رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أمهد لمقالي بقصة من عبقِ حضارتنا؛ فقد جاء في كُتب التّاريخ أنّ «أبو الحسن الكسائي»، وكان معلمًا ومربيًا لولدِ الخليفة العباسيّ «هارون الرشيد» وليّ العهد «المأمون» وفي آخر درس ضربه بالعصا دون سبب، فسأله المأمون: «لِمَ تضربني؟!» فقال له المعلمُ: «اسكت» ثمّ أعاد عليه السؤال ثانية: «لما ضربتني وأنا وليُّ العهد؟!!» ردّ عليه» الكسائي»: وإن كنتَ وليًا للعهد، لا حرج، اصمت». تعجب وليُ العهدِ وأضمر في قلبه، دون أن يتمكن من فعلِ شيءٍ!! فمن يضربه هو المُربي والمُعلم «الكسائي». وبعد عشرين سنة تولى «المأمونُ» الخِلافة، بعد أبيه الرشيد، كان من أول ما قام به أن استدعى أستاذَه - الكسائي- الذي ضربه قبل عَقدين من الزمن، وسأله: «أتذكر آخرَ درسٍ لي معك؟» ردّ المعلمُ: «نعم، أذكره جيدًا» أكمل المأمونُ كلامَه: «والآن أنا خليفةُ المسلمين، أسألك:» لماذا ضربتني وقتها؟!» هزّ الأستاذُ رأسَه، ونظر إلى الخليفة: «ألم تنسْ؟!» فأجابه: «والله لم أنسْ» قال الكسائي: «يا خليفةَ المسلمين: كان ذلك الضربُ جزءًا من الدرس!، لو أنّني حدثتك عن مرارات الظلم لن تشعرَ بما يشعر به المظلوم، أما وأنّني ضربتك، ستعلم وتشعر أنّ المظلومَ لا ينسى» ثم أكمل قائلًا للخليفة:» لا تظلم أحداً، فالظلمُ نارٌ لا تنطفئ في قلبِ صاحبها، ولو مرّت عليه الأعوام، إيّاك والظلم، فإنّ الظلم مؤذنٌ بخراب العُمرَان». بعد هذه المقدمة ندرك أنّ الدول والحضارات لا تسقط فجأة بين عشيّةٍ وضُحاها، بل هو مسارٌ طويلٌ؛ يبدأ من لحظة يرتفع فيها صوتُ الظلم على صوت العدالة، ويُسكت فيها صوتُ الحقّ تحت وطأة القهر والفساد. ولو عدنا بذاكرة سريعة ووقفنا عند جميع الحضاراتِ لوجدنا أنّ أكثر ما دمرَّ الدولَ من الداخل هو الظلم، لأنّه ليس مجرد تصرفٍ عابرٍ في ميزان الحكم، بل هو سرطانٌ يتغلغل في جسد الدولة حتى ينخره من داخله. فما من حضارةٍ نهضت واستمرت إلاّ وكان العدلُ سنامُها، وما من أمة سقطت إلا وكان الظلمُ معولُ هدمها الأول، فالظلمُ على أيّ فردٍ من أفراد المجتمع إنّما يشكلُ خطرًا على المجتمع والدولة بأكملها. وهنا أستحضرُ حوارًا بين «خالد بن يحيى البرمكي» وأبيه، حينما سجنهم «الرشيد» وشتت شملهم، فيقول: «يا أبتِ بعد العز والأمر والنهي، صرنا في القيد والحبس!!! « فقال الأب لابنه:» يا بُنِي لعلها دعوة مظلومٍ سرت بليلٍ، ونحنُ عنها غافلون، ولم يغفل اللهُ عنها. ولأنَّ النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم، كان يعلمُ أنّ الظلمَ ظلماتٍ يومَ القيامة؛ نجدُه يوصي رسولَه وسفيرَه إلى اليمن، سيدنا «معاذ بن جبل» فيقول له:» يا معاذ واتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنّه ليس بينها وبين الله حجابٌ». إنّ رفض الظلمِ لا يُعدُّ خيارًا ثانويًا، بل واجبٌ أخلاقيٌّ وفريضة إنسانية، ومنعَ الظلمِ يعني استمرار الدول، وتعايش المجتمعات فيما بينها، فالظلم لا يبني أمة، ولا يُقيم حقًا، ولا يُخلّدُ حضارة. ختامًا: إنّ الظلم وإن طال أمدُه، فهو زائلٌ لا محالة، وإن بدا في لحظةٍ من الزمن قويًا صلبًا، فإنّه يحمل بذورَ فنائه في أحشائه، فالعدلُ أساسُ المُلكِ، وتنهار الأممُ حين يُهدم بنيانُ العدالة وتُهان كرامةُ الإنسانِ.
225
| 15 أغسطس 2025
تعد الكلمة من أقوى الأدوات التي يمتلكها الإنسان؛ فهي تحمل في طياتها قدرة غير محدودة على تشكيل العلاقات الإنسانية، سواء بالتحسين أو التدمير. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى العميق بقوله تعالى: «فقولا له قولا لينا». مما يعكس أهمية استخدام الكلمات الطيبة واللينة في التأثير بين الناس. إن أثر الكلمة الحسنة يمتد ليشمل مجالات متعددة في الحياة اليومية، حيث يؤثر بشكل مباشر على النفس البشرية والمجتمع بشكل عام، وقد لخص الشاعر أبو الطيب المتنبي أثر الكلمة فقال: لا خيل عندك تهديه ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال فالكلمة الحسنة تترك أثرا عميقا على النفس البشرية؛ لأن الفرد عندما يستقبل كلمات إيجابية ومشجعة، فإن ذلك ينعكس بشكل كبير على مشاعره وثقته بنفسه، كما أن الكلمة الطيبة تزرع في القلب مشاعر السعادة والراحة النفسية، مما يسهم في بناء شخصية قوية ومستقرة نفسيا وعاطفيا، ويعزز من قدرة الفرد على مواجهة التحديات. على صعيد آخر، تساهم الكلمات الحسنة في تعزيز العلاقات الإنسانية وبناء جسور من التفاهم والاحترام بين الأفراد، فلطالما كانت العبارات اللطيفة والمعبرة تخلق بيئة يسودها التعاون والتواصل الفعال، مما يؤدي إلى تقوية الروابط الاجتماعية، في بيئة العمل، ويمكن للعبارات الإيجابية أن تساهم في خلق جو من الإبداع وروح الفريق، حيث يشعر الموظفون بالتقدير والدعم من زملائهم ومديريهم. هذا الجو الإيجابي يعزز من الإنتاجية ويساعد على تحقيق الأهداف المشتركة بكفاءة عالية وسرعة متناهية. من جهة أخرى، تلعب الكلمة الطيبة دورا محوريا في نشر روح التفاؤل في المجتمع ككل؛ فعندما يتبنى الأفراد ثقافة استخدام الكلمات التي تحمل سعادة في حياتهم اليومية، فإن ذلك يسهم في تقليص النزاعات والمشاكل، ويعزز من روح المحبة والتعاون بين الناس؛ فالمجتمعات التي تشجع على التواصل الإيجابي تكون أكثر استقرارا وأقل عرضة للصراعات، مما يسهم في بناء بيئة اجتماعية صحية ومزدهرة. ختاما: يجب علينا أن ندرك تماما أن للكلمة تأثيرا كبيرا وعميقا في حياتنا اليومية، لذا ينبغي علينا اختيار عباراتنا بعناية فائقة، وأن نحرص على استخدام الكلمات الحسنة في تعاملاتنا مع الآخرين، لتكون تلك الكلمات وسيلة فعالة لبناء عالم أفضل يسوده الحب والتفاهم والاحترام المتبادل، ولندرك أن قوة الكلمة ليست مجرد تعبير عن الأفكار، بل هي أيضا أداة لبناء جسور من التواصل الإنساني الذي يرتكز على الإيجابية والعطاء.
243
| 20 يونيو 2025
في زحمة الحياة، حيث تعصفُ بنا الأحلامُ المؤجلةُ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ، والأمنياتُ الّتي تبدو بعيدة المنال، ننسى أحيانًا أنّ لكلِّ شيءٍ توقيته المُقدّر من قِبلِ الخالقِ عزّ وجل، وأنّ ما نتوهمه تأخيرًا هو لا محالة عينُ الحكمة، وما نحسبه حرمانًا قد يكون عطاءً مؤجلًا، يتنزل حين تتهيأ له القلوبُ وتستعدُ له الأرواح. والإنسانُ بطبيعته عجولٌ، يضيقُ صدره بالانتظار، ويظنه ضياعًا للوقت، كما قال المولى سبحانه وتعالى في القرآن الكريم» خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ». المرءُ بفطرته يُنهكه الترقب، ويريدُ أن تأتي الإجابات فورَ السؤال، وأن تنجلي الغيوم عند أولِّ رجاءٍ!!! لكنّ الحكمة الإلهية تنسج أحداثَ الحياة بخيوطٍ لا تراها العينُ القاصرة، فتؤخر حين يكون التأخير خيرًا، وتمنعُ حين يكون الحرمانُ نجاة، وهنا قد يحبُ الإنسانُ أمرًا فيه ضررٌ له، وقد يكره ما فيه فوزه، وهذا مصداق لقول الخالق سبحانه» وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئـًٔا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ». إنّها الحقيقة الّتي يجهلها الكثيرون؛ إذ أننا نحكمُ على الأشياءِ بمنظورنا الضيق، لكنّ اللهَ يراها بعلمه المحيط، يهيئُ الظروفَ، ويرتبُ الأسبابَ، وينتظر حتى ننضج بما يكفي لاستقبالِ ما يليقُ بعطاءِ الكريم. الثقة بحكمة الله أن نبقى متفائلين رغم تأخر الأبواب في الانفتاح، ومؤمنين إيمان الموقنِ أنّ ما يأتي في أوانه يكون أكثر نضجًا وأجمل أثرًا في نفوسنا؛ فكم مرة بكينا على شيءٍ ظنناه خسارة، ثم اكتشفنا لاحقًا أنه كان عين النجاة؟ وكم مرّة استبطأنا رزقًا أو فرصة، ثم جاءت في وقتها، فإذا بها أنفع مما كنا نتصور؟ هذا هو التوقيت الإلهي، الذي يسير وفق ميزانٍ دقيق لا يعرف العجلة، ولا يخضع لأهوائنا الصغيرة. ولذا قال بعضُ أهل العلم: «ما تأخر عنك شيءٌ إلا لحكمة، وما جاءك شيءٌ إلاّ بقدرٍ، فارضَ تكن أغنى الناس». ختامًا: مواقيتُ الله عز وجلّ وأقداره لا تأمرنا أن نستكين ونستسلم؛ بل أن نعمل بهمةٍ ونشاط، مع يقينٍ لا يتزحزح أنّ خفايا القدر هي الأكثر خيرًا لنا في الدنيا والآخرة، كما قال ابنُ عطاء الله السكندري:» متى فُتح لك باب الفهم في المنع، عاد المنعُ عينُ العطاء». • كاتبٌ وأكاديمي
1104
| 18 أبريل 2025
يُطلُ الثامنُ عشر من شهر كانون الأول، وتحضر معه مناسبة جدُّ عزيزة؛ إنّها «يوم اللغة العربية» حيث يحتفل الناطقون بلسان الضاد ومعهم المحبون للعربية بهذا اليوم، الذي يختصر الكثير من معاني وقيم ورقيّ العربية؛ فهي الجامع الأول للعرب، كما أنّها من أغنى اللغات تنوعًا ومفردات، إنها اللغة السّاحرة التي تحمل في طياتها ثراءً لغويًا وصورًا بلاغية لا تُعد ولا تُحصى!! هي صاحبةُ التّنزيل والتّأويل، لغةٌ غنية تمنح المتحدثَ بها تنوعًا في التعابير، ورقة في الحديث، لغة تجاوزت حدود الجغرافيا، لتستقر في قلوبِ الكثيرين من غير العرب والمسلمين. إنّها صاحبة أسلوبٍ فريدٍ بدلالات عميقة ومفرداتٍ تفوقُ كلّ اللغات، فهي تتميز بأسلوبٍ لغوي فاتنٍ شكلًا ومضمونًا، باختصار: ما من لغة على وجه الأرض تحمل تراكيبًا وأبنية كما تحمل العربية بين جنباتها!. كما تُعدُ العربية تعبيرًا عن حضارة عريقة وفكرٍ وثقافة وقيمٍ ظلت لقرونٍ من الزمان ملهمة للكثير من شعوب أوروبا والعالم في التعليم والتعريب وشتى مجالات الحياة. هي لغة فجرت مواهب الشعراء؛ فقالوا أروع القصائد، وأرق عبارات الغزل وأروع الحكم، وما زالت بحرًا متدفقًا من العطاء، وألهمت غير الناطقين بها فكتبوا عنها الكثير، فهذا المستشرق الفرنسي «فرانسيس وليم مرسيه» العبارة العربية كالعود إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت ثم تحرك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر موكبًا من العواطف والصور». لذا فإننا مطالبون جميعًا أفرادًا ودولًا ومؤسسات أن ندرك أهمية المحافظة على اللغة بيننا، كرابطةِ تواصلٍ لا غنى عنها، وبالتالي العمل دون كللٍ ولا ضجر لتبقى راية العربية خفاقة على ألسنتنا، وفي يوميات حياتنا. وعلى الرغم من إصدار الكثير من الدول العربية تشريعات للحفاظ على العربية كلغة رسمية، إلاّ أنّ الحقيقة تعكس الكثير من الفجوات بين الواقع والمأمول!! وهذا يتطلب أن نقف وقفة صريحة مع الذات، نبتعد فيها عن مصالحنا الضيقة المؤقتة، ونحدد مصادر التهديد، وإيجاد الحلول الملائمة، مستندين إلى عناصر القوة في لغتنا؛ فهي مليئةٌ بمزايا وخصالٍ قلّ نظيرها. يبقى في اليوم الذي نحتفل فيه بيوم اللغة العربية نرفع أسمى آيات التبريك والإجلال لدولة قطر في عيدها الوطني الذي يصادف هذا اليوم كذلك، راجين المولى عز وجل أن يديم عليها نعمة الأمن والأمان، وأن يحفظ أميرها وشعبها لما فيهم خير الإنسانية. ختامًا: اليوم تبقى اللغة العربية كما يذكر المطران» يوسف داؤود الولدي» أقرب اللغات إلى قواعد المنطق، وهي جامعة العقد بيننا كعربٍ، وبدونها فإنّ وجودنا كأمة واحدة موحّدة على المحك.
957
| 13 ديسمبر 2024
لعلّه من الكياسة لاحترام عقل القارئ الكريم قبل الخوض في موضوع ثقافتنا العربية، أن أشارككم تعريفًا مختصرًا للثقافة، فهي بحسب منظمة اليونسكو: «جميع السّمات الروحيّة والماديّة والفكريّة والعاطفيّة، التي تميّز مجتمعًا بعينه أو فئة اجتماعيّة بعينها، كما تشمل الحقوق الأساسيّة للإنسان، ونُظم القيم والتقاليد والمعتقدات». وانطلاقًا مما سبق يجدر بنا أن نستذكر عقودًا من الثقافة والقيم والإنجازات التي تراكمت عبر العصور، لمن سبقنا من آبائنا وأجدادنا، وكذلك علماء وفلاسفة من أبناء جلدتنا في شتى الميادين، تركوا خلفهم إرثًا متنوعًا نعتزُّ به، وكان في يوم من الأيام مصدر إلهام لكثيرٍ من دول وشعوب العالم!!. ولعل قارئ هذه السطور يسأل بينه وبين نفسه: إنّ ثقافتنا العربية وحضارتنا عريقة وعظيمة، فأين الخطر الذي يهددها؟! الجواب ببساطة: من أمور كثيرة، لعلٍ أكثرها خطرًا غياب الاهتمام باللغة بين أبناء الجيل. أقول هذا الكلام وأنا غير مبالغ؛ لأنّ اللغة هي أساس وجودنا، ومصدر فخرنا، وعنوان سيادتنا، والعلاقة بين لغتنا وثقافتنا كعلاقة الجسد بالروح؛ فلا ثقافة دون لغةٍ عربية سليمة واضحة، ولا لغة دون ثقافة عربية تركّز على حبّها والاعتزاز بها، والتمسك بالقيم والعادات التي تتوافق ورح العصر، فقديمًا سُئل «كونفوشيوس» حكيم الصين: إن قُدّر لكَ أن تُصلحَ البلاد، فمن أين تبدأ؟ أجاب: من إصلاح اللغة. وهنا أطرح سؤالًا آخر، أتركُ إجابته برسم القارئ: هل ثقافتنا العربية تعرف أين تسير وماذا تريد، أم هي أمام مستقبلٍ حائرٍ، كما ذهب المثقفون العرب المجتمعون في مؤتمر « مستقبل الثقافة العربية؟!» كم مؤلمٌ وأحدنا يتابعُ كلَّ يومٍ عواملَ الهدم والدّمار لأُسس ثقافتنا العربية وقيمنا التي طالما تفاخرنا بها وكنا يومًا سادة العالم!!. نشاهد اليوم آلافًا من الطلبة الشباب في مدارس دوليّة ضمن بلداننا العربية لا يعرفون حتى حروف الأبجدية العربية!. أكادُ أتصبب خجلًا وألمًا وأنا أعيشُ وأتنقل بين بلدانٍ عربية، أشعرُ في أحيانٍ كثيرة أنّني الغريب لغة بين أهلها، والذين يتحدثون اللغات الأجنبية الأخرى بما فيهم بعض أبناء البلد نفسه ينكرون علينا تمسكنا بالعربيّة!!. ختامًا: هذه كلماتٌ من أعماق قلبي أهمس بها في عقول وآذان أهل الحلِّ والثقافة، ومن لهم قولٌ فصلٌ وتأثيرٌ في مجرى القرارات، علّهم يبادرون قبل فوات الأوان، ولنعمل جميعًا مستشرفين القادم المتمثل بأنّنا أمام منزلقٍ خطير، وفي مرحلة مخاضٍ عسير، يتطلب تكاتف الجهود وحشد الإمكانيات باتجاه هدف واحد؛ ألا وهو المحافظة على هويتنا وثقافتنا - أو ما تبقى منهما- في ظل العولمة وما أوجدته من تحطيمٍ للحدود الفكرية بين الأمم.
