رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

قطر تعزز الأمن الغذائي

يمثل تأمين دولة صغيرة للإمدادات اللازمة من المواد الغذائية الأساسية بنسبة تصل إلى 100٪ تقريبًا، مع تحقيقها للاكتفاء الذاتي من الخضراوات الأساسية بنسبة تزيد على 40٪، تقدمًا مثيرًا للإعجاب على طريق الاعتماد على الذات، وهو أمر رائع بالنسبة لدولة قطر التي تُشكل الصحراء مساحة كبيرة من أراضيها، ويُعدُ مناخها من أقسى المناخات عندما يتعلق الأمر بزراعة المواد الغذائية بسبب ندرة الأمطار وعدم إمكانية التنبؤ بموعد سقوطها، كما يمكن أن تصل درجات الحرارة في فصل الصيف الذي يمتد لفترة طويلة إلى 50 درجة مئوية. وقد أدى الاضطراب الاقتصادي الذي حدث منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008 إلى تعزيز أهمية الأمن الغذائي، وقد أحرزت الدولة قدرًا كبيرًا من التقدم في مساعيها الرامية لتحقيق الأمن الغذائي خلال السنوات الخمس الماضية، حيث كانت البلاد تستورد حوالي 80-90٪ من الأغذية التي تستهلكها حتى الفترة من عام 2016 إلى 2017، وكان حوالي 40٪ منها يأتي عن طريق البر من المملكة العربية السعودية. ونجحت دولة قطر في تنويع مصادر الإمدادات الغذائية، وإنتاج الغذاء داخل الدولة، متحديةً أي افتراض بأن الزراعة في قطر على نطاق واسع تبدو مستحيلة. وبحلول شهر أكتوبر من عام 2021، أعلن الدكتور مسعود جارالله المري، مدير إدارة الأمن الغذائي بوزارة البلدية، عن وصول نسبة الاكتفاء الذاتي في إنتاج خمس مواد غذائية أساسية من الخضراوات إلى 46٪، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الدواجن الطازجة بنسبة 100٪، مع تسجيل نسبة 70٪ للتمور و75٪ للأسماك. وتتبوأ دولة قطر الآن المرتبة الرابعة والعشرين على مستوى العالم في قائمة أكثر الدول تحقيقًا للأمن الغذائي. وكانت هذه المسألة قد تحولت إلى أولوية استراتيجية للدولة منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد تأثرها جزئيًا بالأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008. وتمتلك قطر صندوق ثروة سيادي تبلغ قيمته 475 مليار دولار لعدد مواطنين قد يتراوح ما بين 320 و350 ألف نسمة، لذلك فقد كان لديها الموارد اللازمة لتنفيذ خطة استراتيجية طموحة في هذا الصدد. وهناك أربعة محاور لهذه الاستراتيجية وردت في السياسة الرسمية التي تتبناها الدولة للفترة من عام 2018 وحتى 2023 وهي: تنويع الطرق التجارية؛ ورفع كفاءة عملية النقل مع تقليل الفاقد؛ وبناء الصوامع والمخازن، وتعزيز قدرات الزراعة المحلية. وكان من بين استراتيجيات الاستثمار السابقة شراء حصص في المزارع والشركات الزراعية في مناطق أخرى، مثل أفريقيا وأستراليا. وقد حقق هذا التوجه نتائج مختلطة، حيث أدى الاستثمار الداخلي إلى ارتفاع تكلفة الأراضي بالنسبة للمزارعين المحليين في تلك الدول، وهو ما أدى إلى حدوث رد فعل غير مواتٍ. علاوة على ذلك، رغم أن صندوق الثروة السيادي القطري عن طريق شركة حصاد ربما كان يمتلك مزارع منتجة في بلدان أخرى، إلا أنه كان لا يزال ملزمًا بقوانين تلك البلدان التي كانت تتضمن تدابير لمنع التصدير أو تقييده عندما تكون هناك حاجة ملحة لتوفير الإمدادات الغذائية للسكان المحليين. وهذه سياسة مفهومة تمامًا، بالطبع، لكنها تقلل من قيمة الاستثمار. وفي بداية العقد الثاني من القرن الحالي، تمحورت استراتيجية الاستثمار بقوة أكبر نحو التركيز على إنتاج الغذاء في دولة قطر، لتعزيز التنوع ودعم الإمدادات في خضم حالة عدم اليقين الاقتصادي. وقد ساهمت التطورات التي حدثت في مجال التكنولوجيا الزراعية في إتاحة إمكانية تحقيق هذا التحول، حيث تتيح طرق الزراعة المائية والزراعة العمودية والذكاء الاصطناعي إنتاجية عالية لمجموعة من الأغذية التي تتطلب القليل من الأراضي واستخدام المياه بكفاءة، والحماية من شمس الصحراء. منذ أن بدأت الدولة سياسة الاستثمار ودعم الإنتاج المحلي، ارتفع التضخم العالمي في أسعار الغذاء، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الصراع في أوكرانيا. وهذا يبرر هذه السياسة، حيث يساعد الدعم في الحد من الضغوط التضخمية. بالإضافة إلى ذلك، دعمت الحكومة المنتجين، وهي الطريقة الأكثر فعالية لمساعدة المستهلكين على التعامل مع ارتفاع تكاليف المعيشة، مقارنة بزيادة الأجور أو دعم دخل المستهلك، لأن لها فائدة إضافية تتمثل في الحفاظ على العرض الغذائي. كانت الزراعة مجالا للنجاح من حيث السياسة في قطر في السنوات الأخيرة. وسوف تستعرض المقالة التالية بعض الطرق المبتكرة التي يتم من خلالها إنتاج مجموعة متنوعة من المواد الغذائية في قطر، والتي غالبًا ما يكون لها تأثير ضئيل على البيئة.

1176

| 28 أغسطس 2023

التوازن الأمثل بين الإنفاق والادخار في الاقتصاد الحديث

خلال عمليات الإغلاق التي فرضتها جائحة كوفيد-19 في الفترة ما بين عامي 2020-2021، تمكن الأفراد الذين حافظوا على عملهم من زيادة مدخراتهم، وكان هذا هو اتجاه "المدخر العرضي" ‘Accidental Saver’. فقد مُنعت الإجازات الخارجية واختفى الإقبال على تناول الوجبات في المطاعم وغيرها من وسائل الترفيه أو تقلصت. بالإضافة إلى ذلك، كان بعض الناس غير متأكدين من مستقبلهم الوظيفي، لذلك كانوا يميلون إلى الادخار بدلاً من الإنفاق. ومنذ انتهاء الجائحة، زاد الإنفاق بشكل طبيعي، وفي حالة قطر، قدمت بطولة كأس العالم لكرة القدم فيفا- قطر 2022 حافزًا اقتصاديًا إضافيًا. وفي ضوء ذلك، ونظرًا لأن الأجور لم ترتفع بشكل كبير، ربما توقع البعض أن ينخفض معدل الادخار، ولكنه سجل ارتفاعًا ملحوظًا بدلاً من ذلك. وقطر من الدول المتقدمة في مجال التكنولوجيا المالية، حيث يميل أغلب السكان إلى الاحتفاظ بقدر منخفض من الأوراق النقدية وإيداع أموالهم في البنوك، لذا فإن الودائع المصرفية تمثل مقياسًا موثوقًا لمعدل الادخار النقدي، هذا لا يأخذ في الحسبان التحويلات الخارجية للادخار، أو الاستثمارات في الأسهم والعقارات. وتُظهر البيانات الصادرة عن شهر مايو 2023 أن إجمالي المدخرات الشخصية في الحسابات المصرفية في البنوك قد ارتفع إلى أكثر من 237 مليار ريال قطري، مما يزيد قليلاً على 220 مليار ريال قطري (7.7%) قبل عامين، أي خلال فترة الجائحة. وكان الارتفاع ثابتًا بشكل ملحوظ، مع ارتفاع المدخرات الإجمالية باستمرار في الفترة من 2018-2023، ومنها قدر كبير من المدخرات بالعملات الأجنبية يبلغ حوالي 21 مليار ريال قطري، أو 5.7 مليار دولار. ولحسن الحظ، لا تعكس هذه الأرقام الانخفاض في الإنفاق الاستهلاكي خلال الفترة نفسها، على الرغم من أن هذا الأمر يثير تساؤلات حول التوازن الأمثل بين الإنفاق والادخار. وأفاد أحدث تقرير سنوي صادر عن معهد ماستركارد للاقتصاد عن الإنفاق الاستهلاكي نُشر في شهر ديسمبر 2022 أن الإنفاق الاستهلاكي قد ارتفع في قطر. ومن المثير للاهتمام أن هذا الإنفاق قد زاد بنفس القدر تقريبًا لدى الأسر ذات الدخل المنخفض والأفراد الأثرياء، مخالفًا بذلك للاتجاه الدولي. وربما يعكس ذلك تأثير بطولة كأس العالم التي استضافتها قطر خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2022، ولكن هناك مؤشرات على أن الإنفاق والنشاط الاقتصادي لم ينخفضا وأنهما شهدا مرحلة من الهدوء الطبيعي بعد انتهاء البطولة. ومن بين أكثر الإحصائيات المشجعة أن السياحة حافظت على نموها في عام 2023، حيث أظهرت الأرقام الرسمية الصادرة عن جهاز التخطيط والإحصاء أن هناك أكثر من 285 ألف زائر قدموا إلى البلاد في شهر مايو 2023، بزيادة نسبتها 72٪ مقارنة بالأرقام المسجلة خلال العام السابق. وشكل الزوار القادمون من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى 37٪ من إجمالي الزائرين. وقد حددت استراتيجية الحكومة السياحة واقتصاد المعرفة باعتبارهما قطاعات مستهدفة للنمو في إطار الجهود الرامية لتنويع الموارد الاقتصادية. وتعزز الزيادة في معدل الادخار إمكانية الاستثمار في هذه المجالات، ولكن الناس يميلون إلى الاحتفاظ بأموالهم في حسابات توفير منخفضة المخاطر، بدلاً من الإنفاق أو الاستثمار. وهناك حاجة لتحقيق التوازن الأمثل بين الإنفاق والادخار وتشجيع الاستثمار. ولا توجد بيانات كافية حول أنماط الادخار للعمال الوافدين الذين يشكلون غالبية سكان قطر. ولا مفر من تحويل نسبة كبيرة من دخل الوافدين إلى عائلاتهم، لا سيَّما بالنسبة للأشخاص الذين ينحدرون من مناطق منخفضة الدخل، ولكن قد تكون هناك طرق لتشجيعهم على الإنفاق والادخار بشكل أكبر في الاقتصاد المحلي. ومن بين المبادرات التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة خلال العام الماضي خطة معاشات تقاعدية مفتوحة للجميع، ولكنها تستهدف الوافدين بشكل خاص. وتدير شركة الصكوك الوطنية، وهي شركة للادخار والاستثمار أنشأتها مؤسسة دبي للاستثمار، برنامج التقاعد الذهبي. ويمكن للشركات تسجيل موظفيها في خطط التقاعد التي تقدمها هذه الشركة. ويصدر البرنامج صكوكًا في شكل سندات ادخار متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية يمكن للأفراد زيادتها عبر مساهماتهم الشهرية. ويُعدُ هذا البرنامج مكملاً لنظام مكافأة نهاية الخدمة المطبق منذ فترة طويلة على الوافدين في دول الخليج، الذي يقدم لهم مبلغًا مقطوعًا في نهاية فترة خدمتهم. ويتميز برنامج معاشات التقاعد للوافدين بقدرته على الاحتفاظ بمزيد من الثروة داخل الاقتصاد المحلي، وتعزيز رؤوس الأموال المستخدمة في الاستثمارات. ولا يمثل معدل الادخار المتزايد، في حد ذاته، تطورًا إيجابيًا أو سلبيًا لأي اقتصاد، فالأهم من ذلك هو التشجيع على تبني ديناميكية صحية بحيث تدعم أنماط الإنفاق والادخار والاستثمار تنمية اقتصاد متنوع الموارد.

2430

| 31 يوليو 2023

أسعار الفائدة المرتفعة والاقتصاد

في وقت سابق من العام الحالي، سادت درجة عالية من الثقة على نطاق واسع في أن جولة ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات الأكبر بالغرب كانت تقترب من ذروتها. وثبت أن هذا التفاؤل لا أساس له من الصحة، فقد حافظ التضخم المرتفع على «ثباته» في بعض الاقتصادات، لا سيَّما في ألمانيا والمملكة المتحدة. ويتوقع العديد من المراقبين حدوث ارتفاعات أخرى، حيث توقعت وكالة بلومبرج إيكونوميكس أن يلتزم كل من الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي بقرار زيادتين إضافيتين على أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس بحلول نهاية العام، مع رفع الأسعار الرسمية إلى 5.5٪ و 4.0٪ على التوالي، قبل خفضها في عام 2024، على الرغم من انخفاض معدل التضخم السنوي الرئيسي في الولايات المتحدة بمعدل أكثر من المتوقع ليصل إلى 3٪ بعد فترة وجيزة من هذا التوقع الصادر في شهر يوليو الجاري. وبينما يمكن ملاحظة الاتجاه التصاعدي لأسعار الفائدة في بعض الدول، إلا أن هذا الإتجاه لا يُشكل نمطًا عالميًا. فقد أوقفت بعض الاقتصادات، بما في ذلك الهند وجنوب أفريقيا، إجراءات رفع أسعار الفائدة مؤقتًا، بينما أعلن البنك المركزي الصيني عن خفض أسعار الفائدة بشكلٍ طفيف خلال شهر يونيو. ورغم أن البنك المركزي الأوروبي لا يزال متشددًا في توقعاته، إلا أنه يحاول التكيف مع التضخم الذي ارتفع في ألمانيا، لكنه انخفض في إسبانيا. ومن المتوقع أن يُعلن البنك المركزي البريطاني عن مزيد من الارتفاعات في أسعار الفائدة، ولكن حتى في هذه الحالة هناك بعض المعارضة حول ما إذا كانت هذه الإجراءات ضرورية أو حكيمة. فقد أكد آندي هالدين، كبير الاقتصاديين السابق في بنك إنجلترا، الذي كتب مقالاً في صحيفة الفاينانشيال تايمز بتاريخ 30 يونيو، أن البنك المركزي البريطاني قد أفرط في اتخاذ إجراءات تصحيحية بعد تقليله من خطورة معدل التضخم المتوقع قبل 18 شهرًا. وقد عكس التضخم المرتفع القيود المفروضة على العرض، وبناءً عليه: «وفقًا لهذا التشخيص، يتمثل الدور الأساسي للسياسة النقدية في تحمل الأضرار الناجمة عن هذا التضخم المؤقت، وليس تعويضها.» وفي الولايات المتحدة، هناك إشارات قادمة من الاحتياطي الفيدرالي على أنه منقسم بين الصقور الذين يؤيدون رفع أسعار الفائدة والحمائم الذين يعارضون ذلك، وهو ما أوقف تنفيذ الاقتراحات برفع أسعار الفائدة خلال شهر يونيو، ولكن ذلك يشير إلى إمكانية رفعها خلال مرحلة لاحقة. ولا يزال معدل التضخم الذي بلغ 3٪، ومعدل التضخم الأساسي الذي وصل إلى 4.8٪، أعلى من الهدف المحدد البالغ 2٪. وفي الوقت نفسه، كما ورد في مقال نُشر مؤخرًا في مجلة الإيكونوميست، لا تزال السياسة المالية في معظم البلدان فضفاضة على الرغم من ارتفاع ديون القطاع العام، وهو ما يوفر حافزًا مستمرًا. ويساهم ارتفاع عوائد السندات الحكومية في رفع تكلفة الديون. وبالنسبة لدولة قطر، التي تتميز باقتصادها الغني وبعملتها المربوطة بالدولار، هناك قيود، ولكن هناك أيضًا مجال أكبر لمواجهة هذه التحديات. وتُشكل أسعار الفائدة التي تفوق المستوى الأمثل للاقتصاد المحلي تحديًا، وقد انخفض معدل التضخم إلى 2.6٪ في شهر مايو 2023 بدولة قطر، وهو معدل أقل من الأرقام المسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية. ومع تباطؤ النشاط الاقتصادي في أعقاب استضافة دولة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم، وارتفاع مستويات الديون وزيادة أسعار الفائدة، هناك خطر يتمثل في إمكانية تحول ذلك الوضع إلى ركود اقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من عدم وجود بيانات واضحة، فإننا نعتقد أن قطاع العقارات يتسم بدرجة عالية من الاستدانة. وبالنظر إلى مثلث الخيارات المالية والاقتصادية التي تشمل أسعار الفائدة، والضوابط الرأسمالية، والمحفزات المالية، يجب أن يتركز الاهتمام على ثالث هذه الخيارات. ويجب أن تتبع أسعار الفائدة مجلس الاحتياطي الفيدرالي من أجل الحفاظ على ربط العملة؛ ولا توجد نية لفرض ضوابط رأسمالية بالنظر إلى الالتزام بسياسة السوق الحرة والأولوية التي تمنحها الحكومة لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، ولكن بسبب الفوائض المالية الكبيرة؛ هناك فرصة متاحة للحكومة لدعم الاقتصاد وتخفيف العبء. ويمكن تخفيف متطلبات الاحتياطي النقدي على البنوك لتشجيع الإقراض. ويمكن لبنك قطر للتنمية، والمؤسسات التنموية الأخرى، تقديم قروض ميسرة لرواد الأعمال للمساعدة في تنمية الأعمال التجارية، ولشركات الأعمال الأخرى التي تتعرض لصعوبات بفعل المستويات المرتفعة من الديون، عن طريق هذه المؤسسات أو خلال نافذة اقتراض ميسرة للبنوك من المركزي مماثلة لما حدث خلال جانحة الكرونا. ويعني وجود فائض في الميزانية أن هذه القروض يمكن أن تكون ميسورة التكلفة ومنخفضة عن أسعار السوق. ويجب منح الأولوية للفرص المتاحة في اقتصاد المعرفة، فقد سيطرت مشاريع البناء على خطط المشاريع التي نُفذَّت خلال العقد الماضي، بسبب الاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم. ومن المجالات الأخرى التي يمكن أن تشجع النمو تخفيض الرسوم التي تفرضها الإدارات الحكومية، وتقليل البيروقراطية في التعامل مع الشركات الصغيرة. ومن المشجع أن نرى أن الحكومة قد بدأت بالفعل في اتخاذ تحركات في هذه المجالات. وكانت قطر موضوعًا لعمود صحفي نشر في جريدة الفاينانشيال تايمز بتاريخ 6 يوليو. وسجل هذا العمود الإنجاز الذي حققته البلاد في العديد من المجالات ومن بينها: تنظيم بطولة كأس العالم فيفا – قطر 2022 لكرة القدم بنجاح منقطع النظير، والتوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، وتمتع البلاد بعلاقات جيدة مع قوى عالمية متنوعة، بما في ذلك الصين وإيران والولايات المتحدة الأمريكية. وأشار المقال إلى كل من التقدم الذي حققته دولة قطر والتحديات الراهنة المتمثلة في تنويع مصادر الاقتصاد بعد الطفرة الإنشائية الأخيرة. وسلط المقال الضوء على أولويات الحكومة، وذكر أن قطاعات الطاقة والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية والتعليم تتمتع بإمكانيات نمو قوية. ومن المرجح أن يكون النمو في هذه المشاريع مستدامًا بشكل أكبر من النمو الذي يمكن أن يتحقق بفعل مشاريع البناء محددة المدة، ويمكن دعم هذا النمو عبر تطبيق السياسات النقدية والمالية المناسبة، في سياق معدل الفائدة المرتفع. ويجب أن يكون لهذا المزيج من السياسات تركيز استراتيجي، عبر استخدام أدوات السياسة المالية بشكلٍ فاعلٍ لدعم النمو المستدام على المدى الطويل، وتشجيع تطوير اقتصاد معرفي يتبنى وسائل التكنولوجيا الفائقة.

