رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ترى بعض الاتجاهات والدراسات الدولية أن الدفع بالحصانة القضائية هو في الأصل دفع بعدم الاختصاص الدولي للمحاكم الوطنية، لذلك تجد بعض الأنظمة كفرنسا مثلاً وأيضاً مصر يذهبون إلى أن الحصانات القضائية للدول الأجنبية ورؤسائها وممثليها الدبلوماسيين هي ضمن المبادئ الخاصة بالاختصاص القضائي الدولي، لذلك.. فإنهم يعتبرون الحصانة القضائية قيداً على الاختصاص الدولي للمحاكم الوطنية، وهو ما يستدل على تكييفهم للحصانة القضائية على أنه دفع بعدم الاختصاص الدولي. من جانب آخر.. يجب هنا التفرقة بين قواعد الاختصاص القضائي (الحصانة القضائية) حيث إن الحصانة القضائية تخرج عن مفهوم (الاختصاص القضائي) حيث إن الاختصاص القضائي هي قواعد داخلية سواء كان الاختصاص داخلياً أو دولياً وذلك تجسيداً للطابع الوطني لقواعد الاختصاص الدولي نفسها، لذلك فإن فكرة (الحصانة القضائية) تقوم أصلاً على مجموعة أسس ثابتة في القانون الدولي، وعندما استقر العرف الدولي على منح الدول الأجنبية وممثليها الدبلوماسيين حصانة ضد قضاء الدول الأخرى فمن ذلك يتضح أن الحصانة القضائية هي قيد على سلطة الدولة في القضاء، وذلك بناء على نصوص القانون الدولي. إذاً.. تحديد اختصاص القضاء داخل أي دولة فإن الدولة بدورها تتولى بنفسها تنظيم سلطتها في القضاء، وذلك بوضع قواعد الاختصاص الدولي، وتستبعد الخلافات التي ترى عدم اختصاص محاكم دولتها بالنظر فيها، رغم تمتع الدولة بالسلطة القضائية الكاملة بالنظر بشأنها، لذا.. فإن الدولة عندما تترك أي منازعات تكون طرفها دولة أجنبية أو رئيس هذه الدولة أو ممثليها الدبلوماسيين والذين جميعهم يشكلون مدعى عليهم، فإن هذه الدولة لا تترك ذلك بمحض إرادتها، ولكن لعدم قدرتها على بسط سلطة قضائها عليها. لذلك.. فإن (الحصانة القضائية) ليست مجرد قيد على الاختصاص الدولي للمحاكم الوطنية، ولكنها أيضاً هي قيد على سلطة الدولة في القضاء وذلك وفق مبادئ القانون الدولي. من جانب آخر.. هناك من يرى أن القيد المفروض على الدولة بخصوص (الحصانة القضائية) في القانون الدولي ليس إلا بمحض إرادتها، وبإمكان هذه الدولة أن تنفذ تشريعاتها دون النظر لأحكام القانون الدولي الخاص (بالحصانة القضائية)، وقد تملك المنظومة الدولية توقيع الجزاء على هذه الدولة. لذا.. فإن الدفع (بالحصانة القضائية) لا يمثل دفعاً بعدم الاختصاص الدولي للمحاكم الوطنية، ولكن له طبيعة خاصة، لذلك.. يرى البعض بأن الدفع (بالحصانة القضائية) هو دفع بعدم قبول الدعوى القضائية. - الوصف الإجرائي السليم للدفع بالحصانة القضائية الدفع بالحصانة القضائية لا يتعلق بالحق موضوع النزاع، لذلك لا يعتبر دفعاً موضوعياً، ولا يتعلق بإجراءات الخصومة، وبالتالي لا يعتبر دفعاً شكلياً، ولكن الموضوع يتعلق بصفة المدعى عليه وهي الصفة التي جعلت منه أنه لا يخضع للقضاء الإقليمي، أي يتعلق بمدى حق المدعي في رفع دعواه، وهو ما في الأمر، لذلك هو بالوسط بين الدفوع الموضوعية والدفوع الشكلية، وهذا المركز القانوني هو: (الدفع بعدم القبول في القانون الداخلي). - إن الربط بين حصانة الأشخاص الاعتبارية الدولية والأعضاء الدوليين المعتمدين وبين الولاية القضائية ما هي إلا تأييد ومناصرة لموضوع الامتيازات الأجنبية، والذي يتمثل مضمونه في الخروج على سيادة الدولة. هذه الأفكار والتي لاقت تأييداً من البعض لا تتفق مع الاتجاهات القانونية الحديثة، وهو أصلاً طبيعته عزل الحصانة عن الولاية القضائية، وحتى لو تم تكييف الدفع بالحصانة القضائية بأنه دفع بعدم الاختصاص المحلي حيث يمكن للخصوم التنازل عنه ولكن يجب أن لا نتجاهل الفارق بينهما والمتعلق بميعاد الدفع حيث إنه لابد من إبداء الدفع بعدم الاختصاص المحلي، وذلك قبل التحدث في موضوع الدعوى القضائية، وقبل أي دفوع أخرى، وهذا هو أصلاً ما يشترط في الدفع (بالحصانة القضائية) والذي يجوز إبداؤها في أي مرحلة تكون عليها الدعوى، حيث إن هذا التنازل لابد من وجود قرينة له ولا يثبت هذا التنازل لمجرد التحدث في موضوع (الدعوى القضائية). وقد جاء في اتفاقية فيينا في المادة (٣١) بخصوص المبعوثين الدبلوماسيين هذا المبدأ حيث قررت أن: "تمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية في الدولة المعتمد لديها لا يعفيه من قضاء الدولة المعتمدة". وحيث إن هذه النتائج لا تأتي إلا مع الاعتراف بوجود حق الدعوى، وليس وجوده فقط بل استمراريته قائم في مواجهة صاحب الحصانة القضائية، فوجود هذا الحق هو الذي يبنى عليه متابعة المتمتع بالحصانة وبالتالي مقاضاته أمام محاكم دولته، وبالتأكيد دولته ترفض ولاية محاكم الدولة الموفد إليها المبعوث الدبلوماسي، وتقرر طبعاً ولايتها هي وذلك في النظر في أي دعاوى وطلبات تقدم في مواجهة هؤلاء المتمتعين بالحصانة القضائية. لذلك.. الحصانة ترتبط بالولاية، لذا فإن الدفع بالحصانة هو دفع بانتفاء الولاية القضائية خبير ومستشار قانوني [email protected]
6637
| 25 نوفمبر 2021
إن الاختلاف في الأهداف والمصالح بين الدول أمر طبيعي، ولكن يمكن أن يؤدي هذا الاختلاف إلى مشاكل دولية قد تتعدد وتكبر، وقد تكون هذه المشكلات بين أكثر من دولة، ومن يملك من الدول (المفتاح) سوف يكون أمره محتوماً وسوف يعزز قوته ومركزه إقليمياً، وسوف يعالج مختلف شؤونه الدولية، وسوف يوفق بين مصالحه والدول الأخرى بهذا (المفتاح)، وذلك إذا تعارضت أو تضاربت هذه المصالح. إن الدولة الحديثة التي تمتلك مثل ذلك (المفتاح) دائماً ما تسوي الخلافات التي قد تثور بينها وبين غيرها من الدول، وتكون دائماً هي المبادرة بإيجاد الحلول الملائمة، لأنها تمتلك هذا (المفتاح)، اليوم نحن في دول المنطقة وفي صورة المنظمة السياسية الحديثة، وفي ظل مصلحة الدولة العليا في تبادل المنافع والمصالح مع الدول الأخرى، ومن ناحية أخرى تعزيز قوة وجودها في مواجهة البعض تحتم على من يملك هذا (المفتاح) إقامة علاقات ودية مع الدول الأخرى مهما كان نظامها بهدف استقرار العلاقات، ما لم تشكل تلك الدولة تهديداً لأمن الدولة القومي والسياسي وتبطن لها العداء، وهذا ما يسمى بدبلوماسية السلام، لذلك تجد أن أي دولة تمتلك (المفتاح) هي الأفضل والأجدر في تخفيف حدة التوتر وحل المنازعات الدولية والتوسط بين الدول لإيجاد حلول آمنة لجميع أطراف النزاع أو الاختلاف، هكذا تبرز أهمية هذا (المفتاح) في تطور العلاقات الودية والثنائية بين هذه الدولة وجميع دول العالم، باستثناء تلك الدول التي لا تمتلك ربع (مفتاح) ولا تعرف كيف تفتح لنفسها آفاقاً دولية أوسع بهدف تطور شعوبها واقتصادها وقوتها ومركزها. إن الشي المهم والضروري الذي يجب الإشارة إليه هو أن الدولة الحديثة لا تستطيع مجابهة التطورات الدولية والإقليمية والعيش بكرامة وأنفة ومنعة ما لم تمتلك ذلك (المفتاح)، ولا يمكن لمن لا يملك ذلك (المفتاح) أن يحتل مكاناً لائقاً بسمعته وهيبته الدولية، وإن كانت هذه الدولة وضعت لنفسها ولشعبها خططاً بعيدة وقريبة المدى، فإن تناول جميع جوانب حياتها الاجتماعية والثقافية والعسكرية والاقتصادية لن يأتي ثماره ما لم تمتلك هذه الدولة هذا (المفتاح)، إن هذا المفتاح الذي تمتلكه أكثر الدول قوة وتقدماً وتطوراً مالياً واقتصادياً وسياسياً هي التي تضع ما يتفق مع مصالحها وتراثها القومي والفكري والحضاري دون أن تكون تحت ضغط من أحد أو إملاءات وتوجيهات من أحد، لأنها امتلكت هذا (المفتاح) فأحسنت التصرف والتدبير. فوضعت هذه الدولة التي عرفت وقدرت قيمة (المفتاح) الخطط والمرتكزات في موضع التطبيق والتنفيذ، في حين أن من استهان بفعالية وقوة هذا (المفتاح) لا يملك أصلاً ما يطبقه ولا ما ينفذه لأنه عندما فُقد (المفتاح) فُقدت مهمة التطبيق فظل وأظل شعبه داخلياً وخارجياً، فأثرت تأثيراً كبيراً في وضع دولته وشعبه اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، فلا يعرف العولمة والنظام العالمي الجديد إلا اسمه، لدرجة أن بعض هذه الدول التي استهانت (بالمفتاح) وجدت نفسها حبيسة تحكم غيرها وتوجيهها لها، فضلاً عن توهمها بأنها تتمتع بالسيادة الكاملة، ناهيك عن أن تقيم علاقات دولية وودية برغبتها وإرادتها السياسية المسلوبة بواسطة ممثليها، لذلك أصبحت بعض الدول تدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أهمية هذا (المفتاح) لتعزيز قوتها الاقتصادية والسياسية والمالية والثقافية والعسكرية ولتعزيز العلاقات السلمية بينها وبين الشعوب الأخرى. - ما هو هذا المفتاح؟ إن هذا المفتاح هو دبلوماسية الدولة، وكيفية إدارة وتنظيم العلاقات والعمل الدبلوماسي، الذي ينظم علاقات الدولة مع الدول الأخرى، إن هذا المفتاح هو الجهاز الدبلوماسي للدولة، والذي استمدته من فن القواعد الدولية والقانون الدولي فمارسته الدولة الحديثة بإتقان وفن وحكمة وتروٍ وحنكة وكياسة، فاعتمدت على ركائز منها تخفيف شدة وحدة الضغوط بين الدول الأخرى، وتعزيز قوة مركزها الإقليمي والعالمي، وحسن تنظيمها وتكييفها للمستجدات السياسية العالمية، وحسن التفاوض الدولي، ووضع مرتكزات وخطط سليمة لسياسة الدولة الخارجية، وحسن اختيار وزراء الخارجية والسفراء والممثلين والقناصل والملحقين والمبعوثين الدبلوماسيين، وحسن حل المنازعات بطرق تكتيكية وفنية سياسية بهدف الوصول إلى حلول آمنة للجميع أو للأطراف المتنازعة، وتبلور عملها وتصرفاتها في إقامة العلاقات الودية بين الدول وبينها وتطويرها نحو الأفضل، واستخدام أدوات وأذرع وأداة سليمة وفعّالة لفك عقد المشكلات بحسن المفاوضة الدبلوماسية، وحسن التوفيق بين مصالحها ومصالح الدول الأخرى، التي تتعارض وتتضارب معها، وإقامة علاقات ودية دائمة وتاريخية بين الدول لفترات طويلة. هذه هي الركائز التي تصنع الدول وتنمي شعوبها وحضارتها، لذلك تعطي الدول المتقدمة أهمية قصوى لدبلوماسية الدولة ولوزراء خارجيتها وأعضاء البعثات الدبلوماسية لديها وممثليها في الخارج، وبحسن سير العمل الدبلوماسي الخارجي، إلى درجة أن وصلت هذه الدول بإعطاء أهمية للدبلوماسيين المؤقتين من الوزارات الأخرى وللأجهزة المتخصصة الأخرى في النشاط الخارجي مثل مكاتب التمثيل التجاري والإعلامي والعسكري والثقافي أهمية تفوق أهمية السفير نفسه، حتى أصبح لدى الدول الغربية الجهاز الدبلوماسي من أقوى أجهزة الدولة العاملة، وهي بلا شك إحدى شخصيات القانون الدولي، فلم يقتصر دور هذه البعثات الدبلوماسية على رعاية مصالح مواطنيها بالخارج فحسب، بل يجب أن يكون لدبلوماسية الدولة وزن في العلاقات الدولية فهو البديل الأفضل والقادر على تطور البلد سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً وفي كافة النواحي السياحية والطبية والرياضية والاجتماعية والعلمية وغيرها إذا أُحسن التصرف الدبلوماسي كعلم وقواعد وأصول وفن وأهداف وتنسيق وإلمام شامل ومعرفة دقيقة وإحاطة واسعة ومواهب وطاقات دبلوماسية ودور بارز وتوطيد جيد وتحمل المسؤولية والأمانة الوطنية وحسن اتخاذ القرار. هذه هي مرتكزات الدولة الناجحة اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، أهديها مجاناً لمن لم يهتدِ لمفتاح الدبلوماسية الناجحة الحديثة. مستشار وخبير قانوني [email protected]
5549
| 22 نوفمبر 2021
إن السلك الدبلوماسي العربي يفتقر في صورة عامة إلى الرجال الذين يتمتعون بالموهبة الدبلوماسية، وهذه الموهبة لا تُكتسب بالشهادة ولا المحاباة ولا الانتخاب ولا التزكية، بل هي كياسة وحكمة وفطنة تولد مع الإنسان بالفطرة، وتُصقل بعد ذلك بالعلم في جامعات الدبلوماسية والسياسة الدولية، ثم كثرة القراءة والاطلاع على ضروب المعرفة السياسية والاقتصادية والثقافية الدولية. إن الأسلوب السيئ في اختيار الدبلوماسي العربي، والذي يتمثل في الضعف الظاهر في مستوى المعرفة القانونية والسياسية واللغوية والثقافية والاقتصادية والدولية لدى القسم الأعظم من الدبلوماسيين العرب جعل من المنظومة الدبلوماسية لدى بعض الدول مجرد بروتوكول دولي تفرضه عليهم التكتلات الدولية ومع تحرك بسيط للأغلبية يميناً وشمالاً دون مكاسب دبلوماسية تستحق الإشادة أو تعود بالمنفعة على العلاقات العربية العالمية، مع أن ديننا الإسلامي سبق كافة النظم الوضعية في انتقائها للسفراء والمبعوثين انتقاء أساسه الصفات الاستثنائية التي تنأى بالمبعوث الدبلوماسي بما يرقى بدولته وتجعله أقدر على أداء مهمته الدبلوماسية بشيء من التميز والإعجاب والمنافع المتبادلة بين الدولتين. لذلك عند مقارنتك بين واقع عصرنا الدبلوماسي العربي اليوم وعصور الإسلام وما بعده من الخلافات والدول الإسلامية المتتابعة كان العرب الأوائل في الإسلام والحضارات الخالدة لديهم منهج دبلوماسي ذو قواعد دقيقة، وجرت على ارفع الأسس وأعظمها وأنبلها تفوق ما هو عليه من دبلوماسية عالم اليوم. عندما كنا قادة نقود العالم نظمت الدبلوماسية الإسلامية بالحكمة والتروي والحنكة والعدل والعلم الأمور السياسية، وهي أول من اهتم بالسفارات الدبلوماسية ومن هي العقول التي داخل هذه السفارات، لذلك جاءت المبادئ الإنسانية العالمية، وخرجت بنا إلى ميادين أرحب وأفسح وتطورت الدولة في العلاقات الدولية، والسبب أن الدولة الأولى استخدمت نظاماً متكاملاً شاملاً أثمر إبداعا أوروبياً وغربياً، طوروا فيها مراحل الدبلوماسية الإسلامية، فتناول علماء الفقه القانوني والدبلوماسي في العالم وبعد عمل دؤوب وجهود مضنية استمرت عشرات السنوات في البحث والدراسة والعلم والمعرفة وانتهت بتقنين هذا النظام الذي كان يمثلنا في السابق انتهى في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام ١٩٦١ م وأثمر تمتع أعضاء البعثات الدبلوماسية بحصانات وامتيازات أثناء فترة عملهم، وبالتالي انعكس ذلك على العمل الدبلوماسي، والذي لم يُعد مقتصراً على الدبلوماسيين المحترفين من موظفي وزارة الخارجية بل شمل أيضاً الدبلوماسيين المؤقتين من الوزارات الأخرى حتى أصبحت البعثة الدبلوماسية حالياً جهازاً من أجهزة إحدى شخصيات القانون الدولي العام بهدف إقامة العلاقات الدبلوماسية بصورة أنفع وأشمل. وبما أن الدبلوماسي يقوم بدور بارز وفعّال في توطيد العلاقات الدولية، لذا لا يمكننا أن نتجاهل أثر التقارير التي يرفعها الدبلوماسي إلى أجهزة دولته، والتي تؤثر في توجيه سلوك هذه الدولة وتصرفاتها، لذلك فإن الدبلوماسية سلاح، وهذا السلاح قد يكون أنفع وأقوى وأجدر من القوة العسكرية. - عندما تطرقت لموضوع رسالة الماجستير في القانون الدبلوماسي من سنوات طويلة وجدت أن هذه الدراسة المحددة تتطلب انعطافات كثيرة ليست بالأمر الهيّن السهل، فهناك إشكاليات دولية وسياسية وتاريخية كثيرة في الدبلوماسية العالمية وكيفية إدارتها ولعب الأدوار المتغيرة فيها، فمهما حاول الباحث الدبلوماسي الوصول إلى استقراء لواقع مهمته سوف يجد الكثير من العراقيل والصعوبات، خاصة في المواضيع المتعلقة بالعلاقات والمصالح والمسائل والموضوعات الثنائية بين الدولتين على كافة الأصعدة والمستويات، لذلك يكتفي بعض الدبلوماسيين العرب بمعرفة طبيعة الحصانة الدبلوماسية، والتي هي استثناء يرد على سيادة الدولة فيبيت آمناً في سربه نتيجة إعفائه من سلطان الدولة واختصاصاتها القضائية. إن الممارسة الدولية المطردة أدت إلى ظهور مزيد من القواعد الجديدة، كما اختفت بعض القواعد العرفية الدبلوماسية وبعض القواعد التي كانت تعتبر أساسية أصبحت الآن ثانوية بالنسبة للغرب ودول العالم الأخرى. مستشار وخبير قانوني [email protected]
5459
| 18 نوفمبر 2021
في السادس والعشرين من أكتوبر لعام 2021م. افتتح حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى دور الانعقاد العادي الأول في أول فصل تشريعي لسلطة تشريعية منتخبة بواسطة الشعب، وذلك تجسيداً لمشاركة شعبية واسعة من أبناء الوطن في عملية التشريع، وذلك في عملية تحديث واسعة في مختلف المجالات التي تقوم بها الدولة. موضوع حضور الجمهور لجلسات المجلس: كبداية لأول اجتماع لمجلس الشورى المنتخب، وفي أول فصل تشريعي، طُرحت على الساحة تساؤلات من قبل البعض عن إمكانية حضور جمهور المواطنين لجلسات مجلس الشورى من عدمه، والآليات المتبعة في ذلك، وقد قامت الصحافة المحلية باستبيان مع عدد من القانونيين في هذا الشأن لتوضيح وجهات النظر القانونية. - أعتقد أنه قد يكون هناك لبس قانوني أو عدم فهم للنصوص اللائحية والدستورية بشكل سليم وواضح لدى البعض الآخر، ولا أريد أن أتطرق لتكييف النصوص الدستورية فقد تطرق لموضوع التفسير والتكييف عدد من القانونيين في وسائل الإعلام المختلفة فيما يتعلق بقانونية حضور الجمهور لجلسات مجلس الشورى. - وجهة نظري في ذلك: 1 ) من الناحية الشكلية والفنية: من المعروف لدى شريحة كبيرة من المواطنين أن مجلس الشورى الحالي كان في الأصل مبنى تاريخيا عريقا وقديما تم بناؤه حوالي سنة ١٩٥٤م. ومن ثم تم تحويله لأول مجلس شورى في دولة قطر وذلك عام ١٩٧٢ م، ليكون مقرا لمجلس كان عدد أعضائه في بداية عهده لا يتجاوز ٢٥ عضوا، وقد مرت السنوات الطويلة على هذا المبنى التاريخي بطرازه الخليجي في أدوار انعقاد سنوية متتالية وفصول تشريعية على مدى ٥٠ عاما، ومع زيادة متتابعة في عدد الأعضاء إلى أن وصل العدد إلى أكثر من ٤٠ عضوا في المجلس المعيّن السابق، وكانت مساحة القاعة بالكاد تتسع لهولاء الأعضاء. وحيث إنه ومع بدء أولى جلسات أول مجلس شورى منتخب يتكون من ٤٥ عضوا، وبما أن قاعة المجلس في وقت قريب كانت تحتوي على ٤١ مقعدا فقط، وفي إطار الجهود المستمرة التي أعلن عنها المسؤولون في تطوير المبنى الحالي للمجلس بما يتناسب مع زيادة عدد أعضاء مجلس الشورى، ولإمكانية حضور الجمهور لجلسات المجلس الحالي طبقاً للقانون (والذي لا أريد أن أتطرق لتكييفه وتفسيره) والذي كما جاء في نص الدستور ونحن في انتظار تحديد ذلك النص وتفصيلاته وبيانه عبر اللائحة الداخلية لمجلس الشورى والتي لم تصدر وتُنشر إلى الآن، وسوف نتحدث عنه في مقالات منفردة لاحقاً بإذن الله تعالى. بناءً على تصريحات المسؤولين تم تطوير قاعة المجلس الحالية عبر زيادة مقاعدها إلى ٤٥ مقعدا بدل ٤١ مقعدا لكي يتسع لعدد الأعضاء، بجانب إدخال بعض التحسينات الأخرى وذلك كما صرح به سابقاً بعض المسؤولين بالمجلس. كما كشف النقاب عن مشروع لإنشاء قاعة جديدة لمجلس الشورى تتسع لـ ٥٠٠ شخص، بدلاً من القاعة الحالية للمجلس، أي أن القاعة سوف تصبح أكثر ملاءمة وسلاسة وسعة وإمكانية لحضور جمهور المواطنين لبعض جلسات المجلس الحالية وذلك حسبما تنص عليه وترتبه القوانين في هذا الشأن. وكما صرح المصدر فإن المبنى الجديد يتكون من طابقين ومواقف تحت الأرض تتسع لعدد ٤٠٠ سيارة، ويتطلب إنجاز هذا المشروع سنة واحدة، وحقيقة إنجاز مثل هذا المبنى في ظرف سنة عمل يُشكر عليه القائمون على المشروع والمنفذون له، أعتقد أن التأني والتروي ومتابعة وسائل الإعلام وتصريحات المسؤولين مطلب مهم لكي يتسنى للفرد أن يبني حكمه ورأيه وسرده وعرضه وتناوله لمثل تلك المواضيع المختلفة، وهذا ليس في مجلس الشورى فقط، بل في مختلف نواحي الدولة ومؤسساتها، القضية هي بالفعل مطلب تشريعي ودستوري تحكمه وتحدده وترتبه النصوص في ذلك. - أما من الناحية القانونية: فإن المادة (٩٨) من الدستور القطري