رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سوريا .. والفرصة الأخيرة للمجتمع الدولي

أوضحُ رسالة فُهمت من تسارع الأحداث التي صاحبت تشكيل "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، أن المجتمع الدولي اتخذ قراره أخيرا، كما يبدو، للتخلص من نظام الأسد، وأن التحضيرات الجدية لهذا الأمر قد بدأت فعليا، ويبقى أن يبرهن العالم على هذا العزم، من خلال إجراءات عملية لا بد منها، خلال الأيام والشهور القادمة. لقد ظلم الشعب السوري كثيرا بسبب التأخر والتلكؤ الكبيرين من المجتمع الدولي، وكان يجب عليه أن يتحرك قبل هذا بكثير، ولهذا السبب يتحمل مسؤولية أخلاقية، بسبب صمته وتغاضيه عن جرائم السفاح الأسد، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار ضخامة عدد الضحايا من المدنيين نتيجة قصف ومجازر النظام الدموي، وحجم النازحين واللاجئين الذين اضطروا لترك ديارهم، بسبب خوفهم على حياتهم، والتدمير الواسع للبنى التحتية للبلاد، على مدى عشرين شهرا. لقد كان العالم يتذرع بعدم توحد صفوف المعارضة، كأحد أسباب إحجامه عن دعم الحراك الثوري، وهو عذر أقبح من ذنب، ولكن مع ذلك فها هي الحجة قد زالت، من خلال توسيع قاعدة المجلس الوطني أولا، ثم موافقة المجلس عينه على مبادرة الشخصية المعارضة رياض سيف ثانيا، لذا فإن عليه أن يترجم تأييده لهذه الخطوة، من خلال دعم المعارضة فيما تحتاجه لإسقاط النظام ولعل أهم ذلك: ـ العمل فورا على المطالبة بالاعتراف العربي والدولي بالائتلاف ممثلا وحيدا وشرعيا للشعب السوري، لأنه ينبني على ذلك امتيازات تخدم الثورة وحراكها كإبرام عقود لشراء الأسلحة... حتى الآن اعترف بالائتلاف مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يعني ضمناً الدول الخليجية، ويفترض أن تعترف الجامعة العربية بذلك أيضا، ولا يعرف إن كان هذا سيتم أم لا، خصوصا مع حالة من الجدل التي سادت اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير في القاهرة، وسط معارضة بعض الوزراء لأن يكون الائتلاف الجديد بديلا عن النظام السوري، بينما تبنت دول أخرى مطالب المعارضة السورية بالاعتراف بالائتلاف بديلا عن نظام الأسد، بما في ذلك جلوس ممثل الائتلاف في المقعد المخصص لسوريا بالجامعة العربية. لقد تلكأ العالم عن الاعتراف بالمجلس الوطني السوري طيلة الشهور الماضية، وتحدث رياض سيف عن وعود باعتراف دول غربية كثيرة فور توافق المعارضة السورية على مبادرته، لذا فإن الكرة في ملعب الولايات المتحدة والدول الغربية لكي يفوا بوعود الاعتراف الرسمي، ـ كما فعلت فرنسا ـ وأن لا يتوقف الأمر عند حدود التأييد العام الفضفاض، كما فعلت الجامعة العربية التي اعترفت بشرعية الائتلاف فقط (ممثلا شرعيا لتطلعات الشعب السوري). ـ تقديم الدعم المادي والسلاح المتطور، وكان رياض سيف قد تحدث في مؤتمر صحفي عن أن الكيان الجديد (الائتلاف) حصل على وعد بتزويد الجيش الحر بأسلحة متطورة في غضون أسابيع. ومعروف أن تمكين الثوار من الحصول على مثل هذه الأسلحة من شأنه أن يقلب المعادلة على الأرض تماما، خصوصا أن الأسد لم يعد يتمترس إلا وراء قصفه الجويّ، دون أن يكون لكتائبه الإجرامية قوة على الأرض. ـ محاولة الحشد الدولي ضد الأسد في مجلس الأمن الدولي وغيرها من المنظمات الدولية، لاتخاذ عقوبات نافذة بحقه، خصوصا ما كان منها تحت البند السابع. المجتمع الدولي على المحك هذه المرة. وإذا لم يساعد الشعب السوري، فعليه أن يتحمل نتائج التطورات التي تحصل على الأرض، بعد أن اتسع الرقع على الراقع، والأمور مفتوحة على كل الاحتمالات داخليا وإقليميا ودوليا، ولا ينبغي أن يحاسب العالم السوريين على مواقفهم بعد أن خذلهم ووقف موقف المتفرج تجاه ما يحدث في بلدهم. ومعروف أن للدول الكبرى ـ كلها أو بعضها ـ مواقف سابقة لم تنتظر فيها مجلس الأمن لاتخاذ العقوبات، ولم تستشر أو تنتظر، حتى تقدم العون بالسلاح. مرة أخرى إذا فشل العالم بانتزاع الاعتراف الدولي بالائتلاف السوري، أو حشد الدعم الدولي في مجلس الأمن وغيره، فلا أقل من أن يسمح بتزويد الثوار بالسلاح النوعي كصواريخ ستينغر وما شابهها، والتي يمكن أن تحيد السلاح الجوي للطاغية وتعطِّله، وهو أمر لا يحتاج منه إلى كثير. قالتها الثورة السورية منذ البداية لدول الجوار، وللعالم.. العلاقة ينبغي أن تكون مع الشعب السوري وليس مع نظام ساقط لا محالة، طالما أن الشعب قال كلمته، وهو مصمم بقوة وعزيمة راسخة على انتزاع حريته.. وعلى هؤلاء أن يحددوا موقفهم بكل وضوح، ولعلها تكون فرصتهم الأخيرة.. خصوصا بعد أن ملّ السوريون من كثرة الأقوال وندرة الأفعال.. وإلاّ فإن الثورة ماضية في بلوغ أهدافها طال الزمن أو قصر.

333

| 14 نوفمبر 2012

ثورة فريدة تتصدى ببسالة لاصطفاف الشرق والغرب ضدها!

بعد عشرين شهراً من حراكه الثوري ثبت للشعب السوري بما لا يدع مجالا للشك أن الشرق والغرب يقفان ضد رغبته في إزاحة كابوس الظلم الجائر على صدره منذ أكثر من أربعة عقود. حيث يواصل الجاني على مرأى ومسمع من هذا العالم ارتكاب جرائمه التي يندى لها جبين الإنسانية خجلا، قتلا وتنكيلا وتشريدا وتدميرا. الكل مشترك في جريرة ما يحصل بسوريا، وبخاصة من يدّعون تزعم العالم وقيادته، وامتلاك القوة التي يمكن أن تضع حدا لإجرام فاق الوصف، وتجاوز كل حدود المعقول، سواء من يدعم النظام بالمال والسلاح والمواقف السياسية كإيران وروسيا والصين، أو من يغضّ الطرف عن مجازر وفظائع النظام، ويمنحها رخصة ضمنية، وذلك بالتشدق بعدم إمكانية التدخل العسكري عبر التصريح بوسائل الإعلام، أو اعتبار السلاح الكيميائي " خطا أحمر " بمعنى أي ما دونه من قصف بالطائرات والراجمات وارتكاب المجازر مسموح باستخدامه من قبل كتائب الأسد، أو يعمل على تمييع القضية من خلال الموافقة تلو الأخرى على مبادرات أممية فاشلة لا تقدِّم ولا تؤخِّر، أو يتساوق مع الحديث عن أن ما يحدث في سوريا حرب أهلية، وليست ثورة لشعب ضد جلاده، استمرت سلمية مدة ستة أشهر حتى أرغمت على حمل السلاح، أو التخويف من الأصولية الجهادية و " القاعدة" التي انخرطت في قتال النظام، رغم محدودية عددها ووزنها، مقارنة بالفصائل الكثيرة الموجودة على الأرض عددا وحجما وتأثيرا، وأخيرا فرض إملاءات بعض حكوماتها لتعديل الواجهة السياسية الرئيسة للمعارضة (المجلس الوطني السوري) إلى حد اعتبار أن أيامه "باتت معدودة"، ومحاولة فرض أشخاص بعينهم في قيادتها، وطرح مبادرات أخرى، قد تفضي لمزيد من شرذمة المعارضة، وخلق فتنة بين رموزها. القوة الناعمة قد تكون أخطر من القوة الخشنة والعدو المستتر قد يكون أشد تأثيرا من العدو الذي يعمل ضد خصمه في وضح النهار، لذا فإن الكثيرين رأوا في المواقف الأمريكية من الثورة السورية جريمة لا تقل عن آثام داعمي الأسد، خصوصا وأن هذه الدولة العظمى تدّعي دعم الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وزعامة العالم الحر، وبالوقت نفسه تمنح إذنا ضمنيا بقتل شعب وانتهاك حقوقه بشكل فاضح مدة تزيد على عام ونصف العام، إرضاء للكيان الصهيوني، الذي يريد وصول معارضة منهكة، ودولة مدمرة في اقتصادها وبنيتها التحتية، تستسلم لشروط الدعم الخارجي، وتقبل بضمان أمن إسرائيل، ولا تريد وصول معارضة وهي بعافيتها تستطيع أن تكون عصيّة على قبول الإملاءات الإقليمية والدولية. لقد بلغ الحد بوزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون أن تطرح بعض الأسماء والمنظمات التي "يتعين أن تظهر بشكل أكثر بروزاً في أي قيادة جديدة للمعارضة في سوريا"، وأن تعلن جهارا نهارا أن "أيام قادة المجلس الوطني السوري باتت معدودة"، وعن احتمال سرقة الثورة لحساب من تسميهم الجماعات الجهادية و "القاعدة " في تدخل سافر ووقح في قضايا البيت الداخلي للمعارضة والثوار في الداخل، في حين لم تقدم إدارتها سوى الكلام والوعود لدعم الثورة السورية منذ انطلاقتها، أو لإيقاف مجازر الأسد المتواصلة، متخلية بذلك عن أبسط القيم أو المعايير لأخلاقية والإنسانية في الوقوف إلى جانب المظلوم والأخذ على يد الظالم. "ربّ ضارة نافعة" كما يقول المثل، فلعل هذه المواقف المخزية للمجتمع الدولي وتصريحات بعض مسؤوليه تكون مفيدة ونافعة للشعب السوري وثورته، ولعل من أبرز هذه الفوائد: ـ أنها كشفت أن "المجلس الوطني السوري" على علاّته ووهنه، ليس على علاقة حسنة مع الولايات المتحدة والغرب كما يدّعي النظام الأسدي وحلفاؤه، وأنه بسبب رفضه التنازل عن بعض الثوابت تريد واشنطن إزالته وخلق معارضة بديلة موالية لها، وهو ما من شأنه زيادة الالتفاف حول المجلس، ودفع قوى وطنية للمعارضة للتفاهم معه، على قاعدة الإصلاح من الداخل، وبالوقت نفسه كشفت حقيقة المواقف الأمريكية ودوافعها التي لم تعد خافية، وانكشاف أحوال بعض أطراف المعارضة وعرت مواقف شخوصها. ـ التأكيد على أن القرار في نهاية المطاف ليس لهذه القوى الدولية مهما بلغ حجمها وإنما هو للشعب ولمكوناته الثورية في الداخل، وإن من يتصدى لكل جبروت كتائب الأسد والدعم الإيراني وكتائب حزب الله والدعم الروسي على الأرض لهو قادر على رفض المبادرات الغربية المريبة والتمسك بحقوقه. ـ أهمية الاعتماد على الله واستمطار المدد منه أولا، وعلى العزيمة الصادقة لنضال الشعب السوري الذي يواصل كفاحه لمدة عشرين شهرا دونما توقف رغم حجم الخسائر ووحشية النظام الذي يواجهه ثانيا، دون تعويل على أحد غير ذلك.. إن أسباب السماء لا يعرفها إلا المؤمنون وأصحاب القيم المبادئ السامية، فمن توكّل على الله حق توكله واستمد القوة منه مع استفراغ الجهد في الأخذ بالأسباب المادية لاشك أنه منصور طال الزمن أو قصر. أيها الثوار في سوريا..أيها المعارضون الشرفاء.. كونوا على ثقة بنصر الله الذي نرجو أن يكون قريبا، وكونوا على حذر من المخططات التي تريد خطف ثورتكم، لصالح أجندات خارجية أو وأدها في المهد أو حرفها عن مسارها..والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

546

| 07 نوفمبر 2012

نزوح ولجوء الشعب السوري .. قصة معاناة تحتاج لالتفاتة جادة

تابعت قبل أيام قليلة عن قرب، وخطوة بخطوة، رحلة خروج أحد الأصحاب من سوريا إلى دولة مجاورة بحثا عن ملاذ آمن بعد أن ساءت الحالة الأمنية والإنسانية في مدينة حلب منذ شهرين، وعرفت حجم الاستعدادات والتجهيزات التي سبقتها والمخاطر التي صاحبتها، ولمست حجم التحديات المستقبلية التي تدور في ذهن صاحبها. فكّر صاحبنا ـ كشأن كثيرين أمثاله ـ بترك بلاده التي لم يغادرها إلا زيارة أو سياحة منذ خمسة وأربعين عاما بسبب قصف بيته الذي دمر جزئيا، والقصف المتواصل لحيّه، وتوقف عجلة عمله ومصدر رزقه، وخوفه من الفوضى والابتزاز المتزايدين. تأخرت رحلة صاحبنا غير مرة بسبب الممرات والطرق غير الآمنة، وكان ثمة خشية أن يتأخر عن الحدود، وأن يمنع من الخروج كما حصل مع آخرين، لكن ما سهل عبوره، لطف الله ودعاء أحبابه له أولا، ثم اضطراره لدفع رشى للمعبر السوري ثانيا، بينما تأخر غيره ممن سبقوه قبل ذلك على هذا المعبر. في أول اتصال لي به بعد خروجه وصف لي شعوره النفسي مشبِّها حالته كحال سمكة خرجت من ماء نهرها الصغير، وكشجرة خلعتها من جذورها الضاربة في تربة الأرض، ثم تحدث لي عن التحديات التي تنتظره وتنتظر أسرته في الأيام القادمة، من حيث المسكن والإقامة والعمل ومدارس الأولاد... صاحبي الذي تحدثت عنه قد يكون محظوظا أكثر من غيره، إذ يوجد مالديه ماديا لتدبير أموره وسفره وإقامته وإن لبعض الوقت، ومن ساعده حتى بلوغ هدفه، ومن استقبله، ومن سيساعده بعد وصوله، ولكن ماذا عن الذين لا تتوفر لهم كل هذه الإمكانات وهذه التسهيلات وهم كثر والأعداد مرشحة للازدياد. إنها باختصار مشكلة النزوح واللجوء والتشرد التي يعاني منها أبناء الشعب السوري كإحدى إفرازات ثورتهم ضد طاغية دمشق منذ عشرين شهرا، بكل تداعياتها ومعاناتها الإنسانية التي تزداد تفاقما، بسبب بطش النظام واعتماده الحل الأمني والعسكري في مسعاه للقضاء عليها، إلى جانب ما يتعرضون له من قتل وسجن وتعذيب وهدم للبيوت، وانتهاك للأعراض وتخويف وترويع. وبحسب إحصاءات دولية موثّقة فإن عدد النازحين في الحد الأدنى بلغ 1.2 مليون شخص، فيما يبلغ عدد السوريين المسجلين أو بانتظار التسجيل كلاجئين في الأردن ولبنان وتركيا والعراق أكثر من 300.000 لاجئ، ويعتقد مراقبون أن هذه الأعداد أكثر من ذلك بكثير. إن هذا الوضع الإنساني يتطلب دعما عربيا وإسلاميا ودوليا عاجلا ومتواصلا،من جانب الشعوب والأنظمة، ومن المنظمات الدولية، ولم يعد الحديث كافٍ عن جهد محدود لجمعيات خيرية عربية وإسلامية من هنا وهناك، ولعل أهم هذه الاحتياجات الإغاثية والإنسانية: ـ توفير المأوى المناسب للحياة الكريمة من خلال مخيمات اللجوء الملائمة، أو الشقق. ولأن بعض الدول كتركيا صارت تتأخر في استقبال مزيد من اللاجئين فينبغي التفكير بإنشاء مخيمات للنازحين قرب المناطق الحدودية، التي تعتبر مأوى مؤقتا أو دائما، وبخاصة أن هذه المناطق صارت خارج نطاق سيطرة النظام. ـ توفير الغذاء اليومي لهذه الشرائح مثل السلال الغذائية الشهرية التي تتضمن المواد التموينية الأساسية، أو قيمة هذا المصروف اليومي على مثل هذه الاحتياجات الغذائية. ـ الرعاية الصحية الأولية للأطفال والأسر، لاسيَّما أن بينهم صغارا وكبارا في السن، وهو ما يعني احتياجهم لرعاية خاصة، كما أن من بينهم من يعاني من آثار عمليات جراحية وعلاجية أجريت لهم بسبب الظروف الدائرة في سوريا. ـ التعليم، فقد يكون ميسورا التحاق اللاجئين السوريين في الأردن، ولكن هذا الأمر تكتنفه صعوبات في لبنان، وربما في العراق، ولكن المشكلة الأكبر في تركيا، حيث لا يقبل الطلاب في المدارس الحكومية، وكل ما هو موجود نوع من التعليم المحدود في المخيمات، وفي بعض المدارس التي أنشاتها جمعيات خيرية تركية مثل (IHH) لتعليم أبناء اللاجئين السوريين، ولكنها غير مرخصة من الجهات التعليمية التركية، وهو ما يعني ضياع عام تعليمي كامل على هؤلاء الأطفال (العام الماضي)، والعام الدراسي الحالي. ومع خشية طول المدة يحتاج الأمر لتفاهمات مع الجهات المستضيفة لتوفير التعليم المناسب لأبناء اللاجئين، وأكثر من ذلك إقامة برامج تثقيفية وتدريبية للمقيمين في المخيمات أو من هم خارجها لاستثمار أوقاتهم بالنافع المفيد، وإكسابهم مهارات معينة تعينهم على تطوير قدراتهم، وتوسيع مداركهم، وتأمين مصدر رزق لهم رجالا ونساء وشبابا.. ويتصل بذلك طلبة الجامعات والمعاهد أيضا. ـ برامج الدعم النفسي، فكثير من أطفال اللاجئين وأسرهم تعرضوا لصدمات وضغوط نفسية كثيرة بسبب قسوة ماشاهدوه مناظر، وما تعرضوا له من مواقف، وكلها تحتاج لدعمٍ يعنيهم لإعادتهم للحياة الطبيعية وتجاوز العقد في حياتهم. قصة نزوح ولجوء الشعب السوري التي يبدو أنها ربما ستكون طويلة تحتاج إلى التفاتة جادة من المنظمات الدولية، ومن الجهات العربية والإسلامية الرسمية والشعبية، تتناسب مع أهوالها وأحوالها الإنسانية المتفاقمة، سواء على مستوى البرامج والخطط أو على مستوى الدعم المادي واللوجستي.

651

| 31 أكتوبر 2012

النظام الإيراني وحزب الله يكسبان الأسد ويخسران كل شيء

لا أظن أن النظام الإيراني وحليفه حزب الله في لبنان في موقف يحسدان عليه إثر قرارهما الاستراتيجي بدعم نظام الأسد والوقوف ضد ثورة الشعب السوري وإمعانهما في مواصلة وزيادة هذا الدعم، فشعبتيهما السابقة في أوساط الجماهير انقلبت إلى كراهية لهما على نطاق واسع، والتوتر زاد في كل علاقات طهران الدبلوماسية مع جيرانها في الإطارين العربي والإقليمي، وفي العلاقات الحزبية لحزب الله مع الفرقاء السياسيين على الساحة اللبنانية، بسبب تأثير تصرفاته على الوضع الداخلي من جهة وعلى علاقات لبنان بدول الجوار. كان بإمكان النظام الإيراني وحزب الله أن يقفا مع الشعب السوري في محنته ويكسبا الشارع العربي في ربيع ثوراته، كما كسباه من قبل في ادعائهما للمقاومة والممانعة والوقوف إلى جانبها، ولكن شاء الله أن تفضح الثورة السورية المواقف المستترة، فكيف يستقيم من أصحاب الثورات، ومدعي الوقوف إلى جانب المظلومين، الوقوف إلى جانب القتلة الدمويين، والظالمين ضد الضحايا، بل ودعم النظام الأسدي بالمال والعتاد والقوى البشرية.لقد اضطر النظام الإيراني للاعتراف أخيرا بوجود عناصر من الحرس الثوري بسوريا وإن كان قد حصر مهمهتم بالاستشارات، وقام حزب الله خلال هذا الشهر علنا بتشييع عدد من مقاتليه الذين زعم إنهم "قضوا أثناء تأديتهم واجبهم الجهادي"، في حين قالت مصادر أمنية لبنانية إنهم قتلوا في سوريا، واكتفى حسن نصر الله بالقول إن عددا من مقاتليه قتلوا خلال دفاعهم عن مناطق متداخلة يقطنها لبنانيون على الحدود مع سوريا.ـ أهم ما خسره النظام الإيراني بسبب مواقفه من الثورة السورية: ـ انكشاف زيف ادعاءاته السابقة على مستوى الشارع السوري والشارعين العربي والإسلامي كنصير للمقاومة والثورات العربية والوقوف ضد طغيان المستبدين ومساندة مظلوميه المستضعفين، وذلك بعد أن وضعت على المحك، وانقلاب التأييد والشعبية الكبيرة له لدى الشعب السوري والشعوب العربية والإسلامية إلى كراهية ونقد شديدين. ـ تدهور علاقتها بعدد من دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا والمملكة العربية السعودية وبعض الدول الخليجية الأخرى، وعدم التوافق بين مواقفها والغالبية العظمى الدول العربية والإسلامية بخصوص الأزمة السورية. ـ شعور بالعزلة عن محيطها العربي والإقليمي، حيث وجدت إيران نفسها معزولة بشكل مفاجئ لم تعهده في التاريخ الحديث، دون أن يكون لديها خيارات أخرى بديلة، بحسب مراقبين، وقد استنتجت الباحثة في مركز فرايد للدراسات الإستراتيجية وأستاذة البحث في جامعة جورج واشنطن مارلين لوريل أنه على ضوء عدم ضمان مستقبل الأوضاع في الشرق الأوسط "فقد يمم النظام الإيراني وجهه شطر الشرق الأقصى ويحاول خلق استقرار على حدوده الشرقية مع كل من أفغانستان وآسيا الوسطى، وتعزيز الروابط الاقتصادية مع الصين رغم اضمحلال الأمل في انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون بسبب معارضة كل من الصين وروسيا".ـ أما ما خسره حزب الله فهو لا يقل عما لحق بوليّة نعمته إيران، فالإضافة إلى تحول الشعبية الكبيرة التي كان يتمتع بها شعبيا إلى النقيض كراهية ومقتا، بعد أن وضعت ادعاءاته الماضية على المحك العملي حاليا ثمة خسائر أخرى لعل أهمها: ـ ازدياد توتر علاقاته بالفرقاء اللبنانيين الذين يرون في دعمه المتواصل لنظام الأسد، ومدّه بالمقاتلين من حزبه من شأنه إشعال فتيل جديد للصراع الداخلي في لبنان الذي سبق أن اقتتل فرقاؤه بين أعوام 1975 و1990، ووضع لبنان ومكوناته في "عين العاصفة"، وقد يقوده ذلك إلى مزيد من الانقسام والتشرذم كما يرى زعماء سياسيون ومحللون لبنانيون. ـ محاولة زجّ الشيعة بلبنان في حرب لاناقة لهم فيها ولا جمل، إرضاء لإيران وحليفها النظام الأسدي، بكل ما يحمله ذلك من فرز طائفي مقيت، ونفخ النار في فتنة لا مصلحة لأحد باشتعالها، وربط مستقبل الحزب بمصير النظام الأسدي، الآيل للسقوط.وفي هذا الصدد طالب النائب السابق محمد عبد الحميد بيضون المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بأن "يلعب دوره لأن السياسة التي يتبعها "حزب الله" في سوريا تأخذنا إلى حرب مذهبية، ليس فقط على مستوى سوريا، بل على مستوى المنطقة، وهنا يتوجب على المجلس الشيعي أن يقف بقوة لمنع ذلك، وتوجيه رسالة واضحة لـ"حزب الله". حتى لو بقي الأسد، فسيكون ضعيفا هو ونظامه، وهو ما سيؤثر على الأحلاف الإيرانية في المنطقة والنفوذ الإقليمي له. من الخطأ تفضيل مكاسب تكتيكية مؤقتة على حساب المصالح الإستراتجية الأساسية وهو ما وقع به النظام الإيراني وحزب الله.. ربحا الأسد وخسرا أشياء كثيرة، وفي مقدمتها سمعتهما السابقة لدى العرب والمسلمين، وعلاقتهما الوطيدة بشعوب المنطقة.

333

| 17 أكتوبر 2012

مسلمو الروهنجيا في مؤتمر إنساني مثمر

لأكثر من سبب يمكن اعتبار الاجتماع الثاني للمنظمات الإنسانية بشأن الوضع الإنساني في ولاية راخان- ميانمار الذي نظّمته منظمة التعاون الإسلامي بتنسيق مشترك واستضافة من جمعية قطر الخيرية يوم الرابع من شهر أكتوبر الحالي بالعاصمة القطرية الدوحة مفيداً ويصبّ في التخفيف من المعاناة المتواصلة لشعب الروهنجيا المسلم. أهم هذه الاعتبارات يمكن إجمالها بما يلي: ـ بداية مشجِّعة لإيجاد مظلة لتنسيق جهود المؤسسات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني في الدول الإسلامية، في مجالات الإغاثة والتدخل الإغاثي عند وقوع الكوارث والحروب، من خلال إدارة الشؤون الإنسانية بمنظمة التعاون الإسلامي، لعلها في ما لو طوّرت تصبح شبيهة بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية " أوتشا" الذي ينسق عمل وكالات الأمم المتحدة الإغاثية والإنسانية، إضافة إلى جهود الجهات الإنسانية الأخرى، ويؤدي وظائف تدعم جهود هذه المنظمات، وتذلل الصعوبات التي تعترض عملها. لقد حضر هذا اللقاء أكثر من 30 جمعية ومنظمة من المنظمات الإنسانية في العالم الإسلامي ممن يرغبون بتقديم العون لمسلمي الروهنجيا، لذا فإن من المهم وجود جهة تهتم بجهود التنسيق في بينها، وبخاصة ما يتعلق بالمشاريع ونوعيتها والمناطق التي ستنفذ فيها، وفق مبادئ وأولويات ترتكز عليها. ـ ويزداد هذا التنسيق أهمية بسبب تعنت السلطات الميانمارية في السماح بإيصال المساعدات الإنسانية لمسلمي إقليم أراكان، ووضعها عقبات جمّة في هذه الطريق، وهو ما تطلب تدخلا مقّدرا من منظمة التعاون الإسلامي أفضى إلى نتائج جيدة ستمهد الطريق لوصولها بأقرب فرصة، وأهم ما تم: ابتعاث وفد مشترك لميانمار استمع لوجهة نظر حكومة ميانمار من خلال الاستقبال الذي خص به رئيس دولة ميانمار الوفد الزائر من المنظمة. كما تمكن الوفد أيضا خلال هذه الزيارة من الوقوف على حجم وأبعاد المأساة التي يعيشها شعب الروهينجيا، وتوقيع اتفاقية بين المنظمة وحكومة ميانمار خلال شهر سبتمبر الماضي، بعد مفاوضات شاقة تعد الأولى من نوعها مع منظمة دولية، والتي بموجبها تسمح الحكومة لمنظمة التعاون الإسلامي ولشركائها من المنظمات الإنسانية بالتدخل لتقديم المساعدات الإنسانية لشعب الروهينجيا، إضافة إلى تكوين الاتحاد العام لمسلمي الروهنجي، وقد تم الاعتراف به من قبل المنظمة ليكون المتحدث باسم الروهنجيا. ـ إتاحة الفرصة أمام المنظمات الإنسانية العربية والإسلامية المشارِكة للتنسيق المشترك في ما بينها من جهة، وبينها وبين المنظمات الأممية والدولية من جهة أخرى في ما يخص تقديم المساعدات الإغاثية لصالح مسلمي بورما، ومعروف أن بعض منظمات الأمم المتحدة كالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لها حضور ميداني في تقديم المساعدات هناك. ـ محاولة حشد مزيد من الدعم الإقليمي والدولي من أجل الوصول إلى حل دائم لأزمة شعب الروهينجيا يحفظ كرامته ويصون حقوقه المشروعة، والتأييد الشعبي العالمي لهذه القضية العادلة. على المستوى التنفيذي العملي فقد خرج المؤتمر بأمور جديرة بالتقدير والثناء وهي: ـ الإعلان عن تفعيل اتفاقية التعاون بين منظمة التعاون الإسلامي وحكومة ميانمار من خلال إنشاء مكتب لمنظمة التعاون الإسلامي في عاصمة البلاد ومكتب فرعي له في إقليم أركان. يتولى مكتب العاصمة جهود التنسيق مع الجهات الحكومية والحصول على التسهيلات الضرورية كالتأشيرات والترخيصات وغيرها، وحشد الدعم الدبلوماسي والإعلامي. في حين يتولى المكتب الفرعي تنسيق الجهود الإنسانية على الأرض، وتقديم الخدمات اللوجستية الضرورية للشركاء التنفيذيين، وتسهيل الوصول إلى المستفيدين، وينتظر أن يتم ذلك خلال الشهر الحالي والشهر المقبل. ـ الإعلان عن حصيلة التعهدات المالية للمنظمات المشاركة في الاجتماع والتي بلغت حوالي 25 مليون دولار أمريكي، ستخصص لتنفيذ مشاريع إغاثية وتنموية لصالح مسلمي الروهنجيا. ـ استكمال الجهود السابقة بتوقيع المنظمات المشاركة بالاجتماع لاتفاقيات ثنائية مع منظمة التعاون الإسلامي لتحديد آليات العمل التنفيذي الإغاثي على الأرض ومشاريع التعاون التي يمكن تنفيذها، وتشكيل فريق فني مشترك يضم منظمة التعاون الإسلامي والمنظمات الإنسانية لزيارة ميانمار وتقييم الوضع وإعداد خطة عمل مشتركة وآلية تنسيق عملية بناء على معطيات الواقع. الاجتماع بالمجمل ركّز على أمرين حيويين اثنين، الأول: يتصل بالخطط التنسيقية والعمل على تكامل جهود المؤسسات المشاركة في الإغاثة، وتذليل العقبات لوصول المساعدات مع أطراف العلاقة المختلفة، والآخر: حشد الدعم المالي والدولي والدبلوماسي لقضية مسلمي الروهنجيا، والاتفاق على خطوات تنفيذية عملية محددة بأزمنة محددة لتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة.

406

| 10 أكتوبر 2012

العمل الإنساني العربي وضعف الاستثمار بقدرات التطوع

عندما يكون هذا المقال بين يديك عزيزي القارئ، يكون عدد من أطفال غزة المصابين بالصمم وأسرهم على موعد مع عودة الأمل لحياتهم بإذن الله، وذلك بعد أن وصل إليهم أحد الأسماء اللامعة عربيا ودوليا في علاج الصمم، لإجراء عدد من عمليات زراعة القواقع الإلكترونية (جمع قوقعة) لهم، ألا وهو البروفيسور الإماراتي مازن الهاجري، ومن ثم عودة نعمتي السمع والتحدث لهؤلاء الأطفال. وسيكون لهذا الأمل وفرحة أهل وذوي هؤلاء الأطفال به طعم خاص، بالنظر إلى صعوبة إجراء مثل هذه العمليات لأسباب كثيرة من أهمها الفقر، وضعف دخول أسر هؤلاء الأطفال، وبالنظر إلى التكلفة المرتفعة نسبيا لمثل هذه العمليات، والحصار المضروب على غزة، وبالتالي صعوبة الاستطباب بسبب صعوبة الانتقال لدول عربية مجاورة، ونقص الكوادر والتجهيزات والمعدات الطبية اللازمة لإجراء مثل هذه العمليات (الزراعة) في القطاع. أهمية مثل هذه الزيارة التي يقوم بها الدكتور الهاجري للمرة الرابعة أو الخامسة خلال أربع سنوات، أنها تأتي في إطار إنساني خيري، من زاويتين، الأولى أن جمعيات خيرية ومحسنين كراما يتبرعون أو يتبنون من خلال مشاريع خيرية شراء القواقع الإلكترونية ( موّلت قطر الخيرية خلال زيارته الراهنة إجراء خمس عمليات بقيمة تبلغ حوالي نصف مليون ريال)، والأخرى أن الدكتور الهاجري يتبرع بخبرته ووقته لإجرائها مجانا. جمعتني الأقدار بالبروفيسور الهاجري أثناء زيارته الأخيرة لدولة قطرـ قبل توجهه لغزة مباشرة ـ فوجدت أنه رغم مكانته العلمية المرموقة ومن بينها أنه أول من اخترع وأجرى عملية زراعة القوقعة الإلكترونية على مستوى العالم بدءا من عام 2004، وأعلن عنها عام 2007، مسكون بحبّ الخير، ومساعدة الناس، فمسيرته في العمل الإنساني، قديمة تتوازى مع إنجازاته العلمية والمهنية، فقد شارك في عدد من المخيمات الطبية الخيرية منذ عدة سنوات في عدد من الدول العربية والإسلامية كقطاع غزة والصومال والسودان وليبيا وبنجلاديش وغيرها، وقد حدثني عن مراكز السمعيات التي أنشأها أو أسهم في إنشائها أو التي يسعى إلى إنشائها في كل من غزة والسودان، والتي تؤهّل الصم للتحدث على ما فهمت، وعن العمليات الأخرى التي يجريها للذين يعانون من مشاكل السمع، وعن مشاريعه الإنسانية المكمِّلة لهذا الجهد، مشيراً إلى أهميتها وانعكاساتها التنموية والاجتماعية والصحية التي تحوّل الأصم من خانة ذوي الاحتياجات الخاصة إلى إنسان منتج قادر على الانخراط في مجتمعه بدلا من أن يظل معزولا، وبحاجة إلى عناية ورعاية من حوله، وإلى مزيد من التكاليف المادية لإعالته ورعايته من قبل الدول والمجتمعات. وشدد على أهمية أن يدرك المحسنون ثمرة ما يتبرعون به لهكذا أعمال في المجال الطبي. إن هذه الزيارة والمهمة الإنسانية النبيلة تفتح المجال لتجديد الحديث عن ضرورة أن تهتم المؤسسات الخيرية بصورة أكبر بالجهد التطوعي وكيفية تطوير آلياته، والاستثمار فيه بشكل أكبر، والإفادة من طاقات أفراد المجتمع وخبراتهم وأوقات فراغهم لخدمة مشاريعها وبرامجها الإغاثية والتنموية المختلفة. ومثل هذا الاستثمار يمكن أن يتمّ باجتذاب أصحاب القدرات والمهارات والمواهب الإبداعية والخبرات والتخصصات التي يحتاجها العمل الإنساني، ومنها المجالات الصحية والطبية التي تؤثر على حياة الناس وراحتهم ومستقبلهم، كالأطباء والممرضين والمسعفين، ومن خلال ما يلي: ـ التطوع بالبحث والابتكار: ويكون بالإفادة من أصحاب القدرات البحثية والمخترعين في تصميم بعض الابتكارات التي يحتاجها العمل الإنساني إبان الكوارث وغيرها، وتقديم الحلول العملية لبعض المشاكل التي تعترض العمل الإنساني الميداني، وبحيث يتم دعوة أصحاب المواهب الخاصة لمساعدة الجمعيات كل في مجاله. ـ التطوع بالجهد والخبرة: ففي المجال الطبي والصحي يتبرع الأطباء والممرضون ومساعدو المهن الطبية بأوقاتهم وخبراتهم المهنية في علاج المرضى، وإسعاف الجرحى، والتخفيف من آلام الناس ومعاناتهم من خلال المساهمة والاشتراك في القوافل والمخيمات الصحية والمراكز الطبية الميدانية والمتخصصة، ومثلما يقوم الدكتور الهاجري بالسفر إلى غزة ليخفف من معاناة شرائح الصم، ويستفيد العمل الخيري من خبراته العلمية والعملية المتميزة والمتراكمة، فإن هناك الآلاف من الأطباء مَن هم على أتم الاستعداد للمشاركة بمثل هذه الفعاليات والأنشطة الإنسانية في ما أحسب، حتى في أوقات الأزمات التي تحتاج إلى تضحيات إضافية، ابتغاء الأجر والمثوبة. وفي نفس السياق يمكن أن يستثمر العمل الإنساني طاقات المجتمع في مهام أخرى يحتاجها كالتسويق لاستقطاب التبرعات وإدارة الحملات الخاصة بها، وجهود التعليم والتوعية، وتطوير القدرات والتنمية البشرية، والتدريب والتأهيل.. ولا شك أن مثل هذا الاستثمار من شأنه أن يرفد مؤسسات العمل الخيري بطاقات بشرية، يمكن أن تسهم في تطوير أعمال هذه المؤسسات، وسدّ ثغرات تحتاج إليها، وتعظيم مخرجاتها على المستويين الأفقي والعمودي، والتخفيف من الكلفة التشغيلية التي تحتاجها لتوظيف عمالة متفرغة... فهل آن الأوان للمؤسسات الخيرية أن تعيد النظر في هذه الجوانب وتركز عليها، وتوليها اهتماما أكبر؟ نرجو ذلك.  

342

| 26 سبتمبر 2012

شركاء آخرون لنظام الأسد في تدمير سوريا وقتل شعبها

ليس الأسد وكتائبه العسكرية والأمنية ومن يدعمهم وبخاصة إيران وروسيا هم المسؤولون فقط عما يحصل في سوريا من تدمير لبناها التحتية، وما يتعرض له شعبها من مجازر وحشية وتهجير وترويع، بل ينضم إلى هذه القائمة الغرب المنافق الذي لم يكتف بعدم فعل أي شيء إزاء جرائم الأسد الإنسانية كواجب أخلاقي، بل أسهم من خلال تصريحات قياداته السياسية والعسكرية بتوفير غطاء له، وتشجيعه ضمناً كي يواصل بطشه وفتكه بشعبه الأعزل. والغريب أن هذه التصريحات الغربية جاءت متزامنة مع اشتداد وطأة وحشية النظام وارتفاع فاتورة الخسائر في أرواح المدنيين خلال الشهر الأخير، بفعل الحمم التي يصبها من خلال قصف طائراته وراجماته (براميل المتفجرات، والقنابل العنقودية الانشطارية)، والمجازر الجماعية، والإعدامات الميدانية، بعد أن عجز النظام على مواجهة شعبه والجيش الحر على الأرض، ولجوئه إلى القصف للانتقام من شعبه، نتيجة يأسه من الانتصار على الثورة. إذن يعاني النظام السوري من مأزق كبير مؤخرا بسبب سلسلة العمليات النوعية للجيش الحر، وأخذ الأخير لزمام المبادرة، منتقلا من الدفاع للهجوم، كإسقاط الطائرات وسيطرته على عدد من المنافذ الحدودية وعدد من الثكنات العسكرية المهمة، ومحاولاته السيطرة على المطارات، فيما لا يسيطر الجيش النظامي سيطرة فعلية سوى على ثلاثين بالمئة من الأراضي السورية في أحسن الأحوال. ويتضح أن تغيير الموازين على الأرض لصالح الثورة السورية، مرهون بالحصول على أسلحة مضادة للطائرات، أو قيام المجتمع الدولي بحظر جوي على سلاح طيران النظام، لكن الواقع يشير إلى أن الغرب الذي يدّعي مجاهرته في العداء لسياسات الأسد، وحق شعبه في الحرية والثورة عليه، وينتقد مجازره المروعة، لا يفعل شيئا إزاء رائحة الموت التي تزكم الأنوف، بل إنه فضلا عن ذلك يشجع النظام بتصريحاته المُعلَنة على مواصلة قتل شعبه. أهم هذه التصريحات الغربية ما قاله وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ من أن الدول الأوروبية لا يمكنها تقديم أي مساعدات عسكرية للثوار السوريين، بسبب الحظر الأوروبي على تصدير الأسلحة لسوريا، ونفي الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أندرس فوغ راسموسن أي نية لدى الحلف للتدخل العسكري في سوريا. وفي حين يصرّ الروس على موقفهم من الأزمة السورية والمتمثل بما يعتبرونه انتقالا سياسيا لا يتضمن تنحي الأسد فقد أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية أنها ترغب في العمل مع موسكو حول قرار بشأن سوريا في مجلس الأمن، ولحفظ ماء وجهها حذرت من أن بلادها ستزيد من الضغوط للحصول على دعم من أجل تغيير نظام الأسد إذا لم يؤد الإجراء إلى نتائج، وجاء موقف الاتحاد الأوروبي متناغما مع هذا التوجه حينما وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في قبرص على فرض مزيد من العقوبات على دمشق فقط. ما هو أسوأ من هذه المواقف والتصريحات الغربية المخزية هو محاولة تبريرها إما بإلقاء اللوم على الحلقة الأضعف كالمعارضة والجيش الحر لعدم توحيد صفوفهما، أو تقديم تفسيرات غير مقنعة لها، كما فعل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) حينما أشار إلى أنه لا يمكن المقارنة بين حالتي ليبيا وسوريا، معتبرا أن تدخل الناتو في ليبيا تم بعد موافقة الأمم المتحدة وبدعم الدول المجاورة. ولكن ما لم يقله أن هذه الدول إذا أرادت احتلال بلد أو رغبت بمساعدة معارضته لسوّغت ذلك لنفسها بألف طريقة وطريقة، ومن غير مجلس الأمن، وعلى حد تعبير أحد الكتاب فإن أمريكا التي احتلت العراق بشبهة وجود سلاح كيماوي، تتجنب التدخل في سوريا بسبب وجود السلاح الكيماوي، وأمريكا ذاتها التي أغرقت الأنظمة القمعية بالسلاح، تمنع دخول السلاح النوعي للثوار السوريين الآن. النتيجة المستخلصة بعد مرور أكثر من عام ونصف العام على ثورته المباركة فإن على الشعب السوري ألا يثق بشرق أو غرب، وأن يعتمد على نفسه بعد التوكل على الله، لقد بات واضحا أن عدم سماح الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في وصول السلاح المضاد للطائرات لأيدي الثوار يعدّ خيانة للضمير الإنساني لأنه يعني ببساطة سقوط مزيد من الضحايا تحت مرأى ومسمع ومباركة هذه الدول والسبب واضح لأنه سيسرع في حسم المعركة لصالح الثورة، بينما المؤامرة تقضي بإنهاك الدولة السورية ثوارا وجيشا لتبقى حطاما، وهو ما سيحتاج إلى سنوات من البناء لسوريا المحررة، ويجعل القيادة القادمة تحت رحمة مساعدات الإعمار الغربية في السنوات القادمة، وأكثر انشغالا عن التفكير بهموم الأمة، وانصرافا عن المشاريع الإسرائيلية في المنطقة. لقد بات واضحا للعيان أن سقوط النظام قادم لا محالة بحول الله، وأن الثوار الذين صاروا يبدعون في عملياتهم النوعية مؤخرا بما في ذلك إسقاط الطائرات، بيدهم حسم الأمور في نهاية المطاف، وليس بيد الآخرين، ولكن الثمن الذي يترتب على عدم قيام الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بواجبهم الأخوي والأخلاقي، هو إطالة عمر النظام المجرم، ووقوع مزيد من الضحايا بسبب سطوة بطشه، مما يجعل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي شركاء آخرين للنظام في تدمير سوريا وقتل شعبها الحرّ.

386

| 12 سبتمبر 2012

الأسد إذ ينتقم من شعبه في أشد لحظات يأسه

لا غرابة أن يكون شهر أغسطس الفائت أكثر أشهر الثورة السورية دموية منذ انطلاقتها في شهر مارس 2011، حيث قتل فيه وفق تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان 5440 شخصا، والسبب ببساطة أن بشار الأسد دخل مرحلة الانتقام من شعبه، بعد أن يئس من قدرته على قمع الثورة والانتصار عليها، وهو يرى بأم عينيه كيف أنها لم تستثن شبرا من أرض سوريا، وكيف أن الجيش الحرّ يحقق مزيدا من النجاحات النوعية على الأرض في الأشهر الأخيرة. علامات الانتقام تتمثل في حجم القصف الجوي والحمم التي يصبها على رؤوس المدنيين في المحافظات والمناطق والقرى والأحياء التي تقف كتائبه المسلحة عاجزة عن دخولها أو اقتحامها أو الوصول إليها، وفي تدمير بيوتها وبناها التحتية، أو في حجم المجازر المروعة والإعدامات الميدانية التي يرتكبها في المناطق والقرى والأحياء التي يستطيع الوصول إليها، حيث زادت وتيرتها مؤخرا، ولعل هذا هو سبب ارتفاع حجم الضحايا في الشهر الماضي مقارنة بالأشهر الأخرى التي سبقته من عمر الثورة، وبالمناسبة فإن هذا النظام لم يعرف حرمة لخصوصية الأشهر أو المناسبات، حيث إن شهر أغسطس صادف شهر رمضان المبارك الذي يفترض أنه شهر عبادة وتراحم وتكافل، وعيد الفطر الذي يفترض أنه فرصة لإدخال الفرحة على النفوس ورسم الابتسامة على الوجوه وصلة الأرحام، وزيادة التواصل والتزاور بين المسلمين. ما يشجع الأسد وكتائبه وشبيحته على مواصلة الانتقام هو: ـ المجتمع الدولي الذي يكتفي بالتفرج على مناظر الموت اليومية حتى الآن، وإطلاق التصريحات المنددة بأفعال القتلة والتحذيرات الكلامية من عواقبها، دون أن تكون هناك إجراءات عملية رادعة للأخذ على يده، بل إن ثمة تحليلات ترى أن هذه العملية مقصودة، حيث ستصب في مصلحة الكيان الصهيوني الذي يسره أن يرى سوريا تحتاج إلى سنوات من إعادة الإعمار بعد انتصار الثورة، وقد يكون بإمكان هذا المجتمع أن يفعل الكثير، دون التدخل العسكري المباشر، كحظر سلاح الطيران الذي يستفرد به الأسد، وإقامة المناطق العازلة، وتمكين المعارضة من بعض الأسلحة النوعية كالأسلحة المضادة للطائرات، وتقديم العون المالي لهم. ـ استمرار الدعمين الإيراني والروسي لهذا النظام على المستويات الاقتصادية والعسكرية لمنع منظومة حكمه من الانهيار، وجيشه من الاندحار، مع اختلاف الأجندات، فطهران تدعمه بقوة لأن انهيار نظامه يعني انهيار كامل الهيكل الذي عملت إيران على تشييده في السنوات الأخيرة بالشرق الأوسط كدولة ذات توجهات طائفية وتوسعية إقليمية، أما موسكو فتحاول استرداد دورها الدولي ومقايضة الغرب مقابل ذلك عبر سوريا. إن وراء انتقام نظام الأسد أسباب كثيرة لعلّ أهمها، صعوبة مواجهته للثوار على الأرض، بحكم سيطرة الأخيرين على مساحة واسعة سوريا قد تصل إلى 60 % منها في أقل تقدير، وازدياد اعتماده بصور أكبر على القصف الجوي، وفشله في استعادة حلب من أيدي الجيش الحرّ، رغم مرور أكثر من شهر على معركته التي أطلق عليها اسم "أم المعارك"، وإنهاك واستنزاف قدرات كتائبه في أكثر من محافظة وموقع من دير الزور والبوكمال شرقا إلى حمص وحماة غربا، ومن حلب وإدلب شمالا، إلى دمشق وريفها جنوبا، وانتقال الجيش الحر من سياسة الدفاع إلى الهجوم ونجاحه في تنفيذ عمليات نوعية تمثلت في إسقاط وتدمير الطائرات والاستيلاء على المطارات والمقرات العسكرية والأمنية، واستمرار المظاهرات السلمية رغم شدة العنف ضد المدنيين، وغيابه عن الشمال السوري غيابا شبه تام وبخاصة الريف الحلبي وحتى حدود تركيا. وعلاوة على ذلك يشعر بشار الأسد أنه صار منبوذا من السواد الأعظم من شعبه الذي يهتف بسقوطه صباح مساء ويحطم صوره وتماثيله، وأنه لولا الدعم الذي يتلقاه من إيران وروسيا لكان قد سقط كما سقط أمثاله من حكام دول الربيع العربي التي نجحت ثوراتها، وأن هذه الدول ليست حريصة عليه أو على نظامه كحرصها على مصالحها، وهي بناء على ذلك قد تتخلى عنه ـ أو يتخلى بعضها عنه ـ في أي لحظة تتغير فيها المعطيات وتختلف فيه لعبة المصالح. ومثل هذا الوضع يجعل بشار الأسد في حالة نقمة عارمة، وكراهية للجميع تجاه الداخل والخارج، وهو يستشعر وضعه الراهن والمستقبلي بعد مضي أكثر من عام ونصف العام على الثورة ضده، ويتصرف على أساس: "أنا ومن بعدي الطوفان"، قصفا وتدميرا، متَّبِعا سياسة الأرض المحروقة التي قد ينتهجها المستعمرون تجاه الدول التي يحتلونها. وبناء على ما سبق؛ فإن المتوقع أن تتواصل وتتزايد دموية النظام تجاه شعبه وانتقامه منه في الأيام القادمة، وذلك كلما شعر الأسد أن ساعة رحيله قد دنت. لقد استنزف الأسد وأبوه من قبله خيرات سوريا واعتبراها مزرعة خاصة بهما وبأسرتهما طيلة أكثر من أربعين عاما، وهاهو الأسد الابن يفعل الشيء نفسه في تعامله مع الثائرين ضد حكمه، فهو يستنزف دماءهم ويقتِّل أسرهم وذويهم، ويخرِّب ديارهم، معتقدا أنه لن يخسر شيئا طالما أنه راحل عن وطن لا ينتمي إليه فعليا، طال الزمن أم قصر.

519

| 05 سبتمبر 2012

عذرا ياعيد إن غابت الابتسامة

هكذا يمرّ العيد على أهل الشام حزينا كئيبا، يعصر بالألم قلوبهم، ويغمر بالأسى نفوسهم.. فبينما الأصل فيه أن يكون موسما للفرح والسرور، والسعادة والحبور، إذا به يصبح مناسبة لتقليب المواجع، واستدرار الدمع الحري من المآقي، وتجرع الغصص.. والأسباب غير خافية. فعلى المستوى الميداني لم يعرف النظام السوري لرمضان أو عيد الفطر اللذين مرّا بنا للتو حرمة، وواصل قصفه للأحياء الآمنة ومساكن المدنيين في حلب ودمشق وحمص ودرعا وإدلب ودير الزور..، لتنهار على من فيها وتحترق المباني بساكنيها، واستمر في مجازره البشعة، دون رادع ليستيقظ الأهالي على رائحة الموت من كل حدب وصوب، وهم يفقدون أعز أحبابهم من آباء وأبناء وأرحام وجيران. ونتيجة لذلك تتفاقم الأوضاع الإنسانية في الداخل السوري، ويتواصل مسلسل نزوح المدنيين داخل البلاد إلى مناطق يرجون أن تكون أقل خطرا، وهي ليست كذلك غالبا، أو لجوئهم إلى دول الجوار وغير الجوار، يهيمون على وجوههم في الأرض طلبا للسلامة والنجاة، وفرارا من القتل الذي يرونه يطال كل من هم حولهم بسبب قصف الطائرات والراجمات والدبابات والأسلحة الثقيلة، وانعدام الأمن والأمان الذي يعد المطلب الإنساني الأول لبني البشر. وبموازاة ذلك ثمة نقص كبير في المواد الأساسية كالخبز والغاز المنزلي والوقود في مدن كبرى كحلب وغيرها، وللتذكير فقد حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" من وقوع مجاعة بسوريا، وكشف أحدث تقرير لـ "الفاو" وبرنامج الأغذية العالمي حول الأوضاع الإنسانية في سوريا عن حاجة 3 ملايين مواطن إلى مساعدات غذائية وزراعية وحيوانية عاجلة، منوها بأن ۱٫٥ مليون من بين هؤلاء المواطنين بحاجة عاجلة وفورية للمساعدات الغذائية على مدى من 3 إلى 6 أشهر مقبلة. وفي متواليات الآلام التي نغّصت على السوريين فرحتهم بالعيد الأسرى والمعتقلون والمفقودون وهم بسوريا يعدّون بعشرات الآلاف على أقل تقدير، بسبب ظروف احتجاز غير إنسانية وتهديد بالموت تحت التعذيب، أو بالقتل.. يتذكر من هم خلف القضبان أهلهم وربعهم وقد حرموا منهم قسرا في موسم التراحم والتواصل، ويتذكر ذوو المعتقلين آباء وأمهات وزوجات وأبناء داخل أو خارج البلاد أحبابهم الذين يستبد بهم الحنين إليهم، والقلق على مصيرهم دون أن يكون للطرفين سوى الصبر والتسليم لله على قضائه وقدره حتى تنكشف الغمّة. أما في الخارج فمئات الآلاف من اللاجئين ذرفت دموعهم كمدا على بلد اضطروا أن يعيِّدوا بعيدا عن مرابعه الجميلة، وعمن ألفوا أن يفرحوا معهم وبهم ومعهم من الأقارب والأرحام، تتشتت العائلات بين الدول والمخيمات، يعاني الكثير منهم ظروفا إنسانية ومعيشية صعبة، كانعدام الأمن والسلامة، والتعرض للمضايقات وخطر الخطف أحيانا كما في لبنان، وعدم توفر مكان الإقامة المناسب كمخيم الزعتري بالأردن، والخشية من انتشار الأمراض والأوبئة كما نوهت لذلك منظمات إنسانية دولية، ومن الفقر والعوز ونقص الخدمات الأساسية والرعاية الصحية الأولية. ولأن المفترض بالمسلمين أن يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، فإن السوريين بهذه المناسبة يجددون عتابهم للأنظمة المتعاطفة معهم، وللشعوب العربية الإسلامية الذين هم جزء منها، فبعض الأنظمة تحدثت عن عزمها تقديم الدعم لهم ولقضيتهم العادلة، ولكن هذا لم يتحقق، وبقي الدعم في الإطار السياسي والإعلامي والدبلوماسي في أحسن الأحوال، أما الشعوب فإن واجب النصرة مازال يعتريه الكثير من القصور والتقصير، رغم ما قاموا به وقدموه مشكورين. كان يمكن للعيد أن يكون مناسبة لنصرة الشعب السوري ودعمه، بدءا بتسيير قوافل الإغاثة وكسوة وألعاب العيد للداخل السوري خصوصا وأن الدخول صار ميسورا من جهة الحدود التركية وصولا إلى حلب، وكذلك الحال بالنسبة للاجئين في تركيا والأردن ولبنان والعراق وذلك للتسرية عن نفوسهم ورسم البسمة على وجوههم ووجوه أطفالهم، وهنا لا بد من التنويه بجهود بعض الجمعيات الخيرية القطرية والخليجية كجمعية قطر الخيرية التي أوفدت مسؤولين فيها لهذا الغرض. ومرورا بإقامة فعاليات تضامنية ومنها المظاهرات المنددة بنظام الأسد وجرائمه والمطالبة بطرد سفرائه وإقامة مهرجانات خاصة بالعيد للأطفال اللاجئين، وإطلاق حملات لكفالة أيتامهم وأسرهم المنكوبة. لذا عذرا يا عيد إن غابت الابتسامة عن وجوهنا ووجوه أبنائنا في سوريا، لأن الجراح لا تزال تنزف، لكن الأمل بالله أن نستعيدها قريبا، حينما يزول الظلم، وتسترد الكرامة والحرية المسلوبتين لشعب عانى القهر والاضطهاد أكثر من أربعة عقود. هامش أخير.. واستبشارا وتفاؤلا بعيد قادم ينتصر فيه الحق على الباطل، ويشدو فيه الأطفال بأهازيج الحب والأمن والسلام..إليكم ختام قصيدة لي بعنوان عيد الشآم: ترى كيف أنتِ بـلادي؟ أنادي بملْءِ الحناجـر تجيبُ الشــآمُ: على البغي دوماً تدورُ الدوائـرْ وعما قريـبٍ ستسطعُ شمسـي تنيـرُ الحواضرْ لِــتُعلِنَ موت المآسي وميعادّ عيد البشـــائرْ.

3115

| 20 أغسطس 2012

كي لا تصبح قضية مسلمي الروهنجيا منسية

منذ أن فتحت عيني على الدنيا وأنا أسمع عن محنة مسلمي بورما، والتي أصبح اسمها حاليا مينمار، وأسمع عن إقليم أراكان المسلم وسكانه من " الروهنجيا "، والمظلومية التي لحقت بهم منذ عقود تقتيلا وتعذيبا وتشريدا، وأسمع عن منظمة "تضامن الروهنجيا" وأسمع وأسمع..، ولكن مما يؤسف أنني لم أكلف خاطري القراءة عن هذه المشكلة الإنسانية تجاه من تربطنا بهم آصرة الدين والأخوة والتعرف عن هذا الشعب المسلم المظلوم الذي يعد بالملايين، وعن تاريخ مأساته إلا بعد الأحداث الأخيرة في شهر يونيو، وبعد لقاء ماتع جمعني مؤخرا بالناشط البورمي ومدير تحرير (أراكان نيوز) عبد الرحيم أبو طاهر، وحينها أدركت كم نحن مقصرون بحق أنفسنا وثقافتنا وقضايانا الإسلامية. تذكرت ذلك وأنا أراجع الذاكرة رواية للأديب نجيب الكيلاني كنت قد قرأتها وأنا في المرحلة الإعدادية، وكيف أن أحداث الرواية بدأت من مكة المكرمة ومن جوار بيت الله الحرام بعد أن أدى الأديب الكيلاني صلاة الظهر وخرج حيث تباع المسابح والسجاجيد الصغيرة والطواقي المزخرفة، ودار بينه وبين التاجر الذي وقف ليشتري منه هذا الحوار: ـ من أي بلد أنت؟ تنهد وقد تبللت عيناه بالدموع: من تركستان فكر الكيلاني قليلا ثم قال: أهي بلاد ملحقة بتركيا؟ وعلت الابتسامة الساخرة للبائع ظلال كآبة وقال: المسلمون لا يعرفون بلادهم.. ما هي صنعتك؟ ـ طبيب من مصر ـ أفي بلاد الأزهر الشريف ولا تعرف تركستان؟! حقاً لم تعد تركستان موجودة على الخارطة وحلَّ محلها إقليم "شينجيانج" لقد طمست الهوية، وسحق النظام الصيني إنسانية الإنسان وحرم المسلمين من حقهم الطبيعي وشجع القوميات الأخرى خاصة قومية "الهان" في اتخاذ إقليم تركستان الشرقية وطناً لهم، في الوقت ذاته ضيقوا على المسلمين الأجور ودفعوهم لترك وطنهم الغني بالموارد الطبيعية والذي ينام على بحيرة من النفط والغاز الطبيعي. وعودا إلى بورما فقد اكتشفت من صديقي الإعلامي البورمي عبد الرحيم كيف أن الإسلام دخل إلى إقليم أركان بهذه الدولة، منذ عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن الثاني للهجرة الموافق للقرن السابع الميلادي، فاعتنق الإسلام عدد كبير من المسلمين المحليين الذين يعرفون باسم " الروهنجيا"، ثم ما لبث أن تزايد عددهم إلى أن أصبح الإسلام دين الأغلبية فيها، ثم قامت دولة إسلامية في الإقليم عام 1430 م، استمر بعده ينعم بحكم الإسلام 350 عاما، تعاقب على حكمه خلالها 48 ملكا وسلطانا مسلما، طبقوا فيه أحكام الشريعة الغراء، وحكّموا فيه شؤونهم العامة والخاصة، حتى اغتصبته حكومة بورما بقيادة البوذي المتطرف " بودو فيا" عام 1784 م، ثم جاء الإنجليز ووقفوا إلى جانب البوذيين وحرضوهم على قتل مسلمي أراكان. وفي العصر الحديث عادت مشكلة مسلمي أركان ببورما لتطل برأسها منذ نكبة فلسطين 1948، عندما قرر الإنجليز منع استقلال أراكان، وقرروا ضمها لبورما لتصبح تحت نيران السيطرة البوذية منذ الوقت وحتى الآن، ولتبدأ فصول جديدة من السياسات الخبيثة ضد المسلمين من تهجير قسري ومصادرة للأراضي، وفي عام 1978، و1991 ارتكبت مذابح ومجازر بحق مسلمي الروهنجيا من قبل الجيش البورمي الشيوعي، وصولا لمذبحة شهر يونيو الماضي بغرض الالتفاف على الضغوط الدولية لمنح مسلمي الروهنجيا حق الجنسية وكافة حقوقهم المدنية الأخرى. ليس معقولا ألا نعرف وألا يعرف أطفال وشباب المسلمين بلادهم، وتصبح قضايا بعض شعوبها نسيا منسيا، مع مرور السنين والأعوام خصوصا الشعوب المظلومة المضطهدة، وهي جزء من تاريخ وجغرافية هذه الأمة ونسيجها الحضاري. لذا ما نقترحه حتى لا نكتفي فقط بمتابعة الأخبار الساخنة عن هذه الشعوب خصوصا عندما ترتكب بحقها الجرائم والفظائع ما يلي: ـ تأليف الروايات الأدبية المستلهمة من تاريخ شعوبنا، والتعريف بقضاياها بأسلوب جذاب، بعيدا عن جفاف كتب التاريخ، لضمان اطلاع جيد عليها، وهذا ما فعله غير أديب إسلامي ومن أبرزهم الدكتور نجيب الكيلاني من خلال رواياته "عذراء جاكرتا" و"ليالي تركستان " و"عمالقة الشمال". ـ إنتاج الأعمال الدرامية والأفلام الوثائقية عن قضايا هذه الشعوب المسلمة والكشف عن صفحاتها المجهولة، وما تعرضت له من إيذاء وعنت بسبب معتقدها. ـ تضمين مناهجنا على مستوى المرحلة الثانوية والجامعية مادة عن " حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة " وعادة ما يقتصر تدريس مثل هذه المادة على دول محدودة وكليات محدودة ككليات الشريعة والدراسات الإسلامية وأصول الدين.. بحيث يتعرف شبابنا على عالمه الإسلامي الكبير وقضايا المسلمين وأدوائها وعلى ثروات العالم الإسلامي وكيفية استغلالها وحمايتها من الأطماع واستثمارها وتسخيرها، وعلى التحديات التي تواجه الحياة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة وكيفية تذليلها، فضلا عن التعرف على إخوانه في أقطار الأرض ومشاركتهم قضاياهم. وختاما...لابد من الإشادة بكل جهد إنساني وحقوقي وإعلامي في العالمين العربي والإسلامي يسعى حاليا لتقديم العون الإغاثي العاجل، والتعريف بقضية مسلمي أراكان ومناصرتهم لكفّ المظلومية عنهم، وتمكينهم من حقوقهم الإنسانية الأساسية، وحشد الدعم والجهود لصالحهم، ومنها مبادرة " التحالف الخيري نحو مسلمي بورما" الذي أطلقته قبل أيام قليلة جمعيات خيرية قطرية وكويتية برئاسة الشيخ نبيل العوضي.

528

| 15 أغسطس 2012

ضريبة سلوك النظام الإيراني ضد الشعب السوري

ينطبق على السلوكيات السياسية للنظام الإيراني المثل العربي: "رمتني بدائها وانسلت"، فالنظام في طهران يحذر من التدخل الأجنبي في سوريا، حينما يتساءل رئيس البرلمان علي لاريجاني في تصريحات جديدة له: "ما الذي يسمح لهذه البلدان بالتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا؟" في حين أنه غارق حتى أذنيه في دعم نظام الأسد والشأن السوري الداخلي، ومنحازا للظالم ضد المظلومين. يعرف القاصي والداني أن الثورة السورية هي أم الثورات في الربيع العربي، لأنها لا تواجه ـ وما تزال ـ نظاما دمويا ذا قبضة أمنية شديدة فحسب، بل تواجه في الوقت نفسه النظامين الإيراني والروسي اللذين يقدمان له كل أشكال الدعم العسكري والأمني والسياسي، ويستميتان في ذلك، بسبب ما يعتقدان أنه يصب في مصالحهما الإستراتيجية من جهة، ولأنها لم تحظ بأي دعم يذكر من أشقائها العرب أو من المجتمع الدولي، بحيث يمكن أن يسهم في التخفيف من بطش النظام ضد المدنيين أو التسريع في رحيله. بل على العكس من ذلك هناك تواطؤ دولي بسبب أن إسرائيل كانت في البداية ترغب في بقاء الأسد، نظرا لأنه منذ عهد أبيه يعتبر أكبر ضامن لأمنها القومي، ثم لأنها تريد تدمير البنية التحتية والاقتصادية لسوريا قبل سقوطه، بعد أن صار رحيله مسألة وقت. أدرك الأسد بعد شهور من عمر الثورة السورية أنه لا طاقة له بها منفردا، لذا سارع مهرولا إلى حلفائه وحلفاء أبيه التقليديين، ليحصل على الدعم اللازم للمحافظة على كرسيه الذي اهتز من تحته من جهة، وليحاول أن يدخل ثورة شعبه في أتون صراع إقليمي ودولي من جهة أخرى مدعياً أنه يتعرض لمؤامرة كونية في محاولة منه للهروب إلى الأمام بدلا من الإصلاح أو التنحي. وقد صادفت هذه الهرولة هوى لدى النظامين الروسي والإيراني، فالروس يريدون استعادة دورهم المفقود لأكثر من عقدين من الزمن منذ عهد القطبية الثنائية إلى جوار الأمريكان، ومقايضة الغرب على مصالح أخرى من خلال البوابة السورية، بينما يدرك النظام الإيراني أنه برحيل الأسد سيفقد أقوى حليف له في المنطقة، وأشد الداعمين لمشروعه الاستراتيجي فيها، وبخاصة أحلامه التوسعية المذهبية منها، من طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى بيروت وبعض دول الخليج، أو المتصلة بتوسيع نفوذه للاعتراف به كدولة إقليمية في المنطقة خلال العقد الأخير. لذا يعتبر الشعب السوري النظام الإيراني من ألد أعدائه بسبب تنكبه للقيم الأخلاقية التي يدعي أنه يمثلها كجمهورية إسلامية، وذلك بوقوفه إلى جانب نظام قاتل ضد شعب يتطلع لحريته واسترداد كرامته المسلوبة، متدثرا بأجندات مذهبية أو أطماع توسعية بالمنطقة العربية والدولية. ويحمّله ـ مع النظام الروسي ـ مسؤولية دماء الأبرياء التي أريقت ـ وما تزال ـ على يد النظام وكتائبه، وما لحق بالبلاد من دمار وبالعباد من معاناة، بسبب محاولة ضخ الدماء في عروق نظام يترنح في محاولة لإطالة عمره. وفي غمرة الوضع الأمني الخطير خاصة في دمشق وحلب، لا يمكن لأحد أن يصدق أن مجيء مجموعة كبيرة من الإيرانيين دون أُسَرِهم هو لمجرد زيارة المقامات والعتبات، بل لا بد أن يوضع عليه أكثر من علامة استفهام خصوصا بعد تواتر الأنباء عن دعم النظام الإيراني للنظام السوري بالخبراء في مجالات متعددة فضلا عن الدعم بالمال والسلاح والعتاد، وكلنا يعرف نحو من يصوّب هذا السلاح على مدار عام ونصف العام، لذا كانت عملية الاختطاف لتوجيه أكثر من رسالة لهذا النظام من أجل أن يتوقف عن دعم جزار سوريا. رغم نبرة التحذير والتلويح به، فإن تصريحات لاريجاني تعكس خيبة أمل نظام يحاول أن يستوعب حقيقة مراهنته على حصان خاسر، وحسرة على كل ما أنفق من مال وقدّم من دعم له دونما جدوى، وهو يرى الآن بأم عينيه ساعات الاحتضار الأخيرة لنظام يتهاوى بسرعة، مقابل قوة العمليات النوعية للجيش الحرّ وحجم اختراقه الأمني للنظام، لدرجة تمكنه من الإجهاز على ما عرف بـ " خلية الأزمة" وتمكنه من خطف الخبراء الإيرانيين، وتطور عملياته النوعية في حلب ودمشق وبسط سيطرته على رقعة كبيرة من أراضي البلاد، وصولا إلى إحكامها على المعابر الحدودية للبلاد. ويصل الحدّ بالمسؤولين الإيرانيين لتوسط دول تتهمها بدعم المعارضة كتركيا، من أجل التدخل للإفراج عن رعاياها المختطفين. الثورة السورية بقدر ما عانت ـ ولا تزال ـ من أجل اجتثاث نظام إجرامي يحظى بدعم كبير من روسيا وإيران وتواطؤ المجتمع الدولي الذي صمت عن جرائمه فإنها بانتصارها القادم بحول الله ستكون مدخلا لتغيير ملامح خارطة ومعادلات المنطقة التي تأذت منها الشعوب لعقود طويلة. كان على النظام الإيراني أن يدرك مبكرا أن العلاقة مع الشعوب أقوى وأمتن من الحكام، وأن التحالف الإستراتيجي مع الظالمين من أجل المصالح خسارة وإن جلبت منافع سريعة.. لم يدرك ولا نعتقد أنه سيدرك ذلك، لذا عليه الاستعداد لدفع ضريبة هذا السلوك السياسي الغبي والوقح في علاقته المستقبلية مع الشعب السوري وشعوب وأنظمة دول المنطقة، بعد رحيل حليفه الأسد، كما سيدفعها كل المتحالفين مع دول وأحزاب على ندرتها.

471

| 08 أغسطس 2012

الثورة السورية وزلزالا دمشق وحلب

من المؤكد أن الثورة السورية اعتبارا من الشهر الماضي (يوليو) وصلت إلى منعطف مهم في مسارها الهادف إلى إسقاط النظام القائم، واستعادة الشعب السوري لحريته وكرامته ونيل حقوقه. وتمثل هذا المنعطف بخمسة أمور مهمة هي: الاستهداف الناجح لما عرف بـ "خلية الأزمة" التي أصابت ذروة هرم النظام بمقتل في العمق، نظرا للتطور النوعي في عمليات الجيش الحرّ، وما أحدثته من خسارة، وحجم الاختراق الأمني الذي حققته على أعلى المستويات، وتمكن الجيش الحر من مواجهة جيش النظام في عقر داره في قلب العاصمة دمشق وفي عدة أحياء منها، رغم أنه اضطر للانسحاب منها تكتيكيا حرصا على حياة سكانها المدنيين، وسيطرة الجيش الحر شبه الكاملة على ريف حلب وإدلب وإعلان مناطق في الريف الحلبي مناطق محررة كإعزاز ومنبج والباب، والسيطرة على عدد من المعابر الحدودية مع تركيا والعراق، وأخيرا المحاولة الحالية للسيطرة الحالية على مركز مدينة حلب، حيث تدور معارك قوية وعنيفة بين كتائب النظام والجيش الحر والثوار، ونتيجة لهذه التطورات جنّ جنون النظام، وفقد أعصابه. كان معروفا منذ وقت مبكر من عمر الثورة أن الحسم في سوريا قد لا يحدث، أو يتأخر دون دخول عاصمة البلاد دمشق، والعاصمة الاقتصادية حلب، وصاحبة أكبر عدد سكان بين المحافظات، على خط الحراك الثوري بقوة. لقد كان حراك الريفيين الحلبي والدمشقي كبيرا منذ وقت طويل، ولكنّ مركز المدينتين تأخر، وعندما بدأ منذ عدة أشهر لم يكن بزخم كبير. الحراك القوي لحلب والمعارك التي تدور على أرضها الآن مثّل زلزالاً قوياً، بحسب مراقبين، سواء لجهة التأثير المتوقع أو التوقيت للأسباب التالية: ـ جاء استمرارا وتواصلا للضغط والتصعيد الثوري الذي تلا اختراق قلب دمشق والاشتباك مع كتائب النظام، ونجاح عملية استهداف "خلية الأزمة"، والسيطرة على المعابر الحدودية، وتزايد السيطرة على الأراضي في ريفي حلب وإدلب، مقابل تلاشي قوة النظام شبه النهائية هناك. ـ الاعتقاد بأن ثمة تفاهما تم بين ثوار حلب ودمشق، والجيش الحر في هاتين المحافظتين، كان نتيجته تحويل الشمال السوري إلى كرة لهب مشتعلة تؤرق النظام، وتضطره للتحرك بسرعة من جنوب البلاد إلى شمالها، وسبب ذلك إدراك الحراك الثوري أن التركيز على دمشق في هذه المرحلة نوع من استعجال قطف رأس النظام قبل التمكن من أطرافه، وإصابته بالشلل خاصة في حلب، نظراً لما تمثله السيطرة عليها من ضرب للعصب الاقتصادي للنظام، ولوقوعها قريباً من تركيا التي تأوي قيادة الجيش الحر وعدداً كبيراً من مقاتليه. ـ إن إحراز مزيد من النصر للثوار في حلب المدينة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 2.5 مليون نسمة سيكون له ما بعده في عملية تسريع وإنجاز الحسم بإذن الله، إذ إن ذلك يعني ببساطة أن مسافة مائة كيلو متر اعتبارا منها وحتى الحدود التركية باتت محررا، ما يجعلها نقطة مركزية للانطلاق نحو تحرير باقي المدن والمناطق السورية بعد تأمين خط للإمداد عبر تركيا، وهي الميزات التي تفتقدها دمشق. يعيش النظام في أسوء أيامه رغم محاولته إظهار التماسك، وتصريحاته بإمكانية استعادته السيطرة على المدن، بما في ذلك استعادة حلب وإخضاعها مرة أخرى، كما استعاد دمشق وأخضعها كما يظن، والسبب هو المنعطف الذي بلغته الثورة، كما أسلفنا، متمثلا في انتقالها من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وحتى لو فقد الثوار مرة أخرى السيطرة على حلب لسبب أو آخر، فإن سياسة الكرّ والفرّ قادرة على استنزاف النظام، وعودة الثوار للسيطرة على هاتين المحافظتين، أو استهدافه واستهداف رموزه نوعيا فيها، كما لن يكون ـ بناء على التطورات الأخيرة التي حصلت ـ بإمكان النظام وأجهزته القمعية من الآن فصاعدا الاستفراد بمنطقة دون أخرى لوقت طويل، لأن خارطة الحراك الثوري صارت متسعة على امتداد خارطة السورية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، بحيث يصعب السيطرة عليها. ولا شك أن قوة الزخم الثوري الشعبي على الأرض الذي يقول كلمته هذه الأيام كفيل برفض أي أجندات خارجية ترمي إلى تكرار النموذج اليمني في سوريا، أو إعادة رموز محسوبة على نظام الأسد (الأب والابن) سبق أن ارتبط اسمها وتاريخها به، والإصرار على ترك الشعب ليقرر من يختاره للمرحلة القادمة. بشائر النصر والتمكين قادمة لشعب صبر على نظام استبدادي أكثر من أربعة عقود، وضرب أروع الأمثلة في التضحية وهو يصر على أن تبلغ ثورته أهدافها المرجوة، بينما باتت أيام الأسد معدودة حتى وإن حاول النظامان الروسي والإيراني عبثا ضح الدماء في عروقه الميتة ربما يأخذ الأمر بعض الوقت حتى ينهار النظام نهائيا، ولكنه آيل للزوال لا محالة بإذن الله، لأن هذه سنة التاريخ والحياة. رغم تقديري لجهودهم فإنني لا أفضل شخصيا تسرع الثوار في السيطرة على المدن بما فيها حلب ودمشق، بل أرجو اعتماد تكتيك المناورة والكرّ والفرّ مع النظام، حتى تصل أجهزته إلى مرحلة الشلل والتعطل شبه التام، وإلى حين امتلاك أسلحة تردع قصفه الجوي، حفاظا على أرواح المدنيين والبنية التحتية للمدن.

428

| 01 أغسطس 2012

alsharq
وزارة التربية.. خارج السرب

هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور...

13410

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
صبر المؤمن على أذى الخلق

في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به...

1788

| 21 نوفمبر 2025

alsharq
وزارة التربية والتعليم هل من مستجيب؟

شخصيا كنت أتمنى أن تلقى شكاوى كثير من...

1386

| 18 نوفمبر 2025

alsharq
المغرب يحطم الصعاب

في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17...

1173

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
عمان .. من الإمام المؤسس إلى السلطان| هيثم .. تاريخ مشرق وإنجازات خالدة

القادة العظام يبقون في أذهان شعوبهم عبر الأزمنة...

1137

| 18 نوفمبر 2025

alsharq
حديث مع طالب

كنت في زيارة لإحدى المدارس الثانوية للبنين في...

981

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
العزلة ترميم للروح

في عالم يتسارع كل يوم، يصبح الوقوف للحظة...

912

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
ارفع رأسك!

نعيش في عالم متناقض به أناس يعكسونه. وسأحكي...

804

| 18 نوفمبر 2025

alsharq
عندما تتحكم العاطفة في الميزان

في مدينة نوتنغهام الإنجليزية، يقبع نصب تذكاري لرجل...

795

| 23 نوفمبر 2025

alsharq
إستراتيجية توطين «صناعة البيتومين»

يُعد البيتومين (Bitumen) المكون الأساس في صناعة الأسفلت...

708

| 17 نوفمبر 2025

alsharq
اليوم العالمي الضائع..

أقرأ كثيرا عن مواعيد أيام عالمية اعتمدتها منظمة...

654

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
الترجمة والذكاء الاصطناعي

المترجم مسموح له استخدام الكثير من الوسائل المساعدة،...

621

| 17 نوفمبر 2025

أخبار محلية