رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

"قنا الطفل".. شكرا على التطوير

بعد إنشائه بأشهر قليلة، أي قبل ما يزيد على عام كتبت مقالا في هذه الصفحة امتدحت فيه هذا الموقع الإلكتروني (قنا الطفل)، لأنه قام بسد ثغرة مهمة في المساحة التي تهتم بعالم الطفولة، والجانب الإعلامي المتعلق به، مع تسجيل بعض المقترحات التي لا بد منها آنذاك لتطويره. اليوم وبعد القفزة التطويرية للموقع والتي تمت قبل أشهر يمكن القول إن موقع "قنا الطفل" صار مرجعا مهما للطفل وللأسرة والمدرسة وبإمكان كل طرف أن يجد فيه مادة يستفيد منها، وأن يقضي وقتا ممتعا يجمع فيه بين المتعة والفائدة، لأنه غني بمادته التربوية والثقافية والعملية، وثري بأخباره المتنوعة، التي تجدد بشكل يومي أو أسبوعي أو دوري. وفي تقديري أن أهم ما يميز "قنا الطفل" عن غيره ما يلي: ـ " نشرة الطفل" وهي نشرة يومية، تهتم بالأخبار العلمية والمنوعات وبقضايا الطفولة، وأفكارها الجديدة، وإصداراتها الحديثة، وتعنى بالمخترعات وتلاحق مستجداتها، بعد إعادة تحريرها بصياغة راقية، وعناوين جذابة، تناسب أعمار الأطفال وأذواقهم، مشفوعة بالصور والمرفقات الأخرى المناسبة. ـ الاهتمام بالمواد التحريرية ذات الطابع الإخباري الموجهة للأطفال، أو التي يجريها الموقع معهم ـ غير الأخبار ـ، فكما هو معروف فإن مجلات ومواقع الأطفال تعاني من نقص كبير في هذا المجال، لأن أغلب المواد التي تنشر فيها عادة ما تستأثر بها القصص السردية والمصورة، وبعض الأبواب المعلوماتية أو الترفيهية، ويندر أن تجد فيها حوارات مع الأطفال أو تحقيقات أو تقارير صحافية طازجة عن موضوعات تحظى بمتابعتهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الموقع أجرى عددا من التحقيقات عن الأطفال المصابين بمرض القلب، وعن معهد النور للمكفوفين، والأطفال الأيتام داخل الدولة، كما أجرى حوارات مع أطفال متميزين وموهوبين. ـ هناك محاولات لا تزال في البدايات لإشراك الأطفال في التحرير الصحافي ونقل أخبار مدارسهم والأنشطة التي يشاركون فيها. أما أهم الإضافات التي عرفها الموقع خلال الشهور الماضية فلعل أهمها: ـ " مواهب وإبداعات" والتي تسعى لتقديم مواهب الأطفال وإبداعاتهم في المجالات المختلفة (الرسوم والأشغال اليدوية والقصص والخواطر..) لأقرانهم وإجراء حوارات مع المبرزين في الاتجاهات المختلفة. ـ " قصص وحكايات" وتقدم هذه النافذة للأطفال قصصا من الماضي والحاضر، كالقصص التراثية والمعاصرة، وقصص الأمثال وقصص الأنبياء. ـ " لغتنا الجميلة " وتهتم بتنمية تذوق اللغة العربية وإثراء الثروة اللغوية والتنبيه على الأخطاء اللغوية.. فضلا عن أبواب أخرى تم استحداثها. وبالعودة إلى الجهات المستفيدة من الموقع ـ فضلا عن الطفل ـ فإنهم كما سبقت الإشارة أرباب الأسر، والمعلمون والتربويون، فأما أرباب الأسر فيمكنهم أن يختاروا قصصا من أجل سردها ورواياتها لأطفالهم، وبخاصة من هم في مرحلة رياض الأطفال والصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، وأما المعلمون فإنهم يمكنهم الإفادة من الموقع بإحالة طلابهم إلى الموقع، أو اقتراحه عليهم كأحد المراجع المهمة لطلابهم، باعتبار أنهم سيجدون فيه مادة دسمة فيما لو أرادوا عمل أبحاث أو تكليفات أخرى، كما يمكنهم ـ أي المعلمون والتربويون ـ الإفادة منه مباشرة من خلال ما يتضمنه من نصوص وبخاصة لمادة القراءة.. ومن حسن الطالع أن بعض مجلات الأطفال، ومناهج بعض المدارس داخل الدولة قد اقتبسوا من موقع " قنا الطفل". وإزاء ما سبق فإنه لا بد من توجيه الشكر والتقدير لوكالة الأنباء القطرية لتفردها في الاهتمام في هذا الجانب عن سائر وكالات الأنباء، والشكر موصول لمسؤولي وطاقم تحريره على جهدهم المتميز والدءوب على مدار عام ونصف العام من العمل والتطوير المصاحب لذلك. ولا شك أن هذا الشكر للقائمين على الموقع لن يمنعنا من توجيه بعض المقترحات لهم من أجل يصل إلى الصدارة بين مواقع الأطفال التي تجمع بين الاهتمام بالطفولة والجانب الصحافي والإعلامي المتعلق بها ولعل من أهم هذه المقترحات: ـ الاهتمام بالجانب التفاعلي للموقع من أجل أن يتفاعل الأطفال مع ما يطرحه من تعليقات وغيرها، وضمانا لتواصل أكبر مع الشريحة المستهدفة. ـ الاهتمام بمسألة الإخراج الفني للمواد المنشورة بشكل أكبر. ـ الاهتمام بتسويق الموقع والتعريف به وبمزاياه، وبخاصة في أوساط الأطفال والمؤسسات التربوية ممن خلال حملات إعلامية وتعريفية للوصول إلى أكبر كم من المستفيدين.

435

| 02 مايو 2012

بين اليوم العالمي للأرض وربيع الثورات العربية

صادف الأحد الماضي 22/ أبريل، " يوم الأرض" والذي يحتفل فيه العالم سنويا، اعتبارا من عام 1990، ليذكرنا بالبيئة المحيطة بنا، التي أهملها الإنسان، ولوّثها برا وبحرا وجوا. ويحثنا على توعية الناس بالمحافظة على البيئة. هل من صلة بين اليوم العالمي للأرض وبين ربيع الثورات العربية؟ هذا السؤال قفز إلى ذهني، لسببين الأول: أن كثيرا من الحكام العرب ومنهم الذين ثارت شعوبهم ضدهم كالقذافي ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ كانوا سببا في تلويث أو إلحاق الضرر الذي وصل إلى حد تدمير بيئة بلادهم بسبب سياساتهم السيئة الخاطئة، أو خلال عدم تخصيص الميزانيات اللازمة لذلك، بسبب سرقة ثروات شعوبهم ومواردها، أو توجيهها إلى قضايا مضحكة مبكية، كدعم ثوار نيكارجوا، أو شق النهر العظيم أو تأليف وطباعة وتوزيع الكتاب الأخضر، بينما تغيب الخضرة والاهتمام بالزراعة والغطاء النباتي عنها بالصورة التي تحيلها إلى جنة، رغم أنها تعد من الدول النفطية، كما أن نظاما آخر مازال يصارع من أجل البقاء، بقوة البطش والحديد والنار ضد شعبه والمتهم منذ الثمانينيات باستقبال ودفن نفايات نووية في بلاده مقابل ثمن تم قبضه من قبل رموز نفاذه فيه. أما الأمر الآخر، الذي ذكرني بيوم الأرض مرتبطا بربيع التغيير العربي هو حملة توعوية لشباب يمني بقيادة ناشطة (هند الإرياني)، للتوعية بمخاطر القات، والدعوة للإقلاع عن مضغه، وإن بصورة متدرجة، وقد جاءت هذه الحملة بعد انتصار الثورة اليمنية، وانتهاء حكم الرئيس المخلوع علي صالح، عبر فعاليتين الأولى في شهر فبراير بعنوان: " يوم بلا قات" دعت للتوقف عن عادة مضغه (التخزين كما يسميه اليمنيون) في البيوت في ذاك اليوم، والأخرى كانت في الثاني عشر من هذا الشهر بعنوان: "منشآت حكومية بلا قات "، لحث الجهات الرسمية على منع التخزين في الوزارات والمؤسسات الحكومية الرسمية والمطارات، والسعي لإصدار قرار حكومي خاص بذلك، آملة أن تكون هذه الخطوة سببا في زوال الصورة غير الحضارية على الأقل، وبخاصة التي تتبدى للسياح عند وصولهم لليمن، ورؤيتهم لخدود اليمنيين المنفوخة بورق القات. ورغم أن التوعية بأضراره، وحث اليمنيين على الإقلاع عن تعاطيه من خلال هذه الحملة قد يبدو للوهلة الأولى أنه ضد البيئة، بحكم أنها ضد نبات يشكّل مساحة مهمة من المساحة المزروعة في اليمن، إلا أن هذه النبتة التي وصفها شاعر كبير يلقب لدى أهل اليمن بأبي الأحرار (محمد محمود الزبيري) بالشجرة الملعونة، تعدّ خطرا على البيئة الطبيعية لليمن، وعلى اقتصادها الزراعي، وصحة وحياة اليمنيين، وهو ما يجعل من هذه الحملة وأمثالها مهمة ومطلوبة، ذلك لأنها دعوة لهم من أجل تغيير نمط حياتهم، وتعاطيهم التقليدي مع القات، وصولا للإقلاع عنه. ولأن الشباب كانوا ومازالوا وقود الحراك الشعبي وعنوان التغيير في الثورات العربية، فلم يكن مستغربا أن يتبنى الشباب هذه الحملة تخطيطا وتنفيذا، ويندمج فيها المئات كمتطوعين وناشطين، لأن التغيير والثورة على المألوف ببعديه السياسي والاجتماعي جزءان متكاملان لا ينفصلان، كما أن النجاح في بدء التغيير السياسي، ينبغي أن يقود الجماهير للتقدم في التغيير على المسارات الأخرى، التي من شأنها إحداث تغيير شامل في حياتهم، ويقودهم نحو التطور والتقدم والتنمية والازدهار. ولأنني عشت فترة من حياتي في اليمن وعرفت أضرار القات عن قرب، فقد سررت وأنا أتابع هذه الحملة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المواد التي نشرت في الصحف، وأراقب حماس الشباب واندفاعهم في تنفيذها والإخبار عن تحقيق نجاحات، لحظة بلحظة، وإن كانت محدودة حتى الآن، ولكن حسبها أنها ألقت الحجر في المياه الراكدة. ولكي يتضح حجم أضرار القات على البيئة في يوم البيئة في بلد كاليمن نورد بعض الحقائق والمعلومات عن هذه النبتة، والتي جاء بعضها في أدبيات الحملة: ـ القات لا يقتصر ضرره على صحة أو أموال الشخص الذي يتعاطاه فقط، وإنما يتعدى ذلك ليصل تأثيره إلى إهمال زراعة الذرة والحبوب والبن والفواكه، وقيام المزارعين بقلع أشجارهم المثمرة، وتفضيل زراعة القات المربحة عليها، لوجود الكثير من المشترين. وقد وصلت مساحة الأراضي المزروعة بالقات في اليمن عام 2011 إلى 136.138 هكتار، مقارنة 110.293 هكتار عام 2002، أي أن هناك زيادة في مساحة زراعته، على حساب الأنواع الأخرى من الزراعات التي تؤدي إلى زيادة في الدخل القومي. ـ في بلد يعاني من الجفاف يفضل اليمنيون زراعة وسقاية هذه الشجرة التي تستهلك الكثير من المياه أكثر من أي شجرة، فالقات يستهلك أكثر من 50% من المياه الجوفية، وأكثر من 75% من مياه حوض صنعاء. ولأن احتفال العالم " باليوم العالميّ للأرض قبل أيام قليلة، مساهمَة منه في الحدّ من التلوّث وتدمير البيئة، اللذين يهدّدان مستقبل البشريّة.. فإن التساؤل الذي يطرح نفسه ترى متى تتخلص بلاد عربية، من أنظمة مجرمة، تعيث في أرضها فسادا، وتسعى في خرابها، وتشوه وجهها الجميل، وتهلك فيها الحرث والنسل، وتعتدي على ربواتها الحالمة بالمجد والغار، دون أن يسلم من شرورها إنسان أو حيوان أو شجر أو حجر؟!

396

| 25 أبريل 2012

قصص النجاح.. ما أحوجنا وأحوج أجيالنا الشباب إليها

أنا مع عرض قصص النجاح، وتقديم المبادرات الجديدة، والتعريف بأصحابها، ممن تتميز إنجازاتهم أو جهودهم أو أعمالهم أو إسهاماتهم، أو تصنف ضمن خانة الريادة والسبق والابتكار، أو ترك بصمة لخدمة مجتمعاتهم والناس من حولهم، في المجالات المختلفة: العلمية والتربوية والاجتماعية والسياسية والثقافية والإبداعية.. أنا مع ذلك وبخاصة للناشئة والشباب، وذلك من خلال المنابر الإعلامية المختلفة، والمهرجانات، واللقاءات المباشرة، ومع تكريم شخوصهم، من خلال الجوائز والاحتفالات التقديرية، باعتبارهم قدوة لأقرانهم وللأجيال في حياتهم وبعد مماتهم.  لا ينبغي في هذا الصدد أن نقتصر على الأموات دون الأحياء، أو على الأبعدين دون الأقربين زمانا ومكانا، أو على المبرزين أو البارزين جدا دون البارزين، أو على ميدان معين كالمجال التكنولوجي مثلا دون غيره، بل يفترض أن نشمل جميع شؤون الحياة، وكل جهد وإنجاز ينفع الناس فيها، وجميع ما يندرج في الفعل الإبداعي وخدمة المجتمع والقيمة المضافة.  في المجالات المختلفة سنجد حولنا فرسانا يستحقون ذلك الاهتمام والاحتفاء، وخير أن يكون ذلك التكريم في حياتهم من أن يكون بعد مماتهم، لأنه سيترك انطباعا أفضل في نفوسهم، وحافزا أكبر لمواصلة تميزهم وعطائهم، كما أن تعريف الجمهور بإنجازاتهم وبصماتهم المميزة، سيتيح لهم فرصة التواصل معهم والاحتكاك بهم، والإفادة من تجاربهم بصورة مباشرة، وهو ما سيعكس نفسه بفوائد أكبر وأفضل.. ولعلي أذكر من هذه البرامج التلفزيونية على سبيل المثال لا الحصر " زمام المبادرة " "وموعد في المهجر " في قناة الجزيرة القطرية.  ففي مجال طب القلب سنجد مثلا مجدي يعقوب، وفي الفيزياء الدكتور أحمد زويل، وفي العمل الخيري سنجد الدكتور عبد الرحمن السميط، وفي الفقه والاجتهاد والدعوة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي، وفي الشعر تميم البرغوثي، وفي مجال برمجيات الكمبيوتر "مايكرو سوفت" وتجارتها، وصولا إلى مرحلة الثراء ثم مبادرة تخصيص جزء كبير من الثروة للعمل الخيري " بيل غيتس"، وفي مجال المقاومة والاستبسال والدفاع عن المقدسات، يذكر الشيخ "أحمد ياسين"، والشيخ رائد صلاح حفظه الله وهكذا.  وإذا كانت قصص النجاح التي حولنا للأصحاء تستحق منا هذا التعريف والتقديم، ومن الأجيال المتابعة والاهتمام والتدبر والتأسي، فإن قصص التميز لأصحاب الإعاقات وذوي الاحتياجات الخاصة يفترض أن تحظى بقسط أكبر من باب أولى، وتعهد بعناية أوسع، لأن حجم التحدي والإصرار من قبلهم أضخم وأشد. ما أثار في الذهن هذه الخواطر، ودفع إلى تسطير هذا المقال، هو زيارة قمت بها إلى معهد النور للمكفوفين، أتاحت لي التعرف إلى هذا المرفق الحيوي عن قرب، والخدمات الراقية المقدمة فيه للمعاقين بصريا، كما أتاحت لي في ذات الوقت ـ وهنا بيت القصيد ـ التعرف عن كثب على قصة نجاح تأثرت فيها وأفدت منها، أتمنى أن تقدم لأطفالنا وشبابنا، في قطر والخليج والوطن العربي، من خلال برنامج تلفزيوني وفيلم وثائقي، وكتاب للسيرة الذاتية، ألا وهي قصة الدكتورة "حياة خليل نظر حجي"، التي أصيبت بفقد بصرها، وهي في الصف الخامس الابتدائي، إثر انفصال مفاجئ في شبكية العين، ومع ذلك لم يمنعها ذلك من حيازة أرقى الدرجات الأكاديمية في التربية من جامعة قطر والجامعات الأمريكية، والقيام بإدارة صرح تربوي هام، ألا هو "معهد النور للمكفوفين" بكل ثقة واقتدار، منذ عدة سنوات، ولا تزال، والسهر من أجل خدمة المكفوفين، وتعليمهم وتنمية قدراتهم، ودمجهم في المجتمع، ونيل عدد من الجوائز، وكان آخرها حصولها على المركز الأول في الفئة المهنية، لجائزة رابطة سيدات الأعمال القطريات عام2011.  لم تكتف " حياة " الفتاة الكفيفة بالحصول على درجاتها العلمية فحسب، بل كانت متفوقة في سائر مراحل دراستها، فقد كانت العاشرة في القسم الأدبي/ الفرنسي، في الثانوية العامة، وبمعدل زاد عن 95 بالمائة. ثم كانت الأولى على دفعتها في قسم اللغة العربية بجامعة قطر، ثم بعد ابتعثت من قبل وزارة التربية والتعليم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حصلت على درجة الماجستير في التربية العامة والخاصة بدرجة امتياز عام 2003، والدكتوراه في "القيادة التربوية" من جامعة سانت جوسف بولاية بنسلفانيا، بامتياز 2007 أيضا، مستخدمة في دراستها أرقى التقنيات الحديثة من جهاز " برايل نوت"، وكمبيوتر محمول مزود ببرنامج قارئ الشاشة (HAL). عندما سألتها عن شعارها في الحياة قالت لي: إنه " لا يأس مع الحياة، وأنها في مسيرة حياتها كثيرا ما كانت تتمثل قول الشاعر العربي: ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه ** فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا. تكشف تجربة الدكتورة حياة عن عزيمة صاحبتها في قهر أي مستحيل يواجهها، وتجاوز كل الصعاب التي تعترضها.. وعن دور مميز لوالدها وأسرتها الذين وقفوا إلى جانبها وساندوها، وعن دور مماثل لدولتها ومسوؤليها، وبخاصة الشيخة موزا بنت ناصر حرم صاحب السمو أمير قطر، وما همسته في أذنها أثناء حفل تخرجها من جامعة قطر ـ كما روت لي، من حثٍّ لها على مواصلة تعليمها العالي، ثم وزارة التربية والتعليم التي سهلت أمر ابتعاثها للخارج لمواصلة تعليمها في أمريكا.  كم هناك من أمثال قصص الدكتورة حياة في عالمنا العربي ما يحتاج إلى أن نعرفه نحن، ونتعلم منه! والأهم من ذلك أن يعرفه أطفالنا وشبابنا ويتعلموا منه.

1047

| 18 أبريل 2012

في قلب الإعصار!

لأن العالم الإسلامي " في قلب الإعصار" بسبب الكوارث والأزمات والحروب التي تضرر منها عشرات الملايين من البشر في الدول الإسلامية، وبخاصة في العقود الأخيرة، حسب تقارير موثقة، فإن الأمر يتطلب النظر بجدية أكبر إلى موضوعي الإغاثة والعمل الإغاثي من قبل المنظمات الإنسانية المحلية في بلادنا، والمنظمات الإقليمية ذات الصلة، لأن "الخرق اتسع على الراقع"، لاسيَّما بعد ثورات الربيع العربي، ومعالجة كل ما يتصل بشأنهما من إشكاليات ومصاعب، والقيام بكل ما يتعلق بتطوير أدائهما ليصلا إلى أعلى درجات الفاعلية، وتحقيق الأثر المطلوب وفق أرقى المعايير المهنية الدولية. وللتدليل على حجم الحاجة إلى الإغاثة في عالمنا الإسلامي نورد بعض الأرقام، أولاها طازجة، جاءت على لسان السفير عطا المنان بخيت، الأمين العام المساعد للشؤون الإنسانية في منظمة التعاون الإسلامي مؤخرا، خلال مؤتمر ومعرض دبي الدولي للمساعدات الإنسانية والتنمية، وهي من واقع التقرير السنوي للمنظمة، والذي من المقرر أن يصدر في وقت لاحق من هذا الشهر، وخلاصتها أن: 38 دولة من مجمل 57 دولة عضوا في منظمة التعاون الإسلامي و55 مليون شخص قد تضرروا نتيجة "الكوارث وحالات الطوارئ المزمنة" خلال عام 2011. وأضاف أن تلك الكوارث تسببت في إجمالي خسائر مالية قدرها 68 مليار دولار، وهو ما يشير إلى ارتفاع في المتضررين والخسائر مقارنة بعام 2010 حيث تضررت فيه 36 دولة و48 مليون شخص، وبلغت الخسائر المادية 53 مليون دولار، وللعلم فإن هذه الأرقام لا تشمل ولا تغطي الأزمات التي شهدتها المنطقة في إطار ما يعرف بالربيع العربي، بينما أورد الإحصائية الأخرى الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي الدكتور صالح بن سليمان الوهيبي حينما كشف في محاضرة له ألقاها مؤخرا في الرياض، من أن %75 من اللاجئين في العالم هم من المسلمين، منوها بأن هذا يلقي على المنظمات والجمعيات الخيرية الإسلامية مسؤوليات كبيرة. ورغم هذه الحال المؤلمة فإن واقع الإغاثة والعمل الإغاثي للمؤسسات الخيرية الإسلامية في الأغلب الأعم يعاني من جوانب قصور واضحة وارتجالية غير خافية، وإشكالات متعددة تحتاج إلى نقاش وحلول، لعل من أهمها: ـ عدم وجود مؤسسات متخصصة في العمل الإغاثي حصرا، إلا ما ندر، وأغلب المؤسسات الخيرية الإسلامية تعمل في الإغاثة والرعاية والتنمية، بينما يكون عمل الإغاثة ملازما للكوارث الطبيعية والحروب والطوارئ، وحسب تعريف الأمم المتحدة فإن تعريف الإغاثة الإنسانية هو: "المساعدات التي تسعى إلى إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة عن السكان المتضررين من أزمة ". ـ عدم وجود صناديق للإغاثة والطوارئ، يكون بإمكانها على الفور تقديم الدعم اللازم للإغاثة التي لا تحتمل التأخير، وهو ما يجعل أغلب الجمعيات تخصص مبالغ محدودة في البداية لعمليات الإغاثة، ثم تضطر لإقامة حملات تسويقية لجمع التبرعات من أجل تقديم مزيد من المعونات والمشاريع الإغاثية. ـ ضعف التدريب على أعمال الإغاثة بصورة محترفة، وقلة الخبرة في العمل وفق القانون الإنساني (مشروع أسفير الإنساني والمعايير الدنيا في مجال الاستجابة الإنسانية). ـ عدم وجود مخزون إستراتيجي لهذه المنظمات والذي يحوي مواد غذائية وغير غذائية كالبطانيات والفرش والخيام وغيرها لتكون جاهزة وقت الطلب. ـ ضعف التنسيق بين المؤسسات الخيرية على مستوى تقديم الإغاثات في الميدان (مواقع الكوارث والنكبات والحروب)، وحتى على مستوى تنظيم حملات التبرعات. ـ ندرة وجود مظلات لتنسيق عمل الهيئات الإغاثية كما هو الحال في " أوتشا " وهي مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، حيث لا يوجد على مستوى العالم الإسلامي سوى " أمانة الشؤون الإنسانية " بمنظمة التعاون الإسلامي، والتي لها محاولات خجولة لضم المنظمات الأهلية تحت مظلتها، لكن هذه المحاولات قليلة ومحدودة. ـ ضعف الحملات التي تقوم بها هذه المنظمات للتوعية بكارثة وشيكة، والتحذير من مخاطرها الإنسانية، وطلب الدعم المسبق والتهيئة لمواجهتها، على طريقة " الوقاية خير من العلاج"، ودائما فإن تكلفة تدابير مواجهة الكارثة قبل وقوعها، أقل بكثير من الاستجابة للطوارئ والعمليات الخاصة بها، ومن أمثلة هذه الحملات ما قامت به جمعية قطر الخيرية في دولة قطر للتوعية بمخاطر المجاعة بغرب إفريقيا، والتي قد تستفحل في الأشهر القادمة، في ما لم تتخذ تدابير وقائية لمواجهتها، وتمت الحملة بواسطة شابين قطريين تسلقا جبل كليمنجارو (أعلى قمة في القارة السمراء). ـ ندرة وضعف التفاهم والتفاوض مع الجهات الرسمية من أجل التشديد على مسألة عدم تدخلها في مجريات العمل الإنساني، وفقا لأهوائها السياسية وأجنداتها، وممارسة الضغوط من أجل السماح لها في العمل في المناطق المنكوبة الواقعة تحت سيطرتها، كما هو حاصل في سوريا اليوم. إن المؤسسات الخيرية العربية والإسلامية يمكن أن يكون لها مزيد من التأثير في دورها الإغاثي الإنساني فيما لو عملت على تجاوز العقبات السابقة، وإيجاد حلول لها، وبخاصة أنها أثبتت أن بإمكانها أن تكون سبّاقة في مواجهة بعض الكوارث، كما حصل في زلزال باكستان الأخير، متقدمة على المنظمات الغربية، وبأنها تستطيع أن تصل إلى مناطق تعجز المنظمات الدولية والأممية عن الوصول إليها، كما في الصومال، بسبب أنها تحظى بقبول أكبر من مجتمعات المتضررين، بسبب أنها لا تتوجس منها خيفة، بسبب أجنداتها كما هو حال بعض المنظمات الغربية.

536

| 11 أبريل 2012

"احسبها صح".. من أجل حياة مستقرة!

ربما كان التركيز على الجانب الصحي في القول المأثور " الوقاية خير من العلاج" الذي تعلمناه وحفظناه منذ الصغر، أو هكذا كان يتم الاستشهاد به في الأغلب، بينما يمكن أن ينطبق في الحقيقة على كثير من الأمور التي تمس حياة الإنسان في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية.. وتسليط الأضواء على المخاطر المحدقة بحياة الإنسان والأضرار التي يمكن أن تصيبه، أو تحدق به وبأسرته ومحيطه، حتى يتم اجتنباها، والابتعاد عن منغصاتها، أمر مطلوب، وهو ما يندرج في إطار التوعية المجتمعية، التي تتخذ لها مسارات مختلفة كالحملات والدورات التدريبية والمشاريع والبرامج، وتسعى للانتقال بالإنسان من سلوكيات أصبحت بحكم العادات المألوفة والممارسات اليومية المعتادة رغم أنها تلحق به الضرر، إلى سلوكيات رشيدة تضمن له حياة أكثر أمنا واستقرارا وسعادة، من خلال نشر ثقافة مختلفة في وعي الفئات المستهدفة. ولعل ذلك يعدّ جزءا من التربية والتوعية المجتمعية التي عرفها تراثنا الإسلامي منذ صدر النبوة الأولى، وكان خير من تبنّاها الصحابي حذيفة بن اليمان بقوله: "كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني". أسوق هذه الاستهلال للإشارة إلى برنامج مهم أطلقته وتبنته إحدى المؤسسات الخيرية القطرية، تحت مسمى: "احسبها صح"، وأعتقد أنه سيعود بكبير النفع على المجتمع القطري خصوصا والخليجي عموما، إذا قدر له أن يأخذ مداه المخطط له عمليا، لأنه يمسّ حياة أفراده في الجانبين الاجتماعي والاقتصادي، ويهدف إلى ترشيد السلوك الإنفاقي والاستهلاكي للمواطن القطري (من الجنسين)، من خلال تزويده بالمهارات اللازمة لحسن إدارة موارده المالية والمادية، واستغلالها على الوجه الأمثل، وتجنبيه مخاطر الديون، ويستهدف لأجل ذلك: الشباب القطريين حديثي التخرج من الجنسين، والذين يوشكون على التوظف في الجهات المختلفة، أو الذين يعملون وهم في سبيلهم إلى تكوين أسرة، أو من هم حديثو عهد بالزواج. وللتعرف على أهمية البرنامج وانعكاساته المستقبلية المتوقعة لابد أن نذكّر بهذه الإحصاءات والحقائق التي استند إليها البرنامج، رغم ما حبا الله أفراد المجتمع القطري، من وفرة في الدخول، ولعل من أهمها: ـ معاناة المجتمع القطري من الديون بنسبة تصل إلى 86%من عدد المدينين، مع الإشارة إلى أن 50% من هذه القروض هي قروض شخصية. ـ تزايد عدد الغارمين، وهو ما تعكسه إعلانات المحاكم، والدعاوى المرفوعة من البنوك، بسبب عجز المدينين عن الوفاء بديونهم لها، نتيجة حصولهم على قروض كبيرة لا تتناسب ودخولهم الشهرية. البرنامج كما يتضح من أدبياته لا يكتفي بلعن الظلام فحسب، وهو يشنّع على مصائب القروض البنكية للأشياء الإنفاقية التي تؤدي لخراب البيوت والأسر ولو بعد حين، والدعوة لمقاطعتها ونبذها في مكان قصي، وإنما يقدم البدائل التي ترتبط بحلول جذرية ترتكز على دورات تدريبية وحملات توعوية تعمل على نشر ثقافة التوازن في الإنفاق، وأهمية تخطيط ميزانية الأسرة، ومعرفة كيفية الإدارة الصحيحة للموارد الذاتية للأفراد والأسر، ونشر الوعي بمخاطر الاقتراض في الجوانب الاستهلاكية، الأمر سيكون له نتائجه المهمة في تغيير اتجاهات المشاركين بالبرنامج ودوراته نحو الاقتراض وبخاصة الاستهلاكي منه، وتحسن المستوى المعيشي للأفراد، واستقرار معيشتهم، وتقليص عدد الغارمين في المجتمع. وهكذا فإن على البرنامج ـ من وجهة نظري ـ تناول هذه المحاور التالية، ونشر الثقافة التي ترتبط بها، وأهمها: ـ محور تربوي قيمي توعوي، للتوسط في الإنفاق والبعد عن المظاهر الشكلية والإسراف أو التقتير، والتأكيد على الرؤية الإسلامية في التعامل مع المال والمدخرات، انسجاما مع التوجيه القرآني: "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما" ـ الفرقان /الآية 67 ـ ومع التوجيه النبوي المتمثل باستعاذة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين وقرنه بقهر الرجال بقوله: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". ـ محور الإدارة والتخطيط المالي للدخل، وكيفية التدبير المنزلي والعائلي وأهمية وآليات التوفير والادخار، وتبيان مخاطر إغراءات الاقتراض للحاجات الكمالية، وضمان قدرة أرباب الأسر على الإنفاق على من يعولون. ـ محور اجتماعي للحفاظ على استقرار الأفراد والأسر والوشائج القائمة فيما بينها، وحفظ كرامتها الإنسانية، والوقاية من كل ما من شأنه تدمير ذلك أو خلق الإشكالات النفسية والاجتماعية والعقابية التي تؤثر سلبا على ذلك. تحية لقطر الخيرية في مشروعها النوعي الجديد، مع ضرورة التنويه إلى أن نجاح مثل هذه البرامج مرهون بعدة أمور من بينها أهمية عقد وتعزيز الشراكات مع الجهات ذات العلاقة مثل وزارة العمل وجامعة قطر والجامعات الأخرى والجهات الشبابية الأخرى.

667

| 04 أبريل 2012

الأرقام القياسية في خدمة العمل الإنساني

عندما يأخذ هذا المقال طريقه للنشر بحول الله سيكون كل من الشابين القطريين فهد البوعينين وطلال العمادي لا يزالان يواصلان تسلقهما لأعلى قمة في القارة الإفريقية (جبل كليمنجارو)، وعند اكتمال رحلتهما الاستكشافية المحفوفة بالمغامرات إن شاء الله سيكونان بذلك أول قطريين يحققان هذا الرقم القياسي، وأول من يقدّمان نموذجا مختلفا عما ألفته عوالم الرياضة وحب المغامرات في المنطقة أيضا. اعتدنا أن تستثمر المؤسسات الإنسانية الدولية بعض نجوم المجتمع وأصحاب الشهرة من فنانين وكتاب ورياضيين وغيرهم في حملاتها التوعوية، وتلك المخصصة لجمع التبرعات لصالح الحملات المخصصة لخدمة الفئات المحتاجة وسكان المناطق التي تعاني من الكوارث والحروب، تحت مسمى سفراء النوايا الحسنة، كما اعتدنا أن يخصص ريع بعض فعاليات رياضية وفنية لصالح العمل الإغاثي والخيري التنموي، ولكن هذه المبادة تعتبر متطورة تطورا نوعيا عما سبق لكونها تجمع بين توجيه الرياضة من جهة وتحطيم الأرقام القياسية وحب المغامرات من جهة أخرى لصالح العمل الإنساني، مع التركيز على الجانب التوعوي بمخاطر قادمة تستهدف الأمة وأمنها الغذائي، أكثر من جانب جمع التبرعات وتسويق المشاريع الخيرية، مع عدم التقليل من أهمية الجوانب الأخيرة. إن الرحلة الاستكشافية للبوعينين والعمادي لبلوغ قمة جبل كليمنجارو بتنسيق وإشراف من جمعية قطر الخيرية وتمويل من بنك بروة، والتي أريد منها لفت الأنظار إلى خطر المجاعة التي تلوح نذرها في الأفق بغرب إفريقيا، وبخاصة في دولة تشاد قد تبدو غير مألوفة لدى العاملين في المؤسسات الخيرية بالمنطقة العربية والخليج، وقد يتساءل البعض عن منطق الربط بين الرياضة وتحقيق أرقام قياسية من جهة وبين العمل الإنساني من جهة أخرى، ولكن التعمق في هذه المبادرة سيظهر حجم التقصير الكبير في عدم استثمار طاقات معطلة للشباب وإغفال أساليب مبتكرة وتسخيرهما لصالح العمل الخيري في بلادنا. لقد قدر لي أن أقترب قليلا من عالم هذه الرحلة وأن أتعرف على أحد بطليها، ولمست كم كان متأثرا لبعض صور المأساة التي شاهدها وعاينها عن كثب عندما زار النيجر قبل بدء رحلة التسلق للجبل مباشرة (كجزء من برنامج الرحلة لخدمة الجانب التوعوي)، وكم كانت حرقته كبيرة من أجل الإسهام من أعلى قمة بإفريقيا للفت أنظار المحسنين في قطر والخيرين في الدول العربية والإسلامية والعالم بأهمية التنبيه إلى الكارثة الوشيكة قبل انتشارها، والعمل على تطويقها وهي في بداياتها ومهدها، لأن النار الصغيرة قد يسهل إخمادها، ولكنه قد يصعب أو يتعذر السيطرة عليها،عندما تمتد ألسنة لهبها خارج محيطها الضيق. ستكون هذه المبادرة وأمثالها مهمة مفيدة، بما لها من انعكاسات إيجابية على الشباب وعلى العمل التطوعي والإنساني لاعتبارات كثيرة: ـ إطلاق العنان للتفكير الإبداعي في العمل الخيري لطرح أساليب مبتكرة للتوعية بقضايا العمل الإنساني إغاثيا وتنمويا، وتسويق وخدمة مشروعاته، وتجاوز الطرق والنماذج التقليدية ذات التأثير المحدود، والتي تم استهلاكها لكثرة الاستخدام. ـ استقطاب الشباب الخليجي والعربي للعمل التطوعي واستثمار طاقاتهم في هذا الجانب المهم، وبخاصة شريحة الرياضيين منهم والذين يتمتعون إضافة للوفرة في الوقت بطاقات التحمل والعزيمة والصبر والقدرات البدنية العالية، وهو ما يحتاجه العمل الميداني لاسيَّما في حالات الإغاثة والطوارئ، كنجدة الملهوفين وتقديم العون لهم، لذا لا غرابة أن يكون شعار هذه الرحلة التوعوية: "تحدٍ من أجل الحياة". ـ تقديم نموذج / نماذج للشباب تصلح للتأسي والاقتداء، خصوصا لشريحة شبابية تهوى المغامرات وتعشق الرياضة والكشافة والسفر والترحال، فبدلا من أن يصبح تحقيق أرقام قياسية جديدة أو تعريض النفس للمخاطر، أو التفرغ للرياضة والهيام بألعابها وبطولاتها هدفا بحد ذاته فإنه يتحول على أيديهم إلى وسيلة إلى أهداف أهم وأسمى ألا وهي إنقاذ حياة الناس وخدمة المحتاجين منهم، والإسهام في تغيير حياة المجتمعات إلى الأفضل والانشغال من ثَمَّ بقضايا الأمة الجوهرية. ومع قرب عودة الشابين الطامحين لبلوغ قمة "كليمنجاور" إلى دولتهم بعد إنجاز مهمتهم فإنني أتمنى أن تحظى هذه المبادرة وبطليها بالرعاية والاهتمام من عدة زوايا: ـ تسليط الضوء عليها إعلاميا وعلى آثارها المتوقعة من الصحافة والإذاعة والتلفزة عامة ومن الوسائل الإعلامية الرياضية بخاصة كقناة الجزيرة الرياضية والكأس. ـ تكريم بطلي المبادرة من قبل الجهات الشبابية والرياضية الرسمية ومن قبل منظمات المجتمع المدني (التطوعية والخيرية) وبخاصة إذا تمكنا من تحقيق حلمهما وإيصال رسالتهما الخيّرة للعالم. ـ أهمية تبني القطاع الخاص لرعاية وتمويل مزيد من هذه المبادرات التي تخدم أطرافا مختلفة في المجتمع المحلي، فضلا عن خدمة قضايا الأمة بأسرها والتخفيف من معاناة المتضررين من الكوارث والأزمات. كما أتمنى للبطلين البوعينين والعمادي تحقيق ما يصبوان إليه من إنجازات رقمية قياسية، ومن أهداف إنسانية نبيلة تقر عيناهما بها، والسلامة والعود الحميد بإذن الله.

607

| 21 مارس 2012

عندما تخنق الأحرار العبرة!

في الليلة الأولى لظهوره الإعلامي عبر قناة الجزيرة بعد استنشاقه عبير الحرية إثر انتهاء محكوميته التي قضاها ظلما وعدوانا خنقت العبرة الإعلامي المعروف تيسير علوني ألما وحزنا على ما يلاقيه أهله من أبناء الشعب السوري على يد جلاديه في لحظة وجدانية مفعمة بالأسى والحزن تركت تأثيرا كبيرا في نفوس ملايين السوريين والعرب الذين تابعوها. هذه العبرة التي خنقت تيسير علوني اختزلت بداخلها صورا مركبة من الظلم عانى منها الرجل بصفة شخصية غير مرة أو عايشها عن قرب ـ وما زال ـ بوصفه إعلاميا وناشطا سياسيا وإنسانا. تيسير ربما يكون أقدر من غيره بحكم صنعته وعمله ومعاناته الشخصية على الإحساس بفداحة الظلم الذي يقع على كل مطالب بالحرية والكرامة ومدافع عن حرية التعبير ومنافح عن الحقيقة في بلاده، والثمن الذي يدفعه غاليا في مواجهة نظام إجرامي لا يعرف خطوطا حمراء في مواجهة ثورة شعبه، ولذا انفجر هذا المخزون الوجداني في ذاكرته ـ عبر عقود ـ دفقة واحدة في لحظة لم تستطع رقة قلبه ورهافة إحساسه تحملها. عانى تيسير من أنواع مختلفة من الظلم والقهر، وعايشها عن قرب وكتب عنها ووثقها صوتا وصورة، فهو عانى ظلم النظام وحزبه القائد اللذين حرماه من رؤية بلاده منذ أكثر من ثلاثة عقود بسبب انتمائه السياسي، وحال بينه وبين مرابع الأحبة ومراتع الصبا حتى ابيض شعر رأسه ووجهه، وها هو يواصل معاناته اليوم وهو يرى بلده سوريا ومدينته "دير الزور" تتعرض لذبح ممنهج وقتل مخطط على مدار عام كامل. وعاين تيسير الظلم عن قرب حينما رأى صورا من استخفاف من يوصف بالعالم الحر الذي يتشدق بتبني قيم العدالة والحرية والديمقراطية بكرامة الإنسان العربي والمسلم في كل من أفغانستان والعراق اللتين عمل فيهما مراسلا في أوقات السلم والحرب، وعرف حقا كيف أن حياة الإنسان وآدميته في تلك الدولتين لم تكن تعني للأمريكان والقوى الغربية المتحالفة معها شيئا يذكر، حينما كان يقتلون عشوائيا ويعذبون بطرق وحشية ويستخدمون أسلحة فتاكة (كيماوية أو جرثومية أوغيرها..) ضد المدنيين بدون تمييز. وتعرض تيسير لمحاولة القتل العمد مرتين الأولى في أفغانستان والأخرى في العراق عندما حاول الاحتلال الأمريكي الغربي منع وصول الحقيقة للناس عبر قناة الجزيرة ولكن الله نجاه، ثم أصرّ حقد هذا الاحتلال وحلفائه ـ بعد فشل محاولات قتله الفوريـ أن يميته ميتة بطيئة عبر تلفيق تهم باطلة ضده، ومن ثم سجنه وحجزه في إقامة جبرية زادت مدتها عن سبع سنوات، ولكن تيسير خرج بفضل الله ومنته منتصرا بعد أن تمت تبرئته من المحكمة الأوروبية التي انتصرت له على القضاء الإسباني. عندما تذرف الدموع من عيني تيسير وينحبس الكلام في حلقه في أول يوم من أيام استرداد حريته المسلوبة فلا غرابة في ذلك لأنه كان يستحضر ـ وهو الليث الهصور ـ الذي طالما دافع عن قضايا الناس العادلة، ونقل همومهم، وكشف عن الوجه القبيح لجلاديهم والمتآمرين عليهم كان يستحضر ما يتعرض له شعبه من جرائم لا تقل فظاعة ـ بل تتفوق ـ عما جرى له أو عاينه، ففي سوريا أصبح القتل وجبة يومية يمارس بأبشع الصور، ودون تفريق بين شاب أو شيخ أو طفل أو امرأة ولا بين الأصحاء وبين أصحاب الاحتياجات الخاصة، وكان آخر هذه المشاهد المجازر الكبيرة بحق المدنيين والذبح بحد السكين للمدنيين العزل. أما صور التعذيب قبل الثورة وأثناءها فهي قصة مخيفة سطّرت فيها كتب كثيرة وشهدت عليها جدران سجن تدمر الشهير وأقبية سجون المخابرات وفروعها الكثيرة وهي لا تقل بشاعة عن سجن أبو غريب أو غوانتنامو، وأما اللاجئون فهم في تزايد كبير مشردين بين تركيا ولبنان والأردن يحملهم على ذلك اتقاء بطش النظام.. وهكذا يكون الشعب أسير عصابة لا نظام حكم، تمارس في حقه كل صور الظلم والقهر. وكما سعى الاحتلال إلى طمس الحقيقة التي اجتهد تيسير في نقلها للأمة عبر الجزيرة في أفغانستان والعراق بمحاولة قتله ومنع الجزيرة من الوصول إليها ميدانيا، مارس النظام السوري منذ بدء الثورة السورية وحتى الآن دورا دعائيا بشعا في تزوير الحقائق واختلاق الأكاذيب ونسب العنف لحراكها السلمي الذي يغلب عليها، مستغلا منعه لوسائل الإعلام العربية والدولية النزيهة والمحايدة من العمل، ومنع أي مراقبين محايدين من التأكد مما يزعمه، وما يحدث فعليا على الأرض. ولم يتورع عن قتل الصحفيين الأجانب حتى يخيف أصحاب هذه المهنة التي يشكل حضورها كشفا لما يقوم به من جرائم ضد الإنسانية، واعتقال آخرين وإهانتهم في معتقلاته، وتهشيم حناجر من يشدو بالأهازيج أو يردد الشعارات ضده من جماهير شعبه، كما قام من قبل ذلك وبعده باعتقال الصحفيين السوريين الشرفاء الذين رفضوا أن يكونوا أبواقا له، بل العكس من ذلك صدحوا بكلمة الحق فدفعوا ثمن ذلك سجنا وعسفا وإيذاء. فهل يستغرب بعد كل ذلك أن تخنق تيسير العبرة؟!.. وكما يقال: ليس من رأى كمن سمع.

818

| 14 مارس 2012

علامة استفهام كبرى لصمت العالم عن المجازر بسوريا

ملّ الشعب السوري من لغة الشجب والتقريع ويئس من عبارات التنديد من قبل المجتمع الدولي والدول العظمى والإقليمية ضد النظام الأسدي فيما يواصل النظام قمعه الدموي وقصفه الوحشي له في عدد من المدن والمناطق، كما حصل في "بابا عمرو" بحمص، ومنع المساعدات الإنسانية من الوصول إليه وبخاصة الغذاء والدواء وما يقيه من برد الشتاء، وكأنه ليس بيد هذا العالم سوى التفرج على الشعب السوري وهو يذبح وينزف حتى الرمق الأخير، أو يموت موتا بطيئا بسبب معاناة الناس الناجمة عن نقص الاحتياجات الإغاثية العاجلة التي يقيمون بها أودهم. احتجّ العالم بشدة على حصار المدن وقصفها، فما الذي جرى، لم يتوقف النظام بل استمر بمحاصرة حمص لأشهر وبقصفها قصفا مكثفا مركزا قرابة شهر، إلى أن انتصر في " بابا عمرو " بعد أن حوّل الحي إلى أكوام من خراب ومناطق أشباح، ثم هاهو ينتقل إلى مدن أخرى ليواصل مشواره، ورفع صوته مستنكرا على المجازر ضد المدنيين العزل بالجملة والمفرق، وعلى قتل الأطفال والنساء ولكن هذا المشهد ما زال يتكرر ويتجدد، في تحد سافر لكل القيم والأعراف والشرائع والقوانين الدولية والإنسانية والشرائع السماوية. عبثا يحاول الصليب والهلال الأحمر الدوليين دخول منطقة "باب عمرو" المنكوبة منذ الجمعة الماضي، ولكن دون جدوى، وأقول لكم إنه لن يسمح لهما بذلك قريبا، لأن النظام يريد أن يواصل عملياته الانتقامية أولا، ثم إخفاء وطمس الإشارات المتصلة بجرائمه التي ارتكبها ثانيا، وعندها لن يبقى لعمليات الإغاثة أي معنى يذكر. على سبيل المثال لا الحصر ما الذي سيجدي الشعب السوري تصريح وزير الخارجية البريطانية نفعا ـ عمليا ـ والذي جاء فيه: "رفض المساعدة الإنسانية إضافة إلى عمليات القتل والتعذيب والقمع في سوريا تدل على أن النظام أصبح مجرما"، أو اتهام وزير الخارجية التركي لنظام الأسد بارتكاب " جريمة" لمنعه دخول المساعدات إلى المدنيين المتضررين من السوريين، وتصريحه بأن "المسؤولية التي تقع على عاتق المجتمع الدولي هي توجيه أكثر الرسائل حزما إلى القيادة السورية والقول إن هذه الوحشية لا يمكن أن تستمر". لقد قال رئيس الوزراء التركي أردوجان محذرا النظام منذ أشهر أن تكرار مجزرة حماة التي وقعت عام 1982 سيكون خطا أحمر، ولكن النظام اقتحم حماة وعاث فيها فسادا وارتكب مجازر في حمص وإدلب، دون أن يعبأ بتحذيرات أنقرة التي خففت من لهجتها التحذيرية فيما بعد. صبر الشعب السوري طويلا وثورته توشك أن تدخل عامها الثاني بعد أسبوع وهو يبحث عن طوق نجاة لدى إخوانه العرب والمسلمين بل ولدى العالم الحر، فلم يجن سوى خيبة الأمل والمرارة، رغم عبارات الاستغاثة التي أطلقها ولا يزال، بدأ الأمر بالأتراك على النحو الذي شرحناه، ثم انتقل إلى بيت العرب الكبير (الجامعة) وبعد سلسلة تحضيرات واجتماعات تفصل بينها أزمنة متباعدة وبحث وإجراءات وشد وجذب مع نظام الأسد جاء المراقبون العرب ـ ويا ليتهم ما جاءوا ـ ولكن القتل تواصل بوجودهم، ثم أمّل السوريون خيرا بمظلة الأمم المتحدة والشرعية الدولية وركزوا على مجلس الأمن عسى أن يجدوا تحت غطائها منطقة عازلة فخذلهم الفيتو القبيح لروسيا والصين مرتين، وتعلقت قلوبهم بمجموعة أصدقاء الشعب السوري الذي التأم شملها في تونس فخرجوا من المولد بلا حمّص ـ كما يقولون ـ. إذن يقف العالم مشلولا ومكتوف الأيدي أمام مجازر سوريا، فلا هو أخذ على يد الطاغية الظالم، وأسقط نظامه بالقوة، ولا هو حمى الشعب من بطشه من خلال مناطق عازلة، بل ولم يستطع حتى توفير ممرات آمنة أو إدخال منظمات الإغاثة لانتشال الجرحى أو إسعافهم أو إدخال مواد الإغاثة الطارئة العاجلة إليهم. لقد فشل العالم في حماية الشعب السوري الأعزل فيما نجح في أماكن أخرى بما في ذلك حماية المسلمين من مجازر الصرب في البوسنة والهرسك، ولعل هذا ما دفع بالعاهل الأردني للقول بأن "سوريا هي علامة الاستفهام الأكبر في هذه اللحظة"، فيما الحقيقة تتلخص في غياب الموقف الأخلاقي المبدئي وطغيان البعد المصلحي أو التخاذل عن القيام بواجب الأخذ على يد الظالم ونصرة المظلوم والذي يتمثل في دعم دول تقف وراء نظام دمشق أو أخرى تدفع باتجاه عدم سقوطه لأهداف مصلحية ضيقة وهي: إيران (ومن لف لفها) وروسيا والصين وإسرائيل، وأخرى لا ترغب فيه وتخشى من تبعات وعواقب الانجرار لمواجهته أو مواجهة خصومه كتركيا وبعض الدول العربية، ويبقى الموقف الفريد الذي يفترض أن يبنى عليه هو موقف المملكة العربية السعودية ودولة قطر بوجوب تسليح المعارضة للدفاع عن نفسها واعتبار ذلك أمرا مشروعا. يبدو الغرب غير متشجع أو مستعجل لمساعدة السوريين في محنتهم لأنه يصطدم بعدم رغبة إسرائيل بزوال نظام الأسد الذي أمّن جبهة حدودهم خلال عهدي الأب والابن، وبعدم رغبة إيران الذي تمد نفس النظام بالمال والسلاح والخبراء والقناصة في إطار تفاهمات على ما يبدو ليست بعيدة عن التي سرت بينهما عند احتلال العراق. وأمام واقع كهذا ليس أمام الشعب السوري الثائر سوى الاتكال على الله، واستحضار معيته وقوته، وتعليق النصر والحسم بمشيئته وإعذار أنفسهم في كل وسيلة للدفاع عن أنفسهم، والتفاهم من يدعم هذا الحق من أشقائهم، ولتكن ثقتهم بربهم أنه سينصرهم لا محالة فجولة الباطل ساعة وجولة الحق إلى قيام الساعة، نصرهم سيكون مهما بإذن الله لأنهم لا يواجهون النظام فحسب بل من يقف وراءه بكل أحقادهم ولؤمهم، ولأنه سيغير كثيرا من المعادلات في المنطقة.

