رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم

يمر القطاع الصحي بتحديات دقيقة وحرجة، واختبارات وتجارب صعبة المراس، نحتاج إليها دائماً لإحداث تقييم حقيقي لمنظومات العمل المختلفة في المجتمع ولعلها أحد أوجه الخير الكامنة في جوف هذه الجائحة العنيدة التي تطال بأذرعها الممتدة الشرق والغرب. وربما أبحث اليوم عن إجابة لتساؤل بات يراودني عن كيفية تقييم المؤسسات ومنظومات العمل تقييماً حقيقياً بعيداً عن التجمل والتزين بما ليس واقعاً حقيقياً؟ فقد تكدست الأدراج بتقارير تنطق وتتقول بزخرف الكلام والثناء، حيث تمجد في أداء وجودة الأعمال للمنظمات، وربما دون آثار للصعوبات والعقبات، ولا تبيان للكيفية التي عولجت بها، أو وسائل مواجهتها والتعامل معها، بمعنى آخر إذا أردنا أن نختبر شيئا ما، يجب أن نعرضه للصعوبات والمخاطر التي يُتوقع أن يمر بها، أو من الاحتمال أن تحدث له، حتى يتكشف لنا مدى قدرته على التحمل والصمود، فمثلاً تقاس قدرة الإنسان بوضعه تحت الضغوط حتى يُخرج لنا أفضل ما عنده، وقس على ذلك بقية الأشياء، صغيرةً كانت أم كبيرة، ولا أستثني من ذلك حتى الأفكار، فالفكرة تحتاج إلى مواقف تبرهن على مدى نفعها ومرونتها. إن تعريض بعض المنظومات الخاملة أو ذات النشاط التقدمي المحدود إلى جرعة من الحرتقات المنشطة، يدير فيها ساقية العمل، فتحرك مياهها الراكدة، وتعرضها لشحنة كهربائية عالية القوة، فتنتفض من سباتها العميق، فإذا أردت لشخص ما أن يجري بسرعة عالية ببساطة ضع خلفه كلباً مروعاً ! وحال الكلب هنا كحال المعضلات المعقدة والمستمرة، التي لا ترتق، إلا حين تستنفر لها كل المنظومة، فيغدو عديم الفائدة ناجعاً، ومن يُعد فائضاً فهو أساسي، والمهمش مهماً، وهكذا تغربل الغث من السمين، حيث لا يقدّس الخامل ولا يؤبلس العامل، وإنما المفصل هو العمل ! يذهب ابن خلدون إلى أن «غاية العمران هي الحضارة والترف، وأنه إذا بلغ غايته انقلب إلى فساد» فالترف والكسل والاتكالية أبناء شرعيون للفساد بمختلف أنواعه الشخصي، العملي، الروحي، والمالي.. إلخ، وهذه أمراض يعاني منها المجتمع بوجه عام، وأرى أن أحد أوجه القضاء على هذه الأمراض هو بقاء الفرد في معظم الوقت مشغولاً بعمل وعبادة وغالباً ما نلحظ كيف يكون التصنع والمداجاة، في عمل بعض المنظمات ومنهم الأفراد، إذا ما كلفوا ذات مرة بعمل دقيق وضخم، لإظهار وإبراز الوجه المشرق سواء على مستوى المنظمة أم على مستوى الفرد، لينالوا الرضا والاستحسان، وسرعان ما يسترجعون حقيقتهم عند أول علامة استرخاء، وبينما يعد الاسترخاء مهما جداً للعاملين الدؤوبين الذين لا يملكون الوقت الكثير له، فإنه وبال على من قضى يومه من استرخاء إلى آخر، فالاسترخاء الكثير تعطيل وبلادة !! نحن بحاجة إلى إعادة قولبة شاملة، وتعديل جذري للماعون والعادات التي أفرزت تلك الأمراض، والتصدي لها، فالأمم التي تعتاد الخمول وعدم الجد يسهل التمكن منها، والترف وإن كان دليلاً على التقدم فهو سبب لهلاكها إذا ما أُسيء استخدامه. وقديماً قال المتنبي: عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ نحن نعيش في واقع يقتضي فرض العزائم لندرك أولي العزم والمكارم الحقيقيين، لينالوا ما يستحقون، في زمن وهن فيه العزم وشحت المكارم، نسأل الله الثبات. دمتم بود [email protected]

8492

| 09 يناير 2022

طلاق أم عناق

لماذا أصبحنا مكباً لنفايات الغرب؟ سؤال لطالما أشعرني بالأسى كلما حدث ما يستثيره في عقلي، لماذا سمحنا لأنفسنا أن نصل لما نحن عليه من كوننا مستقبلين ومنفذين ومستهلكين لكل الصادرات الخارجية الفكرية والسلوكية والحضارية وغيرها بخيرها وشرها ! ومما يستثير هذا السؤال لدي كل يوم ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تني تتقيأ على المجتمع بسلبياتها اللامتناهية. هذه الصناعة الغربية وطفل الثورة المعلوماتية المدلل التي امتصها مجتمعنا كعادته في استقبال أي منتج غربي، فنحن خير من نكافئ الحضارة الغربية على اختراعاتها، وخير من يتدبق بمنتوجاتها، فحضن المستهلك العربي يتلقفها بكل إذعان وطاعة فالعربي العزيز يستهلك المنتوجات الغربية وهو يضع نظارة العميان فيسير خلف مسيره مستسلماً خاضعاً. صحيح أننا لا يمكننا أن نكنس بقفا اليد تلك الصادرات أو نمنعها ولكن نقف منها موقف المستبصر العاقل طالما لا نزال نعاني من مرض التبعية والخنوع، فالانقلاب على هذا الوضع يقتضي انتفاضة جذرية يصعب قيامها في الوقت الراهن. وما دمنا في الوقت الراهن - عصر التبعية والانقياد والبلادة – وما دمنا بعيدين عن روح الفلسفة والعلم فعلى أقل تقدير لا يمكن أن نبقى بعيدين عن روح الأخلاق التي جاء المصطفى – صلى الله عليه وسلم - ليتممها ويعمل بها ويدعو إليها، فكثير مما يحدث على هذه المنصات قد طلّق الأخلاق والشيم العربية، فالمذاهب الأخلاقية هي الشيء الوحيد الذي لا ينبغي أن يتحول أو يتبدل في خضم طفرات التطور. وتتجلى هنا ظاهرة خطيرة يمكن أن نطلق عليها ظاهرة "الرقيب البليد" حيث يرتدي بعض الأفراد زي الرقيب المتخفي خلف ستار الشاشة ليمارس الرقابة على المجتمع، ويجلد أفعالهم بسياط كلماته، بينما يتكئ على مقعده الوثير، يتتبع ويترقب أخبار الناس بلمسة رقيقة من أنامله الغليظة، ولا أتعارض هنا مع مسؤولية جميع الأفراد في حماية المجتمع فكرياً وسلوكياً، إلا أن المبالغة في ذلك تتأتى من الفراغ، وقلة الثقة في النفس، والاحتياج المرضي الذي يعيشه معظم هؤلاء، فوجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي ضالتهم، فبدأوا في استخدام أسلحتهم الفتاكة ضد أبناء جنسهم معتقدين خطأً بأن هكذا تكون الرقابة والوصاية على المجتمع، حيث يعتقدون أن هذا هو عين العقل والصواب، فإدراك العقل في العالم المعاصر بات مختلفاً، إذ يُعرف الآن على أنه آلة للسيطرة والكسب والانتصار والمضي لإنجاز الأهداف بأيسر الطرق وربما أكثرها وضاعة، بينما العقل يأتي من الجذر "عقل " ومن معانيه التدبر، والتدبر متصل بالتأني ومعرفة العواقب والتفكر فيما إذا كان من الحكمة أن نعمل عملا أم نتخلى عنه. وقد أفرزت الساعات الطويلة التي يقضيها مثل هؤلاء على منصات التواصل بعض السلوكيات المزعجة كالتركيز على السلبيات، والنقد غير البناء، والترويج عن بعض المواقف التافهة، التي قد تحدث في مختلف المجتمعات، كبعض التصرفات التي تحدث عن جهل البعض، أو سوء تصرف يصدر من فئات سنية صغيرة، وتضخيمها، وتسليط الضوء عليها بطريقة سلبية، مع مطالبات لإيقاف مثل هذه التصرفات من السلطات المعنية، معتقدين أنهم يساهمون في ذلك من الحد من انتشارها. وهنا يتمظهر تكدس الفكر المحدود في فضاء فلسفة التطور. ما هكذا تورد الإبل يا سادة ! وليس كل شيء يستحق التصوير والترويج، فلكل مقام مقال، ولكل موقف طريقة مختلفة في معالجته، فمعالجة المواقف المختلفة دون الأخذ في الاعتبار لملابساتها، يحدث انتكاساً ونتائج عكسية، كالرهاب الاجتماعي والقلق والاكتئاب ومشاعر الإحباط والخوف. وهنا يأتي دور الجهات المعنية في ردع هذه السلوكيات، فالردع لا يكون فقط للأشخاص الأبرياء الذين قد يقعون في الخطأ عن جهالة، ودون سبق وإصرار، وذنبهم الوحيد أنهم كانوا ضحايا للرقيب البليد الذي يقتنص الفرص لرصد أي سلوكيات ويحكم عليها ويهولها ويتناقلها في المنصات المختلفة، إنما بوقف ومكافحة هذا الرقيب وإنزال رتبته وتجريده من أسلحته ومن يشاركه في هذه الجرائم والفضائح، فحسب بعض المواقف النصح والتوجيه بالأسلوب اللطيف وبعيداً عن التشهير وإثارة البلبلة. وأعود فأتساءل لماذا نميل غالباً لاستعمال التكنولوجيا والثورة المعلوماتية وجميع ما نستورده من الغرب بالطريقة السلبية ؟ لماذا نترك الأثر السيئ في استخداماتنا لها؟ لماذا لا نستخدمها الاستخدام الجميل البناء؟ كما يفعل أصحابها؟ لماذا نشوه بأفعالنا البعيدة عن الدين والأخلاق والتعقل كل جميل يساعدنا أن نعيش بطريقة أفضل؟ علني أجد الإجابة أو قد أستثيرها لديكم. دمتم بود. [email protected]

8167

| 26 ديسمبر 2021

كل عام وأنتم بخير

ها قد قاربت السنة على الأفول، ودنا إقبال عام جديد جعله الله عام خير وبركة على الأمة العربية والإسلامية، وقد يغفل الإنسان عن أهدافه العظيمة التي خلق لأجلها وربما يجهلها البعض أيضاً، وجميل أن نستذكرها بل وأن نعيشها ونعمل بها طالما النبض ما يزال خفاقاً في الصدور، فنسيانها يوقع الإنسان فريسة لمخالب الدنيا الفانية، فمعظم الناس يخططون ويرسمون أهدافاً وغايات كل عام جديد، ولا يجنون في موسم الحصاد سوى الغلال الفاسدة. فهم في التخطيط لمراميهم يفتقدون التركيز وسبر أغوار نواياهم وتحديد العلة في ما وراء تلك المقاصد، فمعظمها يتصف بالسطحية والتفاهة، ولذا فهي لا تشكل أدنى أهمية تذكر، فعندما يملك الإنسان الكثير، ويتسهل له الحصول على كل شيء فمن البديهي ألا يتكبد عناء التخطيط السليم ووضع الأهداف الناجعة، فهو سائر في هذه الدنيا كالهائم على وجهه، وجل غايته إشباع غرائزه، فمتى كثر المال قل التفكير في إشباع العقل وانصرف إلى إمتاع الجسد، كما تفتقر معظم هذه الأهداف إلى ربطها بخلافة الإنسان في الأرض، حيث إن معظمها مرتبط بأمنيات وغايات دنيوية، بعيدة عن الهدف الأعظم والأسمى لمعنى وجود المخلوق الذي خُلق لتحقيق عبوديته الخالصة للمولى عز وجل، فجعله الله مستخلفاً بأمره في هذه الحياة الدنيا، إذا هي الأمانة، التي أشفقت على حملها السماوات والأرض فحملها الإنسان، وإعمار الأرض وخدمة الناس لوجه الله الخالص من مقتضيات الأمانة، بل من مقتضيات وجوب الخلافة التي اختص الله بها الإنسان، فإن لم تنشأ الأهداف عن غايات أسمى وأجل ولم تكن هناك دافعية مصدرها الإيمان بعقيدة راسخة وحب للمولى عز وجل، فتكون خالصة في تنفيذ وإطاعة أوامره، فأنا يبارك الله مقاصد جنحت لرغبات النفس، وعدلت عن أقوى المهام. ومعظم هذه الرغبات مأهولة بسحر تأثير كلمات المحفزين الدارجة، وأولئك ممن أطلقوا على أنفسهم مطورو الذات والمنادون بالتغيير الذين يقعون في فخ بريق هذه الموضوعات، التي تتغذى على عاطفة البشر، فيرددون الأفكار ذاتها، والشعارات عينها التي أصابها العقم، ورغم اختلاف المواسم والفصول إلا أنهم يعرضون البضائع ذات النوع الواحد الذي أصابه الكساد، دون معرفة حقيقة بأدوات التطوير ومنهجية التغيير وفلسفته، ولذا تجد أغلب الناس لا يستفيدون استفادة حقيقية من هذه الموضوعات المبتذلة، أما هذه العبارات فهي تعمل عمل المخدر الموضعي فهي لا تعالج العلة من جذورها وإنما تدهن النفوس بمرهم الخطابات المحفزة والقصص المبدعة عن إغراء الأهداف المشرقة، فيتخبط فيها البشر ويأخذون ما يشاءون دون شعور بمدى ملاءمة هذه الأهداف لحياتهم وواقعهم ومستقبلهم، فهم في ذلك بين فكي كماشة الرغبات التي حاولوا عبثاً أن تتحقق، وهيهات لها أن ترى النور وهي لا تني تسير خلف بائعي السراب. لا شك أن بعض الأهداف تتحقق وقد تفوق التوقعات ولكن ما هو مهم هو استكشاف السبيل الصحيح لتحقيق هذه الأهداف وما تشتمل عليه من نوايا قد تكون خافية بين طيات النفس، فتؤثر في سفر تكوينها، وكذا فإن معرفة الطريق السوي، تستوجب تبديلاً في الطريقة الإدراكية للمعتقدات والأفكار، واكتناه حقيقة مغزاها، التي عبثت بها أيدي الحداثة فنأت بها عن جذورها، لتتعلق بجذور وعروق لم تألفها، ولا تزال محاولاتها للعبث في ما تبقى من تربتها الصالحة مستمرة، فتتصور وجوهاً شتى لغاية واحدة أزلية، ومعرفة ذلك ووضعه في الحسبان ضرورة إذا ما أردنا التقدم والنمو بالطريقة التي يريدها ويرضاها مالك الملك. فهنيئا لنا ولكم قدوم 2022 وأسأل الله فواتح الخير وخواتمه، اللهم اشغلنا بما يقربنا إليك، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، اللهم نور قلوبنا ودروبنا وبصيرتنا، اللهم اغفر تطاولنا وجرأتنا عليك واغفر ذنوبنا وتقصيرنا في أمور ديننا ودنيانا، فأنت الحليم الغفور، وصلى الله على حبيبنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم. [email protected]

7495

| 20 ديسمبر 2021

معادلة البـقــــاء

لطالما كانت المعتقدات والمبادئ الدينية نبراس التاريخ وعماد الحضارة، فمع كل مذهب ديني جديد تنشأ حضارة جديدة، وأي تبديل قد يمس تلك المعتقدات يحدث تقلبات كبيرة في أهم مبدأ في حياة الأمم، وهي أهم مركب لتاريخها كما يخبرنا التاريخ عن أمم خلت مرت بحوادث تاريخية أنتجت آثاراً هائلة عن قيام الديانات وانهيارها، فمنذ مطلع التاريخ، نجد أن جميع الأنظمة السياسية والاجتماعية بُنيت على المبادئ الدينية، كما أن الدين هو العنصر الموحد لمشاعر وأفكار ومنافع الأمة، فقوة الدين تكمن في كونه العنصر الراسخ الذي لا يحتاج إلى الوقت لكي يتبلور وينضج، ولذا نجد ازدهار الأمم في طورها الديني عظيماً، وخير مثال حين اتحدت القبائل العربية على مبدأ الإسلام وفكرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فحققت الفتوحات والمكاسب الجزلة وشيدوا دولة الإسلام العظيمة آنذاك. وكلما تشبثت الأمم بعقيدتها ودينها علا شأنها وضربت أوتاداً لا تتزعزع في وجه التيارات الجارفة، وقد يكون البعض بعيداً كل البعد عن هذا المنظور وفلسفته، فما نراه اليوم من محاولات لضعضعة المكانة السامية للإسلام في نفوس المسلمين قبل غيرهم سواء كان ذلك ناتجاً عن تدخلات وخطط غربية معادية أو عن أولئك الذين أسلمت ألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، وهي الفئة الأكثر استهدافاً لسرعة انقيادها للذل والهوان دون تفكير، وهو أقصى ما يريده أعداء الأمة، فهذه الفئة كالعجينة الطيعة اللينة، يسهل صياغتها وتوجيهها، ومن ثم تقوم ببث تلك السموم والأفكار في المجتمعات دون وعي منها، فغدوا كالسوس في الخشب، ينخر ويفتت كل ما هو متين ومستقر، وربما تشكل هذه الفئة النسبة الغالبة في المجتمعات الإسلامية، ولذا كانت أداة فعالة من أدوات العدو في هدم وزعزعة العقيدة في النفوس المؤمنة. ومن شأن ذلك أن يؤثر تأثيراً عظيماً في أخلاق الأمم، فالشريعة الدينية مصدر الأخلاق، ومتى ما انحسرت وتقهقرت كان لزاماً واضحاً تناقص الأخلاق وانتكاسها بلا ما يحمد عقباه، فنكوص الخلق والأدب يعني بداية الهبوط، وقد يعود ذلك أيضاً إلى افتتان الأمة بمقدار الحضارة الذي آلت إليه، فباتت في أمان واطمئنان ونزعت إلى التمتع بفضائل التقدم، وتغلغل حب الذات في النفوس، وغلبت المصالح، وعم الفساد الأخلاقي، فأمسى التمتع بالثروات التي بلغتها في عجل ويسر هو همها الأعظم، فتنصرف الهمم عن الاجتهاد والعمل، وتتبدد في الناس الشمائل والأخلاق التي كانت سبباً في ارتقاء الأمم هذه المكانة السامقة. وهنا تبدأ مرحلة التدهور والانكماش، وتاريخياً فحتى وجود الفكر وأهل النبوغ والعلم لا يمكن أن يحول دون سقوط الأمم إن كانت قد تخلت عن المكون الأساسي لها والذي لا يقوم أي علم مهما بلغ محله وهو الخلق. من أدرك المعنى العميق الذي جاءت به الشريعة الإسلامية، وسر رسالتها الخالدة، ونظر في سيرة الحبيب المصطفى وكيف وضع حجر الأساس لدولة الإسلام التي استمرت قروناً من بعده، أيقن تماماً سر بقاء وازدهار الأمم والحضارات، فهي معادلة البقاء، التي تضمن ديمومة البقاء والتطور والرفعة، واكتمال صورة السيادة في الداخل والخارج دون شروط أو إملاءات خارجية مذلة. ولكننا نعول اليوم على صحوة تمد يدها فتنتزع تلك القلوب الرخوة من صدورها فتطهرها وتزكيها وتبذر بذور الإيمان وتنبت فسائل وغراس الأخلاق، فحق علينا إنعاش تلك الصحوة ودعمها في مختلف مساقات الحياة، ووجب علينا اتخاذ خطوات واضحة في هذا النهج نتقيد ونعمل بها دون الحاجة إلى قوانين رسمية تدعمها ما دامت تنبع من عقيدة سليمة ونفس مطمئنة. [email protected]

7687

| 12 ديسمبر 2021

تحدي الهوية

وقد ينثني دمع العين طرباً ما لم يحير من شدة الألم فما بين مشاعر البهجة والفخر بما وصلنا إليه في هذا الوطن الغالي، من نقلة حضارية جبارة، وتسارع مسير قطار التكنولوجيا المبهر، إذ كيف من العدم قد رصت الأبنية وتشكلت في أبهى صورها، وتواترت الإنجازات التي تحمل في أنفاسها شذى الانعتاق من كل قيد وتنبثق عن إرادة وعزيمة عنيدة أمام كل المحاولات المستميتة لإجهاض مسيرة التقدم والنماء بعيداً عن التبعية أو الاذعان والوصاية عبر سلسلة من المواقف الوطنية والقومية التي كانت مدعاة للفخر والاعتزاز وتقديم العبرة للأجيال القادمة، وما تزال الخطى تتسابق في ركب المنافسة حيث تتجسد الرؤية الاستشرافية للمستقبل بكل ما يحمله من تطلعات وطموحات. بينما نعتصر ألماً، لمنظر آلة التطور وهي تجتث الغالي والنفيس من تراب هويتنا، تراثنا وقيمنا التي تعتبر أساس انتمائنا والبعد الوجودي لكينونتنا وخصوصيتنا، وتبدلها بصور واعتقادات لا تنتمي لمجتمعنا وعاداته، فالتمسك بالموروث مطلب لإثبات الهوية الوطنية، حتى لا تنسلخ عن جلدتها فتبدله بآخر لا يؤاتيها ولا يمثلها، فالتطور والانفتاح والحداثة لا تعني التفريط في الهوية، حتى نوشك أن نشعر بالغربة ونحن تحت سقف الوطن !! هذا بالتحديد ما يحصل، حيث الشعور بأن السعي وراء التطور والرقي هو من أجل إرضاء آخرين ينظرون إلينا بنظرة الدونية والتخلف !! وقد بُذرت في عقولهم هذه المعتقدات منذ مئات السنين فلن تفلح المحاولات مهما كانت عظيمة وعميقة في كسب ودهم !! إنه من الأولى التركيز على ترسيخ مفاهيم الهوية الوطنية العربية والاسلامية، فيراها ويستشعر بها كل من يعيش على هذا الوطن، ويعجب بها كل من يزور هذه الأرض الطيبة المعطاءة، وفرض القوانين التي تلزم الآخرين باحترام العادات والتقاليد التي تشكل روافد تلك الهوية وجذورها الضاربة المتعمقة منذ الأزل في قلوبنا، فالحقيقة التي يجب أن يستوعبها البعض جيداً، أن الشعوب تتباين عن غيرها بصبغات مختلفة، مما يمنحها صفة التميز، وهذا مدعاة للإعجاب والفخر، قال عزّ من قال "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فقد منح الخالق جميع الشعوب ملامح خاصة يتصفون ويُعرَفون من خلالها، فلماذا نرغب في أن نكون نسخة مكررة عن الآخرين، لماذا نستحقر خصائصنا التي ميزنا الله بها عن الآخرين وننظر إليها بنظرة تخلف وازدراء؟! لماذا نسعى أن نقدم للغير ما يناسبهم ولا يلائمنا ؟!! رغم أنه من الجميل أن يجرب الإنسان أشياء لم يألفها، أو يتعامل مع ذات الأشياء ولكن بالطريقة التقليدية للشعب والبلد الذي يقيم فيه أو اختار أن يزوره لماذا ما نزال نستعير من الآخرين معتقداتهم وعاداتهم وحتى أسلوبهم و طرق تفكيرهم وإن كانت فاسدة؟!! ونتنكر لكل ما هو إسلامي وتراثي وينبع من أصالتنا وتاريخنا وإن كان جميلا ؟؟ حتى وصل بالبعض أن يحتفل بمناسبات لا تمت لديننا ولا لمعتقداتنا بأية صلة، والمدهش في الأمر أن يكون هناك تنافس في شكل الاحتفالات والتجمعات التي تقام للاحتفال بمثل هذه المناسبات الدخيلة، فعندما أعقد مقارنة صغيرة فقط عما يحدث في بلادنا وبلادهم وأرى أنه لا أحد قد يهتم لمناسباتنا وشعائرنا، بينما أرى الفارغين من العقل والدين هنا يتسابقون على الاحتفال بأعيادهم الدينية وغيرها، كاحتفالهم بالهيولين وأعياد الكريسمس المسيحية، فلا يخلو فندق أو مجمع تجاري وللأسف بعض المنازل المسلمة من أشجار الكريسمس!! ناهيك عن إقامة بعض الحفلات والفعاليات الموجهة لاجتذاب رضا الغرباء!! ليمجدونا في صحفهم وإعلامهم!! بدعوى التقدم والتحضر والتسامح مع الآخر، فكيف ندعي الاستقلال والحرية ونحن سجناء لعقلية غريبة عنا ؟! وكيف نرهن إرادتنا للغير يفعل بها ما يشاء؟! لا أرى حرية في ذلك مطلقاً!! فما الأسباب الحقيقية وراء هذا الانقياد الأعمى والتخبط العشوائي في ثقافة لا تعبر عن شخصيتنا، فبتنا لا نعلم حقيقتنا، وقد فقدنا مشاعر الاعتزاز بالتراث والروافد الأصيلة لهويتنا، نتقيد بمعتقدات دخيلة كدليل على النهضة والتطور والانفتاح، فالأصل التمسك بالهوية الإسلامية والعربية فهي ليست مجرد شعارات نقرأها في الصحف والكتب وإنما يجب أن تترجم فعلياً على أرض الواقع الذي يفتقر حقيقة إلى ذلك، خصوصاً بعد أن انصرفنا عن لغتنا ولبسنا ثوباً ليس بثوبنا، فالجميع يهتف ويبادر إلى تشجيع اللغة العربية وكأنها دخيلة علينا وليست كالدم تجري في عروقنا، فالهتافات شيء وما يحدث شيء آخر، فمعظم التعاملات أصبحت بلغة غير لغتنا، فإن كنت لا تعرف الإنجليزية فستشعر بأنك جاهل ومتأخر، إذ أصبحت اللغة الإنجليزية مقياسا لمدى تقدم الفرد في مجتمعنا، أصبحنا غرباء في وطن يعج بأطياف الجنسيات المختلفة، أتذكر منذ زمن عندما كنت أزور دولة خليجية كنت أتمنى أن أرى فيها مواطنيها وسكانها الأصليين، بعد أن أصبحوا قلة في مجتمعهم، وها أنا أرى اليوم نفس الصورة تتكرر إذ أصبح المواطنون قلة في ظل الوجود الديموغرافي الهائل والخطير للجنسيات الأخرى والذي يهدد التركيبة السكانية. ولهذا فقدنا احترامنا بعدما تنازلنا عن فرض اعتزازنا بهويتنا، واستسلمنا طواعية لكل فكرة ومعتقد وافد غريب، فما أسهل أن نساق خلف كل تافه وردئ، فأصبحنا في نظر الآخرين كفرخ البجع الذي ظن أنه فرخ بط بعد أن تاه في المزرعة وعاش مع طيور البط مقلدا ومحاكياً لحركاتهم، فلم يستطع أن يتأقلم معهم لأنه في النهاية اكتشف حقيقته وذهب إلى بني جنسه الذين ينسجم معهم، فما أشبهنا بفرخ البجع هذا حين نحاول أن نلبس ونأكل ونشرب ونتزوج ونفكر ونعمل كما يفصلون لنا بالقياسات الأجنبية، فهل يجرؤ أحد أن يكبح اندفاعاته ويمكث برهة مع نفسه فيسألها لماذا؟ التحدي أن تقبض بيد على آلة التطور والانفتاح وتقبض بالأخرى على القيم والأخلاق والموروث واللغة المكونة للهوية الإسلامية والوطنية لحمايتها من الاندثار في ظل هذا الزخم من الهويات المتعددة فوق أرض واحدة، وهذه المسؤولية يشترك بها الأفراد والأسر والمؤسسات وأصحاب المشاريع التجارية كالمطاعم والمقاهي ونحوها - لما لها من نفوذ بالغ في انتشار بعض السلوكيات والاتجاهات المستوردة وغير المألوفة - بدءاً من حرصهم على إحياء عقيدتهم وهويتهم الإسلامية والوطنية والعربية والاعتزاز بها في نفوس النشء وانتهاءً بالممارسات الفعلية التي تبرز وتدعم ذلك من خلال التوجيهات والإجراءات اللازمة للامتثال للقواعد الارتكازية للهوية الإسلامية والوطنية. [email protected]