342
| 08 نوفمبر 2024
كثيرةٌ هي قصص التّاريخ التي وقفنا عندها وتبحّرنا في مضامينها، وطبيعيٌ في خضم تلك الأهمية الكبيرة لتلك الأيام والأحداث أن نقف عند كلٍّ منها، نأخذ العظة ونتعلم الدروس، فعلى سبيل المثال لا الحصر يذكر المؤرخ «غوستاف لوبون» في كتابه «حضارة العرب»: أنّ التّاريخ لم يجد فاتحًا أرحم من العرب، ويدللُ على ذلك فيقول:» حين فتح المسلمون حصونَ خيبر غنموا بعضًا من صُحف التّوراة، فجاء اليهودُ إلى النّبي «محمد صلى الله عليه وسلم» وطلبوها منه، فأمر الصحابةَ بإعادتها لهم» . ومن حِكم التّاريخ أيضًا مقولة» التّاريخ يعيدُ نفسه» وهنا لا بدّ لنا من سؤالٍ: «هل التّاريخ حقًا يعيد نفسه؟» الجواب ببساطة شديدة: إلى حدٍ ما؛ يعيد نفسه، باختلاف الزمان والمكان، وكذلك الأشخاص الذين صنعوا ويصنعون التّاريخ أو كانوا جزءًا منه، لكنّ الأهم ممّا سبق: هل يكفي أن نتعلم من دروس التّاريخ أم علينا العيش فيه كذلك؟ نعم علينا أن نتعلم من دروس الماضي ونأخذ العبر فمن وعى أخبار الأمم السّابقة أضاف أعمارًا الى عمره الحقيقي، أمّا العيش في التّاريخ فهذه مسألة أخرى ومعضلة أكثر دقة وتعقيدًا؛ فلطالما دفعت وتدفع شعوبُ العالم ثمنًا لعيشها في التّاريخ. الأجدى أن نتعلم من التّاريخ لا أن نعيش فيه؛ فالعيش في التّاريخ يعني بقاء العداوات والحروب والأحقاد التي مرّ عليها عقودٌ وربما قرون، وهذا يدمرُ المجتمعات مهما امتلكت من ثروات وامكانيات. عدم العيش في التّاريخ يتطلب منا مواقف غير تقليدية، ويحتمُ علينا أن نجدد نظرتنا - دون أن نتخلى عن حضارتنا وقيمنا - في إرثٍ صنعه رجالٌ هم أبناء ظرفهم وزمانهم. أما اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين فلا يجوز بأيّ حال أن نعيشَ في سجال حُقبٍ تاريخية، كثرت فيها الفتن وربما كانت جاهلية بعد الجاهلية الأولى. آن اليوم لشعوب منطقتنا وقادتها أن تقف وقفة تأمل فيما مضى، وتتطلع لمستقبلٍ مشرقٍ لشعوبها وحضارتها، وإلا فإننا سنذهب نحو المجهول. أمرٌ آخر يحسنُ الوقوف عنده: هل نحن على أعتاب نهايةِ التّاريخ؟ كما بشّر «فرانسيس فوكوياما» في كتابه «نهارية التّاريخ والإنسان الأخير» أقطع جازمًا أننا على أعتاب تغيّراتٍ كُبرى ستَحدثُ، وكلّ الظروف المحيطة بمنطقتنا تُؤشر وتُدلل على ذلك، وهذا يفرض على شعوبنا مزيدًا من الوحدة والتضامن والتكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وإلاّ فإنّنا لن نحجز مقعدًا يليق بمستقبل بلداننا وما تتمتعُ به من قوة بشريّة لا مثيل لها. وهنا وفي هذه اللحظة المفصلية جميلٌ أن يقف أصحابُ القرار وقفة مع الذات ويدركوا بما لا يدع مجالًا للشك أنّ شعوبَ المنطقة في قاربٍ واحد وأيّ خرقٍ لأيّ بقعة جغرافية لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، فرياحُ التقلبات العالمية لن تُبقي إلاّ على الأشجار القوية المتماسكة.
300
| 25 أكتوبر 2024
كثيرةٌ هي قصص التّاريخ التي وقفنا عندها وتبحّرنا في مضامينها، وطبيعيٌ في خضم تلك الأهمية الكبيرة لتلك الأيام والأحداث أن نقف عند كلٍّ منها، نأخذ العظة ونتعلم الدروس، فعلى سبيل المثال لا الحصر يذكر المؤرخ «غوستاف لوبون» في كتابه «حضارة العرب»: أنّ التّاريخ لم يجد فاتحًا أرحم من العرب، ويدللُ على ذلك فيقول:» حين فتح المسلمون حصونَ خيبر غنموا بعضًا من صُحف التّوراة، فجاء اليهودُ إلى النّبي «محمد صلى الله عليه وسلم» وطلبوها منه، فأمر الصحابةَ بإعادتها لهم» ومن حِكم التّاريخ أيضًا مقولة» التّاريخ يعيدُ نفسه» وهنا لا بدّ لنا من سؤالٍ: «هل التّاريخ حقًا يعيد نفسه؟». الجواب ببساطة شديدة: إلى حدٍ ما؛ يعيد نفسه، باختلاف الزمان والمكان، وكذلك الأشخاص الذين صنعوا ويصنعون التّاريخ أو كانوا جزءًا منه، لكنّ الأهم ممّا سبق: هل يكفي أن نتعلم من دروس التّاريخ أم علينا العيش فيه كذلك؟ نعم علينا أن نتعلم من دروس الماضي ونأخذ العبر فمن وعى أخبار الأمم السّابقة أضاف أعمارًا الى عمره الحقيقي، أمّا العيش في التّاريخ فهذه مسالة أخرى ومعضلة أكثر دقة وتعقيدًا؛ فلطالما دفعت وتدفع شعوبُ العالم ثمنًا لعيشها في التّاريخ. الأجدى أن نتعلم من التّاريخ لا أن نعيش فيه؛ فالعيش في التّاريخ يعني بقاء العداوات والحروب والأحقاد التي مرّ عليها عقودٌ وربما قرون، وهذا يدمرُ المجتمعات مهما امتلكت من ثروات وامكانيات. عدم العيش في التّاريخ يتطلب منا مواقف غير تقليدية، ويحتمُ علينا أن نجدد نظرتنا - دون أن نتخلى عن حضارتنا وقيمنا - في إرثٍ صنعه رجالٌ هم أبناء ظرفهم وزمانهم. أما اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين فلا يجوز بأيّ حال أن نعيشَ في سجال حُقبٍ تاريخية، كُثرت فيها الفتن وربما كانت جاهلية بعد الجاهلية الأولى. آن اليوم لشعوب منطقتنا وقادتها أن تقف وقفة تأمل فيما مضى، وتتطلع لمستقبلٍ مشرقٍ لشعوبها وحضارتها، وإلا فإننا سنذهب نحو المجهول. أمرٌ آخر يحسنُ الوقوف عنده: هل نحن على أعتاب نهايةِ التّاريخ؟ كما بشّر «فرانسيس فوكوياما» في كتابه «نهارية التّاريخ والإنسان الأخير» أقطع جازمًا أننا على أعتاب تغيّراتٍ كُبرى ستَحدثُ، وكلّ الظروف المحيطة بمنطقتنا تُؤشر وتُدلل على ذلك، وهذا يفرض على شعوبنا مزيدًا من الوحدة والتضامن والتكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وإلاّ فإنّنا لن نحجز مقعدًا يليق بمستقبل بلداننا وما تتمتعُ به من قوة بشريّة لا مثيل لها. وهنا وفي هذه اللحظة المفصلية جميلٌ أن يقف أصحابُ القرار وقفة مع الذات ويدركوا بما لا يدع مجالًا للشك أنّ شعوبَ المنطقة في قاربٍ واحد وأيّ خرقٍ لأيّ بقعة جغرافية لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، فرياحُ التقلبات العالمية لن تُبقي إلاّ على الأشجار القوية المتماسكة.
348
| 04 أكتوبر 2024
تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا وَلَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ... لعلّ من أهمّ أساسيات التّأثير في الآخرين أن تكون قدوة عملية وعلمية لهم، وهذا يتطلب من الإنسان الذي يتصدر مجالسَ ومنابرَ التّعليم أن يكون عاملًا ومطبقًا لما يقوله على نفسه أولًا، ثم يطلب من الآخرين فعل ذلك. وتوضيحًا لما سبق تذكرُ كتبُ التّراثِ أنّ عبدًا جاء لإمام مسجدٍ يطلبُ منه أن يُخصصَ خطبة من خطبه للحديث عن فضائل عِتق العبيد؛ علّ سيده يتأثر بقوله ويعتق سراحه، فقال الشيخ للعبد: «سأفعلُ إن شاء الله». استبشر العبدُ بوعد الخطيب وصار يحضرُ كلّ جمعةٍ وهو متفائلٌ أنّ الإمام سيتناول موضوعَ «عتق العبيد». ومرت أيامٌ وشهورٌ حتى صدح الخطيبُ مشجعًا ومذكرًا الحضور بمزايا عتق العبيد عند الله، وما أعده للسّيد الذي يعتقُ عبده، بعد خطبة الجمعة قال السيد لخادمه: أنت حرٌ في سبيل الله!!!. سُرَّ العبدُ وحضر للشيخ شاكرًا ومعاتبًا: «يا سيدي منذ أشهرٍ رجوتك أن تخطبَ عن عتق العبيد، ليتك فعلتَ ذلك منذ زمن!!». نظر الشيخُ لحرّ اليوم - عبد الأمس - نظرة تأملٍ، وقال له: «يا بُني لم أكن أملك ثمنَ تحرير رقبة، انتظرتُ حتى جمعتُ ثمن عبدٍ فاشتريته وأعتقته، ثم خطبت ورجوتُ الحضور فعل ذلك، وإلّا لما تأثر سيدُكَ بكلامي!!». مما سبق يتضح لنا بما لا يدع مجالًا للشك أن القدوة العملية هي أكبر وأكثر المؤثرين في المتلقين، صغارًا كانوا أم كبارًا. لذا جميلٌ ونحن على أبوابِ عامٍ دراسيٍ جديد- نرجو فيه التوفيق والتألق لطلابنا - أن يكون الأهل عونًا وسندًا لأبنائهم، وقدوة في الجِّد والمثابرة، وأن يأخذ الطلبة الأعزاء عهدًا على أنفسهم منذ بداية العام، بأن يستمعوا بوعيٍ ويناقشوا بحريةٍ ويشاركوا بإبداعٍ، فإنّ القمم الشامخة ننتظرهم والوطن بحاجة ماسةٍ لبصماتهم وعقولهم. ولا يفوتني أن أهمسَ في أذنِ زميليَ المربي أن يحرص على زرع الثقة والتحفيز في نفس الطالب، ويعمل وفق منهجيةٍ تتلاءم ومستوى الطلاب، وأن ينوعٍ في أساليبه، مع حرصه على التطور المستمرٍ، وأن يبقى مثالًا للعطاء والتفاني وبذل أقصى ما يمكن؛ لتبقى راية العلم خفاقة في دوحة الخير، وتحقيق رؤية أمير البلاد في رفدِ مؤسسات الدولة بجيلٍ متسلحٍ بالعلم والمعرفة والتحليل للوصول إلى نتائج تجعل هذا البلد في مصافي الدول المتقدمة علميًا وثقافيًا ومعرفيًا، كما هو واحة أمنٍ وسلامٍ وتسامح. ختامًا: غايةُ المربي أن يعطي معلومة جديدة، أو يُعلّم مهارةً متميزة، أو يبدل سلوكًا بأحسن منه.... وهذه الثلاثية تتحققُ من خلال قدوةٍ تحمل فكرًا متنورًا وقادرًا على فهم نفسية المتلقي وبالتالي التأثير فيه، ويبقى «من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أراد الدنيا والآخرة فعليه بالعلم».
4542
| 13 سبتمبر 2024
إذا قلّ ماءُ الوجه قلّ حياؤه ولا خيرَ في وجهٍ قلّ ماؤه نحاولُ بين الفينة والأخرى أن نتناسى همومنا ومعها أوجاعُ الإنسانيّة في فلسطين؛ علنا نحظى ولو بلحظة صفاءٍ تعيد لنا توازننا، تعيد إلينا حقيقتنا البشرية، ولكن دون جدوى!! فحتى هذه الـ (علنّا) لم نحظَ بها بعد. فلا شيء في الأفق يبدو على ما هو عليه؛ ظلمٌ بأبشع صوره في فلسطين، وحرمان من أبسط حقوق النفس البشرية، تجويع وقهر واغتيالات فاقت كلّ ما سطرته كتب التّاريخ عن الحروب، والضحيةُ في كلّ ما سبق هو ذاتنا البشرية التي ما خلقت إلاّ لتكون معززة مُكرّمة، يُسيّر الوجودُ بأسره لخدمتها، ولكن حين تحولت الحضارةُ إلى مدنيّة ماديّة مجردة، أصبح الإنسانُ أبخسَ ما فيها، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُعد وتُحصى، ولعل أوضح شاهد على ذلك يتمثل بتلك الأسلحة التي تستخدمها الآلة الصهيونية في فلسطين المحتلة، وهي تقتلُ البشرَ والحجر والشجر وحتى الأطفال الخدّج، دون مراعاة لأيّ قيم أو أعرافٍ، فهل تحول الإنسانُ لسلعة أرخصَ من كلّ ما سبق؟!. إنّ ما تقوم به آلة الحرب الصهيونية في فلسطين على مرأى ومسمع من العالم الحر دون تنديدٍ أو صرخةِ غضبٍ أو استنكار حقيقي، سيبقى وصمة عارٍ تلاحق الإنسانية جمعاءَ لعقودٍ وقرون، وستصبحُ كرامة الإنسان وجهة نظرٍ في سوقِ المزاودات السياسية، ومصالح الأيدلوجيات على حساب المبادئ والقيم وحقوق الشعوب في أرضها وتقرير مصيرها، وهذا بدون شكٍ سيولدُ أجيالًا لا ثقة لها بمواثيق الأمم المتحدة والمعاهدات المرتبطة بها، ولا سيما القانون الدولي الإنساني الذي ينص على حفظ أرواح المدنيين في أوقات الصراع والنزاعات. يا للعار ويا للشنار ويا لخيبات الزمان، يا للثكالى واليتامى في (فلسطين النازفة) والذين يُقدرون بالملايين، من يعوضهم عمّا فقدوه - إن كان له من تعويض - من يُعيد البصر لطفلٍ فقد عينيه، ومن يزرع البسمة على وجه زوجةٍ فقدت شريك حياتها، ولرجلٍ بُترت ساقه، ولآخرٍ فقد عائلته كاملة، ومن..... ومن؟!!. وفي كلّ ما سبق يبقى السؤال: من يجرؤ على محاسبة القتلة المدججين بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة؟ الذين فقدوا ماءَ الإنسانية بهمجيتهم، وينادون صبح مساء: إننا هنا؛ نقتل ونسحق ونفعل ما نشاء! والسؤال الآخر: ما ذنبُ شعبٍ بأكمله يُهجّر وتُستباحُ حقوقه، لأنه رفض الخضوع، ولم يرفع راية بيضاء بوجه محتلِ أرضه؟. تُرى ألم يأنِ للذين يتبجحون بالحرية والديمقراطية أن يكفوا عن تلك الشعارات الزائفة؟ ألم يأنِ لنا أن نستعيد ولو لمرة تراث أجدادنا وحضارة أمتنا، ونقول: فلا نامت أعين الجبناء؟. ويبقى: أن لا شيء على ما يبدو علينا، لا شيء مما صنعته يدانا، إذًا كيف يكون؟
534
| 09 أغسطس 2024
يمر كلٌ منا في حياته بظروف وأحوال متقلبةٍ، وهذا بطبيعة الحالِ يرمي بظلاله على انتاجنا المعرفي وتحصيلنا العلمي، وربما النفسي كذلك، علاوة عن علاقاتنا الاجتماعية مع محيطنا، إلاّ أنّ المهم في هذه المرحلة من التقلبات ألاّ يفقد الإنسانُ بوصلته وأهدافه التي يُفترض أنه رسمها وخطط لها بعناية فائقة وتفكيرٍ عميق وأحبها وبذل في سبيل تحقيقها. وفي هذه المرحلة من التقلبات على الإنسان أن يعلم ويشعر يقينًا أنّ ما يمر به من ظروفٍ قاسية هنا وهناك إنّما هو ألمٌ مؤقتٌ؛ فيتحملَ تعبَ ساعةٍ وتدرُب يومٍ وجوعَ حينٍ، ثم ينطلق نحو الرّقي والسّمو ويُمضي بقيةَ حياته بكبرياءِ ونعيمٍ، وله أيضًا أن يستمرَ بين الحفرِ، يخاف صعود القمم الشاهقة التي توصله إلى ذرى المجد والنّجاح. على الإنسان ولا سيما الشّاب في مقتبل عمره ومستقبله الدراسي أن ينتبه جيدًا للبدايات؛ لأنّه من المستحيل أن يعود الإنسان للوراء ليصنع بداية جديدة، فالبداية الأولى هي التي ترسمُ وتحددُ مسارَ حياتِه، فمن كانت بدايته محرقةٌ كانت نهايتُه مشرقةٌ، ومن شبّ على شيءٍ شاب عليه؛ فالبدايات مهمة لأنّ المكاتيب تُقرأ من عناوينها، البدايات كل شيء لأنها زرعك الأبدي الذي ستحصد نتائجه في موسم النهايات الدراسية والحياتية كذلك. وعلى المرء أن ينطلق في مشواره وصراعه مع نجاحات الحياة مدركًا أنّ النجاحَ ليس قدرًا لغيره دونه، فالنجاح قرارٌ والبوصلةُ اليومَ بين أيدينا و صحائفنا فارغة فلنملأها بما نريد رؤيته في المستقبل، وما نحب أن يكتب عنا فيه، ولنذكر قول الشاعر: ومــــــــن تكــــــــــــــنِ العليــــــــــــاءُ همـــــــــــــــــةَ نفســـــــــــــــه فكــــــــــــــــلّ الـــــــــــــذي يلقـــــــــــــــاه فيهــــــــــــــــــا محــــــــــــــــببُ فلا شيء يوازي لذة النجاح والتميز، وهذا يتطلب منا أن ننتصر على عدونا الداخلي ألا وهو النفس وملذات الحياة الزائلة، وأن تكون تصرفاتنا عقلانية، منطلقة من أُسسِ قيمنا وثقافتنا، بعيدًا عن عادات ظاهرها التميز وفي باطنها هدم قواعد المجتمع وتفكيك بنيانه. وهذا يتطلب من المرء أن يوازن بين جميع احتياجاته الجسدية والعقلية والعاطفية والروحية وأن يعطي لكلٍّ منها حقه لتعطيه خيراتها. ختامًا: عودٌ على بدءٍ والعنوان فلعل القارئ الكريم وجدَ فيه غرابة، فهو عبارة مقتبسةٌ من كتاب «العادات السبع للناس الأكثر فعالية» لـ «ستيفن كوفي» ويذكر فيه قصة شحذ المنشار؛ فيقول إنّ النّجار الذي يقطع الأشجار من بستانه بكثرة سيصبح المنشار غير قادر على القطع بقوة وسرعة كما كان من قبل، وهذا يتطلب من النجار أن يشحذه بين فينة وأخرى ليستمر بعمله المثالي، لا أن يستمر ويُلقي باللوم على المنشار، كذلك الإنسان عليه أن يأخذ قسطًا من الراحة والاستجمام بين الحين والآخر، لا أن يستسلم ويترك الحبل على الغارب، ويبقى مسك الكلام أنّ الأفكارّ كثيرةٌ والفرص لا تُعدّ ولا تُحصى، غير أنّ قلة من الأشخاص هم الّذين يحولونها إلى إنجازات.
1002
| 19 يوليو 2024
كثيرة هي الأسماء التي تركت انطباعًا وبصمة في حياتنا وأشعلت فينا روح العزيمة؛ من خلال مقابلة شخصية أو من خلال كتابٍ قرأناه لتلك القامات، وربما عبر لقاءٍ صحفيٍّ في شاشة التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي. ومما لا شكّ فيه أننا جميعًا نريد أن نترك أثرًا في حياة مجتمعاتنا، فنصبح مؤثرين وفاعلين حقيقين، وهذا بطبيعة الحال يتطلب من المرء الكثير والكثير من الجهد والتنظيم والتحفيز، وترك لعاداتٍ سلبية، والقيام بأمور تُولّدُ يومًا تلو آخر نجاحًا واقترابًا من الهدف. غير أنّ هذا على أهميته تبقى الخطوة الأولى نحو النجاح هي الأكثر صعوبة وأهمية، لأنها تتطلبُ أفكارًا جديدة وثقافة متنوعة تُحفّز الإنسانَ على البدءِ، فمن المستحيل على المرء كما قال «أينشتاين «أن يعيد نفس التجارب مرتين وينتظر نتائج مختلفة عما وصل إليه من قبل. لذلك قال الحكماء: راقب أفكارك لأنّها تتحول إلى كلمات وراقب كلماتك لأنّها تتحول إلى أفعال وراقب أفعالك لأنها تحددُ وتصنعُ مصيرَكَ، فمن يزرع فكرة سيحصد كلمة ومن يقول كلمة يحصد فعلًا، ومن يقوم بعملٍ إنما يخطط لمصيرٍ، إما نحو القمة أو نحو الانحدار... فالنجاح دائمًا يبدأ بفكرة ثم تتحول الفكرة إلى فعلٍ، ويتحولُ الفعلُ إلى سلوكٍ دائمٍ ونجاحٍ مستمرٍ. من هنا لا بدّ للإنسان أن يدرك جوانبه الإيجابية ويؤمن بقدراته على الانجاز، وإلا سيبقى المرء حبيس الفشل وينتقل من حفرة إلى أخرى، كما قال الشاعر: ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبدَ الدهرِ بين الحفر ولعل الغوص في عادات الناجحين كثيرة ومتعددة غير أنّ أهمها على الإطلاق هي أن يعرف الإنسان ماذا يريد وأين يود أن يرى ذاته بعد عام أو عامين أو بعد سنوات، لأنّ عدمّ معرفة الغاية والهدف المراد الوصول إليه يجعل المرء كقائد طائرة يقودها دون خريطة ولا معرفة بوجهته، ففي أحسن الأحوال سيعود للنقطة التي انطلق منها!!. فمعرفتك بأهدافك هي التي ستفجر فيك الطاقات الكامنة التي لا تعرفها ولكنها موجودة في داخل كلٍ منا. الأمر الأخر المطلوب من السّائر نحو القمة والنجاح ألاّ يظل حبيس الفشل في أمرٍ أو مهمة؛ ففشلك في أمرٍ أو انجازٍ لا يعني نهاية الشوط بل هو خطوة نحو النّجاح، فمن لا يعمل لا يخطئ ومن لا يخطئ لا يتعلم. فالنجاح يتطلب منا أن نغيّر أفكارنا وبالتالي تتحول مشاعرنا إلى قوةٍ واصرارٍ على تحقيق الأهداف. ولعله من البديهي أن نجد ساحة الصراع بين النّجاح والفشل كبيرة، وهنا تظهر معادن البشر وقوتهم على الاستمرار مهما كانت التحديات، وقليلٌ أولئك الذين يستمرون ويواظبون على عادات الناجحين. ختاما: إنّ الحياة مستمرة في حراك دائم، ومالم نعرف الوجهة التي نريدها فكل الرياح غير مناسبة لنا، ووحدهم الناجحون هم الذين يتربعون على أعلى قمم التألق بين النّجوم، أما الذين استسلموا ورفعوا رايةً بيضاء من الإخفاق الأولِ والمصاعب الأُولى فإنّهم سيظلون في الدّرك الأسفل، يعانون ويدفعون ضريبة تلوى أخرى.
1443
| 12 يوليو 2024
إنه الوقت الذي هو مقدارٌ من الزمنِ لفعل معينٍ، كما أنّه الحد الواقعُ بين امرين، أحدهُما سابقٌ والآخر لاحقٌ، في المحصلة هو الثواني والدقائق والساعات التي تمر من عمرنا ولن تعود. ونظرًا لأهمية الوقت في حياتنا، نجد المولى عز وجل قد أقسم به في أكثرِ من موقع في القرآن فقال: والعصر إن الإنسان لفي خسر...والضحى والليل...والفجر وليالٍ عشرٍ...، ولولا أهميته لما أقسم الله به، ذلك أننا من خلال الوقت ننجز ما يطلب منا ومن خلال الوقت نحققُ ما نخطط له. لذلك نقرأُ عن الكثير من الصحابةِ والعلماء كيف كانوا حريصين على الوقت فهذا ابن مسعودٍ يقول: ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غربت شمُسه، فنقص فيه أجلي، ولم يزِد فيه عملي. ونجد كذلك الإمامَ الغزاليِ يقول: الوقت ثلاث ساعاتٍ؛ ماضيةٌ: ذهبت بخيرها وشرها ولا يمكنُ إرجاعُها، وقادمة: لا ندري ما اللهُ فاعلٌ لنا فيها، وهي تحتاج إلى تخطيط منا، وحاضرةٌ: وهي رأسُ المالِ الذي بين أيدينا، لذا قال الشاعر: ما مضى فات والمؤمل غيبٌولك الساعةَ التي أنت فيها ومن هنا نصل أن المهمَ هو التخطيطُ الأمثلُ للاستفادةِ من الوقتِ، وكيف أحولُ الأهدافَ إلى واقعٍ مع الزمن، وانتقلُ إلى أهدافٍ أخرى وهكذا من نجاح إلى آخرٍ. وهذا يوصلنا للقول: لا يوجد شيءٌ اسمه عدمُ كفايةِ الوقتِ، إنما لدنيا عدمُ القدرةِ على إدارة وقتنا بالشكل الأمثل لتحقيق ما نريد، وهذا يتطلبُ منا المهارةَ في إدارةِ وقتنا، فكيف تتحقق المهارةُ في إدارة الوقت؟ لعل أول تلك الأمورِ هو أن نؤمنَ بأهميةِ الوقتِ وقدرتكَ على إنجاز ما تريد في الوقتِ المطلوبِ فإيماننا بأننا قادرون على تحقيقِ الهدفِ سيجعُلنا نتحملَ كلَ الصعابِ للوصولِ لما نصبو إليه وبدون إيماِننا وثقِتنا بأنفسنا فإننا لن تصلَ ولن نحققَ شيئًا. ولا بد من تدبر أهدافك بعمق: لأنّ التخطيط هو الوسيلة للوصول للهدف المنشود، فبدون التخطيط لن تتمكن من إنجاز المطلوب، كما أن التخطيط يدفعك للمطالعة ومتابعة كلّ ما يلزم لتحقيق أهدافك، والتخطيط كذلك يساعدك على حفظ المال والوقت والجهد، ويزيد من فعالية الإنجاز، لذلك ضع أهدافًا لكلِ مرحلةٍ في حياتِك وانظر إلى دورك في الحياة. وعلى الإنسان أن يبتعد عن مضيعاتِ الوقتِ وعن التسويف، كما قال الشاعر: كن صارمًا كالوقت فالمقت في عسى وإياك علاّ فهي أخطرُ علة فالوقت عدو مجتهد لا يقتله إلاّ كل مجتهد، والوقتُ هو أكثرُ ما نحتاج إليه، وأسوأ ما نستخدمه، فلابد من فعل كلِّ شيءٍ في وقته لأنّ فعلَ شيئين في وقت واحدٍ سيؤدي إلى خسارةِ الشيئين معًا. خاتمًا: لابدّ أن يتحكم عقلنا الواعي بالعقل الباطن ويقوده نحو تحقيق أهدافه لأنّ العاقل الباطن هو مكان للغرائز والعواطف، وإن لم نتمكن من السيطرة على عواطفنا ومشاعرنا فإننا لن نصل القمة، ولندرك أولًا وأخيرًا أنَّ وراءَ كلِ شخص ناجحٍ مبادئٌ وجهودا صاغت ذلك النجاح، وتنظيما للوقت واستثماره للوصول إلى المبتغى، ولنتذكر أولًا وأخيرًا أنّ الوقت هو الضائع الذي لا يعود، فمن يمتلك فنّ إدارة الوقت إنّما يمتلك فنّ الحياة.: كاتب وأكاديمي [email protected]
915
| 05 يوليو 2024
مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6300
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5079
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3795
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2859
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2511
| 23 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1695
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1563
| 21 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1530
| 26 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1083
| 20 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
990
| 21 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
984
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
960
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل