رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أحمد محمد غيث الكواري

مستشار وخبير في العلاقات الدولية

مساحة إعلانية

مقالات

6031

أحمد محمد غيث الكواري

حصانة دار البعثة الدبلوماسية في الشريعة الإسلامية

04 أكتوبر 2021 , 03:00ص

لم يكن في فجر الاسلام بعثات دبلوماسية دائمة، وإنما كانت بعثات دبلوماسية مؤقتة للقيام بعمل معين يغادر بعده المبعوث الدبلوماسي أرض دار الاسلام الى مأمنه بعد انقضاء أجل الأمان، والدولة الاسلامية كانت تستقبل السفراء في منازل خاصة تستضيفهم فيها، مثل منزل رملة بنت الحارث بن سعد في المدينة على عهد الرسول، والمنزل الذي كان يُعرف باسم (دار الضيفان)، ودار صاعد في بغداد، حيث كانت بمثابة دار الضيافة، وفي أواخر أيام العباسيين كانوا يعطون داراً يسكنون فيها أو ينزلون في مديرية من المدارس، اما في دمشق فكانوا ينزلون في دار الضيافة، وكذلك في القاهرة وفي زمن الأيوبيين أرصدت دار الوزارة وهي الدار التي كان يسكنها الوزراء في عهد الفاطميين لمن يرد من الملوك ورسل الخليفة والرسل الواردين من الملوك.

وكانت الدولة الاسلامية تسمح للسفراء بممارسة حريتهم الكاملة في إقامة شعائر دينهم، وقد حرصت الدولة الاسلامية على عدم التعرض لشعائرهم بسوء، بل كانوا يزورون ديارات الشام وبغداد والقاهرة ويقومون فيها بما يشاؤون من عبادة، وفي هذا ترى الشريعة الاسلامية ان المبعوث الدبلوماسي ما هو الا مستأمن في دار الاسلام يتمتع بما يتمتع به المستأمنون من حقوق، ومنها حرية إقامة شعائرهم الدينية، لأن الأصل المقرر في الاسلام "لا إكراه في الدين".

واذا كانت الدولة الاسلامية لا تُكره الذمي الذي هو من رعاياها على الاسلام فمن باب أولى ألا تكره المستأمن وهو أجنبي على تغيير عقيدته.

ولما كان هؤلاء الرسل رسلاً مؤقتين فلم يكن هناك سبب لبناء كنيسة خاصة بهم، وقد نص الفقهاء على ان الذمي اذا اراد ان يتخذ لنفسه خاصة موضع عبادة فلا يمنع من ذلك، الوقت أشبه بما نعرفه اليوم بالسفراء فرق العادة الذين يوفدون في مهام رسمية، وينتهي تمثيلهم الدبلوماسي بانتهاء العمل الذي يوفدون من أجله.

ولم يكن بطبيعة الحال للنظم الاسلامية أن تضع نظاماً لدور البعثات الدبلوماسية مثل هذا النظام لم يقنن بصفة نهائية، إلا باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام ١٩٦١م، والتي شاركت دول اسلامية متعددة في اعدادها وفي ابرامها، وان كان الفقه الاسلامي يعتبر دار البعثة جزءاً من دار الاسلام وبالتالي لا تتمتع بميزة عن غيرها مما هو موجود في الدولة الاسلامية مع السماح للمبعوثين الدبلوماسيين بإقامة شعائرهم الدينية في دار البعثة، فإنه يمكن التقرير بأن الشريعة الاسلامية لا تنكر نظام البعثات الدبلوماسية الدائمة، وليس ما يمنع من ان يترتب لهذه البعثات الحصانات التي تقتضيها مصلحة النهوض بالوظيفة ومنها حرمة دار البعثة، تماشياً مع روح العصر بما لا يتنافى مع أحكامها، خاصة وان عدم معرفة الاسلام لنظام البعثات الاسلامية الدائمة كان مرده الى طبيعة العلاقات الدولية، التي كانت موجودة في ذلك الوقت.

- منح الملجأ للمبعوث الدبلوماسي إلى دار الإسلام:

كما قلنا لم يكن في فجر الاسلام بعثات دبلوماسية دائمة، وانما كانت بعثات دبلوماسية مؤقتة للقيام بعمل معين يغادر بعدها المبعوث أرض دار الاسلام الى مأمنه بعد انقضاء أجل الأمان، ومن ثم كانت دار البعثة تعتبر جزءاً من دار الاسلام، ولا يتمتع بميزة عن غيرها مما هو موجود في الدولة الاسلامية، والواقع ان الحصانات التي يكفلها عقد الامان للمبعوث هي بقصد تمكينه من مباشرة وظيفته وأداء أعماله بدون عائق، وليس منح الأمان من جانبه للغير من بين الوظائف والاعمال الموكلة إليه، لذلك فالاجماع يكاد يكون تاماً بين فقهاء المسلمين على انه لا يجوز امان الذمي لقوله صلى الله عليه وسلم "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم"، فشرط الأمان هو كون المؤمن مسلماً كما يتبين من هذا الحديث، فلا يصح أمان غير المسلم حتى وان كان يقاتل في صفوف المسلمين نظراً لعدائه الديني، ولموافقته لقومه في الاعتقاد فيميل إليهم، فلا تؤمن خيانته، بل ولا يكون أهلاً للنظر في مصالح المسلمين، وكذا ليس لغير المسلم ولاية على المسلم، لقوله تعالى "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا".

والأمان من باب الولاية، إذ به ينفذ كلام المؤمنين على غيره شاء أم أبى، على ان كل هذا خاص بعهد الدبلوماسية المؤقتة.

أما في عهد التنظيم الدبلوماسي الحديث فإن الملجأ يخضع لأحكام القانون الدولي العام، خاصة وان دار الاسلام قد ارتبطت مع دار غير الاسلام بمعاهدات وعهود، ومن مبادئ الشريعة احترام المواثيق والعهود، لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود".

"فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم".

- النظام القانوني للمبعوث الدبلوماسي:

بما للمبعوث الدبلوماسي من دور كبير صقلته سنين التجربة في هذا المجال، وبما أنه لم يكن وليد سنوات قليلة بل مئات السنين، فلا بد ان لهذه التجربة الكبيرة الناجحة والتي كان لها دور واضح في بناء المجتمعات الحديثة، من نظام قانوني دقيق على اساسه بُنيت هذه العلاقات السامية بين الدول، وعلى أساسه أيضاً تم حل الكثير من المنازعات الدولية حين وضعت الشعوب والدول ثقتها به، هذه الهبة لو لم تكن محاطة ومبنية على قواعد قانونية متينة لم تستمر حتى وقتنا هذا وإلى أجيال أخرى قادمة.

خبير قانوني

[email protected]

اقرأ المزيد

alsharq تأهيل ذوي الإعاقة مسؤولية مجتمع

لم يعد الحديث عن تأهيل ذوي الإعاقة مجرد شأن إنساني أو اجتماعي بحت، بل أصبح قضية تنموية شاملة... اقرأ المزيد

201

| 24 أكتوبر 2025

alsharq منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز بالتّجدّد وتظهر دائما من خلال المشاريع الجديدة العملاقة المعتمدة على... اقرأ المزيد

657

| 24 أكتوبر 2025

alsharq لا تنتظر الآخرين لتحقيق النجاح

في حياتنا اليومية، نجد أنفسنا غالبا ما نعتمد على الآخرين لتحقيق النجاح والسعادة. نعتمد على أصدقائنا وعائلتنا وزملائنا... اقرأ المزيد

99

| 24 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية