رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الجدال الكبير الذي أثاره قرار سحب ترخيص مديرة مكتب إحدى القنوات العربية من ممارسة العمل الصحفي في البلاد يدعونا كمهنيين وإعلاميين سودانيين إلى مناقشة الموضوع من زوايا جوهرية تتصل بدور وتأثير تغطية الإعلام الدولي للنزاع المسلح الدامي الذي تشهده أجزاء عزيزة من بلادنا وهي ولايات دارفور وبعض ولايات الوسط التي تم تحريرها. وليس هناك من شك في الدور الإيجابي الذي لعبته وسائل الاعلام العالمية الناطقة بالعربية حيث أسهمت على سبيل المثال لا الحصر في نقل صور الفظاعات التي تعرض لها المدنيون والمنشآت المدنية، وإتاحتها الفرصة لأصوات الضحايا، وروايات شهود العيان، ومعاناة الناس أثناء تهجيرهم قسريا من بيوتهم وإذلالهم، وسلب ونهب ممتلكاتهم، وقتلهم واغتصاب حرائرهم. كما استعرضت وسائل الإعلام تلك آراء المتحدثين باسم الدولة والقوات المسلحة والمشتركة والمستنفرين معها، بما في ذلك استعراضها لفيديوهات جرائم ارتكبها ووثقها أفراد قوات الدعم السريع المتمردة بأنفسهم عوضاً عن الأقوال والتدخلات المتضاربة للمتحدثين باسمها. إن إسهام الإعلام في كشف الفساد مهم لمحاربته وتمكين الشعوب من الاستفادة من مواردها بإعمال الشفافية والمساءلة، وكذلك كشف الانتهاكات بُغية وقفها ومساءلة مرتكبيها ومنعهم من الإفلات من العقاب، وذلك بغض النظر عن مركز وانتماء مرتكبي الانتهاكات. وفوق ذلك هناك واجبات ومسؤوليات خاصة تقع على الإعلاميين ووسائل الإعلام عند ممارستهم لحقهم في حرية التعبير، حيث ينص العهد الدولي الخاص المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية في المادة (19) منه على جواز وضع بعض القيود عند تناول قضايا (حماية الأمن القومي والنظام العام والآداب العامة والصحة العامة، إلى جانب احترام حقوق الآخرين وسمعتهم)، وتلك القيود مشروطة بأن تكون ضرورية ومنصوصا عليها قانونا بشكل لا يجعلها تحتمل التأويل أو الاستخدام المتعسف من قبل السلطات. وفي السياق نفسه يحظر بموجب القانون أية دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف. (سنعود لاحقا للكتابة حول خطاب الكراهية وأشكال حرية التعبير لفض الاشتباك البائن حول الموضوع). وبهذه المناسبة جمهورية السودان ومعظم دول المنطقة هي طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغير متحفظة على المادة (19) منه وهذا ما دعانا لاستدعاء الفقرة أعلاه. هذا المعيار الدولي يفرض على السودان وجميع الدول الأطراف أن تسن قوانين واضحة، وتضع سياسات وطنية معلنة تكفل حرية التعبير وحرية الصحافة وتحدد حقوق وواجبات وسائل الإعلام وتحد من تقييد عملها بما يخالف تلك المعايير ويحقق الصالح العالم. كما أن الدولة مسؤولة عن بناء قدرات صحفييها وكوادرها الوطنية المسؤولة عن تنظيم ممارسة حرية الصحافة حتى لا يطلق لها العنان لتهزم سقف الحريات الذي يتمتع به المواطنون وغيرهم في بلادنا التي تجذرت فيها الحريات العامة منذ أمد بعيد. هل هنالك دولة في المنطقة تسمح بسقف التغطية الموجودة في السودان؟ أريد منك عزيزي القارئ أن تتبنى بنفسك الإجابة على هذا السؤال من خلال تحليلك للتغطيات الإخبارية للأحداث الجارية التي تشهدها البلاد بسبب الحرب، أو التغطيات البرامجية الاستقصائية او الوثائقية، ومدى إمكانية وصول الإعلاميين ووسائل الإعلام للمعلومات، وعدم وجود سقف في لتناول القضايا، ونشرها دون قيود، وتعاون الضيوف وتنوعهم من مسؤولين حكوميين ومعارضين سياسيين وقيادات عسكرية، واستنطاق أصحاب المصلحة من المواطنين من الضحايا وذويهم، وعملية البث المباشر. كما أدعوك عزيزي القارئ والمهتم إلى مقارنة حجم التغطيات التي تجرى في السودان مع التغطيات المماثلة لها في دول المنطقة. عندها ستكون الحقيقة بائنة أمامك!! من جانبي أود أن أختم بطرح هذه الأسئلة: 1. هل سيغير قرار سحب ترخيص القنوات ومنعها من العمل في السودان التغطيات الإعلامية؟ 2. وهل المراسل هو الذي يرسم سياسة القناة حيال تغطية النزاع المسلح في السودان؟ 3.هل تقوم وزارة الإعلام أو الإعلام الخارجي برصد وتحليل صورة السودان في الإعلام الدولي؟
108
| 22 سبتمبر 2025
الجدال الكبير الذي أثاره قرار سحب ترخيص مديرة مكتب إحدى القنوات من ممارسة العمل الصحفي في السودان يدعونا كمهنيين وإعلاميين سودانيين إلى مناقشة الموضوع من زوايا جوهرية تتصل بدور وتأثير تغطية الإعلام الدولي للنزاع المسلح الدامي الذي تشهده أجزاء عزيزة من بلادنا وهي ولايات دارفور وبعض ولايات الوسط التي تم تحريرها. لقد أسهمت بعض وسائل الإعلام الدولية الناطقة بالعربية بمنهجية مقصودة أو بدونها في بناء صورة ذهنية مغايرة لطبيعة الصراع بين قوى عسكرية متمردة حاولت السيطرة على البلاد مستخدمة كل ما يتعارض مع مبادئ القانون الدولي لتحقيق هدف سياسي محدد احتكرته مجموعة سياسية بعينها ودون سواها في البلاد عبر خطة بدعم دولي إقليمي تمثل في (الاتفاق الإطاري) الذي تناول أمورا تجاوزت اختصاص ومهام الفترات الانتقالية التي تلي تغيير الأنظمة في كل مكان، ولا ينبغي خلالها المساس بالمسائل الوطنية الجوهرية مثل (بناء نظام سياسي وأمني في البلاد بما في ذلك إعادة بناء وهيكلة القوات المسلحة والقضاء)، والالتزام فقط بمهام تسيير الخدمات، وحفظ الأمن وتيسير الوصول إلى وسائل الإنصاف المحلية (القضاء)، ودعوة الجميع للمشاركة في بناء وطن يسوده التسامح والعدالة وسيادة القانون، وتهيئة البلاد للانتخابات التي من مخرجاتها إعادة بناء مؤسسات الدولة وتعزيز الثقة فيها استناداً إلى تفويض شعبي ومشروعية دستورية كاملة. وفي هذا الشأن ركزت معظم وسائل الإعلام تلك على فتح منابرها لمجموعات سياسية محلية لم يسبق لمعظمها الحصول على مقعدين أو حتى مقعد واحد يتيم طوال الفترات الديمقراطية المتعاقبة التي شهدتها البلاد. واستغلت هذه المجموعات الصغيرة لغة لم يعتدها الجمهور العربي في الإقليم عن السودان أو السودانيين الذين عرفوا بالتسامح والعلاقات الاجتماعية القوية التي تسمو فوق كل خلاف، كما ركزت بعض وسائل الإعلام تلك في تغطيتها على كل ما من شأنه إدانة نظام الحكم السابق في البلاد والتنظيم السياسي الذي دعمه بدءا من انتقاء انقلاب 89 من بين جميع الانقلابات العسكرية السابقة، ونبش الوثائق والفيديوهات القديمة ولو تعلقت باجتماعات شورى أو مؤتمرات مغلقة تراجع فيها أزمات البلاد وأخطاء القيادات والشخصيات الاعتبارية. دون أن تفرد أي مسألة إيجابية على المستويين الوطني أو الإقليمي، فالنظام السابق ككل الأنظمة السياسية له سوءات وإيجابيات من بينها هبته لنصرة الأشقاء وقد قالها رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إن البشير استجاب لنداء التحالف العربي قبل الجميع وترك على أعناقنا واجبا لرد الجميل. هل يحق لوسائل الإعلام أن تمارس حرية التعبير متى وكيف شاءت؟ في كل العالم تُحكم التغطية الصحفية بمعايير مهنية أخلاقية وقانونية، وينحصر هدف وغاية التغطية الصحفية في تحقيق الصالح العام، عبر القيام بدورها الرقابي في مواجهة صناع القرار والسياسات، ومؤسسات المجتمع المدني التي يقدمها الشعب لتمثيله والدفاع عن حقوقه وحرياته. إذن المعايير الأخلاقية تتجسد في مبادئ الصحافة الأخلاقية ومنها على سبيل المثال (التوازن، والمصداقية، والموضوعية، والدقة، والعمق، والاستقلالية، والحياد وعدم التحيز، والإنسانية).والمعايير القانونية تتجسد على سبيل المثال في (عدم التمييز، وعدم قابلية الحقوق للتجزئة، والمشاركة الواسعة، والمساءلة، والعدالة وسيادة القانون، وقرينة البراءة، وعالمية الحقوق).
