رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لقد اهتمت الشريعة الغرَّاء اهتمامًا كبيرًا بتربية النفس البشرية وتهذيبها وغرس الخير والصلاح فيها، وكلنا نعلم أن النفس مدارها القلب، ذاك العضو الحساس الذي يمنحك الحياة بأمر ربه في كل لحظة تمر عليك، كما أن سلامة هذا القلب وصلاحه أقرب طريق إلى الجنة والفوز بمرضاة الخالق سبحانه. •سلامة الصدر تمنحك سعادة الدنيا والآخرة: وتعد سلامة الصدر صفة وميزة وعلامة تميِّز الناجين يوم القيامة؛ فالمؤمن الصادق صاحب القلب السليم هو الفائز في هذا الموقف العظيم. قال تعالى: «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» (الشعراء: 88، 89). وجعل الله تعالى هذه الصفة من جملة نعيم أهل الجنة، وهذا يدل على أهميتها وعظيم شأنها، قال الله تعالى: «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ» (الحجر: 47). فأهل الجنة لا شحناء فيما بينهم، ولا غل ولا حسد ولا كراهية. قلوبهم انتزع الله منها ما يفسدها لتستمتع بالجنة دون منغصات. لو تخيلنا أن كل مسلم في مسيرة حياته كان حريصًا على سلامة صدره مع كل مَن حوله، أهله وإخوانه وزملائه وجيرانه، وكل مَن يتعامل معهم، جميعهم يتحلون بقلوب نقيَّة صافية كماء المطر، فلا شك أن دنيانا سوف تتحوَّل إلى جنة نسعد فيها جميعًا، فسلامة الصدر تمنحك سعادة الدنيا والآخرة. لأجل ذلك، وجب التعريف بالمعنى الشامل لسلامة الصدر، وهي سلامة القلب من كل الآفات التي تفسد عليه دينه ودنياه، فيسلم من كل ما يُبغض الله تعالى، كالشرك والنفاق والغل والحقد والحسد والكراهية والشحناء والشح والكبر وحب الدنيا والتعالي وسائر الأمراض القلبيَّة، عافانا الله واياكم من شرورها في الدنيا والآخرة. وقد حرص رسولنا الكريم ﷺ على توجيه الأمة وتعليمها ما ينفعها، فحثنا عليه الصلاة والسلام على الاهتمام بسلامة الصدر وطهارة القلب، ولما سُئل النبي ﷺ: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب، صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد» (حديث صحيح). •أمرٌ صعب المنال كمن يرتقي الجبال: وسلامة الصدر ليست أمرًا سهل المنال، بل هي أمر صعب كمن يرتقي الجبال، لا يُرزقه إلا كل مجتهد صادق في إصلاح قلبه وتهذيبه؛ فقد جاء في القصة المشهورة التي أوردها لكم بتصرف قليل عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: «كنا جلوسًا مع الرسول ﷺ فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، لحيته تقطر ماء من وضوئه يعلق نعليه في يده الشمال، ثم جاء اليوم التالي فكرر النبي ﷺ مقولة الأمس: يطلع الآن رجل من أهل الجنة، فطلع ذلك الرجل نفسه مثل المرة الأولى، فلمَّا كان اليوم الثالث قال النبي ﷺ مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبيﷺ تبعه - أي: تبع الرجل الممدوح - عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال للرجل: إني على خصومة مع أبي فأقسمت ألَّا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تدبِّر لي مأوى عندك هذه الأيام الثلاثة، فعلت. قال الرجل: نعم». قال أنس: «وكان عبد الله يحدثنا أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يرَه يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تعارّ وتقلَّب على فراشه ذكر الله (هذه أولى الملاحظات) وكبَّر حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا (الملاحظة الثانية)، فلما مرت الثلاث ليالٍ، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبدالله، إني لم يكُن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكني سمعت رسول الله ﷺ يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت نفسك الثلاث مرات، فأردت أن أرى عملك فأقتدي به، فلم أرَك تعمل كثير عمل، ولا عبادة مميزة، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله ﷺ؟ فقال الرجل: ما هو إلا ما رأيت، هذا عملي ولا أزيد عليه. قال عبد الله: فلما وليتُ دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إيَّاه. فقال عبد الله بن عمرو: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق!» (رواه أحمد). فهذا الرجل بلغ منزلة أهل الجنة بسلامة صدره ونقاء سريرته، وهذه الصفة لا يطيقها ولا يقدر عليها إلا كل مؤمن صادق موفق. فاللهم ارزقنا قلوبًا نقية تبلّغنا بها جنتك. •الدنيا صغيرة والأعمار قصيرة: فنصيحتي لنفسي وإخواني وأحبابي: احرصوا على سلامة صدوركم؛ فالحياة قصيرة، لا تستحق الشحناء ولا البغضاء، وفضل الله يؤتيه مَن يشاء، فلنترك الحسد والحقد على الآخرين، فإذا اهتم كلُّ واحد منا بإصلاح قلبه سوف تختلف حياته بلاشك إلى الأفضل، وسيعيش سعيدًا مرتاح البال حريصًا على مرضاة الله طمعًا في النعيم المقيم في جنة عرضها كعرض السماء والأرض، جعلنا الله وكل مسلم ومسلمة من أهلها. •دعاء: اللهم ارزقنا قلوبًا نقية تبلِّغنا بها جنتك، اللهم إنّا نسألك قلوبًا يملؤها الرضا والقناعة، ونسألك اللهم صدورًا سليمة تحمل الخير وتحب الخير وتنشر الخير في كل مكان وزمان، ولا تجعل اللهم في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، ونسألك دوام الأخوة الصادقة والمحبة الخالصة لوجه الله، وأن تؤلف بين قلوبنا يا رب العالمين.
4170
| 02 فبراير 2023
يعتقد البعض أن الغضب خُلقٌ وراثيٌ، أو أنه مرضٌ مزمنٌ، ولكن هذه المقولة تحتاج منَّا إلى الرجوع والتأمل في الحوار الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ذلك الرجل الذي قال له يا رسول أوصني! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تغضب، ثم كررها مرارًا فقال: يا رسول أوصني! والنبي صلى الله عليه وسلم يُعيد نفس الإجابة: (لا تغضب). نستنتج من هذا الحوار، أن الغضب ليس مرضًا وراثيًّا، وليس مرضًا مزمنًا، ولو كان كذلك لدعا النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل: شفاك الله وعافاك من الغضب، أو دعا له بدعوة، ولكن قال له: (لا تغضب)، أي: ابتعد عن الغضب. ونستنتج أيضًا أن الغضب شرٌ وجمرة من النار وأنه من الشيطان والعياذ بالله، وهو سبب كبير مما يحدث لنا في الوقت الحاضر من مشكلات، وما كان يحدث في السابق كذلك. فعلى سبيل المثال: كم من حالة طلاق كانت بسبب الغضب؟ وكم من كلمة سيئة خرجت من شخص نحسبه بأنه رجل صالح، ولكنه في حالة غضبه وعدم تماسكه ألقى بتلك الكلمات التي قد يندم عليها طوال حياته؟. وهذا يعني: إمكانية معالجة الغضب عند الإنسان، وذلك بتدريب نفسه على بعض الأمور. فإذا غضبت أخي فعليك بأربع خطوات إذا فعلتها ذهب الغضب عنك، وهذه الخطوات ورد بعضها في القرآن الكريم وبعضها في السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. الأولى: إذا غضبت أو أحسست بالغضب فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. الثانية: إذا كنت واقفًا عند الغضب فعليك بالجلوس، وإذا كنت جالسًا فعليك بالاسترخاء إذا كان المكان مناسبًا لذلك. الثالثة: يجب التحلي بالصبر والحلم والأناة عند الغضب، وأن نتذكر توجيه ملك الملوك سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ (آل عمران: من الآية 134). الرابعة: إذا غضبت فالزم الصمت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم فليسكت) لأنه لو تكلم فسيقول غالبًا ما لا تحمد عُقباه. • دعاء: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم من أهل الحلم والعلم والأناة، وأن يكفيني وإياكم شر الغضب.
2127
| 28 يناير 2023
لقد كانت بعثة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، نورًا على البشريَّة، وجاءت رسالته تحمل في تعاليمها شتَّى خصال الخير التي تنفع الفرد والمجتمع، فلم تترك شريعة الإسلام أي جزء، ولو بسيطًا، من جوانب النفس إلا واهتمَّت به وهذَّبته حتى يُخرج الإنسانُ أفضلَ ما عنده فيرتقي بنفسه أولًا وينفع مجتمعه كذلك.. ومن الخصال الحميدة التي حثَّنا عليها الإسلام: إتقان العمل.. هذه العبادة الخالصة التي تكمن في النفوس الراقية المؤمنة التي ترجو محبة الله والفوز بمرضاته. •استشعار مراقبة الله في عملك: فالمؤمن يعلم أن الله مُطَّلع على عمله، فيجتهد أن يُريَ اللهَ منه أحسن صنيع، فيكون الجزاء من جنس العمل، فكلما كان العمل خالصًا لوجهه تعالى، على درجة عالية من الإتقان والجودة، كان الجزاء كذلك من الله أوفى وأجزل، والله عنده حسن الثواب. ولقد أخبرنا رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، أن إتقان العمل من أسباب محبة الخالق سبحانه عباده؛ فعن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمِل أحدكم عملًا أن يتقنه» (رواه الطبراني وصحَّحه الألباني). •أثر الإتقان في العمل على الفرد: الإنسان الذي يسعى إلى الإتقان والإجادة طلبًا لمحبة الله يسعد بلا شك في دنياه وآخرته، والنفس إذا اعتادت خصال الخير كان ذلك سببًا رئيسًا في نجاحها وتقدمها، فحَثُّ الإنسان نفسه على الإتقان في عبادته وعمله وسائر مسؤوليَّاته يجعل الشخص أولًا نشيطًا غير كسول، والنشاط يزيد من قوة الإنسان وعزيمته، فتجده شخصًا إيجابيًّا لا يترك أي فرصة حتى يضع بصمته ويرى له دورًا ومساحة ولو صغيرة في كل عمل خير، فيعكس حب الإتقان الجانب الخفي في نفس المؤمن، فيخرج أجمل ما فيها من النشاط والحماس والإيجابيَّة وحب المشاركة وتقديم يد العون للآخرين، فنجد للإتقان أثرًا عظيمًا في الفرد، من حيث النجاح ودوام التقدُّم والتطوُّر الملحوظ وتحسين مستواه في عمله والترقِّي في درجاته، وكذلك تحسين مستواه الاجتماعي والمادي، وينعكس إتقانه على مَن حوله في المجتمع. •أثر الإتقان في العمل على المجتمع: المجتمع الذي يتمتع أبناؤه بصفة الإتقان والتفاني في العمل ومحبة الإجادة والتميُّز مجتمع متقدِّم ناجح متماسك في ازدهار وتطور مستمرين؛ لأنه كلما أتقن الإنسان عبادته وعمله الشخصي انعكس ذلك عليه عمومًا، فيصير متقنًا لعمله ومحبًا إياه، يسعى إلى الوصول إلى أعلى درجات الجودة في مجاله، فيرتقي به مجتمعه، ولا سيَّما إن كان يتمتَّع كل أفراد المجتمع بالروح نفسها التي تحب الإتقان والإجادة. فيضع هؤلاء الأفراد المتقنون مجتمعهم دائمًا في الصدارة، ويصير في تقدُّم مستمر بإذن الله تعالى. وينعكس الإتقان على الأمة الإسلاميَّة والعربيَّة في علو شأنها بين الأمم وتقوية عزيمتها وبيان مكانتها وإبراز قدراتها بين الأمم، فيهابها الأعداء ويحسب حسابها القاصي والداني. فبالإتقان نرتقي ونتقدم وتزداد قوتنا، فنرفع ديننا فوق الجميع وتظل راية الإسلام عالية خفَّاقة لا ينطفئ بريقها ولا يضعف بنيانها. •أهمية تربية هذا الجيل على إتقان العمل: لذلك يجب علينا التحلي بالإتقان، بل يجب تعليمه لهذا الجيل بالأخص؛ لأنه اعتاد السرعة من خلال ارتباطه بالتكنولوجيا المتطورة والأجهزة الذكية، ممَّا أثَّر بعض الشيء في اندثار فكرة الإجادة والإتقان؛ لأنها أصبحت مهمة التكنولوجيا اليوم، ولكن لا ينبغي إغفال الجانب المهم، وهو الأشخاص أنفسهم، لا بُدَّ من اعتياد الإتقان في كل شيء منذ الصغر، نربِّي أبناءنا على حب الإتقان ونكافئهم ونحمِّسهم ونشجِّعهم على الإتقان باستمرار؛ فبذلك نُخرج جيلًا واعيًا نشيطًا إيجابيًّا متقدمًا ومتطورًا في كل المجالات. •دعاء: أسأل الله أن يرزقني وإياكم الإتقان في عباداتنا وأعمالنا وسائر مهمات حياتنا، وأن يرزقنا خصال الخير والبركة لأنفسنا وأهلينا وبلادنا ولأمتنا والتي ترتقي بنا إلى نوال محبة الله ومرضاته.. اللهم آمين يا رب العالمين.
2205
| 19 يناير 2023
الإنسان في مسيرة الحياة يعلم أن الدنيا فيها كثير من النعم التي سخرها لنا الله من كمال فضله وإحسانه على عباده.. وعلى الجانب الآخر، نعلم أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، فيها من المِحَن والصعوبات والأمراض ما يصعب على الإنسان تحمُّله؛ لذلك جعل الله المثوبة على قدر المشقَّة والتعب والصبر.. • الأمراض الدنيويَّة نوعان: أمراض الأبدان وأمراض القلوب: والنوع الأول علاجه أيسر وأبسط بكثير من النوع الثاني؛ فأمراض الأبدان واضحة؛ فكما أنزل الله الداء أنزل معه الدواء، وأمراض البدن لا يتعدَّى ضررها إلى الآخرين. نأتي إلى النوع الأخطر والأهم، ألا وهو أمراض القلوب، وهي أمراض شأنها كبير وضررها عظيم على الشخص نفسه وعلى مَن حوله؛ لذلك لم يُغفل الشرع الحنيف هذا الجانب الخفي من شخصيَّة الإنسان. ومن أخطر الأمراض التي نود الحديث عنها اليوم: مرض قسوة القلب؛ فهذا الداء يهدم الأسرة والمجتمع وتنهار به الأمم؛ فالقسوة تفرِّق الشمل وتزرع الحقد والكراهية في النفوس.. فقد كانت قسوة القلوب من الأمراض التي أهلكت بني إسرائيل بعدما جاءتهم البيِّنات، فشبَّه الله قلوبهم بالحجارة التي لا حياة فيها ولا نفع منها، فقال تعالى عن بني إسرائيل: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً» (البقرة: من الآية 74). فهذا يدلِّل دلالة واضحة على خطورة القسوة وأثرها في المجتمعات؛ لذلك حذَّر اللهُ منها رسولَنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، في طريق دعوته وحثه على اللين والرحمة، قال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْحَوْلِكَ» (آل عمران: من الآية ١٥). • قسوة القلب تفضّ الناس وتفرقهم: علَّم الله تعالى نبيَّه، صلى الله عليه وسلم، أن قسوة القلب تفضُّ الناس مِن حوله وتفرِّق جمع أمته، فكان صلوات ربي وسلامه عليه يفيض رحمةً ويسرًا على أمته في شتَّى أمور دينها ودنياها.. وجاءت توجيهاته، عليه الصلاة والسلام، فيها تحذير وتخويف من خطورة قسوة القلوب وعقوبتها الكبيرة.. فعن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «وإنَّ أبعد الناس من الله القلب القاسي» (رواه الترمذي). وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تُنزع الرحمة إلا من شقي» (رواه الترمذي وحسَّنه الألباني). وإذا نظرنا إلى قسوة القلب من منظور اجتماعي، نجد أثرها يبدأ منذ النشأة الأولى؛ فالمربي القاسي يفسد علينا الناشئ المتزن، فتخيل فئة من أولياء الأمور، سواء الآباء أو الأمهات، يتصفون بقسوة القلب، كل نمط تربيتهم بالقسوة والشدة والغلظة، فيَخرج لنا جيل مشوه مضطرب نفسيًّا لا يستطيع تكوين رأي أو أخذ قرار، متزعزع الثقة بنفسه غير قادر على الإبداع والتميُّز.. للأسف هذه حقيقة! ربما يجد البعض في كلامي مبالغة، ولكن هذا الكلام من واقع تجارِبنا وما مرَّ بنا من مشكلات كثيرة لشباب وفتيات وأسر كاملة دمرَّتها قسوة القلوب. فالزوج القاسي تفسد علاقته بزوجته، ومن هنا يأتي الشقاق والفراق، وقسوته على أولاده تدمِّرهم وتعطِّلهم عن التقدُّم في المستقبل، وتجد الأسرة مفكَّكة ومنهارة بسبب القسوة والغلظة، وتُقطع الأرحام وتُهدم كل الصلات الاجتماعيَّة بسبب قسوة القلب، ويندرج على تفكُّك الأسر تفكُّك المجتمع بالكامل، كما أن قسوة القلب تُعد أول طريق الجريمة عياذًا بالله. • القلب القاسي يموت فيه الضمير: فالقلب القاسي يموت فيه الضمير والمراقبة لله، فلا يشعر بالخوف أو تعذيب الضمير، فتجد الشيطان له سلطان عليه، ومن السهل أن يسلك طريق الجريمة بكل سهولة، نسأل الله العافية من القسوة وآثارها. فقد يرى البعض في القسوة والشدة هيبة، ولكن هذا من تلبيس إبليس على الإنسان؛ يضع لك السم في العسل. بل العكس هو الصحيح؛ فكلما كان الإنسان رحيمًا ودودًا رفيقًا متواضعًا، زادت محبته وعلت هيبته. • نجاح الإدارة من نجاح مدير رحيم بموظفيه ومراجعيه: لذلك تجد كل كيان ناجح وراءه مدير رحيم ليِّن سهل العشرة والتعامل، يترك مساحة للخطأ والتعلُّم، ومساحة للنقاش وبحث جميع الآراء وإعطاء أهمية لكل من حوله؛ فهذا أول طريق التقدُّم والإبداع والتطوُّر لدى أي وزارة أو مؤسسة أو إدارة. • رسالتي لنفسي ولكل من يرجو النجاة: ففي كلامي رسالة نُصح لي أولًا ولكل مسلم يرجو النجاة في الدنيا والآخرة؛ أيها الإخوة والأخوات .. يجب علينا الحذر من قسوة القلوب، ويجب أن نحرص دائمًا على الميل إلى اللين والرحمة؛ لأنهما مفتاح كل خير وأساس كل بناء قوي شامخ وناجح وقادر على التطوير والتقدم. • دعاء: اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجِّنا من الظلمات إلى النور، وجنِّبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وبارِك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقواتنا، وقلوبنا، ووالدينا وأهلينا، وذرياتنا، وإخواننا وأخواتنا، وتُب علينا، إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمك وفضلك علينا يا رب العالمين.. اللهم آمين.
3906
| 12 يناير 2023
أقبلت علينا مواسم الطاعات تحمل معها الخيرات والبركة في الأوقات لنجتهد في العبادات ونتزوَّد من الحسنات.. فمع حلول موسم الشتاء نجد الأوقات في النهار قصيرة، فيها فرصة للصيام، وأوقات الليل طويلة، فيها وقت كثير للعبادة والقيام.. وقد وصف النبي، صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، عبادة الصوم في فصل الشتاء بالغنيمة. فقال صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: «الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة» (رواه أحمد وحسنه الألباني). وهذا الوصف النبوي له دلالة رائعة كما ذكر أهل العلم. فالمقصود بالغنيمة الباردة: التي حصلتَ عليها بغير قتال، ولا تعب، ولا مشقة؛ فمن يفوز بها يحوز هذه الغنيمة عفوًا صفوًا بغير تكلفة ولا جهد منه. وحريٌّ بالمسلم أن يجتهد في مواسم الطاعات ويسارع إليها وينافس على الفوز فيها. قال تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران: 133). فلنسارع إلى العبادة والطاعة لنفوز بالمغفرة وننعم بالجنة، جعلنا الله من أهلها أجمعين يا رب العالمين. وهذه الأيام تعد مقدمة وتهيئة قويَّة للشهور الغالية المقبلة علينا بعد قليل بإذن الله على خير. والشتاء له ميزة خاصَّة، فطبيعة الأجواء فيه يملؤها السكون والهدوء، يجتمع البرد مع المطر فتقل الحركة والتنقل ويستقر الناس في أماكنهم بعكس موسم الصيف. وقد كان السلف الصالح يفرحون بقدوم الشتاء.. فعن عمر - رضي الله عنه - قال: «الشتاء غنيمة العابدين».. وقال ابن مسعود - رضي الله عنه: «مرحبًا بالشتاء؛ تتنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام». وجاء عن الحسن البصري أنه قال: «نِعْم زمان المؤمن الشتاء؛ ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه». فيجب أن نجتهد في هذه الأوقات المباركة ولا نتركها تذهب سُدى، فهذه الأوقات طويلة لا تنبغي إضاعتها على الهواتف والتنقُّل بين المواقع ومتابعة الـ«سوشيال ميديا»، فكل هذه الملهيات إذا لم يكُن حضورك عليها فيه أجر ونفع لك، فلا تضيِّع فيها دقيقة واحدة من وقتك الثمين، فالوقت رأسمالك الحقيقي وجزء من عمرك الذي سوف تُسأل عنه أمام الله تعالى. فيجب علينا تقسيم أوقاتنا وإدارتها جيدًا، لا سيَّما في الشتاء، فنقسم الوقت بالتوازن بين العبادة أو العمل الوظيفي أو الدراسة الجادة، وبين الإكثار من صيام التطوُّع والنوافل في الصلاة وقراءة القرآن والذكر، إلى جانب أعمال الخير من صلة الأرحام وزيارة المرضى ومعاونة المحتاج ومساعدة الفقير.. إلى غير ذلك من وجوه البر التي تقدر على المشاركة فيها ابتغاء مرضاة الله تعالى. • دعاء: نسأل الله تعالى البركة في الأوقات، وأن يعيننا على طاعته في كل وقت وحين، وأن يلهمنا ذكره ويرزقنا الثبات على الصراط المستقيم ويجعلنا من الفائزين بجنات النعيم.. اللهم آمين.
1293
| 05 يناير 2023
خلق الله تعالى الإنسان وهيَّأ له هذا الكون الفسيح ليجد فيه راحته وأنسه وكل ما يحتاج إليه ويتمنى، بل وكل ما يجعله مستمتعًا بحياته، وهذا من فضل الله الكبير على عباده، كما أسبغ علينا، سبحانه، كثيرًا من النعم في أنفسنا لتساعدنا في أمورنا، وبذلك تتحقَّق سعادتنا في رحلة الحياة. •عدّاد الحسنات: ومن النعم التي رُزقنا بها: نعمة اللسان والقدرة على الكلام والتعبير عمَّا يجول بخاطرنا وما نحتاج إليه وما نشعر به وما يسعدنا وما يحزننا، فهذه نعمة عظيمة قليلٌ من يشكر الله عليها مع وجود مَن يفقدها مِن حولنا، هؤلاء فقط مَن يعلمون مدى أهميَّتها، أما مَن هو في عافية فربما يسهو عن الشكر لله على نعمة القدرة على الكلام. وهذه النعمة لها دور كبير في حياة المسلم، بها يحقق العبوديَّة والتوحيد الخالص لله ويؤدِّي العبادات ويردِّد الأذكار، ففي اللسان عدَّاد الحسنات الذي يعمل عملًا متواصلًا لا يتوقَّف إلا في وقت النوم فقط. •قد يكون مصدر خطورة على الفرد والمجتمع: وعلى الرغم من أهمية هذه النعمة، نجد لها خطورتها على الفرد بشكل خاص، بل وتصل خطورتها على أسرة كبيرة بل ومجتمعات ودول بأكملها، فلا بُدَّ أن يحذر المسلم من لسانه حتى لا يورده المهالك. فقد أخذ أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، بطرف لسانه وقال: «هذا الذي أوردني الموارد». فلا بُدَّ أن نتعلَّم متى نتكلَّم لنكتسب أجرًا ومتى نصمت لنسْلَم في أنفسنا ولا نضر غيرنا. فقد كان الصمت من هدي النبي، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فعن سِمَاكٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بنِ سَمُرَةٍ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَكَان طَوِيلَ الصَّمْتِ، قَلِيلَ الضَّحِكِ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَذْكُرُونَ عِنْدَهُ الشِّعْرَ، وَأشياءَ مِنْ أمورهِمْ، فَيَضْحَكُونَ، وَرُبَّمَا تَبَسَّمَ» (رواه أحمد). وَعَنْ عَائِشَةَ، رضيَ اللهُ عنها: «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، كَان يُحَدِّثُ حديثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ» (رواه البخاري). وعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، رضيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ثلاث مِرَارٍ: «رَحِمَ الله امْرَأً تَكَلَّمَ فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ» (رواه البيهقي). فهذا جزء بسيط من الأحاديث النبويَّة التي تحذِّر من خطورة إطلاق اللسان وغيرها كثير، وهذا ممَّا يدلِّل على خطورة الأمر، وهذا في زمن كان انتشار الكلمة بطيئًا على عكس حياتنا اليوم، التي نرى فيها انتشار الكلمة يسابق البرق في السرعة والظهور؛ نظرًا لوجود وسائل مساعدة تُسهِم في نشر الكلام ووصوله إلى أي مكان في الكون وإلى أي شخص في أي وقت.. وهذا، واللهِ، لأمرٌ خطير لا بُدَّ من أن ينتبه إليه المسلم. •الكلام ووسائل التواصل الاجتماعي: ومع انتشار وسائل التواصُل بشتَّى أشكالها، التي أصبحت تحمل الكلمة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، يجب الحذر حتى لا نجلب لأنفسنا إلا الخير مما نقول. ولا بُدَّ من أن نعلم مدى خطورة الكلمة في هذا الزمان، فتجد أشخاصًا يطلقون ألسنتهم في كل جانب، يعلِّقون ويحلِّلون وينتقدون ويقترحون في كل شيء، تجد لهم صوتًا وكلامًا ورأيًا، وهذا بلا شك أمر خطير يوقع الإنسان في الصواب تارةً وفي الخطأ تاراتٍ أخرى. فالكلمة حجة لنا أو علينا، وكلنا مسؤولون ومحاسَبون عليها يوم القيامة. فقد قال النبي، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالًا من رضوان الله يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم» (رواه البخاري ومسلم). •الحذر واجب: فلنحذر جميعًا ولنمسك علينا ألسنتنا فلا نتكلم إلا بخير ينفعنا ويرفع درجاتنا وكذلك ينفع غيرنا، سواء في شكل نصيحة طيِّبة أو كلمة حق أو شهادة صدق أو حوار هادف بنَّاء لا نقد فيه ولا استهزاء، فهكذا يكون الكلام نافعًا لنا ولغيرنا، وكذلك عبر مواقع التواصل، نحافظ على ضبط ألسنتنا بكل خير وعدم الدخول في نقاشات أو قضايا غير نافعة فتضيع فيها أوقاتنا وتقل هيبتنا وينقص أجرنا، فغالب ما يُطرح من موضوعات على «السوشيال ميديا» لا نفع فيه ولا فائدة. فالكلام يجب أن يكون في الخير، وإلا فالسكوت أنفع وأسلم لنا من الوقوع في معصية أو مظالم في حق الآخرين. •دعاء: اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا من أهل الكلمة الطيبة التي نُؤجر عليها، ولا تجعلنا من أهل الكلمة الخبيثة التي نؤثم عليها، اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
3387
| 29 ديسمبر 2022
تشرفت دولة قطر باستضافة كأس العالم ٢٠٢٢، فكانت على قدر الحدث وأبهرت العالم بحسن الاستعداد والاستقبال وبكرم الضيافة ودقة التنظيم وبراعة التخطيط لهذا الحدث العالمي. حرص قيادتنا الرشيدة على إبراز الهوية: فقد حرصت قيادتنا الرشيدة متمثلة في حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله أمير دولة قطر، وصاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله، وحكومتنا المميزة وكذلك اللجنة العليا للمشاريع والإرث، وجميع أجهزة الدولة وكذلك أفراد المجتمع القطري على إبراز الهوية العربية والإسلامية قدر المستطاع وإضافة الصبغة والنكهة المحافظة الأصيلة التي تعتز بدينها وعروبتها ودمج ذلك مع ثقافات وحضارات الشعوب المشاركة في «المونديال»، فظهرت الاستعدادات مزيجا بين الشرق والغرب، فكانت مُرضية للجميع وشهد لقطر الحبيبة القاصي والداني كأحسن استعداد لاستضافة كأس العالم منذ انطلاق البطولة على الإطلاق. وها هي البطولة قد انتهت بالأمس القريب، فنحمد الله على التمام في أجواء هادئة ومنظَّمة كما كنا نتمنى وأفضل ولله الحمد. فلله الحمد والمنة على التوفيق في حسن الاستعداد والتنظيم لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة من شتى شعوب العالم على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وعقائدهم، ونشكر الجميع على احترامهم لهويتنا العربية وعقيدتنا الإسلامية وتقديرهم لتقاليد دولة قطر العربية الإسلامية هذا البلد المبارك، ما يعكس رقي هذه الدول المشاركة في «المونديال» وتحضرها. فقد عملت جميع الأجهزة على متابعة كل التفاصيل وخاصة ما قد يتعارض مع الدين والأخلاق واستطاعت بفضل الله عمل تحكم بنسبة 95 % والمتبقي فقط هو سلوك شخصي فقط من بعض الأفراد من الجمهور، ولكن يبقى الأساس وهو متابعة كل من تسول له نفسه بالإساءة إلى قطر أو العرب أو الإسلام ولله الحمد والفضل ثم للجهات المختصة كل في مجاله. رسالة إلى قيادتنا الرشيدة: ومع الختام، نقول لقيادتنا الرشيدة وحكومتنا الموفقة: انتهى «المونديال» ولم تنته الآمال في مستقبل أفضل وتقدم أسرع لدولة قطر. لقد شعرنا بالفخر والاعتزاز، نحن أهل قطر، بصورتنا المشرفة أمام العالم كله في هذه البطولة والتي لم تكن (كرة قدم فقط)، ولكنها كانت ذوقا وأخلاقا واعتزازا بالهوية العربية والإسلامية وفيما لا يسيء لأي دولة أو جهة أو مجتمع في العالم كله، وما زالت طموحات القطريين في تطلع لكل تقدم وازدهار في مستقبلنا بإذن الله تعالى. ننتظر مزيدا من الجهد والمثابرة من سواعد قادتنا وحكومتنا وكل شعب قطر لهذا الوطن الغالي نحو كل خير لبلدنا حتى نظل في الصدارة وتظل رايتنا ترفرف خفاقة حرة تسمو بروح الأوفياء. رسالة إلى كل فرد في المجتمع القطري: فيجب على كل قطري على أرض هذا الوطن أن يجتهد في التطوير من نفسه ومواصلة اجتهاده الدراسي أو العملي أو الوظيفي وتطوير أفراد أسرته ومجتمعه؛ حتى يظل في تقدم ونجاح دائمين، فكما تحرص قيادتنا على رفع رؤوسنا في المحافل العالمية والمواقف الإنسانية مع جميع الدول، يجب أن نكون كذلك أصحاب علامة مميزة ونعكس صورة مشرفة دائما لديننا ولوطننا، فكما ينتظر الآباء من أبنائهم رفع رؤوسهم ورد جميل تربيتهم بالصلاح والتفوق، كذلك تنتظر منا دولة قطر مزيدا من التقدم والتفوق لأبنائها في كل المجالات؛ فنجاح أفراد المجتمع لا بد من أن يعقبه نجاح شامل مستمر للدولة بأكملها، فالمسؤولية ملقاة على عواتق الجميع، كل في موقعه ومجاله يستطيع التطوير والنجاح بسرعة وانتظام. تذكير بشكر النعمة: وفقنا الله لكل خير منذ البداية وما زلنا في خير، فلنحمد الله ولنشكره سبحانه على التوفيق والسداد وعلى عظيم فضله ومنه علينا بأن أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة. دعاء: اللهم أتم علينا نعمك ولا تحرمنا من فضلك، وألهمنا رشدنا ووفقنا لما فيه صلاح أمورنا وتقدم بلادنا، وأن تحفظ ولاة أمرنا وتوفقهم وتهيئ لهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه، ونسأل الله دوام التقدم والازدهار والأمن والأمان لدولة قطر قيادة وحكومة وشعبا ولجميع بلاد المسلمين وأن يعم السلام في العالم أجمع. اللهم آمين يا رب العالمين.
2943
| 22 ديسمبر 2022
تتقلَّب أحوالُ المسلم في دروب الحياة بين أمرين، في كليهما أجر ومثوبة، فتمضي أيامه بين شكر للنعم ورضا، وصبر على المحن، فينال بذلك الرضا والمغفرة من ربه، وهذا من عجيب أمر المؤمن، كما جاء في الحديث الشريف؛ فقد قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أمرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلَّا للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَان خيْرًا لَهُ» (رواه مسلم). فالمسلم الحق يصل بنعمة الرضا إلى منزلة العابد القائم الذي لا يَفتُر، الصائم الذي لا يُفطِر؛ فالرضا ثمرة المحبة الخالصة للخالق سبحانه وعظيم الخضوع له والرضا بأقداره. فتجده راضيًا يلجأ إلى ربه ويفر إليه طالبًا رضاه ولسان حاله يقول كما وصفه القرآن الكريم: «وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ» (سورة طه: 84). وعلَّمنا رسولنا الكريم، صلَّى الله عليه وسلَّم، أنْ نجدِّد الرضا في كل يوم حتى نفوز برضا الله، عز وجل؛ فقد رُوي عنه، صلَّى الله عليه وسلَّم، أنه قال: «مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإسلامِ دِينًا وَبِمُحمَّدٍ نَبِيًّا، كَانَ حَقًّا عَلَى الله أَنْ يُرْضِيَهُ» (أخرجه التِّرْمِذِيُّ). فالمؤمن مُبتلى ليمتحن الله صبره ورضاه بما قدر وقضى سبحانه. وكلما زاد البلاء زاد الأجر، كما جاء في الحديث الشريف؛ فعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، عن النبي، صلَّى الله عليه وسلَّم،أنه قال: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِي فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» (رواه الترمذي). وقد تعرَّض رسولنا الكريم، صلَّى الله عليه وسلَّم، لصعوبات وابتلاءات كبيرة، كان في ظاهرها المِحَن وفي باطنها المِنَح، فتقبَّلها رسولنا، صلَّى الله عليه وسلَّم، وأصحابه، رضي الله عنهم، بالرضا والتسليم التام لأقدار الله، فكان حقًّا على الله أن يرضيهم بعدما رضي عنهم بفضله ومَنِّه وكرمه. فنعمة الرضا لا يفوز بها إلا هؤلاء الصفوة المقرَّبون، مَن بلغوا بصفاء قلوبهم ونقاء سريرتهم أعلى الدرجات فيرضى عنهم سبحانه ويُنعم عليهم بالرضا فتقنع أنفسهم بأنه عز وجل هو الذي يُعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويضر وينفع؛ فلا قدرة لمخلوق مهما بلغ سلطانه على شيء من أمور العباد إلا بإذن الله. فهذه النعمة العظيمة سر السعادة في الدنيا والثواب الكبير في الآخرة. فيجب علينا جميعًا الشعور بالرضا في كل أمورنا وجميع أحوالنا، ولا بُدَّ من أن نشكر الله تعالى الذي يمنحنا الرضا لكي نسعد بدنيانا. فالرضا بقضاء الله وقدره هو السبيل الوحيد لكل مسلم ليعيش حياته سعيدًا مطمئنًّا ينعم براحة البال والسكينة، فعندما نقنع بأن الأمور كلها بيد الله سبحانه نأخذ كل ما يأتي منه بسعادة ورضا تام؛ لأننا على يقين تام بأن الله يحبنا ودائمًا يختار لنا الأفضل. • وصية: فوصيتي لكل إخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي: لا تحمل هم القادم ولا تخَف من النتائج ولا ترهق ذهنك بما هو آتٍ ولاتحزن على ما فات. فما دمتَ تجتهد قدر استطاعتك، سواء في عملك أو دراستك أو رعاية مسؤولياتك، فعليك السعي والاجتهاد، ومهما كانت النتائج والعطايا من الله فنحن في تمام الرضا بأقداره؛ لأنها تحمل الخير لنا لا محالة. •دعاء: اللهم أنعِم علينا بالرضا واجعله زادًا لنا في الحياة الدنيا، وفي الآخرة رفعة في الدرجات.. اللهم آمين يا رب العالمين.
3684
| 15 ديسمبر 2022
مما أثلج صدورنا نحن العرب والمسلمين جميعًا وأهل قطر خصوصًا في هذه الأيام التي تشهد فيها دولة قطر تنظيم كأس العالم لكرة القدم، أننا وجدنا اهتمامًا بالغًا من قيادتنا الرشيدة وحكومتنا الموفقة دائمًا بفضل الله.. رأينا حرصهم البالغ على استغلال فرصة «المونديال» ووجود كثيرٍ من الجنسيات والديانات على أرض قطر، فكانت الفرصة مناسبة للتعريف بديننا الإسلامي الحنيف وشرح تعاليمه وتوضيح سماحته وسهولته ويسره، فنظمت دولتنا الحبيبة كثيرًا من الندوات واللقاءات ضمن فعاليات وأنشطة كأس العالم 2022 لمجموعة كبيرة من الدعاة والعلماء والبرامج والتطبيقات وفتحت المساجد والمتاحف والمراكز الثقافية لتعريف ضيوفنا من غير المسلمين إلى الإسلام بصورة سهلة يسيرة ومعرفة مدى عظمة هذا الدين. وقد جنت هذه المبادرة الطيبة ثمارها بأن كانت سببًا في إسلام كثيرٍ من أهل الجنسيات والديانات الأخرى، فقد شرح الله صدورهم للإسلام بعدما رأوا عن قرب صورة المجتمع المسلم العربي، وكذلك لمسوا السماحة في تعاملهم وحياتهم.. كما لمسوا عن قرب طيبة شعب قطر وكرمه وأخلاقه العالية في التعامل مع كل إنسان حل ضيفاً على بلادنا الغالية قطر. فيجب أن نشكر الله ثم قيادتنا الرشيدة الموفَّقة على هذا الجهد الرائع وعلى هذه الأفكار الطيبة.. جعل الله هذا العمل في ميزان حسناتهم، وجعل الله هداية كل مسلم جديد لهذا الدين الحق وسام فخر لكل قطري وقطرية وكل مسلم ومسلمة سطرت بلاده في هذا الحدث سطورًا مضيئة يفتخر بها كل مسلم لما فيها من اعتزاز بالإسلام وضبط قواعده. فلقد أسعدت قطر، بحق، شعبها وشعوب المنطقة بحُسن ترتيبها لـ «المونديال» والاهتمام بجانب الدعوة إلى الإسلام في هذا الحدث العالمي الكبير. فمن عظيم فضل الله علينا أن هدانا للإسلام وشرح صدورنا للإيمان بتعاليمه التي تحمل شتَّى معاني السماحة واليُسر والرفق واللين والرقي والتحضُّر والإنسانيَّة مع المسلمين فيمن بينهم ومع غيرهم من أصحاب الملل الأخرى.. فالسماحة في الإسلام أساس قوي وركن أصيل ترتكز عليه معظم شرائع هذا الدين العظيم وتفريعاته.. فالإسلام دين الله المتمِّم والخاتم لكل الرسالات السماويَّة السابقة، فجاءت تعاليمه تحمل الكمال في فروعها، فكانت السماحة واليسر عنوانًا واضحًا لكل مسلم، فمنحنا الإسلامُ اليسرَ في التكاليف ورفع عنَّا المشقَّة والحرج ونهانا عن الغلوِّ في الدين، وهذا من عظيم فضله سبحانه على عباده المسلمين الموحدين. قال تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» [البقرة: 185]. وقال سبحانه: «مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» [المائدة: 6]. ولقد غرس رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، بذور هذه السماحة منذ بداية دعوته، صلى الله عليه وسلم، فكان لهذا النهج النبوي أثره في نفوس أتباعه، وكان من أهم أسباب انتشار هذا الدين العظيم. فالإسلام في حقيقته انتشر بالسماحة واليسر، لا بالحرب والسيف كما يروِّج له أعداؤه من المغرضين. فمن صور التسامُح العظيمة في الإسلام: أننا أُمِرنا بالإيمان بجميع الأنبياء دون تفريق بين نبي وآخر؛ فكلهم جاءوا بدعوة واحدة ورسالة واحدة وهدف واحد. فقال تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» [البقرة: 285]. هكذا هو الهدي الرباني القويم المتمثِّل في رسالة الإسلام، لم تقتصر سماحته على تعامل أتباعه فيما بينهم، بل تتعدَّى سماحته التعامل مع غير المسلمين بإحسان ورفق. والصور والأمثلة على سماحة أهل الإسلام مع غيرهم من أصحاب الملل الأخرى كثيرة تمتلئ بها كتب السنة النبويَّة الشريفة، ما يدلِّل على اهتمام رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، بترسيخ هذا المبدأ بوصفه أساسًا في حياة كل مسلم. فكان التسامح علامة مميزة للمسلمين، مما أدَّى إلى انتشار الإسلام في شتَّى بقاع الأرض بكل يسر وسهولة.. • دعاء: نسأل الله أن يحفظ دولة قطر وقيادتها وشعبها ويحفظ الإسلام والمسلمين من كل شر، وأن يجعلنا جميعاً هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.. اللهم آمين يا رب العالمين.
3996
| 08 ديسمبر 2022
لقد أولت دولة قطر متمثلة بقيادتنا الرشيدة وحكومتنا بجميع أجهزة الدولة دائمًا تنظيم هذه البطولة اهتمامًا كبيرًا، وبذلت جهودًا ضخمة وجبارة منذ أعوام للترتيب لهذا الحدث العالمي، فخرجت لنا قطر وأبهرت شعوب العالم أجمع، وأصبحت حديث شتَّى وسائل الإعلام المحليَّة والعالميَّة وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اتفق الجميع على الإشادة بدولة قطر وحُسن استضافتها وتنظيمها الرائع. • قطر العزيمة تتخذ قطر العزيمة مبدأها منذ النشأة، عزيمتها قويَّة راسخة لا تجد شيئًا صعبًا عليها أو أكبر من قدراتها، لم تتخوَّف قطر من هذا الترشيح واختيارها لاستضافة المونديال، بل رحَّبت بالأمر ولسان حالها يقول: نحن لها بإذن الله. فتضافرت الجهود أولًا بالاهتمام بالبنية التحتيَّة اللازمة لهذا الحدث، من تطوير المنافذ البرية والبحرية والجوية لاستقبال ضيوف البلاد وتأمين وتسهيل إجراءات الدخول والخروج من وإلى قطر، وقامت دولة قطر ببناء الملاعب الضخمة والصالات الرياضيَّة والفنادق الكبرى وتطوير الطرق والمنشآت والقطارات والمستشفيات الكبيرة والمراكز الصحية في كل المدن والقرى القطرية وكذلك قامت بكل التجهيزات والاحتياطات الأمنية والتي تخدم كل المواطنين والمقيمين وضيوف البلاد. • قطر الإصرار أصرت قطر فتفوَّقت ووعدت فأوفت بوعودها.. كان هناك تحدٍّ وإصرار واضح وقوي من قيادتنا الرشيدة على أن يكون تنظيمها لكأس العالم مختلفًا له طابع خاص تبرز فيه هويَّتها العربيَّة وعقيدتها الإسلاميَّة.. فاهتمت الدولة متمثلة في صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وسمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وسمو الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لسمو الأمير، حفظهم الله جميعاً، وكذلك اللجنة العليا للمشاريع والإرث، وجميع الوزارات وهيئة المتاحف والمؤسَّسات المختصَّة بتنظيم هذا الحدث بابتكار الأفكار الرائعة التي نراها الآن، ونشاط واضح لمركز الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود، رحمه الله، للتعريف بالإسلام، بالإضافة إلى المراكز الثقافية في الدولة وابتكار طرق جديدة وحديثة من تطبيقات التواصل الاجتماعي وتجهيز وتزويد الفنادق بالقرآن الكريم وخاصة مصحف قطر وكذلك بعض الكتب الإسلامية والثقافية وكتب لها علاقة بالعادات والتقاليد القطرية، وكل ذلك عن طريق الكود الإلكتروني بالإضافة إلى الكتب اليدوية وطريقة برايل للمكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة، ولافتات تعريفيَّة بالإسلام وبعض الأحاديث النبويَّة التي تحثُّ على الأخلاق والتعاون وسماحة الإسلام.. وكذلك تنظيم الندوات التي تُعرِّف بالإسلام وسماحته، يحاور فيها كوكبة من أكبر دعاة المسلمين وعلمائهم المؤثِّرين في العالم. الحقيقة، قطر لم تترك لا صغيرة ولا كبيرة في الاهتمام بهذا الحدث وتنظيمه حتى خرج بهذا الشكل الرائع الذي نراه ويراه العالم كله.. • قطر تكسب التحدي نجحت قطر في التحدي الكبير وأبهرت القاصي والداني لكل هذه الجهود التي بذلتها منذ سنوات حتى تصل إلى هذا التنظيم الذي حاز رضا الجميع وإعجابهم. ويبقى بأن لكل عمل متميز إيجابياته التي تصل إلى 90 % وأكثر، ونعم قد تكون هناك بعض الأخطاء بنسبة ضئيلة جداً. • الشيخ تميم بن حمد يقدم نصيحة للعالم أجمع: حيث خرجت الكلمات الراقية والمعبرة على لسان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله، ولقد تجلى ذلك في الكلمة الافتتاحية عندما قال سمو الأمير: «ما أجمل أن يضع الناس ما يفرقهم جانبًا لكي يحتفوا بتنوعهم وما يجمعهم في الوقت ذاته». • دعاء نسأل الله أن يديم علينا نعمة الإسلام ونعمة الأمن والأمان والرخاء والاستقرار في وطننا الغالي، ونسأل الله أن يحفظ قادتنا وولاة أمرنا ووفَّقهم لما فيه خير البلاد والعباد، وهيئ لهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه.. اللهم آمين.
2559
| 24 نوفمبر 2022
من فضل الله ومَنِّه علينا، نحن أهل قطر، أن رزقنا سبحانه هذا الوطن المبارك الذي طالما كان مصدر فخرٍ لنا على مرِّ الزمان.. فالحمد لله على نعمة الدين العظيم، الحمد لله على نعمة الوطن في ظل قيادة حكيمة رشيدة تمضي بنا دائمًا نحو التقدُّم والازدهار. • مكانة دولة قطر هذا الوطن الحبيب حباه الله مكانة عظيمة ومؤثِّرة على مستوى منطقتنا العربيَّة، وكذلك على الساحة العالميَّة، وتلك المكانة وضع قواعدها رجال حملوا الأمانة بصدق وعزيمة قويَّة، فتوالت الأجيال تعمل بجدٍّ واجتهاد في تطوير المجتمع القطري في شتَّى مناحي الحياة العامَّة والخاصَّة، وإلى جانب التقدم الملحوظ والمستمر داخل دولتنا الحبيبة، كان دور قطر واضحًا في كل القضايا العربيَّة وما يطرأ عليها من مِحَن وأزمات؛ فدائمًا تتصدَّر دولتنا الحبيبة قائمة الداعمين لأي قضية أو أزمة تحل في أي مكان من بلاد العرب والمسلمين. وفي ظل هذا الدور الواضح لقطر في المنطقة، اختيرت دولتنا لاستضافة كأس العالم لعام ٢٠٢٢ ومنذ ذلك الحين، تسعى كل أجهزة الدولة ومؤسساتها بكل ما أوتيت من قوَّة إلى وضع الاستعدادات المشرِّفة لهذا الحدث التاريخي على أرض قطر.. • الاستعداد لاستقبال العالم ومن ضمن الاستعدادات التي أحب الحديث عنها لأنها داخل مدينتنا «الخور»: استاد البيت، هذا المشروع الضخم الذي يُعَدُّ إضافة قويَّة للبنية التحتيَّة لدولة قطر، ويبرز مدى اهتمام القيادة الرشيدة بمصلحة الوطن والأجيال القادمة، إلى جانب ظهور قطر بمظهر مشرف ولائق لاستضافة العالم. فوقع الاختيار من اللجنة العليا للمشاريع والإرث على مدينة الخور لإقامة هذا الاستاد الضخم، فكانت لمسة طيَّبة منهم وتحفة فنية معمارية تاريخية لها طابعها الخاص في قطر والخليج العربي وكذلك كل العرب، نحن أهل الخور خصوصًا والمنطقة الشماليَّة عمومًا، ولها أثر مجتمعي عميق وضعنا في قلب الحدث بأن جعل بداية الترحيب والاستضافة لكأس العالم من داخل استاد البيت، فيجب أن نستشعر جميعًا، كبارًا وصغارًا، المسؤوليَّة الملقاة على عاتقنا خلال مدة الاستضافة، وقبلها أولًا: إكرام ضيوفنا واحترامهم وظهور المواطن القطري بأرقى صورة وتشريف قيادتنا الحبيبة كما تعوَّدنا دائمًا ولله الحمد والمنَّة. • استاد البيت مشروع تنموي شامل في الخوروالمناطق الشمالية في قطر استاد البيت مشروع ضخم وهائل جدًّا، ومعناه وفحواه أبعد ممَّا هو واضح؛ فهو ليس مجرد استاد وملعب لكرة القدم فقط، نعم هو سيشهد انطلاق بطولة كأس العالم 2022 وسينتهي الحدث على خير بإذن الله، لكن قيادتنا الرشيدة تهتم بجانب الرؤية المستقبليَّة لدولة قطر؛ فالهدف الحقيقي من تكلفة هذا العمل والاهتمام به هو هدف تنمويٌّ كبير يستفيد منه المواطن القطري أولًا ثم يستفيد منه المقيم على أرض قطر الطيِّبة وخاصة في مدينة الخور والتي هي مقر استاد البيت، فيجب أن نمثِّل قطر قيادةً وحكومةً وشعبًا ونمثل الخليج العربي والأمَّة العربيَّة خير تمثيل. فهدف قيادتنا الأساسي أن نعمل على تطوير البنية التحتيَّة لخدمة الإنسان على أرض قطر الطيبة؛ فوجود هذه المنشآت عبارة عن مشاريع ثقافية رياضية تعليمية صحية اجتماعية إنسانية تنموية شاملة لدولة قطر.. نعم، فنلاحظ توافُق الرؤية والخبرة والحنكة من سمو الأمير الوالد، والتي تماشت مع حكمة ورؤية سمو الأمير الشاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حفظهما الله جميعاً،، وذلك باختيار الكوادر القطرية الشابَّة الموجودة والتي استفادت من جميع الخبرات وفرق العمل التي أُنشئت من كفاءات متمكِّنة في المجالات الهندسيَّة والإداريَّة والرياضيَّة والإعلاميَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة والأمنية.. وعلى جميع الأصعدة.. عملوا على أساس ثابت منذ البداية، ليكون هذا عملًا تنمويًّا للشعب القطري ولكلِّ مَن يعيش على هذه الأرض المعطاء، وهو أيضًا وجهة مشرِّفة ورفعة رأس لكل مواطن عربي في هذا الوطن العربي الكبير. وخاصة أن استاد البيت يمثِّل الأصالة العربيَّة القطريَّة تحديدًا في بيت الشعر ويمثل كل العرب والمسلمين، وكذلك فهو رمز للضيافة والكرم والجود والدين السمح ثم العادات والتقاليد الذي اشتهرت بها دولة قطر قيادة وحكومة وشعباً، ونحن أهل الخور والذخيرة وسميسمة وأم قرن وتنبك والكعبان والزبارة والغويرية والغارية والرويس ومدينة الشمال وجميع المناطق الشمالية بشكل خاص وكل مناطق قطر بشكل عام نوجِّه رسالة للعالم: مرحبًا بكم في بلدكم قطر.. أنتم أهل المكان، ونحن ضيوف عندكم. وانطلاق كأس العالم من استاد البيت في مدينة الخور فخر وشرف لنا أن تكون بداية الترحيب بالعالم من هنا. • دعاء: أسأل الله العظيم أن يوفقنا جميعاً قيادة وحكومة وشعباً لكل خير في هذا الحدث العالمي الكبير، وأن يجعلنا واجهة مشرِّفة للإسلام والعرب والخليج أمام العالم كله، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.. اللهم آمين.
4938
| 17 نوفمبر 2022
الأخلاق العالية والسهولة واللينُ صفة من صفات الارتقاء، لا يتميَّز بها إلا أهل الاصطفاء مِمَّن كتب الله لهم السعادة في الدنيا والآخرة.. هؤلاء الأشخاص الذين رزقهم الله اللين والسهولة في شخصياتهم ومعاملاتهم لهم حضور مميز وعطر جميل وإطلالة يحبها الصغير والكبير.. لذلك كانت هذه الصفة من أهم ما ميَّز الله تعالى به أهل الدعوة والرسالة، والرسل والأنبياء الكرام.. فكانت هذه الصفة من جملة أخلاق النبي، صلى الله عليه وسلم، التي منحه الله إياها من فيض رحمته وفضله عليه.. قال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» (آل عمران: ١٥٩). اللين يجذب القلوب ويأسر العقول ويزيل الحواجز ويقضي على البغضاء والشحناء.. فكانت هذه الصفة هي مفتاح انتشار هذا الدين العظيم الذي خرج من غار صغير ليبلغ مشارق الأرض ومغاربها.. فكان رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، يفيض لينًا وسهولة على الصغير والكبير، في الشدائد والمحن وسائر الأوقات.. فكان يحب الرفق واللين ويحثُّ عليهما أصحابه وأتباعه من بعده؛ لأن فيهما نجاة من النار.. قال ﷺ: «حُرِّم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس». وفي رواية: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هين سهل». فهذا هو خلق الأنبياء وهديهم المبارك. ومن المؤسف أن نرى بعض النماذج التي تسلك مسلك الغلظة والشدة في طباعها؛ فنجد آباء ينتهجون نهج أهل الجاهلية من غلظة القلب وصعوبة الطباع، ونجد الأبناء يشتكون من هذه القسوة التي تفسد عليهم سعادتهم، بل وتصل إلى وجود مشكلات نفسيَّة لدى الأولاد والبنات بسبب القسوة والشدة المفرطة في تعامل الأبوين، سواء الأب أو الأم، معهم. فهذا النهج يفسد تربية الأبناء ويصيبهم بآلام نفسيَّة تظل معهم طول العمر. فلا بُدَّ من أن يحاول كلٌّ منا ويجاهد نفسه لاتباع اللين والسهولة اللذين حثنا عليهما الشرع دون إفراط ولا تفريط؛ حتى يسعد في حياته ويسعد مَن حوله مِن الأهل والزوجة والأبناء.. ومن أمثلة الغلظة التي نراها في المجتمع عند بعض الأشخاص الذين يتقلَّدون مناصب حيويَّة أو مراكز حسَّاسة: تجد بعضهم يتخذ الغلظة والجفوة رداءً له، ظنًّا منه أن هذا اكتمالٌ للهيبة، ولكنه في الأصل يجعل كل مَن حوله ينفضون ولا يحبون لقاءه ويشعرون بوجود مسافة بينه وبينهم في التعامل. لذلك أوصي كل مَن كان قياديًّا أو مديرًا أو صاحب عمل أن يسلك مسلك اللين والسهولة في التعامل مع مَن هم دونه وتحت قيادته؛ حتى يكون قريبًا منهم، يصل سريعًا إلى أفكارهم ويناقشهم ويعطيهم ضوءًا للإبداع والابتكار، فهذا يعطي العمل طابعًا مميزًا ويزيد من فرص النجاح والتفوق وتحقيق الأرباح الماديَّة والمعنويَّة. فاللين مفتاح كل نجاح، سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي. وأريد التنويه بأن الشخصيَّة المتزنة هي التي تجمع الصفة وعكسها وتعرف متى وأين تخرج كل صفة وتستعملها وتضعها في مكانها الصحيح؛ فلكل موضع تعامُل معين.. لذا، تجد المسلم القوي شخصيَّته متوازنة، يجنح إلى الشدَّة تارةً، ويميل إلى الرفق واللين تاراتٍ كثيرة، حسب ما تقتضيه الحاجة والضرورة.. فأوصيكم أحبتي باللين والرفق في طباعكم، بل اجعلوهما الأساس، وما سواهما لا يخرج إلا للضرورة.. فاللين يجذب القلوب ويزيد المحبة في النفوس، والأعلى من ذلك أنه قد يكون سببًا في النجاة من النار.. • دعاء: اللهم ارزقنا محبتك ومحبة عبادك الصالحين، واجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله وزانت أخلاقه ومعانيه.. اللهم آمين يا رب العالمين.
8331
| 10 نوفمبر 2022
مساحة إعلانية
في ظل التحديات الاقتصادية، غالبًا ما تُعزى خسائر...
1443
| 01 سبتمبر 2025
التوطين أو التقطير ليس مجرد رقم أو نسبة...
1185
| 02 سبتمبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه المتغيرات ويُعاد فيه تعريف...
963
| 01 سبتمبر 2025
في السنوات الأخيرة، غَصَّت الساحة التدريبية بأسماء وشعارات...
750
| 04 سبتمبر 2025
في المقال السابق أشرنا إلى حاجة تركيا للعالم...
651
| 01 سبتمبر 2025
الزواج رابطة شرعية مقدسة بين الرجل والمرأة على...
597
| 01 سبتمبر 2025
يعتبر القرار الذي أصدره حضرة صاحب السمو الشيخ...
549
| 02 سبتمبر 2025
تداولت الوسائط الاجتماعية بالاستنكار التعميم الذي صدر من...
534
| 31 أغسطس 2025
هذا هو الجزء الثاني من مقالي السابق، حيث...
519
| 31 أغسطس 2025
كلما وقعت كارثة طبيعية في أي مكان من...
483
| 03 سبتمبر 2025
قامت الحكومة مشكورة مُنذ زمن ليس بقريب بإصدار...
459
| 31 أغسطس 2025
عندما تدار الوظيفة بعقلية التسلط وفرض الأمر الواقع،...
453
| 04 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية