رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاطمة سعد النعيمي

* أستاذ التفسير وعلوم القرآن- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة قطر

مساحة إعلانية

مقالات

366

د. فاطمة سعد النعيمي

الطاعة عز.. والقناعة غنى

07 نوفمبر 2025 , 12:12ص

الناس في كل زمان ومكان يتطلعون إلى عزة تحفظ كرامتهم، وغِنى يُغنيهم عن سؤال غيرهم. غير أن التجربة البشرية أثبتت أن كثيراً ممن ملكوا المال والجاه ظلت نفوسهم في قلق واضطراب، وأن آخرين لم يملكوا سوى القليل عاشوا في سكينة واطمئنان. السر في ذلك أن القرآن الكريم يوجه الإنسان إلى منابع العزة الحقيقية، ويكشف له عن معنى الغِنى الأصيل.

يقول تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطر: 10]. هذه الآية تختصر الطريق أمام الباحثين عن الكرامة، فالعزة لا تُشترى بالمال، ولا تُنتزع بالقوة، بل تُمنح لمن أطاع الله وتمسّك بشرعه. إن الطاعة ترفع الإنسان فوق أهوائه، وتحرره من ذل الشهوة والهوى، وتجعله واقفاً شامخاً لا يطأطئ رأسه إلا لخالقه. وحينها يكون عزيزاً في عيون الناس، ولو كان قليل المال والمكانة.

أما الغِنى، فقد أوضحه النبي ﷺ بقوله: “ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس” (متفق عليه). فالإنسان قد يملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ولا يشبع قلبه أبداً، بينما آخر يملك القليل ومع ذلك يعيش قانعاً سعيداً. القناعة تجعل القلب ممتلئاً شكراً ورضا، وتخفف عن الإنسان مشقة الركض وراء الدنيا. وفي هذا المعنى يقول تعالى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَٰجًا مِّنْهُمْ﴾ [طه: 131]، كأنه ينهاك أن تجعل عينك أسيرة ما في يد غيرك، فتفقد لذة ما بين يديك.

وفي زمننا المعاصر، حيث يُقاس النجاح بعدد الأرصدة البنكية، وتُقاس القيمة الاجتماعية بالمناصب والمظاهر، تأتي رسالة القرآن لتعيد الميزان إلى نصابه: الطاعة هي سبيل العزة، والقناعة هي سر الغِنى. إنهما جناحا الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين، حيث قال: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97].

هذه المعادلة البسيطة العميقة، لو وعيناها، لوفرت على الناس عناء اللهاث خلف سراب الدنيا، ولأعادت الطمأنينة إلى قلوب أرهقها التنافس المحموم. فالعزة لا تُنال إلا في رحاب الطاعة، والغِنى لا يُدرك إلا في ظل القناعة.

مساحة إعلانية