384
| 21 سبتمبر 2025
أفرز النزاع المسلح الدامي الذي يشهده السودان صوراً مأساوية وصادمة لبعض النخب السياسية والأكاديمية والاجتماعية والعسكرية التي كان من المؤمل أن تتفق على الحد الأدنى الذي يرفض التمرد ابتداءً ومهما كانت الأسباب، مثلما يرفض السودانيون الانقلابات العسكرية والاستقواء بالأجنبي واللجوء إلى أعمال الشغب التي عطلت حياة الناس وأحالتها إلى جحيم. لم يدر بمخيلة حتى أكثر السودانيين تشاؤماً منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023م، أن تصل بهم حدة الصدمة وانقطاع الأمل خاصة في النخب السياسية على المستويين الفردي أو الجماعي، في بلد عرف أهله بتماسكهم وحرصهم على وحدته مهما اشتدت بهم الخطوب. فالشعب السوداني أشتهر بين أصدقائه عرباً وعجماً بالأمانة والشجاعة والعفة والكرم ونجدة الملهوف، وهذه سمات وخصائص رسخت عُرى المودة والفخر بين أبنائه وإن اختلفت ثقافاتهم ولهجاتهم ولغاتهم، وتلك معان نبيلة جسدها الأدباء والمبدعون (ردد الدهر حسن سيرتهم ما بها حطة ولا درن). فالحروب التي شهدها السودان منذ استقلاله كثيرة، لكنها لم تنجح أبداً في تمزيق نسيجه الاجتماعي، فـ(كل أجزائه لنا وطن إذا نباهي به ونفتخر)، بل لم تغير الهوى المشترك، فكلهم يطربون للكاشف عندما يصدح (أنا إفريقي أنا سوداني)، وكلهم يفرحون لأهداف جكسا وبرعي وبريش وسانتو وأنس النور ومحمد عبد الرحمن. بعض النشطاء السياسيين في بلادنا يجرف عقولهم تيار السلطة وبريقها فلا يتيحون لعقلهم فضيلة التفكر والتدبر لمآلات تحولاتهم التي هي أسرع من قرص الشمس عندما تدنو للمغيب، فهم على استعداد لركوب أي سرج ومع أي نظام يصلهم لمبتغاهم المؤقت دون مراعاة لتاريخهم أو للقيم والأخلاق السودانية أو حتى القواعد الحاكمة لعضوية الحزب. هؤلاء هم الذين انتظر منهم الشعب دون كلل ومنذ مقاومة الاستعمار ونيل الاستقلال إلى حينه ألا يضعوا العقدة في المنشار، فالشعب ثار وفرض التغيير ثلاث مرات لكن أولئك الساسة على المستويين الفردي والجماعي لم يرعو عن تكرار ذات أخطاء الماضي أو ان يعملوا على تطوير واقع واستشراف مستقبلهم استنادا الى أفضل الإيجابيات المستقاة من ممارسات الأنظمة الوطنية المتعاقبة، بغية الحفاظ على استمرار حياة الناس وتحسينها وحماية وصون مكتسبات البلاد من مؤسسات وكوادر وبنيات تحتية. * الشعب السوداني ذكي فطن بطبعه يعرف أصحاب الصدور النقية، ويملك من الإرادة ما يعينه على مساندة بعضه البعض عند الشدة والرخاء، فأفراده متكاتفون يجيدون قيم النفير والفزع والكرم والجود والشجاعة، وهو ما تفسره حالة الاستجابة للمقاومة الشعبية والتضحية بالنفس. فما الذي يجعل شعب كهذا تستوي على ظهره نخب سياسية همها الوصول إلى السلطة وبأي وسيلة؟ وما الذي يجعل شعب كهذا تمثله قسرياً نخب سياسية لا تؤمن ولا تحترم أو تطبق على نفسها قيم الديمقراطية المتمثلة في قبول الآخر، والتسامح، والمساواة، وتكافؤ الفرص، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات والأحزاب السياسية والانضمام إليها، وحرية التعبير، وحرية اعتناق الآراء والأفكار والمعتقدات، والمساءلة، والشفافية، والعدالة وسيادة القانون، ومنع الإفلات من العقاب، والتعددية السياسية والإعلامية، والمشاركة السياسية، والفصل بين السلطات، واحترام وحماية حقوق الأقليات؟ وما الذي يجعل شعبا كهذا تتحدث باسمه نخب سياسية لا تؤمن بقيم حقوق الإنسان المتمثلة في عدم التمييز، والمساءلة، والمشاركة الواسعة، وعدم قابلية الحقوق للتجزئة، وعالمية الحقوق؟ وما الذي يجعل شعبا كهذا يسلم بطوعه وإرادته لسانه لنخب لا وزن سياسي لها، بل ولأحزاب لم يسبق لها أن حصلت على (15) مقعدا في أي برلمان منتخب في تاريخ السودان الحديث؟ وما الذي يجعل شعبا كهذا يخضع لأحزاب سياسية تتلقى التمويل الأجنبي وترتمي في أحضان السفارات؟ وما الذي يجعل شعبا كهذا يؤيد الأفكار والمشاريع التي تتبناها تلك النخب ولا تراعي فيها دينه وقيمه الثقافية والاجتماعية؟ ولأن أهل السودان يقرأون لا يجدون تفسيراً لأن يتبنى أكاديمي نظرية المتمردين لجلب الديمقراطية عبر التهجير القسري والنهب والسلب والاغتصاب، تحت مسوق اجتثاث فئة منهم. ولأن أهل السودان حكماء لا يجدون تفسيراً لأن تتفرق سنان حزب تبنت قياداته الدعوة للاستقلال في العام 1955، لتنحدر به قيادته إلى درجة تبني إعادة تأسيس المؤسس وتدمير قواته المسلحة في العام 2025. ولأن أهل السودان لا يقبلون على أنفسهم الضيم لم يقبلوا إلقاء السلاح ووقف حشد المقاومة ليقدموا الشهداء الذين استطاعوا إجلاء المتمردين من البيوت حتى يعود إليها أهلها مكرمين في مدني وسنار والخرطوم وستليها زالنجي والجنينة ونيالا. أهل السودان لم يجدوا حرجاً في أن يحتشدوا لمواجهة الخطوب المدلهمة حين يكون الامتحان عسيراً حتى لا يهان المواطن أو ترتهن البلاد: (غير هذي الدماء نبذها كالفدائي حين يمتحن.. بسخاء بجرأة بقوى لا يلي جهدها ولا تهن.... تستهين الخطوب عن جلد تلك تنهال وهي تتزن). أيتها النخب السياسية الشعب السوداني يريد حياة كريمة تتولى فيها السلطة الحكومية تسيير شؤون الناس وتوفير الخدمات الأساسية، وتنفيذ برامج التنمية وحماية الحقوق والحريات العامة، واحترام التداول السلمي للسلطة وحظر الإقصاء والدعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز والعداوة والعنف. والشعب يريد أن تكف النخب يدها ولسانها عن الاستقواء بالخارج فالسودان بموقعه الاستراتيجي وبموارده وثرواته الطبيعية يشكل فرصة للاستغلال وتقاطع المصالح المضرة بحاضره ومستقبله. والشعب يريد أن تلتزم النخب بالامتناع عن اتاحة الفرصة لتدخلات العديد من الدول القريبة والبعيدة في شأنه الداخلي، حيث لا يجد الشعب السوداني نموذجاً ديمقراطياً يمكن أن يستمد منها، ولا مصلحة باقية تفيده. والشعب السوداني لا يريد من نخبه سوى أن يحترموا عقول أفراده وأن يتفرغوا لإعادة بناء أحزابهم وجمعياتهم ونقاباتهم وتسخيرها للقيام بمهامها واختصاصاتها التي حددتها الصكوك الدولية لحقوق الإنسان والقيم الدستورية الراسخة، وليتركوا بناء النظام السياسي الصالح للبرلمان المنتخب الذي يمثل إرادة الشعب.
123
| 15 يونيو 2025
من هم أعضاء مؤسسات المجتمع المدني الوطنية الذين سيلتقون بالسيد/ رضوان نصير خبير الأمم المتحدة؟ سيبدأ السيد/ رضوان نصير زيارته الميدانية الأولى للسودان بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، وسيلتقي بالمسؤولين في بورتسودان ويزور بعدها مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور. وإن جاءت هذه الزيارة متأخرة بعد أن تعرض الآلاف للقتل والسلب والنهب والاحتجاز التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري والتجويع والحصار ومنعهم من التمتع بالحريات الأساسية التي كفلها لهم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية الأساسية. نأمل أن يتمكن خبير الأمم المتحدة من إحداث تغيير إيجابي في الصورة الذهنية للآليات الدولية لحقوق الإنسان في بلد مزقته الصراعات والأزمات التي انتقلت من إطارها الضيق ما بين النخب السياسية لتؤثر سلبيا على أداء المنظمات غير الحكومية المعنية التي تتمثل غايتها في العمل من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان وكفالة تمتع الأفراد والجماعات بها وليس من بين غاياتها الوصول إلى السلطة أو تغيير النظام. والسؤال الذي طرحته لا بد من الإجابة عليه بشفافية حتى يعلم الشعب السوداني وضحايا الانتهاكات على وجه الخصوص من يتكلم باسمهم ويوصل صوتهم لنظام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. هذا النظام الدولي المهني الذي ننتظر منه أن يأخذ العبر والدروس مما وقع لضحايا الانتهاكات الجسمية على أقل تقدير في جوار السودان مثل ليبيا وتشاد وأفريقيا والوسطى وإثيوبيا ومصر وجنوب السودان وإريتريا. نأمل أن تمثل هذه الزيارة فاتحة خير لكل السودانيين الذين ينتظرون أن يعبر المبعوث عن معاناتهم وأن يسعى لدعم الدولة السودانية التي تعاني من جرائم المرتزقة الذين يتقاطرون من كل حدب وصوب لقتل الأبرياء وتهجيرهم قسريا من منازلهم واغتصاب الحرائر. بل أن يتحرك بقوة تجاه الدول التي تدعم وتؤجج الصراع عبر مد المتمردين بالسلاح والدعم الإعلامي، ونرجو منه كذلك أن يدعم إنشاء آلية وطنية تضمن الحوار الشامل الذي لا يقصي أحدا، وأن يلتقي في الولايات الآمنة بالنازحين الفارين من مناطق القتال ليسمع منهم. سيدي نصير لقد عملتُ في مجال حقوق الإنسان لأكثر من عشرين عاما، منها ثمانية أعوام في السودان عرفتُ فيها عن قرب الأدوار الإيجابية للآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان وأوجه القصور التي ينبغي أن يسعى الخبراء لمعالجتها خاصة في السودان وجواره، هذه المنطقة التي ظلت تعاني من النزاعات المسلحة غير الدولية التي يجب أن تجد منكم التحليل الفاحص والدقيق لجذورها، قبل أن تسهموا في كتابة تقاريركم بعد لقاءات تتجاوز في معظم الأحيان أصحاب المصلحة الحقيقيين. وهو ما يؤدي إلى شيوع وصف ازدواجية المعايير وتسييس حقوق الإنسان بنظام هو الذي ينبغي أن يكون المآل الأخير للضعفاء في بلادي والبلدان المحيطة بها والمنطقة عامة. ولعلك تتفق معي بأن من يعملون مع الأمم المتحدة في هذا المجال يجب أن يطبقوا قولا وفعلا أنهم خبراء مهنيون على مستوى عال من الكفاءة والدراية بمعايير حقوق الإنسان وأنهم لا يمثلون أنفسهم ولا بلدانهم عند قيامهم بمهامهم. وقد ظللتُ سنوات طويلة أُنادي بضرورة أن تتنبه الأمم المتحدة عند تعيين المستشارين والخبراء والموظفين المحليين إلى حساسيات الشعب السوداني وتصنيفاته السياسية التي تؤثر على قيام المنظمة بدورها في تحقيق قيم ومبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والسلم والحرية والعدالة. نحن لا نريد أن تنتهي ولايتك كما انتهت ولايات العشرات من الخبراء قبلك، القادمين من أفريقيا وأوروبا دون أن يتركوا بصمة حسنة على أرض الواقع. ونحن لا نريد أن يستمر التشكيك في فعالية آليات حقوق الإنسان وحياديتها وأهميتها في العمل على مستوى الميدان بسبب استغلال موظف أو مستشار أو خبير لانتماءاته الضيقة في حصر نشاط المنظمة الدولية ولقاءاتها وتقاريرها في اتجاه مع أو ضد أي فئة. ونحن نعلم أن مبادئ حقوق الإنسان يتصدرها مبدأ عدم التمييز والمساواة، وتتضمن المشاركة الواسعة، والمساءلة، وأنها عالمية، وأن حقوق الإنسان مترابطة لا تقبل التجزئة أو التنازل. لذلك نرجو أن تتنبه دائما خلال زياراتك ولقاءاتك في التعليقات والمعلومات التي تتلقاها، لتقوم بتحليلها ولا بأس أن تنشر أسماء من التقيتهم من أعضاء المجتمع المدني أحزابا ومنظمات غير حكومية حتى يتحمل الجميع مسؤولية ما يرد من اقتباسات في التقارير الدولية.
312
| 08 يوليو 2024
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); فتح إعلان تركيا حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر الباب أمام جدل سياسي كثيف، غطى على معظم زوايا التغطية الصحفية الإخبارية والبرامجية لما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تعرضت لها تركيا. قد يكون مبررا تخوف بعض جماعات المعارضة الداخلية والمجتمع المدني في تركيا، كونهم تصدوا للمحاولة الانقلابية جنبا إلى جنب مع رئيس الحكومة المنتخبة دفاعا عن الديمقراطية التي تضمن لهم الحرية والتبادل السلمي للسلطة في زمن صارت فيه الانقلابات وإعلان حالة الطوارئ الممتدة دون تقييد أثرا من الماضي إلا في دول لا يتجاوز تعدادها أصابع اليد الواحدة حول العالم. ولعل التخوف من إعلان حالة الطوارئ والجدل حوله يعود في الغالب الأعم لسببين. السبب الأول أن التجربة المريرة للأتراك أنفسهم مع الانقلابات العسكرية وحكم العسكر، والتجارب الماثلة في محيط تركيا، وما جرى فيها من انقلابات قضت على آمال الشعوب في الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وجعلت من تمتع شعوبها بالحرية أملا بعيد المنال. والسبب الثاني يعود إلى ضعف ثقافة النخب السياسية وحتى الكثير من النشطاء حول مدلولات إعلان حالة الطوارئ، والقيود التي يجب الالتزام بها عند اتخاذ مثل هذه القرارات المؤثرة. كما لعب الإعلام الدولي والمحلي دورا مؤثرا في تكثيف سحب ملبدة بالغيوم هطلت على الجمهور بمعلومات منقوصة وتفسيرات متضاربة كادت تعطي انطباعا بأن إعلان حالة الطوارئ سيشكل بداية ردة عن طريق الديمقراطية، وسيفتح المجال لانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. وفي مثل هذه الأوضاع يكون من الأهمية بمكان تسليط الضوء على إعلان حالة الطوارئ من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان، وما يفرضه من التزام على المستوى المحلي، وتوضيح المرجعية التي تستند إليها المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في مناشدة الدولة بعد اللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ وحدود تدخلاتها السياسية. ضمانات حماية وتعزيز حقوق الإنسان في حالة الطوارئ ارتضت الدول الأطراف في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان بكامل إرادتها الالتزام بمسؤولية احترام وحماية ووفاء حقوق الإنسان، وكفالة التمتع التام بها لشعوبها في مقابل احترام الأفراد حقوق الآخرين عند ممارستهم حرياتهم وحقوقهم الأساسية. ونهضت لأجل ذلك آليات حماية دولية ومحلية لتراقب وترصد مدى التزام الدول بتوفير ضمانات التمتع التام بحقوق الإنسان للجميع وعلى قدم المساواة. ولم يدع النظام الدولي لحقوق الإنسان مجالا لإهدار أو انتقاص الحقوق والحريات التي تم إقرارها للبشرية جمعاء، حتى في أوقات الطوارئ العامة التي تهدد حياة واستقرار وأمن الأمة. وقد نصت المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على جواز إعلان الدولة حالة الطوارئ، ولكن فرضت على الدولة المعلنة إبلاغ الدول الأطراف الأخرى عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة بالأسباب التي دعتها لإعلان حالة الطوارئ، وتحديد الأحكام أو الحقوق والحريات الواردة في المعاهدات التي لن تتقيد بها، ومدة سريان حالة الطوارئ، وتاريخ رفعها. وبذلك يعتبر إعلان حالة الطوارئ إجرءاً استثنائياً لتقييد بعض الحقوق والحريات، بشرط ألا ينطوي هذا التقييد على أي تمييز يكون مبرره فوارق عرقية أو دينية أو جنسا أو لغة أو أصلا اجتماعيا، أو يفتح بابا للتنصل من الالتزامات القانونية والأخلاقية التي نصت عليها الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، بما يمس الكرامة الإنسانية المتأصلة لكل الناس. تعتبر تركيا من الدول الأطراف القلائل في المنطقة التي وافقت على الالتزام القانوني والأخلاقي بالمعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، وإن جاءت موافقتها "بالمصادقة أو الانضمام" على هذه المعاهدات خلال الثلاثة عقود الماضية، وفقا للتسلسل الزمني التالي: * الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في 20 ديسمبر 1985م. * الاتفاقية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في 2 أغسطس 1988م. * والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في 4 أبريل 1995م. * الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في 16 سبتمبر 2002م. * والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 23 سبتمبر 2003م. * والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم في 27 سبتمبر 2004م. * والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 2 مارس 2006م. * والاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة 28 سبتمبر 2009م. ووفقا لما تقدم يمكننا تفسير موافقة تركيا على هذه المعاهدات في الفترة من 1995م إلى 2012م، من زاويتين: الزاوية الأولى: تعبر موافقات تركيات عن إرادة ساسية للحكومة واستعدادها لإتاحة طرق الانتصاف إلى أقصى مدى. والزاوية الثانية تعبر عن نضج الشعب ومؤسسات المجتمع المدني التركي المعنية بحماية وتعزيز حقوق الإنسان وقدرتهما على الضغط والتأثير. وفي كلتا الحالتين فإن المستفيد الأول هو الدولة حكومة وشعبا. وإقرارًا من تركيا برغبتها في تحقيق الشفافية والمساءلة في احترام ووفاء وحماية حقوق الإنسان. إلى جانب تقديم تركيا تقاريرها الأولية والدورية لهيئات المعاهدات، وبموجب الإجراء الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان. وقد تلقت تركيا ملاحظات وتوصيات هذه الهيئات حول أوجه القصور التي وجب عليها معالجتها وتتعلق بضرورة رفع مستوى وعي العاملين في القضاء وفي المهن القانونية وعامة الجمهور بأحكام العهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية، وتعزيز ضمانات حماية حقوق الإنسان على المستوى الوطني بدءا من دعم استقلالية المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، استنادا إلى مبادئ باريس، والعمل على حماية وتعزيز حرية الصحافة وحقوق الصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان. ختاماً: قدمت لنا التجربة التركية بتصدي الشعب إلى جانب الحكومة للانقلاب، مساحة جيدة للبحث والتقصي الفعال للحقائق التي يتطلع الجمهور لمعرفتها في بلد عرف بتعدد أعراق وثقافات شعبه.
623
| 01 أغسطس 2016
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تتجه معظم المنظمات غير الحكومية الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان في أغلب دول العالم الثالث إلى المواجهة مع السلطات الوطنية في إدارتها لملف حقوق الإنسان، حيث تركز أغلب تلك المنظمات على الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها السلطات الرسمية أو الجماعات التابعة لها، وتغلق عينيها عن رؤية أي تقدم محرز تنجزه هذه السلطات مهما بدا ظاهرا للعيان.وفي المقابل تسعى السلطات الرسمية بكل ما أوتيت من قوة إلى التقليل من شأن هذه المنظمات الحقوقية والتشكيك في مصداقيتها، وإهانة قياداتها، وقتلهم معنويا، وتشويه صورتهم في مجتمعاتهم المحلية، وتوجيه أبشع التهم لهم من قبيل التخابر مع الأجنبي، والحصول على تمويل غير مشروع، وتعريضهم للإعتقال التعسفي والاحتجاز القسري، والعنف البدني واللفظي.حالة العداء المستحكم هذه جعلت كلاً من الطرفين يسلك سبلاً صعبة لتحقيق أهدافه ولا تتواءم في غالب الأحيان مع مسؤولياته وواجباته.فاتجهت بعض تلك المنظمات والمدافعين إلى تقديم الشكاوى الفردية إلى آليات الحماية الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان ضد حكومات بلدانها مما عرض تلك الحكومات لحرج كبير ومواقف صعبة خلال الاجتماعات والمؤتمرات الدولية لتلك الآليات، ولا يخفى علينا جميعا بعض تلك الشكاوى الفردية التي قبلتها اللجان المعنية بحماية حقوق الإنسان على المستويين الدولي والإقليمي. بينما ظلت حكومات أعضاء في اللجنة المعنية بمنح المركز الاستشاري أو المراقب في الأمم المتحدة تعطل دون أن تدري كل عام إجراءات قبول منظمات من بلدانها أو بلدان أخرى بسبب طرحها أسئلة واستفسارات قبل اتخاذ القرار بوقت قصير مما يؤدي إلى التأجيل لعام وراء عام فيطول الزمن، بينما تدعم بعض هذه الدول منظمات شبه حكومية تدعي الاستقلالية، فتمكنها وفي وقت قصير من الحصول على الصفة الإستشارية، التي هي من حق المنظمات المهنية القادرة على التأثير وتحسين حالة حقوق الإنسان في مناطق عملها.هذا الواقع الأليم زاد من معاناة معظم المنظمات الحقوقية في العالم الثالث وجعلها تباشر دور الباحث والمساندة فقط لمنظمات دولية كبيرة نشأت وترعرعت وتوسعت أنشطتها في دول العالم الأول علمت وعملت بواجباتها ومسؤولياتها، فاحترمتها شعوب وحكومات بلدانها بل وانضم الملايين لعضويتها، حتى أضحت ميزانياتها تضاهي ميزانية دول في العالم الثالث، وتجد بياناتها وتقاريرها ردود أفعال يزلزل بعضها أركان الحكومات الديمقراطية بينما تتشبث الأنظمة الشمولية بنظرية المؤامرة في رفض كل نبأ أو حقيقة تكشفها تلك المنظمات، وبكل أسف في الكثير من دولنا الإسلامية التي ينبغي فيها الالتزام بمبدأ التبين من الحقيقة وإنْ جاء بها فاسق.فإذا كان الحال كما ذكرنا، فإنه يجب علينا أن نطرح عدة أسئلة جوهرية، نحقق من خلال الإجابة عليها فوائد جمة، منها ما هو متصل بجمهور القراء والمهتمين ممن يتطلعون لتحصيل المعرفة العامة بمفهوم ومنهجية عمل حقوق الإنسان، ونرسل الإجابات الأخرى للحكومات التي تنظر إلى ملف حقوق الإنسان بإعتباره أداة فقط لتفعيل علاقاتها السياسية مع المجتمع الدولي والمحلي، من خلال اعتمادها على لغة ومصطلحات مختلفة في كل خطاب من الخطابين اللذين تقوم بتوجيهما للمجتمع الدولي والمحلي.فالخطاب الأول الموجه للمجتمع المحلي ملئ بالمغالطات تؤكد من خلاله الحكومة نجاحها في رد الهجمة الدولية وتلقيها إشادات بحسن إدارتها لملف وأوضاع حقوق الإنسان على أراضيها، بينما تُخفي مشتملات تقاريرها وخطابها الذي تقدمه في اجتماعات الآليات الدولية للحماية، حتى لا يسمع أو يعي أحد بمضمون التوصيات والملاحظات الختامية والأسئلة والاستفسارات والانتقادات التي يتعرض لها الوفد الحكومي من قبل الخبراء في هيئات المعاهدات أو المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان، أو من قبل سفراء الدول الأطراف في جلسات المجلس العادية، التي تناقش أوضاع حقوق الإنسان حول العالم دون مساحيق تغطي تجاعيد الإخفاقات.• فما هي مسؤوليات وواجبات كلا الطرفين؟ • وهل بإمكان كل طرف القيام بواجباته في احترام وتقدير متبادل ودون مساس بحقوق ومسؤوليات الطرف الآخر؟• متى وكيف يمكن للسلطات الرسمية اتخاذ إجراءات قانونية تحد من قدرة المنظمات على تنفيذ أنشطة محددة؟ وهل هنالك أساس قانوني يمكن أن تستند إليه الدولة في اتخاذ هذه الإجراءات؟ مسؤوليات وواجبات المنظمات غير الحكومية الحقوقية:مرجعية ومسؤوليات وواجبات المنظمات غير الحكومية حددتها المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وقبل ذلك ميثاق الأمم المتحدة الذي أعطاها الحق في مساندة النظام الدولي لحقوق الإنسان باعتبارها فاعلا رئيسياً.فهذه المنظمات تعنى بحماية تعزيز حقوق الإنسان على المستوى الوطني، من خلال قيامها بثلاث مهام:المهمة الأولى: المساهمة في إدارة حوار وطني فعال حول قضايا مواضيع حقوق الإنسان بغرض نشر ثقافتها وتمكين الأفراد من معرفة حقوقهم، وكيفية المطالبة بها، والقيام بواجباتهم تجاه دولتهم. والمهمة الثانية: تنمية القدرات الوطنية في مجال حقوق الإنسان، وذلك من خلال إقامة ورش العمل والدورات التدريبية. والمهمة الثالثة: هي حماية حقوق الإنسان من خلال القيام برصد امتثال الدولة لالتزاماتها الناشئة بموجب مصادقتها أو انضمامها للمعاهدات الدوليةمسؤوليات وواجبات الحكومات:فالدولة تقع عليها التزامات وواجبات ومسؤوليات أخلاقية وقانونية بموجب قبولها الصكوك الدولية لحقوق الإنسان (المعاهدات، والإعلانات، والمدونات، والمبادئ، والقواعد،، إلخ)، ذلك القبول الذي يفسره القانون الدولي للمعاهدات بأنه إجراء يقوم به وزير الخارجية أو العدل أو من تفوضه الحكومة، ليعلن إلتزام الدولة بالامتناع عن القيام بأي فعل يخالف نصوص الاتفاق المحدد، وإتيان كل فعل يضمن تطبيق روح المعاهدة المحددة، بينما يقوم البرلمان بإجراء المصادقة، والانضمام. فيقال عن الدولة أنها صادقت عندما تقوم بإيداع صك مصادقتها وقبولها للمعاهدة لدى الأمين العام للأمم المتحدة قبل سريان المعاهدة ودخولها حيز النفاذ، بينما يقال للدولة انضمت أي أنها أودعت صك انضمامها بعد سريان المعاهدة ودخولها حيز النفاذ. ولا تكتفي الدولة بهذه الجوانب النظرية فقط إنما عليها أيضا واجبات عملية في تنفيذ الحقوق الأساسية، من خلال بذل أقصى قدر من مواردها المحلية المتاحة خاصة في تطبيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيةهنالك أساس قانوني وأخلاقي يحكم العلاقة بين السلطات الرسمية والمنظمات غير الحكومية، أولها أساس الحقوق والواجبات المبين في تنظيم الحق في ممارسة تشكيل الجمعيات والانتماء إليها والتجمع السلمي، وهي حقوق أساسية الدولة ملزمة بها بمجرد مصادقتها على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث لا يكلفها إطلاق الحريات العامة مالا أو جهدا إنما إرادة سياسية تمكن المجتمع المدني والأفراد من ممارسة حرياتهم العامة المنصوص عليها في الدستور دون اعتداء أو تعدٍ على حقوق وحريات الآخرين.والطرفان ملزمان بمبادئ الشفافية والمساءلة والمحاسبية
518
| 22 يونيو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قضايا وتحديات كبرى تنتظر المشير عمر البشير بعد تنصيبه رئيسا للجمهورية لخمسة أعوام قادمة، ملفات مثقلة تتطلب معالجتها توفر الإرادة السياسية الجامعة بين السودانيين، بدءا بالحزب الحاكم وشركائه، وأحزاب المعارضة السياسية، والحركات والجماعات المسلحة.وتشكل ملفات حقوق الإنسان والمصالحة الوطنية والعدالة وسيادة حكم القانون رأس الرمح في الأولويات القصوى إذا ما أراد الرئيس بناء دولة مؤسسات تقوم بواجباتها، وتحظى بثقة المواطنين أصحاب المصلحة الحقيقيين، وتُحترم فيها المبادئ والقيم الدستورية الراسخة في الممارسة الدولية العرفية.حيث يقع على عاتق أي حكومة تعتبر نفسها مفوضة من أفراد شعبها، وترغب في أن تكون عضوا صالحا في المجتمع الدولي أن تقوم بواجبات ثلاثة وهي إعمال، واحترام، وحماية حقوق الإنسان لجميع من يقيم على أراضيها، أو يحمل جنسيتها وجواز سفرها.فالشعب الذي يفوض الرئيس ويختار ممثليه في الجهازين التنفيذي والتشريعي يتطلع إلى رؤية أبرز القضايا والتحديات التي تعترض سبيل تطور البلد ورفاه مواطنيه موضوعة على رأس أجندة عمل السلطة التنفيذية، بل وتشكل الهم الأكبر والتحدي الشخصي للرئيس نفسه، حتى يضمن تحقيق تطلعات الفئة الغالبة من أفراد الشعب الذين انتخبوه وآثروا دعم حزبه الحاكم عن الأحزاب الأخرى المشاركة في العملية الانتخابية.وليس من حل لمشكلات السودان إلا بإقرار الجميع مسؤوليتهم عن التعقيدات المتزايدة لأزمات البلاد، وضعف إرادتهم وقدرتهم على مداواة الجراح منذ استقلال السودان، حيث أخذت كل حكومة عسكرية أو مدنية دورها، تطاول بها الزمان أو قصر، فتخلت عن الحكم مخلفة وراءها مشكلات مضاعفة. ولما وصل الحال بالسودان إلى ما هو عليه من تدويل لمعظم قضاياه المصيرية، حلت بين ظهرانيه أكبر عملية حفظ سلام للأمم المتحدة حول العالم تشكل ميزانيتها السنوية العلاج الشامل لأزمات الأطراف، وانفصل جنوبه عن شماله، وتوقفت معظم الشركات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى بسبب الحصار من قبل كبار اللاعبين في المجتمع الدولي، وخرج المنتجون في معظم أطرافه عن دائرة الإنتاج ليحتشدوا في معسكرات النزوح واللجوء جياعا ويعانون العطش ومرضى ينتظرون هبات وعطف المانحين الدوليين.فأصبح الطريق الوحيد للمستقبل هو تحمل الحكومة الجديدة مسؤوليات إصلاح كل ما أفسدته العقود الماضية بما في ذلك العقدان الماضيان، وإن كان العلاج الناجع يتطلب كيَّ العصب.ولأن تكرار المعالجات المتماثلة من زوايا ضيقة لأزمات السودان المستفحلة على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي والثقافي قد زاد من اتساع الفجوة بين شواغل واهتمامات المواطنين وشواغل واهتمامات الحكومة، فقد برزت ظاهرة فقدان الثقة في مؤسسات الدولة ككل في نزوع الأطراف إلى حمل السلاح والخروج عن سلطة الدولة والمطالبة بحقوقهم عبر العنف، حتى دقَّ العنف أبواب الجامعات وتحولت ساحات التحصيل الأكاديمي وبناء قيادات المستقبل إلى ساحة عراك تسال فيها الدماء، وانتشر خطاب التحريض والكراهية والتعصب والعنصرية في تعليقات وكتابات النخب المثقفة حتى كادت أن تغيب الصورة الذهنية الإيجابية عن أبرز سمات السودانيين المتمثلة في التسامح والسلام والإنسانية والتعاضد والتراحم والكرم، فأصابت وجهه الصبوح بدمامل يحتاج علاجها لكيِّ العصب.ولأنها قد تكون الفرصة الأخيرة لأن يوافق التغيير المأمول جهداً موضوعياً واستجابة منطقية لأولويات السودان الدولة، فقد رأينا أن نضع قائمة بالأولويات القصوى التي يجب أن تقدم:إعمال، احترام، وحماية حقوق الإنسان،تقع على الحكومة التزامات قانونية وأخلاقية عظمى في تمكين جميع أفراد شعبها من التمتع التام بحقوقهم الأساسية المنصوص عليها بالمعاهدات الدولية الرئيسية في مجال حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني. ويترتب على هذا الالتزام بضرورة اتخاذ التدابير التنفيذية والقضائية والتشريعية اللازمة لتطبيق هذه الحقوق الناشئة بموجب قبول السودان لتلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.فقد صادق وانضم السودان إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في مارس 1977م، والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالحقوق المدنية والسياسية في مارس 1986م، والاتفاقية الدولية لمناهضـة الفصـل العنصري فـي الألعاب الرياضية 1986م، واتفاقية حقوق الطفل في أغسطس 1991م، والبروتوكولين الاختياريين المتعلقين بمنع إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة في يوليو 2005م، وببيع الأطفال واستخدامهم في البغاء والمواد الخليعة في نوفمبر 2004م، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والبروتوكول الاختياري الملحق بها في أبريل 2009م، واتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في 2013م، والاتفاقية الدولية المتعلقة بوضع اللاجئين 1974م، والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها 1977م، كما انضم السودان إلى سبع اتفاقيات من اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، إلى جانب الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في 1986م.بينما لم يصادق السودان أو ينضم إلى ثلاث اتفاقيات أساسية، هي: اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، رغم توقيعه عليها في 4 يونيو 1986م، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1984م، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، ولا البروتوكولات الملحقة بهذه الاتفاقيات أو بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.نلحظ مما تقدم أن الاتفاقيات الرئيسية تمت المصادقة عليها قبل أكثر من ربع قرن، سوى اتفاقيتين هما اتفاقيتا حقوق الطفل، والأشخاص ذوي الإعاقة، بينما تعثرت خطوات الدولة السودانية في حسم انضمامها إلى بقية الاتفاقيات الأساسية، والبروتوكولات التي تعلن فيها الدول قبول نظر اللجنة المعنية للشكاوى الفردية المقدمة من الأفراد والمنظمات، وبصفة خاصة اتفاقية مناهضة التعذيب، رغم إدراك الخبراء القانونيين في الحكومة السودانية بأن منع التعذيب وإدانته وتجريمه وملاحقة مرتكبه في كل الأوقات مفروض على السلطات الوطنية بموجب العرف الدولي، بل يمنع التعذيب حتى في حالة الطوارئ التي تتهدد الأمة حسب المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أضحى جزءا من القانون المحلي وفقا لدستور السودان. ولأن هنالك تباينا كبيرا بين الواقع والطموح، فإن المطلوب، فعلاً لا قولاً، هو تحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد من قبل الآليات الوطنية التي تم تأسيسها لهذا الغرض ومن قبل الحكومة بصفة خاصة. فقد تلاحظ وبوضوح خلال العقود الماضية أن تلك الآليات التي أنشأتها الدولة لحماية وتعزيز وحقوق الإنسان تحرص فقط على تقديم صورة مغايرة لحالة حقوق الإنسان للمجتمع الدولي بينما تعجز عن القيام بدورها الحقيقي في تقديم النصح والإرشاد للدولة في معالجة المخالفات والانتهاكات الجسيمة التي ترتكب بحق الأفراد والجماعات، وتعمل على تمكين الضحايا من إسماع صوتهم ومظلمتهم ومساعدتهم في الوصول إلى العدالة والإنصاف.وقد أدى هذا الوضع إلى فقدان الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان – مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مثالا - إلى الثقة في أداء الحكومة لواجباتها مما سهل من وضع السودان تحت عملية المراقبة الدولية عبر تعيين مقررين خواص وخبراء مستقلين تجددت ولايتهم بصورة مستمرة لمتابعة حالة حقوق الإنسان في البلاد منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي إلى اليوم.ونرى هنا ضرورة أن يولي رئيس الجمهورية اهتمامه لأمر إعادة تشكيل الآليات الوطنية من خبراء مستقلين متجردين من أي انتماء، محميين بموجب القانون، ويتمتعون حقيقة بالدراية والعلم والمهنية الكافية بمفهوم وآليات عمل القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأن تجد تدخلاتهم وتوصياتهم الاحترام والتنفيذ الفوري من جميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.لأنه لا يعقل أبداً أن يتم تشكيل مفوضية وطنية مستقلة في مجال حقوق الإنسان مثلاً، ويحتاج أعضاؤها لتنمية قدراتهم في مجال حقوق الإنسان، في بلد يذخر بالكفاءات والخبرات.المصالحة الوطنية ومعرفة الحقيقة وسيادة حكم القانون: لقد مر السودان منذ استقلاله وخلال أنظمة حكمه المختلفة الشمولية والديمقراطية بفترات طويلة من القمع السياسي، والنزاعات المسلحة والاقتتال الداخلي، ارتُكِبَت خلالها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان – مستمرة وواسعة النطاق ومنهجية - أفضت إلى غبن كبير حاق في النفوس، وهجرات نخب وكوادر إلى خارج البلاد، وإلى فقدان وظائف وحقوق، وانزواء قدرات وطنية عن دائرة التأثير بسبب الإقصاء في مناطق السلم، بينما أفضت النزاعات المسلحة إلى فقدان عشرات الآلاف من الأنفس، والممتلكات، وتدمير المؤسسات، ونزوح ولجوء مئات الآلاف من مناطقهم الأصلية في جنوب وغرب وشرق البلاد حسب إحصاءات الأمم المتحدة والحكومات المتعاقبة على السودان. هؤلاء من بقي منهم حيا لا يمكننا بأي حال أن نتجاوز حقوقه في صمت لنتحدث عن ديمقراطية ودولة مؤسسات دون أن تشعره الدولة باهتمامها بما لحقه من ظلم مسَّ كرامته الإنسانية، ومن خلال إرادة سياسية جامعة كما أشرنا في مقدمة هذا المقال، إرادة تجعل الحكومة السودانية الجديدة تعترف بحقوق الضحايا، وتبحث في أصول التراث السوداني والقيم الثقافة السودانية عن أبرز آليات الحل. حل يمكن الضحايا وذويهم من معرفة الحقيقة والحصول على الإنصاف المعنوي (الاعتذار) والمادي (التعويض) لأولئك الذين أصيبوا، أو قتلوا أو نهبت ممتلكاتهم في مناطق النزاعات المسلحة، والذين فقدوا وظائفهم ومنعوا من حرياتهم وحقوقهم الأساسية دون محاكمة عادلة. لقد جاءت الفرصة لأنظمة الحكم في بلادنا مرات ومرات لتحقيق المصالحة الوطنية والإنصاف وكشف الحقيقة، لكن فرصة هذا النظام هي الأكبر، فبعد انهيار اتفاقية أبوجا للسلام في 2006م، جاءت اتفاقية الدوحة 2011م، وما سبقها من مفاوضات حصلت على دعم دولي من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ونفذت إلى إشراك أصحاب المصلحة الحقيقيين عندما جلبت ممثلي النازحين واللاجئين من المعسكرات، والتزم راعيها بدعم ملف التعويض وإعادة الإعمار والتنمية. ورغم امتناع بعض من حملة السلاح عن التوقيع إلا أن تنفيذ الاتفاق من الجانب الوطني ينبغي أن يأخذ حقه كاملا من الاهتمام، حيث ما زلنا نلمس ضعف الخطوات المحلية في تحريك السلام الاجتماعي، في مقابل الاهتمام بالمستوى السياسي في إجراءات السلام، حيث تحقق لأبناء دارفور حكم ولايات دارفور جميعها، لكنني وغيري ننظر كأن بعض هذه القيادات الكبيرة تنعزل عن الأهداف التي خرجت من أجلها فور توليها السلطة على مستوى المركز أو الولاية، وهو ما يدفعنا لدعوتهم لإعادة النظر في أدوارهم المطلوبة خلال الفترة القادمة.لقد جسدت لنا تجربة قيادات المؤتمر الوطني في جنوب إفريقيا، أمثلة تضرب للأجيال في الالتزام العام والخاص بتطبيق منهج واضح للإنصاف ومعرفة الحقيقة جعلت فيه مصلحة الوطن في المقدمة.وفي المقابل تقع على الأحزاب السياسية المعارضة والحركات والجماعات المسلحة أن يتقدموا بمنهج واضح للحل السلمي تقبله الحكومة كأساس للتغيير السياسي والاجتماعي المنتظر. تغيير مقبول للجميع لا يقر فيه إقصاء أو إبعاد أحد من أي جماعة أو حزب، عن حقه في المشاركة إلا في حال ثبوت اعتدائه على حق عام، حتى لا ننتقل من حالة انتقام إلى انتقام، فيضيع الأمل المعقود على عودة السودان مستقرا آمنا. فربع قرن من الزمان مرت من عمر نظام الإنقاذ، سادتي الكرام، كاف لبلوغ تمام الرشد لكل إنسان، ولقدرته على التأثير في عصر تطورت فيه تقنيات وسائل الاتصال ونقل المعلومات، حيث لم يعد بإمكان أي سلطة أن تحجب الحقيقة أو تضع ستارا على أعين الناس حتى الذين لا تساعدهم أميتهم الأبجدية على القراءة والكتابة.
745
| 15 يونيو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2222/2015م بشأن حماية الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بها في النزاعات المسلحة، وهو ليس القرار الأول ولن يكون الأخير الذي يصدره المجلس من حين لآخر حول حماية الصحفيين ووسائل الإعلام، بسبب الاستهداف المستمر والمنهجي والواسع النطاق الذي يتعرضون له من قبل مختلف الأطراف مع انتشار وتوسع رقعة النزاعات المسلحة الداخلية والدولية التي تمر بها مناطق مختلفة من العالم وبصفة خاصة في منطقة الشرق الأوسط.أدان القرار الانتهاكات الجسيمة والتجاوزات المرتكبة ضد الصحفيين ووسائل الإعلام ودعا جميع أطراف النزاعات إلى الحد منها وإجراء تحقيقات جدية، وتقديم الجناة للعدالة، ومنع إفلاتهم من العقاب وإنصاف الضحايا، إضافة إلى إشارة هامة متعلقة بحماية الصحفيات النساء.كما طالب القرار جميع أطراف النزاعات المسلحة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بها والمعتقلين كرهائن والمختطفين.ودعا إلى التعاون بين الدول الأطراف والمنظمات الدولية إلى توفير التدريب وتنمية القدرات اللازمة لضمان حماية أمن وسلامة الصحفيين في النزاعات المسلحة.هذه المطالبات نفسها تكررت مع إضافات طفيفة في قرار سابق لمجلس الأمن صدر قبل تسع سنوات تحت الرقم 1837/ 2006م بشأن حماية الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بها في النزاعات المسلحة.وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضا قد أصدرت قرارها تحت 69/185 سنة 2014م حول أمن وسلامة الصحفيين، كما عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حلقة نقاشية خاصة لمناقشة هذه المسألة، وفي العام 2012م اعتمدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة –اليونسكو- خطة الأمم المتحدة حول أمن وسلامة الصحفيين، والتي شاركت في وضعها وتنفيذها وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة والمنظمات الدولية والمحلية المعنية بحماية الصحفيين وحرية الصحافة، وبعض ممثلي الدول الأطراف.إن تصاعد هذه الجهود الدولية لحماية الصحفيين هو نتاج طبيعي لاستفحال حجم المعاناة والمآسي التي تتعرض لها وسائل الإعلام والإعلاميين في مناطق النزاعات المسلحة، وحسب تقارير منظمات دولية فقد قتل خلال العشر سنوات الماضية فقط أكثر من ألف صحفي بينما تعرض المئات منهم للاعتقال التعسفي والاختطاف والتعذيب والاحتجاز القسري والتهديد بالقتل. كل هذه الأعمال الوحشية جعلت بيئة العمل الصحفي غير آمنة، وحولت الصحفيين من شهود ورسل للحقيقة إلى ضحايا يدفعون سلامتهم وأمنهم الشخصي بل وحياتهم ثمنا لها.كما أن قرار مجلس الأمن الدولي يحظى باهتمام خاص باعتبار أن المجلس يجسد السلطة التنفيذية العليا المعنية بحفظ الأمن والسلم الدوليين، وتعزيز واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، التزاما بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة، وتحقيقا لمفهوم الشرعية الدولية.والشرعية الدولية كما استقر في العرف الدولي تتشكل من القرارات والبيانات والتوصيات والآراء الاستشارية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، ومحكمة العدل الدولية، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان بجنيف، ومرجعيتها في ذلك القوانين الدولية المنطبقة: (القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي العرفي، والقانون الجنائي الدولي)، وتشتمل كل معاهدة من المعاهدات التي تشكل مصدرا لهذه القوانين على نص يوضح آلية إلزاميتها، وكيف يتم رصد ومراقبة تنفيذها واحترامها من قبل الدول الأطراف عند المصادقة والالتزام، بل ومنذ التوقيع يقع على الدول الموقعة بالأحرف الأولى (أصحاب الواجبات) التزامات أخلاقية: – سلبية - بالامتناع عن تجاوز تلك المبادئ والمعايير الدولية، والتزامات -إيجابية- بإتيان كل ما يضمن تطبيق تلك المبادئ والمعايير. ويلي إجراء التوقيع بالطبع التزامات قانونية وأخلاقية على الدول الأطراف توجب عليها كفالة التمتع التام لأصحاب المصلحة من الشعوب والأفراد بالحقوق التي تناولتها المعاهدة بل وتوفير سبل الإنصاف والعدالة إذا ما تم انتقاصها أو إهدارها. فالحقيقة الثابتة تقول إن الدولة هي المسؤولة أولاً عن حماية حقوق الإنسان في أوضاع النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية والاضطرابات الداخلية، وفي أوضاع السلم أيضا، وتتحمل أفعال من يقومون بتمثيلها من الموظفين الرسميين، والأجهزة الرسمية، وحتى الجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرتها ما دامت تلك الأفعال ترتكب على أراضيها.وقد كفل النظام الدولي لحقوق الإنسان للدول الحق في طلب الدعم والتدخل العسكري لحماية شعبها وسيادتها، كما توفر أيضا في القانون الدولي التدخل العسكري الجبري لفرض احترام حقوق الإنسان عندما تفشل الدولة في حماية مواطنيها من الانتهاكات الجسيمة والتجاوزات.وفقا لما تقدم فإن مسؤولية حماية المدنيين بما فيهم الصحفيون في النزاعات المسلحة تعتبر واحدة من أهم الالتزامات القانونية والأخلاقية التي رسختها ممارسة تاريخية مستمرة لأغلب الدول وأضحت عرفا صحيحاً لم يعد بالإمكان التنصل عنها بحجة عدم التوقيع أو المصادقة على أي معاهدة من المعاهدات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان خاصة في أوقات النزاعات المسلحة.والصحفيون هم أولى الفئات بتطبيق وحماية واحترام حقوقهم الإنسانية، لأنهم عندما يقومون بممارسة عملهم بمهنية فإنهم يمارسون حقوقهم الأساسية التي أقرتها جميع الشرائع والأعراف، يسعون للحصول على المعلومات في بيئات خطرة خاصة في مناطق النزاعات المسلحة ويعملون على نشرها للجميع باعتبارهم الشهود الوحيدين على وقائع انتهاكات وتجاوزات بشعة ترتكبها أطراف النزاع، ويكشفون للعالم معاناة الضحايا.لكن تطبيق كل ما ذكر أعلاه من مبادئ ومعايير دولية يتطلب توفر إرادة سياسية فعالة من جميع الدول الأطراف في الأمم المتحدة التي تقوم بالمشاركة في مناقشة وإصدار هذه القرارات، وتغض الطرف عن الالتزام بها وتنفيذها في الوقت نفسه. يجب على هذه الدول أن تقوم بإدماج التزاماتها الناشئة بموجب مصادقتها على المعاهدات الدولية في تشريعاتها المحلية وتعمل على منع وتجريم الاعتداء على الصحفيين، وجلب المعتدين للعدالة، وإجراء تحقيقات جدية، وإنصاف الضحايا منهم، واعتماد عدم سقوط الإدانة بالتقادم، إضافة إلى ضرورة تعاونها مع جميع الدول الأطراف في منع إفلات الجناة من العقاب، وتطبيق مبدأ الاختصاص القضائي الدولي في إلقاء القبض على الجناة.كما يقع على المؤسسات الإعلامية ضرورة العمل المشترك لوضع خطة شاملة تعنى بتنمية قدرات كوادرها في مجال حقوق الإنسان والقانون الإنساني بزيادة معارفهم وتطوير مهاراتهم في إدماجها في الإنتاج الإخباري والبرامجي، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان امتثالهم جميعا أفرادا ومؤسسات لشروط الأمن والسلامة المهنية أثناء قيام الإعلاميين بالتغطيات الصحفية في البيئات الخطرة، وتبني حملات التوعية بالحقوق والحريات العامة ذات المرجعيات القانونية والأخلاقية التي أعلنت الدول التزامها بها، حيث يتطلع الجمهور بشكل دائم إلى معرفة حقوقه وكيفية المطالبة بها وواجبات دولته وإلى أي مدى التزمت بها على المستوى الوطني والمحلي، إضافة إلى توفير بيئة العمل الحرة والآمنة للصحفيين حتى يقوموا بواجباتها وفقا لمعايير الصحافة الأخلاقية، مع ضرورة التعاون والتنسيق المشترك في الدفاع عن زملاء المهنة الذي يتعرضون لمخاطر النزاعات المسلحة.
871
| 08 يونيو 2015
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
2394
| 26 سبتمبر 2025
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...
2289
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
2265
| 25 سبتمبر 2025
يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...
1020
| 24 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...
894
| 23 سبتمبر 2025
صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....
825
| 24 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
786
| 25 سبتمبر 2025
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...
747
| 22 سبتمبر 2025
يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...
729
| 21 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
675
| 25 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
549
| 26 سبتمبر 2025
يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...
501
| 21 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية