رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

لندن وطهران.. تنمّر في عرض البحر

في حمأة التوتر الحاد الذي يعصف بمنطقة الخليج الحساسة، تظهر الأهمية الاستراتيجية للقوات البحرية ودورها المفصلي في ترجيح موازين القوة وحسم المعارك الدولية لصالح طرف دون الآخر. الأسبوع الماضي شهد تنمّرا بريطانيا على إيران في عرض البحر؛ حيث قامت سلطات جبل طارق التي تتبع للتاج البريطاني، باحتجاز ناقلة نفط إيرانية كانت في طريقها إلى سوريا بحجة خرق العقوبات المفروضة من جانب الاتحاد الأوروبي على سوريا. إيران بدورها أرادت أن ترد الصاع بصاع فقامت زوارق حربية إيرانية بمحاولة اعتراض ناقلة النفط البريطانية "بريتيش هيريتيدج" بيد أن المحاولة الإيرانية وئدت في مهدها بفضل الذراع الطويلة للبحرية البريطانية حيث ابتعدت الزوارق الإيرانية بعد تلقي تحذيرات شفهية من سفينة حربية كانت مرافقة لناقلة النفط البريطانية. خـلال الحـرب العالميـة الثانيـة (1939 -1945) قال الإدميرال بورتردام رامزي القائد العام للقوات البحرية البريطانية: "لقد أستطعنا بإنتصارنا بمعارك الأطلسي أن نمهد للجنرال مونتغمري الطريق لكي يحارب وينتصر في معركته البرية في العلمين وبالفعل انتصر مونتغمري في هذه المعركة الحاسمة وخرج الجيش الألماني من شمال أفريقيا وحينها بدأت فعليا نهاية ألمانيا الهتلرية. الإدميرال رامزي لم يكن يتنبأ وإنما كان يستند إلى حقيقة أن من يسيطر على البحر ينتصر في البر. ولا ينحصر المفهوم الشامل للقوة البحرية في وجود أسطول بحري يجوب البحار، ولكنها تعني أكثر من ذلك بكثير إذ تستند إلى توفر أموال طائلة وخبرة عميقة في مجال التقنية والعلوم البحرية، وتتكون من عناصر رئيسية مهمة مثل الموانئ البحرية والأسطول التجاري والثروة الاقتصادية البحرية والقوات البحرية. وتعبر القوات البحرية الركن الركين والأداة التي عن طريقها تفرض أي دولة سيطرتها على البحر وهـي تمثل كذلك عنصرا الحماية للعناصر الأخرى. ومن الناحية العسكرية فالقوات البحرية تعتبر السلاح الوحيد الذي يستطيع أن يتحول من حالة السلم إلى حالة الحرب في ساعات معدودة، فالقطع البحرية تجوب البحار باستمرار ومجهزة دائماً بأسلحتها ووقودها ومعداتها حتى في حالة السلم ولذلك تعتبر القوات البحرية هي الأكثر استعدادا لأي ظرف طارئ وهذه الميزة تعطي للقوات البحرية الأولوية في استخدامها في كافة الحالات. واليوم تسيطر المساحات البحرية المشتركة على أكثر من 90% من التجارة العالمية ويتضمن ذلك 60% من الصادرات النفطية في العالم. وتجوب في هذه المساحات نحو 50000 سفينة تجارية رئيسية من مختلف الأنواع والأحجام، وذلك تطلب وجود أساطيل ضخمة لحماية التجارة العالمية. صحيح أن حرية الإبحار مبدأ يفترض أن تلتزم به جميع الدول، بغض النظر عن الحجم أو الموقع الجغرافي أو النظام السياسي أو الثروة الاقتصادية أو القدرة العسكرية. لكن واقع الحال ليس كذلك كما تجسد في واقعة احتجاز ناقلة النفط الإيرانية بمسوغات سياسية تقفز فوق حرية التجارة العالمية لا سيما عبر البحار، الأمر الذي يؤكد ضرورة العناية القصوى ببناء قوة بحرية ضاربة للدولة العصرية. التاريخ يؤكد أن الدولة الإسلامية في أوج عظمتها كانت تسود البحار؛ ففي التاريخ القريب أسد العمانيون على سبيل المثال للإسلام وحضارته أجل الخدمات في مجال التجارة العالمية بفضل تفوقهم وخبرتهم في الصناعة البحرية. فعندما نقل العباسيون عاصمة الخلافة الإسلامية من دمشق إلى بغداد أثر ذلك على النشاط البحري بشكل إيجابي ووصلت البحرية العمانية إلى ذروة قوتها في عهد هارون الرشيد. وفي عهد الإمام المهنا بن جيفر اليحمدي الخروصي (839-841م) اجتمعت له القوتان البحرية والبرية وازدهرت التجارة ازدهارا كبيرا وكان الأسطول العماني في عهده يتكون من ثلاثمائة سفينة للعمليات الحربية ولرد كيد العدو الخارجي.  وعندما هاجم الأحباش جزيرة سوقطرة التي كانت تابعة لعمان في القرن التاسع الميلادي واحتلوها وقتلوا واليها العماني، جهز سلطان عُمان أسطولا ضخما ضمن أكثر من مائة سفينة ونازل الأحباش وانتصر عليهم انتصارا ساحقا وحرر تلك الجزيرة. لقد بقي الأسطول العماني يسعى في المياه العربية والدولية ولم يجابه بمنافسة قوية ذات شأن إلى أن ظهرت السفن الأوروبية في المياه العربية فبرز لأول مرة تحديا جادا وخطيرا.    [email protected]         

1041

| 13 يوليو 2019

الخرطوم.. الجوار يكافح عاصفة التغيير

حالة من الهلع والتوجس تنتاب الدول المجاورة للسودان، بسبب اتساع رقعة الأراضي السودانية وطول الحدود مع دول الجوار التي يغلب على طبيعتها سهول منبسطة لا تشوبها تضاريس حادة تعوق التواصل السكاني على جانبي الحدود مما خلق تداخلا قبليا شديد التعقيد. فالسودان الذي يمور داخله مورا شديدا برياح الثورة والتغيير، يخشى جواره أن تغدو هذه الرياح عواصف تجتاح الأنظمة الهشة فيه والتي تعاني ذات الأعراض المرضية التي أطاحت بالنظام السابق في الخرطوم. وفيما تلوذ القاهرة بحذر شديد إزاء التطورات السياسية في جارتها الجنوبية وتتدثر ظاهريا بحالة من الصمت البهيم الذي يخفي قلقا تكاد الخرطوم تسمع صريره من على بعد آلاف الأميال، تتزاحم هناك في الخرطوم المبادرات والمساعي من أديس أبابا وأسمرا وجوبا وأنجمينا، في محاولات هدفها الأساسي صد عواصف التغيير السياسي في السودان أكثر من تحقيق الاستقرار هناك. آخر لهاث دول الجوار احتضان تشاد أمس الأول الخميس مباحثات لنائب رئيس المجلس العسكري وقائد قوات الدعم السريع مع القيادة التشادية ورعايتها لقاءاته مع حركات دارفور المسلحة، حركة تحرير السودان برئاسة مني اركو مناوي وحركة العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، حيث تم الاتفاق على تجديد وقف العدائيات تمهيداً للدخول في العملية السلمية. صحيفة لوموند الفرنسية قالت إن الرئيس التشادي إدريس ديبي يدرك أن الرياح التي تُحدث التغيير في بلده تهب في الغالب من الشرق، ولذا فإن هناك تعتيما تاما بالتلفزيون التشادي على أخبار السودان وما يشهده من حراك شعبي، وبحسب لوموند أن النظام التشادي يسعى لتفادي السيناريو الأسوأ المتمثل في امتداد احتجاجات السودان إلى تشاد، إذ من المحتمل أن يقلد الشباب نظراءهم السودانيين، ولعل ديبي سعيد أو أنه سعى بطريقة أو بأخرى لأن يكون قائد الدعم السريع بين ظهرانيه في أنجمينا حيث يخشى نظامه أن يؤتى من قبل هذه القوات التي تدري تماما شعاب وتضاريس دارفور المجاورة لتشاد من ناحية الشرق بل إن رئيس أركان ديبي نفسه بشارة عيسى جاد الله هو ابن عم قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المشهور بحميدتي. منذ عام 2010 تم توقيع اتفاق أمني مشترك بوقف حالة الحرب بين السودان وتشاد، وظل صامدا على غير عادة الاتفاقات بين البلدين حتى سقوط نظام الرئيس عمر البشير، فتاريخ العلاقة بين الخرطوم وإنجمينا قبيل ذلك الاتفاق الأمني ظل مثقلا بالاضطراب والمواجهة واستخدام الحركات المسلحة المتمردة في كلا البلدين للنيل من بعضهما البعض، ومارس الطرفان سياسة عض الأصابع؛ فالسودان كانت قضية دارفور المجاور لتشاد والمتداخل تماما معها، نقطة ضعفه وأصابعه التي تعضها تشاد بقوة. بينما كان النظام في الخرطوم يعض أصابع إنجمينا عبر محاولات جادة لإسقاط نظام الرئيس إدريس ديبّي، حتى إنه في فبراير 2008م كانت العاصمة التشادية قاب قوسين أو أدنى من السقوط في أيدي المتمردين المدعومين من الخرطوم، ووصل بهم الأمر أن هددوا باقتحام القصر الرئاسي الذي كان يتحصن فيه ديبّي، إلا أن قوة فرنسية تدخلت في اللحظات الأخيرة وأجلت المتمردين عن العاصمة واستجمع ديبّي أنفاسه ومن ثمّ دحروا تماما خلال أسابيع تالية. اليوم يريد الرئيس ديبّي الذي ينتمي لقبيلة الزغاوة التي ينتشر أفرادها بين السودان وتشاد ومثلت في ذات الوقت الثقل الأساسي لحركات دارفور المتمردة، أن يؤمن نظامه الذي ظل يحكم تشاد لفترة مماثلة لفترة الرئيس عمر البشير (30 عاما) ويحافظ على الاتفاق الأمني الموقع مع السوداني في 2010 مقابل منع حركات دارفور من ممارسة أي نشاط عسكري ينطلق من الأراضي التشادية. إن الثورة السودانية اليوم محاصرة بمصالح أنظمة دول الجوار التي ليس من مصلحتها قيام ديمقراطية حقيقية في السودان، بل إن مصالح أنظمة دول الجوار مرتبطة في نهايتها بمصالح الكبار فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والتي ليس من أولياتها إقرار ديمقراطيات في هذه الدول الواقعة تحت سطوة أنظمة قمعية فاسدة.   [email protected]

1301

| 29 يونيو 2019

ربيع السودان.. توازن اليأس

كلا طرفي الأزمة السياسية في السودان، المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، وصل إلى مرحلة اليأس؛ فأقصى درجات اليأس التي بلغها المجلس العسكري فض الاعتصام الشهير من أمام القيادة العامة للجيش بالقوة المفرطة، فسقطت الكثير من الأرواح وسالت دماؤها سيلا عرما. أما أقصى درجات اليأس التي وصلتها قوى الحرية والتغيير أنها أعلنت عصيانا مدنيا شاملا ومفتوحا قبل أن تتراجع عنه، ففارقت شعار السلمية حين وضعت المتاريس في كل الطرقات لاجبار الناس على تنفيذ العصيان بل تحدت هذه المتاريس حتى سيارات اسعاف المرضى فمنهم نساء قضين نحبهن وهن يصارعن أوجاع الولادة المتعسرة. وقبل اعتراف المجلس العسكري بمسؤوليته عن اصدار قرار فض الاعتصام بالقوة سادت حالة من المداراة ومحاولة الهروب من المسؤولية بعد أن ظل المجلس يؤكد في كل مناسبة وبغير مناسبة أنه لن يفض الاعتصام بالقوة. في ذات الوقت كان تعليق قوى الحرية والتغيير للعصيان المدني الذي دعت إليه ولم يلق الاستجابة المرجوة، بسبب محاولتها تفادي خطأ قاتل وقعت فيه، وهو أن العصيان كان مفتوحا ولم تحدد له مدة معينة، كما أن توقيت تعليقه ارتبط بمحاولة حفظ ماء الوجه، ولربما كان التوقيت كذلك مرتبطا بمدى تقييمها لنجاح العصيان في أول ثلاثة أيام. ولاشك أن العصيان المدني إن كتب له النجاح يعتبر وسيلة مؤثرة ويمثل بعبعا لأي سلطة حاكمة، لأن نجاح العصيان يعتبر كارثة سياسية، لكن إلى أي مدى نجح العصيان ومدى تأثيره، فتلكم مسألة اعتراها جدل كبير، لكنه لم يكن ناجحاً ١٠٠% على أي حال، بيد أن مجرد التلويح به شكّل هاجساً للمجلس العسكري. ومع تبخر تأثير الاعتصام بعد فضه واضطراب الاستجابة الجماهيرية لدعوة العصيان المدني بدأ المجلس العسكري متنمرا؛ فقام باعتقال وترحيل نائب رئيس الحركة الشعبية وقياديين آخرين بالحركة إلى دولة جنوب السودان بعد أن كانوا قد عادوا طوعيا من المنفى عقب الإطاحة بالنظام السابق في 11 ابريل الماضي. وتبع ذلك تصريحات شديدة اللهجة للناطق الرسمي باسم المجلس العسكري قال فيها: «لا الولايات المتحدة ولا أي جهة أخرى كانت تملي علينا شروطا أو مطالب». وأكد أن المجلس العسكري «لن يقبل بلجنة تحقيق دولية بشأن فض الاعتصام لأننا دولة لها سيادتها ولها مؤسساتها العدلية المستقلة ذات الكفاءة المهنية ونحن نرفض ونقولها بملء الفم». وزاد أن المجلس لن يسمح بالاعتصام مرة أخرى أمام مقار الجيش.​ إن توازن اليأس الذي استقر بين أيدي الطرفين الفاعلين حاليا في المسرح السياسي السوداني نتجت عنه حالة عدم مبالاة وسخط بين الشارع السوداني الذي صبر كثيرا وضحى بدماء أبنائه في سبيل عيش كريم. وهذا ما يفسر ضعف التجاوب مع قوى الحرية والتغيير والتوجس من سياسات المجلس العسكري التي أكثر ما يزعجه فيها الارتباطات الاقليمية المريبة. ولعل تفاعلات الداخل السوداني لا تنبئ بانفراج قريب بل كل المؤشرات تشير إلى حالة من اللا استقرار تجد فيها الأصابع الاجنبية مرتعا خصبا لتنفيذ الاجندات الخارجية التي تصطدم بالضرورة مع الاجندة الوطنية. لقد أصبح الوضع اليوم في السودان مهترئا ويموج بالاستقطاب الحاد، وإن استمر على هذه الحالة فلن يؤدي إلى حلول وسط أو حلول سياسية، ولن يؤدي إلى الاستقرار. فلابد لجميع القوى السياسية والمجلس العسكري أن يلتقوا في منطقة وسط لتجنيب البلاد الفوضى ومآلات ما حدث في سوريا واليمن وليبيا، فالبلاد اليوم تنادي العقلاء من الجانبين. فمتى يتصاعد الدخان الأبيض من قبة كرادلة السياسة السودانية وتتشكل حكومة تسد الفراغ الذي حدث منذ 11 ابريل الماضي؟ يبدو أن الاتفاق على حكومة انتقالية مخاضه عسير وأعقد من عملية اختيار بابا الفاتيكان، حيث لا يتصاعد الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة سيستينا كدليل على الاتفاق على البابا الجديد إلا بعد اجتماعات مضنية ومعقدة لأكثر من مائة من الكرادلة جاءوا من كل بقاع العالم. [email protected]

1380

| 15 يونيو 2019

الانتخابات تقطع قول كل خطيب

إجراء الانتخابات في السودان بدون الدعم السياسي واللوجستي والمادي لن يكتب لها النجاح السودان مازالت أسيرة لمربع عدم الاستقرار السياسي رغم سقوط نظام عمر البشير ماذا بعد اعتراف الجانبين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في السودان بأنهما قد وصلا إلى طريق مسدود بخصوص ترتيبات الفترة الانتقالية؟ كلا الطرفين يتمترس حول مواقفه، بينما تستمر التعبئة وسط تيار أنصار الشريعة الذي يمثل القوى الإسلامية، لتبقى البلاد أسيرة لمربع عدم الاستقرار السياسي رغم سقوط نظام الرئيس عمر البشير. نائب رئيس المجلس العسكري وقائد الدعم السريع، استنكر دعوتهم للرجوع للثكنات العسكرية، وتسليم السلطة بالكامل للمدنيين وفورا، وقال إن عودة العسكر مربوطة بإقامة انتخابات نزيهة وأن القوات النظامية هي ضمانة لاستقرار البلاد. ويبدو أن الصادق المهدي زعيم حزب الأمة وعضو تحالف قوى الحرية والتغيير في ذات الوقت، يميل لوضعية مميزة للمجلس العسكري في الفترة الانتقالية، الأمر الذي يعد اقترابا من رؤية المجلس نفسه، وقال إن الفترة الانتقالية فترة مؤقتة تحكمها ظروف استثنائية يجسدها (تحالف عسكري مدني) في إطار إعلان دستوري . بيد أن المجلس العسكري يسير في اتجاه خيار قلب الطاولة والإعلان عن انتخابات مبكرة خلال ٦ أشهر، بينما قوى الحرية والتغيير لوحت في مقابل ذلك بخيار إعلان العصيان المدني الشامل، وأيّاً كان المنتصر فأين هي مصلحة البلاد في تفكير كلا الطرفين والشعب ينتظر وهو يئن تحت وطأة الوضع الاقتصادي المُزري، الذي كان سببا في ثورته، وهو بكل تأكيد غير معني بالجدل النخبوي وترتيبات الفترة الانتقالية. من المعيب أن دولة مثل السودان لم تستطع في ظل العبث السياسي استثمار مواردها الطبيعية، وتسخير قدراتها وثرواتها للنهضة والتقدم. فقد ظل عدم الاستقرار السياسي، أو ربما الفوضى السياسية، علامة مميزة للأوضاع في البلاد. ومعلوم أن عرى العلاقة بين معاش الناس، وبين الفعل السياسي جدُّ وثيقة. خارجيا انتقلت العدوى السودانية إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية بشأن السودان، فالخارجية تفضل حكومة مدنية ومجلس سيادي مدني، به تمثيل عسكري، بينما وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات والأمن القومي يفضلون مجلسا عسكريا قويا وحكومة مدنية ذات سلطات محدودة. قوى الحرية والتغيير تبدو متناقضة في طرحها السياسي؛ فبينما تبدي ضيقا بالمجلس العسكري في ذات الوقت لا تساند خيار الانتخابات المبكرة، بل تفضل صفقة سياسية معه تمكنها من حكم البلاد حكما مطلقا خلال فترة انتقالية مدتها 4 سنوات، حيث وافق المجلس العسكري بعد نقاش مطوّل على 3 سنوات. والتفسير الوحيد أن نخب قوى الحرية والتغيير أصبحت نهبا لعقلية القطيع، وهي مثل الماء العكر يحلو الصيد فيها لحزب بعينه ظل متخفيا ومعكرا لصفو ماء التغيير الذي حدث. يقول جوستاف لوبون في كتابه "سيكولوجية الجماهير": إن من أهم خصائص الجماهير هو انطماس شخصية الفرد وانخراطه في شخصية الجمهور، والذي يترتب عليه تخليه عن عقله الواعي ومنطقيته حتى يتماشى معهم، إذ إنه ليس من السهولة السباحة عكس التيار. ويمضي لوبون قائلا: وعندما تغيب شخصية الأفراد ووعيهم في موجة الجماهير العاطفية يمكن لنا أن نفسر انسياق بعض النخب الواعية والمستقلة خلف آراء وعواطف الجمهور حتى وإن كانت مخالفة لأبسط قواعد التحاكم العقلي التي عرفت بها تلك النخب، لا سيما وإن كانت مخالفة تلك الجماهير ستجلب عليها الانتقاد والتقريع. إن كان السياسيون في السودان جادين وحريصين على إقالة البلاد من وهدتها وكذلك عازمين على عدم الوقوع في أخطاء الماضي، فعليهم دعم فكرة إقامة انتخابات في أسرع وقت. وهم بذلك يمتحنون صدقية المجلس العسكري، وفي ذات الوقت يحسمون الجدل فيما بينهم حول أحقية من يحكم. وكذلك إن كان المجتمع الدولي والقوى المؤثرة في العالم حريصة على عدم انزلاق البلاد نحو الفوضى والحروب، أن يدعم وبقوة فكرة هذه الانتخابات التي بدون الدعم السياسي واللوجستي والمادي لن يكتب لها النجاح. [email protected]

1122

| 25 مايو 2019

الربيع السوداني يغرق في الصراع الأيديولوجي

الحوار المتطاول والشد والجذب في السودان بين المجلس العسكري الانتقالي وبين قوى إعلان الحرية والتغيير جعل الملل يتسرب إلى الشعب السوداني بعد مرور شهر على الاطاحة بنظام عمر البشير وسط استمرار الأزمة المعيشية إن لم تزد حدتها. ليس هذا فحسب بل الأمر الأكثر خطورة تسارع وتيرة الانفلاتات الأمنية. آخر الأحداث المفجعة قتل ضابط أمن في احدى ولايات دارفور بعد انقضاض جماهير ثائرة عليه بالضرب حتى الموت. أسلوب التحشيد والتهييج الذي تتبعه بعض القوى السياسية يفضي إلى مثل هذه الاحداث التي تشير إلى سيادة قانون الغاب. تلك القوى تظن أنها تضغط بذلك الأسلوب على المجلس العسكري لتحقيق مطالبها السلطوية وهي مطالب بعيدة عن مطالب الثوار الأساسية التي كانت من ورائها الأزمة الاقتصادية الخانقة المتمثلة في ندرة رغيف الخبز والمحروقات البترولية ونقص السيولة. فبدلا من أن تركز القوى السياسية على أولوية تشكيل حكومة مدنية تدير الجهاز التنفيذي وتعكف على اقتراح حلول اسعافية عاجلة للأزمة الاقتصادية، فضلت ابتدار جدل سفسطائي حول تكوين المجلس السيادي الذي ما زال يحتفظ بسلطاته المجلس العسكري، ومعلوم بأن السلطة السيادية التي تطالب القوى السياسية بها لا علاقة مباشرة لها بمعاش الناس اليومي. قوى إعلان الحرية والتغيير التي اعترف لها المجلس العسكري بدورها في قيادة المظاهرات بدأ يضربها التصدع في خضم المماحكات الجدلية، فمجموعة تحالف نداء السودان - عضو في إعلان الحرية والتغيير - التي يرأسها الصادق المهدي آخر رئيس منتخب قبل مجيء نظام البشير، انتقد بشدة الوثيقة الدستورية التي قدمتها قوى إعلان الحرية والتغيير للمجلس العسكري كما اعترف رئيس حزب المؤتمر السوداني وهو أيضا عضو في إعلان الحرية بأن الوثيقة بها نواقص وأنها قدمت على عجل. ويأخذ البعض على بعض القوى السياسية منها قوى اليسار، أنها تريد أن تسعى لتجيير الثورة ضد الإسلام السياسي متجاهلة تماما الاسباب الاقتصادية. وفسر البعض ذلك بأنه محاولة لجر المجلس العسكري وباقي القوى السياسية إلى معركة هدفها تصفية خصومهم التاريخيين من الاسلاميين باختلاف مواقفهم من النظام السابق. فالجماهير ثارت ضد الاوضاع الاقتصادية ولم تكن معنية بذلك الصراع الايديولوجي المرير فعلى سبيل المثال الثورة في الجزائر لم توصف بأنها ضد العلمانية بمجرد أن النخبة الحاكمة تتبنى العلمانية. فالثورة كانت ضد اثم الطغيان والفساد الذي يمكن أن يرتكبه أي نظام حكم بغض النظر عن كونه إسلاميا أو علمانيا. فمفهوم اليسار الذي يُتهم باختطاف الثورة، للفترة الانتقالية أنها فترة انتقامية وفرصة تصفية الحسابات السياسية ولذا نجد أنه بينما يطالب المجلس العسكري بفترة عامين كحد أقصى للفترة الانتقالية تطالب قوى اليسار على وجه التحديد بأن تمتد لأربع سنوات تكون فيها الغلبة للمدنيين في السلطتين السيادية والتنفيذية. إن الطرح السياسي للفترة الانتقالية والذي تتبناه قوى إعلان الحرية والتغيير بما في ذلك الوثيقة الدستورية التي لم تحظ بالقبول، يتضمن بأن يكون المجلس السيادي خالصاً للقوى المدنية بينما تنحصر مهام العسكريين في مجلس الدفاع والأمن الذي لا يُعتبر مستوى من مستويات الحكم، وإنما هو مجلس تنسيق أعمال وزارات محددة. ويخشى المجلس العسكري من أن يشكل ذلك الأمر خطورة على الجيش والأجهزة الأمنية وقوات الدعم السريع، حيث يمكن استخدام صلاحيات السلطة السيادية من جانب القوى المدنية لإعادة هيكلة تلك المؤسسات العسكرية وإحلال عناصر الحركات المُسلَّحة مكان الجيش الوطني. المجلس العسكري الذي بدأ صبره ينفد يقول إن الطرح السياسي للفترة الانتقالية ليس من حق قوى إعلان الحرية والتغيير وحدها وأنه تسلم 177 رؤية متعلقة بترتيبات الفترة الانتقالية وأن معظمها كانت مؤشرات ممتازة لحل الأزمة. وأن 79% من هذه الرؤى رأت أن يكون مجلس السيادة ٧٩ عسكريا بحتا. بينما رأى 67% أن يكون رئيس الوزراء قوميا و78% أن يكون تمثيل مجلس الوزراء من التكنوقراط غير الحزبيين. ولعل هذه النسب تعكس رؤى مختلفة تماما عن رؤية قوى إعلان الحرية والتغيير.   [email protected]

1183

| 11 مايو 2019

السودان.. سياسيون تتلبسهم أخطاء نمطية

أخطاء نمطية قاتلة يقع فيها تجمع قوى الحرية والتغيير في السودان وهي القوى السياسية الأعلى صوتا اليوم. النخب السياسية ومنذ استقلال السودان في 1956 ظلت أسيرة أمراض وأخطاء تتكرر بشكل نمطي رتيب، فقد فشلت على اختلاف أيدلوجياتها وتوجهاتها في إدارة البلاد التي حباها الله بموارد لا مثيل لها الأمر الذي يؤكد أن الاشكال اشكال سياسي وليس اقتصاديا بدلالة توفر الموارد الطبيعية. اليوم تدخل قوى الحرية والتغيير (يضم تجمع المهنيين وعددا من الأحزاب المعارضة) في صراع سلطوي مع المجلس العسكري الانتقالي الذي أعلن انحيازه للثورة حيث تبدو السلطة التي أزيح عنها نظام عمر البشير غنيمة سائغ التهامها. وبينما يعلن المجلس العسكري زهده في السلطة، تعتقد قوى الحرية والتغيير أنها أمام فرصة تاريخية لتشكيل المسرح السياسي وفقا لرؤيتها الخاصة دون اعتبار للقوى السياسية الأخرى ودون أي تفويض انتخابي. خارجيا زادت محاولات التدخل في الشأن السوداني والمدهش أنه يتم بيدي لا بيد عمرو. في بريطانيا تحرك سودانيون مقيمون هناك صوب وزارة الخارجية البريطانية وقابلت المبعوث البريطاني للسودان وجنوب السودان وقالت المجموعة التي وصفت نفسها بأنها تابعة لقوى الحرية والتغيير إنها طلبت من بريطانيا التدخل والضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة كل السلطة إلى قوى الحرية والتغيير. في موازاة ذلك وفي الولايات المتحدة الأمريكية أعلن ناشط سوداني مقيم هناك مفتخرا أنه كان حاضرا لاجتماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ التي دفعت بمشروع قرار يلزم المجلس العسكري في السودان بتسليم السلطة لحكومة مدنية. في السابق قبل سقوط النظام قد يتقبل البعض وليس الكل، على مضض مثل تلك التحركات لكن اليوم تغير الوضع وأصبح كل تغيير سياسي مطلوب يفترض أن يتم بقوة الدفع الثوري في الداخل السوداني ولطالما قد أزيح النظام وتلك الخطوة الأصعب فمن الأيسر إجراء أي ترتيبات سياسية دون الاستعانة بالأجنبي حيث تسديد الفواتير لاحقا يأتي بدون شك على حساب السيادة والمصلحة الوطنية. و لا يبدو أن تحرك ذلك الناشط ومن وراءه وهو تحرك محفوف بالخفة له فعالية مطلقة كما يظن صاحبه فكل سنة، تُقدّم الآلاف من مشاريع القوانين إلى الكونغرس الذي يضم مجلس الشيوخ ومجلس النواب، لكن مئات قليلة منها تُقَرّ كقوانين. وأمام أي مشروع قانون طريق طويلة أي من مسودة قانون إلى التوقيع عليه كقانون على يد الرئيس. فإذا أُقر المشروع على يد مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، فيُحال إلى المجلس الآخر وإذا أُقرّ المشروع بنفس الشكل في كل من مجلسي النواب والشيوخ، يرفع إلى الرئيس. وأمام الرئيس الأمريكي عندئذٍ أربعة خيارات وهي توقيع المشروع ليصبح قانونًا؛ أو عدم اتخاذ أي إجراء خلال فترة التئام الكونغرس في دورة عادية، وفي هذه الحالة يصبح مشروع القانون قانونًا بعد انقضاء عشرة أيام. أو عدم اتخاذ أي إجراء خلال فترة انتهاء دورة الكونغرس، وفي هذه الحالة يموت مشروع القانون. أو نقض مشروع القانون. وإذا نقض الرئيس أي مشروع قانون، بإمكان الكونغرس أن يحاول تجاوز هذا النقض. يتطلب ذلك تصويت ثلثي أعضاء كل من مجلسي الشيوخ والنواب. وإذا فشل أي منهما في تحقيق أكثرية الثلثين لصالح التشريع، يموت مشروع القانون. إذا نجح الاثنان، يصبح مشروع القانون قانونًا. فهل من الأفضل أن تنتظر الطبقة السياسية الفاعلة الآن - قوى التغيير والحرية المدد من مجلس الشيوخ الذي من ورائه رئيس مزاجي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، أم تنكفئ على عمل وطني سوداني خالص. إن مشروع حكم حزب المؤتمر الوطني السابق في السودان انتهى إلى دكتاتوريات قمعية، ودولة شبه فاشلة. وتقول بعض النخب الإسلامية المعارضة التي اعتزلت المشاركة في ذلك الحكم، إن الحكم تم اختطافه من قبل الرئيس السابق عمر البشير معه قلة قليلة من السياسيين والعسكريين أصحاب المصلحة الشخصية. بيد أن الإشكال ليس في استئثار البشير بالحكم لاحقا وطرد القيادات الإسلامية الفاعلة؛ بل الإشكال في طريقة الوصول للحكم من حيث المبدأ، ثم الفشل الذريع في صياغة برنامج حكم واقعي مرتبط فكريا بشعار "الإسلام هو الحل". [email protected]

1241

| 04 مايو 2019

شيء من الحزن.. دعوني أبكي

يقولون إن الحزن سواد يرخي سدوله على القلب، كما يغشى الليل الدنيا كل مساء، وهو أن يتوقف قلبك عن النبض عندما تحتاج إلى تلك الدقات القلائل لتتمكن من مقاومة انحدار الدموع.. إنها لحظة عين تنساب خلفها دمعة حرى. والحزن يحكم قبضته حين تجثم الخيبة على حطام الأحلام وتقف الحجارة في طريقك لتتعثر وتهبُّ الريح مزمجرة لتملأ عينيك ترابا.. بل حتى أزيز باب قلبك الملتاع يرعبك. كل شخص لديه قصة حزن بداخله لكن بداخلي رواية حزن صاخبة.. هو حزن أقوى من الحزن الصامت والحزن الصامت يهمس في القلب حتى يحطمه. كثيرا ما يخيل إليك ألا سبيل لالتئام الجراحات العميقة التي وقرت في سويداء القلب العليل.. أحيانا الحزن الغائر يهزم محاولات اصطناع الابتسامة. بعضنا يتمنى لو يظل يبكي ويبكي حزنا على نفسه حتى لو عيروه بأن حيلته البكاء والنواح.. من داخل أعماقه يهاتف هاتف دعوني أبكي فضلا. ‏هناك في ظلام الحزن البهيم يُفتقدُ البدر، والبدر بدر رغم بقعه الداكنة وتضاريسه القاسية.. فلا تبحث أيها الملتاع عن الكمال فتلك معركة خاسرة خاسرة.. كلنا عيوب، ظاهرة ومستترة. ‏البدر في دورته يولد هلالا لا يكاد يبين ثم يبلغ زينته بعد حين تحمله أجنحة حسن الظن في الناس ثم يترجل هاربا تحت وطأة سهام الحسد ودانات النفاق فيختفي تماما وراء خيبات أمل عظيمة. الحزن عند البعض شرّ في ظاهره لكنه خير في باطنه ولعلهم محقون حيث تغوص أقدامهم في بحر الواقعية غوصا. فالحزن مدرسة تعلم الإنسان كيف يكون مخلصا صادقا في التعبير عن نفسك، بدموع جارية. فقد ينقلك الحزن من الحيز المادي المعقد إلى عالم روحاني خاص تتجسد فيه خصوصيتك، هناك تحلق بين ألوان لم تكن لتراها ولا يراها غيرك. إن الحزن يعلمنا كيف نتعايش مع آلامنا وواقعنا، ونقاوم صدماتنا ومصائبنا دون أن نتضجر منها، ودون أن نستسلم للضعف. فقد يصنع الحزن ويولد طاقة نووية جبارة تعينك على الانطلاق من جديد. الفيلسوف الفرنسي فيكتور هوغو صاحب الروايات العالمية التي لا تموت، وكاتب (البؤساء) و(أحدب نوتردام)، نقرأ بين سطور رواياته التي جسدت الحزن عمق الحزن الذي يشعر به الشخص فهو يعتبر الحزن كالغيم يُغيّر شكله. وان الأرواح القويّة، تعزل في بعض الأوقات تحت ضربات البؤس. ولليأس درجاته الصاعدة. فمن الانهاك يصعد المرء إلى الانهيار، ومن الانهيار إلى الحزن العميق، ومن الحزن العميق إلى السّهوم أي الغسَق حيث يذوب الألم في فرحة قاتمة. والمدهش أن فلسفة الفرح والابتهاج والسعادة ليست فلسفة قائمة على الغني والمال الوفير وإلا لبقي معظم أهل الأرض تعساء لا تغشاهم غيمة السعادة حتى لو كانت برهة أو سويعات مثلها مثل سحابة الصيف التي يضرب بها المثل في قصر مدتها. إن حياة الانسان منذ الأزل أكواخ وقصور وسفوح وقمم وتخمة وفقر.. البعض يغرق في مياه الغيث والبعض الآخر يشتهي شربة ماء وتقرقر أمعاؤه جدباً وسغباً.. إن فلسفة السعادة الحقة تكون بمعية ربانية.. بين الإنسان وربه إحساس بالراحة والطمأنينة والأنس بالله ومع الله والرضا بقضاء الله وقدره والصبر على السراء والضراء وحب الخير للناس بتمني السعادة لهم كما نتمناها لأنفسنا.. وأكثر من ذلك فان فلسفة السعادة لا تقوم على سعادة الفرد فحسب، ولكن تقوم على سعادة الآخرين.. لنذكر دائماً أنه من أراد أن يقطف العسل لا يجب عليه أن يحطم خلية النحل.. قالها الرسول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" [email protected]

3686

| 06 أبريل 2019

من يقف وراء إرهابي نيوزيلندا؟

رقص سكان نيوزيلندا الأصليين (ماوري) رقصتهم التقليدية "هاكا" أمس الجمعة، تضامنا مع الجالية المسلمة وضحايا هجوم مسجد النور الإرهابي الذي هزّ نيوزيلندا والعالم أجمع. هناك إذن سكان أصليون لهذه البلاد وهم أصحاب الأرض الحقيقيون. الإرهابي الذي نفذ تلك العملية لتي حصدت أرواح 50 مصليا، قال في رسالته إن "أرضنا لن تكون يوما للمهاجرين، وهذا الوطن الذي كان للرجال البيض سيظل كذلك ولن يستطيعوا يوما استبدال شعبنا". وفي تبريره لما أقدم عليه من فعل شنيع ترفضه النفس السوية، قال الارهابي إن أسباب هجومه ترجع إلى "التزايد الكبير لعدد المهاجرين". ومعروف أن منفذ تلك العملية الارهابية استرالي الجنسية ومن أصل أوروبي وتبعد بلاده الأصلية أوروبا نحو 20 ألف كيلو متر عن نيوزيلندا ولو افترضنا على سبيل المثال قيام رحلة طيران مباشرة بين العاصمة نيوزيلندا ولندن فإنها ستستغرق نحو 24 ساعة بالتمام والكمال. ثم يأتي ليقول إن نيوزيلندا وطن للبيض الأوروبيين؟. رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أردرن، أجتهدت كثيرا للتعبير عن حزنها وغضبها قائلة: "كان هذا أحد "أحلك الأيام في بلادنا". وارتدت جاسيندا اللون الأسود وحجابا وذهبت تعزي أقارب الضحايا وتواسيهم وأعلنت عن نقل أذان الجمعة عبر الإذاعة والتلفزيون. بيد أن كل هذه الانسانية الصادقة وعلى أهميتها، إلا أنها تبدو بلا تأثير أمام الدعاية اليمينية ضد كل ما يمت إلى الاسلام. لقد تغذى ذلك الارهابي من نشر وتعزيز الإسلاموفوبيا أو الرّهاب الإسلامي، وذلك مثل ما قال به المفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون بأن "حدود الإسلام دموية وكذا احشاءه". وكان الرجل قد كتب مقالة شهيرة في مجلة النيوزوييك السنوى منذ نحو 18 عاما بعنوان "عصر حروب المسلمين" مؤكداً أن حروب المسلمين ستشكل الملمح الرئيسي للقرن الحادي والعشرين. وأغفل هنتنجتون القراءة الموضوعية لحقيقة الدين الإسلامي وحضارته. ولم يبن هنتنجتون نظريته المختلة على رؤية موضوعية للحضارة الإسلامية التي لا يمثلها بالضرورة لا الإرهاب ولا الإستبداد. وترتبط نيوزيلندا ممثلة في نخبتها البيضاء المسيطرة على الثروة والسلطة، برباط قوي مع الغرب وتحديدا بريطانيا. ونيوزيلندا New Zealand قبل الهجمة الغربية الاستعمارية قبل عدة قرون كانت تسمى بلغة الماوري سكانها الأصليين ببلاد أوتياروا وتعني أرض السحابة البيضاء الطويلة. لكن اليوم غالبية سكان نيوزيلندا من أصل أوروبي 74%، بينما أصبح الماوري أكبر أقلية 15%، بينما يشكل الآسيويون وشعوب جزر المحيط الهادئ النسبة المتبقية من سكانها الحاليين. وتعتبر الملكة اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، هي قائدة نيوزيلندا وتُدعى ملكة نيوزيلندا بموجب قانون الألقاب الملكية لعام 1974. ويمثلها هناك الحاكم العام. ويشير المؤرخون إلى أن أول حكومة ممثلة لتلك المستعمرة شكلت في العام 1852 بعدما مرر في المملكة المتحدة قانون نيوزيلندا 1852. ولم يكن الارهابي بعيدا في تصرفه بعيدا عن التصرفات الشاذة في دياره الأصلية؛ فقد شهد يونيو من العام الماضي على سبيل المثال، مقتل النائبة البريطانية عن حزب العمال جو كوكس بعدما أطلق النار عليها توماس مير المؤيد لليمين المتطرف، وكانت جو قد دافعت عن استقبال اللاجئين بالاضافة إلى أنها من مؤيدي بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي. وتزامنا مع حادثة نيوزيلندا شهدت بريطانيا في الأيام الماضية سلسلة من الهجمات والاعتداءات، ففي بلدة ستانويل جنوب شرقي انجلترا، اعتقل شخص يبلغ من العمر 50 عاما بتهمة تتعلق "بالارهاب" بعد أن طعن شابا عمره 19 عاما مطلقا عبارات وصفت بالعنصرية. وقالت شرطة مكافحة الارهاب إن الهجوم كان "يستلهم الأفكار اليمينية المتطرفة". كما تعرض سائق سيارة أجرة إلى اعتداء لفظي باستخدام عبارات عنصرية مما دفع الشرطة إلى اعتقال رجل وامرأة بتهمة ارتكاب اعتداءات ذات دوافع عنصرية تتعلق بحادث نيوزيلندا. وجعلت هذه الأحداث الارهابية ذات الدوافع الدينية والعنصرية وزير الداخلية حث المواطنين على "رفض الارهابيين والمتطرفين" الذين يسعون إلى إحداث شرخ في المجتمع البريطاني. إن الإرهاب ظاهرة مركبة تختلط فيها الجوانب الجنائية والإجرامية والنفسية مع الجوانب السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، فهو في الأساس سلوك منحرف يهدد النظام العام ويخالف قواعد القانون والعرف الإنساني، ويؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار ويشيع الرعب والذعر في النفوس. [email protected]

1260

| 23 مارس 2019

الترابي.. مصنع الأفكار المتحرك

تمر الذكرى الثالثة لوفاة الزعيم الإسلامي حسن الترابي وبلاده السودان تشهد أزمة سياسية حادة، ويظن الكثيرون أن تفاعلات هذه الأزمة كانت ستختلف كثيرا إذا ما قدّر للترابي معاصرتها. الغياب المفاجئ للدكتور الترابي الذي وافاه الأجل في الخامس من مارس 2016، أربك الساحة السياسية السودانية بل امتد الإرباك وتعدى النطاق الجيوسياسي للسودان. لقد ظل الترابي فاعلا ومؤثرا في السودان منذ أن برز على الساحة السياسية في ثورة أكتوبر الشعبية في العام ١٩٦٤م. وكان حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الترابي أشرس الأحزاب المعارضة لحكومة البشير، وشكل الحزب صداعا مستديما منذ تأسيسه في 1999 عقب ما عرف بالمفاصلة بين البشير والترابي قبل نحو عقدين من الزمان. لكن قبل عامين من وفاته استطاع الترابي بشخصيته الكاريزمية الطاغية أن يوجه أشرعة سفينة السياسة السودانية المحاصرة بالعواصف والأمواج المتلاطمة في اتجاه رياح الحوار الوطني وكانت تلك أول محاولة تبدو جادة لاختراق الأفق السياسي المسدود باستئثار المؤتمر الوطني الحاكم بالسلطة وانفراده بها، وقد استجاب مكرها لبعض متطلبات الحوار تحت ضغط ديناميكية وفاعلية مشاركة الترابي وحزبه. ويبدو أن غيابه قد أثر سلبا على التزام الحكومة بمقررات ذلك الحوار الذي كان من الممكن أن يجنب البلاد الأزمة الراهنة. إن الذي ميّز الترابي على جميع أقرانه أنه كان مصنعا متحركا للأفكار والرؤى الجديدة، وقد أخذ على عاتقه استخدام أدوات العقل والعلم لتحريك كل راكد وساكن من المفاهيم والقضايا ليؤكد شمولية الإسلام وقدرة الأمة على تجاوز التحديات الماثلة. ليس ذلك فحسب بل إن البعض ذهب إلى أن الرجل تمكن من تغيير أولويات النخبة السودانية المثقفة، وفرض نمطا جديدا لحياة بني وطنه، الأمر الذي شكّل صدمة لمناوئيه شخوصا ومؤسسات وحكومات، فناصبوه العداء. كان الترابي شجاعا في انتقاد نظام حكم البشير وعاب كثيرا انحسار الشورى وانفراد قلة قليلة بالقرارات حتى أصبحت تجربة الحكم أقرب إلى الحكم الشمولي. كما ظل ينتقد عدم فاعلية مؤسسات الحكم، والتي غدت شكلا ديكوريا لا أكثر. فضلا عن انتقاده لطغيان الأجهزة الأمنية على الأجهزة السياسية وتدخلها في الأجهزة التنفيذية وتحول الدولة لدولة بوليسية شعارها العصا لمن عصا. وقد كان سبب الخلاف بين البشير والترابي مساعي الترابي لرفد الدستور حين كان رئيسا للبرلمان، بإضافات وتعديلات ديمقراطية، مثل انتخاب حكام الولايات عوضا عن تعيينهم، وهو ما رفضه البشير. وللترابي مشروع سياسي مبتكر لم يمهله الموت لإكماله؛ وهو مشروع سماه "المنظومة الخالفة المتجددة" وهو مصطلح جديد ينم عن تبحر الرجل في اللغة العربية، فضلا عن غوصه عميقا في الفكر السياسي. ولقد أحدث هذا المصطلح كثيرا من الجدل كما أحدث من قبل مصطلح (التوالي السياسي) الذي طرحه في العام 1998 لتعديل الدستور. وتقوم هذه المنظومة على تذويب التيارات ذات الخلفيات الإسلامية في حزب أو كيان واحد وفي إطار شراكة سياسية جديدة. هذا الحزب أو الكيان منوط به قيادة أهل السودان في كافة المجالات الحياتية من سياسة واقتصاد واجتماع وفن ورياض، على أسس المواطنة لا القبلية أو الجهوية أو العنصرية. لا شك أن مجمل الوضع السياسي في السوداني خسر كثيرا بغياب رجل مثل الترابي وهو في حقيقة الأمر مدرسة لها امتدادها السياسي والفكري والتنظيمي. صحيح أن الرهان يجب أن يكون على هذه المدرسة، لكن هذه المدرسة تحتاج لتلاميذ نجباء يحملون رايتها ولا يبدو على السطح أن أيا من هؤلاء التلاميذ قد برز . ربما كثيرة هي المراثي التي تأبى إلا أن تتدفق حبا وربما هياما في مآثر ذلك الرجل الذي أبدع بشهادة خصومه قبل مواليه ومحبيه والمتبعين لفكره، بيد أن المطلوب ليس التسابق على إظهار حسرة الفقد ولكن المطلوب عصف ذهني يُعمل أدوات الدراسة النقدية والتقويمية لإرث وفكر الرجل الذي تركه من خلفه.

3935

| 09 مارس 2019

ماذا قدم السيسي للبشير في القاهرة؟

الأزمة السياسية الحالية في السودان بواعثها اقتصادية؛ فما الذي دعا الرئيس البشير لزيارة مصر الأسبوع الماضي؟ فالحالة الاقتصارية في مصر من بعض حال السودان، فالسيسي لا خيل عنده يُهديها ولا مالُ، ومع ذلك لا يبدو أن النُطق أسعد حال البشير المطوق بالاحتجاجات الجماهيرية المستمرة منذ أكثر من 40 يوما. ومثلما يشعر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قرارة نفسه بالرفض الجماهيري له، يجب أن يلازم البشير ذات الشعور. خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للقاهرة والتي أعقبت زيارة البشير بساعات، رد السيسي على سؤال أحد الصحفيين الفرنسيين منفعلا في المؤتمر الصجفي المشترك مع ماكرون: «أنا هنا بإرادة مصرية، ولو صارت غير موجودة سأتخلى عن موقعي فورًا». وردد البشير كثيرا أنه إذا طلب منه الشعب أن يغادر فسوف يغادر فورا لكن كليهما لن يفعلا لا سيما البشير عند محك الاحتجاجات الحالية التي عبرت وفق المراقبين عن استفتاء سالب على رئاسته. وشكل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل جمهور المواطنين عقدة لدى كل من البشير والسيسي؛ ففيما قال البشير في لقاء جماهيري عقب عودته لبلاده: «إن تغيير الحكومة في السودان لن يتم عبر الفيسبوك والواتساب». كان السيسي قد قال بحضور ماكرون ردا على سؤال حول اعتقال النشطاء والمدونين: إن «مصر لن تبنى بالمدونين». وحاول البشير أن يبعث رسالة تخويف لنظام السيسي حين قال في مؤتمر صحفي مشترك: إن «هناك محاولات لاستنساخ ما يسمى بالربيع العربي في السودان» وهذا يعني بالضرورة أنه ضد الربيع العربي ونسي أنه قال في مارس ٢٠١٥ خلال لقاء له مع فضائية دريم: «دعمنا المجموعات المسلحة في مصراتة وكفرة وبنغازي والجبل الغربي وزنتان وسبها». إن البشير لم يأت لمصر وهو يتوقع دعما اقتصاديا، لكنه جاء يطلب الدعم والمساندة السياسية وربما مزيدا من التعاون المخابراتي، فقد اصطحب معه مدير المخابرات السوداني صلاح قوش. وما قاله السيسي المضطرب للبشير المضطرب كذلك صراحة يظل حديث الغرف المغلقة، بيد أن صحيفة الأهرام المصرية المعبرة بقوة عن النظام المصري قالت في افتتاحيتها غداة زيارة البشير إن مصر «تقف على مسافة واحدة بين الأطراف السودانية» أي أن حكومة البشير بالنسبة اليها ليست إلا طرفا من الأطراف السودانية، وتحدثت الصحيفة عن «سبل تلبية المطالب المشروعة للمواطنين» و»ضرورة الحوار الهادئ بين الجميع». صحيح أن ذات «الأهرام» ذكرت أن مصر مع استقرار السودان وضد انزلاقه نحو الفوضى؛ لكن يبدو أنها عبارة تقليدية مكررة، وتأتي في خضم استهلاك سياسي دبلوماسي. إذ أن نوايا الدولة العميقة الحقيقية في مصر تجاه السودان وتجاه كل الأطراف السودانية، لا يتم الإعلان عنها بل هي مخفية والحصيف من يبحث عنها وحتما سيجدها. وعلى كل الأطراف السودانية أن تعلم أن نظرة الاستراتيجية لنظام السيسي المعبّر عن الدولة العميقة، تجاه السودان ليست أن يكون دولة ديمقراطية ومتقدمة اقتصاديا وتلعب أدوارا إيجابية إقليمية ودولية؛ فالسودان ليس سوى حديقة خلفية به مخزون أراضي زراعية شاسعة مستقبلية لاستيعاب الانفجار السكاني في مصر وكذلك حارس لبوابة مياه النيل جنوبا. إن ما يثير القلق في السودان أن الرئيس البشير غير مكترث لضرورة طرح حلول سياسية بدلا عن الاعتماد كليا على المقاربة الأمنية وقمع المتظاهرين. ومن الضروري أن يعلم البشير أن قبوله بأي مقاربة سياسية أمر تحدده الخيارات الأخرى المتاحة وليست العواطف والأمنيات، فأمنيته كما يبدو البقاء في السلطة لكن الواقع تغير بل قد يصبح حتى خيار التنحي الطوعي أمرا غير متاح في مقبل الأيام. ويبدو أن من الحلول المتاحة التي تجعل زمام المبادرة في يد الرئيس البشير أن يتم إقناعه أو يقتنع بالتنحي الطوعي والوعد بعدم الترشح في الانتخابات القادمة، كما يعلن عن فترة انتقالية محددة وقصيرة قدر الإمكان، تُهيئ فيها الأجواء بالاتفاق والتوافق مع القوى السياسية الفاعلة تمهيدا لإجراء انتخابات شفافة وحرة. وفي ذات الوقت الإعلان بشكل مباشر عن محاربة الفساد وتقديم المفسدين لمحاكمات نزيهة لا تستثني أحدا. وقد تكون آلية تنفيذ هذه الموجهات اعلان حالة الطوارئ في البلاد كافة حتى تمكّن من فرض الاستقرار ووقف التدهور الأمني.

1416

| 02 فبراير 2019

البريكسيت.. كواليس الدولة العميقة

تشهد بريطانيا اليوم أكبر القضايا الوطنية تعقيدا في تاريخها السياسي؛ وهي مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي أو ما يُعرف بـ(البريكسيت) Brexit. والمعلوم أن البريطانيين اتفقوا بصورة أو أخرى على الخروج من الاتحاد الأوروبي استنادا إلى الاستفتاء الذي أجري في يونيو 2016 حيث صوتوا لصالح الخروج بأغلبية ضئيلة لم تتجاوز نسبة 52% لكن الجدل اليوم يدور حول ضرورة وجود اتفاق مع دول الاتحاد يضمن مصالح بريطانيا الاقتصادية والتجارية. ورفض نواب البرلمان البريطاني بأغلبية كبيرة (432 صوتا مقابل 202) الاتفاق الذي توصلت إليه رئيسة الوزراة تريزا ماي بعد مفاوضات مضنية مع الاتحاد الاوروبي، الأمر الذي أشعل حالة من التوتر لاسيما بين الاوساط الاقتصادية لدرجة وصف عدم التوصل لاتفاق للخروج بالكارثة والفوضى الشاملة. والسبب أن التبادل التجاري بين الطرفين؛ بريطانيا من جانب والاتحاد الأوروبي من جانب آخر، كبير جدا حيث تبلغ صادرات بريطانيا للاتحاد نحو 274 مليار جنيه استرليني وهذا يمثل نحو 44% من صادرات بريطانيا بينما تبلغ وارداتها من الاتحاد نحو 341 مليار جنيه استرليني أي نحو 53% من الواردات البريطانية، ويقوم هذا التبادل الضخم بصورة أساسية على الميزات التي تتمتع بها بريطانيا بسبب عضويتها في الاتحاد ولذا تأتي أهمية اتفاق الخروج لكونه يوفر بديلا لبريطانيا عقب خروجها الرسمي في 29 مارس القادم. بيد أن الرفض للاتفاق الذي أبرمته ماي جاء لاعتباره أقل من الطموح في حين ترى هي أنه ليس بالامكان أفضل مما كان. وعقب نجاة ماي من تصويت سحب الثقة منها بفارق ضئيل جدا - كنتيجة لرفض اتفاقها الذي تقدمت به - وعدت بتقديم اتفاق بديل. لكن المشكلة في أن تعديل الاتفاق قد يتطلب وقتا طويلا بينما أمامها نحو شهرين فقط، فضلا عن أن الاتحاد الأوروبي لا يبدو أنه قابل لتقديم المزيد من التنازلات لبريطانيا حتى لا يشجع ذلك دولا أخرى على الانسحاب عبر الباب لتعود عبر النافذة لتحصل على نفس الميزات التجارية وتكسب التنصل من الاستحقاقات السياسية والقانونية الأخرى. ومعلوم أن بريطانيا قالت إن خروجها يحقق لها استقلالية في وضع قوانينها الخاصة بالهجرة والحدود فضلا عن عدم خضوعها للمحكمة الأوروبية. من جانبه حذر الاتحاد الأوروبي من مخاطر خروج غير منظم لبريطانيا من الاتحاد، مؤكدا أن فرص ذلك الاحتمال أصبحت أكبر من أي وقت مضى. وقال كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي إن إمكانية عقد اتفاق جديد مرهونة بتغيير مطالب بريطانيا الرئيسية مثل التخلي عن تصميمها مغادرة الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة المنظمة مركزيا، وهنا تكمن ورطة تريزا ماي. وتعول ماي على خشية دول أوروبا من أن خروجا غير منظم لبريطانيا قد يؤدي لاختلالات في أوروبا بأسرها. وهناك طريق ثالث في حال تعذر توصل النواب البريطانيين إلى اتفاق جديد، يتمثل في اجراء استفتاء جديد على مسألة الخروج وهذا اتجاه يشكل ارتياحا لدى الاتحاد الأوروبي إذ يتوقع الكثيرون أن يصوت البريطانيون لصالح البقاء في الاتحاد نظرا للأغلبية القليلة التي صوتت لصالح الخروج باعتبار أن الجدل الذي دار خلال السنتين الأخيرتين وضح لشريحة كبيرة من البريطانيين مسالب ومضار الخروج الأمر الذي يمكن أن يرجح كفة مؤيدي البقاء إذا ما تمت إعادة الاستفتاء. وفي هذه الحالة يمكن أن يوافق الاتحاد الأوروبي على تمديد ميعاد الخروج لستة أشهر ليفسح المجال أمام اجراء استفتاء ثان. وتتطلب الاجراءات التشريعية الخاصة باعادة الاستفتاء 3 أسابيع فقط بينما يمكن اجراء الاستفتاء خلال شهرين. فهل تسير بريطانيا في اتجاه اعادة الاستفتاء أم إن تريزا ماي قادرة على عقد اتفاق خروج جديد يحظى بموافقة أغلبية نواب البرلمان؟. هناك من يقول إن الدولة العميقة في بريطانيا تدفع في اتجاه الخروج بأي ثمن وتلك اتجاهات شعبوية يتم تكريسها بذكاء ولا نقول بخبث.

2428

| 19 يناير 2019

السودان ومعركة كسر العظم

المتابع لردات فعل الحكومة السودانية الأخيرة تجاه الاحتجات الشعبية العنيفة التي دخلت أسبوعها الثالث وعمت قرى ومدن السودان، يلحظ المحاولات الحكومية المستمية لتجاوز هذه الأزمة التي تمسك بخناقها. ومنذ تفجر التظاهرات ألقى الرئيس البشير خطابين جماهريين وأُجري معه حوار تلفزيوني، بالاضافة إلى حوار تلفزيوني آخر مع نائبه الأول السابق علي عثمان محمد طه، بالاضافة إلى مخاطبة جماهيرية له كذلك في مدينة بورتسودان. إن قراءة وتحليل هذه الأنشطة الدفاعية الهادفة إلى امتصاص الغضب الجماهيري الكبير، يشير إلى أنه لم تزل هناك قدرة على المقاومة النشطة لدى النخبة الحاكمة في سعيها لصد مناوئيها ولا نقول الجماهير التي خرجت مطالبة بالعيش الكريم، لأن المعركة الآن غدت مكشوفة وغدت معركة كسر عظم بين الحكومة والأحزاب اليسارية بشقيها السياسي والعسكري. لكن السؤال هو ما مدى قوة هذه المقاومة وما مدى قدرة الطرف الآخر على الاستمرار في الاستثمار في الهبة الجماهيرية؟ يشير ظهور النائب الأول السابق للبشير على مسرح الأحداث متصدرا المدافعة السياسية بالإضافة الى الفعل الأمني الرسمي المسؤول عن كبح المظاهرات، وباعتبار الاثنين معا - المدافعة السياسية والمعالجات الأمنية - يمثلان الآلية التي يستند إليها البشير في معركته، أمر يشير الى غياب أجهزة وشخوص حزب المؤتمر الوطني الحاكم، عن ساحة الفعل المقاوم بشكل واضح عدا بعض المؤسسات والواجهات التي تعامل معها البشير وغرفة إدارة الازمة بشكل مباشر. صحيح أن النائب الأول السابق يحمل صفة قيادي بارز في الحزب، إلا أنه لا يشغل موقعا تنفيذيا في هياكل الحزب. وتبادل البشير وطه الأدوار في أسلوب الخطاب السياسي، حيث تحمل طه عبء الخطاب السياسي الخشن، بينما حاول البشير أن يلتمس طريقا ناعما في خطابه وحطم الرجل الصورة العقلانية التي بناها لنفسه كسياسي خلال مسيرته السياسية الطويلة وقد برزت هذه الصورة إبان قيادته لمحادثات اتفاقية السلام الشامل مع حركة التمرد في جنوب البلاد والتي أفضت إلى فصل هذا الجزء في يوليو 2011. ومع ذلك كله نجد أن الفعل الحكومي المقاوم للتظاهرات مازال يراوح محطة الفعل التكتيكي وردود الفعل ولم ينفُذ الى الفعل الاستراتيجي والذي يتطلب في حده الأدني إطلاق مبادرة سياسية تتضمن تغييرات جذرية ومؤلمة تهدف الى إرساء خطوات عملية في طريق حل المعضلة الاقتصادية التي كانت سببا رئيسيا للغضبة الجماهيرية العاصفة التي استثمر فيها خصوم الحكومة. ويبدو أن الخرطوم لا تتعلم من أخطائها فحسب بل تكررها؛ ففي العام 2016 عمدت إلى التقليل من دعوات العصيان المدني الذي تحقق بصورة جزئية في 27 نوفمبر، بيد أنه شكّل أكبر تحدٍ شعبي لحكومة البشير منذ توليها السلطة في يونيو 1989. فلم يتم استخلاص العبر ودراسة ما حدث بعقلانية وروية، لأن ذلك الحراك قامت به في الأساس فئة شبابية غير حزبية وكان ذلك مكمن الخطورة؛ فالمعركة مع المعارضة التقليدية بعللها محسومة ، لكن المعركة مع هذه الفئة لا يمكن النظر إليها بأقل من أنها تحد خطير.. أما الحراك الحالي فيبدو أكثر قوة وعنفوانا وكشف عن حالة وعي شاملة انتظمت قطاعات كبيرة من المجتمع الشبابي، مستلهما تجربة الربيع العربي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وفي ذات الوقت نجد حال المعارضة الحزبية السودانية ليس بأحسن حالا من حال الحكومة؛ ونخشى عليها من مآل تجربة المعارضات العربية. وليس المشكلة مقتصرة على محاولاتها سرقة هذه الاحتجاجات فحسب؛ إذ يسعى بعضها لتشكيل مجلس حكم انتقالي في الخارج برعاية بعض الدول. ولا نقول شططا إن قلنا أن المعارضات العربية ظلت في عمومها تنقض غزلها بيدها وكانت المحصلة فشل مشاريعها السياسية بعد سقوط الدكتاتوريات، فقد صبت جل اهتمامها على إدمان الشعارات والخطب الديماغوجية، دون أن يكون لها مشروع بديل للحكم والإصلاح حال وصولها إلى سدة الحكم. أما المعارضة السودانية التي تحاول اليوم الاستثمار في حراك صنعه الشباب، لا تستطيع الاجابة على أسئلة بسيطة مثل ما هو البديل الذي يريده الشعب؟. بل إن هناك سؤالا جوهريا ومهما وهو ما هو الخطّ الفاصل بين إسقاط النظام وبين عدم إغراق الوطن في الدماء والفوضى وربما إزالته من خريطة العالم.

1023

| 12 يناير 2019

alsharq
مامداني.. كيف أمداه ؟

ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو...

17481

| 11 نوفمبر 2025

alsharq
الإقامة للتملك لغير القطريين

في عالم تتسابق فيه الدول لجذب رؤوس الأموال...

9825

| 13 نوفمبر 2025

alsharq
شكاوى مطروحة لوزارة التربية والتعليم

ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس...

8136

| 11 نوفمبر 2025

alsharq
الوأد المهني

على مدى أكثر من ستة عقود، تستثمر الدولة...

4830

| 11 نوفمبر 2025

alsharq
عيون تترصّد نجوم الغد

تستضيف ملاعب أكاديمية أسباير بطولة كأس العالم تحت...

3570

| 11 نوفمبر 2025

alsharq
تصحيح السوق أم بداية الانهيار؟

وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام...

2139

| 16 نوفمبر 2025

alsharq
كلمة من القلب.. تزرع الأمل في زمن الاضطراب

تحليل نفسي لخطاب سمو الأمير الشيخ تميم بن...

1671

| 11 نوفمبر 2025

alsharq
من مشروع عقاري إلى رؤية عربية

يبدو أن البحر المتوسط على موعد جديد مع...

1128

| 12 نوفمبر 2025

alsharq
ثقافة إيجابية الأخطاء

في بيئتنا الإدارية العربية، ما زال الخطأ يُعامَل...

1122

| 12 نوفمبر 2025

alsharq
برّ الوالدين.. عبادة العمر التي لا تسقط بالتقادم

يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم...

1053

| 14 نوفمبر 2025

alsharq
اليوم القطري لحقوق الإنسان.. دعم للفئات الأولى بالرعاية

يعكس الاحتفال باليوم القطري لحقوق الإنسان والذي يصادف...

900

| 12 نوفمبر 2025

alsharq
وزيرة التربية والتعليم.. هذا ما نأمله

الاهتمام باللغة العربية والتربية الإسلامية مطلب تعليمي مجتمعي...

867

| 16 نوفمبر 2025

أخبار محلية