نصت على أن: " تكون جلسات مجلس الشورى علنية، ويجوز عقدها سرية بناء على طلب ثلث أعضاء المجلس أو بناء على طلب من مجلس الوزراء". وكما جاء بالمذكرة التفسيرية للنص الدستوري فإن المقصود بعلانية الجلسات هو كفالة حق المواطنين وأجهزة الإعلام في الحضور والمتابعة وليس القصد من ذلك هو إذاعة هذه الجلسات بواسطة أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة، وذلك تحقيقاً لدواعي المصلحة العامة والتي تتعارض مع هذا البث بالنظر لأهمية وخطورة الموضوعات التي تُطرح على المجلس، إلا إذا وافق ثلثا أعضاء المجلس على بث بعض الجلسات. إذاً الأصل هو أن جلسات مجلس الشورى علنية، للجمهور حضورها مع مراعاة الإجراءات التنظيمية التي يضعها مجلس الشورى نفسه لتنظيم عملية حضور الجمهور. وهنا نقطة نظام مهمة: من المعروف أن من يفصل وينظّم ويكيّف هذه الإجراءات هي اللائحة الداخلية لمجلس الشورى، وحيث إن اللائحة الداخلية لمجلس الشورى لم يتم إصدارها ومن ثم العمل بها إلى الآن. وبما أن القانون رقم (6) لسنة 1979 م من اللائحة الداخلية لمجلس الشورى السابق لم يتناول بشيء من التفصيل حضور الجمهور لجلسات المجلس سوى في الفقرة (6) من المادة (10). وحيث إنه لا يمكن أن يعوّل على القانون السابق لانتفاء الشق التنظيمي لوضع المجلس الحالي من عملية حضور الجمهور لجلسات المجلس. وحيث إن الشق التنظيمي والتي تحدده اللائحة الداخلية لمجلس الشورى والتي لم تُصدر إلى الآن هو مطلب مهم وضروري وأساسي لعملية حضور الجمهور لجلسات مجلس الشورى لما يترتب عليه من نصوص تفصيلية مهمة في اللائحة من مناقشة وإدارة للحضور وطرق منع بعض من الجمهور، ومن هم المخولون بالجزاءات أو المنع، وعملية تدوين مضبطات الجلسات أو إذاعة قراراتها، ومن يملك سلطة القرار في المواضيع المتعلقة بجمهور الحضور، وما هي الآليات المتبعة في حضور الجمهور للجلسات العلنية ودخولهم للقاعة، والفئات المستهدفة، وتنظيم عملية الحضور، وشروط دخول الجلسات، وعدد الحضور، ومدة الحضور، والمحظور عمله من قبل الحضور، وبمن يؤتمر بأمره في حفظ النظام للجمهور الحاضرين، وعدد المرات التي يمكن أن يحضرها، ونظام العمل في الحضور، وغيرها من الأمور التنظيمية، كل ذلك يجب أن يحدد في اللائحة الداخلية للمجلس والقوانين المنظمة للائحة. مستشار وخبير قانوني [email protected]
5784
| 15 نوفمبر 2021
لا شك أن الدبلوماسية تتمثل في تنفيذ وإعداد سياسة الدولة الخارجية ومنها تحقيق وحماية ورعاية مصالح الدولة الخارجية والمواطنين، ومن ناحية أخرى الدبلوماسية أمر ضروري في إقامة علاقات بين اشخاص القانون الدولي وسعي الدولة لتوفيق مصالحها بكافة الطرق، لذلك فإن الوظيفة الدبلوماسية قاعدتها الأساسية هي مصدر الدولة الداخلي المتمثل بقوانين الدولة في علاقاتها الخارجية، لذا فإن تحديد الجهاز المسؤول عن العلاقات الخارجية في الدولة ومن هم اعضاء هذا الجهاز وكيف يسيّر هذا الجهاز وقوة مصدر الدعم لهذا الجهاز هو من يحدد كيف تربط الدولة قواعدها القانونية الخارجية بالقانون الدولي العام وتأتي على إثرها عملية تبادل البعثات الدبلوماسية وتحديد اختصاصات هذه البعثات ودرجات الاعضاء بجانب حصاناتهم وامتيازاتهم الاخرى. على الرغم من وضوح من تم بيانه، فإن تطبيق هذه القواعد على ارض الواقع يثير اشكاليات خاصة عندما يكون هناك تجاوز من قبل بعض أجهزة العلاقات الدولية حدود اختصاصاتها المحددة وذلك بالقيام بأعمال لا تدخل في ضمن العلاقات الدولية، وعلى سبيل المثال ابرام رئيس دولة معينه بمفرده معاهدة تتطلب حسب القانون الدستوري للدولة موافقة سلطة معينة في نفس الدولة (كمجلس الشورى مثلاً). أما بالنسبة للقانون الدبلوماسي نفسه، فإنه يعتمد على المعاهدات والعرف في الدبلوماسية بجانب المبادئ العامة للقانون، وربما مصادره الاحتياطية كأحكام ومبادئ العدالة ورأي الفقهاء الدوليين يجعل من العلاقات الثنائية أقوى الثوابت في إنشاء العلاقات الدبلوماسية، فممارسة الدولة للعلاقات الدبلوماسية هي ممارسة الدولة لسيادتها الخارجية بناء على قواعد القانون الدبلوماسي المنظمة للعلاقات بين الدول اما ممارسة المنظمات الدولية للعلاقات الدبلوماسية فإنها نسبية لان القواعد التي تحكم تمثيل المنظمات الدولية وطريقة ممارستها الدبلوماسية تختلف نوعاً ما عن القواعد الدولية التقليدية المتعلقة لتمثيل الدول وقيام العلاقات الدبلوماسية فيما بينهما. والحقيقة ان النظام الدبلوماسي تتطور مصادره القانونية باستمرار وكلنا يعرف ان هذا النظام كان القواعد العرفية هي من كانت تحكمه وتسيره ثم ما لبثت ان اتجهت الدول خاصة الاوروبية الى ابرام اتفاقية فيينا عام ١٨١٥ م بشأن المبعوثين الدبلوماسيين ثم أُلحق بها بروتوكول إكس لاشابيل عام 1818 م ومؤتمر هافانا عام 1928 م، وانا شخصياً ادعو جميع الدبلوماسيين القطريين والعاملين في السلك الدولي للاطلاع على هذه القوانين لزيادة صقل الموهبة الدبلوماسية في القانون الدولي. اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 م هي اوسع نطاقاً خاصة بالنظر الى عدد الدول المنضمة إليها وبموجب هذه الاتفاقية هناك تأكيد مشترك لمبدأ المساواة في السيادة مع البقاء على استهداف الاستمرار في السلم والامن الدوليين وتنمية العلاقات الثنائية بين الدول بغض النظر عن انظمتها السياسية والدستورية والاجتماعية والثقافية والدينية. لذلك جاء هذا التوافق المشترك بين الدول في العمل معاً بالوظيفة الدبلوماسية نحو افاق ارحب على ان يتم وضع نظام قانوني منفرد وخاص يكفل الاستقلال اللازم لتحقيق اهداف تلك الدول بشكل متساوٍ ومتبادل. مع الحرص على التأكيد بأن الوظيفة الدبلوماسية تقوم على ركنين جوهريين وهما: - التزام الدول بأن تكفل للمبعوثين الدبلوماسيين المعتمدين لديها من الممارسة الكاملة لمهام وظائفهم فوق اقليم تلك الدولة. - وعدم تدخل هولاء المبعوثين الدبلوماسيين في الشئون الداخلية للدولة التي يباشرون فيها وظائفهم الدبلوماسية. لقد اهتمت اتفاقية فيينا بتحديد وظائف البعثة الدبلوماسية بحيث لا يكون لهذا الموضوع خلاف بين الدول فهناك التزامات وواجبات على البعثة الدبلوماسية وهي تتعلق بمبادئ النظام الدبلوماسي ومنها عدم التدخل في الشئون الداخلية للدولة المضيفة، وبناءً عليه حددت المادة (3) من اتفاقية فيينا وظائف البعثة الدبلوماسية على الشكل التالي: 1) تمثيل الدول المرسلة في الدولة المضيفة. 2) التفاوض مع حكومة الدولة المضيفة. 3) عدم التدخل في الشئون الداخلية لتلك الدولة. 4) احترام قوانين ولوائح الدولة المضيفة. 5) عدم استخدام الأماكن الخاصة بالبعثة على نحو يتنافى مع مهمات البعثة الدبلوماسية. 6) حماية مصالح الدولة المرسلة وكذلك مصالح رعاياها لدى الدولة المضيفة في الحدود المقررة بالقانون الدولي. 7) متابعة الاحداث والتطورات في الدولة المضيفة بالوسائل المشروعة ورفع التقارير بشأنها لحكومة الدولة المرسلة. 8) العمل على انشاء علاقات ودية وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية بين الدولة المرسلة والدولة المضيفة. 9) متابعة وحل كل المسائل الرسمية التي تُكلف بها البعثة الدبلوماسية من قبل الدولة المرسل إليها أو عن طريقها أو مع أي وزارة أخرى يتم الاتفاق عليها. 10) عدم ممارسة أي نشاط تجاري أو مهني في الدولة المضيفة وذلك بهدف تحقيق مكاسب شخصية. 11) عدم استخدام الحصانات والامتيازات المقررة لاغراض غير مشروعة. - في حال اخلال المبعوث الدبلوماسي بأي من هذه الالتزامات فإن هذا الدبلوماسي يُعتبر شخصاً غير مرغوب فيه. - إن مبدأ عدم تدخل الموظفين الدبلوماسيين في الشئون الداخلية للدولة المضيفة أمر أقرته القوانين الدولية واعترفت به وبممارسته وهذا ما اكدته المادة (41) من اتفاقية فيينا وايضاً تتمتع البعثة الدبلوماسية بالامتيازات والحصانات وذلك بموجب القوانين والاعراف الدولية التي تتعامل به الدول، وهذا المركز القانوني يعطي البعثة الدبلوماسية الحصانة القضائية بصورة استثنائية ولكن ومن جانب اخر لا يعني تمتع افراد البعثة الدبلوماسية بهذه الحصانات ان يقوموا بخرق القوانين او الاستهتار بالعمل بها او التهاون بأنظمة ولوائح البلد المضيف. لذلك اساءة استخدام الموظف الدبلوماسي لهذه الامتيازات وتجاوزه لحدود القانون باستناده الى حصانته الدبلوماسية يؤدي بالدولة المضيفة الى طلب طرده من اراضيها باعتباره شخصا غير مرغوب فيه. تنص المادة (25) من اتفاقية فيينا على واجبات الدولة المضيفة نحو البعثة الدبلوماسية بالتالي: "لا تقوم الدولة المضيفة بتقديم جميع التسهيلات اللازمة لمباشرة وظائف البعثة الدبلوماسية إلا في حال وجود تعاون وثيق بين الدولة المضيفة والبعثة الدبلوماسية، واذا كان من واجب البعثة احترام قوانين وتشريعات الدولة المضيفة، فإن من واجب الدولة المضيفة القيام بكل ما من شأنه مساعدة هذه البعثة على القيام بمهمتها". - إن مساعدة البعثة الدبلوماسية على القيام بواجباتها لا يكون بمجرد الاعتراف بالامتيازات والحصانات المقررة لها ولكن بمساعدتها على تجاوز اي مصاعب يمكن ان تواجهها، وايضاً الاستجابة لكل المطالب التي لا تتعارض مع سيادة الدولة وقوانينها، وايضاً إجابة الدولة عن كل المذكرات والاستفسارات. وهذا ما جاء بالمادة (21) من اتفاقية فيينا حيث نصت على: "يجب على الدولة المضيفة إما ان تيسر وفق قوانينها تهيئة الدار اللازمة في اقليمها للدولة المرسلة، وإما ان تساعدها في الحصول عليها بأي طريقة أخرى، ويجب عليها كذلك ان تساعد في تأمين المساكن اللائقة لأفراد البعثات الدبلوماسية". أما المادة (26) من اتفاقية فيينا فقد يسرت حرية الانتقال والسفر للبعثة الدبلوماسية لان ذلك يؤثر في نشاط البعثة الدبلوماسية، لذلك تكفل الدولة المضيفة هذه الحرية في الانتقال والسفر في اقليمها وذلك لجميع أفراد البعثة مع عدم الاخلال بقوانينها وانظمتها والمناطق المحظورة منها أو المحظور دخولها لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو بالمصلحة العليا للدولة. مستشار وخبير قانوني [email protected]
22599
| 11 نوفمبر 2021
لا شك ان الدولة لها سلطة ممارسة اختصاصها الجنائي في مواجهة الاشخاص المتواجدين على اقليمها، وايضاً بالنسبة للجرائم التي ترتكب داخل حدود إقليم الدولة. لذلك فإن مدى الاختصاص الاقليمي يتسع بنفس اتساع فكرة سيادة الدولة وأي استبعاد او تقليص فكرة الاختصاص القضائي إنما هي عكس القرينة التي تفرض على ان الدولة ذات السيادة لها من الاختصاص القضائي الكامل على اقليمها لا ينازعها بذلك منازع، لذا فإن أي قيود يجب ان تقدر بقدرها، حيث ان تلك القيود انما جاءت نتاج القانون الدولي العرفي او ربما المعاهدات او مبادئ القانون العام المعترف به في بعض القوانين الحديثة، فالقانون الدولي العرفي مثلاً قد استبعد او قلص من ممارسة الاختصاص القضائي على الاقليم في الحدود التي تقتضيها المصالح بين اعضاء الجماعات الدولية لذلك ترى ان من نتائج هذه المصالح الدولية بروز وظهور ونمو الحصانات والامتيازات الدبلوماسية وما يؤكد ذلك ويرسخه ابرام المعاهدات الثنائية أو متعددة الاطراف بين الدول المختلفة. وعندما تعددت الاراء والتساؤلات عن التكييف القانوني للحصانة الجنائية والتي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون تركزت على هؤلاء الدبلوماسيين الذين لا يسألون جنائياً عما يرتكبونه من افعال ترتقي الى مستوى الجرائم في تشريعات القوانين الدول المعتمدين لديها، وعندما جاءت فكرة هذه القاعدة في ظل القانون الدولي العام تبنتها التشريعات الجنائية للدول لذلك جاءت الاسئلة القانونية عن التكييف القانوني لحصانة هؤلاء الدبلوماسيين. الرأي الأول: يرى اصحاب هذا الرأي ان الحصانة الجنائية التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي هي حصانة قضائية يترتب عليها تعطيل حق الدولة في تحريك الدعوى، ويؤخذ عليه ان من شأنه التقليل من قيمة الحصانة التي يتمتع بها هؤلاء الدبلوماسيون كما ان طبيعة هذه الحصانة هي اتصالها بقواعد قانون العقوبات لا بقواعد قانون الاجراءات الجنائية. الرأي الثاني: يرى اصحاب هذا الرأي ان اصحاب الحصانة الجنائية لا تتوافر لديهم الأهلية الجنائية، ويؤخذ عليه ان ذلك يساوي بين هؤلاء الدبلوماسيين وبين من ليست لديهم إرادة أو إدراك أو تمييز أو فاقدي الاهلية او عديمي الاهلية او ناقصي الاهلية او ذوي العاهة العقلية. الرأي الثالث: يرى اصحاب هذا الرأي ان الحصانة الجنائية مثل الشرط السلبي في كل قاعدة جنائية ومثال ذلك انه يشترط لوجود الجريمة الا يكون الجاني متمتعا بالحصانة الجنائية، ويؤخذ على ذلك انه بمثابة خدعة قانونية يتم بهذه الخديعة تحميل القواعد الجنائية ما ليس بأصلها او طبيعتها. الرأي الرابع: يرى اصحاب هذا الرأي ان ما يصدر من قبل الدبلوماسيين الذين يتمتعون بالحصانة بمثابة أفعال تخرج عن طبيعة القانون الجنائي وان من الممكن مساءلة هؤلاء الدبلوماسيين مدنياً وليس جنائياً وذلك عن كل ما يصدر منهم من افعال تنطوي تحت مظلة الجريمة في القانون الجنائي، ويؤخذ عليه انه لو اعتبرنا ما صدر عن الدبلوماسيين الذين يتمتعون بالحصانة فعل غير مشروع وخارج نطاق القانون الجنائي وبإنه مجرد مسؤولية مدنية فهذا معناه ان من يسأل مدنياً يمكن ان يلام بشق التكليف الخاص بالقاعدة الجنائية دون ان يتحمل شق الجزاء. الرأي الخامس: يرى اصحاب هذا الرأي ان الذين يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية لا يقع على مسؤوليتهم سوى التزام سياسي أو ادبي فقط مضمون هذا الالتزام احترام القوانين الجنائية، ويؤخذ عليه ان هذه ليست حجة ولا يكفي لتبرير هذه الحصانة. الرأي السادس: يرى اصحاب هذا الرأي إلى تكييف الحصانة الجنائية على انها مانع من موانع العقاب وانها سبب يتعذر معه امكانية تطبيق الجزاء وهذا هو الرأي السائد في ايطاليا، وتبرير هذا الرأي انه اذا كانت القاعدة الجنائية لا تسري على هؤلاء الدبلوماسيين المتمتعين بالاعفاء فليس معنى ذلك انه لا توجه اليهم خطابات ولكن هنا فقط الجزاء في تلك القاعدة هو الذي لا يعتبر موجها إليهم بينما شق التكليف يبقى موجها اليهم. الرأي السابع: يرى اصحاب هذا الرأي ان تكييف الحصانة الدبلوماسية على انها قيد يرد على وجوب العمل بالقاعدة الجنائية لكل من يتواجد على أقليم الدولة من افراد، ووجهة نظر اصحاب هذا الرأي هو ان المادة (3) من قانون العقوبات في ايطاليا تنص على ان يخضع لقانون العقوبات الايطالي كل من يقيم على إقليم الدولة سواء كان مواطن أو أجنبي ما لم ينص القانون باستثناء يقرره القانون الداخلي أو القانون الدولي. رأينا القانوني بذلك: نرى ان المبعوث الدبلوماسي يتمتع بحصانة جنائية تعفيه من الخضوع لقضاء الدولة المعتمد لديها طوال مدة عمله فيها، وليس هدف هذا الاعفاء تحرر المبعوث الدبلوماسي من التقيّد بالقوانين الخاصة بالدولة المعتمد لديها فاحترام قوانين وتقاليد واعراف ونظم هذه الدولة في مقدمة الواجبات المفروضة على المبعوث الدبلوماسي، وان الضمانات المقررة له هي في سبيل المحافظة على استقلالة ولا يجوز ان تتحول الى ترخيص له بمخالفة القوانين، فإذا اعتبرنا هذا الدبلوماسي بأنه مستقل فليس له الحق في ان يفعل ما يشاء بل يجب عليه ان ان تكون افعاله وتصرفاته في حدود القانون والانظمة وعادات الدولة الذي يمارس فيها مهام وظيفته الدبلوماسية. وقد اكدت ذلك المادة (41) الفقرة (1) من اتفاقية فيينا حيث نصت على ان: "دون اخلال بالمزايا والحصانات المقررة لهم على الاشخاص الذين يستفيدون من هذه المزاياوالحصانات واجب احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمد لديها". وعدم خضوع المبعوث الدبلوماسي للقضاء الاقليمي في الدولة التي يمارس فيها مهام وظيفته لا يعني إفلاته من سلطان القانون إذا هو ما تجاوز القانون، وامتناع محاكمته او مقاضاته عن تصرفاته واعماله، فهو بلا شك يظل خاضع لقانون وقضاء دولته وبالتالي يمكن مساءلته امام محاكمها اذا امتنع على قضاء الدولة الموفد اليها نتيجة للحصانة القضائية، وقد نصت على ذلك صراحة الفقرة ( 4 ) من المادة ( 31 ) من اتفاقية فيينا حيث نصت على ان: "الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي في الدولة المعتمد لديها لا تعفيه من الخضوع لقضاء الدولة المعتمدة". لذا فإننا نرى ان الحصانة الجنائية بالنسبة للمبعوث الدبلوماسي انما تعني عدم امكان محاكمته امام محاكم الدولة المعتمد لديها، فهو ملزم باحترام قوانين الدولة المعتمد لديها ومنها القانون الجنائي، وما في الامر إلا ان محاكم الدولة المعتمد لديها لا تختص بالنظر فيما يرتكبه من مخالفات لهذا القانون، فالمسألة انما تتعلق بالاختصاص القضائي وعلى هذا فإننا لا نقر من ان المبعوثين الدبلوماسيين مخاطبون بالقواعد الجنائية التي تصدرها دولتهم دون غيرها من القواعد فإن احترام القاعدة الجنائية شي وكيفية العقاب على مخالفة تلك القاعدة شي آخر ويؤيد ما اقول ما نشهده اليوم من تجاهل كثير من الدول لهذه الحصانة الجنائية. لذلك هناك تلازم بين الامن القومي للدولة وبين سبادة الدولة، فحق الدولة في الحفاظ على امنها الداخلي هو مظهر من مظاهر سيادة الدولة. ولا يعد ضرورة مشروعة فحسب، بل هو عنصر لا تتحقق الدولة بدون وجوده، لذا فإن كافة الدول تحرص على حماية أمنها القومي بتخصيص أجهزة معينة يناط اليها حماية الامن القومي للدولة، وتختلف تنظيمات تلك الاجهزة من دولة الى اخرى على النحو الذي بيناه. ولا يقتصر حق الدولة في حماية امنها القومي بالنسبة لمواطنيها فحسب بل ايضاً بالنسبة لعلاقاتها الدبلوماسية واتصالات البعثة الدبلوماسية بسلطات الدولة المعتمدة لديها وقطع العلاقات الدبلوماسية وتنقلات اعضاء البعثات الدبلوماسية في اقليم الدولة المعتمدين لديها، ومن ثم فإن الأمن القومي للدولة يلعب دوراً بارزاً في رسم إطار الحصانات والامتيازات، وهذا ما بحثت عنه للاجابة على التساؤل عن أثر الأمن القومي على الحصانات والامتيازات التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون. مستشار وخبير قانوني [email protected]
7400
| 08 نوفمبر 2021
عندما تنظر للأحكام الخاصة بحصانة مقر البعثة الدبلوماسية وأيضاً محيط القانون الدولي، ومدى تقيّد الدول بهذه الأحكام، ومنها مراعاة حرمة دور البعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها في الحدود الذي ذكرناها في مقالات سابقة، على أن تتجنب بصفة عامة اقتحام هذه المقار الدبلوماسية أو دخولها دون إذن أو موافقة أو تصريح من رئيس البعثة الدبلوماسية أياً كانت الظروف القاهرة أو الطارئة، فيما عدا حالات استثنائية نادرة تدفعها ضرورة ملحة لا تقبل التأخير، أو مبرر قوي جداً يؤدي إلى التجاوز عن الالتزام بمقتضيات الحصانة التي تتمتع بها دار البعثة الدبلوماسية. أحياناً الواقع يقول إنه قد تكون هناك ظروف يتعذر معها القول: بحظر تدخل السلطات المحلية بشكل مطلق بعدم مشروعية هذا التدخل إن هو حدث. على سبيل المثال: لو أن حريقاً شب في إحدى مقار البعثة الدبلوماسية، وبالتالي اقتحم رجال السلطات المحلية دار البعثة الدبلوماسية، وذلك لإطفاء الحريق وإنقاذ الممتلكات والأموال والأشخاص الموجودين بمقر البعثة الدبلوماسية دون انتظار الإذن بذلك أو طلب من رئيس البعثة الدبلوماسية. في هذه الحالة من المعيب القول بأن هذه السلطات قد أخلت أو انتهكت حرمة وحصانة مقر البعثة الدبلوماسية لدخول سلطاتها عنوة إلى دار البعثة لأطفاء الحريق وإنقاذ ما يمكن إنقاذه!! لأن من واجب الحكومة المحلية في حماية الأفراد والأموال والممتلكات الموجودة في إقليمها، ومن بينها مقار البعثات الأجنبية العاملة على إقليم الدولة، حيث يقتضي الواجب أن يُتخذ كل ما يلزم من إجراءات أمنية لهذه الحماية مع مراعاة المحافظة قدر المستطاع على سرية الوثائق والمستندات والملفات والأوراق الموجودة بمقر البعثة الدبلوماسية وأيضاً رعاية الأشخاص الموجودين داخل مقر البعثة. مثال آخر: لو أن اعتداءً جسيماً كان على وشك الوقوع على أحد الاشخاص الموجودين داخل مقر البعثة الدبلوماسية، سواء كان من الدبلوماسيين أو الموظفين العاملين في السفارة واستغاث المجني عليه بالسلطات المحلية لإنقاذه. هنا السؤال: - هل يجوز القول بأن دخول رجال الأمن لمقر البعثة الدبلوماسية لمنع أو وقف هذا الاعتداء وإنقاذ المجني عليه يعتبر خرقاً لحصانة مقر البعثة الدبلوماسية؟ - هل يمكن أن ننكر حق سلطات هذه الدولة في القبض على المجرم ومحاكمته، إذا كان هذا المجرم ممن يخضعون لقضاء الدولة؟ - هل يمكن ان ننكر أن من حق السلطات المحلية اتخاذ جميع الإجراءات الجنائية، وكذلك التحفظ على مرتكبي الجرائم وعلى معالم الجريمة، وذلك للمجرمين الذين يتمتعون بإعفاء من القضاء الإقليمي لحين قيام دولة المجرم باتخاذ الإجراءات اللازمة نحوه؟ - هل لو كانت هناك مؤامرة تحاك ضد أمن وسلامة الدولة صاحبة الإقليم ومقر هذه المؤامرة إحدى البعثات الأجنبية، واقتحمت سلطات الدولة هذه البعثة، وذلك لاستيضاح حقيقة الأمر، والاستبيان من حقيقة المؤامرة ثم أمكن هذه الدولة بأن تضع يدها فعلاً على جذور هذه المؤامرة وخطورتها على الدولة، هنا هل تلام هذه الدولة على هذا التصرف الذي فرضته ضرورة الدفاع عن كيان الدولة وسلامة أراضيها؟ - هل يكون للدولة صاحبة مقر البعثة الدبلوماسية وجه حق في أن ترفع صوتها وتحتج بالإخلال بحصانة مقر البعثة الدبلوماسية؟ - ألا يجدر بالدولة صاحبة مقر البعثة الدبلوماسية أن تلتزم الصمت، وذلك لإخلالها بأمن وسلامة الدولة المضيفة؟ خبير قانوني [email protected]
6721
| 04 نوفمبر 2021
إن عدم خضوع المبعوث الدبلوماسي لقضاء الدولة المعتمد لديها في المسائل المدنية يستند إلى اعتبارين: الاعتبار الأول: أن إقامة هذا المبعوث الدبلوماسي في هذه الدولة مهما طال أمدها تعتبر إقامة عارضة تفرضها عليه مهام وظيفته، لهذا.. يعتبر محل إقامة المبعوث الدبلوماسي الثابت في الدولة التي يتبعها باعتبارها مقره الأصلي، ويجب أن تكون مقاضاته عن أعماله وتصرفاته أمام محاكم هذه الدولة دون غيرها. الاعتبار الثاني: أن طبيعة عمل المبعوث الدبلوماسي في الدولة المبعوث لديها ما تقتضيه الضرورة من الاحتفاظ باستقلاله في القيام بمهمته والمحافظة على صفته التمثيلية لدولته، تتنافى مع جواز رفع دعوى مدنية عليه، أو مقاضاته كأي فرد عادي أمام محاكم الدولة التي يتولى فيها هذه المهام، لذا استقر العرف الدولي منذ زمن على إعفاء المبعوثين الدبلوماسيين في البلاد المعتمدين لديها، لا من المحاكمة الجنائية فحسب، وإنما كذلك من المقاضاة المدنية، وقد سُجل هذا العرف في كثير من الدول وذلك في تشريعاتها الوطنية، كما اتبع ذلك المحاكم في مختلف الدول. فإذا رفعت دعاوى مدنية ضد مبعوثين دبلوماسيين لدول أجنبية كانت تقضي بعدم اختصاصها بنظر الدعوى متى ثبت لها صفة الدبلوماسية للمدعى عليها. كذلك نص مشروع لائحة الحصانات والامتيازات الدبلوماسية الذي أقره مجمع القانون الدولي في كمبردج على أن الحصانة القضائية للمبعوثين الدبلوماسيين تشمل المسائل المدنية كما تشمل المسائل الجنائية، ونصت على ذلك أيضاً اتفاقية هافانا المبرمة بين الدول الأمريكية سنة ١٩٢٨ م حيث أكدت نفس الشيء اتفاقية فينا في الفقرة الثانية للمادة (31) على أن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بالإعفاء من القضاء المدني والإداري في الدولة المعتمد لديها. ولا يعني إعفاء المبعوث الدبلوماسي من الخضوع للقضاء الإقليمي في المسائل المدنية ضياع حقوق الأفراد والذين قد يكون مديناً لهم في الدولة المعتمد لديها، ولهؤلاء الأشخاص في حالة رفض المبعوث الوفاء بدينه أو التزاماته عند المطالبة له ودياً أن يلجأ هؤلاء الأفراد إلى الوسائل التالية: أولاً: التقدم بشكوى إلى الرئيس المباشر للمبعوث الدبلوماسي المدين، فإن كان المدين أحد أعضاء البعثة الدبلوماسية تقدم الشكوى لرئيس البعثة، وإن كان المدين هو نفسه رئيس البعثة الدبلوماسية تقدم عندها الشكوى إلى وزير الخارجية عن طريق وزير خارجية دولة الدائن، ولرؤساء المبعوث الدبلوماسي المشكو في حقه أن يقرروا ما إذا كانوا يستطيعون إجباره على الوفاء وذلك بالاستقطاع من مرتبه الشهري أو يوجهون الدائن بمقاضاة المبعوث الدبلوماسي المدين أمام محاكم بلده، وفي كل الحالات إذا لم يستمع رئيس المبعوث الدبلوماسي إلى الشكوى أو أنه رفض التدخل يكون هنا للدائن أن يلجأ إلى محاكم بلد المبعوث الدبلوماسي وذلك للمطالبة بحقه وفق الإجراءات التي يقضي بها القانون في هذه الدولة، وللدائن بطبيعة الحال أن ينيب عند القيام بهذه المهمة أحد المحامين أو الوكلاء المقبولين أمام تلك المحاكم. والاتجاه الغالب تعميم الإعفاء من القضاء المدني الإقليمي بالنسبة للمبعوثين الدبلوماسيين الأجانب بصرف النظر عن نوع الالتزامات والحقوق المطالب بها والتي قد تكون موقع نزاع بين المبعوث الدبلوماسي والغير، وعدم إزعاجه وتوتره بمقاضاته أمام المحاكم المحلية وتهديد طمأنينته، وعلى أصحاب الحقوق أن يلجأوا إلى الوسائل البديله التي ذكرناها. هذا بالنسبة للديون والالتزامات التي على المبعوث الدبلوماسي، أما إذا كان الأمر يتعلق بأموال عقارية خاصة به في الدولة المبعوث لديها فإذا أصدر القضاء المحلي حكمه في غير صالح المبعوث الدبلوماسي فلا يجوز أن تتخذ ضده إجراءات التنفيذ العادية التي يخضع لها الأفراد، وعلى صاحب الحق المحكوم له أن يلجأ إلى الوسائل الأخرى لاستيفاء حقه من المبعوث الدبلوماسي المحكوم ضده. هذه المغالاة والمبالغة في حماية المبعوثين الدبلوماسيين شجعت كثيراً منهم على الإقدام على بعض التصرفات والتي تكون بعيدة كل البعد عن مهامهم الدبلوماسية، فمنهم من قام بمزاولة الأعمال التجارية في الدولة الموفدين إليها، ومنهم من قام بالدراسة في الجامعات وتكملة رسالة الماجستير والدكتوراة مستغلين بذلك وجودهم ووظائفهم الدبلوماسية، ومنهم من قام بعقد صفقات وإبرام عقود بغرض الربح والتكسب وجمع المال، ومنهم من قام بشراء عقارات خلاف مساكنهم الخاصة، ومنهم من قام بالدخول في شراكات تجارية واقتصادية وعقارية ومالية مع أشخاص متنفذين في هذه الدولة من أجل المال، وقد كان لمثل هذه التصرفات والمصالح الخاصة لهؤلاء الدبلوماسيين ردة فعل وحساسية لدى كثير من الدول التي كانت تطبق مبدأ الإعفاء الكامل من القضاء المدني الإقليمي بالنسبة للمبعوثين الدبلوماسيين فبدأت بالتالي تميل نحو تقييد هذا الإعفاء وأبدت بعض الدول رسمياً وجهة نظرها في هذا الموضوع إلى اللجنة القانونية الخاصة التي كانت قد عهدت إليها عصبة الأمم بتدوين القواعد المتعلقة بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية، كما لا يجوز التمسك بهذه الحصانة في الدعاوى العينية ومنها دعاوى الحيازة الخاصة بمال موجود في هذه الدولة، سواء كان هذا المال عقارا أو منقولا. وأخيراً وبعد النظر في هذا المشروع على ضوء التوجهات الجديدة في اجتماع نيويورك تقرر أن لا يشمل الإعفاء من القضاء الإقليمي الحالات التالية: 1) إذا كانت الدعاوى تتعلق بأموال عقارية يملكها المبعوث الدبلوماسي في إقليم الدولة المبعوث إليها. 2) إذا كانت الدعوى ناشئة عن أعمال تجارية أو ما شابه قام بها المبعوث الدبلوماسي لحسابه الخاص دون أن يكون لها علاقة بمهام وظيفته. 3) إذا كانت الدعوى متفرعة من دعوى أصلية تقدم بها المبعوث الدبلوماسي بنفسه إلى قضاء الدولة باعتباره مدعياً. مستشار وخبير قانوني [email protected]
6949
| 28 أكتوبر 2021
