رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
منذ أيام تلقينا مسجات ورسائل إلكترونية عن عزم المدرسة رفع الرسوم الدراسية للعام المقبل، وبعد متابعتي للموضوع وجدت أن المدرسة المعنية ليست الوحيدة التي تقدمت بطلب رفع الرسوم الدراسية، وأنها ليست المرة الأولى التي يطالبون فيها بزيادة الرسوم، فبين الفينة والأخرى يتم رفع الرسوم الدراسية بطريقة خيالية، فما المعايير المتبعة في منح الموافقات على هذه الزيادات لهذه المدارس؟.
أرى أن المعيار الأول في ذلك هو المعلم، حيث إن كثيرا من المدارس التي تنتهج المنهج البريطاني أو الأمريكي تفتقر إلى المعلمين الذين ينتسبون لنفس دولة المنهج، الذين يفترض أنهم يعملون في هذه المدارس ويمثلونها، فتجد المدرسة مليئة بمعلمين من مختلف الجنسيات والأغلبية من جنسية آسيوية معينة، حيث يفترض أن ولي الأمر قد اختار هذه المدرسة بناء على المنهج الذي تقدمه ويتوجب عليها تعيين معلمين لهم خبرة بهذا المنهج ويتحدثون بنفس لغته، فالمعلمون الآسيويون لديهم أسلوبهم الخاص في نطق اللغة الإنجليزية مما يؤثر سلباً على طريقة اكتساب الطالب للغة الإنجليزية، فالطالب يجب أن يكتسب اللغة من متحدثيها الأصليين، وهذا ما لا نجده في معظم المدارس، فهذا المعيار من أهم معايير الزيادة، فعدم توفره في المقام الأول يقلل فرصة المدرسة في الموافقة على طلب الزيادة.
كما أن بعض المدارس لا توفر البيئة المثالية للتعليم ولا تمتلك المباني الخاصة بذلك، ومن يمتلك مبنى خاصا فهو لا يستدعي طلب زيادة لأنه لا يلتزم بدفع إيجار شهري.
بعض الآراء تميل إلى الرأي الذي يقول بالابتعاد عن انتساب أبنائنا لمثل هذه المدارس، وحصر المدارس الخاصة لأبناء الجاليات الأجنبية فقط، وأرى في ذلك نوعاً من الإجحاف في طلب العلم، فإذا أردنا أن نذهب مع هذا الرأي فسوف أعرض هنا بعض الجوانب التي تستحق النظر، أولها: أنه مع التطور الذي تشهده الدولة في قطاع التعليم؛ توجد الآن جامعات عريقة فتحت فروعاً لها في الدولة، وهي تأخذ في الاعتبار إذا ما كان الطالب المتقدم لها كان قد درس في مدارس تنتهج نفس المنهج أو منهجاً آخر يعتمد على اللغة الإنجليزية كلغة أولى، ثانياً: أن معظم أولياء الأمور يفضل أن يكمل ابنه تعليمه في الخارج، والفرصة أكبر للطلاب خريجي المدارس الخاصة، حيث إنهم تلقوا جميع علومهم باللغة الإنجليزية.
ومن منطلق موضوعي نجد أن المدارس الحكومية لا تقدم المستوى الذي تبحث عنه هذه الجامعات لمن أراد لأبنائه استكمال دراسته في إحداها، قد تكون له فرصة في الالتحاق بها ولكن مجال الطلاب الذين درسوا وفق مناهج أجنبية أرحب، لأنهم تعودوا على طريقة تلك المناهج.
أما بخصوص الدعوة إلى وقف القسائم، فأرى أنه ليس من العدل أن نجبر الجميع على المدارس الحكومية، بما أن التعليم الخاص والذي يقدم مناهج مختلفة قد أرغب بها لأبنائي متاح ومتوفر في الدولة، ولكن يجب السيطرة على جشع المدارس الخاصة التي لا تنفك عن رفع الرسوم الدراسية التي تفوق قيمة القسائم بكثير، وبما أن هناك قسائم تعليمية فيفترض أن تلتزم هذه المدارس بقيمة تلك القسائم خصوصاً لأبناء المواطنين، فأبناء الجاليات الأجنبية تُدفع رسوم مدارسهم من قبل أماكن العمل التي تحتضن ذويهم دون قسائم محددة القيمة، وإذا كانت وزارة التربية والتعليم تجيز لهذه المدارس رفع الرسوم الدراسية كل فترة، فكيف تبقي قيمة القسائم ثابتة!، وكيف لولي الأمر أن يتحمل نفقات الزيادة اللامتناهية، الوزارة في المقام الأول تدعم المواطن الذي يبحث عن فرص أفضل لتعليم أبنائه، لا أن تدعم جشع أصحاب المدارس الخاصة الذين أصبحوا يتاجرون بالتعليم، فقيمة الرسوم الدراسية في هذه المدارس أصبحت تفوق قيمة الرسوم الجامعية، فغاية توجه الدولة في رؤيتها الشاملة أن تنشئ أجيالاً متعلمة واعية متعددة ومتنوعة في تفكيرها وطرق إدراكها ومعرفتها.
معيار آخر يوضع في الاعتبار وهو خبرة المدرسة وكم مضى عليها في هذا العطاء، فما يثير دهشتي بعض المدارس الحديثة العهد بقطاع التعليم، والتي انضمت مؤخراً لهذا القطاع المهم والحساس تطالب برفع رسومها الدراسية بعد مدة يسيرة من تأسيسها، ليس من المستغرب أن تأتي الزيادة كل عشر سنوات مثلاً، حيث تكون المدرسة قد قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال وعاصرت خباياه وفهمت آليته.
لا نطالب بزيادة قيمة القسائم التي قد تكون سبباً في رفع قيمة الرسوم، ولكن نطالب بإعادة النظر في الرسوم المدرسية التي تفرضها المدارس الخاصة ووضع حدود وسقف لا تخرج عنه، حيث يجب أن تكون الضوابط والمعايير التي تفرضها الوزارة أكثر صرامة ودقة، وتراعي مصلحة الطلاب الذين يدرسون في تلك المدارس منذ نعومة أظفارهم، فلا يضطرون إلى أن يجدوا أنفسهم خارج أسوار مدارسهم بسبب عدم مقدرتهم على إرضاء شره الأسعار المتزايد والمستبد بمختلف نطاقات الحياة، ولم يسلم التعليم ذلك الحق الشرعي والحيوي من يد استبداده وسلطويته.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8859
| 09 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5607
| 14 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
5199
| 13 أكتوبر 2025