رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2222/2015م بشأن حماية الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بها في النزاعات المسلحة، وهو ليس القرار الأول ولن يكون الأخير الذي يصدره المجلس من حين لآخر حول حماية الصحفيين ووسائل الإعلام، بسبب الاستهداف المستمر والمنهجي والواسع النطاق الذي يتعرضون له من قبل مختلف الأطراف مع انتشار وتوسع رقعة النزاعات المسلحة الداخلية والدولية التي تمر بها مناطق مختلفة من العالم وبصفة خاصة في منطقة الشرق الأوسط.
أدان القرار الانتهاكات الجسيمة والتجاوزات المرتكبة ضد الصحفيين ووسائل الإعلام ودعا جميع أطراف النزاعات إلى الحد منها وإجراء تحقيقات جدية، وتقديم الجناة للعدالة، ومنع إفلاتهم من العقاب وإنصاف الضحايا، إضافة إلى إشارة هامة متعلقة بحماية الصحفيات النساء.
كما طالب القرار جميع أطراف النزاعات المسلحة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بها والمعتقلين كرهائن والمختطفين.
ودعا إلى التعاون بين الدول الأطراف والمنظمات الدولية إلى توفير التدريب وتنمية القدرات اللازمة لضمان حماية أمن وسلامة الصحفيين في النزاعات المسلحة.
هذه المطالبات نفسها تكررت مع إضافات طفيفة في قرار سابق لمجلس الأمن صدر قبل تسع سنوات تحت الرقم 1837/ 2006م بشأن حماية الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بها في النزاعات المسلحة.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضا قد أصدرت قرارها تحت 69/185 سنة 2014م حول أمن وسلامة الصحفيين، كما عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حلقة نقاشية خاصة لمناقشة هذه المسألة، وفي العام 2012م اعتمدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة –اليونسكو- خطة الأمم المتحدة حول أمن وسلامة الصحفيين، والتي شاركت في وضعها وتنفيذها وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة والمنظمات الدولية والمحلية المعنية بحماية الصحفيين وحرية الصحافة، وبعض ممثلي الدول الأطراف.
إن تصاعد هذه الجهود الدولية لحماية الصحفيين هو نتاج طبيعي لاستفحال حجم المعاناة والمآسي التي تتعرض لها وسائل الإعلام والإعلاميين في مناطق النزاعات المسلحة، وحسب تقارير منظمات دولية فقد قتل خلال العشر سنوات الماضية فقط أكثر من ألف صحفي بينما تعرض المئات منهم للاعتقال التعسفي والاختطاف والتعذيب والاحتجاز القسري والتهديد بالقتل. كل هذه الأعمال الوحشية جعلت بيئة العمل الصحفي غير آمنة، وحولت الصحفيين من شهود ورسل للحقيقة إلى ضحايا يدفعون سلامتهم وأمنهم الشخصي بل وحياتهم ثمنا لها.
كما أن قرار مجلس الأمن الدولي يحظى باهتمام خاص باعتبار أن المجلس يجسد السلطة التنفيذية العليا المعنية بحفظ الأمن والسلم الدوليين، وتعزيز واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، التزاما بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة، وتحقيقا لمفهوم الشرعية الدولية.
والشرعية الدولية كما استقر في العرف الدولي تتشكل من القرارات والبيانات والتوصيات والآراء الاستشارية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، ومحكمة العدل الدولية، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان بجنيف، ومرجعيتها في ذلك القوانين الدولية المنطبقة: (القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي العرفي، والقانون الجنائي الدولي)، وتشتمل كل معاهدة من المعاهدات التي تشكل مصدرا لهذه القوانين على نص يوضح آلية إلزاميتها، وكيف يتم رصد ومراقبة تنفيذها واحترامها من قبل الدول الأطراف عند المصادقة والالتزام، بل ومنذ التوقيع يقع على الدول الموقعة بالأحرف الأولى (أصحاب الواجبات) التزامات أخلاقية: – سلبية - بالامتناع عن تجاوز تلك المبادئ والمعايير الدولية، والتزامات -إيجابية- بإتيان كل ما يضمن تطبيق تلك المبادئ والمعايير.
ويلي إجراء التوقيع بالطبع التزامات قانونية وأخلاقية على الدول الأطراف توجب عليها كفالة التمتع التام لأصحاب المصلحة من الشعوب والأفراد بالحقوق التي تناولتها المعاهدة بل وتوفير سبل الإنصاف والعدالة إذا ما تم انتقاصها أو إهدارها.
فالحقيقة الثابتة تقول إن الدولة هي المسؤولة أولاً عن حماية حقوق الإنسان في أوضاع النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية والاضطرابات الداخلية، وفي أوضاع السلم أيضا، وتتحمل أفعال من يقومون بتمثيلها من الموظفين الرسميين، والأجهزة الرسمية، وحتى الجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرتها ما دامت تلك الأفعال ترتكب على أراضيها.
وقد كفل النظام الدولي لحقوق الإنسان للدول الحق في طلب الدعم والتدخل العسكري لحماية شعبها وسيادتها، كما توفر أيضا في القانون الدولي التدخل العسكري الجبري لفرض احترام حقوق الإنسان عندما تفشل الدولة في حماية مواطنيها من الانتهاكات الجسيمة والتجاوزات.
وفقا لما تقدم فإن مسؤولية حماية المدنيين بما فيهم الصحفيون في النزاعات المسلحة تعتبر واحدة من أهم الالتزامات القانونية والأخلاقية التي رسختها ممارسة تاريخية مستمرة لأغلب الدول وأضحت عرفا صحيحاً لم يعد بالإمكان التنصل عنها بحجة عدم التوقيع أو المصادقة على أي معاهدة من المعاهدات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان خاصة في أوقات النزاعات المسلحة.
والصحفيون هم أولى الفئات بتطبيق وحماية واحترام حقوقهم الإنسانية، لأنهم عندما يقومون بممارسة عملهم بمهنية فإنهم يمارسون حقوقهم الأساسية التي أقرتها جميع الشرائع والأعراف، يسعون للحصول على المعلومات في بيئات خطرة خاصة في مناطق النزاعات المسلحة ويعملون على نشرها للجميع باعتبارهم الشهود الوحيدين على وقائع انتهاكات وتجاوزات بشعة ترتكبها أطراف النزاع، ويكشفون للعالم معاناة الضحايا.
لكن تطبيق كل ما ذكر أعلاه من مبادئ ومعايير دولية يتطلب توفر إرادة سياسية فعالة من جميع الدول الأطراف في الأمم المتحدة التي تقوم بالمشاركة في مناقشة وإصدار هذه القرارات، وتغض الطرف عن الالتزام بها وتنفيذها في الوقت نفسه. يجب على هذه الدول أن تقوم بإدماج التزاماتها الناشئة بموجب مصادقتها على المعاهدات الدولية في تشريعاتها المحلية وتعمل على منع وتجريم الاعتداء على الصحفيين، وجلب المعتدين للعدالة، وإجراء تحقيقات جدية، وإنصاف الضحايا منهم، واعتماد عدم سقوط الإدانة بالتقادم، إضافة إلى ضرورة تعاونها مع جميع الدول الأطراف في منع إفلات الجناة من العقاب، وتطبيق مبدأ الاختصاص القضائي الدولي في إلقاء القبض على الجناة.
كما يقع على المؤسسات الإعلامية ضرورة العمل المشترك لوضع خطة شاملة تعنى بتنمية قدرات كوادرها في مجال حقوق الإنسان والقانون الإنساني بزيادة معارفهم وتطوير مهاراتهم في إدماجها في الإنتاج الإخباري والبرامجي، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان امتثالهم جميعا أفرادا ومؤسسات لشروط الأمن والسلامة المهنية أثناء قيام الإعلاميين بالتغطيات الصحفية في البيئات الخطرة، وتبني حملات التوعية بالحقوق والحريات العامة ذات المرجعيات القانونية والأخلاقية التي أعلنت الدول التزامها بها، حيث يتطلع الجمهور بشكل دائم إلى معرفة حقوقه وكيفية المطالبة بها وواجبات دولته وإلى أي مدى التزمت بها على المستوى الوطني والمحلي، إضافة إلى توفير بيئة العمل الحرة والآمنة للصحفيين حتى يقوموا بواجباتها وفقا لمعايير الصحافة الأخلاقية، مع ضرورة التعاون والتنسيق المشترك في الدفاع عن زملاء المهنة الذي يتعرضون لمخاطر النزاعات المسلحة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
رئيس قسم الشراكات والبحوث
مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان
شبكة الجزيرة الإعلامية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5316
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
4368
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
3669
| 05 أكتوبر 2025