، وكنت دائما أتتبع مثل تلك الشخصيات، وإن عثرت على إيحاء قوي، أكتبها. معالج للأمراض، يخرج من بيته منذ ثلاث سنوات ولا يعود، ولو دخل نصا روائيا، ستمتلئ تلك السنوات بأحداث كثيرة وغريبة بلا شك، وربما تتكون فيها حياة اجتماعية جديدة للرجل في أماكن متعددة بعيدة عن بيته، كنت محتاجا لاختبار ما، أخفض به من تلك الغطرسة، وأعرف أنها غطرسة خواء، وليست غطرسة امتلاء، ولطالما كان الخاوون يبدون بامتلاء زائف.نظرت إلى الرجل بتأن، وقلت بصوت هادئ: سيدي، أعاني من تقلب المزاج، والأرق في كثير من الليالي، وأنوي أن أهجر الكتابة نهائيا، هل تساعدني في ذلك؟انتصب في جلسته أكثر، وابتسم، قال:- أبشر، اعتبر نفسك لست كاتبا منذ الآن، سأكتب لك عدة عبارات على ورقة، اختر منها واحدة في سرك وضع أمامها علامة واطوها، وسأخبرك ماذا اخترت.انتزع ورقة من دفتر كان أمامه على الطاولة، كتب عليها:* الحارس أضاع الكرة.* أمك طبخت ملوخية.* باب النجار مخلع.* ما بعد الشدة إلا الفرج.* الحمام المشوي لذيذ.* النساء مزعجات.قدم إليّ الورقة، وقرأت العبارات وفهمت على الفور أنه وضع عبارة الشدة والفرج وسط هذه الفوضى لأختارها، وابتسمت بخبث. وضعت علامة أمام: أمك طبخت ملوخية، وطويت الورقة وقدمتها له.قال: لقد اخترت "ما بعد الشدة إلا الفرج"، هاهي. فتح الورقة وهو يمررها أمام الحاضرين، ثم قلبها، وطالعته: أمك طبخت ملوخية.ما حدث بعد ذلك، كان سريعا، تلون وجهه بأصباغ شتى، وهو يشاهد سخرية الحاضرين، ويسمع ضحكاتهم. نهض حاملا دفتره، وخرج من بيت الصديق.

362

| 23 نوفمبر 2015

بعض منتديات الثقافة

اعتدت من حين لآخر، أن أعرج على منتديات الثقافة المنتشرة عبر شبكة الإنترنت، والتي ربما أنشأها مثقفون حقيقيون، أو رعاة للثقافة بغرض متابعة كل ما هو جديد، أو إتاحة الفرصة لكل من يرغب في جرعة مختلفة أن يحصل عليها في تلك المنتديات. هذا شيء إيجابي لا بد من تشجيعه، سواء بالمتابعة المستمرة، أو المشاركة الفعلية بالكتابة والنقد، وقد عثرت بالفعل على عدد ليس بالقليل من كتاب وشعراء من جيلنا أو الجيل الذي سبقنا، يشاركون بنصوصهم وآرائهم، دون أن يجدوا في ذلك أي حرج.لكن ماذا تقول تلك المنتديات، وهل حققت شيئا من أهداف إنشائها؟لقد قرأت جيدا ما يكتب، وقمت بتقسيم ( البوستات ) أو المشاركات التي ترد إلى تلك المنتديات، إلى مشاركات جادة وأخرى لا تمت للثقافة بصلة وإنما كتبها أناس بعيدون عن ذلك الدرب تماما. كانت المشاركات الجادة من نصوص شعرية وقصصية ومداخلات نقدية، تهبط إلى القاع بمجرد ظهورها، قد يتصفحها عشرة أو عشرون، وقد يعلق عليها واحد أو اثنان، لكنها في الغالب لا تصمد حتى لو كانت صياغتها بلغة رفيعة، عالية المستوى. وقد نشر أحدهم مرة فصلا من رواية عظيمة لكاتب يعتز به داعيا القراء إلى تذوقه والتعليق عليه، كان الفصل رائعا ورقراقا ويجب أن يشد المثقفين وكل من يدخل إلى منتدياتهم، لكن للأسف هبط الفصل إلى قاع المشاركات بسرعة كبيرة، ولم يعلق عليه سوى واحد، كان يسمى نفسه: مجنون الرواياات.، ولم يكن تعليقه في مستوى ذلك الجنون. وعندما خاطبني أحدهم مرة قائلا إنه سينشر دراسة عن كتابي الحكائي "سيرة الوجع " في أحد المنتديات الشهيرة، حذرته من أن لا أحد سيهتم وإن كان لا بد من ذلك فلينشرها في إحدى الصحف أو المجلات التي تحمل هم الثقافة، لكن الناقد لم يستمع إلى تحذيري ونشر دراسته، وظلت تقاوم السقوط ليومين إلى أن ماتت مقاومتها وهوت. بالمقابل فوجئت بمشاركة دخلها ثمانون ألف زائر، وعلق عليها خمسة عشر ألفا منهم، وظلت على رأس قائمة المشاركات لمدة عام كامل، لا يزحزحها أحد.. وبدافع الفضول دخلت تلك المشاركة لأكتشف أنها قصيدة بلا معنى ولا طعم، لكن صورة الشاعرة المصاحبة، هي التي أوصلتها إلى ذلك الرقم القياسي.الآن ماذا أستطيع أن أقول لأولئك الموهوبين الجادين الذين يدخلون تلك المنتديات بحثا عن جديد يتذوقونه، أو لغة يتعلمون منها، أو أساتذة كبار يحملون منهم شعلة ضوء ؟هل ننهزم في أعظم إنجاز تواصلي في هذا القرن، ونكتفي بالكتابة الورقية ؟ التي هي أيضا تعاني من المرض ؟ أم نقاتل لاستعادة تلك المنتديات مثقفة كاملة ؟.