960

| 24 يوليو 2023

تطوير سوق الدين بالريال القطري

سلطت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز الضوء على التمويل الخارجي في النظام المصرفي القطري باعتباره مؤشرًا سلبيًا للمخاطر، وهو ما أثار نقطة مهمة للنقاش. وكانت الوكالة قد أدرجت قطر خلال شهر أبريل الماضي ضمن قائمة تضم سبعة أسواق ناشئة تتعرض لمخاطر بسبب حجم التمويل الخارجي للقطاع المصرفي، كما تناولت هذه المسألة في تقريرها الائتماني عن دولة قطر الصادر بتاريخ 8 مايو. ويبدو هذا حكمًا سلبيًا للغاية، لأنه يقلل من أهمية نقاط القوة التي تتمتع بها دولة قطر، والتي تشمل: الفوائض الجيدة في الميزانية وارتفاع الحساب الجاري، والتصنيف الائتماني المتميز الذي وصل إلى مستوى AA، وارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وخفض مستوى الدين الوطني، ووجود صندوق ثروة سيادي يدار بشكل جيد ويتميز بأصوله الكبيرة. وفي الماضي القريب، نجحت الحكومة والنظام المصرفي في تجاوز الصدمات الاقتصادية والاستجابة لها بفعالية. لشرح الموضوع بشكل مبسط، تعتمد البنوك على أربعة مصادر رئيسية للتمويل وهي: الودائع من العملاء (الأفراد والمؤسسات)، والاقتراض الخارجي في شكل سندات وأدوات الدين، ورأس المال، والخطوط الائتمانية بين البنوكInterbank، التي تستمر عادةً لفترة قصيرة تتراوح ما بين يوم إلى شهر. وكان التقرير الصادر عن وكالة ستاندرد آند بورز في شهر مايو الماضي قد سلط الضوء على حجم الودائع قصيرة الأجل لغير المقيمين والخطوط الائتمانية بين البنوك، مشيرًا إلى أن البنوك القطرية "قد تتعرض للخطر بفعل التحولات في مشاعر المستثمرينInvestor sentiment” ". ورغم أنه يمكن القول إن المخاطرة مبالغ فيها، فإن التقرير يشير إلى ملاحظة مهمة في الاقتصاد القطري. فقد ارتفعت معدلات الإقراض من قبل البنوك بالريال القطري، ولم يقابله نمو متساوٍ للتمويل المحلي “Bond and Debt instruments” بالريال القطري. ولا يزال مصرف قطر المركزي، حتى وقت قريب، هو الجهة الوحيدة التي تصدر سندات بالريال القطري لفترات قصيرة وطويلة الاجل، وكان المستثمرون فيها البنوك المحلية، ورغم إدراجها فإنها لا تكاد تتداول في السوق الثانوية، مع الإشارة إلى أن البنك التجاري القطري كان أول من قدَّم سندات بالريال القطري هذه السنة. وفي الماضي، لم يواكب مصرف قطر المركزي إجراءات رفع أسعار الفائدة أو خفضها التي اعتمدها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، على الرغم من ربط الريال القطري بالدولار الأمريكي. وقد تسبب ذلك في توفير حافز للاقتراض بالعملة الأجنبية، لأنه أرخص من الاقتراض بالريال القطري. وقد تغير هذا الأمر خلال السنوات الثلاث الماضية حيث بات مصرف قطر المركزي أكثر تفاعلاً مع قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بما يخدم الاقتصاد المحلي والاستقرار النقدي. وإلى حد ما، لا يوجد تمويل محلي للبنوك بالريال القطري من خلال إصدار السندات بسبب عدم تواجده على نطاق واسع على الأقل. وفي ظل السيولة المحدودة، لا تكون جهات إصدار السندات على يقين من إمكانية وجود مشترين عند طرح هذه السندات للبيع، وهو ما يمنع تلك الأطراف من الاستثمار في المقام الأول. ويجب أن يكون هناك جهد واعٍ لبناء حجم من رأس المال والمستثمرين لضمان أداء السوق لوظيفتها، وهو ما سيتسبب بدوره في استقطاب الآخرين. وحسبما تبدو الأمور، لا يختلف السعر المطروح للسندات المحلية عن السعر الذي يُحصَّل على الودائع النقدية، الذي يتوفر على الفور، لذلك يكون هناك حافز ضئيل لحجز رأس المال لمدة ثلاث سنوات أو نحو ذلك من قبل المستثمرين. ويجب تعزيز وعي المستثمرين المحليين بمزايا السندات وأنها بدائل استثمارية للأسهم والعقارات، بالإضافة إلى انخفاض مخاطرها وتوفيرها لتدفقات نقدية ثابتة، خاصة للأفراد الباحثين عن استثمارات طويلة الاجل للتقاعد. ولكي يتطور سوق السندات، يجب أن يتغير القانون المحلي ليسهل على البنوك والشركات إصدار السندات وإدراجها في الأسواق المحلية. ويتطلب الأمر تطبيق قواعد جديدة فيما يتعلق بتصنيف سندات الشركات المدرجة بالريال القطري، وقد أقر بذلك السيد عبد العزيز ناصر العمادي، الرئيس التنفيذي بالإنابة لبورصة قطر. وقد يعني تطور هذا السوق الاعتماد بشكل أقل على التمويل المصرفي للشركات من البنوك، وهوما قد يساهم في خفض تكلفة التمويل ويساعد في مكافحة التضخم الناتج عن ارتفاع تكاليف الدين. ومع تطور سوق السندات، رغم أنه قد يكون من المغري تقديم علاوة على أسعار الدولار، فمن الأفضل التفكير على المدى الطويل والسعي لمطابقة الأسعار، أو تقديم علاوة صغيرة فقط. ويتسبب المعدل الأعلى في إمكانية حدوث الخطر المتمثل في جذب مبالغ كبيرة من الأموال الساخنة. ويجب أن يتماشى سعر الإقراض بالريال القطري مع سعر التمويل السريع المضمون للدولار (SOFR)، أو ربما مع تقديم علاوة صغيرة جدًا، كما هو الحال في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. ويتميز السوق الناضج بمنحنى سعر الفائدة؛ أي المعدلات المقررة لفترات مدتها سنة واحدة وثلاث سنوات وخمس سنوات. وتعتمد هذه المعدلات على إصدارات السندات التي يقرها مصرف قطر المركزي، والتي لا تتوفر للقطاع الخاص. وهناك حاجة أيضًا لتقديم ضمانات بشأن قابلية تحويل العملات الأجنبية، بحيث يمكن تحويل السندات بالريال إلى الدولار الأمريكي عند استحقاقها. وتقدم بعض حكومات الأسواق الناشئة ضمانًا على سعر معتمد للصرف عند الاستحقاق. وفي حالة قطر، هناك ربط للريال القطري بالدولار الأمريكي مما يوفر نفس الطمأنينة للمستثمرين الاجانب. ولا توجد ضوابط مفروضة على رأس المال في قطر، وهو ما يوفر حافزًا آخر للمستثمرين. ويُمثل استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر جزءًا أساسيًا من استراتيجية الحكومة. وكانت هيئة قطر للأسواق المالية قد ذكرت في تقريرها السنوي أن سوق رأس المال القطري اجتذب استثمارات أجنبية تمثل صافي شراء أوراق مالية مدرجة في السوق بقيمة تقارب 15.8 مليار ريال قطري (4.3 مليار دولار)، بزيادة نسبتها 42٪ عن الأرقام المسجلة في عام 2022. وفي الختام، إلى جانب دوره في تعزيز مرونة البنوك القطرية، سيكون لسوق السندات الناضج بالعملة المحلية فوائد إضافية، حيث سيعزز من قوة الريال، وسيتيح الفرصة للدوحة لكي تصبح مركزًا ماليًا راسخًا في المنطقة.

1281

| 17 يوليو 2023

المحافظة على الزيادة السكانية تمثل تحديًا لدولة قطر

كشفت بيانات نشرتها وكالة الأنباء القطرية مؤخرًا عن أن عدد الأشخاص الذين يعيشون داخل دولة قطر بلغ 2.656 مليون شخص في نهاية يونيو 2023، وهو ما يظهر حدوث انخفاض شهري بنسبة 11.5٪ في عدد سكان البلاد مقارنة بالأرقام المسجلة خلال شهر مايو 2023 وحدوث انخفاض سنوي بنسبة 0.05٪ مقارنةً بالأرقام المسجلة خلال شهر يونيو 2022. وتعكس هذه البيانات رغبة العديد من السكان القطريين والوافدين في قضاء الإجازة الصيفية في الخارج، ولهذا التقلب الموسمي في عدد السكان تأثير على الاقتصاد، لا سيَّما على الشركات الصغيرة والمتوسطة، فعلى سبيل المثال، لوحظ زيادة عدد المحالّ التجارية الشاغرة، وهو ما يثير أسئلة أوسع حول كيفية تشجيع الزيادة السكانية والحفاظ عليها. نظريا، يبدو أن نمو عدد السكان يدعم النمو الاقتصادي. ومن الناحية العملية، لا يتسم الأمر بهذه البساطة، حيث أن هناك أنواع معينة من العوامل الديموغرافية في النمو السكاني تكون مواتية للتنمية الاقتصادية بشكلٍ أكبر من غيرها. وفي بعض الظروف، قد لا يؤدي ارتفاع عدد السكان إلى حدوث أي نمو على الإطلاق. وتطرح الأوراق البحثية نتائج متناقضة حول هذه المسألة، وهو ما يعكس مجموعة معقدة للغاية من العوامل المتغيرة المتفاعلة. وتحاول العديد من الدول، في جميع أنحاء العالم، التعامل مع تبعات انخفاض عدد السكان أو شيخوختهم، أو كليهما معًا، بالإضافة إلى انخفاض معدلات المواليد. وهناك توجه عالمي نحو تقليل حجم الأسر وتوفير مستويات أعلى من التعليم والوظائف المهنية للنساء. وتسعى بعض الدول، مثل كندا وأستراليا، إلى تعويض النقص في عدد السكان عبر استقطاب المهاجرين، ومنح الأولوية لحملة المؤهلات العليا. وتتميز دولة قطر بتاريخ ديموغرافي مختلف، لكنها لا تزال تواجه بعض المسائل السكانية المماثلة. ففي عام 1960، بلغ عدد السكان في قطر أقل من 50,000 نسمة. ولم يصل تعداد السكان إلى مليون نسمة حتى عام 2006 ووصل الى مليونان في عام 2013. وقد وصل عدد السكان الآن إلى حوالي 3 ملايين نسمة، مع وجود توقعات بتضاعف تعداد السكان مرة أخرى خلال العقود القادمة. وهذا الاحتمال ممكن، لكنه قد لا يؤدي إلى حدوث نمو اقتصادي وتحسين مستويات المعيشة للجميع بدون تبني السياسات السكانية المناسبة. وعلاوة على ذلك، يتعرض عدد السكان للانخفاض الموسمي كما أشرنا من قبل. إذًا، ما هو النوع الأمثل للنمو السكاني لدعم التنمية الاقتصادية؟ تشير الأبحاث إلى فائدة ارتفاع عدد السكان ذوي التعليم العالي ورواد الاعمال، إلى جانب تعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة. ومن المرجح أن يساعد هذا المزيج في دعم الجهود الرامية لتطوير الأعمال والوظائف التي تتمتع بقيمة مضافة عالية. ومن المنطقي أيضًا طرح هذا السؤال العكسي: ما هو أفضل نوع من النمو الاقتصادي يمكن أن يدعم النمو السكاني؟ في إطار وضع دولة قطر، يجب أن ينصب التركيز على القطاع الخاص، ولا سيَّما اقتصاد المعرفة. وتُعدُ السمة العمرية المتوازنة من الاعتبارات المهمة في السياسة السكانية. فمع انخفاض معدلات المواليد وزيادة متوسط العمر المتوقع للفرد، هناك خطر يتمثل في انخفاض عدد البالغين في سن العمل بشكل يفوق عدد المتقاعدين ويُصَّعِب من عملية تقديم الدعم اللازم لهم. ولا تفرض دولة قطر ضرائب على الدخل، لكنها تطبق سياسة تلزم المواطنين القطريين في سن العمل بدفع مساهمة لنظام المعاشات التقاعدية الوطني. وقد حددت اللجنة الدائمة للسكان في قطر ستة محاور لضمان تحقيق التوازن الديموغرافي والتنمية الاقتصادية المستدامة. وهناك أربعة أهداف للسياسة تندرج تحت المحور الأول، السكان والقوى العاملة، وهي: زيادة عدد المواطنين، ودعم التوجه نحو اقتصاد المعرفة، والتخلص من العمالة الفائضة عن الحاجة، والعمل على توزيع متوازن للعاملين من مختلف الجنسيات على المهن، والحد من تركز جنسيات معينة في بعض المهن. ولزيادة معدل المواليد، أوصت اللجنة بتخفيض المهور وخفض تكلفة قاعات الأفراح. والاقتراح الأول قد يكون صعب التنفيذ حقًا، لأنه ينطوي على اختيارات شخصية تمامًا داخل الأسرة. وقد أدى الاقتراح الثاني إلى قيام الحكومة ببناء وتوفير قاعات الأفراح بتكلفة مميزة مقارنةً بتكلفة قاعات الأفراح في قطاع الفنادق، بالإضافة إلى توصيات أخرى. ويمر الاقتصاد القطري حاليًا بمرحلة من التكيف بعد فترة شهدت تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية التي وظفت أعدادًا كبيرةً من العمالة الوافدة ذات الأجور المنخفضة نسبيًا، والتحول نحو اقتصاد يتميز بوجود المزيد من شركات التكنولوجيا الفائقة القادرة على تحقيق النمو وتوظيف العمالة الوافدة المتخصصة. وتطبق دولة قطر برنامج العامل الضيف، الذي يتيح لصاحب العمل بشكل سهل نسبيًا إمكانية تأمين تأشيرة عمل للشخص الذي يتمتع بالمهارات المطلوبة. ويتسم العمال الضيوف من ذوي الدخل المنخفض بانتمائهم إلى مناطق فقيرة وتحويل نسبة كبيرة من دخلهم إلى بلدانهم الأصلية. وعلى النقيض من ذلك، من المرجح أن ينتقل المهنيون من ذوي التعليم العالي إلى قطر مع أسرهم، وهو ما يعود بالنفع على الاقتصاد المحلي بشكل كبير. وتوصي اللجنة الدائمة للسكان في الحد من الاعتماد على العمال القادمين من الخارج، عبر طرح مجموعة من السياسات تشمل إجراء مراجعات دقيقة لمؤهلات العمال الوافدين، وتعقب ممارسات الاتجار بالتأشيرات. وكما أشرنا في مقالات سابقة، بدأ معدل توافر العقارات في قطر في تجاوز معدل النمو السكاني، ولم يقدم دائمًا السيناريو الأمثل؛ وهناك حاجة لطرح المزيد من المنازل العائلية للأسر ذات الدخل المتوسط. وتحتاج بعض مشاريع التطوير العقاري القديمة من التي أنشئت خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي إلى التحديث وتوفير سبل ترشيد الطاقة فيها. وسوف تعود الزيادة السكانية المناسبة بالنفع على الشركات الصغيرة والمتوسطة والاقتصاد، وهو ما يضمن تحقيق المزيد من الاستقرار في النمو الاقتصادي للقطاع الخاص. ومن بين السياسات الإضافية المهمة لدعم هذا النمو ضمان توفير وسائل النقل الجيدة، وتوفير مساكن اقتصادية بأسعار في متناول السكان، وتنفيذ استراتيجيات التخطيط الحضري طويلة الأمد.

4959

| 10 يوليو 2023

الاستثمار العقاري والنمو السكاني

شهدت إسبانيا في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ازدهارًا عقاريًا توقف بشكلٍ مفاجئ مع اندلاع الأزمة المصرفية في عام 2008. وخلال تلك الفترة، تم بناء حوالي 5 ملايين منزل بين عامي 2000 و2008، تحسباً لاهتمام المشترين الأجانب، والإقبال الزائد جدًا على العقارات. وأشارت التقديرات إلى أن 3 ملايين عقار كانت لا تزال فارغة في عام 2015، وأن بعض مشاريع التطوير العقاري توقفت ولم تكتمل. فهل يتعرض سوق العقار في قطر لحالة مشابهة؟ من غير الوارد أن يحدث ذلك، ولكن من الحكمة مراقبة وضع السوق. فقد أشار تقرير حديث صدر عن وكالة ترويج الاستثمار في قطر وشركة إرنست آند يونج بعنوان "آفاق سوق العقارات في قطر – بناء المستقبل" ونشر في شهر سبتمبر 2022 إلى أن المعروض السكني خلال العقد الممتد بين عامي 2010 – 2020 قد ارتفع سنويًا بنسبة 6.9%، بينما سجل تعداد السكان ارتفاعًا بنسبة 3.8% في كل عام خلال الفترة نفسها. وأشار التقرير إلى أن العقارات أصبحت من أسرع القطاعات نموًا في قطر، حيث احتلت المرتبة الثانية بعد الهيدروكربونات في استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر. وقد سجل الناتج المحلي الإجمالي لقطاع العقارات نموًا بنسبة 18٪ خلال الفترة ما بين عامي 2015 و2020، بينما تضاعف عدد تصاريح البناء الصادرة تقريبًا خلال الفترة نفسها. ولكن مع عدم تحقيق النمو السكاني لمعدلات نمو مماثلة. وكشف تقرير آخر عن وجود مؤشرات على استقرار القطاع بعد استضافة دولة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم خلال شهري نوفمبر وديسمبر من العام الماضي. وأصدرت شركة الاستشارات العقارية ValuStrat تقريرًا عن العقارات في قطر خلال الربع الأول من عام 2023. وتوصل التقرير إلى أن الشقق السكنية سجلت انخفاضًا طفيفًا في القيمة الرأسمالية بنسبة 0.8٪، بينما تراجع العائد الإجمالي المتحصل من هذه الشقق بشكل هامشي. وقد انخفضت قيمة الإيجارات السكنية بنسبة 5.1٪ على أساس ربع سنوي، وإن كانت لا تزال أعلى بنسبة 3٪ عن القيمة المسجلة قبل ذلك بعام. وانخفضت الإيجارات في سوق الفلل بنسبة 3.1٪ على أساس ربع سنوي. ويتواصل نمو الطاقة الاستيعابية لقطاع العقارات. فقد أضيفت حوالي 1,500 وحدة سكنية خلال الربع الأول، مع توقعات بإضافة 11,700 وحدة جديدة خلال عام 2023 بأكمله. وفيما يتعلق بالمساحات المكتبية، من المتوقع إضافة 500,000 متر مربع في عام 2023، معظمها في مدينة لوسيل ومنطقة الخليج الغربي. وإجمالاً، سجلت الإيجارات المكتبية انخفاضًا طفيفًا. ويُعدُ إنشاء الهيئة العامة لتنظيم القطاع العقاري خطوة في الاتجاه الصحيح، حيث ستنظم الهيئة العمل في القطاع وتوفر الضمان للمستثمرين والمشترين. ويجب أن تؤدي الهيئة دورًا مهمًا في تحديد الميزة التنافسية لهذا القطاع مقارنة بالأسواق الأخرى، حيث ستوفر بيانات دقيقة ومحدثة عن السوق، وهو ما يساعد على تجنب عدم التوافق بين العرض والطلب. ويتمثل الغرض النهائي من العقارات في توفير المنازل وأماكن العمل، ودعم النمو الاقتصادي المستدام والمجتمعات الصحية المنتجة. ويطرح التحدي المتمثل في مراقبة النمو السكاني ودوره في التنمية الاقتصادية أسئلة أساسية من بينها: من أين سيأتي النمو السكاني (فوق النمو الطبيعي للمواليد)؟ وإذا كان سيأتي من الوافدين القادمين من الخارج، فما الذي سيجذب الناس لزيارة قطر أو العيش فيها؟ وتتمثل نقاط القوة التقليدية لدولة قطر في المناخ الدافئ والاقتصاد القوي والعملة المستقرة والأمن الشخصي المرتفع والاستقرار السياسي وعدم فرض ضريبة على الدخل. ويمكن الآن إضافة المساكن الحديثة عالية الجودة إلى هذه القائمة، وكلها عوامل ضرورية، ولكنها ليست كافية دائمًا. وقد منحت العديد من الدول التي سعت إلى استقطاب أفراد من دول أخرى، مثل كندا وأستراليا، الأولوية للأفراد المهنيين ذوي التعليم العالي، لا سيَّما الشباب في سن الثلاثينيات الذين يعولون أسرًا شابةً. ويميل هؤلاء الأفراد إلى إضافة قيمة إلى الاقتصاد بشكلٍ أكبر من استقطاب عدد أقل من الأثرياء. ومع وجود المهنيين الشباب، يحدث تأثير مضاعف، حيث يعمل هؤلاء الأفراد في الغالب في قطاعات اقتصادية ذات إمكانات نمو قوية، ويعتمدون بشكل قليل نسبيًا على دعم الدولة، ومن المرجح أن يكون أطفالهم متعلمين بشكلٍ جيد، وبالتالي تمتد المساهمات الاقتصادية إلى الأجيال القادمة. وقد نجحت دول أخرى، لا سيَّما تلك التي تتمتع بمناخ دافئ، في جذب الأفراد المتقاعدين الميسورين. ويمكن لدولة قطر أن تجتذب كلتا الفئتين، ولكن يجب أن تكون هناك حوافز كافية. وبالنسبة للمهنيين الشباب، يجب أن تكون هناك فرص وظيفية جذابة وفرص لإنشاء شركات جديدة لرواد الأعمال، فضلاً عن الأنشطة الترفيهية. ومن بين الإحصائيات المشجعة أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في القطاع غير الهيدروكربوني في قطر يتجاوز 4٪، حسب البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، مع سعي الدولة لتوسيع اقتصاد المعرفة. وبالإضافة إلى ذلك، سيرغب المهنيون الشباب الذين لديهم عائلات في تسجيل أبنائهم في أفضل المدارس والجامعات ويتوقعون ذلك. ويجب أن تكون هناك منازل في نطاق متوسط السعر المقبول، وأن تكون هذه المنازل مناسبة للعائلات. وقد كان هناك اتجاه في قطر لبناء مساكن ومشاريع تستهدف الأثرياء. وبالنسبة للمتقاعدين، يجب أن تكون المناطق السكنية مريحة بطبيعتها ويمكن الوصول إليها، بينما يعد توافر خدمات الرعاية الصحية أحد الاعتبارات الرئيسية. وهناك دوافع أخرى للاستثمار في قطر أو الانتقال إليها. وسيكون من غير الحكمة استقطاب الأفراد على أساس الثروة وحدها، نظرًا لخطر إمكانية تشجيع ذلك على غسل الأموال، وانطوائه على مخاطر أمنية. وقد أنهى الاتحاد الأوروبي تطبيق ما يسمى بـ "التأشيرة الذهبية"، على أساس الاستثمار وحده في ضوء هذه المخاوف. ويمكن للهيئات التنظيمية والبنوك الوطنية التأكد من سهولة الحصول على الرهون العقارية للوافدين، وهو ما يشجع على تملك العقارات ويؤدي بالتالي إلى تشجيع المقيمين على تعزيز استثماراتهم في قطر. ويمكن أن تكون تأشيرة المستثمر، التي تغطي عقارًا واحدًا للاستخدام الشخصي أو استثمارات أخرى جذابةً. ويمكن السماح للوافدين الحاصلين على تأشيرة مستثمر والذين يمتلكون عقارًا بالبقاء والعمل دون الحاجة إلى كفالة من أصحاب العمل، وهو ما سيشجعهم على البقاء والاستثمار في الدولة. وينبغي صياغة سياسة واضحة موحدة تشمل جميع الأطراف المعنية وتنفيذها على المستوى الوطني. وتتمتع قطر بالعديد من عوامل الجذب، لكنها تواجه وضعًا تنافسيًا لكل من السياح والقادمين للإقامة لفترة أطول مع الدول المجاورة. وبشكل عام، دعم قطاع العقارات المتنامي والحديث النمو الاقتصادي وشجعه، وجذب المستثمرين والوافدين. ويجب التفكير في تطوير العقارات السكنية بحيث تصبح مجتمعات واعدة، وليست مجرد كتل سكنية، بل عوامل لتسهيل ازدهار الاقتصاد. ويجب أن تتمتع هذه العقارات السكنية بمجموعة من المرافق والموارد، وأن تكون صديقة للبيئة، ومتصلة رقميًا بشكل جيد وترتبط بوسائل النقل العام. وفي هذه البيئة التنافسية، تحتاج قطر إلى استقطاب المهنيين الوافدين ذوي التعليم العالي ممن يتمتعون بقيمة مضافة للاقتصاد والمجتمع.