625

| 07 مارس 2012

مَنْ الأقوى على الأرض.. ومَنْ سيربح الفضاء ؟!

لم يجد بشار الأسد وهو يصوّت لصالح الدستور الذي بشرّ به طويلا ما يصرّح به لوسائل إعلامه الرسمية سوى القول: "نحن أقوى على الأرض.. ونريد أن نربح الأرض والفضاء" في إشارة إلى ما يسميه الهجمة الإعلامية على نظامه. من الواضح من تصريحاته أن الرجل لا يستوعب ما يدور حوله أو لا يريد أو لا يراد له أن يستوعب ذلك، وما زال كما كان القذافي من قبله يرى لآخر لحظة من حياته أنه الأقوى، بجانب قوة معارضيه الذين كان يعدّهم مجرد "جرذان"، ويصر من خلال الجموع المزيفة التي تهتف باسمه وبحياته على إثبات شعبيته، ويريد أن ترى أوروبا وأمريكا والعالم ذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه: ترى أين ظهرت قوة النظام الأسدي المزعومة ـ طيلة حكمه وحكم أبيه ـ وفي وجه من استخدمت؟، وماهي مواطن هذه القوة وما مرتكزاتها؟ وهل هي قوة حقيقية أم مزيفة؟! على المستوى البعيد كم كان الشعب يتمنى أن يرى قوة النظام ـ فعلا لا قولا ـ في وجه إسرائيل التي تحتل أرضا سورية عزيزة منذ قرابة 45 سنة ألا وهي هضبة الجولان ليعتزّ ويفاخر بها، وكم كان يتمنى أن تظهر هذه القوة الكامنة وتتفجر وتترجم إلى أفعال مزلزلة عندما كان طيران إسرائيل يخترق الأجواء السورية ـ غير مرة ـ وبخاصة عندما كان يحلّق فوق القصر الرئاسي باللاذقية، أو عندما نفذت تل أبيب عملية جوية ـ برية ضد منشآت عسكرية سورية قيل أنها بدايات لتصنيع نووي. على مستوى القريب: أين تكمن قوة نظام بشار الأسد.. هل في شرعية حكمه وانتخابه من خلال أغلبية شعبه، ومعروف أنه استلم الحكم عبر عملية توريث هي الأولى في العالم العربي على مستوى الأنظمة الرئاسية، وأجري من أجل سواد عيني استلامه كرسي والده الذي مات تعديل دستوري في ثلاث دقائق، أم في الثورة الشعبية التي مضى على انطلاقتها قرابة عام ـ وما زالت ـ دون توقف أو خوف، وتدفع من دم وعرق أبنائها الغالي والنفيس، لتقول لهذا الحكم العائلي الشمولي الفاسد كفى، من خلال مظاهرات حاشدة بلغت الأعداد التراكمية لمن شارك فيها الملايين في درعا وحماة وحمص وادلب ودير الزور وغيرها من المدن، وبعد أن حطمت أصنامه، وكسرت حاجز الخوف في مواجهته، أم أن قوة هذا النظام تكمن في مواجهة المدنيين العزل بعنف ودموية فاقت كل تصور واستخدام كل صنوف الأسلحة ضدهم. لقد تحركت دبابات الجيش السوري ومعداته الثقيلة ـ مع الأسف ـ لتملأ المدن والقرى السورية الثائرة على نظام الأسد وتقصفها بنيرانها وتهدم بيوت المدنيين والمساجد وخزانات المياه انتقاما من أهلها وتأديبا لهم، ولكنها لم تتحرك لتحرر هضبة الجولان أو فلسطين المحتلتين، أم هل قوة النظام في تزايد الانشقاقات عن جيشه، ومن تشكيلهم الجيش الحرّ، وتوجيه النار لكل من يرفض من الجنود قتل المدنيين من أبناء الشعب السوري المنتفض. لقد ظن النظام من خلال مشورة كبار جنرالاته أن بإمكان آلته العسكرية المفرطة ومجازره الوحشية القضاء على الثورة، وتحدثت أبواقه الإعلامية أن الحسم بات وشيكا، ولكن الثورة رغم قرابة عام ما تزال مستمرة دون كلل أو ملل، وفشل هذا الخيار، لأن إرادة الشعوب من إرادة الحق لا تقهر وإن تأخر سقوط الطغاة لبعض الوقت، ولأن الهجوم على المواطنين والقتل المستمر هما من عوامل الضعف وليس القوة. ثم هل قوة النظام ذاتية، أم أنها وهمية خلبية تعتمد على الخارج، ونقصد هنا إيران وروسيا اللتين تدعمانه بالمال والسلاح والخبراء، وعلى المستوى الدبلوماسي والمعنوي، ورغم كل هذا الدعم فإنه يترنح ولولاه لسقط منذ أمد طويل، ومعلوم أن هذا الدعم قديم وازداد إبان الثورة السورية، ليس لعيون النظام ولكن لأن كلا البلدين يحرص عن مصالحه في المنطقة، والتي قد لا تستمر من دونه. سيسقط المخطط الإيراني في المنطقة والممتد من طهران وحتى بيروت حال سقط الأسد، وستسقط آخر قواعد روسيا لو رحل الأسد، كما سيسقط النفوذ الإقليمي لهما، يضاف إلى ذلك رغبة إسرائيل في بقائه، لأنها تخشى من أي بديل إسلامي أو وطني، لن يلتزم بهدوء الجبهة معها، كما قام به هذا النظام في عهد الأب والابن، وقايض به. ولعل مما يزيد انخداع النظام بقوته (المزيفة) فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرارات أممية وعقوبات بحقه، بسبب الفيتو الروسي والصيني، وعزوف العرب والمجتمع الدولي عن التدخل العسكري على الطريقة الليبية، لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها، والخشية من الحرب الإقليمية بسبب التدخلات التي تسبب بها النظام نفسه، ولكن عليه أن يدرك أن المستقبل ليس له، وأنه قد يستطيع أن يطيل في عمره ولكنه لن يستطيع البقاء والاستمرار طويلا، لأسباب كثيرة لعل من أهمها: سقوط هيبة النظام، بحيث ما استهان النظام بالقتل فقط؛ بل استهان بالضحايا أيضا، وهذا عامل مهم في إسقاط الخوف، وفي الاندفاع للمواجهة، ويضاف إليه إحساس المحتجين بأنّ المستقبل لهم، وعدم إدراك أهل النظام لمعادلات تغير الزمن وملابسات الربيع العربي العابر للدول، التي ترغب باستعادة حريتها وكرامتها. وأما قوة الفضاء التي يزعم النظام أنه قد خسرها، فلعل السبب في ذلك استمراره في سياسة الكذب والدعاية والتعتيم وقلب الحقائق، فيما انتصر الفضاء الخارجي فضاء الإعلام العربي الحرّ الشريف بسبب انحيازه للحق ونقل الحقيقة للناس كما هي، والشفافية، وربما بسبب ذلك انكشف لغالبية الجمهور العربي حقيقة هذا النظام الذي كان يدعي الممانعة والمقاومة هو وكل من وقف معه، كذبا وزورا. من المؤكد أن الشعب ـ لا النظام ـ هو الأبقى والأقوى على الأرض، وهو من سيكسب الفضاء لأنه صاحب الحق.. وصاحب الحق سينتصر مهما طال الزمن.

373

| 29 فبراير 2012

ثورة في مواجهة أنظمة.. وانتصارها تغيير لخارطة المنطقة

تقترب الثورة السورية من إتمام عامها الأول، فيما لا تزال تصارع بعزم ومثابرة ومصابرة نظاما شرسا يدافع عن بقائه على طريقة " أنا أو الطوفان"، وسط خشية من طول المدة التي قد يحتاجها حتى يسقط، وتنتصر هذه الثورة. ورغم عدم الاختلاف على أن هذا النظام آيل للسقوط المحتم طال الزمن أو قصر، وأنه رغم كل الأساليب الوحشية والدموية التي يستخدمها لقمع المحتجين السلميين والمدنيين العزل وارتكاب مجازره ضدهم، من خلال جيشه وشبيحته وأجهزة أمنه لم يفلح في إخماد الثورة، فإن ما يخشى منه أن يطول أمد القضاء عليه قضاء مبرما، أو يسعى هو لكي يدفع الثورة من خلال ممارساته المتعمدة وممارسات الجهات الخارجية التي تقف وراءه وتدعمه للانزلاق إلى مسارات بشعة لم تخطط الثورة لها أو تفكر بها بحال من الأحوال. لقد شهدنا خلال عام أويزيد قليلا انتصار أربع ثورات وتهاوي عروش أربعة أنظمة ديكتاتورية وفاسدة، بطرق متعددة (تونس، مصر، ليبيا، اليمن)، فيما لا يزال النظام السوري يواصل تشبثه بكرسيه ويصارع من أجل البقاء بطرق غير أخلاقية أو إنسانية ولعل لهذا الأمر أسباب تتصل به، وتتصل بداعميه، وتتصل بالمواقف الدولية تجاه الأزمة الحاصلة وبصورة تختلف عما حدث في الدول التي سبق التنويه بشأنها، لعل من أهمها: 1ـ ما يخص النظام السوري: ـ البناء العقائدي للنظام والجيش وأجهزة الأمن تحت ستار حزب البعث، والسيطرة القائمة على مفاصل هذه الأجهزة من قبل أسرة الأسد وأقاربهم ومن هم قريبون من أبناء طائفتهم، واستخدام أساليب غير معهودة لمنع انشقاق العسكريين وقيادات الدولة عن النظام. ـ المحاولات المستميتة منه لجرّ الطائفة التي ينتمي إليها (الطائفة العلوية الكريمة) إليه ومحاولة التخندق خلفها، من أجل تصوير الصراع على أنه طائفي، والتحضير لاستخدام هذه الورقة بقوة في اللحظة الحرجة لسقوطه. ـ القدرة البارعة على خلق التحالفات الخارجية، والإفادة من التغييرات المحيطة بها على مستوى الإقليمي والدولي، وتقديم التنازلات للدول الخارجية مقابل دفاع الأخيرة عنها (تحالف استراتيجي قوي وبخاصة مع كل من إيران وروسيا من عهد الرئيس الأب إلى عهد الرئيس الابن) ـ الوحشية والقتل والقصف والتدمير الممنهج والمجازر التي فاقت بحدودها كل التوقعات باستخدام كافة الأسلحة، والاستعانة بالخبراء الخارجيين. 2ـ ما يخص الداعمين وبخاصة إيران وروسيا ويضاف إليهما إسرائيل: ـ تقديم الدعم العسكري والأمني (صفقات أسلحة ومستشارون عسكريون وامنيون) والسياسي والدبلوماسي (الموقف من مجلس الأمن، محاولة بائسة للتوسط لإجراء حوار بينه وبين المعارضة..) الكبيرين، وأسباب ذلك أن إيران لا تريد أن تخسر نفوذها الإقليمي الممتد من طهران مرورا ببغداد ودمشق وحتى جنوب لبنان والقابل للتوسع، وترى أن رحيل النظام سيفكك مرتكزات هذا الخط وسيضعف حلفاءها في بغداد (حكومة المالكي والأحزاب الشيعية القريبة منها)، وفي لبنان (حزب الله)،وبالتالي تراجع نفوذها بشكل واضح، أما بالنسبة لروسيا، فلا تريد خسارة آخر قلاعها وقواعدها العسكرية في الشرق الأوسط، وتحاول من خلال الدفاع عن سوريا منع انتقال رياح التغيير إلى الجمهوريات الإسلامية التابعة لها، فيما يريد بوتن أن يثبت لشعبه في ظل الانتخابات القادمة أن موسكو ما تزال لاعبا كبيرا عالميا. أما إسرائيل فإنها لا تريد زوال نظام حافظ على جبهة هادئة على حدودها، ولم يتعرض ولم يسمح بأي اختراق لأمنها القومي، مع خشية من قدوم البديل الوطني والإسلامي الذي لن يرضى ـ عن المدى القصير أو الطويل ـ بهذا الوضع أو التسليم به، وهو ما يهدد باتالي أمنها ووجودها. 3ـ مواقف الداعمين من الدول العربية والإسلامية والدولية: ـ إنها مواقف بطيئة ومترددة وخائفة من النظام وتحالفاته، تقدّم رجلا وتأخر أخرى، ولا ترقى حتى إلى لحماية المدنيين أوتلبية احتياجاتهم الإغاثية العاجلة، رغم كل ما يحدث في حمص وريف دمشق وإدلب من فظائع على يد النظام السوري، ولا يتجاور دعمها الدعم السياسي وبحدود ضيقة جدا، على خلاف ما قام الناتو والغرب في ليبيا. واقع الحال يشير إلى أن هذه الثورة لا تواجه في حقيقة الأمر النظام السوري وحده، بل تواجه في آن معا كل من يقف في صفه (عدة أنظمة إقليمية ودولية)، وتناضل على أكثر من جبهة.. المنتظر أن تغير الثورة المتنامية والمتسعة كما ونوعا أكثر من معادلة في سوريا والمنطقة بإذن الله.. ولعل هذا ما يفسر شراسة ودموية النظام وداعميه وبخاصة: إيران وإسرائيل وروسيا، وفاتورة الضحايا الكبيرة للشعب السوري في حمص والمدن الأخرى وتأخر سقوط هذا النظام الأسدي. لكن يبقى أن لسنن الله عز وجلّ وقوانين السماء من جهة، وللحراك الشعبي المتعاظم على الأرض من جهة أخرى حساباتها التي تختلف عن حسابات الظلمة وأعوانهم.

366

| 22 فبراير 2012

نظام غير قابل للبقاء.. ولا عاصم له من التغيير

هذا النظام لا يمكن أن يستمر، وهو غير قابل للبقاء.. مهما حاول رموزه التشبث بكراسيهم، ومصارعة أمواج التغيير العاتية المحيطة بهم، من كل جانب، لأنه باختصار يقف في وجه إرادة شعبه التوّاقة إلى الحرية والكرامة والحياة الكريمة، وضد رغبة غالبية عظمى من دول كارهة له على المستويين الإقليمي والكوني. ما زال النظام السوري يغطي وجه الحقيقة بغربال، ويظن أن المراوغة والمغالطة والمكر والدعاية الصفراء، وخنق الأصوات الصادقة، وتمزيق حناجر المعارضين له، ستعصمه من غضبة شعبه، واستحقاقاتها التي هي جزء من سنن الله في خلقه، وسنن التاريخ على مر العصور. كم أرثي للأبواق التي تظهر على الفضائيات ويستخدمها النظام في الدفاع عن بقائه، وهي تقلب الحق باطلا والباطل حقا، لإرضاء أمانيّه الكاذبة، ظنا منها أنها ستمنع أمرا لا عاصم له منه اليوم، وبخاصة بعد أن جعل أصابعه في آذانه، وأصرّ واستكبر استكبارا منذ أحد عشر شهرا وحتى الآن على الأقل، دون أن يصغي لأحد. المظاهر التي تؤشِّر على رحيله كثيرة، وأسباب ما انتهى وضعه إليه متعددة.. سنعرض أهمها في هذه العجالة باختصار، أما المظاهر فالداخلية منها تتلخص بما يلي: ـ إصرار الشعب على مواصلة احتجاجاته رغم وحشية القمع ضد المدنيين العزل، واستخدام كل الأسلحة في مواجهتهم، وتدمير وهدم البيوت على رؤوسهم، ورغم إدراك الشارع الثائر لحجم فاتورة التضحيات المرتبة عليه. وعندما كانت تخفت وتيرة الثورة في منطقة ما بسبب حصار أو مداهمة فإنها سرعان ما تعود مجددا. ـ اتساع نطاق المظاهرات والاحتجاجات لتصل إلى مدن ظلّ النظام يضغط من أجل عدم تحركها كمدينة حلب، وتصاعد عدد نقاط الاحتجاجات في المدن الأخرى. ـ فشل النظام في كسر إرادة مدن قام أو يقوم بمحاصرتها وعزلها وقصفها ودكّها بقذائف الدبابات والمدافع وراجمات الصواريخ والأسلحة الثقيلة الأخرى كحمص ودرعا وحماة ودير الزور. ـ اتساع نطاق الاحتجاجات ضد سفارات وممثليات النظام والدول الموالية له في الخارج وصلت إلى حد اقتحامها ورفع علم الاستقلال فوقها، فضلا عن الوقفات الاحتجاجية واتساع حجم المشاركين فيها. ـ زيادة الانشقاقات في الجيش السوري، عددا ورتبا، وتعاظم شأن الجيش الحرّ، والعمليات النوعية التي ينفذها وبخاصة في دمشق وحلب وإدلب وجبل الزاوية، وعدم قدرة الدولة على بسط قوة أمنها في مناطق وأوقات معينة. ـ التدهور المتنامي للوضع الاقتصادي للدولة السورية، والعملة الوطنية، والاختناقات الحاصلة في تلبية سلع وخدمات أساسية كالمازوت والغاز والكهرباء. أما المظاهر الخارجية فلعل من أبرزها: ـ تزايد الدول التي تتبنى مبادرة الجامعة العربية بضرورة رحيل عائلة الأسد. ووقف كل أشكال التعامل الدبلوماسي مع دمشق، وتشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وتأييد تشكيل قوة حفظ سلام عربية أممية مشتركة، بعد إنهاء مهمة المراقبين العرب، والبحث عن صيغ دبلوماسية لمواجهته خارج مجلس الأمن الدولي (مبادرة أصدقاء شعب سوريا) ـ طرد السفراء السوريين كما قامت بذلك تونس ودول الخليج وليبيا، وازدياد مطالب جهات شعبية وأحزاب عربية بذلك. ـ التعاطف مع الشعب السوري ضد جلاّديه، وحشد التبرعات له وللحملات الساعية لتلبية الاحتياجات الإغاثية والإنسانية التي يحتاجها في الداخل وفي مخيمات النزوح. ولعل الأسباب الكامنة وراء ما انتهى إليه وضعه ما يلي: ـ عدم فهم سنن الله والمتغيرات من حوله، فسنن الله هي أن دوام الحال من المحال، وأن دورة الأمم والدول تمرّ في حالي صعود وهبوط، وأن الظلم مرتعه وخيم مهما طال الزمن، وأما الربيع العربي فقد كان عابرا للدول، وكان أنموذجا صالحا للتأسي من قبل الشعوب التي كانت مضطهدة مقهورة، رغم استبعاد بشار الأسد وصول رياحه لسوريا قبل بداية الثورة السورية. لا بد من زوال هذا النظام لأنه أمني بوليسي ظالم اقترف مجازر كبيرة ضد شعبه منذ أربعين عاما وحتى الآن، وسجن من سجن، واغتال من اغتال، حتى أقرب المقربين منه، ولأنه غير شرعي حيث تم توريث السلطة من الأب للابن في نظام رئاسي جهارا نهارا، ولأن سرق ثروات الشعب وأعاد عجلة التقدم إلى الوراء. ـ عدم استماعه لنصائح كل من نصحه من داخل سوريا وخارجها بضرورة اعتماد الحل السياسي والاستجابة لمطالب شعبه وتطلعاتهم والمسارعة في الاستجابة لمطالبهم، والابتعاد عن القبضة الأمنية في التعامل معهم. ها هو النظام يجهر بضرورة الحل الأمني من قبل أعلى رأس هرمه (الأسد ووزير خارجيته) ولا يرى سبيلا غيره، ويشرعنه باعتباره مطلبا جماهيريا، تفرضه ضرورة القضاء على "عصابات مسلحة " مزعومة. خسر النظام السوري شعبه، وامتداده العربي، وخسر غالبية الدول على مستوى العالم، وخسر الجماهير العربية التي كانت مغشوشة بمنطقه المقاوم، ولم يبق له إلا إيران وإسرائيل وروسيا والصين، يدافعون عنه لأنهم مستفيدون من بقائه. إن قوة هذا النظام وهمية مكتسبة من بطشه من جهة، ودعم دول حليفة له من جهة أخرى، لقد أسقط السوريون بعزيمتهم وصمودهم حاجز الخوف، ومرّغوا أنف هيبته بالتراب، وعندما ستتخلى عنه هذه الدول أو بعضها لاسيَّما إيران وروسيا سيسقط في الحال، وإن استمرار وتصاعد ضربات الشارع والمعارضين له كفيلة بإقناع حلفائه عما قريب بأنه لا فائدة من دعم نظام منهار متهاو لا محالة، وأنه لا حاجة لهم بنظام يحتاج لدعمهم المباشر ليبقى.

423

| 15 فبراير 2012

أوراق أخرى بعيدا عن مجلس الأمن الدولي

انتهى التصويت في جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة بشأن الأزمة في سوريا، باستخدام " الفيتو" من قبل روسيا والصين، فرح النظام السوري المرتبك لأنه يظن أن أي دعم له من شأنه أن يطيل في عمره، وانزعج العرب والغرب الذين قدموا مبادرتهم للمجلس أو تبنوها من الموقفين اللاأخلاقي واللاإنساني لموسكو وبكين، كما كانت خيبة أمل كبيرة للمعارضة التي كانت تأمل أن ينصفها المجتمع الدولي والعالم الحر، وأن يكون أداة ضغط على نظام دمشق كيلا يواصل ذبح شعبها الأعزل، وارتكاب مزيد من المجازر ـ كما حصل ويحصل في حمص وريف دمشق في الأيام الأخيرة ـ وخطوة من أجل دفع الأسد للتنحي عن الحكم. لكن هل ما حصل نهاية المطاف للشعب السوري ومعارضته في مواجهة النظام وحلفائه الدوليين؟ وكيف يمكن أن يكون التحرك القادم على الساحتين: الداخلية النضالية، والخارجية السياسية الدبلوماسية؟ صحيح أن على الشعب السوري وأحزاب المعارضة والمتعاطفين معهم عربيا أن يتحركوا في ساحة الدبلوماسية الدولية واستثمار المنظمات الدولية والأممية وأي جهد عالمي لصالحهم من أجل لجم النظام السوري الهائج المنفلت من عقاله، ولكن عليهم في الوقت نفسه أن يدركوا أن ما حصل قد يكون فيه خير من حيث لا يدرون " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"، وألا ينصبّ جهدهم وتنحصر وجهتهم في مجلس الأمن لمحاولة إعادة الكرة مرة أو مرات أخرى لتليين أو تعديل الموقفين الروسي والصيني وتقديم مزيد من التنازلات لهما. ما حصل وإن بدا في ظاهره جولة خاسرة للشعب السوري والمعارضة التي تقف معه في خندق واحد والشرفاء من الأنظمة والأحزاب والمنظمات والشعوب العربية والإسلامية فإن في باطنه خير كثير إن شاء الله، لعل من أهم ذلك: ـ فضح الأنظمة الدولية التي تنحاز لنظام قاتل لشعبه، وتتاجر أو تسمسر بدماء أبرياء عزل وتقايض ذلك بمصالح ضيقة، في لحظة تاريخية فارقة للنضال الإنساني، وسقوطها أخلاقيا على رؤوس الأشهاد أمام العالم أجمع، ملتقية بذلك مع مواقف أنظمة إقليمية تنطلق من حسابات خاصة وأجندات ضيقة الأفق، ولعل أكبر الداعمين للنظام السوري أو الراغبين ببقائه وعدم رحيله كما بات واضحا هم: روسيا، الصين، إيران وإسرائيل، حتى تتمايز المواقف وتتمحص الصفوف، وكيلا تستمر عملية الانخداع بأنظمة كانت ولا تزال تتدثر بعباءة المقاومة أو نصرة المظلومين أو الوقوف إلى جانب تحرر الشعوب. ـ تركيز الجهود والتعويل على القدرات الداخلية وتطوير الفعل النضالي للشعب السوري، حيث إن كثيرا من الطاقات لم تنخرط بعد في هذا الفعل، وكثيرا من نقاط القوة لم توظف كما ينبغي. إن التحرك القادم ينبغي أن يتم من خلال ما يلي: ـ على مستوى الساحة السورية الداخلية من خلال دعم جملة أمور من أهمها: توسيع بؤرة الحراك الشعبي في دمشق وحلب اللتين بدأت حركة الاحتجاج فيهما تتسع شيئا فشيئا في الأسابيع الأخيرة، وتشجيع آليات برامج "العصيان المدني" التي أعلنت التنسيقيات أنها ستشرع فيها قريبا، ودعم الجيش السوري الحر، حيث كشفت الأحداث الأخيرة قرب دمشق وفي حمص وأدلب أنه أربك حسابات النظام رغم محدودية قدراته. ـ على المستوى العربي الرسمي من خلال: تفعيل العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية العربية، وطرد سفراء النظام السوري، والاعتراف بالمجلس الوطني السوري، ودعم المعارضة السورية وتحركها السلمي وفعالياتها في الساحات العربية، وتخفيض علاقات التبادل التجاري مع الصين وروسيا، وهنا لا بد من الإشادة على سبيل المثال لا الحصر بسحب السعودية ودول الخليج والمغرب والأردن لمراقبيها في إطار الجامعة العربية، وطرد حكومة تونس للسفير السوري من أراضيها احتجاجا على مجزرة حمص الأخيرة. ـ الرد على الفيتو الروسي ـ من قبل الأنظمة العربية والمعارضة السورية ـ بطريقة مختلفة ليس منها مواصلة استجداء موسكو مقابل تقديمها لتنازلات ـ ستكون هامشية ـ وتتضمن اللعب على أوراق قوتنا ومنها فتح خطوط داعمة لنا من خلال مسلمي روسيا الذين يرتبطون بنا في العقيدة الواحدة، وخطوط أخرى مع المعارضة الروسية من طلاب الحرية والكرامة الإنسانية للاشتراك في حملة إسقاط بوتن في انتخاباته القادمة، وتنظيم فعاليات من قبلها تندد بمواقفه الخارجية التي تضر بمصالح بلادهم، والبحث عن حلول دبلوماسية أخرى خارج مجلس الأمن ومنها التعاون مع مجموعات الاتصال بسوريا والتي تحدثت دول غريبة عن اعتزام تشكيلها. ـ على المستوى العربي الشعبي: الوقفات الاحتجاجية الشعبية الجماهيرية والنقابية أمام السفارات السورية والروسية والصينية والإيرانية، إقامة المظاهرات والاحتجاجات على مذابح وعنف النظام، ومقاطعة البضائع الصينية والروسية، وتعزيز التعاون مع المعارضة السورية المتواجدة على أراضيها. وهنا لا بد من الإشادة بمواقف حراك من هذا النوع أو ذاك يتم في مصر والأردن والكويت وتونس وليبيا والبحرين وغيرها، ومنها دعوة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي والإخوان المسلمين في الأردن لمقاطعة البضائع الصينية والروسية. مجلس الأمن لن يكون نهاية المطاف، والأوراق التي بيدنا مع الصبر والمصابرة والمثابرة في سوح النضال الجماهيرية في الشارع، وفي الساحة السياسية الدولية كثيرة، وما علينا سوى التحرك بديناميكية، والثقة بأن النظام زائل طال الزمن أم قصر.

402

| 08 فبراير 2012

alsharq
وزارة التربية.. خارج السرب

هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور...

12876

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
تصحيح السوق أم بداية الانهيار؟

وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام...

2466

| 16 نوفمبر 2025

alsharq
صبر المؤمن على أذى الخلق

في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به...

1770

| 21 نوفمبر 2025

alsharq
وزارة التربية والتعليم هل من مستجيب؟

شخصيا كنت أتمنى أن تلقى شكاوى كثير من...

1350

| 18 نوفمبر 2025

alsharq
المغرب يحطم الصعاب

في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17...

1152

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
عمان .. من الإمام المؤسس إلى السلطان| هيثم .. تاريخ مشرق وإنجازات خالدة

القادة العظام يبقون في أذهان شعوبهم عبر الأزمنة...

1134

| 18 نوفمبر 2025

alsharq
حديث مع طالب

كنت في زيارة لإحدى المدارس الثانوية للبنين في...

966

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
العزلة ترميم للروح

في عالم يتسارع كل يوم، يصبح الوقوف للحظة...

909

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
وزيرة التربية والتعليم.. هذا ما نأمله

الاهتمام باللغة العربية والتربية الإسلامية مطلب تعليمي مجتمعي...

894

| 16 نوفمبر 2025

alsharq
ارفع رأسك!

نعيش في عالم متناقض به أناس يعكسونه. وسأحكي...

804

| 18 نوفمبر 2025

alsharq
إستراتيجية توطين «صناعة البيتومين»

يُعد البيتومين (Bitumen) المكون الأساس في صناعة الأسفلت...

690

| 17 نوفمبر 2025

alsharq
اليوم العالمي الضائع..

أقرأ كثيرا عن مواعيد أيام عالمية اعتمدتها منظمة...

645

| 20 نوفمبر 2025

أخبار محلية