8053

| 05 ديسمبر 2021

التعليم غاية أم تجارة؟

منذ أيام تلقينا مسجات ورسائل إلكترونية عن عزم المدرسة رفع الرسوم الدراسية للعام المقبل، وبعد متابعتي للموضوع وجدت أن المدرسة المعنية ليست الوحيدة التي تقدمت بطلب رفع الرسوم الدراسية، وأنها ليست المرة الأولى التي يطالبون فيها بزيادة الرسوم، فبين الفينة والأخرى يتم رفع الرسوم الدراسية بطريقة خيالية، فما المعايير المتبعة في منح الموافقات على هذه الزيادات لهذه المدارس؟. أرى أن المعيار الأول في ذلك هو المعلم، حيث إن كثيرا من المدارس التي تنتهج المنهج البريطاني أو الأمريكي تفتقر إلى المعلمين الذين ينتسبون لنفس دولة المنهج، الذين يفترض أنهم يعملون في هذه المدارس ويمثلونها، فتجد المدرسة مليئة بمعلمين من مختلف الجنسيات والأغلبية من جنسية آسيوية معينة، حيث يفترض أن ولي الأمر قد اختار هذه المدرسة بناء على المنهج الذي تقدمه ويتوجب عليها تعيين معلمين لهم خبرة بهذا المنهج ويتحدثون بنفس لغته، فالمعلمون الآسيويون لديهم أسلوبهم الخاص في نطق اللغة الإنجليزية مما يؤثر سلباً على طريقة اكتساب الطالب للغة الإنجليزية، فالطالب يجب أن يكتسب اللغة من متحدثيها الأصليين، وهذا ما لا نجده في معظم المدارس، فهذا المعيار من أهم معايير الزيادة، فعدم توفره في المقام الأول يقلل فرصة المدرسة في الموافقة على طلب الزيادة. كما أن بعض المدارس لا توفر البيئة المثالية للتعليم ولا تمتلك المباني الخاصة بذلك، ومن يمتلك مبنى خاصا فهو لا يستدعي طلب زيادة لأنه لا يلتزم بدفع إيجار شهري. بعض الآراء تميل إلى الرأي الذي يقول بالابتعاد عن انتساب أبنائنا لمثل هذه المدارس، وحصر المدارس الخاصة لأبناء الجاليات الأجنبية فقط، وأرى في ذلك نوعاً من الإجحاف في طلب العلم، فإذا أردنا أن نذهب مع هذا الرأي فسوف أعرض هنا بعض الجوانب التي تستحق النظر، أولها: أنه مع التطور الذي تشهده الدولة في قطاع التعليم؛ توجد الآن جامعات عريقة فتحت فروعاً لها في الدولة، وهي تأخذ في الاعتبار إذا ما كان الطالب المتقدم لها كان قد درس في مدارس تنتهج نفس المنهج أو منهجاً آخر يعتمد على اللغة الإنجليزية كلغة أولى، ثانياً: أن معظم أولياء الأمور يفضل أن يكمل ابنه تعليمه في الخارج، والفرصة أكبر للطلاب خريجي المدارس الخاصة، حيث إنهم تلقوا جميع علومهم باللغة الإنجليزية. ومن منطلق موضوعي نجد أن المدارس الحكومية لا تقدم المستوى الذي تبحث عنه هذه الجامعات لمن أراد لأبنائه استكمال دراسته في إحداها، قد تكون له فرصة في الالتحاق بها ولكن مجال الطلاب الذين درسوا وفق مناهج أجنبية أرحب، لأنهم تعودوا على طريقة تلك المناهج. أما بخصوص الدعوة إلى وقف القسائم، فأرى أنه ليس من العدل أن نجبر الجميع على المدارس الحكومية، بما أن التعليم الخاص والذي يقدم مناهج مختلفة قد أرغب بها لأبنائي متاح ومتوفر في الدولة، ولكن يجب السيطرة على جشع المدارس الخاصة التي لا تنفك عن رفع الرسوم الدراسية التي تفوق قيمة القسائم بكثير، وبما أن هناك قسائم تعليمية فيفترض أن تلتزم هذه المدارس بقيمة تلك القسائم خصوصاً لأبناء المواطنين، فأبناء الجاليات الأجنبية تُدفع رسوم مدارسهم من قبل أماكن العمل التي تحتضن ذويهم دون قسائم محددة القيمة، وإذا كانت وزارة التربية والتعليم تجيز لهذه المدارس رفع الرسوم الدراسية كل فترة، فكيف تبقي قيمة القسائم ثابتة!، وكيف لولي الأمر أن يتحمل نفقات الزيادة اللامتناهية، الوزارة في المقام الأول تدعم المواطن الذي يبحث عن فرص أفضل لتعليم أبنائه، لا أن تدعم جشع أصحاب المدارس الخاصة الذين أصبحوا يتاجرون بالتعليم، فقيمة الرسوم الدراسية في هذه المدارس أصبحت تفوق قيمة الرسوم الجامعية، فغاية توجه الدولة في رؤيتها الشاملة أن تنشئ أجيالاً متعلمة واعية متعددة ومتنوعة في تفكيرها وطرق إدراكها ومعرفتها. معيار آخر يوضع في الاعتبار وهو خبرة المدرسة وكم مضى عليها في هذا العطاء، فما يثير دهشتي بعض المدارس الحديثة العهد بقطاع التعليم، والتي انضمت مؤخراً لهذا القطاع المهم والحساس تطالب برفع رسومها الدراسية بعد مدة يسيرة من تأسيسها، ليس من المستغرب أن تأتي الزيادة كل عشر سنوات مثلاً، حيث تكون المدرسة قد قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال وعاصرت خباياه وفهمت آليته. لا نطالب بزيادة قيمة القسائم التي قد تكون سبباً في رفع قيمة الرسوم، ولكن نطالب بإعادة النظر في الرسوم المدرسية التي تفرضها المدارس الخاصة ووضع حدود وسقف لا تخرج عنه، حيث يجب أن تكون الضوابط والمعايير التي تفرضها الوزارة أكثر صرامة ودقة، وتراعي مصلحة الطلاب الذين يدرسون في تلك المدارس منذ نعومة أظفارهم، فلا يضطرون إلى أن يجدوا أنفسهم خارج أسوار مدارسهم بسبب عدم مقدرتهم على إرضاء شره الأسعار المتزايد والمستبد بمختلف نطاقات الحياة، ولم يسلم التعليم ذلك الحق الشرعي والحيوي من يد استبداده وسلطويته. [email protected]