1014

| 26 يونيو 2023

قطاع العقارات يواجه لحظة محورية

افتتح معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، منتدى قطر العقاري الأول بتاريخ 4 يونيو. وجمع المنتدى الذي استمر لمدة يومين حوالي 1,500 مشارك لمناقشة القضايا التي تواجه قطاعًا متنامياً قادرًا على تحقيق نمو كبير ويملك إمكانات هائلة، ولكن مع مواجهة بعض التحديات كذلك. وقد توسع حجم ونوعية العقارات السكنية والتجارية بشكل ملحوظ في قطر خلال العقد الماضي، إلى جانب تحديث البنية التحتية استعدادًا لاستضافة البلاد لبطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022 وما بعده. ومع ذلك، فإن مدى تحقيق قطاع العقارات لعوائد قوية للمستثمرين بطريقة مباشرة، وتشجيع التنمية الاقتصادية، يواجه تحديات مستقبلية. وقد وفر المنتدى فرصةً ممتازةً لمناقشة التحديات والفرص ومجالات تطوير وتحسين السياسات المحلية في المجال العقاري. وذكر سعادة الدكتور عبدالله السبيعي، وزير البلدية، أن القيمة الحالية للمعاملات العقارية تتراوح بين 20 و30 مليار ريال سنويًا. ويرى سعادته أن هذه القيمة قد تصل إلى 100 مليار ريال في غضون خمس سنوات، وهو هدف طموح للغاية سيتطلب توسيع نطاق البنية التحتية، بما في ذلك البنية التحتية القانونية، ويعني ضمنًا تحقيق نمو اقتصادي كبير لدعم النمو السكاني الناتج. ومن غير المحتمل أن تكون السياسة المتمثلة في شعار «قم ببناء العقارات وسوف يأتي المستثمرون» Build it and they will come كافية كاستراتيجية لإدارة قطاع العقارات، وقد تم الاعتراف بذلك في المنتدى. وفي الممارسة العملية، يجب أن تتضافر السياسات المختلفة والاستراتيجيات الحكومية والتجارية مع القطاع الخاص لضمان عدم تعثر هذا القطاع. وهناك اتجاه متصاعد للعقارات الشاغرة، حيث تشير التقديرات إلى وجود الآلاف من الوحدات الشاغرة في قطر للبيع أو الإيجار. وكانت الحكومة قد استأجرت حوالي 45,000 وحدة عقارية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى استضافة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم، ولهذا السبب فقد تعود وحدات إضافية إلى السوق بعد بعض الوقت، وهناك مجموعة كبيرة من المشاريع العقارية التي من المقرر الانتهاء منها خلال السنوات الخمس القادمة. وقد أصدرت شركة ValuStrat تقريرها لسوق العقارات في قطر خلال عام 2023، وأشارت إلى وجود اتجاه تصحيحي للسوق في جميع قطاعات الإيجارات في سوق العقارات بعد نمو الإيجارات في عام 2022. وذكرت شركة ValuStrat في التقرير أن «الزيادة في العرض المفرط تساهم في حدوث التصحيحات المنتشرة بالسوق. ونظرًا لتطور قطاع العقارات بشكل شامل في عام 2023، فإننا نتوقع استمرار التعديلات المتمثلة في انخفاض الأسعار». ودعا بعض المتحدثين في المنتدى بشكل صريح إلى التوقف عن تطوير أي مشاريع جديدة، بالنظر إلى زيادة العرض. وقد ذكر ذلك أيضًا الرئيس التنفيذي لمجموعة الفردان، السيد عمر حسين الفردان، الذي قال إنه يجب أن تكون هناك وقفة في مشاريع التطوير العقاري الجديدة، وبدلاً من ذلك، يجب على القطاع التركيز على تسويق العقارات الموجودة حاليًا والعقارات قيد التطوير. ولاحظ الفردان كيف مثَّل قطاع العقارات «قوةً دافعةً» للتنمية الاقتصادية. كما شدد على أهمية تبني وجهة نظر طويلة المدى. وكان من المتوقع حدوث انخفاض في الطلب بعد انتهاء بطولة كأس العالم، ورغم ذلك ظلت قطر وجهةً ممتازةً للمستثمرين العقاريين. وأضاف أن أسعار الفائدة المرتفعة الحالية لا ينبغي أن تثني المشترين عن الشراء؛ فمن الواقعي النظر إلى متوسط السعر خلال المدة الكاملة للقرض التي تتقلب خلالها أسعار الفائدة. وعندما يكون السوق في حالة انكماش، غالبًا ما تكون هناك فرصة جيدة تدفع المستثمرين للشراء، إذا كانوا قادرين على تبني رؤية طويلة الأجل، ثم البيع عندما يتحسن السوق. وأثار المهندس ناصر حسن الأنصاري، رئيس مجلس إدارة شركة «جست ريل استايت»، حالة استثنائية تتمثل في أن من يشتري سيارةً فاخرةً باهظة الثمن لا يتعين عليه سداد دفعة أولى، ولكن عند شراء عقار بقيمة مماثلة، يمكن أن تصل الدفعة الأولى إلى 40٪، رغم أنه من المرجح أن ترتفع قيمة العقار أكثر من السيارة، لذا يجب مراجعة اللوائح المصرفية المتعلقة بالتمويل العقاري، ومواءمتها مع الأسواق الأخرى. وهناك اختلال في نوعية المعروض العقاري، حيث يتم عرض العديد من المنازل والشقق الجديدة في سوق العقارات الفاخرة، وهناك حاجة لتلبية احتياجات الفئات ذات الدخل المتوسط والمنخفض. واقترح الأنصاري أن تكون 30٪ من الوحدات السكنية في المشاريع السكنية ميسورة التكلفة. ويمكن تحديث بعض مشاريع التطوير العقاري القديمة من السبعينيات والثمانينيات، كبديل لعملية إطلاق المشاريع الجديدة التي هي فوق حاجة السوق. وقدَّم بعض المتحدثين في المنتدى طلبًا يتمثل في التنسيق الحكومي مع القطاع الخاص عند وضع أي متطلبات جديدة، وكانت هناك في السنوات الماضية الكثير من التغييرات في المتطلبات المتعلقة بعدادات المياه والكهرباء، واستخدام الكاميرات الأمنية، مما أدى الى تحمل المطورين تكلفة إضافية خلال عملية البناء رغم حصولهم على موافقات سابقة. وخاض المتحدثون والمشاركون في المؤتمر نقاشات حول ثلاثة أنواع من المستثمرين وهم: المواطنون، والمقيمون، والمستثمرون الأجانب الذين يهدف بعضهم للانتقال إلى دولة قطر أو الذين يبحثون عن فرص استثمارية مناسبة. وهناك تركيز كبير على الفئة الأخيرة من هذه الفئات الثلاث، وهي المستثمر الخارجي أو الوافد القادم. ولكن اللوائح تحتاج إلى تنسيق: وفي الوقت الحالي، لا تُعدُ الإقامة ضرورية لشراء العقار، لكنها مطلوبة لإيصال خدمات المرافق الأساسية مثل الكهرباء والماء، وهو أمر غريب يحتاج إلى معالجة. كما تم التأكيد على أن المطورين يجب أن ينظروا إلى المشاريع من واقع احتياجات المستخدم النهائي، وهو ما يعني الاهتمام بجوانب مثل المساحات الخضراء وملاعب الأطفال وتوافر مواقف للسيارات وما إلى ذلك، حيث إن بعض المشاريع لم تراع هذه الأمور، ثم يشتكي المستثمرون والملاك من صعوبة العثور على مستأجرين. ويوفر الاهتمام الحالي بدور القطاع العقاري في الاقتصاد فرصة للنمو الكلي. ورغم أنه من المرجح أن تكون القضايا على غرار زيادة العرض، وارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، ظواهر مؤقتة، يجب التعامل مع هذه القضايا جنبًا إلى جنب مع القضايا والاستراتيجيات الأخرى. ويجب أن تعمل السياسات الصحيحة على المدى القصير والطويل على توازن العرض والطلب. وقد أفاد بعض الحاضرين أنه من أجل دعم المخزون الحالي والمتوقع من العقارات، سيحتاج السكان إلى الزيادة من 3 ملايين إلى 5 ملايين. ولجذب عدد كبير من السكان والمستثمرين الأجانب، يجب أن تكون هناك وظائف أو فرص كافية لبناء شركات أعمال تكفي لدعم النمو السكاني، وسأتحدث عن هذه المعضلة في مقالي القادم.

1365

| 19 يونيو 2023

أثر الركود التضخمي العالمي على الخليج

«رغم أن دول الخليج نجحت إلى حد كبير في تجنب الركود التضخمي الذي شهدته معظم دول العالم، إلا أن ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم يفرضان مشاكل لبعض الشركات والأسر التي تتوقع استجابة حكومية لحل هذه الأزمات». من المتوقع أن يصل النمو الاقتصادي في دولة قطر إلى أقل بقليل من 3٪ هذا العام، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، بينما يبلغ معدل التضخم 5٪، وهي نسبة أعلى مما يرغب صانعو السياسات في رؤيتها ولكنها أقل من النسب المسجلة في كثير من دول العالم. ولن تتسبب هذه البيانات في إثارة مشاعر القلق في معظم العواصم حول العالم، ولن تبدو مؤهلة للظهور بمظهر «الركود التضخمي»Stagnation. ومع ذلك، يصف هذا المصطلح الكثير من الأوضاع السائدة في عالم الاقتصاد لأول مرة منذ عقود. ويرجع أصل وصف فترة التضخم المرتفع بشدة المصحوب بنمو اقتصادي ضئيل “Stagnation” إلى خطاب ألقاه السياسي المحافظ إيان ماكلويد في البرلمان البريطاني خلال عام 1965. وقد تأثر جزء كبير من العالم بمعدلات التضخم المرتفعة التي اقتربت من 10% أو تجاوزت ذلك، مع توقف النمو. ومن أجل كبح جماح التضخم، رفعت البنوك المركزية أسعار الفائدة بشكل كبير منذ العام الماضي، ولكن المشكلة لا تزال مستمرة. وقد ثبتت معدلات التضخم الحالية نظرًا لتعلق العديد من أسبابه بالاضطرابات الجيوسياسية ومشاكل سلاسل التوريد، وليس نتيجة لاقتصاد محموم في نهاية فترة الازدهار. لذلك، فإنها تبدو أقل عرضة للتأثر بارتفاع أسعار الفائدة. وفي وقت سابق من العام الحالي، كان هناك بعض التفاؤل بأن أسعار الفائدة ربما تكون قد بلغت ذروتها، لكن التضخم ظل مرتفعًا بشدة في بعض الاقتصادات الكبرى. فقد ارتفع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي خلال شهر أبريل في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 0.4٪، وهو معدل أسرع من المتوقع. ولا يزال معدل التضخم الأساسي ثابتًا في نطاق 4-5٪، مقارنة بالهدف الذي وضعه صانعو السياسة عند نسبة 2٪. وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد أعلن عن رفع سعر الفائدة بنسبة 0.25٪ في بداية شهر مايو، مما رفع سعر الفائدة القياسي إلى 5.25٪، وهو أعلى مستوى مسجل خلال 16 عامًا، بعد ارتفاعه من ما يقرب من مستوى الصفر في مارس 2022. وقام المتداولون بتسعير ارتفاع إضافي بمقدار 25 نقطة أساس من المتوقع أن يفرضه مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ربما في شهر يونيو أو يوليو. ويتوقع المراقبون في السوق الآن مزيدًا من الارتفاعات، وهو ما يشير إلى بلوغ الذروة في وقت لاحق من العام الحالي، مع وجود تقديرات بنسبة 50% باحتمال فرض زيادة ثانية بمقدار 25 نقطة أساس في وقت لاحق من العام الحالي. وهناك الكثير من الجدل الدائر بين الاقتصاديين حول ما إذا كانت أسعار الفائدة المرتفعة ستبقى لفترة طويلة، أو ما إذا كانت تشكل مرحلة مؤقتة، وإن كانت مهمة. ولكن من شبه المؤكد أن أسعار الفائدة المرتفعة نسبيًا، بالمقارنة مع الأسعار المسجلة خلال العقد ونصف الماضي بالتأكيد، ستظل معنا لمدة عام آخر أو أكثر، مع حدوث تداعيات كبيرة على الأسر وقادة الأعمال وصانعي السياسات. وقد وصلت معدلات الرهن العقاري في الولايات المتحدة إلى 7٪، على الرغم من عدم حدوث انخفاض كبير في أسعار المساكن. وفي قطر، على الرغم من الظروف الاقتصادية الجيدة نسبيًا، بسبب أسعار النفط التي تعافت منذ انتشار الجائحة، وارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي المسال، والإدارة الاقتصادية الحكيمة، إلا أن المشاكل المتعلقة بالركود التضخمي قد أثرت على البلاد، بطريقتين على الأقل. أولاً، نظرًا لأن الريال مربوط بالدولار، فإن قطر تميل إلى اتباع الزيادة في أسعار الفائدة التي تفرضها واشنطن للحفاظ على سعر الصرف، حتى لو لم يكن هذا السعر هو الأمثل للاقتصاد القطري. وكان سعادة الشيخ بندر بن محمد بن سعود آل ثاني، محافظ مصرف قطر المركزي، قد أعاد التأكيد على استمرار ربط الريال القطري بالدولار في منتدى قطر الاقتصادي خلال شهر مايو الماضي.وخلال المنتدى، أكد سعادة محافظ مصرف قطر المركزي أيضًا على أهمية التحكم في التضخم فقال: «يُعدُ الارتفاع الكبير في معدلات التضخم عدوًا رئيسيًا للاقتصاد، ويؤثر بشكلٍ كبيرٍ على دخل الأسرة. وقد لوحظ بأن مؤشر التضخم قد انخفض، ولكننا نرى رغم ذلك بعض التحديات للوصول إلى المعدلات الطبيعية للتضخم في الوقت الحالي. وقد يحتاج التضخم العالمي إلى بعض الوقت حتى يصل إلى المستوى الذي تستهدفه البنوك المركزية.» ثانيًا، في حين أن الاقتصاد في قطر لا يتأثر إجمالاً بالركود التضخمي، فإن بعض الأسر والشركات تتأثر بذلك، فقد عانوا من ارتفاع الأسعار. وتعاني بعض الشركات والأسر من مستويات ديون عالية، ترتفع تكلفتها مع ارتفاع أسعار الفائدة، بينما أدى تضخم أسعار المنتجات الأساسية إلى تقليص الدخل القابل للصرف لدى الأفراد. وقد تم الحفاظ على النمو الاقتصادي العام، ولكن لم تستفد جميع القطاعات بشكل متساوٍ من هذا النمو. فعلى سبيل المثال، يشهد قطاعا البناء والضيافة نهاية فترة ازدهار طويلة على مدى العقد الماضي، قامت قطر خلالها بتحديث بنيتها التحتية واستضافت بطولة كأس العالم لكرة القدم. ومنذ ذلك الحين، أُقيم منتدى قطر الاقتصادي ومعارض أخرى، وهناك معرض قطر إكسبو المرتقب، بينما شجعت الحكومة السياحة، ولكن هذه المبادرات لم تكن على نفس النطاق السابق عند الاستعداد لاستضافة البطولة. ولرفع مستويات المعيشة ومنع الركود، هل هناك تدابير يمكن للحكومة اتخاذها؟ سيكون مجرد الإقدام على زيادة أجور القطاع العام الحل الأسهل، ولكن هذا الحل يعاني من عيوب رئيسية: فهو إجراء قصير الأجل، وقد يؤدي إلى المزيد من التضخم، ولا يحقق الكثير من الفوائد لتحفيز النشاط التجاري والمشاريع. وقد طُرحت إجراءات التحكم في الأسعار للنقاش في العديد من البلدان، وتناولت هذه المناقشات حقيقة أن الضغوط التضخمية الحالية هيكلية أكثر من كونها دورية، ولكن قد يكون من الصعب تنفيذها، مع إمكانية مواجهة مشاكل ذات عواقب غير مقصودة، مثل الضغط على هوامش تجار التجزئة التي تؤثر سلبًا على الأجور داخل القطاع. وفي قطر، دعمت الحكومة بعض المواد الأساسية للمواطنين القطريين، مثل الطحين، لمساعدة الأسر ذات الدخل المنخفض. وهناك خيار آخر وهو الإعانات الحكومية لتعزيز قطاعات اقتصادية معينة. وإذا تم تنفيذ هذه الإعانات، يجب أن تكون استراتيجية في التركيز بحيث تهدف إلى بناء قطاعات منتجة في الاقتصاد، ورعاية مجموعات أعمال وشركات تعود بالنفع على الاقتصاد إجمالاً وتتمتع بمهارات عالية وأيضا الشركات الناشئة، وليس مجرد تقديم الإعانات للحفاظ على العمليات الحالية للشركات التي لا تعود بالنفع على الاقتصاد بشكل واسع.

