رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

التطرف الهندوسي.. خطر على هوية الهند

صعود المدّ الهندوسي المتطرف ممثلاً بالذراع السياسي حزب جاناتا بارتي الهندوسي، وخلفيته الحركية العقدية حركة آر إس إس الهندوسية المتطرفة، ليس خطراً على المسلمين والأقليات الأخرى كالمسيحية والسيخية وغيرها، وإنما خطره الحقيقي على حقيقة وهوية الهند العلمانية التي قدمت نفسها منذ رحيل الاحتلال البريطاني عنها. وإن كانت بداية هذا الصعود بدأ بتراجع حزب المؤتمر الهندي بزعامة آل غاندي وبرز على أنقاضه هذا الحزب الهندوسي المتطرف، ليقضي بذلك على سلالة حكمت الهند لحوالي 46 عاماً متواصلة. يستمد حزب جاناتا بارتي قوته الاجتماعية من الطبقة الوسطى، والطبقة العليا الهندوسية بحسب التصنيفات الدينية للهندوس، بالإضافة إلى طبقة رجال المال والأعمال، وكان أول بروز سياسي للحزب في انتخابات عام 1984 حين تمكن من الفوز بمقعدين فقط، ليحصل في عام 1996 على 161 مقعداً والذي كان على حساب تراجع حزب المؤتمر الهندي بزعامة آل غاندي، وقد أثار هذا الصعود الصاروخي لحزب هندوسي متطرف في دولة عرفت بالعلمانية أسئلة كثيرة وتساؤلات أكثر عن طبيعة الوعود والطموحات التي قدمها الحزب للناخبين الهنود حتى أقنعهم بهذا الزخم للتصويت لصالحه. شكّل هدم المسجد البابري التاريخي عام 1992 من أجل بناء معبد هندوسي على أنقاضة ذروة التعصب الهندوسي، وأتى التضامن العربي والإسلامي مع المسلمين الهنود ليدفع بالمحكمة إلى توقيف عملية الهدم والبناء، ولكن استمر الجمر تحت الرماد، وتزايدت معه موجة الغضب الهندوسية المتطرفة، مما وسّع التضامن الإسلامي إلى خارج الهند والدول المجاورة في باكستان وبنغلاديش، لتصل إلى العالم العربي والإسلامي، لاسيما مع نيل الناطقة باسم الحزب الهندوسي من الرسول عليه السلام، وهو ما أطلق موجة احتجاجات ومقاطعات ضخمة على مستوى العالم الإسلامي ضد الهند وممارساتها ضد المسلمين الهنود المقيمين هناك. اللافت هذه المرة هو ضعف التعاطي الباكستاني حكومة وأحزاباً وشعباً تجاه تصاعد المد الهندوسي المتطرف بحق المسلمين هناك، فلا الحكومة كانت على مستوى الحدث كما كانت ردة فعل حكومات سابقة تجاه قضية رسم الكاريكاتورات المسيئة للنبي عليه السلام، ولا حتى على مستوى الأحزاب اليمينية، أو الإسلامية التي كانت تقفل إسلام آباد العاصمة احتجاجاً على قضايا أقل مما نواجهه اليوم. من الواضح أن الهند لم تُعرْ اهتماماً وعناية للدول العربية والإسلامية التي ظهرت فيها حملات شعبية قوية هذه المرة ضد ممارساتها بحق المسلمين، أو نيلها من النبي عليه السلام، أو الدعوة إلى مقاطعة البضائع الهندية، مما عكس إصراراً هندياً على هذه المواقف، وعكس معه رغبة باستمرار المواجهة.

2496

| 14 يونيو 2022

أورنكزيب السلطان العادل المنسي 2/2

نواصل في الحلقة الثانية من حديثنا عن السلطان العادل المنسي أورنكزيب، وكيف تغلّب على إخوانه واتجاههم الإلحادي، التلفيقي بين الأديان... تغلُّبه على إخوانه بعد تنازل والده: عام 1657 مرض شاه جهان والد أورنكزيب مرض الموت. عُرف شاه جهان في التاريخ ببنائه تاج محل الذي بناه على قبر زوجته المحبوبة له، وشارك في بنائه 21 ألف شخص، واستمرت عملية البناء لـ 12 سنة. كان هذا البناء الأسطوري تعبيراً من الملك شاه جهان عن وفائه لزوجته التي أحبها كثيراً، ويُعدّ تاج محل اليوم من عجائب الدنيا السبع. ومع اشتداد مرضه تنازل شاه جهان عن المُلك، ليجلس في القلعة التي كان يسكن فيها نجله الأكبر (دارا شكوه). أخفى الأخير مرض والده عن أشقائه، ومن بينهم أورنكزيب الذي كان مشغولاً بقمع تمردات البراهتا، وهم أتباع ديانة هندية خاصة، إضافة إلى انشغاله في قمع تمرد للشيعة في حيدر آباد الدكن. وفي هذه الأثناء ظل (شكوه) يواصل تزوير خطابات باسم والده، ويرسلها لأشقائه ولعماله في السلطنة، من أجل تسيير المملكة بما يتوافق مع طموحاته ونيته بالاستحواذ على الحكم. كان شكوه يمثل التيار الإلحادي المعادي للاتجاه الإسلامي، الذي كان من أبرز رموزه أورنكزيب بالتنسيق مع حركة التجديد الإسلامي التي كان قد بدأها العلامة الشيخ أحمد السرهندي، مجدد الألف الثانية كما يطلق عليه مسلمو الهند، وتصاعد وتعزز نفوذ هذه الحركة لاحقاً، مما شكل تعاوناً بينهما دعماً لكليهما في وجه التيارات الإلحادية المدعومة من (شكوه)، ووالده المريض شاه جهان. لم تقتصر مشاركة الأب لـ شكوه دعماً معنوياً ورمزياً، وتسليماً للحكم فحسب، وإنما بدأ من خلال نفوذه على عماله بالدخول في تفاصيل التآمر على أورنكزيب، ووصل الأمر إلى توزيع سلاح سري على الخدم والعمال في قصر أورنكزيب للقضاء عليه والتخلص منه لصالح شكوه. لقد كان يرى في أورنكزيب مشروعاً مضاداً له ولوالده أكبر. كان أورنكزيب بدهائه وحكمته مطلعاً، ويتابع سراً كل ما يقوم به أخوه ووالده، ولكن لم يأت له على ذكر، حتى أمسك بكل الخيوط وكتب رسالة تفصيلية له بكل احترام وتقدير، يشرح له تآمره عليه، ولكن ظل مع هذا حتى آخر لحظة من حياة والده رفيقاً وعطوفاً ورحيماً به، مع حزم وكفاءة شهدت له. يقول المؤرخ المغولي محمد كاظم في كتابه عالم كير نامة عن الأمير شكوه: "ورسخ في قلبه الإلحاد والنظريات الإباحية التي كان يسميها تصوفاً، وولع بعادات الهنادكة، فكان على خطى جده أكبر". ولم تقتصر جهود شكوه على الجوانب العملية بحكم إمارته في ترسيخ دين أكبر، وإنما عززها بقدرته الفكرية حين ألف عدداً من الكتب ليدافع فيها عن مشروعه الإلحادي ودين جده أكبر. مع اجتماع السيف والقلم الإلحادي، كان على الطرف الآخر ممثلاً بالحركة الإحيائية التجديدية والأمير أورنكزيب أن يعزز صفوفه، وهو ما حصل، فقد دعم العالم المجاهد محمد السعيد نجل أحمد السرهندي الإمبراطور المغولي أورنكزيب في معاركه كلها ضد أشقائه وأبيه، موفّراً له بذلك حاضنة مجتمعية وسط مسلمي الهند، وحشد له العلماء خلفه في جميع معاركه التي خاضها ضد أشقائه الآخرين بقيادة شكوه. بينما كان الأب المريض حتى وهو على فراش الموت يواصل تآمره لصالح شكوه، ضد أورنكزيب. كان الاتجاهان، الإلحادي، والإسلامي التجديدي، يستعدان للمعركة الكبرى، وكان رمز الإلحاد كما ذكرنا الأمير شكوه وإخوانه، بينما يقود معسكر التجديد الإسلامي الأمير أورنكزيب ومن خلفه العلماء والحاضنة التي بدأت تتعاظم تأييداً ودعماً له، فكانت المعركة الفاصلة التي حددت معالم الهند، ومعالم الإمبراطورية المغولية عام 1069، وسبق المعركة انشقاق 15 ألف مقاتل سيخي بقيادة جاسوانت سنغ، عن جيش أورنكزيب، والتحقوا بجيش شكوه، وعلى الرغم من حزن أورنكزيب على هذا الانشقاق، لكن طمأنه قادته وعلماؤه أن ذلك خير من أن يظلوا بالجيش ويقاتلونه من الداخل. وحُسمت المعركة لصالح أورنكزيب، وكأداء لشكره الله على هذا الانتصار فقد تعهد بحفظ القرآن الكريم فكان له ذلك خلال عامين فقط. جهوده وإنجازاته في فترة حكمه: استمرت فترة حكم أورنكزيب لـ 49 عاماً، أي ما يقارب النصف قرن، تمكن خلالها بمساعدة علماء عصره من الحركة التجديدية، من إحداث تغييرات بنيوية وجوهرية في الإمبراطورية المغولية، ولأول مرة بدأ يظهر اهتمام بالدعوة إلى الله، بعد أن كان الدين أقرب ما يكون إلى وسيلة وواسطة للحكم. فسارع أورنكزيب بعد تسلمه السلطة إلى استبدال التاريخ الشمسي الذي سنّه جده أكبر متأسياً بعبّاد الشمس، إلى التاريخ الهجري تأسياً بهجرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام. وأرفقها بسلسلة تغييرات، فكان منها إلغاء منصب ملك الشعراء، حيث كان الشعراء يحصلون على المبالغ الضخمة من الإمبراطورية مقابل قصائد مديح كاذبة وتزلف ونفاق للأمراء. وألغى معها عيد النوروز الخاص بالفرس، واكتفى بعيديّ المسلمين الفطر والأضحى. وكانت ثمة ما يسمى بعبادة (روشن) وهي تحديق الناس لساعات في وجه الملوك، فألغاها، وحظرها، أما على صعيد الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فقد أعفى الناس من الضرائب والمكوث المفروضة عليهم، والتي كبّلتهم ودمرت اقتصادهم. وخطا خطوة مميزة على صعيد أوقاف المسلمين، حين أنعشها، وأوقف العديد من الأراضي لمصالح المسلمين، وقام بتشكيل شرطة للحسبة، وأمّر عليها العلامة مير زاهد الهروي المعروف يومها وسط العلماء. منذ توليه الإمبراطورية شنَّ حرباً على الموسيقى، نظراً لتفشيها بشكل مفرط خلال الفترة المغولية، وبعد توليه الإمبراطورية رأى حشداً يحملون جنازة وهم يبكون وينتحبون، فسأل عن صاحبها فقالوا له إنها آلات المعازف، فقال لهم: "أحسنوا دفنها وعزاءها". لكن يظل من الجهود الجبارة التي قام عليها في حياته تشكيله لجنة من العلماء، ومن بينهم الشيخ عبد الرحيم الدهلوي المؤرخ والصوفي المعروف، وهو والد العلامة شاه ولي الله الدهلوي صاحب كتاب (حجة الله البالغة)، حيث عكفت هذه اللجنة على تدوين (الفتاوى العالمكيرية) أو ما تسمى أحياناً بـ (الفتاوى الهندية)، لتكون بمثابة دستور عدلي للإمبراطورية على غرار المجلة العدلية العثمانية. وكان المشرف عليها العالم المعروف نظام الدين البرنهابوري، وتقع هذه الفتاوى في ستة مجلدات. أما الشيخ عبد الرحيم الدهلوي فهو من الوجوه العلمية البارزة كما ذكرنا، وواصل جهده على أرض الواقع بجانب عمله في لجنة الفتاوى العالمكيرية، فأسس مدرسة دينية باسم (رحيمية) وسط نيودلهي، تسلمها ابنه شاه ولي الله الدهلوي بعد وفاته، وعمره يومها لا يتعدى 17 عاماً بعد أن كان قد حفظ القرآن الكريم وهو ابن 15 سنة. استغل أورنكزيب في بداية سلطته شركة الهند الشرقية في قمع التمردات الداخلية، ولكن ما إن قويت شوكته حتى بدأ يحاربها، وُيضيّق عليها، وبرز ذلك في إغلاق مصانعها، وإلقاء كبار ضباطها في السجون، كما أجبرها على دفع تعويضات لمخالفات خطيرة وقعت فيها، ولاحق بعض ما أطلق عليهم قراصنة ومن بينهم رئيسها هنري أفري الذي وضع مكافأة لمن يأتي برأسه. كان من الصروح التي خلّفها وراءه بناؤه لمسجد باد شاهي في وسط لاهور، الذي بناه بشكل فاخر على الطراز المغولي الفريد، وجلب له الحجارة الخاصة من الهند، ويتسع المسجد لمائة ألف مصلٍ، وقد زرته حيث يرقد في باحته قبر الشاعر الإسلامي المعروف محمد إقبال، والذي توفي بعده بقرنين تقريباً. كان حريصاً رحمه الله على أكل الحلال، وعدم الاقتراب من خزانة الإمبراطورية، فلم يتقاضَ راتباً من خزانتها كما يقال، بل كان يصنع القلنسوات والطواقي ويبيعها، ليعيش منها، ومعها يكتب القرآن الكريم بخطه الجميل، ليقوم ببيعه، ويعيش عليه. فكانت حياته وعصره أعجوبة الأعاجيب، فبعد أن كان المألوف لدى الناس هو عيش الإمبراطور وأمرائه حياة البذخ واللهو، والشراب والنساء والحفلات، فوجئوا بشخصية مخالفة تماماً لما اعتادوا عليه وآباؤهم وأجدادهم. رحل أورنكزيب (آسر العالم) عن هذه الدنيا الفانية يوم الجمعة لـ 22 خلت من ذي القعدة 1118 الموافق لـ 20 فبراير/شباط 1707، ودفن في بلدة جلال آباد جنوبي الهند، لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يصلي صلاة الفجر على سجادته، وكان قد أوصى قبل وفاته بألاّ يُبنى على قبره كعادة ملوك المغول، وشدد على ألاّ يوضع في تابوت، وأن تُتجنب كل أشكال البدع أثناء جنازته. رحم الله سلطان العلماء العادلين، والخليفة الراشد السادس، فقد ترك ذكراً بين أهل الأرض.

1985

| 07 يونيو 2022

أورنكزيب.. الإمبراطور العادل المنسي 2/1

بعد 308 سنوات على وفاته، لا يزال الإمبراطور السادس للسلطنة المغولية في الهند السلطان أبو المظفر محيي الدين محمد أورنكزيْب (آسر العالم) مالئ الدنيا وشاغل الناس، ففي أغسطس/آب من عام 2015، نجح الحزب الهندوسي المتطرف (جاناتا بارتي)، بزعامة رئيس الوزراء الحالي نارسيما مودي، في تغيير اسم شارع أورنكزيب وسط العاصمة نيودلهي، ومنحه إلى الرئيس الهندي السابق أبو الكلام آزاد الذي توفي يومها، وأتى منحه هذا الشارع نظير خدماته للهند، في صناعة قنبلتها النووية التي أطلقت عليها تسمية (ابتسم بوذا)، بالإضافة إلى دوره في بناء مشروعها الصاروخي. اليوم تعاني الهند من أزمة هوية حقيقية، فما أراده لها الآباء المؤسسون في هوية علمانية تجمع الجميع، مهددة اليوم بهندوسية متطرفة لاسيما مع وصول حزب جاناتا بارتي الهندوسي المتطرف إلى السلطة، والإعلان عن عدائها المزمن والعلني مع الدين الإسلامي، ما دام يرى في نظرياته العقدية أن مجاله الحيوي يصل إلى الجزيرة العربية. ربما كان باني الدولة الهندية الحديثة جواهر لال نهرو قد حلم بهذه اللحظة، ولكن لم يجرؤ أن يقدم عليها، والدولة الهندية العلمانية حديثة الولادة، وذلك منعاً لإرسال إشارات مبكرة على هندوسية الدولة، وهندوسية مؤسسيها، بيْد أن مدلول كلامه الذي سطره منذ تلك الفترة يشير إلى رغبته في رؤية هذه اللحظة، يقول نهرو: (ما يُسمى بالإمبراطور العظيم أورنكزيب، لقد أراد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في حكمه، ولكنه لم يوقف الساعة فقط وإنما كسرها). حديثنا في هذا المقال عن شخصية استثنائية أثارت إعجاب خصومها، وظل إرثها يتفاعل حتى بعد ثلاثة قرون، كما رأينا في تغيير اسم الشارع الحامل لاسمها، مما يعكس مدى التغيير العميق والجوهري الذي أحدثته في زمانها ومكانها، وهو حيز ضخم، حيث كانت تعد أكبر إمبراطورية حينها، لحكمها مائة وخمسين مليون نسمة، يُضاف إلى تأثيرها العميق حجم الإنجازات التي أحدثتها في فترة حكم طويلة امتدت نصف قرن تقريباً. لكن.. مع تنائي الجغرافيا الهندية عن المنطقة الإسلامية الحية، ممثلة بالخلافة العثمانية مركز زلزال الفعل الإسلامي يومها، إضافة إلى المعركة التي وقعت في أنقره بين بايزيد الأول الذي يسمى بالصاعقة، وأجداد أورنكزيب، فقد ظلت تلقي بذيولها وتأثيرها على نفسيه الجيل اللاحق، ولو من باب العقل الباطن. فقد شكّل إذلال المغول لـ بايزيد يومها بأسره مع كبار قادته العسكريين وموته صبراً متأثراً بكمده وحزنه على ما حلّ به، شكّل خزان غضب وحقد صامت بين الخلافة العثمانية والمغولية، وظلت آثاره لقرون، فدفع الأخيرة إلى أن تكون أقرب إلى الدولة الصفوية منها إلى الخلافة العثمانية، أضف إلى ذلك قربها الجغرافي من إيران، وحالات التزاوج التي دأب عليها سلاطين المغول من الفارسيات يومها، ويُذكر أن الدولة الصفوية اشترطت على المغول قطع العلاقات مع العثمانيين كي تقف معها في وجه خصومها الأفغان وغيرهم، ولعبت الأقلية الشيعية دوراً مبكراً في اختراق الدولة المغولية كذراع صفوية، إلى أن أتت شخصيتنا التي نحن بصددها فقلّصت نفوذهم، وأخمدت عدة تمردات لهم، فصدق القول على الإمبراطورية المغولية بأنها خلطت عملاً صالحاً وكثيراً سيئاً. جاء القائد أورنكزيب ومعنى اسمه (آسر العالم) في هذه البيئة ليكون بحق غاسل ما حمله المغول من أخطاء وخطايا وأدران، في شبه القارة الهندية على مدى قرون من حكمهم، وللأسف فإن هذه الشخصية المميزة والفريدة لم تنل حقها في الدراسات العربية، فكان بحق وحقيقة من أنصار النبي جهاداً، وقمعاً للتمردات الداخلية، ونشراً للعلم وقمعاً للبدعة، ودثراً لدين أكبر الذي بدأه جده السلطان أكبر حين لفّق ديناً سُمي باسمه، سعى من خلاله للجمع بين الإسلام والهندوسية والأديان الهندية الأخرى وما أكثرها. أشعر كشخص قضى شطراً من حياته في شبه القارة الهندية، دارساً وإعلامياً بديْن كبير في رقبتي، لتلك الشخصيات المجهولة والفذة، ولعل نبْش تلك الملفات المجهولة، يشد شبابنا إلى حقيقة غائبة، وهي أن الجيل القرآني الفريد للصحابة ليس مرحلة تاريخية عابرة، وإنما في التاريخ المعاصر ثمة من تأسّى بهم، وجدد سيرتهم، كشخصية أورنكزيب رحمه الله، سلطان العادلين، الذي أطلق عليه الشيخ الجليل الراحل علي الطنطاوي رحمه الله الخليفة الراشد السادس.

1599

| 31 مايو 2022

الأمم المتحدة... دور يثير شكوك السوريين

بين وقف الأمم المتحدة إحصاء قتلى السوريين، وحسمها حالة الانتظار الطويل للسوريين في معرفة مصير فلذات أكبادهم المختفين قسرياً لدى النظام السوري ست سنوات ونيف، فبينما أعلنت المنظمة الدولية أخيراً بأن غالبية المعتقلين السوريين قد قتلوا ودفنوا، دون أن تعطي المنظمة الدولية تفاصيل لذوي الضحايا الذين ينتظرون تأكيدات، فضلاً عن معرفة كيف قتلوا، ولائحة الاتهامات الموجهة إليهم، وأكثر من هذا كيف توصلت المنظمة الدولية لهذه المعلومات، لكن كل هذا ليس من أولويات المنظمة الدولية على ما يبدو. حتى الآن المنظمات الحقوقية السورية تقدر عدد المغيبين قسرياً بأكثر من 130 ألف شخص، بينهم نساء وشيوخ وأطفال قُصّر، ولكن كثيراً من الحقوقيين يرون الرقم أكبر من هذا بكثير، إذ هذا ما استطاعت المنظمات الحقوقية توثقه. وبينما كانت الأمم المتحدة تعلن ذلك الخبر الفاجع للسوريين الذي يمس الملايين منهم، كان المبعوث الدولي لسوريا غير بيدرسون مهتماً أكثر بالجولة الدستورية، وهي كل ما تبقى من الهولوكوست السوري برأيه، حيث سارع بيدرسون للترحيب بإفراج النظام عن مئات من المعتقلين السوريين، وهو الذي أفرج عنهم دون أن يعلن أصلاً ولسنوات عن سبب الاعتقال ولا عن لائحة الاتهام، ولم يعرضهم حتى على قضاء معروف بهزليته، ولكن على الأقل من باب الشكليات. بينما التزم بيدرسون الصمت تماماً إزاء مجزرة التضامن التي تم الكشف عنها وراح ضحيتها 288 شخصاً، وتم توثيق ذلك بالصوت والصورة، ولكن لم يعلق المبعوث الدولي أبداً عليها، تماماً كحال المنظمة التي ينتمي إليها. عشرات الآلاف الذين قضوا ووثقتهم كاميرا «قيصر» الذي تابعها العالم كله قبل سنوات، وبالتأكيد تابعتها الأمم المتحدة، لكن كالعادة لم تكترث بها، كاكتراثها في زراعة البحر المصرّة عليه، في اللجنة الدستورية، والتي لم يتم الاتفاق على كلمة واحدة من الدستور الذي تبحثه منذ سنوات، بينما طاحونة القتل والدمار والخراب متواصلة وعلى رأسها طاحونة تعذيب وتصفية المعتقلين، إذن هي نفس الاستراتيجية التي انتهجها النظام منذ السبعينيات والثمانينيات، وسط صمت دولي وأممي، وذلك حين اعتقل عشرات الآلاف، وصفّاهم في سجونه وعلى رأسها تصفيات سجن تدمر بحسب شهادات المعتقلين الذين يتحدثون عن تصفية ما لايقل عن 30 ألف معتقل في السجن لوحده، ومع هذا التزمت الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية الصمت إزاء تلك المجزرة المتنقلة والمستمرة لأكثر من عقدين، ومن بين تلك المجازر مجزرة مدينة حماة في فبراير/ شباط 1982 ،والتي ستظل نقطة سوداء بتاريخ المنظمة لصمتها، والتي راح ضحيتها 40 ألفا استخدم النظام يومها الدبابات والمدفعية والصواريخ في تدمير المدينة، واتخذت المنظمة الدولية وضع المزهرية، وربما لو اتخذته في تلك السنوات لكان الوضع مختلفاً اليوم في تعاطي النظام السوري مع معتقليه ورهائنه. اللافت أن الأمم المتحدة التي دعت إلى محاكمة النظام السوري، وتوثيق جرائمه التي ارتكبها بحق السوريين، هي من أول من تخرق دعواتها، بالتحاور مع نظام إبادة، وهي التي تعرف أكثر من غيرها مجازرة الكيماوية، وكذبه عليها بأنه دمر ترسانته من الأسلحة الكيماوية، ليتبين لاحقاً أنه لم يدمرها بالكامل، والدليل أنه استخدمها غير مرة بعد تعهده بالتدمير، فكانت مجزرة الكيماوي في اللطامنة وخان شيخون وسراقب وغيرها. سجل السوريين مع الأمم المتحدة كسجل الفلسطينيين والعراقيين والأفغان وغيرهم، فلم تفلح بإنصاف الضحايا، وإنما اقتصر عملها على إدارة أزمات، وفي الغالب تكون الإدارة لصالح الظالم وليس المظلوم، وحتى الدور الذي عُرفت به من تقديم احتياجات اللاجئين والمشردين ترى نفسها اليوم تخضع، بل وتقبل بابتزاز روسيا العضو في مجلس الأمن الدولي لها، باستخدام الفيتو الخاص بها لوقف تدفق المساعدات الإغاثية لملايين المشردين في الخيام بالشمال السوري، ووسط هذا كله يواصل النظام السوري هوايته في تصدير الأزمات، إن كان بتصدير الكبتاغون للعالم كله، حيث احتشد الجيش الأردني لحماية حدوده من تسونامي المخدرات والكبتاغون، أو لتصدير خبراته التدميرية إلى أوكرانيا بعد أن كشفت الغارديان عن إرسال 50 من خبرائه إلى روسيا، لتصدير خبرته في صناعة البراميل المتفجرة وإلقائها على الأهالي هناك كما فعل في سوريا.... نظام لا يُحسن إلاّ تصدير أزماته، وفتنه، ونظام برع في فن التدمير والتخريب، ولا شيء غيره، ولكن هذه المرة تدمير وتخريب خارج سوريا التي دمرها لـ 12 عاماً، ولا تزال الأمم المتحدة مستعدة للتعاطي معه وتوفير غطاء الشرعية له.

1809

| 24 مايو 2022

فنلندا وروسيا وتركيا والثورة السورية

مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وتصاعد احتمالية الصدام الغربي- الروسي نتيجة أوكرانيا، تزداد فرص الثورة السورية، إذ إنه بات من المعلوم من السياسة السورية بالضرورة أنه لولا الدعم الغربي، وتحديداً الأمريكي، لما تجرأ الروس على غزو سوريا في سبتمبر/أيلول 2015، وهو ما كشفته مصادر أمريكية رسمية وبحثية سابقاً، وعلى رأسها شهادة نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق أندرو أوكسوم أمام الكونغرس الأمريكي بأن الغزو تم بتنسيق أمريكي- روسي، ربما يفسره ما نشرته موسكو تايمز الناطقة بالإنجليزية عن الخارجية الروسية حين هددت بتغيير جذري في سياستها إن تم ضم فنلندا إلى حلف النيتو، والذي تفاعل معه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الفور فأعلن عن رفضه قبول ضم فنلندا والسويد إلى الحلف لكونهما ملاذين آمنين للإرهابيين الأكراد، واستند أردوغان برفضه هذا على الحق الذي يمنحه إياه حلف النيتو، بحق أي عضو من أعضائه على الاعتراض على ضم أعضاء جدد. هذه الإشارات السياسية من هنا وهناك، قد تفسر لنا طبيعة علاقة الثورة السورية بما يجري على الساحة الأوكرانية والفنلدية، فتركيا التي تسير على حبل مشدود ورفيع جداً، طرفاه روسيا، والغرب، تجد في رغبة الانضمام من قبل السويد وفنلندا، فرصة مهمة لفرض شروطها على الغرب وروسيا، ولذا فهي تسعى إلى إرسال رسائل لروسيا بأنها مستعدة لمنع حصول الانضمام هذا، إن هي قبضت الثمن، والثمن اليوم على ما يبدو هو أن تخلُفْها في سوريا بعد انسحابها الذي بدأ، يفسره أكثر استدعاء رأس النظام السوري بشار الأسد بشكل عاجل ولأربع ساعات فقط إلى طهران ولقاءاته مع المسؤولين الإيرانيين بمن فيهم الخامنئي، حيث تخشى إيران من استبعادها من سوريا، مما عكس مدى الخوف والقلق الإيرانيين من الفراغ الذي سيخلفه انسحاب القوات الروسية، لكن من الصعب على الروسي المتحالف مع الإيراني بحيزات إقليمية ودولية عدة أن يضحي به لصالح التركي، بالمقابل فإن التركي يحاول ابتزاز الطرف الغربي بقبض ثمن السماح لدول مثل السويد وفنلندا بالانضمام إلى حلف النيتو، وربما يكون الثمن أبعد من الورقة الكردية وهو تغير كبير في استراتيجيته تجاه النظرة التركية في سوريا، ولعل التصعيد الثوري العسكري الذي حصل في الشمال السوري بداية لجس نبض الأطراف كلها. قرار تركيا السابق بإغلاق مضيق البوسفور بوجه أسطول سيفاستوبول الروسي في البحر الأسود المسؤول عن دعم قوات بلاده في كل من سوريا وليبيا، مع قرارها أخيراً بإغلاق أجوائها بوجه الطيران الروسي من وإلى سوريا، يضع المخطط الروسي جيواستراتيجياً تحت ضغوط هائلة. الواضح أن الحلف الروسي- الإيراني عميق وقديم، وبالتالي لا يمكن لموسكو أن تضحي به من أجل أحلاف جديدة، لم تجربها كما جرّبت حلفها مع طهران لعقود، ولذا فقد نقلت مصادر جريدة الاندبندنت أخيراً بأن موسكو سلّمت بعض قواعدها في سوريا للحرس الثوري الإيراني، ولحزب الله اللبناني، الأمر الذي قد يفسر سبب تصاعد الهجمات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة على الأهداف الإيرانية في سوريا، بالإضافة إلى شحنات الأسلحة القادمة لميناء طرطوس. الكل بات يدرك تماماً أن عصر الحياد ربما قد انتهى بعد الحرب الأوكرانية، وأن عصر ما قبل غزو أوكرانيا ليس كما هو بعده، وهو ما تحدث عنه هنري كيسنجر أخيراً، مع مدير المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز في حفلة أقامتها صحيفة الفايننشال تايمز، ولذا لا بد من التحضير والاستعداد لذلك العصر الجديد. فالكل معني به في سوريا، والقوى الثورية من جانبها تستعد، في ظل مخاوف حقيقية من انتفاضة شعبية يترقبها النظام في مناطقه نتيجة الواقع الاقتصادي المتردي الناجم عن الحرب الأوكرانية وانشغال كفيله الأساسي روسيا بها على حساب الوضع في سوريا.

718

| 17 مايو 2022

الاستخبارات بين الفشل والتسييس

شكّل الفشل الاستخباراتي الأمريكي في حرب العراق علامة فارقة، ونقطة تحول في الجهاز الأمني الأمريكي، حين جزم بوجود أسلحة دمار شامل بحوزة الرئيس العراقي يومها صدام حسين، وجزم معه بعلاقته مع تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن، ولكن مع بدء الغزو، وانتشار القوات الأمريكية في كل الرقعة العراقية منذ ذلك الوقت وحتى الآن، وهي تبحث عن أي دليل يثبت لها ذلك، لتبرر غزوها، لكن ذلك أعياها فاعترفت أخيراً بأن كل المبررات التي قدمتها لم تكن صحيحة، ليظهر وربما لأول مرة أنه يتم تسييس الأمن والمعلومات، فكشف أنه لم يعد هم أجهزة الاستخبارات الحصول على المعلومة بقدر ما تعمل على تحليلها سياسيا بما يتواءم مع رغبة الإدارات الحاكمة، في حين التحليل ينبغي أن يكون للسياسي، والمعلومة ينبغي أن تكون للجهاز، وهي أول الدروس الأمنية في أي جهاز أمني. مناسبة الحديث حدثان بارزان لم يلقيا اهتماماً كبيراً، وهما الحدث الأول كشف واشنطن عن وثيقة تحمل إيران مسؤولية مجزرة حلبجة التي استخدم فيها الكيماوي، وهي التي حاكمت صدام حسين على أنه مرتكبها، ليظهر اليوم أنها أخفت معلومات خطيرة كهذه، ويظهر أيضاً أنها حاكمته بتهمة كانت تعرف تماماً أنه لم يرتكبها، والحدث الثاني هو إبراز بطاقة أحداث 11/9 والتي تمثلت بعلاقة ما بين مرتكبي هجمات نيويورك وواشنطن ورجل الأمن السعودي في لندن، ولعل أبسط تفسير لذلك هو أن رجل الأمن إما أنه لا يعرف هوياتهم وخلفياتهم، أو أنه كان يتجسس عليهم، ويسعى لزراعتهم وسط القاعدة تماماً كما حصل مع أبي همام البليوي الذي زرعته المخابرات الأردنية وسط القاعدة ليظهر أنه مزدوج العمالة فيفجر نفسه وسط القاعدة الأمريكية في خوست، ومع هذا لم تتهم أمريكا الأردن كما تتهم اليوم السعودية. التورط الأمريكي في أفغانستان، وعجزها عن إدارة المعركة إن كان بالاعتماد على أمراء حرب لا قاعدة اجتماعية لهم، أو الاعتماد على أطراف إقليمية كالهند وغيرها ممن لا امتدادات مهمة لهم في أفغانستان، فتجاهلت باكستان التي ظهرت أهميتها الكبرى حين نغّصت على الوجود الأمريكي في أفغانستان بدعم وتسهيل لقوات طالبان. وحين بدأ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان فشلت المخابرات المركزية الأمريكية في التنبؤ ببقاء النظام الأفغاني الذي توقعت له ستة أشهر، فكان أن عجز عن الصمود لأيام، بل ورغم تغيير موعد انسحاباتها من أفغانستان، ليتواءم مع انسحابها، إلا أن صور انسحابها من أفغانستان غسلت صور إذلال انسحابها من فيتنام، حيث كانت الصور أكثر إذلالاً ورعباً، فهزت مصداقيتها، وجعلت أقرب حلفائها يتجهون شرقاً للصين وروسيا، إلى أن وقعت الحرب الروسية-الأوكرانية. في البداية كان التقييم الأمريكي بأن العاصمة الأوكرانية ستسقط خلال أيام، وأن القوات الروسية ستسيطر ربما على كامل التراب الأوكراني، لتندلع حرب عصابات لاحقاً، لكن فوجئت الاستخبارات الأمريكية بصمود كييف، وهي التي تعجّلت بسحب سفارتها، مما شجع دولاً أخرى على ذلك، لتعود اليوم إلى كييف، وتعود بدعم عسكري، وسياسي ومالي ضخم، وتشارك وبقوة في دعم القوات الأوكرانية حتى بمعلومات أمنية قادت إلى قتل 9 من كبار الجنرالات الروس. واشنطن تسعى اليوم إلى غسل صورتها السابقة إن كان في أفغانستان، أو في فشلها وعجزها بالتنبؤ بثورات الربيع العربي، وهو فشل وإخفاق كبيرين، وربما لذلك علاقة كبيرة بالمحيط الذي يتحرك به الدبلوماسيون الأمريكيون المقتصر على الحكومات ومن يواليها، مما أفقدها التواصل مع الشرائح المهمشة سياسياً، وهي كثيرة وفاعلة في عالمنا العربي، انعكس بشكل كبير في ثوراته التي أطاحت بمستبدين وطغاة ولا تزال متواصلة. الفشل الاستخباراتي هذا ليس مقتصراً على واشنطن، فقد توقعت روسيا من قبل أن تقضي على الثورة السورية في غضون ثلاثة أشهر، لتمتد اليوم إلى سبع سنين غائصة بالوحل السياسي، والمواجهات مع قوى إقليمية ودولية تتشاطر كلها الجغرافيا السورية. المخابرات الروسية قبل غزو أوكرانيا توقعت أن تستغرق عملياتها الخاصة التي أطلقت عليها للسيطرة على أوكرانيا 72ساعة، بينما نحن الآن ندخل الشهر الثالث للعمليات الروسية، وعلى مستوى فرنسا فقد لجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إقالة مدير مخابراته لأنه لم يتوقع الغزو الروسي. الهجوم السيبراني الروسي الذي منحته واشنطن وغيرها من العواصم الغربية هالة وخطراً كبيرين لم يكن واقعياً أبداً، فقد كشفت وثيقة سرية لمايكروسوفت أن الهجمات السيبرانية في البداية إنما تصدى لها الأوكران، وحتى أن الهجمات السيبرانية الروسية التي توقعوها أن تكون متزامنة مع الهجوم البري فكانت فاشلة. كان غاندي يقول: (إن لأمريكا قوتين: ناعمة تتمثل في هوليود وأخرى خشنة تتمثل في السي آي إيه) فلو عاش اليوم ماذا سيقول؟!

896

| 10 مايو 2022

مجزرة التضامن... قمة رأس جبل جليدي

مطلع عام 2014 أوقفت المنظمة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إحصاء قتلى السوريين، بعد أن رأت الأمر كما أعلنت أنه من الصعب عليها متابعة إحصاء الأرقام، وغدا مكلفاً ربما لها، فإن كانت مؤسسة بحجم الأمم المتحدة أتعبها إحصاء قتلى السوريين، فلكم أن تتخيلوا ظروف وتداعيات القتل على السوريين، بالإضافة إلى أوجه المعاناة التي عاشها السوريون ولا يزالون. في نفس الفترة كان السوريون يردّون على قرار الأمم المتحدة، بأنهم هم أيضاً توقفوا عن إحصاء القتل، لكن لأسبابهم المختلفة، فقد بدؤوا يعدون المجازر التي يرتكبها النظام السوري، نظراً لضخامة المجازر وليس ضخامة أعدادها فقط. مجزرة حي التضامن الدمشقي الذي هزّت العالم كله، ولم تهزّ شعرة في جسد الأمم المتحدة، الذي كان أمينها العام أنطونيو غوتيرش يتجول في شوارع كييف، أما شوارع حمص ودرعا وحلب وغيرها من المدن السورية التي تحوّلت يباباً، واقتصر دورها على أن تكون منصات إيضاح لعدوان بوتين على المدن الأوكرانية، فلا تستحق بالنسبة للمنظمة الدولية ولا لأمينها العام زيارات مماثلة، والأسوأ أن مبعوثه غير بيدرسون كان مهموماً فقط باستمرارية وظيفته بالتوسط في اللجنة الدستورية، فهو يعلّق على كل ما يتعلق بالقضية السورية إلاّ في مجازر يرتكبها النظام. مجزرة التضامن التي أعادت جرحاً مفتوحاً للشعب السوري، ولم يعد جرحه لوحده، فالكل يعلم ما يحلّ بالجرح بعد 12 عاماً إن أُهمل منطقوياً ودولياً، حينها لا مجال أمام الجرح إلا التقيّح، وبالتالي يصاب الجسم كله بالغرغرينا، وما نراه اليوم من تجرؤ روسي في أوكرانيا، وبلطجة لعصابات طائفية هنا وهناك، إنما انعكاس عملي للتخلي والإهمال الذي أدمنة المجتمع الدولي تجاه الجرح السوري النازف والمتقيح طوال تلك الفترة. مجازر السوريين، عكسها من جديد نشر الناشطين على حساباتهم على الفيس والتويتر لمشاهد قديمة، مما جعل العيش مع هذه العصابة مستحيلاً، فمكانها الحقيقي إنما هو في محاكم شعبية، لعلها تُنصف الضحية وأقاربها، وقد أتاح تساهل مواقع التواصل الاجتماعي بنشر العدوان الروسي في أوكرانيا، وأفعال الروس، فرصة للناشطين السوريين في نشر بعض مجازر النظام السوري دون معوقات، كما كان عليه الأمر سابقاً، وهي الحسابات التي كانت تتعرض للحذف والتقييد في السابق. جبل جليد مجازر السوريين لم يبدأ من مجزرة التضامن والحولة والبيضا وتفتناز وحي الوعر ودرعا ودير الزور وغيرهم، وإنما بدأت منذ سطو هذه العائلة على السلطة في عام 1970، يوم أبادت مدينة بكاملها وهي مدينة حماة، ولا تزال المدينة تنتظر كما الشعب السوري حقيقة ما جرى لها، فضلاً عما جرى لأكثر من 30 ألف معتقل من خيرة أبناء سوريا في سجن تدمر الرهيب على مدى حياة حافظ أسد ثم نجله بشار الأسد، ولن ينسى السوريون مجزرة حي المشارقة بحلب ليلة العيد من عام 1980، والتي تحل ذكراه هذه الأيام حين تم قتل المئات بدم بارد، وكان بطل المجزرة يومه المجرم هشام معلا، ومعها كانت مجازر سوق الأحد التي وقعت يوم 13/7/1980 والتي راح ضحيتها 192 شخصاً، ومجزرة بستان القصر في 12/8/1980 والتي راح ضحيتها 35 شخصاً، إضافة إلى مجزرتي حي الكلاسة والقلعة، ونحن هنا لا نتحدث عن مجازره في لبنان ولعل أفظعها مجزرة باب التبانة في طرابلس بلبنان من عام 1986 يوم قتلت مليشياته الطائفية ومع جنوده 700 سني لبناني ذبحاً بالسواطير والسكاكين وقد غصّت يومها المشافي بالقتلى والجرحى، وخلال فترة 2011-2013 أربع عشرة مجزرة طالت أربعة آلاف من النساء والأطفال والشيوخ ممن ذبحوا بالسكاكين والسواطير في كل أنحاء سوريا. الصمت العالمي الذي التزم به منذ ذلك الحين وحتى اليوم هو الذي جرّأ العصابة على تكرار مجازر عام 2011 وما بعده، ولو كان العالم اتخذ موقفاً منذ ذلك اليوم لما تطاول النظام على ما يسمى زوراً وبهتاناً بشعبه. ونحن نرى تدمير مدن وقرى وبلدات، وإبادة شعب، وتهجير 14 مليون شخص، فضلاً عن جلب احتلالات وعصابات طائفية عابرة للحدود. المسؤولية تقع على المجتمع الدولي، فإن لم يكن معنياً برفع الظلم عن الشعب السوري، فلا أقل أن يردع النظام ومن يدعمه على تعويم أنموذجهم التدميري ونحن نرى تجلياته وامتداداته اليوم بما يجري في أوكرانيا، هل لو تم إيقاف الأسد وحلفائه المحتلين في دمشق لكنا رأيناهم في كييف؟ سؤال يرسم كل معني بحقوق الإنسان، وبتاريخ البشر.

2781

| 03 مايو 2022

هل أنهت أوكرانيا سراب التسوية في سوريا؟

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، توقف ما سُمي بالتسوية السلمية السُرابية في حقيقتها بسوريا، ولم يعد هناك أي مجال للتواصل، فقد انشغل الكل بما هو أهم بكثير، خصوصاً بعد القصف الروسي الذي طال شمال غرب سوريا، وحتى المناطق الخاضعة لسيطرة الحليف التركي في عفرين، مما استدعى رداً تركياً واضحاً عبّر عنه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو حين أغلق المجال الجوي التركي بوجه الطائرات الحربية والمدنية الروسية المتجهة من وإلى سوريا، والتي كانت ولا تزال طائرات الموت على مدى 12 عاماً من الثورة السورية، ولكن الواضح أن القصف الروسي كان استفزازاً فاضحاً وسافراً للجمهورية التركية، التي تحدث رئيسها ووزراؤه عن تهيئة بيئة آمنة ومستقرة لعودة اللاجئين السوريين إلى المناطق المحررة، خصوصاً مع اقتراب استحقاق انتخابي تركي مهم للغاية، وتلعب فيه ورقة اللاجئين دوراً مهماً، ويأمل حزب العدالة الحاكم من خلال العودة أن تمنح فرصة قوية له بالفوز. الواضح أن القناة الوحيدة للتواصل الغربي ـ الروسي اليوم هي محادثات فيينا، والتي يبدو بدأت تتقلص نافذتها، مع تراجع التعويل على التوصل لاتفاق أمريكي مع إيران، يقابله التصعيد الروسي في أوكرانيا، وقد رافق ذلك تصعيد أمريكي بوصول وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين إلى كييف للقاء الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينيسكي من أجل تقييم الاحتياجات العسكرية الأوكرانية للحرب. على الأرض السورية يلمس الكل تراجعاً للدور الروسي مع سحب بعض معداته، وكذلك قواته من الفاغنز، وقوات النخبة السورية الموالية له إلى أوكرانيا، ساعياً للتعويض عن ذلك باستعراضات جوية عسكرية ليلية لترهيب المدنيين في المناطق المحررة، وإن كان البعض يعتقد أن هذه الاستعراضات جزءٌ من التدريبات الليليلة للطيارين الروس الجدد، الذين يسعون للتعويض عن خسائر الطيارين في أوكرانيا. بينما في المقابل يسعى الطرف الإيراني إلى ملء الفراغ الذي يخلفه رحيل القوات الروسية وقوات نخبها الموالية لها، وتجلّى ذلك بالإشتباكات التي وقعت في الجزيرة السورية على الحدود مع العراق بين قوات مليشيات الدفاع الوطني الموالية لروسيا، وبين قوات فاطميون ومليشيات إيرانية أخرى، حيث نجحت في تجريدهم من مواقعهم العسكرية على الحدود مع العراق، مما أعتبر تمدداً للإيراني على حساب الروسي في سوريا. لكن بالمقابل تسعى قوات الثورة السورية إلى التحضر لاستغلال فرصة ذهبية قد تتهيأ لها، وهي انشغال القوات الروسية في أوكرانيا، وإمكانية سحب المزيد من المعدات والقوات الروسية باتجاه أوكرانيا، خصوصاً مع التصعيد التركي ـ الروسي الأخير بقفل المجال الجوي التركي بوجهه، والذي قد ينذر بتداعيات جديدة وقد تكون مفاجئة. الكثير يتحدث عن الانهيار الإقتصادي في مناطق النظام السوري، وصلت توقعات البعض بظهور حياة مجاعة قريباً مع شح القمح هناك، وتراجع محصول القمح هذا العام إلى نسبة 25% عما كانت عليه العام الماضي، خصوصاً وأن القمح يأتي من روسيا وأوكرانيا، وبسبب الحرب هناك، والعقوبات المفروضة على روسيا، بالإضافة إلى أجواء الحرب التي قضت على الأخضر واليابس، كل ذلك جعل وصول القمح الروسي، والأوكراني مستحيلاً، وهو ما يعني باختصار اندلاع مجاعة قد لا يستطيع النظام السيطرة والتحكم بها، ونحن نرى تصاعداً في حالات الاحتجاجات بمناطق النظام، بالإضافة إلى حالات الخطف والقتل في المناطق الخاضعة لسيطرته، يعززها أدوات أخطر لدى جمهورية الكبتاغون، إذ كشفت مصادر أمنية غربية أخيراً عن أن كمية حبوب الكبتاغون التي تم الإستيلاء عليها خلال العام الماضي بلغت 3,5 مليار دولار، وتقدر نفس المصادر بأن الكمية التي لم يتم التمكن من الإستيلاء عليها تبلغ خمسة أضعاف هذه بمعنى أن الكمية قد تصل إلى 17.5 مليار دولار، ومعظم هذه الشحنات كانت محطاتها إلى السعودية والإمارات ومصر واليونان، وماليزيا والسودان وغيرها. بالتأكيد فإن الواقع السوري اليوم مرتبط أكثر من أي وقت مضى بما يحصل في كييف، وفيينا، وبالتالي فإن المجتمع الدولي الذي أهمل الجرح السوري لـ 12 عاماً يدفع اليوم ثمناً باهظاً، يوم منح القوة والشجاعة للروس وعلى مدى أعوام، في التجرؤ على أوكرانيا وغير أوكرانيا، فضلاً عن تشجيعه للنظام بتطوير أدوات إرهابه وبطشه من بطش بالداخل إلى بطش بالخارج، تمثل بتصديره للعالم إرهاب الحشيش، واللاجئين، والإرهاب بشكله الحقيقي ممثلاً بمليشيات طائفية.

3526

| 26 أبريل 2022

جذور التضليل الإعلامي الروسي في أوكرانيا بسوريا

جمعتني جلسة مع باحثين غربيين نتحدث فيها عن التضليل الإعلامي الروسي الحاصل في أوكرانيا، وقدرته على الكذب والاستمرار بالكذب وتحري الكذب وتعمّده، وكل ما يمت إلى الكذب والتكاذب بشكل إنما تجده في الدعاية الروسية، ولاسيما اليوم في الحرب الروسية على أوكرانيا، فأشرت إلى أن هذا التضليل على الرغم من أنه قديم قدم وجود الاتحاد السوفيتي، ودعايته الشيوعية القائمة على الأكاذيب والأضاليل وتلفيق التهم ونحوها، إلا أن أكثر ما تجلى التضليل الإعلام الروسي في الساحة السورية، وخلال فترة الثورة السورية، ساعده بشكل كبير غياب الإعلام الغربي عن الساحة السورية، بخلاف وقوف الإعلام الغربي بوجهه يوم حرب أفغانستان وبدرجة أقل في حرب الشيشان، مما أفقده يومها زخم انتشاره، وزخم فرضه واقعاً على المشاهدين وعلى صناعة الرأي العام العالمية. لا أود الاستغراق في الحديث عن جوانب التضليل الإعلامي الروسي، وأتوسع في الحديث عن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية والغربية وكذلك اختراقه لمنصات التواصل الاجتماعي، وحتى النخب السياسية الغربية، وإنما سأسعى للتركيز على الواقع السوري، فقد غاب الإعلام الغربي عن الحدث السوري، وغابت معه نظرية غربية بأن الحروب والدماء تبرز صحفيين ومؤسسات إعلامية كما حصل في حرب العراق الثانية 1990 يوم ظهرت وبرزت محطة السي إن إن والصحفي بيتر أرنيت، وكذلك ما حصل مع محطة الجزيرة الفضائية في حربي العراق وأفغانستان، لكن الثورة السورية والحرب المستمرة على الشعب السوري والتي شهدت كل جديد بالنسبة للإعلام إن كان من حجم المأساة في قتل مليون شخص، وتشريد 14 مليون آخرين، أو من حيث نوعية الأسلحة، كيماوي وصواريخ روسية متطورة، أو من حيث القوى الإقليمية والدولية الكبرى المشاركة في الحرب، أو من حيث الجماعات الطائفية العابرة للحدود والمشاركة في قتل السوريين، ومع هذا لم يكن هناك مراسلون دائمون للقنوات الفضائية والصحف الغربية، إلا في زيارات نادرة، فقد تُركت الساحة للتضليل الإعلامي الروسي، الذي استطاع أن يكسب بالتأكيد شريحة معادية للثورة في الخارج، وحيّد أخرى، وضلل الكثيرين، وكل هذا لم يكن له أن يحصل لولا صمت الإعلام الغربي، وانسحابه من الساحة، ولربما ذلك ما أسس لنجاح الدعاية الروسية إلى حد ما في أوكرانيا وغير أوكرانيا. اليوم نرى نتيجة وحصاد وحصيلة ذلك في أوكرانيا، إذ إن الإعلام الغربي يسعى جاهداً لدحض الرواية الروسية إن كان على مستوى التضليل في اتهام روسيا للأوكرانيين بقصف مدنهم وقراهم، أو في استخدام المدنيين كدروع بشرية، أو في التحضير لاستخدام أسلحة غير تقليدية، ونحو ذلك من الأكاذيب والأضاليل التي سبق للروس أن مارسوها واستخدموها، ولا يزالون على مدى سنوات في الثورة السورية، فكان ما يفعلونه ويستخدمونه في أوكرانيا استمرار لما جرى ويجري في سوريا. العقلية الإجرامية والمتوحشة متأصلة في العقيدة العسكرية الروسية، وقد رأينا ذلك كشهود عيان على مدى عشر سنوات في تغطيتنا للحرب السوفيتية في أفغانستان، ورأيناه لاحقا في الإجرام الروسي الذي استهدف كل شيء من مخابز ومشاف وأسواق ومدنيين في سوريا، وهي نفس الاستراتيجية التي كُلف بها الجنرال الروسي المعين من قبل بوتين نفسه، ويطلق عليه جزار سوريا واليوم هو نفسه جزار أوكرانيا، وبالتالي دشن عمله واستراتيجيته في أوكرانيا ساعة وصوله بقصف محطة القطارات التي كانت تؤوي اللاجئين والمشردين حيث قضى فيها أكثر من 52 قتيلاً وأكثر من مائة جريح. الوحش الروسي، كما أنه وحش عسكري في قتله واستهدافه للمدنيين، فهو وحش أيضاً بالمقابل في استهداف العقول، وقصفها، ولذلك فهو يعمل على أسلوب التضليل، الذي هو اسلوب غوبلز الألماني، ولكن مع شحذ الأقلام والكاميرات الغربية بعد الحدث الأوكراني فلعله سيفلح في فضح هذه الأكاذيب مما يحصد نتائجها الرأي العام كله، وتعود الحقيقة المجردة لتسطع من جديد.

972

| 19 أبريل 2022

عمران خان بين الممكن والمستحيل

ربما كل باكستاني في حقيقة نفسه يؤيد رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان فيما ذهب إليه، للانعتاق من الهيمنة الأمريكية والغربية المستمرة بحق باكستان وغير باكستان، ولكن بالمقابل الانعتاق من هذه الهيمنة لا بد ألا يكون لصالح هيمنة أمريكا أخرى، وربما تكون هذه الأمريكا الجديدة أشد وحشية، وأكثر كلفة، كما حصل مع السياسي الباكستاني الجديد الذي اتجه نحو روسيا والصين، وحتى الباكستانيين المؤيدين لتوجهه، يدركون أن ذلك مستحيل واقعياً، وعملياً، وتحديداً فيما يتعلق بتنفيذ تلك الرؤية والاستراتيجية، ونحن هنا نقصد المؤسسة العسكرية الباكستانية التي ستجد نفسها وجهاً لوجه أمام استحقاقات خطيرة كونها ملكة اللعبة السياسية الباكستانية داخلياً وخارجياً. فعلى المستوى الاقتصادي رأينا كيف أن دولاً كبرى مثل روسيا والصين لا تقوى على عقوبات تفرضها أمريكا وقوى غربية متحالفة معها، فكيف ستتمكن باكستان من مقاومة الضغوط والعقوبات الأمريكية التي قد تفرض عليها، فضلاً عن مقاومة عقوبات توفير قطع غيار عسكرية قد تحتاجها يوماً ما في حرب لها مصيرية مع الهند وغيرها، وهي التي تعتمد بشكل أساسي ورئيسي في سلاحها وتكنولوجيتها على التقنية الغربية. أما إن تعرضت لعقوبات اقتصادية عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وخاصية السويفت، للتبادل البنكي الدولي، فتلك قصة أخرى قد تؤدي إلى تفكك البلاد، وهي المفخخة بمشكلات إثنية وطائفية وتدخلات خارجية كبيرة! حين تتحدث مع الجنرالات الباكستانيين ومع سياسيي البلد، فالكل مجمع على أن الولايات المتحدة الأمريكية خذلت باكستان أكثر من مرة، وفي غير مناسبة، ولكن بالمقابل هل للطرف الآخر، وتحديداً الروسي الذي لجأ إليه عمران خان، لديه ما يطمئن الساسة الباكستانيين؟، فالكل يعرف أن موسكو تنظر إلى إسلام آباد من منظار الثمانينيات ودعمها للمجاهدين الأفغان، ومساهمتها في تشظي الاتحاد السوفيتي، فإن كان بوتين لا ينسى حتى اليوم الكارثة الجيواستراتيجية كما أسماها وهي انهيار الاتحاد السوفيتي، فهل سينسى من كان سبباً في ذلك، وهي باكستان، وضياء الحق، وتحديداً المؤسسة العسكرية؟. عمران خان المجمع على أنه أتى للساحة السياسية الباكستانية بدعم المؤسسة العسكرية، إذ لولا دعم هذه المؤسسة لما تمكن من اختراق حياة سياسية عمرها بعمر أحزاب تقليدية كحزب الشعب بزعامة آل بوتو، وحزب الرابطة الإسلامية بزعامة شريف وشقيقه شهباز اليوم، وطوال هذه الفترة لم يتمكن عمران من كسب ود المؤسسة العسكرية في خطته نقل باكستان من الجانب الأمريكي إلى الجانب الروسي والصيني، لاسيما وأن أدوات الانتقال العسكرية ممثلة بالجيش، والبيروقراطية ممثلة بالخارجية، وبالطبع الدولة الاقتصادية العميقة من شركات ضخمة، وبنى عميقة غير مقتنعة أصلاً بهذا التوجه، الذي ترى فيه ذهابا إلى المجهول، وليس من عادة الدول أن تذهب إلى المجهول بهذه الطريقة، فإن كانت البلاد تواجه عقبات ومشكلات في السير بطريق معلوم كهذا، فهل يمكن لها أن تسير في طريق مجهول كالذي يقترحه عمران خان. الإشكالية الأساسية في عمران خان وغيره، أن الآمال والطموحات كبيرة، ولكن الخبرات قليلة، والأدوات أقل، وبالتالي رفع شعارات تدغدغ عواطف الكثيرين، لكنها شعارات غير ممكنة التطبيق والتنفيذ، وتفتقر بالمقابل إلى رصيد في عالم السياسة الواقعي، وبكل تأكيد فإن كل من عرف السياسة ودهاليزها، يقول لك إن صخرة الواقع ستوهن قرن كل من يواجهها، ولا يطرح أحدهم المثال التركي، وكيف أخذ مسافة من الحليف الأمريكي، وبدأ بعلاقات مع روسيا، فالأمر مختلف جداً، فذاك أخذ أولاً وقتاً قارب من 20 عاماً، وثانياً تمكن أردوغان طوال تلك الفترة من ترويض الجيش، وجعله يتناغم مع رؤيته ومبدئه السياسي والعسكري، وهو ما يفتقر إليه عمران خان، الذي اصطدم مباشرة مع الجيش، ولا ننسى أن السياسة التركية عادت أخيراً في الحالة الأوكرانية إلى اصطفاف أقوى من الغربي منها للروسي.

1871

| 12 أبريل 2022

السوريون والحرب في أوكرانيا

بقدر ما تراءت المأساة السورية في المرآة الأوكرانية مجدداً، وكأن المسلسل السوري تُعاد حلقاته الطويلة في أوكرانيا، بقدر ما انعكس ذلك على الحياة السورية الداخلية أيضاً من باب أولى، ما دام المعتدي واحدا، وما دامت الدعايات والتبريرات والأضاليل هي نفسها. فكان من الطبيعي أن ينقسم السوريون بين محبين وعاشقين للحرية ضحوا على مدى 12 عاماً بأعز ما يملكون، وبين الطرف الآخر الذي استنجد بالعصابات الطائفية والمحتلين من أجل بقائه في السلطة متحكماً برقاب شعب، قُدر له أن يحكمه لنصف قرن. على الفور وبعد ساعات من الحرب الروسية في أوكرانيا كان وزير الدفاع الروسي يحط رحاله في الساحل السوري، مطالباً بدفع الفاتورة على وقوف دولته إلى جانب النظام ضد الشعب السوري، وهو الذي دفعها اقتصادياً ومالياً وعلى أشكال سندات، ولكن الدفع بالدم هو المطلوب اليوم، حيث أصر وزير الدفاع على تجنيد قوات نخبوية للنظام السوري وتحديداً من فرقة الطراميح 25 بقيادة العميد سهيل الحسن الذي يحظى بعلاقة مباشرة مع بوتين، بالإضافة إلى قوات من الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة، والفرقة الرابعة، وقد لاحظ ثوار سوريا انسحاب بعض هذه القوات من جبهات في إدلب، وكذلك في البادية السورية بمواجهة تنظيم الدولة، مما قد يوفر فرصة للأخير في تصعيد عملياته. ولم تمض سوى أيام على هذه الزيارة حتى حفلت صفحات موالية للنظام بصور قتلى لضباط سوريين شاركوا في الحرب بأوكرانيا، وقدرت بعض الأوساط أعدادهم بـ 23 ألف جندي نخبوي، ولكن لم يمنع هذا القوات الروسية من مواصلة هوايتها في الطلعات الجوية ودكّ الآمنين في قراهم بالشمال السوري المحرر، وأحياناً يتم الإيعاز لمليشياتها السورية باستهداف المدارس والقرى كما حصل بالأمس مع معارة النعسان حين قتل أربعة أطفال طلبة كانوا يتوجهون إلى مدرستهم الابتدائية. وبينما يتابع أهالي المناطق المحررة في سوريا، وأهالي المخيمات الحرب الأوكرانية بدقائقها وتفاصيلها، حتى باتوا يعرفون أسماء القرى والبلدات والجبال الأوكرانية كمعرفتهم بالأسماء السورية، حيث يرون أن استهداف كل دبابة أو طائرة روسية، إنما هو استهداف لمن كان يستهدفهم بالأمس، إن كان في حمص ودرعا والغوطة، أو حلب والجزيرة وو. الحرية والاستبداد لن يلتقيا، وهما خطان متوازيان، لا لقاء بينهما، وما دام الشعب السوري قد انقسم في غالبيته المطالبة بالحرية والتحرر والعيش بحياة كريمة، وبين أقلية استقوت كذباً وزوراً بنظام دولي يحميها ما دامت هي الدولة الحاكمة، فإن هذا الانقسام سيمتد حتى إلى أوكرانيا، فعشاق الحرية وقفوا ودعموا الشعب الأوكراني، تماماً كحال المستنجدين بروسيا وإيران وغيرهما لقمع ثورة السوريين، حيث وقفوا إلى جانب المعتدي في أوكرانيا ولا يزالون. مقاطع الفيديو التي ظهرت أخيراً من طرطوس حيث خزان الجيش الأسدي الذي قمع الثورة السورية لـ 12 عاماً، تكشف عمق الحياة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأهالي، فحتى البطاطا التي كان يستهزئ بزراعتها ضباط المخابرات السورية في المناطق المحررة لم يعودوا يجدونها بعد أن ارتفعت أسعارها، فضلاً عن اللحم والدجاج التي غدت كالزئبق الأحمر. اللافت أن الشمال السوري المحرر الذي لا تقارن مساحته بالمساحة التي سيطرت عليها العصابة، ومع هذا لا تزال المواد متوفرة فيها، ويعزو البعض ذلك إلى أن الأرض التي تم السيطرة عليها لا وجود لمن كان يزرعها ويعتني بها، بعد أن هجر 14 مليون سوري، وبالتالي فإن العصابة متخصصة بالقتل والاستخبارات على مدى تاريخها، ولا خبرة لها في إعمار الأرض، ففلسفتها تكمن في تدمير الأرض.

1521

| 05 أبريل 2022

أثر الحرب الأوكرانية على الحدث السوري

بعد دخول الحرب الأوكرانية شهرها الثاني، يتابع السوريون باهتمام بالغ مسارات الحرب هناك، إذ يعوّلون على استمراريتها، لكونها ستُشغل القوات الروسية، وستُضعف مليشيات الأسد في مواجهة الثورة السورية، لاسيما وقد اختفت الغارات في الشمال السوري المحرر، منذ بدء الحرب الأوكرانية، والتي كان ينفذها الطيران الروسي بين الفينة والأخرى، ومما زاد من تأثير الحرب الأوكرانية على الساحة السورية، سحب القوات الروسية للمئات من مقاتلي شركة فاغنر الروسية، للقتال في أوكرانيا، وقد عثرت القوات الأوكرانية على عملة سورية بجيوب من قتلتهم من هذه المليشيات، وأظهرت ذلك بمقاطع فيديو مصورة، وذكرت مصادر عدة أن مجموعة من قوات الطراميح المنتمية للفرقة 25 التابعة لقوات سهيل الحسن قد غادرت أيضاً سوريا للقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا. وقد لوحظ في مدن سورية عدة خلال الفترة الماضية افتتاح مكاتب لتجنيد قوات النخبة الخاصة التي قاتلت بفاعلية في سوريا، ولاسيما مقاتلي حرب المدن، وممن يحظون بثقة روسية عالية، وليسوا من المقاتلين العاديين، مما سيؤثر سلباً على تضعضع جبهات النظام السوري في مواجهة مقاتلي الثورة السورية، وخاصة جبهات النظام مقابل قوات تنظيم الدولة، إذ إن معظم القوات التي تم سحبها حتى الآن كانت منتشرة في البادية السورية حيث قوات تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما قد يفسر تصاعد عمليات التنظيم خلال الأسابيع الماضية. وتحدثت مصادر في البنتاغون الأمريكي عن سحب موسكو لبعض معداتها من الأراضي السورية، وتزامن ذلك مع كشف لصحيفة التايمز البريطانية أن ما لا يقل عن 40 ألف جندي روسي قتلوا أو جرحوا أو هربوا أو استسلموا من أصل 192 ألف جندي روسي يشاركون في الحرب بأوكرانيا، وكان من بين القتلى سبعة من الجنرالات الروس، وهي أعلى نسبة خسارة للجنرالات الروس منذ الحرب العالمية الثانية، حيث لم يتعرض هذا العدد الكبير للقتل في كل حروب روسيا منذ أفغانستان والشيشان وحتى سوريا، وهو ما يعكس شراسة المعركة التي تخوضها القوات الروسية، إذ يرى الخبراء العسكريون أن ما شهده الشهر الماضي من الحرب في أوكرانيا، لم تشهده كل حروب روسيا منذ الحرب العالمية الثانية، فالقتال هناك جيش نظامي لجيش نظامي، بخلاف كل المعارك التي كان يخوضها في السابق، والتي كانت معارك مع قوات غير نظامية. الثوار في الشمال السوري الذين يدركون تماماً صعوبة التحرك في هذه الظروف ما لم تحصل انسحابات حقيقية روسية، فإنهم يراقبون بالمقابل التحرك الأذربيجاني خارقاً اتفاقية قره باغ مع أرمينيا، عبر تسيير أربع مسيرات تقصف مواقع القوات الأرمنية المدعومة من روسيا، وهو ما يزيد من قناعة ثوار سوريا بضعف وتراجع موسكو نظراً لتجرؤ أذربيجان عليها، خصوصاً وأن هذا الانهيار والتراجع في أوكرانيا انعكس حتى على صورة الكرملين مع حليفته بيلوروسيا التي طلب منها الانضمام إليه في الحرب، لكنها لم تشترك بشكل مباشر حتى اليوم، وهي ترى أن العضلة المالية والعسكرية التي عوّلت عليها طويلاً قد بدأت تتراجع، وتخبو، ويزيد ذلك وقوف الصين على الحياد، بعد أن كان يعوّل بوتين على دخولها وكوريا الشمالية، الحرب ضد الغرب، مما سيخفف الضغوطات عليه، لكن خاب أمله. وقد أتى توصيف الرئيس الأمريكي جو بايدن لبوتين بأنه جزار ومجرم حرب، ليقطع كل التواصل بين القوتين، فقد كشفت الحرب الأوكرانية بنظر محللين غربيين عن أن روسيا دولة مارقة، فكيف يمكن الاعتماد عليها كعضو في مجلس الأمن الدولي، المكلف بحماية السلم والأمن الدوليين. وزاد من تشويه صورتها ما تتناقله الأنباء عن اغتصابات لجيشها للنساء الأوكرانيات بحسب ما كشفته سيدة عضو في البرلمان الأوكراني، بالإضافة إلى تصريح الرئيس زيلينسكي من أن القوات الروسية اختطفت ألفين من الأطفال لمبادلتهم بالقوات الروسية الأسيرة لدى القوات الأوكرانية، وهو ما يذكر تماماً بتصرفات النظام السوري طوال السنوات الماضية من حكمه.

1498

| 29 مارس 2022

alsharq
العدالة التحفيزية لقانون الموارد البشرية

حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...

8757

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

6936

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
مؤتمر صحفي.. بلا صحافة ومسرح بلا جمهور!

المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...

2451

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
الذاكرة الرقمية القطرية.. بين الأرشفة والذكاء الاصطناعي

في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...

2340

| 07 أكتوبر 2025

alsharq
بكم نكون.. ولا نكون إلا بكم

لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...

1686

| 08 أكتوبر 2025

1671

| 08 أكتوبر 2025

alsharq
دور قطر التاريخى فى إنهاء حرب غزة

مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...

1647

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
تعديلات قانون الموارد البشرية.. الأسرة المحور الرئيسي

في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...

1410

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
العدالة المناخية بين الثورة الصناعية والثورة الرقمية

في السنوات الأخيرة، تصاعدت التحذيرات الدولية بشأن المخاطر...

1086

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
هل تعرف حقاً من يصنع سمعة شركتك؟ الجواب قد يفاجئك

حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...

945

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
فلنكافئ طلاب الشهادة الثانوية

سنغافورة بلد آسيوي وضع له تعليماً خاصاً يليق...

939

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
لا نملك سوى الدعوات

يخوض منتخبنا انطلاقاً من الساعة السادسة مساء اليوم...

891

| 08 أكتوبر 2025

أخبار محلية