رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

رسائل إنسانية من مونديال قطر

لم يكن مجرد مونديال رياضي، لقد كان أكبر من هذا باعتراف الجميع، كان فرصة لتلاقح ثقافات وأفكار ورؤى وأديان، كان فرصة ذهبية ليتعرف العالم كله على بعضه بعضاً، كان فرصة لتعرف العالم أيضاً على الثقافة العربية والإسلامية من أرضها ومنبتها، فكانت مفاجأة للكثيرين، الذين غلب عليهم الانطباع الاستشراقي الذي نقل إليهم واقع العالم العربي والإسلامي. لقد كان مونديالاً ثقافياً وإنسانياً قبل أن يكون رياضياً، وهو ما دفع صحفاً أجنبية عريقة كالغارديان لتصفه بأنه ملهم للغرب بشكل خاص، بعد أن رأى الكل القيم العربية والإسلامية تشعُّ عليه من قطر، التي أتعبت من بعدها ممن ستقوم لاحقاً بتنظيم مثل هذه المونديالات في المستقبل. كانت الرسائل الإنسانية مفعمة بالمحبة والمودة، والتلاحم والترابط الأسري ونحن نرى اللاعب المغربي يحرص على الرقص مع والدته على أرض الملعب، فكانت رسالة واضحة لا تخطئها عين بأن قيم الأسرة والعمل الجماعي هو الناظم الذي ينبغي أن يكون لحركة الشعوب، وليس الفردانية والأنانية والشواذ، فحضور الأمهات في ملاعب الأسود والخيول الأطلسية كان أقوى عناصر التشجيع، فالحبال السِّرية بين الأبناء والأمهات بدا أنها متواصلة، لم تنقطع، إلاّ أن الفرق بين الحبل السري يوم الولادة، أنه كان لتغذية الوليد، أما اليوم فلتبادل الحب والدعم والتشجيع، وحين حلّت ضربات الجزاء المغربية، كان الفريق كله يكرر سورة الفاتحة بصوت عالٍ، ليرسل رسائله للعالم كله،عن قيمه الدينية التي لم تغب حتى في الرياضة. يحدث هذا في الوقت الذي كانت فيه الحكومة القطرية تصرُّ على عدم رفع إشارة الشواذ في الملاعب القطرية، بل وتحويل الرحلة الألمانية إلى عُمان ليدخل الفريق الألماني إلى قطر، على متن طائرة لا تحمل إشارة الشواذ، كل هذا عزّز قيماً إنسانية، وليس قيماً عربية وإسلامية فحسب، وإن كان انتكاس الفطرة المؤقت وارتكاسه اليوم دفع البعض إلى الدعوة للشواذ. وحين تعهدت وزيرة الرياضة الفرنسية برفع شارة الشواذ إن فاز فريقها في المونديال، ردّت قطر بذكاء وبلفتة معبرة جداً، بخلع العباءة العربية، والبشت القطري على قائد الفريق الأرجنتيني ميسي، ليكون بديلاً عما تمنته الوزيرة الفرنسية، فبدا أن المرفوع هو الثقافة العربية والإسلامية، التي هيمن ذكرها وحديثها على المونديال حتى فوز الأرجنتين. لقد تفاجأ أحد المشجعين الغربيين، بقصة تبدو لنا عادية جداً، ونحن نستمتع بها على مدار اليوم الواحد، حين عاد إلى بريطانيا وهو يغرد عن الشطّافة في الحمامات، بينما كما هو معروف يحرص الغربيون على الاستبراء بورق الحمام، وبدأ المغرد البريطاني يبشر بها ويدعو إليها، وكأنه قد اكتشف رأس الرجاء الصالح أو العجلة من جديد، كل هذا يؤكد مدى حاجة العالم وثقافاته وحضاراته أن يسمع من بعضه مباشرة، ويؤكد بالمقابل فشل الاستشراق والإعلام الغربي في نقل حقيقة العالم العربي والإسلامي إلى المواطن الغربي، فإن كان في قضية بسيطة كهذه لم يستطع أن ينقلها، أو فشل في نقلها، فهو في القضايا الفكرية والعقدية والسياسية والحضارية أفشل. ما أجمل أن يحضر الطب في هذا المونديال، فينبري طبيب أسنان معلناً عن استعداده تركيب أسنان لمشجع بدا متحمساً جداً في مباريات المونديال، فكان التركيز الإعلامي على أسنانه، فسخر منه البعض، لينبري ذلك الطبيب الإنسان قبل أن يكون طبيباً معلناً استعداده معالجته مجاناً، وبابتسامة هوليودية، كل هذا لتكتمل صورة الرسائل الإنسانية وتكتمل معها مساهمة الجميع في إرسال الرسائل الإنسانية، التي هي بالأساس والأصل دعوة إلى الدين الإسلامي، لكن بدا الأجمل من هذا كله أن يقف أطفال بلباس عربي، يعكس ثقافة الأمة وحضارتها، وهم يوزعون العطر على الضيوف، وفي داخل كيس الهدايا باركورد يمنح المهدى إليه الدخول للتعريف بالدين الإسلامي، إنها رسالة في غاية الروعة الإنسانية، بأن تصبح الهدية عطرين؛ عطراً مادياً فوّاحاً، وعطراً روحياً، هو عطر الرسالة المحمدية، التي نودّ أن يشاطرنا العالم معرفته بها، لنقيم الحجة على العالمين. ينتهي مونديال قطر، كما ينتهي غيره من احتفالات ومناسبات، ولكن يبقى الأثر، وتبقى معه الذكريات التي خلّفها وراءه، ويبقى معه ما حمله الضيوف الذين وفدوا على قطر من ذكريات جميلة، ومن انطباعات أجمل، فالمعرفة تراكمية، والأفكار عبارة عن تراكم معلومات، وما بُذر اليوم سيتم حصده ولو بعد حين، فإن لم يكن في الحياة الدنيا، ففي الآخرة أجل وأعظم وأفضل. وبالمحصلة فإن كانت أوربا قد فازت بالكرة، فإن آسيا وأفريقيا فازت بالقيم الإنسانية التي فاح عطرها على العالم كله من خلال مونديال قطر، أما قطر فما هي عليه بعد المونديال ليست كقبله.

2067

| 20 ديسمبر 2022

المونديال الذي وحد العرب

في مسلسل الانكسارات، والنكبات، الذي تعرض له العرب خلال العقود الماضية، وتحديداً ما حل بدول الربيع العربي خلال العقد الماضي، برز مونديال قطر الذي جسد أولاً قدرة العرب على النهوض بذواتهم، وبفرض أنفسهم من خلال التنمية والتحديث والتطوير، بحيث استطاعت دولة صغيرة بحجم قطر أن تفعل ما لم تفعله دول كبرى عربية وإسلامية، من الاستعداد والتهيؤ لتنظيم مونديال عالمي في وقت قصير نسبي لما تحتاجه مثل هذه الفعاليات الدولية، وعلى الرغم من العصي التي وضعت في دواليب المونديال لكن أفلحت قطر في النهاية في إدارة الأزمة التي خلقها لها البعض، وذلك من أجل حرمانها من فعاليات المونديال. أتى التحضير والاستعداد القطري للمونديال مفخرة ليس لقطر فقط، وإنما للعرب والمسلمين والدول النامية، حين أثبتت قدرتها وجدارتها في إدارة معركة البناء، ومعركة التغول الدولي على حرمانها من هذه الفعالية، ونجحت بشكل لافت في الاستفادة والاستثمار في هذه الفعالية، حين روجت للثقافة العربية والإسلامية، عبر الفعاليات والنشاطات التي أقامتها على امتداد فترة المونديال. تأهل فريق المغرب أتى ليزيد البهاء بهاءً، والفرحة فرحاً، إذ إنها المرة الأولى التي يصل فيه فريق عربي إلى ما وصل إليه، وربما لم يكن ذلك ممكناً لولا الأرض القطرية بحيث كان للمشجعين دور كبير في صنع ذلك الفوز، نظراً لكثرة المشجعين العرب الموجودين على الأرض القطرية، وبالتالي لعبت الكرة دوراً لافتاً ومهماً اليوم في توحيد العرب وحشد طاقاتهم وهمتهم نحو رص صفوفهم وتوحيدها، وأثبتوا من جديد أن الكرة ما هي إلا وسيلة وأداة لهذا التوحد، كما أثبتت الكرة والمونديال على حالة التشوق والطموح والرغبة العربية في البحث عن أي نجاح حتى ولو كرويا، ليتم من خلاله شد عصب المحبة والتقارب والمودة بين أبناء العرب من المحيط إلى الخليج، وحتى بين أبناء الأمة المسلمة كما رأينا ولمسنا من تفاعل ودعم وتشجيع نواب البرلمان التركي، وكذلك أبناء ماليزيا وغيرهما من البلدان الإسلامية. كانت الصورة الجميلة حين شاهدنا كلنا اللاعب المغربي الفائز في مباراته مع البرتغال يرقص على أرض الملعب مع والدته، في الوقت الذي يحرص آخرون في مثل هذه الحالات، على الرقص مع عشيقاتهم وحبيباتهم، فأرسلت الصورة بذلك رسالة واضحة وجلية على مكانة الأم في وسط العرب والمسلمين، وأرسلت دليلاً واضحاً على تماسك الأسرة العربية، ومدلولات القيم التي تحملها هذه الأمة بين جنباتها، فكانت بذلك دعوة للقيم العربية والإسلامية بشكل غير مباشر، ولعل الدعوات غير المباشرة، والإشارات بشكل عام أبلغ وأقوى من الدعوات الصريحة الواضحة.

756

| 13 ديسمبر 2022

المجتمع والنخب المُبدعة

أطلق فيلسوف التاريخ البريطاني أرنولد توينبي مصطلحه على نخب المجتمعات بالنخب المُبدعة، لدورها في حالة الإبداع الخلّاقة التي تُقلع المجتمعات منها، فهي خميرة المجتمعات والحضارات، وهي الأساس لبناء الدول، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد أطلق عليها من قبل «الرواحل».. حين قال عليه الصلاة والسلام: «الناس كالإبل المائة لا تجد فيها راحلة»، وفي كثير من البلدات والقرى والمدن نرى شخصيات معينة ومحددة هي التي تحمل همَّ أحيائها وقراها ومدنها، ويكبر الهمّ المرادف لكلمة الهِّمة بكبر المسؤولية جغرافياً وحتى تاريخياً، ولذا نرى شخصيات تاريخية حفرت اسمها في التاريخ، وذلك للعبء الذي تحملته، والمسؤولية التي تقلدتها، فكانت بالفعل رواحل مناطقها. حين كتب القائد سعد بن أبي وقاص لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يطلب منه مدداً بأربعة آلاف مقاتل لمعركة العراق، أرسل الخليفة له أربعة أشخاص فقط، بينهم القعقاع بن عمرو التميمي، وقال له إن كل واحد فيهم بألف، وقد كانوا كذلك قولاً وفعلاً، فهم الرواحل العسكرية والفكرية والمجتمعية، وهم طليعة الأمة، وطليعة المجتمع ونخبه، ولذلك كثيراً ما نرى في أحاديث النبي عليه السلام خرجت أنا وأبو بكر، خرجت أنا وأبو بكر وعمر، خرجت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وقليل غيرهم، لأن النخب المبدعة والرواحل والطلائع التي حملت همّ الأمة حاضراً ومستقبلاً هم هؤلاء وغيرهم، وقد كان صحابة رسول الله عليه الصلاة السلام كلهم يحملون هماّ، ولكن ظلوا طبقات، وثمة طبقات عليا وطبقات أعلى، ولذلك كان منهم الخلفاء الراشدون، ومنهم المبشرون بالجنة ومنهم أهل بيعة الرضوان وهكذا. وكما قال الفرزدق: «إنّا لنعرف سجدة الشعر كما تعرفون السجدة من القرآن. فكما أن الشعر يبلغ مبلغاً عظيماً في قوة المعنى وجودة التعبير، فيكون حكمة حقيقية كما قال عنه نبينا عليه السلام: «إن من الشعر لحكمة». فإن أهل علم الرجال والطبقات يعرفون الرجال من خلال سجدة أفعالهم وبركات أعمالهم، وإنجازاتهم الحافلة التي أكرموا بها في حياتهم العريضة، وليست الطويلة زمناً، وإنما الحافلة بالإنجازات والثمرات والإيجابيات، ولذلك كان السلف يسألون الله العمر العريض، وليس الطويل. وتبقى الهموم بقدر الهمم، فكلما كبر همّ الشخص، عظمت همته، وكما قال الشاعر: إذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجساد ولذا كان يُقال: إذا بلغ الفتى عشرين عاماً ولم يفخر، فليس له افتخار لقد حفل التاريخ الإسلامي بشخصيات كانت أعمارها قليلة، فأسامة بن زيد رضي الله عنه أمّره الرسول عليه السلام على أول جيش وجهه إلى الشام، وضمنه كبار الصحابة رضوان الله عليه كأبي بكر وعمر، ومن قبله قام معوّذ وعفراء رضي الله عنهما وعمرهما لا يتعدّى الخامسة عشر عاماً بقتل فرعون الأمة أبي جهل، وسار الصحابة والتابعون على هذا النهج، حيث كان قائد فتح السند والهند محمد بن القاسم الثقفي لا يتجاوز السبعة عشر عاماً، وقال فيه الشاعر: قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذاك سؤدداً من مولد وهكذا كانت سيرة محمد الفاتح فاتح القسطنطينية حيث لم يتجاوز الخامسة والعشرين عاماً حين فتح القسطنطينية، فأثنى النبي عليه السلام عليه وعلى فعله «فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش»، كل ذلك عكس حقيقة مهمة وجلية وهي أن هذا الدين يُربي عظماء وشخصيات رواحل، وقد اختصر ذلك كله الإمام القرّافي حين قال: «لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه في إثبات النبوة»، فهم دليل على قوة المنهج، وعلى قوة القدوة، ولذا كانوا يقولون يعرف العالم بتلامذته وحين توفي الإمام ابن تيمية قالوا انظروا إلى تلامذته فوجدوا فيهم أمثال ابن القيم الجوزية والذهبي وابن كثير وآخرين، فكيف بمن نظر إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهم أسقطوا خلال فترة زمنية قياسية أعظم إمبراطوريتين، فضلاً عن اندياح الإسلام جغرافياً وفكرياً.

1413

| 06 ديسمبر 2022

عمران خان والمواجهة المفتوحة مع الجيش

تعيش باكستان هذه الأيام أسوأ أنواع وأنماط وأشكال المواجهات بين المؤسستين السياسية المدنية، والعسكرية، فلم يمرّ على البلاد لحظة تاريخية أن تحدّت السلطة السياسية ممثلة برئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان المؤسسة العسكرية كما هو الحال اليوم، وحتى في معظم إن لم نقل كل الأحايين التي يرحل فيها رئيس الوزراء عن السلطة، كان يلجأ إلى دول أخرى لقضاء فترة نقاهة سياسية، وربما فترة إبعاد سياسي من العسكر، ليعود بعدها لاحقاً، وهو ما حصل مع رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو، وكذلك رئيس الوزراء السابق نواز شريف عدة مرات بعد خلعهما من السلطة. لكن هذه المرة تواجه المؤسسة العسكرية قائداً سياسياً من نوع آخر، ربما أقرب إلى السياسي الرقمي الديجيتال منه إلى السياسي التقليدي الذي حفظت المؤسسة العسكرية كل أبعاده وتفاصيله، فكان اعتماد عمران خان على جيل الشباب الذي يشكل 60% من المجتمع، وذلك ممن أعمارهم تقل عن الثلاثين عاماً، وهو الجيل الذي يقضي كل أوقاته على السوشيال ميديا، بعيداً عن قنوات ومفاصل إعلامية تقليدية اعتادت على تشكيل وصوغ الرأي العام، وهو ما وفّر لعمران خان وحزبه فرصة ذهبية في الاندفاعة التي حصلت أخيراً، حيث إنه بعد مرور أسابيع على خلعه من السلطة بالاتفاق بين العسكر والساسة المعارضين الذين غدوا اليوم حكام باكستان، كان خان يحصد 15 مقعداً انتخابياً من أصل 20 مقعدا في الانتخابات التكميلية التي أجريت في البلاد. عمران خان الذي وصل إلى السلطة عام 2018 في انتخابات يتحدث الكل عن دعم العسكر له في مواجهة حزبين سياسيين متهمين بالفساد، وبالتالي كان العسكر يسعون بذلك إلى استباق القيام بأي ربيع باكستاني على غرار ربيع الثورات العربية، وقد فاز خان حينها بالأغلبية، لتتدهور العلاقة بين الطرفين لاحقاً، حين أصرّ قائد الجيش قمر جاويد باجوا على تعيين الجنرال عاصم منير كمدير للمخابرات العسكرية، وهو ما رفضه خان، ووقف ضده، فصمم حينها قائد الجيش ووراءه مؤسسته العسكرية على خلع عمران خان، كما خلع من قبله نواز شريف، فكان خالع رئيسي وزراء خلال فترة حكمه، وهو أمر غير مسبوق في قيادة الجيش الباكستاني. فاجأت الحكومة الباكستانية الحالية عمران خان بتعيين عاصم منير كقائد للجيش الباكستاني، وهو ما يعني تأسيساً لحياة سياسية صعبة حتى لو فاز عمران خان في الانتخابات المقبلة. لكن عداء خان هذه الأيام ليس مع عاصم منير فقط، بقدر ما هو عداء مع جهاز المخابرات العسكرية الباكستانية الذي اتهمها بالضلوع في محاولة اغتياله في الثامن عشر من الشهر الماضي، وهو الأمر الذي أزعج المؤسسة، لاسيما وقد أتى بعد اتهامه للمؤسسة كذلك باغتيال الصحفي الباكستاني أرشد منير الذي كان يحقق في عمليات فساد للعسكر والساسة، ليغتال في كينيا بعد أن هرب إليها خشية من اغتياله في باكستان، حيث شعر بالخطر على حياته، ليظهر لاحقاً ولأول مرة مدير المخابرات الباكستانية مع الناطق باسم الجيش الباكستاني، وينفيان أي علاقة بمقتل أرشد منير. الوضع الباكستاني يتجه إلى تأزم حقيقي، وما يدور على مواقع التواصل الاجتماعي في باكستان اليوم مخيف، من حيث التعبئة والحشد، والعداء للمؤسسة العسكرية، وبالتالي لم تعد هناك مؤسسة أو جهة يتحاكم إليها الباكستانيون جميعاً، أو يلجأون إليها، مما يجعل المهمة أمام المؤسسة العسكرية وقائدها الجديد الجنرال عاصم منير شديدة الصعوبة، وبالطبع ستكون المهمة مسؤولية النخب الباكستانية كلها في تجديد ثقة الباكستانيين بالنظام السياسي والعسكري الباكستاني بشكل عام.

2385

| 29 نوفمبر 2022

مونديال قطر.. باكستان ومخيمات إدلب

‏لم تغب مخيمات إدلب، ومعاناة أهلها عن مونديال العالم، والعرب، وقطر لعام 2022، فكانت أغنية (ارحبوا) بالوفود المشاركة والمشجعين في مونديال قطر، يتناقلها ويتابعها عشرات الملايين وربما أكثر، حيث كان مخيم بلدة التح في المحافظة، مكان الأغنية، حين اندفع أطفال المخيم يلعبون بكرة قماشية ركلها باتجاههم رجل كبير في السن بعد أن خاطتها سيدة لاجئة، كل هذا تم بمبادرة شخصية، وبجهود فردية، ليكون اللاجئ السوري حاضراً في مونديال قطر، وتحضر معه معاناته، ومعها تحضر أشواقه وأمنياته بنجاح عرس، لم يعد عرساً قطرياً، بقدر ما هو عرس عربي بامتياز، وربما تعدّى ذلك ليكون عرساً للمسلمين، إذ إنها المرة الأولى في تاريخ المونديال العالمي تستضيف دولة عربية أو دولة مسلمة مثل هذا الحدث الكبير، الذي لقي حسداً وغيرة كبيرة لدى الأقلية. ‏تزامن حصول مونديال قطر مع افتتاح الملعب البلدي في مدينة إدلب، وهو الذي كان مغلقاً بسبب الحرب لسنوات، فكان أن تم تأهيله بشكل أذهل كل متابع للشأن السوري، حيث البساط الأخضر الذي فرش في الملعب، زادت جماله الأضواء الساطعة التي انعكست عليه، مع اللوحات التي زينت سور الملعب، وهي تعلن تضامن السوريين مع تركيا في الهجوم الإرهابي الذي تعرّض له ميدان تقسيم في اسطنبول، بالإضافة إلى الهتافات المتضامنة مع مونديال قطر، ومكتوب عليها أنا عربي وأتضامن مع قطر، وأنا سوري وأتضامن مع قطر، ومعه الهتافات التي جددت روح الثورة السورية، ليتحول الملعب في إدلب، ومونديال قطر إلى رموز مهمة في تعزيز الهوية الوطنية، وشدّ عصب القومية لدى المواطنين. ‏وبعيداً عن إدلب وسوريا، فقد زرت باكستان خلال الأسبوع الماضي، فكان الحديث المهيمن على الشارع هناك، هو حديث المونديال القطري، والاستعدادات القطرية التي أبهرت الجميع، والتي لم تكن وليدة اليوم، بقدر ما هي وليدة عام 2012 يوم تم انتخاب قطر لتكون البلد المضيف، وقد أنفقت قطر بسخاء على هذا الحدث العالمي، من بنى تحتية واستعدادات، لن تكون للحدث ذاته بقدر ما ستكون منفعته للأجيال من بعده، فضلاً عن دوره الملهم لدول وشعوب أخرى في أن تحتذي حذو هذه الاستعدادات والتحضيرات. ‏لقد كان تعليق لاعب الكركيت الباكستاني العالمي عمران خان ورئيس وزراء باكستان سابقاً لافتاً ومهماً على حسابه على التويتر، حين غرّد حول افتتاح المونديال بالأمس بقوله: "نتمنى لقطر الأفضل، في نجاحها، بانعقاد كأس العالم لكرة القدم، والتي ستبدأ اليوم، فهي المرة الأولى التي تستضيف دولة مسلمة، مثل هذا الحدث الرياضي الكبير على مستوى العالم، حظاً سعيداً لكل الفرق المشاركة". ‏لكن الهجوم الأهم والأدق، والأكثر توفيقاً كان من رئيس الاتحاد العالمي للكرة "الفيفا" (جياني أنفانتيو) خلال مؤتمره الصحافي، الذي امتد لـ57 دقيقة، حين هاجم بقوة كل منتقدي عقد كأس العالم في قطر، فدعا الغرب إلى الاعتذار لثلاثة آلاف عام مقبلة، عما ارتكبوه وما فعلوه في العالم لثلاثة آلاف عام ماضية، ونصحهم بأن يُحسنوا تعاملهم مع اللاجئين، ويستقبلوا العمال ويشغلوهم، بدل انتقاد قطر لأنها وفرت لهم فرص عمل، للعمل والشغل على أراضيها. والأكثر من هذا وذاك هو إشارة انفانتينو إلى تباكي البعض على منع بيع الخمور في الملاعب القطرية، وهو الأمر الممنوع حتى في الملاعب الغربية والدولية، كما أشار إلى ذلك في مؤتمره الصحافي، وترافق هذا مع صور نشرتها حسابات على مواقع التواصل لملاعب في حالة فوضى وعبث لبيعها بعض المرطبات في أرض ملاعبها. ‏الحدث الكروي القطري لم يعد حدثاً كروياً، فقد غدا فرصة ذهبية لتعزيز الهوية الوطنية، وتكريس حضورك وحضور قيمك، فضلاً عن نشر القيم والمفاهيم، وهو ما تجلّى تماماً بالجهود القطرية في استضافة الداعية ذاكر نايك وآخرين من الدعاة بلغات مختلفة، بالإضافة إلى جهود وزارة الأوقاف القطرية، ومعها المنظمات الأهلية الحريصة على تقديم صورة حقيقية وواقعية عن الدين الإسلامي وعن قطر.. وفّق الله قطر وسدد الله جهودها في التعريف بقيم الإسلام، وجعل جهودها ملهمة للآخرين.

1968

| 22 نوفمبر 2022

ما بعد الاعتداء على عمران خان

جدد الاعتداء الذي وقع أخيراً على رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، ونجم اللعبة الوطنية الباكستانية المفضلة للباكستانيين (الكريكيت)، الحديث عن اعتداءات سابقة على رؤوساء حكومات سابقين، كان من بينهم بي نظير بوتو قبل 15 عاماً، حين كانت تخاطب حشداً من أتباعها في مهرجان انتخابي، في (راولبندي) قرب العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وذلك بعد عودتها من المنفى الاختياري، بتنسيق وترتيب مع الرئيس الباكستاني يومها برفيز مشرف، وقبل هذا الحادث بأكثر من نصف قرن قُتل رئيس وزراء باكستان لياقت علي خان في المكان نفسه تقريباً الذي قُتلت فيه بي نظير، وهو المكان الذي أُعدم فيه والدها بعد انقلاب ضياء الحق 1977، لكن يبقى الخيط السري بين كل هذه الأحداث، هو عجز القضاء الباكستاني عن الكشف عن الجهة الفاعلة والمنفذة والمدبرة لمثل هذه الحوادث، فضلاً عن معاقبتها، ويبدو أن هذه سمة الاغتيالات السياسية ليس في باكستان وحدها، وإنما في العالم كله. على مدى أشهر ثمة آلية لضخ الدعايات ضد عمران خان، تتمثل في القول بأنه لا يحترم المقدسات، ويزدري أحياناً بها، ويستشهدون على ذلك بعدم إرفاقه الصلاة على النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، حين يُذكر اسمه، ويعتقد المؤيدون لعمران خان أن هذه الدعاية هدفها خلق جو باكستاني، يدفع أحد الأفراد إلى اغتياله والتخلص منه، تماماً كما أقدم قبل سنوات مرافق سلمان تسير حاكم إقليم البنجاب على قتله في إسلام آباد، بعد أن اتهمه بالتجديف بحق النبي، عليه الصلاة والسلام، ويقول المؤيدون: إن هذا ما حصل مع المتورط بمحاولة اغتيال عمران خان، الذي أرجع سبب محاولة اغتياله في مقطع الفيديو الذي ظهر سريعاً بعد القبض عليه، إلى عدم احترام عمران للدين، حيث كانت الموسيقى تصدح خلال أوقات الأذان، ونحوها من اتهامات كالها المنفذ في مقطع الفيديو الذي نُشر له، وقد أسفر الهجوم في حينه عن مقتل شخص واحد، وجرح 14 آخرين من بينهم عمران خان الذي أُصيب في ساقه. عمران خان 70 عاماً، السياسي الحديث على السياسة الباكستانية مقارنة بسياسيين حازوا عليها بالتوريث، وهو البشتوني العنيد، ونجم الكريكيت العالمي في الثمانينيات، يوم فاز بالكأس العالمية، فاكتسب شهرة باكستانية غير مسبوقة، فتبوأت باكستان في عصره مكانة عالمية في رياضة الكريكيت المفضلة باكستانياً. وظل عمران خان يبني شهرته هذه على أساسها حتى أسس حزب الإنصاف، فاستقطب سياسيين من أحزاب باكستانية عدة، ليفوز في انتخابات باكستانية عامة 2018، ملحقاً الهزيمة بـ"ديناصورات سياسية" باكستانية، تصدروا المشهد السياسي لعقود على طريقة لعبة الكراسي الموسيقية، وطوال فترة حكمه ظهر على غير ودّ مع المؤسسة العسكرية صاحبة النفوذ والتأثير، والدولة العميقة في باكستان، وهو ما قاد إلى الإطاحة به عبر حجب الثقة عنه أواخر فبراير الماضي. وعلى الرغم من وقوف أحزاب رئيسية كبرى ضده، لكنه ظل قوة شعبية صاعدة، عجزت كل الأحزاب أن تحشد نصف ما حشد في مسيراته الشعبية، فأتت الانتخابات التكميلية في إقليم البنجاب لتثبت قوته الشعبية حتى بعد حجب الثقة عنه، حيث فاز بغالبية المقاعد الانتخابية في الإقليم، وهو ما شكل صدمة لخصومه، ومفاجأة حتى لأشد المحللين محافظة، كما أتى فوزه قبل أيام بمقعد في منطقة كرّم ايجنسي القبلية ضد تحالف مكون من 12 حزباً معارضاً له، وبفارق ضعف الأصوات، ما أدهش كل المحللين والخبراء. بمقدور عمران خان أن يعلن حلّ برلمان أقاليم البنجاب، و(صوبه سرحد) وعاصمته بيشاور، بالإضافة إلى إقليمي جلجيت وبلتستان، وكشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية، الأمر الذي يعني قانونياً حلّ الحكومة، والدعوة إلى انتخابات مبكرة، كما يطالب هو بنفسه اليوم، ولكن ما يمنعه من ذلك هو أنه حتى يتم اتخاذ قرار إعلان الانتخابات المبكرة، سيغيب هو وحزبه عن السلطة، وهو جزء من أقاليمها ويتمتع فيها بالأغلبية، وغيابه عن هذه السلطة سيجعل تحركه الشعبي صعباً، إذ قد يتعرض أتباعه، ومسيراته الحاشدة للاعتقالات والتضييق، ولذا فهو يفضل أن يأتي إعلان الانتخابات المبكرة من الحكومة الفيدرالية الحالية التي يقودها خصمه شهباز شريف. الواضح اليوم هو أن المواجهة، لم تعد بين عمران خان والحكومة الحالية بزعامة شهباز شريف، لقد غدت بينه وبين المؤسسة العسكرية والأمنية، ولذا فقد سمّى غير مرة الجيش والمخابرات العسكرية بالاسم، وطالب حتى بإقالة مدير المخابرات العسكرية، الذي ظهر في مؤتمر صحفي نادر مع مدير العلاقات العامة في الجيش الباكستاني، وهو يهاجم عمران خان ويتهمه بالإساءة للجيش، لاتهاماته لهم بالتآمر مع أمريكا في الإطاحة به. وقد صعّد أتباع خان من تحركهم ضد المؤسسة العسكرية، حين تظاهروا أمام مقر قائد فيلق بيشاور العسكري، بعد الهجوم المسلح الذي وقع على زعيمهم، الأمر الذي قرأ فيه مراقبون تصعيداً لافتاً من عمران خان، وهو ما كان ليقوم به أي حزب سياسي باكستاني، حيث يعد الجيش أمناً قومياً في البلاد. وذهب على ما يبدو عمران خان في لعبة كسر العظم مع المؤسسة العسكرية إلى نقطة قريبة من اللاعودة حين نقل عنه أحد قادة حزبه أسد عمر بأنه أُبلغ من عمران خان عن ثلاث شخصيات تقف خلف قتله إن حصل وهم: رئيس الوزراء شهباز شريف، ووزير الداخلية رانا ثناء الله، والجنرال فيصل. المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي اليوم في باكستان يرى حجم الحشد والتعبئة غير المسبوقة ضد المؤسسة العسكرية، في أجواء قد تتقازم أمامها أجواء انفصال بنجلاديش عن باكستان، وهي الأزمة التي تعد باكستانياً بمثابة مقياس ترمومتر سياسي لأي أزمة تمر بها باكستان، وبمثابة مسطرة كذلك يقيس بها الباكستانيون أزماتهم في حال تعرضوا للخطر، أما الهجوم على الجيش اليوم وعلى الأجهزة الأمنية فيراه بعضهم هو ذاته الذي تحدث عنه الصراع بين باكستان الشرقية والغربية، وقد عكست ذلك كله تصريحات عمران خان الأخيرة حين قال إن الجيش الذي حرم مجيب الرحمن عام 1971 من الحكم بعد أن فاز بالأغلبية العظمى، هو نفسه من يحرمني ويعرقل نشاطي في الحكم أو في المشاركة بالانتخابات المقبلة. ويبدو أن وصية لورانس العرب قديماً: "لا تحاول أن تفعل الكثير بيديك، فمن الأفضل أن يفعلها العرب لك". أما في حالة الجيش الباكستاني فقد كانت وصيته لعقود ألا تفعل الكثير في باكستان بيديك، وإنما دع السياسيين يفعلونها لك، ويتحملون وزرها أمام الشعب.