7685

| 28 نوفمبر 2021

مسرحيات هزيلة

في بعض المجالس النسائية وأخرى في بيئة العمل التي تفتقر للعمل !!! ألحظ اهتمام البعض بالحديث عن الأخبار السياسية المحلية والإقليمية والعالمية، حيث يبدأ كل المنغمسين في هذه المجالس باقتباس دور المحلل والخبير في الشؤون السياسية والاقتصادية التي ترتبط بسابقتها ارتباطاً وثيقاً، وبعين الرقيب أتابع في سكون تغلفه الدهشة تارة والابتسام تارة أخرى، ما يدور من نقاشات تصل أحياناً لحد الجدال فتثير حفيظة الآخرين فيجدون أنفسهم في دائرة صراع محموم لا يفقهون فيه شيئاً! حين تأخذهم الحماسة في الدفاع عن اتجاهات واعتقادات وجدت في عقولهم الغضة سبيلها للتغلغل والاستيطان دون تعقل وبصيرة. ومما يزيد الطين بلة رغبتهم الحادة في محاولة إقناعك بما احتضنته عقولهم وجادت به ألسنتهم، فما من سبيل حتى يهدأ صرير عواصفهم إلا الرضوخ لها، أو الانسحاب رافعاً الراية البيضاء، معلناً أمام دفاعاتهم المستميتة خيبات الهزيمة، فتهدأ نفوسهم، ويبتسم محياهم بعد أن كابدت ملامحهم وطأة الانفعال والتعصب، وكأن ذلك الاتجاه والاعتقاد السياسي قد نصبهم محامين عن فكرته ودوافعه أو نتائجه. وما علم هؤلاء أنهم يذودون عن مشاهد مفبركة من مسرحية بائسة، كُتِبت ببراعة، وتُعرض بمكر ودهاء، لتسكن أذهانهم، وتتملك نفوسهم، ليس لهم فيها من ناقة ولا بعير، سوى أكاذيب، وتلاعب بالوعي، صُنعت باحترافية جعلت منه واقعاً مفروضاً، في تيار المعلومات والصور المغلوطة والمضللة، فتُجمل غايات خبيثة، وأنظمة مختلسة وضيعة، ومخططات وأجندات مريبة، وقوانين ظاهرها نقي وباطنها ملوث آثم، وغيرها من أهداف إعلامية زائفة، لا ينفك الإعلام المتغطرس اللئيم من تكرارها لتثبيتها كحقائق وفخ يقع فيه من يشتري الوهم، فتولد نوعاً من التوتر الداخلي المستمر وخوفاً وقلقاً من المستقبل ينعكس سلباً على حياة الإنسان التي يفترض أن يعيشها في أمن وسلام واستقرار. إن إضاعة وقتك فيما حاكه غيرك لتحاول أن تجعله ملائماً لك، ومناسباً لمقاساتك، لمحاولة فاشلة؛ إن كنت لا تحوز المهارة ولا القدرة على تغييره أو إصلاحه، فلا تجهد نفسك في معركة خاسرة ! فما دام قاربك ضعيفاً لا تبحر به في بحر متقلب مزاجه، عتي موجه مضطربة أعماقه، يخشى الجميع من بطش صفعته، وقبل أن تدخل أي معركة اعرف خصمك جيداً وقيم أسلحتك، لكي لا تنهار عندما يبلغ مسمعك قرع الطبول. إنه لمن المضحك المبكي أن تستنزف طاقة تفكيرك وتستهلك مساحات من عقلك في معطيات خادعة لا يظهر منها سوى ما أراده غيرك أن تقرأه، وتعرفه، فكيف تبني معتقدات وأفكاراً قائمة على باطل، ووهم مزوَّر ! حين يضل بك الطريق عن الحقيقة فالزم ما تعرف أنه يقين واتبعه، فحياتك التي اخترتها هي واقعك الصادق الذي يتحتم عليك الاهتمام به، فكل ما تحاول فهمه ما هو إلا مشتتات وإلهاءات عن اهتمامك بتطوير حياتك وبناء ذاتك، ومحاولات لإبعادك عن المعارف الضرورية والجوهرية في ميادين العلم مثل: الاقتصاد، العلوم، علم النفس والأعصاب، وعلوم الحاسب ونحوها من العلوم الحيوية والمهمة في ارتقاء الإنسان، والذي تتفوق من خلاله على كل محاولاتهم في النيل من عقلك وتفكيرك، الذي يعد أهم رأس مال تملكه. فالعقل المستنير والمتسلح بالعلم والفطنة هو ما يربك ويهدد أولئك الذين يحاولون تمرير أهداف حاقدة وتنفيذ خطط هادمة، وهم في ذلك يستهدفون رأس مالك، إذ إن من أهدافهم الأساسية إبقاءك مشتتاً بين القال والقيل، مرهقاً يائساً من خيوط الحيرة والشك، التي ينسجونها كل يوم بطريقة أو بأخرى في تصورك وعقلك. إن فهمك لقصة المسرحية وشخوصها يجعلك تدير ظهرك ساخراً، ولا تألُ جهدك ولا تدخر سعيك إلا في بناء نفسك، فضرر تلك المسرحيات يمتد ليطال حياتك إن لم تضع له حداً، توقف عن تقليب المحطات التي تبث تلك المسرحيات الهزيلة، وانتقِ ما ترى وتسمع بعناية، وابدأ بإدارة رأس مالك بالحقائق الثابتة والملموسة، وبالطرق التي ترتئيها لنفسك دون أن تسمح ليد التضليل والتشويه أن تخترق خزائن عقلك. [email protected]

7348

| 21 نوفمبر 2021

بقـع الظــلام

في عام 1996 دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الأعضاء إلى الاحتفال باليوم العالمي للتسامح في 16 من نوفمبر، وذلك لإرساء مفهوم ومبادئ التسامح، ومن هذه المبادئ قبول الآخر والاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب، ونبذ روح التفرقة والتعصب والكراهية وتقدير الاختلاف والصفات الإنسانية بين بني البشر جميعاً، وذلك عبر الانفتاح والتواصل وحرية الفكر والمعتقد. ولا أعتقد أننا كمجتمع إسلامي بحاجة إلى مثل هذه المناسبات والاحتفالات لكي نتعلم قيمة أصيلة في ديننا وخلقاً راسخاً من أخلاق نبينا الذي كان خلقه القرآن، إذ يتحتم أن يكون التسامح قيمة أصيلة تنشأ عليها الأجيال المسلمة، ولكن ما يحدث في واقع حياتنا - التي لم تعد حياتنا وإنما حياة مستوردة، لا تلائمنا، ولم تفصل من أجلنا، فنحن بارعون في اختيار ما لا يناسبنا وانتهاجه – يفرض علينا أن نشارك في مثل هذه المناسبات بما أننا ارتضينا أن نتنازل عن القيادة وصناعة القادة، واخترنا أن نعيش دور التابعين الخاضعين، فأصبحنا أكثر احتياجاً للشعور بمشاعر التسامح التي قد تدخل في مرحلة سبات عميق في معظم أيام السنة ونحتاج إلى من يوقظها ويذكرنا بها كل عام. وقبل أن تكون الدعوة إلى التسامح باتجاه الآخر، فإن الدعوة إلى التسامح الداخلي هي الأهم، فالتسامح لا ينطلق نحو الآخر ما دام الداخل مشوشاً وغير مستقر، حيث يتوجب على الإنسان أن يتصالح مع نفسه أولاً، وينظف مشاعره أولاً بأول، فلا يترك مجالاً للمشاعر السلبية أن تتراكم وتنهض كالمارد العملاق في أعماقه، فالتراكمات السلبية تعوق النفس البشرية من ممارسة حياتها بسعادة واطمئنان، ففائدة التسامح والسلام الداخلي تنعكس على حياة الإنسان وعطائه، قبل أن تمتد آثارها إلى غيره. فكيف يمكن أن يتعايش الإنسان بصفاء وود وفي أعماقه بقع السواد التي تملأ نفسه بمشاعر الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام من أي شخص قد تسبب له بالأذى في يوم من الأيام، أو بسبب اعتقاد سيئ عن شخص ما، آمن به فتلقفته أمواج الشك والحيرة في ظلماتٍ بعضها فوق بعض تتلاطم في بحر لجي!، وكم من بقع سوداء غائرة، بعيد قعرها طويل مداها نحاول أن نداريها بثوب النقاء والطهر تثقل عاتقنا وتنهش أرواحنا!. فكم من قلوب تنافرت، وكم من العلاقات تهاوت وتهشمت، وكم من الأسر تفككت وتنابذت، وتقاطع الأخوة والأصحاب بسبب كلمة أو تصرف دون قصد، أو خطأ اقترفه الإنسان في لحظات ضعف، أو حالة تهور واندفاع، فلم يحكم عقله ولم يقاوم شيطان نفسه، فهو يستحق التعاطف قبل أن يستحق العقاب، فهذه طبيعة الإنسان، فإقرارنا بالطبيعة الإنسانية التي فطرنا عليها هو بداية العلاج فكل ابن آدم خطّاء وعرضة للزلل، فلماذا لا نكون ربانيين ونتحلى بصفات الرحمن الرحيم، العفو الغفور الرؤوف؟. وفي الجانب الآخر هناك من يمضي في هذه الدنيا مؤنباً نفسه وموبخاً لها، يقسو عليها قسوة تصهر نفسه وتذيبها ألماً وشقاء، فيحملها ما لا تستطيع، من أدنى خطيئة أو تقصير بدر منه، وكأنه خُلق كاملاً لا يسهو ولا يذنب يقول الله تعالى في الذكر الحكيم "وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ" وهنا فسر العلماء العفو بأنه مقدار ما ينفقون من المال، ولكن ماذا لو وضعناها في تصور آخر، بأن على الإنسان أن ينفق العفو والتسامح والصفح عن نفسه وعن الآخرين، فيقبل ويدبر بقلب صافٍ نقي كصفاء اللبن الأبيض، فلا يحمل في نفسه ذرة بغض أو ضغينة، هيناً ليناً تكاد الأرض لا تشعر بوقع خطواته، فهو كالعبير الندي إذا أقبل وكالفراشة الرقيقة إذا أدبر. فلينظر كل منا إلى دائرته، وليمح بقع الظلام التي تملأ خلجاته، فيتصالح مع نفسه، ويمد يد العفو إلى من أساء في حقه، لتزهر أوراق الخريف بداخله، وتعود عصافير الحب المهاجرة لتسكن ثنايا روحه. [email protected]

5620

| 14 نوفمبر 2021

(نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)

يقوم معهد الإدارة العامة بجهود حثيثة في تدريب وتأهيل الكوادر القطرية، وانطلاقاً من تجربتي المتواضعة في سلك التدريب في المعهد فإن المعهد يقدم برامج تطوير إدارية ممتازة ومعدة جيداً لتتناسب مع المسار الوظيفي للموظف، وتحتاج إلى بيئة عمل طبيعية وصحية حتى نجني قطافها، ولكن ماذا لو كان مناخ العمل غير مستقر أو ربما كان جليدياً متجمداً فيعيق الحركة ويعطل السير؟ فما انعكاسات التدريب في وسط مثل ذلك؟ وكيف يتم قياس أثر التدريب على الموظف؟ ومن يهتم بأن يفعل ذلك؟ وهل تتم مناقشة الموظف فيما اكتسب من مهارات إدارية تعينه على رفع كفاءته في العمل؟ وكيف وأين يتم تطبيق تلك المهارات؟ ومدى نجاعتها في بيئة العمل؟ كيف يستطيع أن يطبق الموظف ما تلقاه من تدريب في بيئة عمل ضعيفة وغير فاعلة؟! رغم كل ما تعالجه تلك البرامج إلا أن جراح بيئة العمل ما زالت عميقة وما زالت آثار نزفها تعيق حياة الموظف وتؤثر على أدائه وعلى نفسيته وحياته بأكملها وما انفكت تلك المشاهد المستنزفة للطاقة فسيولوجياً تجثم بقبضتها القوية على أنفاس الموظفين الضعفاء ممن لا حول لهم ولا قوة، راقب معي عزيزي القارئ هذه المشاهد في إدارة من الإدارات: المشهد الأول: موظف ليس معه سوى مؤهل ثانوي مقارنة بزملائه أصحاب الشهادات العالية ودرجته الوظيفية وخبرته أقل بكثير من أقرانه يعين رئيساً عليهم؟ المشهد الثاني: موظف متسلق لا يملك من الكفاءة ولا من الخبرة ولا أدنى المهارات العملية يعين مدير إدارة لعلاقته المتميزة مع أصحاب القرار. المشهد الثالث: موظفة لديها نفس المواصفات السابقة إلا أنها تمتاز بعلاقتها فوق الممتازة مع المدير، هي المحرك والمدير الفعلي للإدارة، تستحوذ على كل الامتيازات المادية والمعنوية، وتحظى بما لا يحظى به الآخرون، واللاممكن يُمكن لأجل "عيونها". المشهد الرابع: موظف أجنبي يشغل مكاناً في العمل يستحقه موظف آخر مواطن إلا أن المدير لا يستطيع الاستغناء عنه معتقداً أنه لا يمكن للموظف المواطن أن يحل مكانه ويؤدي أعماله فيتمسك به رغم قرار إقالته. المشهد الخامس: موظف نشيط مبدع يقدس العمل، صاحب خبرة وكفاءة وشخصية قيادية يبعد عن العمل لسبب أو لآخر مهابة وخوفاً من تفوقه. المشهد السادس: موظفون يفترض أنهم يحضرون يومياً للعمل ويلتزمون بمواعيد الحضور والانصراف إلا أن الواقع يجبرهم على التجمع في مكتب أحدهم لتبادل الأحاديث تناول الشاي والقهوة والفطور إن وجد موظفون بدرجة عاطل بامتياز. المشهد السابع: رؤساء أقسام يعينون لأقسام غير واضحة المعالم من الناحية التنظيمية والإدارية. المشهد الثامن: مدير مكتب برتبة رئيس ولا يخفى عليكم الباقي. المشهد التاسع: مكافآت تشجيعية قد تعرف طريقها لجميع هؤلاء ما عدا ذلك الموظف المبدع المعطاء !!! المشهد العاشر: إدارة تم تهميشها وتعطيلها وسحب مهامها واستخدامها مستودعاً لكل موظف فائض عن الحاجة أو غير مرغوب فيه. أصدقك القول عزيزي القارئ إن أناملي تعجز عن ترجمة مشاعر الحزن والأسى لمثل هذا الفساد الإداري الذي تتفطر له القلوب المخلصة، المراعية لحقوق الله وحقوق الوطن، فأترك لكم التعليق بما شئتم. فإذا كان هذا الحال، وهذا هو واقع بيئة العمل فكيف لنا أن نقيس ونتابع نتائج التدريب؟ وكيف سيحدث التقدم ويتحقق التطوير والتنمية؟ فإلى متى تعيش مثل هذه البيئات وتزدهر؟! وعظيم غايتها القبض آخر كل شهر، وضمان الترقية، ورقي المناصب !! وهنا أتذكر قول الله تعالى: "وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ"، وفي هذه الآية أنكر الكفار أن يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم، فما يهلكهم إلا صروف الأيام وخطوب الليالي وطول العمر!! وما أقرب هاتي بتلك هكذا يرى بعض المسؤولين أنهم مخلدون يأمرون وينهون، يظلمون ويبطشون دون حسيب ورقيب !! تماماً كحال أصحابنا الآنف ذكرهم !! يظل التساؤل قائماً ما مدى نجاعة التدريب الذي يكبد الوزارة ميزانية هائلة في واقع أشبه بالمياه الراكدة التي تتكاثر فيها الطحالب والبكتيريا والطفيليات السامة ويرقات البعوض الناقلة للأمراض الخطيرة كالملاريا ونحوها ؟! فتفتك بسمها كل من يدور في فلكها بلا ذنب !! فنحن بحاجة إلى عمليات غربلة وتنظيف شاملة ودقيقة للقضاء على شرور هذه المستنقعات، نحتاج إلى آلية منصفة تخلص الأمناء الشرفاء والمحترمين من عقارب المياه وضفادعها ! فكيف يمكن أن ينصَف شخص متفانٍ ويتمكن من الحصول على حقوقه وترقياته في مثل هذه الأجواء الملوثة، وكيف يمكن أن يعطي ويتفانى في عمله ومشاعره تحتضر كل يوم أمام هذه المشاهد المؤلمة المتكررة؟!! وما ذنبه إذا ساقته رياح التوظيف إلى مثل هذه البؤر الموبوءة؟!! ولِمَ يُترك فريسة للظلم والمعاناة؟ فيوماً ما سيفقد كل مهاراته العملية وسينسى كل ما تعلمه خلال مسيرته العلمية - والتي كان للدولة مساهمتها العظيمة في الإنفاق على تعليمه - وسيغمره الركود فتنطفئ حيويته ويخيب رجاؤه وتهلك روحه وتنثني عزيمته. صرخة استغاثة مدوية مؤلمة أطلقها نيابة عن كل موظف اعتنق الصمت وكبت الغصة والألم من شظايا القهر والحسرة وأدعو الله الواسع المجيب أن يخلصنا من هذا الفساد الذي طغى وتجبر وهو ليس بعظيم على الله. [email protected]

5102

| 07 نوفمبر 2021

فلترة العقول

تشكل المعتقدات والتصورات التي يعتنقها الفرد ويؤمن بها جوهر حياته والمُسير الأول لها، فتخضع لقانون أفكاره وتصوراته، وبما أن الأفكار تتباين من مرحلة إلى أخرى لذا تجد أن سلوك الإنسان متغيراً أيضا وفق ما يؤمن به من أفكار ومعتقدات متجددة ومتحولة. ولكن ما يستدعي التوقف والنظر هو السؤال الذي يستوجب الإمعان والتفكر وهو: هل يتحقق الفرد من المعتقدات والأفكار التي يؤمن بها تجاه أي موضوع وأي مسألة في عالمه؟ هل هي معتقدات صحيحة أم خاطئة؟ إيجابية أم سلبية؟ عميقة أم سطحية؟ مرنة أم جامدة؟ هل راجعت نفسك يوماً في معتقد قد آمنت به وبنيت عليها قرارات وأحكاما؟! هل أعدت قراءته وصياغته بشكل مختلف؟ هل تساءلت إن كانت معظم المشكلات التي مررت بها كان لها علاقة بهذا المعتقد بشكل أو بآخر؟! معظمنا يتلقى بعض المعتقدات والأفكار كأمر بديهي مسلم به، غير أن كل معتقد ليس من الثوابت فهو قابل للتغيير والانتقاد والتطوير. وبما أن كل شيء حولنا ولد من رحم الفكرة فإن سلوكياتنا هي نتاج أفكارنا وأفكارنا هي (الدينامو) والمحرك لهذه السلوكيات تجاه أي شخص أو موضوع أو موقف يمر بنا في يومنا، وإذا تأملت عزيزي القارئ فإنك الوحيد القادر لأن تجعل نفسك وعالمك سعيداً هانئاً مطمئناً وذلك عندما تمارس التيقظ والانتباه لأفكارك التي تعكس مشاعرك وبالتالي تؤثر في سلوكك!! إن السعادة على سبيل المثال شعور يتوصل إليه الإنسان من خلال أفكاره وتغيير الأطر في نظرته للأمور والأشخاص من حوله، فإذا كنت لا تستلطف شخصاً ما لسبب ما فابحث عن أي حسنة جميلة فيه وإن كانت متناهية الصغر، وعظمها في نفسك، وانظر إليه من خلال هذا الفلتر الجديد! ولا يقتصر الحديث عن السعادة حصراً، فجميع المعتقدات والآراء قابلة للفلترة والتحويل. إذاً الحقيقة السعيدة هنا إنك تستطيع أن تبدل عالمك بقليل من الوعي والانتباه لطريقة تفكيرك!! فأنت وحدك تقرر إذا ما كان عملك رائعا وزوجتك جميلة وأطفالك مدهشين وإذا ما كان يومك بإذن الله سيمضي سعيداً !!! فكل ذلك معتقد تنسجه في عقلك عنهم فإذا آمنت بانهم كذلك كانوا بالفعل كذلك في نظرك. فإذا كان مفتاح السر بين يديك؛ فلماذا تنشد السعادة مثلاً في ماديات وكماليات وتلهث خلف الثروات والوفرة حاضره في هذا الكون وهي بين يدي الرزاق الكريم؟ إن بعض السلوكيات التي تلهث في سباق خلف تصورات بائسة عن السعادة تعزز من وضع سائد يعمق نخبوية السعادة في المجتمع، بيد أن قليلاً من الوعي والتبصر وإرجاع التفكير وإعماله قد ينقلك إلى نقطة أخرى بعيدة ربما تضيء ظلمة داخلك. وقد ينتقد البعض هذا التصور الذي يبرئ الواقع الاجتماعي وأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية من انعكاساته السلبية على الفرد، ولكني قد اختلف مع هذا الاعتراض وربما تحدثت عنه في موضع آخر ومما لا شك فيه أن الحياة العصرية بمظاهرها المتنوعة باتت تشكل عبئاً على نفس الإنسان وترهق كاهله بمنغصاتها المتعددة بداية من هاتفه المحمول الذي أصبح مصدر التشويش الأول لنقاء الإنسان وصفاء جوه وانتهاءً بتلك المباني العالية الحديثة التي تحجب نور الشمس وتشعر الإنسان بمدى ضآلته أمام ضخامتها المبهرة، ومن هنا باتت الحاجة ملحة لأن نبحث عن الهدوء والسلام والتمهل وكبح جماح وتيرة الحياة السريعة لنعود لأنفسنا التي تاهت في خضم المشتتات التي تمتلئ بها أيامنا. فلا تجعل واقعك رهينة بشكل مطلق لواقع حياة فرضته علينا عقليات ورؤى دخيلة بغض الطرف عن انتماءاتها وأهدافها. وربما ممارسة الحوار المنطقي مع النفس والاختلاء بها بين الفينة والأخرى خلال اليوم قد يساعد في ذلك، ويتيح فرصة للعقل في أن يعري المفاهيم والاعتقادات ويجد مساحات جديدة للتفكير تمكنه من الوصول إلى الحكمة التي هي ضالة المؤمن، فينتقل من التسليم إلى الاستنتاج، ولعل ذلك يغري العقل لمزيد من الاستنتاجات التي تضفي نوعاً من السكينة إلى النفس حين يصل بحكمته إلى ما يرضي ذاته ويدخل الطمأنينة إليها، فإذا ارتفع ستار التعصب والتعقيد والاستنصار للرؤى؛ أصبحت العقلية أكثر مرونة وتقبلاً وانفتاحاً، وبالتالي تبدأ آثار السكينة والاتزان بالتمظهر على حياة الفرد ويبرز دورها الفعال في علاقاته وعمله. [email protected]

6063

| 02 نوفمبر 2021

إذا كان حبيبك عسل 2

بعد المقال السابق والذي تحدثت فيه عن مشاريع الطرق في هيئة أشغال، أواصل رسالتي لهيئة أشغال العامة بعد ما وردني العديد من التعقيبات حول الموضوع عينه، وبادرت بالبحث وربط الخيوط التي تؤدي لمثل هذا الامتعاض العام حول أداء مشاريع صيانة الطرق، فتبين لي أن معظم الأسباب تقودنا إلى سوء التخطيط!. فبينما تقوم هيئة أشغال بجهودها المبعثرة في صيانة الطرق لأسباب متعددة، فتارة للصيانة وأخرى للتجميل وتارة أخرى لأعمال الصرف الصحي وهكذا تمتد بنا الأسباب والنتيجة أن تبقى الشوارع مفتوحة للصيانة بتاريخ مفتوح لا نعلم منتهاه!. وقد اقترحت في المقال السابق آلية راقية وحضارية لتبليغ المواطنين بمشاريع الصيانة للطرق مع توضيح أسبابها والطرق البديلة ومواعيد الانتهاء من العمل بها مع الاعتذار والشكر اللطيف، والتواصل مع المواطن في حال التأخير إبداء الأسباب وهذا تتعهده الشركات المنفذة. وأتساءل هنا إذا ما كانت شركات التنفيذ تلتزم بتواريخ التسليم المرحلية لكل مشروع؟ أم أن الحبل ترك لها على الغارب في تحديد مدة انجاز المشاريع المرحلية المتفرقة؟! فهل الخلل يكمن في ضعف الرقابة والمحاسبية؟ أم أن الشركات أمنت العقاب فتمادت؟! او أن العقوبات لا تتساوى وضخامة العمل المكلفة به؟ فقل الحرص والاهتمام على حساب الوقت!. إن ضخامة المشاريع تستلزم العمل وفق خطط مرحلية وزمنية واضحة، تستوجب تغليظ العقوبات الرادعة والفورية ضد الشركات المنفذة في حال تأخير العمل لأي سبب من الأسباب فبراعة الشركات تتمظهر في قدرتها في العمل بكفاءة وفاعلية، وذلك من خلال التزامها ببنود العقود المبرمة معها ولا تكاد تخلو هذه العقود من غرامات التأخير التي يتوجب تفعيلها بشكل أفضل حتى لا تتمادى الشركات في تخطيها لمواعيد التسليم المتفق عليها. وعندما قمت بالبحث في موقع أشغال عن المشاريع قيد الإنشاء وجدت تواريخ الانتهاء من المشاريع غير محددة وكل ما ذكر في الموقع هو مدة زمنية مبهمة، فعلى سبيل المثال يشير الموقع إلى أن تاريخ الانتهاء المتوقع لمشروع ما هو الربع الثالث من 2022 مثلاً وهذا التوجه المفتوح في تحديد تاريخ التسليم في حد ذاته؛ يترك المجال مفتوحاً لمزيداً من التعطيل!. وصدقاً لا نعلم الشروط التي يتم على أساسها اختيار الشركات الأكفأ أم أن المحسوبية كانت حاضرة أيضاً؟! نتطلع لدور الأعضاء في مجلس الشورى لفتح ملف هذه المشاريع في جلساتهم القادمة كملف عاجل وضروري وملاحقة اجراءاته وآلياته منذ البداية. ناهيك عن التنظيم العشوائي في آلية العمل في هذه المشاريع، ما يدعو للشعور بأن آخر ما تفكر به هيئة أشغال هو راحة مستخدمي الطرق الذين يعانون الأمرين للوصول إلى وجهاتهم وتحديداً أماكن العمل التي لا تتساهل أبداً في مواعيد الحضور والانصراف وتلك معضلة إدارية أخرى. فبينما تدعو الحاجة إلى العمل بشكل جزئي في الشارع وعدم اقفاله بشكل تام أمام الجمهور، نلاحظ وجود شوارع حيوية ومهمة مقفلة بدواعي الصيانة وقد تركت مفتوحة لمدة طويلة دون الانتهاء منها مما يشكل عبئاً آخر على حركة المرور وتعطيلاً لمصالح الناس والتجار. فلماذا لا يتم تجزئة العمل في الشارع الواحد فما أن يتم الانتهاء من جزء فقط من الشارع يبدأ العمل في جزء آخر وهكذا لضمان حركة مرورية أكثر سلاسة ويسراً. ما زلنا نمد يد الصبر والدعم لمجهودات أشغال لعلمنا بأهميتها في تقديم خدمات أفضل وبناء واجهة جميلة تليق باسم الوطن الغالي الذي يشرف على استقبال أهم الأحداث الرياضية العالمية ولكني أيضاً ما زلت أذكرها بالمثل الرائج "إذا كان حبيبك عسل لا تلحسيه كله يا أشغال". [email protected]

4642

| 07 أكتوبر 2021

إذا كان حبيبك عسل

تواصل هيئة الأشغال العامة جهودها الحثيثة في بناء وصيانة معظم الطرق الرئيسية والفرعية، ومشاريعها المختلفة في تجميل وتطوير الطرق العامة والداخلية والحدائق، ويأتي ذلك ضمن الخطة العامة للطريق نحو كأس العالم 2022. ورغم تقديرنا لهذه الجهود إلا أن كثيرا منها قد يفتقد إلى الكفاءة والفاعلية والتنظيم وهو ما قد يؤثر وبشكل سلبي على سير الحياة في الدوحة الجميلة، ويعيق مسارات المركبات بشكل لافت مما يؤدي الازدحام المروري في معظم الأحيان، ويشكل نوعاً من التوتر والامتعاض على مستخدمي الطرق، حين يجدون أنفسهم محاطين بشوارع مغلقة وطرق مسدودة وبالتالي يتحتم عليه تغيير مساراتهم، مما يترتب عليه التأخير في الوصول إلى مقار أعمالهم ووجهاتهم. وتأخذني الذاكرة إلى ذاك البلد الأوروبي الذي زرته خلال إجازة صيفية، وكنت يوماً أهم بالدخول إلى مكان إقامتي، فوجدت ورقة قد انزلقت من تحت الباب، كانت الورقة عبارة عن إخطار لسكان الشارع بأنه في اليوم الفلاني سوف تكون هناك إصلاحات في الشارع، وقد تم شرح أسباب تلك الأشغال وتحديد الوقت والفترة الزمنية التي ستستغرقها أعمال الصيانة بالشارع، والطرق البديلة التي يمكن استخدامها، مع اعتذار وشكر جميل. وقد أعجبت بالفعل بالطريقة الحضارية في مدى الاهتمام بالإنسان وتقدير التأثير السلبي الذي قد يطرأ على حياته ومشاعره جراء هذه الأعمال، ومراعاة إطلاع السكان على ما قد يحدث في الشارع الذي يقطنون فيه، وتمنيت لو تطبق هذه الطريقة في بلادنا وعدم الاكتفاء بالإعلان عنها في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لا ضمان بأن تصل الرسالة لجميع السكان، وكذلك أماكن العمل التي قد تتعرض الشوارع المؤدية إليها إلى الإغلاق فيلزم التنويه على جميع العاملين بها من قبل جهات عملهم. ومن الضروري إخطار المواطنين بالمدة الزمنية والوقت الذي سيتم فيه العمل بالإصلاحات والالتزام بهما، وشرح الأسباب التي من أجلها ينبغي العمل بها، وهذا بعيد عن ما نراه في شوارعنا التي تخضع للصيانة، حيث استغرب وجود كثير من الشوارع قد علق العمل بها وتشكل عائقاً أمام مستخدمي الطريق ! فمتى سيتم الانتهاء منها؟ أم إن المدة والزمن مفتوحان أمام هيئة أشغال؟! يقول المثل: "إذا كان حبيبك عسل لا تلحسينه كله يا أشغال!! نحن نتعاون في هذا البلد لأجل الصالح العام، ولكن من الصالح العام أيضاً أن لا يشعر المواطنون بالكآبة والضيق كلما قرروا الخروج لقضاء مصالحهم، فارتباط هذه الإصلاحات بفترة زمنية ووقت معلوم وواضح للجميع يقلل من الشعور بالاستياء ويعطي فسحة الأمل في الانتهاء السريع منها. [email protected]

5262

| 23 سبتمبر 2021

alsharq
العدالة التحفيزية لقانون الموارد البشرية

حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...

8850

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
من فاز؟ ومن انتصر؟

انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...

5256

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
مؤتمر صحفي.. بلا صحافة ومسرح بلا جمهور!

المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...

4992

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
مكافأة السنوات الزائدة.. مطلب للإنصاف

منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر...

2559

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
تعديلات قانون الموارد البشرية.. الأسرة المحور الرئيسي

في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...

2469

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
دور قطر التاريخى فى إنهاء حرب غزة

مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...

1773

| 10 أكتوبر 2025

1722

| 08 أكتوبر 2025

alsharq
بكم نكون.. ولا نكون إلا بكم

لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...

1716

| 08 أكتوبر 2025

alsharq
قادة العالم يثمّنون جهود «أمير السلام»

قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....

1377

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
العدالة المناخية بين الثورة الصناعية والثورة الرقمية

في السنوات الأخيرة، تصاعدت التحذيرات الدولية بشأن المخاطر...

1104

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
هل تعرف حقاً من يصنع سمعة شركتك؟ الجواب قد يفاجئك

حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...

963

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
فلنكافئ طلاب الشهادة الثانوية

سنغافورة بلد آسيوي وضع له تعليماً خاصاً يليق...

951

| 09 أكتوبر 2025

أخبار محلية