2964

| 12 يونيو 2023

«النفط الجديد» يمكن أن يعزز الآفاق لقطاع النفط والغاز

تُوصف البيانات أحيانًا بأنها ’النفط الجديد‘، حيث أضحت القوة الاقتصادية لاستخدام مجموعات البيانات الضخمة “Big Data” في نمو دراماتيكي مستمر مع تطور أشكال معقدة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI). ويؤدي النفط «الجديد» أيضًا دورًا قويًا في طريقة تكيف صناعة إنتاج النفط «القديم» مع التغيرات التاريخية. ورغم أن هناك تحولاً جوهريًا في قطاع النقل وتوليد الكهرباء بعيدًا عن الوقود الأحفوري، لا يزال يُستخدم النفط والغاز في العديد من المجالات مثل إنتاج الوقود الانتقالي والمكونات البلاستيكية التي تُستخدم على نطاق واسع، بما في ذلك في التكنولوجيا الأنظف مثل صناعة السيارات الكهربائية. وفي ظل الحاجة إلى تقليل التأثير البيئي في جميع جوانب صناعة النفط والغاز وتعزيز الكفاءة، ستحظى أنظمة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بأهمية متزايدة. ومن المتوقع أن يسجل الذكاء الاصطناعي في قطاع النفط والغاز معدل نمو سنوي مركب يزيد عن 10٪ خلال الفترة حتى عام 2027. وهناك فرصة تاريخية متاحة أمام دولة قطر لتعزيز استدامة صناعات النفط والغاز، وتنويع مواردها الاقتصادية، والتحول إلى مركز عالمي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وهناك علامات إيجابية على حدوث ذلك، حيث توجد استراتيجية تنص على وضع الذكاء الاصطناعي في صميم جهود التنمية الاقتصادية وردت في الاستراتيجية التي أصدرتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالاشتراك مع جامعة حمد بن خليفة ومعهد قطر لبحوث الحوسبة. ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في ضمان إجراء تحسينات جذرية في صناعة النفط والغاز في ثلاثة مجالات حيوية هي: تحسين الكفاءة وتوفير النفقات؛ وتقليل الأثر البيئي؛ وتعزيز سلامة الموظفين. ويمكن لقطر أن تكون دولة رائدة عالميًا في تلك المجالات الثلاثة المذكورة. وهناك تطبيقات للذكاء الاصطناعي تستخدم في مجموعة كاملة من أنشطة صناعة النفط والغاز ومن بينها الأمثلة المذكورة أدناه. التنقيب والإنتاج: يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا حيويًا بداية من المرحلة الأولى من عملية التنقيب، عبر تشغيل الروبوتات التي يمكنها اكتشاف تسرب النفط والاحتياطيات في أعماق البحار، بما في ذلك تحت المحيط. ويمكن لهذه الروبوتات تحليل الموجات الدلالية “Semantic waves” والمساعدة في اكتشاف وجود النفط والغاز بأقل جهد وبسرعة عالية. وتعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على تحسين دقة رسم خرائط رواسب النفط الطبيعية؛ حيث يمكن استخدامها للتنبؤ بأحجام المخزون، ودمج البيانات الخاصة بكل من الاحتياطيات واتجاهات السوق في نموذج الأعمال. الحفر والتكرير: يمكن أن يكون الحفر مركّزًا ودقيقًا، حيث يستطيع الذكاء الاصطناعي تحديد أفضل مواقع الحفر والتنبؤ بمخاطر عملية الحفر. كما يتيح إمكانية التنبؤ الدقيق بالإنتاج اليومي والشهري وإنتاج الآبار مدى الحياة، واكتشاف العيوب والأمور غير المعتادة. المعدات والخدمات الميدانية في الحقل: تتميز عمليات التنقيب والاستخراج والإنتاج والتكرير بترابطها. وإذا تم ابقاء البيانات منفصلة، فسوف يؤدي ذلك إلى غياب التنسيق الأمثل. وتتمتع تطبيقات الذكاء الاصطناعي بالقدرة الحسابية على تنسيق جميع هذه العمليات، وهو ما يحسن من الكفاءة الإجمالية لها بشكل كبير. وتمتلك جميع المعدات المستخدمة في صناعة النفط والغاز عمرًا محدودًا. وتشتمل عملية الصيانة التنبؤية على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الوقت الذي يقترب فيه أحد المكونات، مثل الصمام أو جزء من الأنبوب، من نهاية عمره الافتراضي، بحيث يمكن استبداله أو إصلاحه قبل تعطله، وهو ما قد يؤدي إلى توقف الإمدادات. وتشتمل تقنية التوأم الرقمية “Digital twin technology” على بناء نسخة افتراضية طبق الأصل للجزء التشغيلي. ويتم تحديث هذا الأصل الرقمي باستمرار بالبيانات التشغيلية، بما في ذلك من المستشعرات الموجودة في الموقع. وتقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بمراقبة الأداء في الوقت الفعلي، وهو ما يؤدي إلى إصدار إشارات مبكرة تتعلق بتعطل الأصول. وتتميز هذه التكنولوجيا بأنها أكثر فعالية من حيث التكلفة مقارنةً بنشر فريق من موظفي الصيانة. وعلاوة على ذلك، فإنها تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لتطبيقات الأتمتة تحسين كفاءة عمليات المكتب الخلفي، كما هو الحال في القطاعات الصناعية الأخرى. الخدمات اللوجيستية والنقل: يمكن أن تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي المتخصصة في قطاع الخدمات اللوجستية في تحسين تشغيل سلسلة التوريد بأكملها. وتتمتع أدوات الذكاء الاصطناعي بالقدرة الحاسوبية لضمان تحقيق الكفاءة المثلى عبر الاستفادة من المستشعرات المرتبطة بإنترنت الأشياء والأجهزة الذكية في جميع العمليات، ونقل بيانات إدارة الأسطول مثل أداء السيارة، واستخدام الوقود، والمخزون. وتساهم جميع هذه التحسينات التشغيلية في تقليل الضرر البيئي مع تحسين كفاءة العمل في الوقت نفسه، حيث يقلل الاستهداف الدقيق لأماكن الحفر بشكل كبير من الأعطال التي تحدث عند استخدام الطرق التقليدية الأكثر عشوائية. وهناك تحسينات أخرى لحماية البيئة يمكن تحقيقها عبر استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن تحسين أنظمة احتجاز الكربون، على سبيل المثال لتحديد الكمية المثلى من ثاني أكسيد الكربون التي يمكن تخزينها بأمان في موقع من الصخور المسامية. كما تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لمراقبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والمساعدة في تقليلها خلال عمليتي الإنتاج والنقل. وتطبق دولة قطر خطةً مُحكمة لبناء صناعة ذكاء اصطناعي متقدمة، بما في ذلك التطبيقات المتخصصة لتعزيز إنتاج الوقود الأحفوري المستدام، والتي ستبقى في صميم التنمية الاقتصادية لبعض الوقت في المستقبل. وهناك تحولات تاريخية جارية في كل من تكنولوجيا الحوسبة والنفط والغاز. ومن المتوقع أن تتبوأ دولة قطر موقعًا رياديًا في كليهما.

642

| 05 يونيو 2023

الذكاء الاصطناعي وآفاق التعليم

الرعاية الصحية والتعليم هما مجالان من المجالات المحلية الأكثر أهمية لمواطني أي بلد. وإذا قام صانعو السياسات بتصحيح الأمور في هذين المجالين، فمن الوارد جدًا أن يتعزز رضا المواطنين وسكان البلاد. ويخضع المجالان لتغيرات كبيرة في ظل التطورات الحاصلة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وقد استُخدمت بعض أدوات الذكاء الاصطناعي التعليمية في السنوات الماضية، وهناك المزيد من التغيرات المهمة الجارية مع زيادة تطور النماذج اللغوية الكبرى. وقد توقعت منظمة اليونسكو أن تبلغ قيمة أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في قطاع التعليم 6 مليارات دولار، وتتفق التوقعات المختلفة على أن قيمة استثمارات الذكاء الاصطناعي في سوق التعليم من المقرر أن تتراوح ما بين 20- 30 مليار دولار في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الحالي. وفي شهر أبريل الماضي، نُقلت تصريحات صادرة عن بيل جيتس يقول فيها إن برامج الذكاء الاصطناعي ستنتشر وأنها ستكون فعالة للغاية في تعليم الأطفال القراءة. وبإمكان قطر أن تصبح من الدول الرائدة عالميًا في مجال الخدمات التعليمية والتكنولوجيا، عبر دمج مفهوم الذكاء الاصطناعي + التعلم الآلي القابل للتفسير (AI + X)، في جميع جوانب الاقتصاد والخدمات. وتمتلك قطر جامعات عالمية يمكن أن تشكل جزءًا من مجموعة أعمال تعليمية فائقة التكنولوجيا مع تحقيق قطر لرؤيتها المتمثلة في الانتقال إلى الاقتصاد القائم على المعرفة. إذًا، ما هي السمات الرئيسية للعالم التعليمي المدعوم بأدوات الذكاء الاصطناعي؟ من بين هذه السمات برامج التعلم الشخصية، حيث تتمثل إحدى التحديات الرئيسية في التدريس التقليدي داخل الفصول الدراسية في الشرح وفقًا لمتوسط القدرات في الفصل المكون من 30 تلميذًا أو نحو ذلك، وهو ما سيكون سريعًا جدًا بالنسبة لبعض التلاميذ وبطيئًا جدًا بالنسبة للبعض الآخر. وتحلل أدوات الذكاء الاصطناعي التعليمية البيانات المتعلقة بأسلوب تعلم الطالب والوتيرة المفضلة، وتعديل برنامج التدريس لضمان مواكبتها لذلك. ويمكن للنموذج تحديد المجالات التي يحتاج فيها تعلم الطالب إلى التعمق، وتحديد المواد التعليمية بناءً على نقاط القوة والضعف لدى الطالب، وتعديل خطة التعلم، وتحديثها باستمرار أثناء تعلمهم. وتعدل التكيفية الأسئلة بناءً على الإجابة وتحدد المستوى في مجموعة من الموضوعات، العلمية واللغوية على حد سواء. ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي كذلك في أن يكون التعلم أكثر تفاعلًا ومتعةً، عبر استخدام الألعاب وتكنولوجيا الواقع الافتراضي لتوفير فرص التعلم وإضافة عنصر بصري وحركي لبعض الموضوعات التقنية. ومن الاستخدامات القيِّمة الأخرى المحتملة للذكاء الاصطناعي إعداد خطة مهنية شخصية، بناءً على برامج التعلم ونقاط القوة الشخصية للفرد. وتساهم أدوات الذكاء الاصطناعي في تحصيل المعرفة بطريقة أكثر سهولةً ويسرًا لدى الأشخاص الذين يعانون من صعوبات التعلم أو الإعاقات الجسدية مثل فقدان السمع. ويمكن لهذه الأدوات كذلك مساعدة التلاميذ على تعلم اللغات لغير الناطقين بها. ومن الوارد أن تساعد هذه الأدوات في تحسين الوصول إلى المواد التعليمية للأشخاص في المناطق الريفية منخفضة الدخل، ولكن أحد الاعتبارات الرئيسية هنا هو جودة الاتصالات، حيث لا تتمتع جميع هذه المناطق بإمكانية وصول جيدة إلى خدمات شبكة الإنترنت أو تواجد أجهزة الحاسوب. وهناك مخاطر ترتبط بنشر أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم. فقد كانت هناك مشكلة شائعة تتعلق بالقدرة على الغش عند إكمال المهام الدراسية. فعلى سبيل المثال، قد يطلب التلاميذ من تطبيق يعتمد على نموذج اللغات الكبيرة مثل Chat-GPT كتابة مقال. ومع ذلك، هناك برامج يمكنها اكتشاف ما إذا كانت الإجابة المقدمة قد كُتبت باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. وعمليًا، يمكن أن تشتمل التدريبات الإبداعية على أداة الذكاء الاصطناعي التي تنتج نصًا أساسيًا اعتمادًا على معلومات واقعية، ويستخدمها التلميذ كمصادر للإشارة إليها عند خوض المناقشات حول الموضوع. ومع ذلك، قد يميل التلميذ الذي لا يمتلك الحوافز الكافية للتعلم إلى الاعتماد بشكلٍ كبيرٍ جدًا على المحتوى الناتج عن أدوات الذكاء الاصطناعي. وهناك خطر آخر، فقد يؤدي الكم الهائل من المواد التي يمكن أن ينتجها الذكاء الاصطناعي إلى إضعاف المحتوى وإحباطه. وقد يميل التلميذ الذي يشعر بقلة التحفيز إلى الاعتماد بشكل كبير على المحتوى الناتج عن أدوات الذكاء الاصطناعي بدلاً من تحليل الحجج أو المحتوى المطروح. وهناك مشكلة تتعلق بدقة المعلومات المستمدة من نماذج اللغات الكبرى؛ وهي مشكلة الهلوسة ‘hallucination’ المعروفة، حيث تكون المعلومات المقدمة مكتوبة بشكل جيد ومنطقي وموثوق بها، ولكنها خاطئة من الناحية الواقعية. ومن المبادئ الراسخة أن المصدر الواحد للمعلومات قد يكون غير موثوق به ويجب أن يُستكمل بشكل أفضل عبر التحقق من الحقائق باستخدام مصادر أخرى. والأمر نفسه ينطبق على الذكاء الاصطناعي، حتى مع تحسن الدقة. وهذه ليست بالضرورة مشكلة كبرى، بشرط أن يكون المعلمون على دراية بها. ويمكن أن يصبح تعرف التلاميذ على حدود الذكاء الاصطناعي وقوته في حد ذاته جزءًا من العملية التعليمية. ولا ينبغي أن يؤدي تألق نماذج الذكاء الاصطناعي في بعض القدرات إلى صرف انتباهنا عن إدراك أهمية التعاطف والتفاهم الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، قد تحدد أداة الذكاء الاصطناعي بعض مشكلات التعلم، ولكنها لن تحدد السبب الأساسي. ومن المرجح أن يصف نظام الذكاء الاصطناعي تدهور أداء التلميذ بأنه تدهور معرفي، ولكن السبب الحقيقي قد يكون شخصيًا، فمثلاً، قد يمر آباؤهم بتجربة الطلاق أو قد يتعرضون للتنمر من قبل تلاميذ آخرين. ومع ذلك، إذا ما استُخدمت أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل جيد، فإنها يمكن أن تساعد المعلمين على معالجة القضايا الشخصية التي قد تؤثر على التلميذ، وذلك لأن المعلمين يمكنهم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتسريع إعداد برامج التعلم وتصحيح الأوراق، وتقليل الوقت الذي يقضونه في المهام الإدارية. ويعني ذلك أنه سيكون لديهم المزيد من الوقت الذي يمكن أن يقضوه بشكلٍ فردي مع كل طفل، في كل من الشؤون التعليمية والترفيهية. وعلاوة على ذلك، فإن المعلمين هم قدوة لتلاميذهم. ومن الاعتبارات وثيقة الصلة أن الأمن السيبراني يحظى بأهمية خاصة في قطاع التعليم، بالنظر إلى الضعف المحتمل للقصر. ويجب أن تكون للملكية والحوكمة المتعلقة بالبيانات الشخصية أولوية قصوى، حيث إن الذكاء الاصطناعي ليس تقنية منعزلة، إذ إنه مرتبط دائمًا بأنظمة وعمليات أخرى. ويُعد التفاعل بين البشر أمرًا ذا قيمة لتطوير نقاط القوة مثل التفكير النقدي والإبداع والعمل الجماعي. وتكون آلات الذكاء الاصطناعي مقيدة بالبيانات التي تستخدمها، وستدرج تحيزات مصمميها. لذلك لا يزال قدر كبير من التفكير الأصيل والإبداعي والنقدي حكرًا على الإنسان. والغرض الحقيقي من التعليم هو تعزيز وتطوير هذه القدرات، إلى جانب المهارات الأخرى. وهناك خيار متاح للمسؤولين عن خدمات التعليم والمعلمين والتلاميذ أنفسهم، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز تفكيرنا أو أن يحل محله. ويتطلب التأكد من قيام الذكاء الاصطناعي بالاحتمال الأول اتباع سياسة جيدة وإدارة دقيقة وتطبيق ذكي للأنظمة الذكية.

849

| 28 مايو 2023

الذكاء الاصطناعي وتأثيره على القطاع الطبي

باتت نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة مثل Chat GPT أكثر تقدمًا بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، بفضل امتلاكها لفوائد محتملة ضخمة مع بعض المخاطر كذلك في جميع الأنشطة والقطاعات، حيث سُجلت بعض من أهم هذه التطورات في قطاع الرعاية الصحية. وقد ترسخت بعض أشكال الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية مثل أدوات المسح التي يمكنها الكشف عن الأعراض المبكرة لمجموعة من الحالات المرضية، بما في ذلك أمراض السرطان والسكري والخرف. ولكن النماذج اللغوية الضخمة تطرح تطبيقات أكثر ارتباطًا وقوة. وفي تجربة عملية، استُخدم نموذج Chat GPT نفسه لتقديم ملخص للتطبيقات الطبية في هذا المقال. وأفضت هذه التجربة إلى اقتراح قائمة تضم خمسة أمثلة مهمة هي: التصوير الطبي والتحليل الدقيق والفعال لعمليات المسح؛ والتشخيص والعلاج، حيث تساعد القدرة على تحليل كميات كبيرة من بيانات المرضى الأطباء على تحديد الأنماط وتقديم خطط علاج متخصصة؛ واكتشاف الأدوية عبر تحديد الإمكانات والتنبؤ بالفعالية المحتملة للأدوية الجديدة، وهو ما يقلل من وقت تطوير الأدوية وتكاليف هذه العملية؛ وتحليل السجلات الطبية، حيث بات بإمكان مقدمي خدمات الرعاية الصحية تحليل الاتجاهات والتطورات الصحية؛ ورصد حالة المرضى، حيث يوفر الرصد الفعلي لحالة المرضى إشارات إنذار مبكرة. ومن بين التطبيقات الأخرى استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لتدريب طلاب الطب، حيث يمكن لجهاز الحاسوب الذي يعمل بتطبيقات الذكاء الاصطناعي تحدي المتدرب عبر طرح الأسئلة وتقديم المشورة والمساعدة في اتخاذ القرار بفضل قدرته على الاعتماد على مجموعة واسعة من البيانات المتعلقة بالمرضى. ومن المحتمل كذلك أن تؤدي الروبوتات دورًا كبيرًا في القطاع الصحي بالمستقبل، حتى أنها باتت تعمل كمساعد في العمليات الجراحية عبر خياطة الجروح. ويمكن للتنبؤات التي تتم باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تزيد من الدقة في توقع مسار ونتائج حالة المريض، وتقديم المشورة للفريق الطبي بشأن موعد الخروج من المستشفى وخطة العلاج الجارية. وقد اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أكثر من 500 نموذج طبي للذكاء الاصطناعي، من بينهم حوالي 100 نموذج في عام 2022 وحده. ويمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي تحويل إدارة الصحة العامة إلى الأفضل، حيث يمكن أن تساهم الاتصالات الافتراضية وأدوات التشخيص المؤتمتة في تحسين وصول السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية دون مستشفى أو عيادة قريبة إلى التشخيص المتخصص وأشكال الرعاية الأخرى. وقد بدأ مقدمو خدمات الرعاية الصحية في تحديد كل من مزايا الذكاء الاصطناعي ومخاطره، وتقدير أن المزايا يمكن أن تكون كبيرة. ويمكن أن تتمثل أحد أكبر الفوائد في توفير التكاليف المالية. وعلاوة على ذلك، سيكون هناك تأثير أهم لأن الموظفين الطبيين سيتمكنون من تخصيص المزيد من الوقت لرعاية المرضى عبر تحرير الأطباء والممرضين من تحليل البيانات، ومن بعض المهام الإدارية الأخرى. وبالتالي، يمكن للمستشفيات خفض التكاليف وتحسين مستوى الرعاية الصحية بالتزامن مع الاستخدام الصحيح لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. ويُعدُ هذا من الاعتبارات المهمة بشكل خاص نظرًا للتضخم المرتفع المسجل في تكلفة الرعاية الصحية خلال السنوات الأخيرة بسبب مشكلات الإمداد وارتفاع العمر المتوقع للأفراد وزيادة تكاليف العلاج. ويمكن تقليل التكاليف بشكل كبير في عملية تطوير الأدوية الجديدة واختبارها، مع قدرة الذكاء الاصطناعي على تحديد المرضى المؤهلين للاختبار وتحليل نتائج التجارب بشكل أكثر شمولاً وسرعةً. قبل تطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي، كان تطوير دواء جديد يستغرق ما يصل إلى 15 عامًا وربما يتكلف ملياري دولار. ويمكن لأنظمة الرعاية الصحية توفير التكاليف بشكل أكبر بسبب إمكانية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للكشف عن الاحتيال المالي، بما في ذلك الاحتيال في التأمين، كما أشرت في مقالتي السابقة حول استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي. وقد اتخذت دولة قطر خطوة جديرة بالثناء في إطار مساعيها الرامية للنهوض بخدمات الرعاية الصحية وتعزيز تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالصحة من خلال إنشاء قطر بيوبنك وبرنامج قطر جينوم. وقد ساهمت هذه المبادرات في توفير كميات كبيرة من البيانات الضخمة، بما في ذلك تسلسل الجينوم الكامل والبيانات الجينية الأخرى، التي تعد ذات قيمة كبيرة لجهود البحوث والابتكار في مجال التطبيقات الصحية للذكاء الاصطناعي. ويمكن للباحثين والمبتكرين الاستفادة من هذه المجموعات الضخمة من البيانات عبر استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات والتواصل إلى رؤى جديدة في تشخيص الأمراض وعلاجها ونتائج المرضى. وقد ورد أحد الأمثلة الرئيسية لنتائج الأبحاث متعددة التخصصات المتعلقة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض في ورقة بحثية نشرتها كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة. وتستخدم الدراسة خوارزميات التعلم العميق لتحليل صور شبكية العين وبيانات صحة العظام التي جمعها قطر بيوبنك، حيث تم تدريب نظام الذكاء الاصطناعي على تحديد العلامات المرتبطة بحدوث أمراض القلب والأوعية الدموية وأظهر دقةً تشخيصيةً عاليةً. ويساهم تطوير هذه البنية التحتية في تمهيد الطريق لطرح تطبيقات جديدة ومبتكرة لديها القدرة على إحداث ثورة في مجال الرعاية الصحية وتعزيز النتائج العلاجية للمرضى. ولا بد دائمًا من إضافة الملاحظات التحذيرية المعتادة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي وهي أن: الأنظمة الأكثر تطورًا من الناحية التكنولوجية قد تكون عديمة الفائدة أو حتى خطيرة إذا كانت البيانات غير دقيقة. وهناك أيضًا مخاوف تتعلق بالخصوصية عند استخدام السجلات الطبية للمرضى، ويجب أن يحظى الأمن السيبراني بأولوية في هذه الممارسات. وتُعدُ الشفافية أفضل حماية ضد سوء الاستخدام، لذلك يجب إيلاء الاهتمام الواجب لترتيبات الحوكمة وتطبيق مدونة قواعد السلوك الأخلاقي. وتتميز آلات الذكاء الاصطناعي بتطورها، ولكنها لا تزال مجرد آلات يستخدمها خبراء المجال بشكل أفضل، بنفس الطريقة التي تكون خلالها الآلات المفيدة أكثر أمانًا وفعالية إذا ما استخدمها مشغل متخصص وعلى درجة عالية من التدريب. ولكن من خلال الحوكمة المسؤولة والإشراف المتخصص، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في ضمان إحداث تحسينات جوهرية للصحة العامة والرفاهية، وتوفير النفقات للقطاع الصحي والمرضى.

4470

| 21 مايو 2023

الذكاء الاصطناعي يحول الخدمات المالية إلى الأفضل

نضج الذكاء الاصطناعي بشكلٍ ملحوظٍ وأحدث ثورةً في قطاع الخدمات المالية، وبات بإمكانه تعزيز خدمة العملاء وتقليل التكاليف والحد من الاحتيال، ولكن فقط من خلال الإدارة الواعية. كان الذكاء الاصطناعي موجودًا في حياتنا بشكل ما لعدة عقود، ولكنه نضج بصورة ملحوظة في عشرينيات القرن العشرين، حيث أدت عدة عوامل مجتمعة مثل ظهور أجهزة الحاسوب الأسرع والبيانات الضخمة”Big data” والتحسينات التي حدثت في القدرات التنبؤية إلى خلق جيل جديد من الأدوات المتقدمة. وتمتلك دولة قطر استراتيجية للذكاء الاصطناعي، أعدها معهد قطر لبحوث الحوسبة، تلتزم بضمان أن تكون الدولة رائدة عالميًا في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المجالات ذات الاهتمام الوطني. ويركز هذا المقال على آثار الذكاء الاصطناعي المترتبة على قطاع البنوك والخدمات المالية، حيث توقع تقرير صادر عن مؤسسة Autonomous Next Research في عام 2021 توفير الذكاء الاصطناعي لتكاليف تبلغ قيمتها 500 مليار دولار على مستوى العالم بحلول منتصف العقد الحالي. وفي هذا السياق، من المهم للغاية إعلان مصرف قطر المركزي في شهر مارس من العام الحالي عن استراتيجية قطر للتكنولوجيا المالية 2023 لتعزيز التكنولوجيا المالية المبتكرة. وقد دأبت العديد من البنوك القطرية على الاستفادة من التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أخذ البنك التجاري ومصرف قطر الإسلامي زمام المبادرة في تطبيقاتهما. وسوف يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر انتشارًا وتقدمًا مع توسع عملية استخدامه ودمجه في الأعمال. وسيتعين على الاقتصادات التكيف بسرعة وفعالية في هذه المجالات لضمان استمرار المنافسة والازدهار. ويتميز أحدث جيل من أدوات الذكاء الاصطناعي بقدرته على معالجة بيانات أكثر بكثير، وبشكل أكثر دقة، من أي إنسان، ويمكنه اكتشاف الأنماط وتوجيه البشر عند اتخاذهم للقرارات. ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي لا يكون مفيدًا إلا إذا كانت البيانات التي يستخدمها دقيقة وحديثة. والمشاكل المعروفة في الذكاء الاصطناعي هي انحياز الآلة، حيث تتأثر المعايير بانحياز مصممي النظام ويمكن تضخيمها مع الاستخدام؛ وانحراف النموذج ‘Model-Drift’ الذي يشير إلى الفشل في تحديث نظام آلي مع تغير السياق. وإذا كانت نقطة الضعف الكبرى في الذكاء الاصطناعي هي البيانات السيئة، فإن نقطة الضعف الكبرى في الذكاء البشري هو سوء الأحكام – التي قد يغذيها الرغبة في عوائد غير اعتيادية في قطاع الخدمات المالية في كثير من الأحيان. ويمكن أن تقلل الاستخدامات الذكية للذكاء الاصطناعي من تأثير كليهما، وهو ما يعزز عملية صنع القرار ويقلل من التكاليف في آن واحد. وهناك ثلاثة مجالات تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد فيها هي قرارات الاستثمار، والقرارات الائتمانية، واكتشاف الاحتيال أو غسيل الأموال. وكثيرًا ما تُتخذ قرارات الاستثمار التي توظف الأساليب التقليدية باستخدام نسبة منخفضة من البيانات ذات الصلة. ويمكن أن يؤدي الاستخدام الذكي للذكاء الاصطناعي إلى تحسين ذلك بشكل كبير، لكن القرار النهائي لا يزال متروكًا للإنسان في العادة. وما يمكن للآلة فعله هو تقديم سيناريوهات تستند إلى التوقعات، مثل وضع سلسلة من السيناريوهات بناءً على مستويات مختلفة من أسعار الفائدة، مع مراعاة الرغبة المفضلة في المخاطرة. وعلاوة على ذلك، يمكن لمستشار الاستثمار الآلي اكتشاف الفرص التي قد تفوت حتى على محلل الاستثمار المتمرس بفضل قدرته على رصد الملايين من نقاط البيانات. وعند تقييم الجدارة الائتمانية للفرد أو الشركة، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي إجراء تحليل أكثر دقة بكثير لتواريخ الإنفاق والادخار. ويمكن اتخاذ قرار بشأن القروض بشكل أسرع وأكثر إنصافًا، حيث يُعتبر السلوك الماضي عمومًا أفضل دليل للمخاطر المستقبلية. ولا يزال بإمكان "الشعور الغريزي" ‘Gut feeling’ لمدير الائتمان أداء دور مهم، ولكنه يكون أكثر موثوقية إذا استفاد أيضًا من البيانات والتحليلات. ويتميز التداول الخوارزمي “Algorithmic trading” بسرعته وفعاليته الفائقة في اكتشاف فرص تحقيق العائدات المالية، ولكن المؤسسات قد ترغب في مراقبة التأثيرات الأوسع لقراراتها الاستثمارية، بما في ذلك الاعتبارات الاجتماعية والبيئية وتلك المتعلقة بالحوكمة. ويمكن لبعض التحليلات البشرية أن تساعد في التعامل مع مشكلة معروفة في الذكاء الاصطناعي تتعلق بالقابلية للتفسير “Explainability”: ففي بعض الأحيان يرفض النظام الآلي أحد القرارات الائتمانية، لكن النظام لا يمكنه تفسير السبب، وهو ما لا يثير إعجاب العميل المحتمل. وعند التحقق من السلوكيات غير القانونية، مثل غسيل الأموال أو تمويل الجماعات الإرهابية، يمكن أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر شمولاً ودقة من الأساليب التقليدية. فعلى سبيل المثال، دفعت اللوائح التي تؤدي إلى إجراء تحقيق في المعاملات المالية التي تتجاوز مبلغًا معينًا العصابات الإجرامية إلى استخدام آلاف المعاملات التي تقل عن الحد الأدنى للحيلولة دون الكشف عن هذه العصابات. وبإمكان نظام الذكاء الاصطناعي المتقدم التعرف على مثل هذه الأنشطة المنسقة. ولن يتمكن فرد أو حتى فريق في كثير من الأحيان من تتبع أنماط مثل هذا العدد الكبير من التحويلات في عملية معقدة. وهناك اعتبار اجتماعي آخر، وهو الاعتبار الذي نوقش لفترة طويلة حول كيفية تدمير الأتمتة للوظائف. ومن الناحية التاريخية، تميل كل موجة من الثورات التكنولوجية إلى توفير مجموعة الوظائف وإلغاء وظائف أخرى كذلك، لكن صانعي السياسات سيحتاجون إلى مراقبة الوضع لأن هناك مناطق ومهن معينة قد تتأثر بصورة أكبر من غيرها. وقد توقع تقرير صادر عن مؤسسة جولدمان ساكس في شهر مارس من العام الحالي إمكانية تعرض ما يصل إلى 300 مليون وظيفة يشغلها الأفراد حاليًا لخطر الأتمتة واستعمالات الذكاء الاصطناعي. وتشير التجربة في مجال الخدمات المصرفية حتى الآن إلى أن أفضل الأساليب هي التي تتضمن دمج مزيج من الذكاء البشري والاصطناعي. وتأتي أكبر الأخطاء من عدم الاعتراف بنقاط ضعف كل منهما. ويمكن أن يؤدي تسخير أفضل ما في الذكاء البشري والاصطناعي بشكل فعال إلى تحقيق نتائج فائقة وحتى ثورية، للعملاء والشركات والمجتمع.

3066

| 14 مايو 2023

alsharq
حدود العنكبوت

حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...

3894

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
انخفاض معدلات المواليد في قطر.. وبعض الحلول 2-2

اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...

2238

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
العالم في قطر

8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...

2145

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
حين يصبح النجاح ديكوراً لملتقيات فوضوية

من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...

1317

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
السودان.. حوار العقل العربي مع مُشعِلي الفتنة

في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف...

1269

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
الكفالات البنكية... حماية ضرورية أم عبء؟

تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...

972

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
خطاب سمو الأمير خريطة طريق للنهوض بالتنمية العالمية

مضامين ومواقف تشخص مكامن الخلل.. شكّل خطاب حضرة...

969

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
نظرة على عقد إعادة الشراء

أصدر مصرف قطر المركزي في التاسع والعشرين من...

960

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
نحو تفويض واضح للقوة الدولية في غزة

تسعى قطر جاهدة لتثبيت وقف اطلاق النار في...

879

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
عمدة نيويورك

ليس مطلوباً منا نحن المسلمين المبالغة في مسألة...

870

| 06 نوفمبر 2025

alsharq
الطاعة عز.. والقناعة غنى

الناس في كل زمان ومكان يتطلعون إلى عزة...

834

| 07 نوفمبر 2025

alsharq
عندما يصبح الجدل طريقًا للشهرة

عندما صنّف المفكر خالد محمد خالد كتابه المثير...

762

| 09 نوفمبر 2025

أخبار محلية