1395

| 08 نوفمبر 2022

أنا عربي وأدعم قطر

حملة هاشتاغ قوية سريعاً ما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تعكس دعم قطر ومونديال العالم، بقدر ما تعكس هوية عربية، أراد بعض العنصريين الغربيين من الساسة وغيرهم حرمان العرب ممثلين بقطر اليوم من استضافة مونديال عالمي، تُحضِّر له الدوحة منذ سنوات. هذا التحضير الطويل، شكّل في الحقيقة، والواقع، هوية رياضية عربية، ووضع بذلك قطر والعرب عموماً في مستوى حضاري رياضي عالمي. ثمة غضب وانزعاج غربي وشرقي من استضافة قطر لهذا الموسم الرياضي العالمي، ومع هذا واصلت قطر التحضير لهذا المؤتمر، لنرى اليوم بعض الأصوات النشاز الغربية العنصرية، تعارض عقده في قطر، ولكن الرد العربي بدعم قطر ومونديالها جاء قوياً، ليسكت ويخرس كل الأصوات الشاذة التي دعت إلى حرمان قطر من هذا الحفل العالمي، الذي ظلت تستعد له لسنوات، فهيأت له كل الأسباب وكل ما يحتاجه، وعلى أفضل المقاسات والمواصفات العالمية المتعارف عليها. الأسوأ من ذلك أن بعضهم بدأ يتحدث بطريقة ساذجة، ليدعم بعلم أو بجهل حلف الرذيلة الداعي لسلب قطر وحرمانها من هذا الاحتفال، فبدأ يتحدث عن نفقات قطر على هذا المونديال، التي تعدّت بنظره 222 مليار دولار، ولم يدرِ صاحبنا أن هذه المبالغ إنما أُنفقت على بنية تحتية، تخدم المونديال وتخدم غيره، ويحق لقطر، ولكل عربي، أن يتفاخر ويعتز بها، وعوضاً عن تجميد مثل هذه المليارات في بنوك الغرب والشرق، يتم الآن استغلالها بشكل استراتيجي وبعيد المدى، بما يخدم الإنسان القطري اليوم، وعلى المدى البعيد، بينما الكل يرى الآن التداعيات السلبية لتخلي أو إهمال كثير من الدول القيام بمثل هذه البنى التحتية قبل عقود، لتتوسع هذه العواصم اليوم وتتكاثر، فتجد القيام بمثل هذه المشاريع الاستراتيجية الآن مكلفاً للغاية إن لم نقل مستحيلاً، في ظل ضخامة المدن جغرافياً وديمغرافياً. أنا عربي وأدعم قطر، ليس مجرد هاشتاغ لفشّة الخلق، بقدر ما هو ردّ حضاري وتاريخي ومستقبلي حتى على كل الذين يريدون أن ينالوا من العرب ومن دورهم، فضلاً عن أن يكون رداً على الذين ينظرون إلى العرب نظرة دونية، وبأنهم لا يستحقون أن يكونوا كغيرهم من الدول المتقدمة التي تستضيف مثل هذه المونديالات ومثل هذه المواسم العالمية، لا سيما أنه أول مونديال يُقام على أرض عربية، الأمر الذي يوفر فرصة كبيرة في تعزيز ثقة العرب بأنفسهم، وفرصة أيضاً لتواصل العالم مع حضارة العرب وثقافتهم، ليعود ذلك بالنفع على الطرفين العرب وغيرهم، وينعكس بالتأكيد على علاقات الشعوب إيجابياً. قد يقول قائل: إن ما يعانيه العالم العربي والإسلامي من أزمات وحروب ومعاناة، تستوجب الاهتمام بها والتركيز عليها، وليس الاهتمام بقضايا كالمونديال ونحوه، ولكن دولة قطر بما حباها الله تبارك وتعالى من إمكانيات وقدرات وطاقات، لم تبخل يوماً ما على الأمة، ولعل المنظمات الخيرية القطرية، ووجودها في كل بقعة منكوبة، شاهد على ذلك، فأينما اتجهنا في سوريا المنكوبة على مدى 12 عاماً نرى الحضور القطري، إن كان في دعم الفقراء ودعم المخيمات، ومساعيهم في بناء البيوت لهم، أو دورهم المشهود على مستوى التعليم والصحة، أو دورهم في كفالة الأيتام، والأمر نفسه ينطبق على الكوارث التي حلّت في باكستان وأفغانستان، وحتى العراق واليمن وأفريقيا وآسيا، ففي كل مكان لها بصمة مشهودة، والاهتمام بالمسلمين لا يعني التخلي عن واجب تعزيز الثقة بالنفس والتركيز على جوانب ومجالات أخرى للدول لها حساباتها. أخيراً ثمة حاسدون لقطر وللعرب بشكل عام على استضافتها للمونديال، لكنها تبقى بكل تأكيد فرصة ذهبية لتعزيز ثقة العرب بأنفسهم، أما دواء الحسد فزوال النعمة كما يريد صاحبه، وذلك لا يقدر عليه إلاّ المنعم وحده وهو الله تبارك وتعالى.

1374

| 01 نوفمبر 2022

لافارج الفرنسية ولافارجات المسلمين

بعد مداولات ومرافعات ومناقشات استمرت لسنوات حسمت محكمة أمريكية حكمها بتغريم شركة لافارج الفرنسية بدفع 777.8 مليون دولار، وذلك لتقديمها دعماً لمنظمات مدرجة على التصنيف الدولي بأنها إرهابية، وعلى رأسها تنظيم الدولة، حيث واصلت الشركة الفرنسية تشغيل مصنع الإسمنت الخاص بها في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة في شرق سوريا، ودفعت للتنظيم ملايين الدولارات نظير استمرارية هذا التشغيل، وبوضوح العبارة التي اعتاد العالم كله على وصمها لبعض المسلمين دعم وتمويل الإرهاب، فإن لافارج كانت تدعم وتمول الإرهاب، وقد أقرت واعترفت بنفسها ودفعت دية ذلك... اللافت أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كشف عن تحذيره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبكراً من استمرارية عمل لافارج في شرق سوريا، ولكن ذلك التحذير لم يلقَ آذاناً صاغية، في ظل الغرور والكبر الفرنسيين، اللذين تلبّسا بعض النخب الفرنسية بما فيها الرئيس نفسه للنيل من الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو ما أثار ضجة غير مسبوقة في العالم الإسلامي، حيث دعت نخب علمائية ومشيخية وثقافية إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، ولا تزال الدعوة مفتوحة، وهي أطول دعوة لمقاطعة المنتجات الفرنسية في التاريخ الحديث. بالمقارنة بين هذا الكشف الذي أثبت تورط لافارج الفرنسية في تمويل الإرهاب، وبين منظمات الإغاثة الإسلامية التي وقعت ضحية الحرب الغربية على ما يوصف بالإرهاب، سنوات عجاف، وجه الغرب ظلماً وزوراً وبهتاناً التهم لبعض المنظمات الإغاثية التي كانت لها أيادي بيضاء لا ينكرها إلاّ جاحد خلال الحرب الأفغانية الأولى ضد الاحتلال السوفياتي، مثل منظمة الدعوة الإسلامية الكويتية والتي غدا اسمها مؤسسة الرحمة لاحقاً، فاتهمها الغرب بدعم وتمويل الإرهاب، وصادر أموالها، ومنعها من مزاولة العمل، ليعتذر لاحقاً عن تصنيفه الذي تبين له بأنه تصنيف غير صحيح، وأنها لم تقم بأي نشاطات داعمة لما يصفه بالإرهاب، ولكن كم لدينا من منظمات الدعوة الإسلامية الكويتية ممن تعرّض لنفس التهمة ولنفس التصنيف، ليثبت لاحقاً العكس؟! هذا الظلم طال الأشخاص الذين تم القبض عليهم وقبعوا في سجون أمريكية وغربية لسنوات طويلة، ضاعت زهرة شبابهم ليتم الإفراج عنهم لاحقاً، دون أن يعلم سبب الاعتقال الحقيقي، ولا سببب الإفراج، فضلاً عن عدم تعويضهم عن كل ما جرى لهم من سنوات عجاف. لنتخيل للحظة ماذا سيكون الرد الأمريكي لو ثبت دعم شركة ورجل أعمال مسلم، أو عربي، لتنظيم الدولة، ولنتخيل كيف سيكون رد المحكمة الأمريكية، والإعلام الأمريكي على الدولة التي تتبع لها هذه الشركة أو هذا الشخص، ولنتصور حجم ما سيكتب عنها حينها، حيث ستشحن الآلة الإعلامية الغربية، ومعها ستشحذ أقلام الإعلام الغربي الذي سينفر لتتبع الخيوط كلها في عملية التمويل، مع عدم نسيان ابتزاز الدولة التي تنتمي إليها لافارج الإسلامية؟!، ولكن نرى اليوم في حالة لافارج الفرنسية الصمت وتمرير الحالة وكأن شيئاً لم يكن.. الإشكالية الأساسية التي يخرج منها المتتبع للحرب على ما يوصف بالإرهاب، هو أن الحقيقة كانت أول ضحاياها، تماماً كما كانت القيم الأخلاقية ضحية أساسية من ضحايا الحرب على الإرهاب، وبالتالي فإن الدول التي قاتلت ما يوصف بالإرهاب انهارت أخلاقياً بأعين الجميع نخباً وعواماً، وبالتالي لم يعد هناك ما يثق به العالم كله من قيم أخلاقية، فسلطة الآباء أول ما تنهار، تنهار أخلاقياً، وكذلك الدول تنهار أخلاقياتها، فيتبعها غيره. اليوم حين يتابع العالم كله، ما جرى ويجري من نفرة لدعم الأوكرانيين في مواجهة الاحتلال الروسي لبلادهم، وهو نفس العالم الذي يتابع صمت النافرين لدعم الأوكرانيين يوم أبيد السوريون على مدى 12 عاماً، ويوم ضربوا بالسلاح المحرم دولياً، فيتعمق لدى المتابعين أن هذا العالم عالم نفاق لا يمكن الوثوق بعدله، ولا بإنصافه.. فثمة عالم خاص بلافارج الفرنسية، وعالم خاص بغيرها...

1905

| 25 أكتوبر 2022

النخب العربية والتغيير في العالم العربي

بينما كان الاتحاد السوفيتي ينهار عام 1991، ويعلن رئيسه يومها ميخائيل غورباتشوف نهايته، وتفرّ الجمهوريات السوفيتية من القطار معلنة الاستقلال والتحرر، كان هناك من يفرّ من الأفراد أيضاً، لكنه فرار من نوع آخر، إنه فرار الإيديولوجيا التي طبعت حياتهم لعقود، وإن كان بجوهره فرار المصلحة والبحث عن المستقبل النفعي الخاص بعيداً عن الإيديولوجيا كما تبين لاحقاً. كنت أرقب ذلك بحكم تغطيتي للأحداث في باكستان، وهنا أتحدث عما يخص التداعيات السوفيتية على باكستان تحديداً، حيث كان حزب العوام القومي اليساري التوجه الذي أوصى مؤسسه عبد الغفار خان قبل موته بألاّ يدفن في باكستان على أساس أنها محتلة ومغتصبة من قبل أكبر أقاليمها وهو إقليم البنجاب، وبالتالي فقد كانت وصيته أن يدفن في أفغانستان، كونها بنظره حرّة، باستثناء وجود 220 ألف جندي روسي فيها!!، ودعم حلف وارسو لاحتلال روسي أتى على الأخضر واليابس لعقد كامل في ذلك البلد الذي كان يحكمه حزب شيوعي دموي، لم يرَ في ذلك كله عبد الغفار خان الشيوعي العتيد أي غضاضة أو محل للنقد والاعتراض. لو كانت القصة انتهت إلى هنا لكان الأمر طبيعياً شيئاً ما، لكن السؤال الذي سيسأله كل من قرأ الفقرة الأولى وهو إلى أين فرّ الحزب اليساري صاحب النظرية الأممية، لقد فرّ إلى من كان يتهم باكستان بالولاء له، متحوّلاً بذلك مائة وثمانين درجة، حتى كاد أو يقع على قفاه، غير عابئ بكل تاريخه وبوصية مؤسسه الذي دفن في جلال آباد شرقي أفغانستان بعيداً عن مسقط رأسه، بينما حواريوه وأتباعه قد استداروا للوراء دُرْ، يسبحون ويحمدون بمن كانوا يشتمونه بالأمس، والأعجب والأغرب من ذلك كله أن الأتباع لم ينبسوا ببنت شفه، ولم يناقشهم أحدٌ في ذلك التغير. اليوم ونحن نرى تهافت وتفاهة بعض النخب العربية في دعم الاستبداد العربي، أستذكر ما حدث في باكستان قبل ثلاثة عقود، ليبدو لي أمراً طبيعياً في تلك التيارات، المصرّة على الولاء للخارج مهما كان يسارياً أو يمينياً، ولو كانت نتيجته على حساب شعبها والقيم التي رفعتها لعقود. كثير من النخب العربية تحوّلت فجأة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي من اليسار ومعاداة الإمبريالية إلى معسكرات جديدة، ومنها معسكر الليبرالية نفسه. فأتت الثورات العربية لتفضح ذلك التيار أكثر فأكثر، بعد أن تخلى كثير من أربابه عن كل ما بشر به في الحوكمة والديمقراطية والتعددية والانتصاف للشعوب، ليصطف مع قامعي الشعوب. بعض شرائح هذه النخب آثرت في البداية الصمت والخرس تجاه ما يجري ضد الاستبداد، ظانة أن المعركة لأيام أو لأشهر، وربما في أسوأ الحالات لبضع سنوات ثم ينجلي الغبار، فتكون هي وتيارها الفكري وجماعاتها في مساحة أمان، ما دام من سيحصد هذا التغير بنظرها هي القوى الإسلامية المعادية لها، وهي التي ترى في الاستبداد وحكمه أقرب إليها من التيارات الإسلامية التي ستنافسها على الحكم، لكن حين طال أمد المعركة والمواجهة، وجدت مثل هذا النخب نفسها في موقف حرج حقيقي، فإما عليها الإنحياز إلى ما كانت تبشر به لعقود من الانتفاض ضد الاستبداد وحكم الفرد، وإما المحافظة على مصالحها الشخصية، بإبعاد منافسيها المحتملين عن السلطة، لتقرر في النهاية الانحياز إلى الاستبداد فدافعت عنه، منقلبة على كل ما بشرت به لعقود. ليس أمام القوى التغييرية الحقيقية في العالم العربي، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار سوى التعالي على الجراح، وعلى سلبيات الماضي، أملاً في الاتفاق على المشتركات العامة، وعلى رأس هذه المشتركات التخلص من الاستبداد، مع تعظيم المشتركات المتعلق بحرية الفرد وإقامة دولة العدل الحقيقية التي تتساوى فيها الفرص وتتكافأ للجميع....

2241

| 18 أكتوبر 2022

بوتين والنووي ومصير حلب

وضع تفجير جسر القرم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام استحقاقات وتحديات جديدة وعاجلة لا بد من التعامل معها، وإلاّ فإنه يخسر من شعبيته وهيبته داخلياً وخارجياً، فالتفجير الذي سارع بوتين إلى اتهام السلطات الأوكرانية بتدبيره، يُعدُّ بنظره اعتداءً على الأراضي الروسية، وهي في حقيقتها وواقعها أراضٍ أوكرانية، احتلت روسياً عام 2014. إذ انه وبحسب العقيدة النووية الروسية، فإن على موسكو أن تردَّ نووياً على كل من يعتدي على أراضيها، وما دامت القرم من أراضيها بحسب الدستور الروسي بعد أن ضمتها إليها، فإن عليها الرد على ذلك، لكنه رد غير متحقق عملياً، في ظل وقوف الغرب كله، ومن ضمنه أمريكا خلف أوكرانيا، مما قد يفتح أبواب الجحيم على بوتين، وروسيا كما هدده بذلك بايدن وغيره من قادة الغرب. التلويح بالنووي أتى على ألسنة مسؤولين روس كثر، عزّزه إشارات روسية من هنا وهناك عن تحرك القطار النووي باتجاه الأراضي الأوكرانية، وغيرها من الإشارات، لكن على ما يبدو تراجع روسياً هذا الخيار، فرجحت في النهاية كفة مصير حلب وغروزني وغيرهما من المدن التي استباحها الطيران الروسي، فأعلن بوتين عن تعيين من يوصف في سوريا بجزّار حلب الجنرال سيرجي سوروفكين كقائد عام للقوات في أوكرانيا، وهو الذي أشرف على تدمير حلب حين استباحها بطائراته على مدى أشهر، مستغلاً افتقار الثوار يومها لأبسط أنواع المضادات الجوية، وقد استهل سوروفكين تعيينه بالأمس وبعد ساعات فقط على تسلمه مهامه بقصف صاروخي على مساكن مدنية أوكرانية أحالت ليل الأهالي إلى جحيم حقيقي بحسب مقاطع الفيديو التي ظهرت وانتشرت على نطاق واسع، عقب استهداف المدنيين. تعيين سوروفكين كقائد للقوات الروسية في أوكرانيا يأتي بعد أن ابتلع مثلث برمودا الأوكراني أكثر من عشرة جنرالات روس كبار سبق وأن خدموا في سوريا، وتحوّلوا للخدمة في أوكرانيا، ومثل هذا الاستنزاف يترافق بشكل واضح مع تراجع الدور الروسي في سوريا عسكرياً وسياسياً، مما قد يفتح المجال لقوى إقليمية ومحلية بالبروز على حساب الفراغ الذي سيخلفه هذا التراجع. الرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي دعا أخيراً إلى ضربة غربية استباقية للروس، وذلك قبل أن يقوم بوتين بتوجيه ضربة نووية لأوكرانيا حسب قوله، الأمر الذي يشي بحجم الثقة الأوكرانية المتعاظمة لديه في حشد حلفائه من خلفه، سيما بعد النجاحات العسكرية والسياسية التي أثبتها في مواجهة الحرب الروسية، وتزامن هذا مع نصيحة أسْداها المعهد الأطلسي لصناع القرار في أمريكا والغرب بشكل عام، داعياً إلى الاستثمار بحلفاء مرنين، ومما ورد في تقرير المعهد ذي الأهمية العالية قوله:" يجب أن تخطط الولايات المتحدة لتقديم مساعدات أمنية طويلة الاجل إلى كييف، بهدف تعزيز قدراتها على ردع العدوان، وقد يكون هذا العمل باهظاً، إلاّ أن تكاليفه ستكون بسيطة مقارنة بتكاليف جولة أخرى من الحرب." مثل هذا الواقع أغْرى زيلينسكي أكثر فأكثر حين طرح على الغرب وأمريكا تحديداً في أن تكون بلاده شريكاً غربياً كشراكة إسرائيل لها في منطقة الشرق الأوسط، وحتى في مرحلة ما بعد وضع الحرب أوزارها، فأمريكا حينها ستحتاج إلى مرابطين على الخطوط الأمامية في مواجهة روسيا والصين بحسب قناعاته، وحتى ستحتاج إلى الاستخبارات المضادة، ويدعو زيلينسكي كذلك إلى ضرورة أن يشارك الغرب وأمريكا تحديداً في بناء العسكرتاريا الأوكرانية بما يؤهلها للضرب خلف الخطوط الروسية، وهذا يتطلب تخصيص اعتمادات سنوية، وتقديم معدات عسكرية جاهزة للتطبيق والاستخدام، الأمر الذي سيخفف على الغرب وأمريكا تحديداً مخاطر حروب عالية الكلفة مع خصمين دوليين روسيا والصين، ويجعل من أوكرانيا الحليف المرن أن يقوم بحروب قليلة الكلفة شبيهة بحروب إسرائيل في المنطقة العربية.

5160

| 11 أكتوبر 2022

وغابت هنا لندن

منذ أن توقف تلفزيون البي بي سي العربي عام 1996، لتحلّ محلّه قناة الجزيرة الفضائية، ويبدأ موسم الهجرة الإعلامية إلى الجنوب بدل الشمال، كما اعتدنا لعقود، بدا وكأن شمس لندن الإعلامية قد بدأت بالغروب، وأن المسألة مسألة وقت فقط، تعزز ذلك بنقل عدد من الوسائل الإعلامية العربية مراكزها الرئيسية إلى عواصمها بدلاً من لندن، ووصل الأمر إلى أن أغلقت بعض هذه الوسائل الإعلامية أبوابها بالكامل، ليجد موظفوها أنفسهم فجأة عاطلين عن العمل. مناسبة الحديث هو إغلاق إذاعة لندن القسم العربي مع عدد من الخدمات الأجنبية أبوابها فجأة، واللافت أن يكون غياب لندن هنا متزامناً مع غياب الملكة عن باكنغهام لسبعين عاماً. الخدمة العربية التي انطلقت عام 1938، وذلك لحشد الرأي العام العربي في الحرب العالمية الثانية في مواجهة الدعاية النازية، التي كان لها ذراعٌ إعلاميٌّ سابقٌ على ظهور البي بي سي العربية، بعنوان هنا ألمانيا، لكن من الصعب أن نهضم سبب الإغلاق المعلن وهو الضائقة المالية، وكل ميزانية الإذاعة السنوية لا تتجاوز الثمانية والعشرين مليون جنيه إسترليني، بينما ميزانية الهيئة بالكامل تصل إلى خمسة مليارات من الجنيهات الإسترلينية، وهو ما يدفع أي محلل أو خبير مختص للتفكير في سبب آخر، فغالباً ما تكون التصريحات عبارة عن قنابل دخانية تُخفي الحقيقة، فكيف إن كان من يطلق هذه القنابل الدخانية أصحاب المصلحة والمهنة أنفسهم؟! دون شك، فقد تراجع أداء إذاعة بي بي سي العربية عن سابق عهدها، وبغض النظر عن أسبابه فيما إذا كان نتيجة تفشي فطر الإذاعات والقنوات الفضائية المنافسة، أو غيره، لكن ربما يعتقد بعضهم أن المستمع بدأ يفضل متابعة الشأن المحلي ويستغرق فيه، لأن الثورات العربية ربما جعلت المشاهد والمتابع يلجأ للوسائل المحلية أكثر من الوسائل الدولية، نظراً لأن ذلك يمس شؤون حياته كلها وعلى مدار الساعة، ويذهب بعضهم إلى أن تراجع الأداء يعود إلى الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها بي بي سي، حين انحازت سياستها التحريرية ضد الربيع العربي، مما أدى إلى تآكل شعبيتها في أعين الشريحة الأوسع، فانعكس ذلك على انفضاض الجمهور عنها. بوصفي إعلاميًا، لا أذكر شخصياً آخر مرة شاهدت أو استمعت أو عرفت بخبر عاجل وخاص وحصري من بي بي سي العربية، ومثل هذه المناسبات هي في العادة التي تمنح المصداقية لأي مؤسسة إعلامية، وترسخ اسمها وماركتها في أذهان المشاهدين، لكن كعادة الشركات الضخمة والمؤسسات الكبيرة والدول الأكبر تتخذ قراراتها ببيروقراطية معقدة، وربما مثل هذه البيروقراطية تحدُّ من الإبداع الإعلامي تحديداً، وتحدُّ معه من سرعة التعامل مع الخبر الذي يحتاجه الإعلام بشكل عام، فكيف ونحن في عصر السرعة، وعصر من لدى بعض المنصات أكثر من مراسل في البيت الواحد، كالتويتر والفيس بوك والانستغرام وغيرها من المنصات. إذن ودّعت بي بي سي العربية على ما يبدو المونديال الإعلامي، نتيجة هامشية التأثير والنفوذ، إن لم نقل قد ودّعته إلى الأبد، والتذرع بالانتقال إلى المنصات الرقمية باعتقادي لن يعوّضها ما خسرته، فما تزال المنصات الرقمية هي للإعلامي الشخصي، ينعكس ذلك بتفاعل المتابعين والقراء مع الحسابات الشخصية أكثر من التفاعل مع الوسائل الإعلامية، وما تزال سايكولوجية المشاهد والمتابع، تحكمها قاعدة أن المنصات الرقمية لا يمكن أن تكون منصة إعلامية مستقلة بذاتها، وإنما هي حامل لمنصة أخرى، ووسيلة أخرى، بمعنى إن لم يكن للإذاعة والمحطة مكانٌ تبث منه، فلا قيمة إعلامية لها، أما المنصة الرقمية فبحسب سايكولوجية المشاهد، هي أداة من أدوات الترويج والنشر، وإلاّ فلم يعد هناك فرق بين ما يفعله المواطن الصحفي، وبين المؤسسة الصحفية، ما دام الطرفان يستخدمان المنصات نفسها، بلا إبداع يُفرّق بينهما.

4461

| 04 أكتوبر 2022

باكستان ضحية التغيرات المناخية

ينشغل السياسيون بالأوضاع السياسية الضاغطة، ليكتشفوا فجأة أن ما كانوا يرونه ترفاً سياسياً وفكرياً، غدا خطراً ماحقاً، يهدد البلد برمته، وعلى رأسه السياسي الذي تسبب جهله أو تجاهله بقراءته، ويأتي من ضمنها في حالتنا اليوم تجاهل السياسي الباكستاني للواقع المناخي، وتداعياته على البلد، الذي أتى بكارثة أضاع عليها عشرات المليارات من الدولارات، إذ ظهر بحسب دراسة علمية غربية منشورة، شارك فيها 20 من كبار الباحثين والخبراء العالميين في مجال البيئة، أن أكثر من 50% من أسباب فيضاناتها الأخيرة، إنما يعود إلى التغير والتبدل المناخي، وهو ما دفع منظمات بيئية عالمية للمطالبة بتعويضات من الدول الغنية التي تسبب هذا التغير المناخي، وقد حصلت باكستان على 13 مليون دولار من الدانمارك تعويضاً اعتبر الأول من نوعه تاريخياً، في أن تقبل دولة غنية تعويض دولة متضررة بسببها في التغير المناخي. الفيضانات التي اجتاحت باكستان خلال الأسابيع الماضية غير مسبوقة، وتعد الأعنف من نوعها منذ عام 1961، حيث ارتفع منسوب الأمطار الهاطلة على باكستان أربعة أضعاف ما كانت عليه العام الماضي، وهو ما ألجأ أكثر من نصف مليون شخص إلى مخيمات التشرد، وجعل أعداداً كبيرة من الناس بلا مأوى ولا خيام، بينما تتحدث منظمة الصحة العالمية عن تدمير الفيضانات لـ 888 مركزا صحيا، فضلاً عن أن كثيرا من المراكز الصحية الأخرى مهددة بالدمار، إن لم ينحسر الماء. في حين مات حوالي 1400 شخص جراء هذه الفيضانات، وتضرر أكثر من 33 مليون شخص بسببها، وتدمرت 17500 مدرسة، ونفق ثلاثة أرباع المليون من الماشية. لقد غمرت هذه الفيضانات أكثر من ثلث باكستان، وتضرر أكثر من ثلاثة آلاف ميل من الاتصالات الباكستانية، بالإضافة إلى انهيار أكثر من 200 جسر، ويتحدث بعضهم عن دمار أكثر من 90% من محاصيل إقليم السند وتلفها، وهو من أهم الأقاليم الباكستانية في مجال الزراعة. لكن الأخطر من ذلك كله هو تحذير المشافي والمراكز الصحية من تفشي أمراض تعقب مثل هذه الكوارث، وهو الأمر الذي سيكون من المتعذر على البلد مواجهته، لاسيما ونحن نتحدث عن انهيار منظومة صحية في المناطق الأشد تضرراً جراء هذه الفيضانات. وزيرة البيئة في الحكومة الباكستانية (شيري رحمان) كتبت في الغارديان البريطانية متهمة الدول الغنية بالتغير المناخي، الذي حصدت نتيجته باكستان اليوم، ودعت رحمان إلى تعويض باكستان عمّا خسرته جراء هذه الفيضانات، والتي لم يكن لها فيه دور، وإنما السبب من الدول الغنية، في حين تعهد وزير التخطيط الباكستاني (أحسن إقبال) بتقديم الحالة الباكستانية للعالم كله، من أجل إظهار البلد على أنه ضحية الدول الغنية المسببة لهذا التغير المناخي. كثير من علماء البيئة اليوم يعكفون على قراءة المثال الباكستاني بعمق، وذلك للخروج بنتيجة تُلزم الدول الكبرى المسببة لهذا التغير المناخي، المُفضي إلى الفيضانات وتضرر الدول الفقيرة والنامية، لتتحمل بذلك النتائج. ولكن يبقى الحل الحقيقي هو بتوقيع القوى الكبرى على اتفاقيات عالمية لخفض التلوث البيئي، وإلا فإن هذه القوى الكبرى ستظل تتنصل، وترفض التوقيع على هذه الاتفاقية، مما يعني تلقائياً دفع الدول الصغرى والنامية الثمن، واليوم باكستان وربما غداً دول أخرى. النقطة الأخيرة التي ينبغي الإشارة إليها في هذا السياق هي أن التغيرات المناخية متعددة التأثيرات والأضرار، فهي لا تشمل الطيور والحيوانات فحسب، بل تشمل كل ما يتعلق بحياة الإنسان، من هواء وماء، وسقاية وزراعة ونحوها، الأمر الذي يستوجب التحرك العاجل والمتعدد الاتجاهات، من أجل حماية الإنسان وبيئته.

1215

| 27 سبتمبر 2022

alsharq
مؤتمر صحفي.. بلا صحافة ومسرح بلا جمهور!

المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...

6741

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
من فاز؟ ومن انتصر؟

انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...

6420

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
مكافأة السنوات الزائدة.. مطلب للإنصاف

منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر...

3411

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
تعديلات قانون الموارد البشرية.. الأسرة المحور الرئيسي

في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...

2790

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2082

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
دور قطر التاريخى فى إنهاء حرب غزة

مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...

1815

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

1671

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
قادة العالم يثمّنون جهود «أمير السلام»

قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....

1524

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
مواجهة العزيمة واستعادة الكبرياء

الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...

1185

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
العطر الإلكتروني في المساجد.. بين حسن النية وخطر الصحة

لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...

1062

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
هل تعرف حقاً من يصنع سمعة شركتك؟ الجواب قد يفاجئك

حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...

966

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

834

| 16 أكتوبر 2025

أخبار محلية