575

| 16 نوفمبر 2015

عن الكتب ومعارضها

هذه الأيام، هي أيام معارض الكتب التي ينتظرها الناس في كل عام، ليجددوا مكتبتهم بالإصدارات الجديدة، أو على الأقل، يلمون بما أصدر في عام، في البلاد المختلفة، حيث دائما ما يشارك ناشرون من كل مكان. يوجد معرض في الجزائر، ومعرض الشارقة المعروف بكثافة رواده من دور النشر والزوار، وبعد عشرة أيام سيبدأ معرض الكويت، ثم معرض الدوحة في ديسمبر متزامنا مع المعرض الجديد الذي سيفتتح في دورة أولى في مدينة جدة السعودية. معارض الكتب جزء مهم من أجزاء صناعة الكتاب التي لم تعد صناعة عادية تقوم بها مطابع مغمورة وبلا تقنيات، وفي أزقة مظلمة كما كان في السابق، بل أصبحت بفضل التقنيات الحديثة ووسائل الدعاية والاتصالات، صناعة مهمة مثلها مثل صناعة النفط والإلكترونيات والسيارات وغيرها. صحيح أنها صناعة ما تزال محدودة لدينا، لكن أرى أنها تتقدم باستمرار، وقد بدأت دور النشر التي تشارك في معارض أوروبا وأمريكا، تستلهم أبجديات هذه الصناعة وتطبقها في بلادنا العربية، وقريبا قد يصبح الكاتب استثمارا ناجحا كما هو في الغرب، بمعنى أن ترعى كاتبا وتربية، ويأتيك بعائداته التي هي عائداتك في النهاية.مبدأ استثمار الكاتب والكتاب، هو المبدأ السائد الآن في أوروبا وأمريكا، ليس هناك كاتب لا يأتي بالربح إذا ما استثمر جيدا، ولا كتاب لا يباع ما دامت سبل البيع قد يسرت له. الكتاب ليس بضاعة على الأرفف تنتظر من يعطف عليها، ينفض عنها غبارها، ولكن بضاعة حية تركض مع غيرها من البضائع الاستهلاكية، وتباع في كل المنافذ جنبا إلى جنب مع السكر وملح الطعام. وقد أخبرني ناشر أوروبي أن أي كتاب تصدره داره هو في النهاية كتاب رائج، ليس لأنه ينبغي أن يكون كذلك، ولكن صناعته هي التي تجعله رائجا، عشرات الندوات تقام له، عشرات التوقيعات تقام وفي أي مكان فيه من يستطيع القراءة، مئات الملصقات التي تمتلئ بالزخرفة ومئات المراجعات في كل صحيفة فيها ركن أو زاوية ثقافية، أشرطة فيديو وأقراص مدمجة، وعيون مفتوحة على السينما لإمكانية تحويل الكتاب إلى شريط سينمائي، ونشر إلكتروني لعشاق القراءة من الكومبيوتر، وأشياء أخرى عديدة ربما تشعر القارئ العربي بالدهشة إذا ما طبقت لدينا.أيضا موضوع الوكيل الأدبي الذي تحدثت عنه كثيرا وتمنيت أن تنشأ وكالات أدبية لدينا. الوكيل الأدبي هو مفصل في صناعة الكتاب، على عاتقه تقوم مهمة الترويج للسلعة وضمان حقوق مبتكرها وعلى عاتقه أيضا تقوم مهمة اكتشاف النوابغ في عالم الكتابة وتقديمهم إلى الناشرين الذين يثقون بالوكلاء أكثر من ثقتهم بمسودة تأتيهم عبر البريد، ولا يعرفون عن كاتبها شيئا.

280

| 09 نوفمبر 2015

رأي

من المعروف أن لكل مبدع خصوصية ما في كتابته، بمعنى أنه يكتب ما يخطر على باله من أفكار، في زمن ما، وبأي أسلوب يراه، وحين ينوي نشر كتابته، فهو يختار ما يقنعه شخصيا، فليس كل ما يكتبه المبدع حتى لو كان راسخا في الكتابة يرضيه، وبعض أولئك المبدعين يكتبون مئات الصفحات، ثم يمزقونها ويبدأون في كتابة نفس الفكرة أو فكرة مقاربة من جديد، وبعضهم يحتفظ بكتابته غير المقنعة له أملا في العودة إليها مستقبلا، لإحيائها، أو ربما لمجرد أرشفتها في ذاكرة الورق، وفي حالات أخرى يتم نسيانها تماما، خاصة حين كانت الكتابة تعتمد على القلم والأوراق، وليست مثل كتابة اليوم التي تعتمد على جهاز الكمبيوتر، وإمكانية احتفاظه بكل شيء بعيدا عن التبعثر.لذلك دائما ما نجد الأعمال المنشورة للمبدعين الكبار متقاربة في مستواها الكتابي، ودالة بصورة كبيرة على بصمة المبدع التي ابتكرها، وسحره، ونادرا ما تجد شيئا مختلفا وأقل مستوى. المبدع هنا يقلق، ويتلفت كثيرا، وتنتابه حالة من الذعر إذا أحس بانهيار في نص جديد له، فيعمد إلى تقويته قبل النشر.بالمقابل أيضا نجد نصوصا أخرى غير مكتملة، وتم العثور عليها في أوراق كاتب راحل، كأن نجد فصولا من رواية توقفت في مشهد ما، ولم تتزحزح، أو قصيدة من عدة أبيات، كانت بحاجة إلى نهاية، ولن تأتي، وهكذا يشمل عدم الاكتمال، مسرحيات وحتى لوحات تشكيلية لفنانين.بالنسبة للنصوص المكتملة غير المنشورة، غالبا ما تكون غير مرضية لمبدعها، وخاف من نشرها، لكن لماذا لا تكتمل نصوص قد تكون براقة، وجيدة الصياغة، وتتماشى تماما مع أسلوب المبدع؟هنا عدة أسباب، بعضها مقنع تماما، وبعضها غير مقنع على الإطلاق، لكنها تبقى جميعها أسبابا أعاقت اكتمال نص، وبالتالي حجبت ظهوره للناس حتى رحيل المبدع، خاصة مبدعي الأعمال الروائية، منها أن المبدع يظل يكتب فكرة ما، ويتفانى في كتابتها في عدة فصول، ثم فجأة يكتشف أنها ليست فكرة عظيمة رغم جودة صياغتها، وإن أبطاله المكتوبين تمت كتابتهم من قبل، في أعمال لآخرين، وبالتالي، يتوقف عن الكتابة، ويبدأ في البحث عن فكرة أخرى غير متداولة كثيرة، وبما أن الأفكار موجودة دائما في أي زمان ومكان، وتتجدد في كل يوم بتطور المجتمعات، سيعثر غالبا على فكرة أخرى، ويكتمل النص الجديد ويجد طريقه للنشر.أيضا للانشغال الحياتي دور كبير في عدم اكتمال النصوص، الانشغال بالعمل الوظيفي، في وطن لا يستطيع المبدع فيه أن يعمل مبدعا فقط، ويعتمد في رزقه على إبداعه، لا بد من وظيفة ثابتة، ودخل ثابت يعين على الحياة اليومية، وبذا يضيع وقت طويل في الركض الوظيفي، ويكون النص الذي يكتب، قد توقفت كتابته المتدفقة، وأصبح من الصعب لملمته من جديد، ليتحول إلى نص غير مكتمل، يتم العثور عليه لاحقا في أوراق قديمة. وتأتي مسألة الرحيل الفجائي للمبدعين سببا معقولا وممكنا أن لا تكتمل نصوصهم التي ضاعت بسبب الوفاة المفاجئة، وهذه بالطبع لن تكتمل أبدا، مثلا تلك النصوص المعروفة التي لم تكتمل، للكاتب الفلسطيني الموهوب غسان كنفاني، مثل رواية العاشق، وبرقوق نيسان، نشرت بعد رحيله، في مجلد يضم أعماله الكاملة.

265

| 02 نوفمبر 2015

مع النصوص أحيانا

لاحظت من تعليقات عدد من القراء، في مواقع القراءة المنتشرة على الإنترنت، أن البعض منهم تعاطفوا مع شخصيات معينة، في الأعمال الروائية، وأرادوا استمرار وجود تلك الشخصيات، بنفس تفاصيلها، في حياتهم، وبالتالي لم يكملوا قراءة أعمال بعينها، خوفا من النهاية المحتملة، أو مصير الشخصيات التي أحبوها، وبعضهم وضع نهاية خاصة به، أي نهاية تروقه، بعيدا عن الكاتب.هذا ما سميته الاندماج الكبير مع الأعمال الروائية، بمعنى أن القارئ هنا ليس قارئا فقط، ولكنه موجود داخل النص بطريقة أو بأخرى، وقد جند عواطفه ليكون كذلك. ولن تهمه النهاية الحقيقية للنص الروائي، بقدر نهاية معقولة لوجوده ووجود الشخصيات الأخرى.شخصيا أعتبر مثل هذا القارئ، نقيا إلى أبعد حد، وقد قرأ بكيانه لا بعينيه فقط، ويمكن لو التقى بالكاتب أن يحاوره عن وعي، وربما يضع له مقترحات، يستفيد منها في نصوص قادمة، بعكس القارئ الذي يكمل الكتاب حتى النهاية، ويخرج بانطباعات عادية، ثم ينسى كل شيء بعد ذلك.هذا أيضا ذكرني ببداياتي في القراءة، حين كنت أفعل ذلك مع نصوص بعينها، خاصة تلك التي تبشر بنهايات حزينة لشخوص أحببتها، كنت أقرأ حتى أقترب من النهاية، ثم أترك العمل وأضع نهاية له وحدي، وبذلك بقيت كثير من القصص والروايات بلا نهايات حقيقية عندي، وتقيم في وعيي بالنهيات التي وضعتها.على عكس رأيي، يرى كثيرون أن مثل هذا القارئ، غير ناضج كفاية للتعامل مع الخيال الكتابي، حين يحيله إلى واقع، وبالتالي، يلغي فائدة القراءة المرجوة، ويقول صديقنا الدكتور أحمد خميس، أستاذ المسرح، إن مثل هذا القارئ يحتاج إلى دروس في علم الجمال، حتى يتذوق الأعمال الروائية، بعيدا عن العاطفة.ربما يكون أحمد خميس على حق، لكن في النهاية، يظل مثل هذا القارئ المتفاعل، أفضل كثيرا من القارئ الذي يهمل النص تماما، بعد فراغه من القراءة، أو ذلك الذي ينبش النص، بنية البحث عن عيوب، ربما تكون موجودة، وربما لا تكون، ولأن القراءة هي أذواق وآراء مختلفة، نص يعجب البعض ولا يعجب البعض الآخر، يكون الكاتب في هذه الحالة، عرضة لكل شيء.أخيرا، أعتقد أن وسائل الاتصال الحديثة، بقدر ما سهلت التواصل بين الناس، وإمكانية أن يلتقي الكاتب بقرائه مباشرة من دون وسيط، ومن دون عوائق، قللت أيضا من احترام البعض للكاتب. في الماضي لم يكن يعرف أحد أصلا من قرأه ومن اندمج مع نصه، ومن انتقده، إلا مصادفة حين يعثر على صحيفة فيها رأي، أو يلتقي في ندوة ما بقراء متحمسين لتجربته، أو مناوئين لها، لذلك يظل في معظم الأوقات نظيفا من الصداع والانشغال بالركض خلف مؤلفاته، والتواصل مع الذين يتواصلون معه.

236

| 26 أكتوبر 2015

‫بعض الإيحاءات

‫-١-‫كان ميرزا، رجلا آسيويا غزير الأعوام. كان يتردد على العيادة يوميا، يرتدي ثوبا أزرق داكنا، وغترة من قماش أحمر، اخترعها بنفسه، وصندلا من جلد قديم ممزق، ويحمل في يديه مسجلا معطوبا، وحقيبة بنية، يحرص عليها بشدة ولا يفلتها من يديه أبدا. كانت شكواه واحدة، لا تتغير: قدمي مكسورة ولا أستطيع المشي.‬‫في البداية كنا نأخذ بجدية، نصور ساقه بأشعة اكس، ونردمه بالتحاليل، ولا نعثر على شيء، ثم اعتدتنا على تلك الشكوى، واكتشفت لدهشتي الشديدة بعد ذلك، إن الرجل يمشي عشرات الكيلومترات في اليوم، بساقه تلك، يمشي في الأسواق والطرق الجانبية وال(هاي ويز)، ولم يركب عربة في حياته، وإن توقف له أحد لا يعرفه في الطريق، بنية مساعدته، كان يغضب بشدة، وربما اشتبك مع الرجل في معركة. كان فضولي الآن قد تركز على تلك الحقيبة الغالية، الحقيبة التي يعض عليها الآسيوي ولا يفلتها من يديه، ظللت عشرة أعوام أتتبع تلك الحقيبة، أتمنى أن أرى ما بداخلها، وحاولت في أحد الأيام أن آشدها من يده وأفتحها، لكنه تشنج بشدة، وأخفقت. منذ عدة أيام جاء ميرزا. كان قد يبس، ولا بد تجاوز التسعين، وقد سقط قفل الحقيبة المسن أيضا، واستطعت أن أرى محتوياتها أخيرا: كانت الحقيبة فارغة.‬-٢-كان موسى يعمل معلما، وكان وسيما، وشاعرا رقيقا تخصص في أغنيات الحب والجمال، واشتركنا معا عدة مرات في كتابة القصائد.في أحد الأيام، ولم أكن قد التقيته منذ فترة، جاء إلى المستشفى يبحث عني.كان منظره مؤلما، يرتدي قميصا أبيض متسخا، وسروالا ممزقا من القطيفة السوداء، يلف حول ياقة قميصه حبلا سميكا، بوصفه ربطة عنق، وعلى قدميه صندلا بيتيا منهكا، ويحمل قطعة مربعة من الكرتون، مكتوب عليها بحبر أحمر:تشهد كلية التفاهة، في جامعة الحياة التعسة، أن الأستاذ موسى، قد تخرج فيها بمرتبة الشرف، وأصبح أكبر تافه في العالم.دكتور أمير تاج السرعميد الكلية.وضع قطعة الكرتون أمامي، وصرخ في وجهي، وهو يرتجف: وقع يا سيادة العميد حتى أضعها في برواز وأعلقها على الحائط.وقعت له وأنا مصدوم، وظللت مصدوما، حتى بعد أن مات بعد ثلاثة أشهر -٣-منذ أكثر من سبع سنوات، سلمني آدم مخطوطا لرواية كتبها، وكانت روايته الأولى كما قال. كان في نحو الأربعين، نحيلا وقلقا، لا تستقر عيناه على شيء. طلب مني قراءتها وإبداء رأيي، وظل يطاردني شهرين بالهاتف، ولا أجد وقتا لقراءة الرواية. في أحد الأيام جاء إلى مكتبي، كان متهيجا، وقد نبتت له لحية بيضاء، وقال لي بالحرف الواحد، وهو يلوح بيديه، إنه سيضطر لإيذائي، إن لم أقرأ الرواية. فكرت ساعتها بالإبلاغ عنه، ثم غيرت رأيي، تفرغت يومين وأمسكت بالرواية، لأفاجأ برواية بديعة، كتبت بإخلاص مجنون، رواية كتبها عن بلاده الصومال، عن عريها وتفككها، وجوعها وفقرها، وتلك الحرب المزرية، التي لم تترك حتى حشرات الليل الطنانة، كتبت له صفحتين وأنا منتش، وجاء ليأخذهما، ويسترد مخطوطه.منذ ذلك الحين، لم أر آدم مرة أخرى، ولم أسمع أبدا بتلك الرواية الفريدة.

268

| 19 أكتوبر 2015

رابطة غير المهمين

كان العمل في فندق سواري، كثيفا بشدة في ذلك اليوم، فقد قدم إلى الفندق في أول المساء ثلاثة من الأفارقة، يأتون لأول مرة، ولابد أنهم كانوا مهمين بشدة في بلادهم، أو لعلهم في الدنيا كلها، لأن معظم سكان الغرف، تجمعوا في البهو لتحيتهم، حين عرفوا بوجودهم، زغردت لهم واحدة من عاملات الطبخ زغرودة طويلة صاخبة، واستخدم واحد من الجرسونات صينية حمل الأطباق آلة إيقاع همجية، وظفها لتحيتهم، وحتى مدير الفندق الذي لا يشاهده أحد إلا نادرا، ولا يعرف قسم السيد، من أين يدخل ومن أين يخرج، ولقبه في سره بصاحب البوابة السرية، شوهد في ذلك اليوم، بابتسامة من صنع أسنان أكلها التبغ، ينحني أمامهم باحترام.. كانت هواتفهم المحمولة، ترن داخل جيوبهم بلا توقف، وسواعدهم قوية، وهي تمتد لمصافحة الآخرين، وحين تحدث أحدهم ليشكر الجميع على حفاوتهم، كان باستطاعة قسم السيد أن يسمعه بوضوح، وأن يفهمه، فقد كان يتحدث العربية نظيفة بلا أي شائب أجنبي. انتظر حتى اقترب منه أحد المحتفين، وكان يشعل هاتفه المحمول في وضع التصوير، يطارد الرجال، من زاوية إلى زاوية. سأله بلهفة:ــ من هؤلاء؟كان قد صنفهم سياسيين مرموقين، أو لاعبي كرة معتزلين يعملون سفراء للنوايا الحسنة، تلك الوظيفة التي سمع بها كثيرا ولا يعرف معناها. ثم عاد وصنفهم أعضاء فرقة موسيقية، ربما قدموا لإحياء حفل في البلاد، وكانوا في الواقع لا يشبهون السياسيين، ولا المغنين الذين تضج وجوههم مجونا وصعلكة، وأبعد ما يكونون عن لاعبي الكرة، لأن أجسادهم فيها ترهل، وتعرجات، وعن المستثمرين الغازين للبلاد، الذين ألف وجوههم، وحقائبهم، وأحلامهم التي تندلق حتى لو سعلوا.ــ إنهم يوسفو ودوقاجي والأحدب الأفريقي.ــ ما هي أهميتهم؟ــ إنهم أكثر ثلاثة أشخاص في الدنيا كلها، بلا أهمية على الإطلاق. أنت أهم منهم، أي متسول أهم، أي كانون يشعل فيه الفحم أهم.. أي..قاطعه قسم السيد وقد داهمته دهشة مخبولة، والهاتف الكاميرا، في يد الرجل، وكاميرات أخرى في أيدي رجال ونساء، ما زالت تطارد الزوايا، وتبتدع الصور، أكواب عصير الفراولة في أيدي الجرسونات، وعقود من الورد المتشابك في طريقها إلى الأعناق، وعدد من النزلاء، تزاحموا على كتوف الرجال، وضعوا أيديهم عليها، ليحصلوا على صور تذكارية، كيف؟.ــ تأتي أهميتهم، من كونهم بلا أهمية، هذه هي الحقيقة.ردد حامل الكاميرا الهاتفية، وابتعد محاولا أن يلتقط صورة لأحد الرجال الثلاثة، وهو ينحني ليحكم رباط حذائه).

238

| 05 أكتوبر 2015

الجدة

كانت الجدة عاقبة، التي يسميها أهل حيها العاصفة، ولا يجهرون بذلك الاسم أبدا، مبتهجة بشدة في ذلك اليوم، فقد استطاعت ولأول مرة منذ ثلاثين عاما، أن تأكل اللحم يابسا بلا مشاكل، وتهرس بعض العظام الصغيرة وتبتلعها، بعد أن حصلت على طقم أسنان جديد وناصع، من طبيب أسنان من أهل الخير، كان معتادا أن يمنح مثل تلك الهدايا العينية لبعض المرضى من حين لآخر. وزارها في أول الصباح، فوج من طلاب كلية الطب، كانوا يطرقون أبواب البيوت في الأحياء التي يظنون أنها تفتقر للرعاية الصحية المناسبة، ويسكنها مواطنون ربما لم يروا طبيبا أبداً في حياتهم، يتمرنون على قياس ضغط الدم، ومعدل السكر في البلازما، ويمكن أن يفرقوا بسهولة، بين الهالات السوداء حول العين الناتجة عن إرهاق، وتلك التي هي علامة على مرض داخلي خطير. تناوب التلاميذ فحصها، وأخبروها بابتسامات ومداعبات وقبلات على الرأس العجوز، بأنها امرأة شابة، لا تحمل أي مرض عضال في جسدها، وذلك الانتفاخ المتكرر الذي تحس به في جانب بطنها الأيسر، مجرد رياح هضمية بلا أهمية، ناتجة عن سوء فهم غير متعمد من جانبها، لمعنى التغذية، وفي النهاية نصحوها بضرورة أن تبدو مبتسمة دائما، وأن تحرك ركبتيها أكثر من المعتاد، حتى يختفي عنهما التيبس نهائيا. كانت مبتهجة، وتحاول التفاعل مع أغنية حديثة واسعة الانتشار، ولا تستجيب الأغنية لذوقها الذي تعود على أغنيات رحلت منذ زمن بعيد، وكانت قد صبغت شعرها جيدا، وترتدي قميصا أحمر ضيقا عند الخصر، استعارته من طالبة جامعية تسكن في الجوار، وفي نيتها ألا ترده إلى صاحبته أبدا. وحين زارها حلم يقظة مباغت، أعادها إلى أيام أن كانت عروسا، محناة اليدين والقدمين، ومجهزة للقاء ليلة العمر، لم تطرده، جعلته ينساب بها ناعما سلسا حتى سرير السعادة الذي ما عاد ممتلئا سعادة. شاهدها الحفيد قسم السيد، في تلك الفوضى الشعورية الأخاذة، بعد أن عاد من مهمته التي أكمل جزءها الأول، ولم يستغرب، وما ترك له التعب ذهنا صافيا، يمتص الغرائب، ويستغرب لها، وشاهدته، وكان من المفترض أن تسأله عن غيابه، وأين فسق بليلته؟ ومع من كان؟ ولم تسأله، وبدت اللحظة في مجملها، واحدة من لحظات البيت النادرة، التي لا تتكرر كثيرا.

266

| 28 سبتمبر 2015

مشكلة الكتابة والتلقي

في السطور التالية، أنشر جزءا صغيرا من شهادتي التي دأبت على تقديمها في بعض اللقاءات الأدبية التي تعقد من حين لآخر، وهي تتحدث عن مشكلة الكتابة ومشكلة التلقي. «حتى عهد قريب، كانت مسألة كتابة رواية، ونشرها، والعثور لها بعد ذلك على قارئ نشط يحاورها بصبر، ويغوص فيها كما فعل الكاتب، أمرا في غاية الصعوبة، لم يكن ثمة كتاب رواية كثيرون، ولا وسائل نشر، إلا تلك المطابع الورقية مطموسة الحبر، وعدد محدود من دور النشر في وطننا العربي، يحتفي بأسماء معروفة، ولامعة، ولا يود أن يضيف إليها كاتبا جديدا مهما كانت موهبته، وكان على الذي ابتلي بمرض الكتابة، أن يحمل نصه المكتوب بخط اليد، يدور به من جهة رافضة إلى جهة رافضة، وغالبا ما ينتهي به الأمر، إلى نسيانه تماما، أو نسخه في إحدى المكتبات، وتوزيعه على عدد محدود من الأصدقاء، ربما هم الذين شجعوه أصلا على الكتابة. وإن صادف أن عثر الكاتب على دار نشر ترعى نصه، أو جهة داعمة تمول أمر نشره، فذلك حدث كبير بلا شك، يستوجب الاحتفاء. على صعيد آخر، كانت الصفحات والملاحق الثقافية في الصحف، على قلتها، تحتفي بكل ما يكتب، وأحيانا تنشر أخبارا عن أعمال روائية تصدر قريبا، بينما تكون تلك الأعمال لا تزال مجرد ثرثرة على ألسنة كتابها، أو مخطوطات لم تجد طريقها إلى النشر بعد. وأذكر حين بدأت كتابة روايتي الأولى المسماة (كرمكول)، وكنت طالبا في كلية الطب، هنا في مصر، أكتب الشعر، وأجلس للثرثرة في المقاهي كما يفعل الكتاب، وتحدثت بالطبع عنها، وأنها ستكون روايتي الأولى، أن نشرت إحدى الصحف خبر صدورها عن الهيئة العامة للكتاب، بخطوط عريضة على خلفية سوداء، وحين انتهيت منها بعد أشهر من ذلك، ظللت أحملها كما أحمل كنزا، أقرأ مقاطع منها لكل من أعرفه، وأعرضها على الناشرين واحدا بعد الآخر، دون أن يكلف أحد حتى مد يده، وقراءة صفحة منها ليقرر إن كانت تصلح للنشر، أم لا؟ وكنت محظوظا بشدة، كما أعتقد، لأن أحد الإخوة المثقفين، نظر فجأة بتمعن إلى معصمي الأيسر، وطلب مني أن أريه ساعتي، وكانت من ماركة رولكس الغالية، هدية وصلتني ولا أعرف قيمتها، ثم ليصطحبني ذلك المثقف إلى أحد أماكن الرهن، حيث بقيت تلك الساعة حبيسة هناك، إلى أن استرددت قيمة رهنها من جراء بيع كتابي، وكنت أحمل نسخه في حقيبة على كتفي، أتسلق به القطارات، وباصات النقل العام، وأطوف به أقاليم مصر كلها، أوزعه للطلاب.وكان ما كتب عنه في الصحف، بعد ذلك، قد أسعدني، وكاد أن ينسيني تلك التجربة المريرة، والتي أتذكرها الآن وأستغرب من كوني خضتها، ولو عدت الآن إلى ذلك الزمان، لما فعلت ذلك أبدا، ولما كتبت حرفا إضافيا، لتلك الرواية التي غير نشرها مسار حياتي.

322

| 21 سبتمبر 2015

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

1971

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
قمة جماهيرية منتظرة

حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي...

1329

| 28 ديسمبر 2025

alsharq
الانتماء والولاء للوطن

في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...

1137

| 22 ديسمبر 2025

alsharq
الملاعب تشتعل عربياً

تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في...

1077

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

1053

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تحلو.. وبتوجهاتكم تزدهر.. وبتوجيهاتكم تنتصر

-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...

873

| 25 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

663

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
مشــروع أمـــة تنهــض بــه دولــة

-قطر تضيء شعلة اللغة العربيةلتنير مستقبل الأجيال -معجم...

645

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
احتفالات باليوم الوطني القطري

انتهت الاحتفالات الرسمية باليوم الوطني بحفل عسكري رمزي...

558

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
معجم الدوحة التاريخي للغة العربية… مشروع لغوي قطري يضيء دروب اللغة والهوية

منذ القدم، شكّلت اللغة العربية روح الحضارة العربية...

531

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
التحول الرقمي عامل رئيسي للتنمية والازدهار

في عالم اليوم، يعد التحول الرقمي أحد المحاور...

510

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
لُغَتي

‏لُغَتي وما لُغَتي يُسائلُني الذي لاكَ اللسانَ الأعجميَّ...

447

| 24 ديسمبر 2025

أخبار محلية