- عرضنا في مقالات سابقة الادوار التي تمر بها عملية وضع القوانين في مجلس الشورى بما فيها حق الاختصاص التشريعي لاعضاء المجلس، في اقتراح القوانين ومناقشتها، وايضاً التصويت عليها، مع العلم ان الدستور القطري أعطى للأمير اختصاصات لها صلة بعمل القانون، ولكن ومع هذا فإن السلطة التشريعية تساهم بجانب السلطة التنفيذية في وضع القانون، وذلك كما جاء في نص المادة (76) من الدستور القطري بأن: مجلس الشورى يتولى سلطة التشريع ويقر الموارنة العامة للدولة، وهو الذي يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية. تبيّن هذه المادة الدستورية صلاحية مجلس الشورى في وضع التشريعات واقرار الموازنة العامة وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية والتي يقصد منها ممارسة المجلس الرقابة على وزارات الدولة، وايضاً أجهزة هذه الوزارات المتفرعة عنها، ولا تمتد هذه الرقابة الى الاجهزة الخاصة التي يشكلها الأمير لتعينه بالرأي والمشورة على توجيه السياسات العليا للدولة في مجالات محددة بموجب الفقرة (9 ) من المادة ( 67 ) وعلى سبيل المثال لا الحصر: مجلس الامن القومي. المجلس الاعلى للدفاع. المجلس الاعلى لاستثمار احتياطي الدولة. - الاقتراح: لا شك ان اقتراح القوانين كما بينا سابقاً وفي مقالات سابقة هو حق مشترك بين السلطة التنفيذية وأعضاء مجلس الشورى، وقد بينا طبيعته القانونية أيضاً، وقلنا ان هناك فرقا بين الاقتراح الذي تتقدم به الحكومة وبين الاقتراح الذي يتقدم به اعضاء مجلس الشورى، حيث ان اقتراح الحكومة يطلق عليه ( مشروع قانون ) واقتراح أي عضو بمجلس الشورى يطلق عليه ( اقتراح بقانون ). وقد يسأل البعض ما هو سبب اختلاف التسمية ما بين اقتراح بقانون ومشروع قانون؟ حيث ان ما يُقدم من اقتراحات عن طريق الحكومة لاشك ان اجهزة السلطة التنفيذية أشبعتها دراسة وبحث وتنقيح، ومن ثم تم دفعها في صيغة قانونية يسهل تكييفها وتفسيرها، لذلك فإن هذه الصيغة القانونية تكون جاهزة ومثالية لتسلك طريقها الى أي لجنة من اللجان داخل مجلس الشورى لكي يتم فحصها ومن ثم تقديم التقرير النهائي عن رأي اللجنة فيها عكس ذلك تماماً الاقتراح بقانون الذي يتقدم به الاعضاء في مجلس الشورى حيث تنقصه الصيغة القانونية المناسبة ويحتاج الى دراسة عميقة وترتيب وصياغة وتعديل وتكييف كل ذلك يتطلب تحويل هذا الاقتراح الى الشؤون القانونية والتشريعية وذلك لعدة اسباب منها: 1 ) ابداء الرأي في فكرة هذا الاقتراح 2 ) فحص الاقتراح لمعرفة الاهداف التي تسمو من اجله 3 ) وضع فكرة الاقتراح في صيغتها القانونية المناسبة 4 ) في النهاية احالة الاقتراح الى اللجنة المختصة وذلك لا يتعدى ان يكون ( موضوع مقترح لا غير كبداية ) لذلك تجد ان اي اقتراح يتم تقديمه من احد اعضاء مجلس الشورى وتم رفضه لا يجوز تقديمه مرة أخرى في نفس دور الانعقاد وذلك كما حددته الفقرة ( 2 ) من المادة ( 105 ) من الدستور، لذلك كل مشروع قانون أقره مجلس الشورى يرفع الى الأمير للتصديق عليه، واذا لم ير الأمير التصديق على مشروع القانون يرده الى المجلس في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ رفعه اليه ويجب ان يكون هذا الرد مشفوعا بسبب عدم تصديق الامير عليه. - وهناك نقطة غاية في الاهمية حيث ان نفوذ وصلاحيات وقوة السلطة التشريعية تظهر جلياً في ان اعضاء مجلس الشورى والذين هم ممثلون للشعب اذا رد الامير مشروع اي قانون وقام ثلثا اعضاء مجلس الشورى بإقراره والموافقة عليه رغم رده من قبل الامير فإن الامير هنا يصدق عليه ويصدره، ولكن ايضاً ولمصلحة البلاد العليا أو كما يرى سمو الأمير فإنه يجوز للأمير عند الضرورة القصوى ان يأمر بإيقاف العمل بهذا القانون للمدة التي يقدرها الأمير في انها تحقق المصالح العليا للدولة. - أما المشروعات بقوانين المقدمة من الحكومة فإنها لا تسقط بانتهاء الفصل التشريعي، وذلك عكس اقتراحات اعضاء مجلس الشورى ولذلك تجد هذه الفروق في اختلاف المسميات، حيث انها تتعلق بطبيعة الإجراءات واختلاف كلٍ منها، وأيضاً يجب ان تتضمن اللائحة الداخلية المرتقبة لمجلس الشورى مزيداً من التفصيل والاستيضاح بالنسبة لهذه النقطة خاصة من ناحية حق تعديل الاقتراح، وتعدد الاقتراحات، والاقتراحات التي يؤخذ بها، وحق استرداد الاقتراح، وغيرها من الاسباب التي تعطي القانون قوة وقيمة سواء كانت قيمة قانونية او ادبية او سياسية او لائحية وذلك لكي يتم وضعها موضع التنفيذ. المناقشة والتصويت: وهو باب واسع يحتاج إلى مناقشته في مقالة خاصة سوف نتناولها في الأيام القادمة بإذن الله تعالى نظراً لأهميتها ووجوب التدقيق في قواعدها القانونية. الاختصاص المالي: رقابة مجلس الشورى على مشروع الموازنة العامة لايرادات الدولة ومصروفاتها ونفقاتها لمدة سنة ميلادية تتطلب عرضها على مجلس الشورى قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية ولا تعتبر نافذة إلا بإقرار مجلس الشورى لها ويجوز لمجلس الشورى ان يعدل مشروع الموازنة وذلك بموافقة الحكومة واذا لم يتم اعتماد الموازنة الجديدة قبل بدء السنة المالية يتم العمل بالموازنة السابقة إلى حين اقرار الموازنة الجديدة كما ان القانون يحدد طريقة اعداد الموازنة كما انه يحدد السنة المالية. نستنتج من هذه الأحكام ظهور رقابة مجلس الشورى على الميزانية. أما بالنسبة لمرحلة تحضير واعداد الميزانية فلا شك ان ذلك يتم تحت اشراف وزارة المالية وهذه الأعمال مناطة إلى مجلس الوزراء بوصفه الهيئة التنفيذية العليا وهي التي تدير جميع الشؤون الداخلية والخارجية وفقاً للدستور واحكام القانون لذلك فإن مجلس الوزراء من ضمن اختصاصاته انه يتولى بوجه خاص إدارة مالية الدولة وهو المختص بوضع مشروع موازنتها العامة واعتماد المشروعات الاقتصادية ووسائل تنفيذها واعداد التقارير في أول كل سنة مالية. ومن المفترض بعد أن تقدم الحكومة مشروع الميزانية الى مجلس الشورى، ان تتم احالة هذا المشروع إلى لجنة الشؤون الاقتصادية أو المالية بناء على ما سوف تتضمنه اللائحة الداخلية من اللجان وذلك لكي تقدمه اللجنة إلى مجلس الشورى. ومن المفترض ان هذه اللجنة أياً كان مسماها والمتخصصة في الشؤون المالية والاقتصادية أن تقترح أي تعديلات على مشروع هذه الموازنة المقدمة من قبل الحكومة بموافقة الحكومة وأخذ رأيها في التعديل سواء كان يتضمن هذا التعديل زيادة في اعتماد النفقات أو انقاصا في الايرادات أو غيرها من الأمور الواردة في مشروع الميزانية الذي يجب أن يكون بموافقة الحكومة ويجب أن تكون هناك مزيد من التفصيلات في اللائحة الداخلية لمجلس الشورى. خبـير قانـوني [email protected]
5880
| 21 أكتوبر 2021
تكون لحرية الاتصال للبعثة الدبلوماسية قيمة إذا لازمها حماية المراسلات الصادرة والواردة من وإلى البعثة الدبلوماسية دون التعرض لها أو الاطلاع عليها أو كشف سريتها من قبل الغير، سواء كان ذلك الغير سلطات الدولة المعتمدة لديها البعثة الدبلوماسية أو أي دولة أخرى، أو سواء كانوا أفرادا. لذا.. كان هناك استقرار للرأي بين الدول على أن تتمتع المراسلات الخاصة بالبعثات الدبلوماسية بحرمة بجانب الوثائق والمحفوظات، لذلك تجد أن بعض الدول أبرمت اتفاقات في هذا الموضوع تؤكد فيها حرمة الحقائب التي تحمل الرسائل التي تبعثها الحكومات. إن هذه الحرمة تكفلها القواعد العامة التي تفرض على إدارة البريد ضمان سرية الرسائل والتي تسلم لها، ويجب على الدبلوماسي معرفة أن هذا الضمان لا يغطي سوى المراسلات التي يبعث بها عن طريق الإدارات، ولا يمتد إلى المراسلات التي تُرسل بالوسائل الخاصة للبعثة الدبلوماسية، وحتى بالنسبة للرسائل البريدية العادية فإنه لا يوفر لها دائماً السرية التامة، وقد يحدث في ظروف معينة للدول أن تفرض الرقابة على الرسائل الداخلة والخارجة من إقليم الدولة، بل قد يصل الأمر لبعض الدول أن تستبيح السلطات فيها لنفسها الاطلاع على بعض الرسائل دون ذكر الأسباب، لذلك كان إقرار قانون خاص لحرمة المراسلات الدبلوماسية أمرا ضروريا لابد منه، وكان النص على هذه الحرمة وبيان كل ما يتعلق بها في اتفاق دولي ألزم بعض الحصانات التي استقر العمل فعلاً بها وذلك بين الدول ووجوب مراعاتها واحترامها، وقد تضمنت اتفاقية فيينا في الفقرة (2) إلى (5) في المادة (27) فيما يتعلق بالدولة المعتمدة لديها البعثة، وأيضاً في الفقرة (3) من المادة (40) فيما يتعلق بالدول الأخرى التي قد تمر المراسلات عبر أراضيها. الفقرة (2) من المادة (27) تنص على أن: "للمراسلات الرسمية للبعثة حرمة مصونة، وتشمل عبارة المراسلات الرسمية كافة المراسلات الخاصة بالبعثة وبمهامها". أما الفقرة (3) من ذات القانون فتنص على أن: "الحقيبة الدبلوماسية لا يجوز فتحها وحجزها". أما الفقرة (4) من ذات القانون فتنص على أن: "العبوات المكونة للحقيبة الدبلوماسية يجب أن تحمل علامات خارجية ظاهرة تدل على صفتها، ولا يجوز أن تحوي سوى وثائق دبلوماسية أو أشياء للاستعمال الرسمي". وبالنظر للفقرة (5) من القانون سالف البيان فإنه ينص على أن: "الرسول الدبلوماسي الذي يجب أن يكون حاملاً لمستند رسمي يدل على صفته ويحدد فيه عدد العبوات المكونة للحقيبة الدبلوماسية يكون أثناء قيامه بمهامه في حماية الدولة المعتمد لديها، وهو يتمتع بالحصانة الشخصية، ولا يجوز إخضاعه لأي إجراء من إجراءات القبض أو الحجز". لذلك، يلاحظ فيما يتعلق بالحقيبة الدبلوماسية أن الفقرة (4) نصت على عدم جواز احتوائها على غير وثائق دبلوماسية أو أشياء للاستعمال الرسمي، ويعتبر في حكم الحقيبة الدبلوماسية Valise diplomatique كل ما يُرسل مغلقاً أو عليه رسم البعثة الدبلوماسية كالمحافظ والظروف والطرود التي تحوي وثائق أو أشياء معدة لاستعمال رسمي كما جاء ذلك أيضاً في تعليق لجنة القانون الدولي على المادة (25) لذلك تم صياغة الفقرة (4) من المادة (27) من اتفاقية فيينا المقابلة للمادة (25) من هذا المشروع في كتاب اللجنة. ولكن السؤال هنا.. هل يفهم من هذا أن عدم جواز التعرض لها والذي نصت عليه الفقرة (3) مشروط بذلك؟ وهل يجوز حجزها أو فتحها في حالة استعمالها على وجه يخالف النص سالف البيان؟ الجواب: في الواقع أن هناك حالات حدث فيها فعلاً أن فُتحت الحقيبة الدبلوماسية وذلك بإذن من وزارة خارجية الدولة صاحبة الإقليم، وبحضور مندوب عن البعثة الدبلوماسية صاحبة الحقيبة في أغراض غير مشروعة إضراراً بحقوق الدولة صاحبة الإقليم أو إخلالاً بقوانينها، مثل إدخال ممنوعات إلى الدولة أو تهريب أموال أو أشياء محظور إخراجها من إقليم الدولة، ونحن نرى أنه.. ومع ذلك يجب عدم اللجوء إلى هذا الإجراء الاستثنائي إلا في حدود ضيقة وفي الحالات القصوى، كما يفضل أن تقوم الدولة المعتمد لديها هذا الإجراء في حالة إساءة استعمال الحقيبة الدبلوماسية بالاحتجاج لدى الدولة التي يتبع الحقيبة بعثتها، أو أن تطلب بسحب المبعوث الدبلوماسي أو تأمره بمغادرة إقليم الدولة باعتباره شخصا غير مرغوب فيه. - عادةً يعهد بالحقيبة الدبلوماسية لرسول خاص يوصلها إلى وجهتها، ويكون هذا الرسول مزوداً بكتاب يثبت صفته، ويطلق على القائم بهذه المهمة وصف (حامل الحقيبة الدبلوماسية) أو (الرسول الدبلوماسي) وأيضاً يتمتع خلال قيامه بهذه المهمة بحصانة شخصية، فلا يجوز القبض عليه أو حجزه بأي حال، وأحياناً يُعهد بالحقيبة الدبلوماسية إلى قائد الطائرة المدنية وذلك ليسلمها إلى الجهة المرسلة إليها التي تقع في طريق رحلته، ولكن لا يُعتبر قائد تلك الطائرة في مثل هذه الحالة بمثابة الرسول الدبلوماسي الذي يحق له التمتع بالحصانة الخاصة، بينما تظل للحقيبة الدبلوماسية حرمتها الذاتية حتى تصل إلى وجهتها، ويجب العلم أيضاً أن هناك اختلافا في حالة ما إذا كانت الطائرة مخصصة لنقل الحقائب الدبلوماسية وكانت هذه المهمة هي من المهام الأساسية لقائد الطائرة وللرحلة الجوية، فتكون عندئذ صفة وحصانة الرسول الدبلوماسي ما دام أثبت قائد الطائرة رسمياً بإثباتات رسمية لمهمته الدبلوماسية. وقد تضمنت اتفاقية فيينا هذه الأحكام في الفقرتين الأخيرتين من المادة (27) والتي أضيفت للنص الأصلي للمادة (25) من مشروع لجنة القانون الدولي وهما الفقرة (6) و(7) والتي تنص على أن: "للدولة المعتمدة أو للبعثة أن تعيّن رسلا دبلوماسيين لمهمات خاصة cd hoc وفي هذه الحالة تطبق بالنسبة لهم أيضاً أحكام الفقرة (5) من هذه المادة مع مراعاة أن الحصانات المنصوص عليها يقف سريانها بمجرد أن يُسلم الرسول الحقيبة الدبلوماسية التي في عهدته إلى وجهتها، لذلك تنص الفقرة (7) على أنه: "يجوز أن يُعهد بالحقيبة الدبلوماسية إلى قائد طائرة تجارية نوى الهبوط في مكان مسموح بدخوله، ويجب عندئذ أن يكون هذا القائد حائزا لمستند رسمي يبيّن فيه عدد العبوات المكونة للحقيبة لكنه لا يعتبر في حكم رسول دبلوماسي، وللبعثة أن توفد أحد أعضائها ليتسلم مباشرة ودون قيد الحقيبة الدبلوماسية من يد قائد الطائرة". والنص على حرمة المراسلات الخاصة بالبعثة الدبلوماسية لا يكون ذا جدوى إذا قصر واجب صيانة هذه الحرمة على الدولة المعتمدة لديها البعثة الدبلوماسية ولم تلتزم به، كذلك الدول الأخرى التي تمر بها تلك المراسلات في طريقها إلى وجهتها الأصلية والنهائية. لذا.. تنص الفقرة (3) من المادة (40) من اتفاقية فيينا على أن: "تمنح الدول الأخرى للمراسلات الدبلوماسية ووسائل الاتصال الرسمية الأخرى المارة بها ومن بينها الرسائل الاصطلاحية أو الرمزية نفس الحرية والحماية التي تمنحها الدولة المعتمد لديها وتمنح كذلك للرسل الدبلوماسيين بعد حصولهم على تأشيرة دخول، حيث تلزم هذه التأشيرة وكذلك للحقائب الدبلوماسية المارة بها ذات الحرمة، وذات الحماية التي تلتزم الدولة المعتمد لديها بمنحها لهم". خبـير قانـوني [email protected]
13910
| 11 أكتوبر 2021
- قد تكون الحصانة البرلمانية حصانة موضوعية - وقد تكون الحصانة البرلمانية حصانة إجرائية فإذا كانت الحصانة موضوعية بمعنى أنها تمنع المسؤولية. أما إذا كانت الحصانة إجرائية بمعنى أنها تحمي النائب (عضو مجلس الشورى) من الإجراءات الجنائية التعسفية التي قد تلجأ إليها السلطة التنفيذية كحماية للعضو من الكيد له. أولاً: الحصانة الموضوعية لعضو مجلس الشورى: هذه الحصانة نصت عليها المادة (١١٢) من الدستور القطري بأن " لا تجوز مؤاخذة عضو المجلس عما يبديه أمام المجلس أو لجانه من آراء أو أقوال بالنسبة للأمور الداخلة في اختصاص المجلس" بالطبع إن هذه المادة من الدستور القطري تؤكد مجموعة المبادئ التي استقرت في التقاليد البرلمانية في بعض الدول الأوروبية. حيث ترى هذه التقاليد أن النائب أو عضو مجلس الشورى يستحيل عليه بدون هذه الحصانة أن يشعر بالطمأنينة أو أداء عمله بحرية وراحة، لذلك.. فإن أعضاء مجلس الشورى والذين يعتبرون ممثلين للشعب لا يجوز مساءلتهم، لا مدنياً ولا جنائياً، وذلك عن الأفكار والآراء والأقوال التي تصدر منهم أو يصرحون بها داخل مجلس الشورى أو حتى في لجانه اذا كان ذلك ضرورياً لأداء وظائفهم. وكما علقت المذكرة التفسيرية للدستور للقطري بأنه: بأي حال من الأحوال يجب أن لا يكون في الرأي الصادر من عضو مجلس الشورى: 1) أي مساس بأسس العقيدة. 2) أو بوحدة الوطن 3أو بالاحترام الواجب للأمير - وحسن فعل المشرع القطري ذلك في مذكرته التفسيرية مع تأييدنا القانوني والشرعي له. - حدود الحصانة لعضو مجلس الشورى: كما تم ذكره وبيانه.. فإن الحصانة لعضو مجلس الشورى ليس هدفها أن تجعل الأعضاء مميزين قانونياً عن المواطنين القطريين، أو من يعيش على إقليم الدولة!! يعملون ما يشاءون دون أي مساءلة قانونية، ولكن الهدف الاساسي لهذه الحصانة هي توفير الأمان والشعور بالطمأنينه والراحة والحرية المطلوبة لكي يؤدي أعضاء مجلس الشورى مهامهم تحت قبة المجلس دون خوف ودون حرج ودون تفكير ودون خشية من السلطات. - ويمكن أن نقسم هذه الحصانة إلى الآتي: 1) المستوى الأول: يمكن أن نطلق عليه (موضوعي) أي تتعلق بنوعية الأفعال التي تشملها هذه الحصانة، أي أن هذه الحصانة تبقى على مستوى الأداء والأفكار والأقوال التي تصدر من عضو مجلس الشورى. وبالطبع يجب أن تكون ضرورية لأداء مهامه في المجلس، لذلك فإن أي جرائم عادية يرتكبها عضو مجلس الشورى لا تشملها هذه الحصانة، وعلى سبيل المثال: قيام عضو مجلس الشورى بالاعتداء على عضو آخر داخل مقر مجلس الشورى، أو اعتداء العضو على أي شخص أو موظف تحت قبة المجلس، أو حتى خارج مبنى مجلس الشورى، أو أن يقوم العضو بتزوير في مضابط الجلسات، وغيرها من الجرائم التي لا يُعفى منها العضو بالحصانة المقررة. - ولكن هنا أيضاً نقطة نظام يجب الإشارة إليها والتنبيه بشأنها لأعضاء مجلس الشورى: أن هناك فرقا بين هذه المخالفات التي لا تدخل تحت موضوعية الحصانة البرلمانية وبين أي أقوال أو آراء يبديها عضو مجلس الشورى، فلعضو المجلس أن يتهم أي موظف أو أي مسؤول أو حتى أي وزير ما لم ينص القانون على خلاف ذلك يتهمهم بالرشوة، أو بالتزوير، أو بالخيانة، أو باستغلال نفوذهم، وذلك دون أن تثار مسؤوليته الجنائية أو المدنية، حيث إن القانون والدستور يحصنه ضد هذه المسؤولية ما لم يكن هناك كما ذكرنا: - مساس بالعقيدة - مساس بوحدة الوطن - مساس بالاحترام الواجب للأمير وغير ذلك للعضو أن يبدي ما يشاء من أقوال وأفكار أو اتهام ضد أي موظف أو وزير. 2) المستوى الثاني: - ويمكن أن نطلق عليه (مكاني) أي أن أقوال عضو مجلس الشورى وأفكاره وآراءه عليه أن يبديها داخل المجلس أو في لجانه. لذلك اذا أبدى عضو مجلس الشورى أي شيء من تلك الآراء أو الأقوال خارج المجلس ولجانه فيعتبر قانونياً انه تصرف كأي شخص عادي، وهنا تطبق على عضو مجلس الشورى جميع القواعد القانونية التي تحكم الأفراد العاديين مع وجود بعض من الاجراءات المعينة التي يجب أن تُتخذ في حالة عضو مجلس الشورى. - الحصانة الإجرائية لعضو مجلس الشورى: نصت المادة (113) من الدستور القطري على أن: " لا يجوز في غير حالات التلبس القبض على عضو مجلس الشورى أو حبسه أو تفتيشه أو استجوابه إلا بإذن سابق من المجلس وإذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصول الطلب إليه اعتبر ذلك بمثابة إذن ويصدر الإذن من رئيس المجلس في غير أدوار الانعقاد. في حالة التلبس يجب إخطار المجلس بما اتخذ من إجراءات في حق العضو المخالف وفي غير دور انعقاد المجلس يتعين أن يتم ذلك الإخطار عند أول انعقاد لاحق له". إذا نظرنا من خلال هذه المادة في الدستور القطري فإنها تعطي عضو مجلس الشورى استقلالية وحرية، وتعطي لوظيفة العضو الطمأنينة والحصانة ضد المسؤولية الجنائية والمدنية وذلك عن كل ما يبديه عضو مجلس الشورى من اراء وأقوال وأفكار داخل مجلس الشورى أو لجانه، وأيضاً حماية لعضو مجلس الشورى من أي إجراءات جنائية تعسفية، وأيضاً تمكين السلطة التنفيذية من ان تكيد بعضو المجلس أو تتخذ اجراءات ضده وبالتالي لا تجعله يؤدي مهامه في مجلس الشورى على أكمل وجه. - ونأخذ الآن جانبا من تعليق المذكرة التفسيرية على هذا الموضوع: حيث علقت المذكرة التفسيرية أنه يحدث احياناً ان المجالس النيابية قد تترك طلب الإذن ولا ترد عليه، وقد تطول المدة وتضيع معالم الجريمة محل المساءلة لذلك واجه الدستور القطري هذه الحالة مقرراً انه اذا لم يصدر مجلس الشورى قراره في طلب الاذن خلال شهر من مدة معينة من تاريخ وصول الطلب إليه فإن ذلك يعتبر بمثابة اذن، وتستطيع من خلاله النيابة العامة والسلطات المختصة أن تشرع في اتخاذ الاجراءات المطلوبة من قبض وتفتيش وحبس وما إلى ذلك. كما أن المذكرة التفسيرية علقت بأن هذه الحصانة الاجرائية حتى في حالات التلبس فإن من حق المجلس أن يعرف ما يحدث بالنسبة لأي عضو من أعضائه، لذلك أوجب الدستور القطري أنه في حالات التلبس والتي تبيح اتخاذ كافة الاجراءات الجنائية فإنه يجب إخطار مجلس الشورى بما اتخذ من اجراءات في حق العضو الذي ارتكب المخالفة أو الجريمة، واذا لم يكن المجلس منعقدا قإنه يتعين إخطار المجلس عند أول انعقاد لاحق له. وقد يجوز أخذاً بالأحوط أن يخطر رئيس المجلس أو مكتب المجلس بما اتخذ من إجراءات إلى ان يعود المجلس للانعقاد، وعندئذ يجري إخطاره بكل ما اتخذ من إجراءات في حق العضو. واضح من رد المذكرة التفسيرية أن هذه الحصانة هي حصانة ضد الاجراءات الجزائية ولا تمتد إلى الاجراءات المدنية، وان كانت تشمل كافة الاجراءات الجزائية وأيضا واضح من نص المادة أن هذه الحصانة تخلي عن العضو من المسؤولية الجنائية كاملة وذلك عما يرتكبه من أفعال وما ذلك إلا أن هذه الاجراءات الجنائية يجب أخذ الاذن فيها من مجلس الشورى وذلك كإشارة إذن للبدء بها، ومن ثم الاستمرار في اجراءاتها، وما أن يُعطي مجلس الشورى الضوء الأخضر فإنه يعامل عضو مجلس الشورى كأي فرد عادي، ويتم التحقيق معه ويفتش ويقبض عليه ويحبس وتتخذ ضده جميع الاجراءات الجنائية الأخرى. ولكن أيضاً في حالة أن لم يُعطِ المجلس الضوء الأخضر أو الإذن بذلك ؟ فإن هذا الرفض من قبل مجلس الشورى ليس بالضروري ان يعفي العضو من المسؤولية الجنائية، ولكن يعتبر مجرد تأجيل فقط لا غير وذلك في اتخاذ أي اجراءات جنائية ضد العضو إلى أن تنتهي هذه العضوية في مجلس الشورى. - إذا انتقلنا للشق الجنائي فإن هناك ثلاثة احتمالات نوجزها في التالي: 1) الاحتمال الأول: هو ارتكاب عضو مجلس الشورى جريمة بما يسمى (بالجرم المشهود)، وهي التي تفترض ثبوت هذه الجريمة في حق عضو مجلس الشورى، ومن ثم نستطيع أن ننفي عن السلطة التنفيذية شبهة الكيد في عضو مجلس الشورى أو توافر النية في إعاقة هذا النائب عن عمله تحت قبة المجلس. لذا.. وفي هذه الحالة يجوز اتخاذ الاجراءات الجزائية ضد هذا العضو وذلك بغض النظر عن زمان ارتكاب هذه الجريمة المشهودة في غير أدوار الانعقاد أو فيما بينها، ولكن أيضاً يجب أن يُخطر مجلس الشورى بذلك في أول اجتماع له بعد أن يتم اتخاذ هذا الإجراء. 2) الاحتمال الثاني: وهو ارتكاب عضو مجلس الشورى جريمة لا تدخل في وصف الجريمة المشهودة وفي غير أدوار الانعقاد، وأيضاً هنا نستطيع أن ننفي عن السلطة التنفيذية شبهة الكيد في عضو مجلس الشورى أو توافر النية في إعاقة هذا النائب عن عمله تحت قبة المجلس. وهنا أيضاً تُتخذ من الاجراءات الجزائية ضد هذا العضو بشرط أن يتم إخطار مجلس الشورى بالإجراءات ضد العضو في أول اجتماع للمجلس في دور الانعقاد، وذلك لأخذ إذن المجلس في الاستمرار في هذه الاجراءات. 3) الاحتمال الثالث: وهو اتهام عضو مجلس الشورى بجريمة لا ينطبق عليها الجرم المشهود، وهنا نستطيع القول أن هناك شبهة على السلطة التنفيذية بأن القصد من هذا الإجراء هو التأثير على وظيفة عضو مجلس الشورى وذلك لإعاقته وتعطيله عن أداء مهامه الوظيفية في المجلس على أكمل وجه. لذا.. تجد أن الدستور القطري اشترط أن يؤخذ إذن مسبق من مجلس الشورى قبل أن يُتخذ أي اجراء جزائي ضد عضو مجلس الشورى المتهم. ملاحظة للسادة النواب: عن كيفية إعطاء مجلس الشورى الإذن باتخاذ أي إجراء جزائي يتم ذلك عن طريق نصوص اللائحة الداخلية لمجلس الشورى والتي سوف ترى النور قريباً فهي من تفصل ذلك. وهذه اللائحة الداخلية هي التي تحدد كيفية تقديم طلب الإذن؟ وهي التي تحدد كيف ترفع الحصانة عن العضو؟ وهي التي تبيّن ما هي الأوراق التي يجب أن ترفق في القضية المطلوب اتخاذ الإجراءات الجزائية فيها؟ وهي التي تحدد إلى من ترفع هذه الأوراق؟ وهي التي تبيّن اذا ماكان هناك أي عرائض أو مستندات ترفع معها؟ وهي التي تحدد من الذي يحيل هذه الطلبات؟ وهي التي تحدد إلى من تحال هذه الطلبات؟ وهي التي تبيّن كيف تنظر في اللجنة؟ وهي التي تبيّن بأي طريقة تُنظر؟ واللائحة هي التي تحدد هل يتم بحث القضية في المجلس؟ وهي التي تحدد كيفية البحث؟ وغير ذلك من الأمور الدارجة في اختصاص اللائحة الداخلية المنتظرة لمجلس الشورى؟ أخيراً: هذه الحصانة لأعضاء مجلس الشورى من النظام العام، لذلك لا يجوز للعضو أن يتنازل عنها دون موافقة مجلس الشورى. خبـير قانـوني [email protected]
7039
| 07 أكتوبر 2021
لم يكن في فجر الاسلام بعثات دبلوماسية دائمة، وإنما كانت بعثات دبلوماسية مؤقتة للقيام بعمل معين يغادر بعده المبعوث الدبلوماسي أرض دار الاسلام الى مأمنه بعد انقضاء أجل الأمان، والدولة الاسلامية كانت تستقبل السفراء في منازل خاصة تستضيفهم فيها، مثل منزل رملة بنت الحارث بن سعد في المدينة على عهد الرسول، والمنزل الذي كان يُعرف باسم (دار الضيفان)، ودار صاعد في بغداد، حيث كانت بمثابة دار الضيافة، وفي أواخر أيام العباسيين كانوا يعطون داراً يسكنون فيها أو ينزلون في مديرية من المدارس، اما في دمشق فكانوا ينزلون في دار الضيافة، وكذلك في القاهرة وفي زمن الأيوبيين أرصدت دار الوزارة وهي الدار التي كان يسكنها الوزراء في عهد الفاطميين لمن يرد من الملوك ورسل الخليفة والرسل الواردين من الملوك. وكانت الدولة الاسلامية تسمح للسفراء بممارسة حريتهم الكاملة في إقامة شعائر دينهم، وقد حرصت الدولة الاسلامية على عدم التعرض لشعائرهم بسوء، بل كانوا يزورون ديارات الشام وبغداد والقاهرة ويقومون فيها بما يشاؤون من عبادة، وفي هذا ترى الشريعة الاسلامية ان المبعوث الدبلوماسي ما هو الا مستأمن في دار الاسلام يتمتع بما يتمتع به المستأمنون من حقوق، ومنها حرية إقامة شعائرهم الدينية، لأن الأصل المقرر في الاسلام "لا إكراه في الدين". واذا كانت الدولة الاسلامية لا تُكره الذمي الذي هو من رعاياها على الاسلام فمن باب أولى ألا تكره المستأمن وهو أجنبي على تغيير عقيدته. ولما كان هؤلاء الرسل رسلاً مؤقتين فلم يكن هناك سبب لبناء كنيسة خاصة بهم، وقد نص الفقهاء على ان الذمي اذا اراد ان يتخذ لنفسه خاصة موضع عبادة فلا يمنع من ذلك، الوقت أشبه بما نعرفه اليوم بالسفراء فرق العادة الذين يوفدون في مهام رسمية، وينتهي تمثيلهم الدبلوماسي بانتهاء العمل الذي يوفدون من أجله. ولم يكن بطبيعة الحال للنظم الاسلامية أن تضع نظاماً لدور البعثات الدبلوماسية مثل هذا النظام لم يقنن بصفة نهائية، إلا باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام ١٩٦١م، والتي شاركت دول اسلامية متعددة في اعدادها وفي ابرامها، وان كان الفقه الاسلامي يعتبر دار البعثة جزءاً من دار الاسلام وبالتالي لا تتمتع بميزة عن غيرها مما هو موجود في الدولة الاسلامية مع السماح للمبعوثين الدبلوماسيين بإقامة شعائرهم الدينية في دار البعثة، فإنه يمكن التقرير بأن الشريعة الاسلامية لا تنكر نظام البعثات الدبلوماسية الدائمة، وليس ما يمنع من ان يترتب لهذه البعثات الحصانات التي تقتضيها مصلحة النهوض بالوظيفة ومنها حرمة دار البعثة، تماشياً مع روح العصر بما لا يتنافى مع أحكامها، خاصة وان عدم معرفة الاسلام لنظام البعثات الاسلامية الدائمة كان مرده الى طبيعة العلاقات الدولية، التي كانت موجودة في ذلك الوقت. - منح الملجأ للمبعوث الدبلوماسي إلى دار الإسلام: كما قلنا لم يكن في فجر الاسلام بعثات دبلوماسية دائمة، وانما كانت بعثات دبلوماسية مؤقتة للقيام بعمل معين يغادر بعدها المبعوث أرض دار الاسلام الى مأمنه بعد انقضاء أجل الأمان، ومن ثم كانت دار البعثة تعتبر جزءاً من دار الاسلام، ولا يتمتع بميزة عن غيرها مما هو موجود في الدولة الاسلامية، والواقع ان الحصانات التي يكفلها عقد الامان للمبعوث هي بقصد تمكينه من مباشرة وظيفته وأداء أعماله بدون عائق، وليس منح الأمان من جانبه للغير من بين الوظائف والاعمال الموكلة إليه، لذلك فالاجماع يكاد يكون تاماً بين فقهاء المسلمين على انه لا يجوز امان الذمي لقوله صلى الله عليه وسلم "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم"، فشرط الأمان هو كون المؤمن مسلماً كما يتبين من هذا الحديث، فلا يصح أمان غير المسلم حتى وان كان يقاتل في صفوف المسلمين نظراً لعدائه الديني، ولموافقته لقومه في الاعتقاد فيميل إليهم، فلا تؤمن خيانته، بل ولا يكون أهلاً للنظر في مصالح المسلمين، وكذا ليس لغير المسلم ولاية على المسلم، لقوله تعالى "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا". والأمان من باب الولاية، إذ به ينفذ كلام المؤمنين على غيره شاء أم أبى، على ان كل هذا خاص بعهد الدبلوماسية المؤقتة. أما في عهد التنظيم الدبلوماسي الحديث فإن الملجأ يخضع لأحكام القانون الدولي العام، خاصة وان دار الاسلام قد ارتبطت مع دار غير الاسلام بمعاهدات وعهود، ومن مبادئ الشريعة احترام المواثيق والعهود، لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود". "فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم". - النظام القانوني للمبعوث الدبلوماسي: بما للمبعوث الدبلوماسي من دور كبير صقلته سنين التجربة في هذا المجال، وبما أنه لم يكن وليد سنوات قليلة بل مئات السنين، فلا بد ان لهذه التجربة الكبيرة الناجحة والتي كان لها دور واضح في بناء المجتمعات الحديثة، من نظام قانوني دقيق على اساسه بُنيت هذه العلاقات السامية بين الدول، وعلى أساسه أيضاً تم حل الكثير من المنازعات الدولية حين وضعت الشعوب والدول ثقتها به، هذه الهبة لو لم تكن محاطة ومبنية على قواعد قانونية متينة لم تستمر حتى وقتنا هذا وإلى أجيال أخرى قادمة. خبير قانوني [email protected]
6031
| 04 أكتوبر 2021
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4902
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3663
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2775
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2361
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1494
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1071
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
978
| 21 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
888
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
858
| 23 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
840
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
825
| 17 أكتوبر 2025
في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...
774
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية