رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطمئن البال عندما يُدرك أن الخير والشر صنوان لا يفترقان في دخيلة النفوس البشرية، وأن هناك دائماً من سيغلب خيره شرّه أو شرّه خيره. لذلك فالأسلم والأكمل والأسمى أن يعمل المرء الخير ولو ظن أنه في غير موضعه إن أراد ذلك، وأن لا يمنعه أن من سيُحسن إليه سيغدر به يوماً بشره أو.. بجحوده وإنكاره ! ذلك لأن عمل الخير هو خيرٌ مُطلق في حد ذاته، لا يضرّه من اعترف به، ولا يُنقصه من جحد به ! فليس أرقى من خيرٍ يُقدّم بنية أشرف، لوجه الله لا يُراد بها جزاءً ولا شكوراً.. وما أعظم الإدراك الحق أن كل معروفٍ سيُجزى به فاعله، لأن من يفعل الخير لن يُعدم جوازيه حتماً ! وما أسمى الشعور أن يعي المرء أن كل ما يقدمه من خيرٍ فهو في حقيقة الأمر لنفسه قبل كل أحد !! فإن أحسن فهو إنما يُحسن لنفسه، وإن أساء فعليها. فليس الاستكثار من الخير بمذموم إن صدر من ذاك المقام العلّي من النوايا. وليس العطاء المبذول بمستخسر إن أُعطي بإدراك يعي ما تقدّم.. وليس في المقابل المنع من العطاء خوفاً من شر من أحسنت إليه إلا مجرد قرار لا مذمة فيه، ومرحلة وعي لصاحبها تُحترم، ومساحة إدراك وشعور تُقدّر، فليس الكل قادرا على إتيان ذلك الإحسان، أو تحمّل ذلك النكران. لذا فمن الأنبل أن يكون كل عطاء هو قرار واع على بيّنة، ونيّة عازمة لا شائب فيها على الإحسان الصادق، وكلٌ على حسب وعائه يعطي ويفيض. والأهم أن يتذكر المرء أن كل ما كان لله وفي الله فإنه يُبارك وينمو. وأن كل ما مُنح وبتواضع يُدرك من خلاله وأن كل ما سيمنحه هو من فضل الله عليه أصلاً، وأنه مجرد قناة تمرير للخير لغيره. وأنه كلما تواضع الإنسان وعرف أنه مسخر ومسخرٌ له، فهو قد يكون الأشد احتياجاً والأكثر افتقاراً من الممنوح له لهذه البركة الإلهية، فليس المانح بأقل حاجةٍ للخير من الممنوح له! لحظة إدراك: من الإحسان الممدوح أن يُدرك المرء أنه في حالة تخيير، لذلك فإن أحسن لغيره فليوّطن النية أن هذا الإحسان لله الذي لن يضيع أجر المحسنين، وأن لا يتوقع خيراً ولا شراً من أحد أحسن إليه. وإن أدرك في خبيئة نفسه أنه لا يحتمل نكران الجميل، أو انعدام الشكر فله كل الحق في أن يكف عطاءه، فليس الجميع بقادرٍ على التسامي في مراتب الإحسان، وليس ذلك منقصة فيه وإنما مراتب لم يبلغها بعد ربما لا يعنيه أن يشدّ الرحال إليها.
1422
| 24 أكتوبر 2023
(الطوفان) ما زال جارفاً، هذه الحقيقة التي أُذن لنا أن نشهدها كأحد أهم الأحداث المفصلية في تاريخ هذه المنطقة. ولستُ أتحدث هنا على نطاق المستوى السياسي، ولكني أعني على مستويات أخرى داخلية في نفوس أفراد أمة اعتادت لردح من الزمن على ثقافة الاستقواء والانتهاكات من العدو الغاشم، حتى تخلق روح الانهزامية، وتُقوض كل سحائب الأمل بالدوران في دوائر مفرغة من التخويف إلى أن يصبح العدو عملاقاً بداخل النفوس قبل أن يكون خارجها!. وهذا ما تعتاده النفوس لأن للنفس بطبيعتها منطقة راحة تألفها بالتكرار والمداومة ولو كانت مؤذية، وتأوي إليها عندما تخشى ما يصادف طريقها من العقبات. فتتقهقر متراجعة أمام عالم قاسٍ مرسوم بعناية، مصمم لتقويض النفوس قبل الأبدان، فيخلق صورا نمطية كاذبة عن جيش لا يُقهر، وعن سلاح لا يقاوم، وعن عدو لا قبل لهم به! وسياسات ممنهجة للتخويف والإذلال وانتهاكات تزيد المشهد بشاعة على مدى الأجيال! كل تلك الموجات المتعاقبة هي عقبات تشكل سداً منيعاً يوقف تقدم النفوس ويحد من انطلاقها، ولربما بعثت في أرواح أصحابها اليأس والخيبة والقنوط!. وما هذه إلا حرب نفسية عظمى ليس مآلها إلى خير أبداً. لذا من المهم أن نعي أن التعامل مع تلك العقبات كحواجز منيعة هو عقبة في حد ذاتها تمنعنا من الانعتاق والتطور والاتساع. ولعل من الأكثر أهمية أن ندرك أن الكثير من هذه العقبات وهمية لا وجود لها أو على أقل اعتبار مبالغ في حجمها وتأثيرها. ومن الناجع أن نفهم أنها قابلة للاجتياز أو للتعامل معها على أقل تقدير، وأن الجزاء الأوفى لـ (اقتحام العقبة) هو (طوفان) جارف مثل الذي حدث يحطم أساطير القوة التي لا تُهزم في النفوس، ويبعث الأمل من جديد، ويُمكّن الأرواح لتصبح أبية مقدامة. لا تهاب (العقبات) ولا تخشى (اقتحامها). لحظة إدراك: من أرقى ما يمكن أن نقدمه من الدعم لإخواننا في فلسطين هو أن نسهم في اقتحام العقبة، ولو على مستوياتنا الفردية البسيطة، اقتحام عقبة الانخراط في دوائر الألم والغضب والحسرة والانهزام، وتجاوزها إلى براحات الأمل والتوكل والاستقواء، من مصدر عزة النفوس، وإباء الوجدان، واليقين بالقوي، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
576
| 17 أكتوبر 2023
من الجليل أن يعتني المرء بأناقته، بأبهة تفاصيله في ملبسه ومظهره وفي بهاء سمته وحضوره. والأجمل أن يحوز تلك الأناقة في دواخله، بدايةً من أناقة وجدانه وإحساسه، ورقي عقله وفكره وتدبره، وبصره وبصيرته، أناقةً ينتقي بها أجمل المشاعر يُدرب عليها مهجة قلبه، فيفيض فؤاده حباً للعالمين، وتسامحاً وغفراناً، ورقياً لعقله يصطفي لنهاه أطايب الأفكار، مما يرفع الهمة، ويُقوي الشكيمة، ويزيد القدرة في حُسن الظن و امتداد الأمل. تلك الأناقة التي تتبدى حتى ذائقته في اختيار لطائف التعبير، وأطايب الكلمات، لأنها تُدرك أن الكلمة الطيبة صدقة، وأن الصمت مُقدم عندما تضيق العبارة بجميل المنطوق، ولطيف الانتقاء للحرف والكلمة، وأنه من الذوق الاعتناء بتفاصيل ماذا يُقال ومتى يُقال وكيف يُقال، عنايةً تُنبئ عن ارتقاءٍ في الفكر، وسمو في الشعور. تلك الأناقة الروحية تنعكس قبل أي شيءٍ على صاحبها فتجعله يترفع عن كل ما يمكن أن يهوي به إلى كل منقصة في الخلق والمسلك، فتغدو نفسه عفوية في أفراحها، سامية في أتراحها. راقية في حضورها، بهية في غيابها، تحفظ للود مقامه، وتذكر للطيب أهله، وفية لمن أحسن لها، كريمة في إسعاد من تُحب. لا تفجر في الخصومة، وتحفظ للغيبات حرمتها، تُحسن الظن وتلتمس العذر وتصون السر وتحترم العشرة. راقية تلك النفس، جميلة في حضورها وغيابها، وأصيلة في ودها ومحبتها. من حازها فكراً ووجداناً ولفظاً وسلوكاً فقد حاز خيراً عظيماً لا يُشترى إلا بملء الفؤاد.. وداداً وصوناً!. لحظة إدراك الأناقة الحقة تبدأ من الداخل إلى الخارج، هي أناقة الروح ورقي الفكر والشعور، وسمو الخُلق والوجدان. هي رقة الحاشية، ولطف الشعور بلا تصنع ولا ابتذال، وشرف الفكر وعذوبة الأطباع بلا استخفاف، وبشاشة الروح، وتواضع بهي بلا امتهان. يفيض أثر كل ذلك خارجاً، فتكتمل مخبراً ومظهراً!.
1092
| 10 أكتوبر 2023
من المعاني الدارجة لمعنى (أهل) معنى الأقارب، ومن ترتبط معهم بصلات الدم، وغالباً ما يُنسى السياق الآخر وأبعاده لمعنى الأهل والأهلية. فمن المعاني القيّمة لكلمة أهل التي تستحق النظر، وتستوجب التدّبر معنى (الاستحقاق) فأن أكون - مثلاً - أهلاً للثقة أي مستحقةً لها، وأن تكون مستحقاً لأمرٍ مادي أو معنوي يعني أنك أهلٌ له (ننطقها استاهلها بالعاميّة الدارجة). لذلك لو تأملنا لوجدنا أن هناك أهلا للحق، وأهلا للباطل، وأهلا للجنة وأهلا للنار، وأهلا للثقة وأهلا للمحبة.. الخ وهناك ما هو أعظم وأجمل وأرقى.. (أهل الله وخاصته). فأهلك ليسوا فقط أقرباءك بصلات القربى والدم أو الزواج والمصاهرة، وإنما هم كذلك ممن اخترت أن يكونوا لكَ أهلاً تستحقهم ويستحقونك. فاختر من تصاحب أن يكون لكَ أهلاً، وانتقِ ممن حولك من يكون مستحقاً لمحبتك وودك، ومحل ثقتك وحفظ سرك أهلاً لصحبتك ومنادمتك. وانتقِ لنفسك كذلك من أطايب الصحب والمعارف ممن تتطلع أن تكون أهلاً لودهم، ونجاحهم، وخيريتهم، ممن يسرّك أن تُحشر معهم اسماً ومعنى، في الدنيا والآخرة. هذا الانتقاء هو اختيارٌ مُبجّل، لأن المرء يتحمّل فيه كامل المسؤولية في الاصطفاء، دون أن يضطر إلى إلقاء اللوم على أقاربه وبني جلدته ودمه الذين قضى معهم دهراً يشكي فيه سوء أوضاعه، ويعلل بهم ترّدي حاله، ويبكي ألم جرحهم أو إهمالهم وتقصيرهم، أو سوءهم وشرهم، ويشكي منهم عدم سد حاجته للمحبة والوداد، أو لومهم على عدم التشجيع والتحفيز، ويعوّل عليهم الأسباب لبؤسه وشقائه، وفشله وإخفاقه. فالعالم واسعٌ الآن لتتخيّر منه من تشدّ به عضدك، وترتقي فيه تطلعاتك للأفضل والأحسن، من يحتويك وترمّم به أسوارك، وتُقيم به ما انقضّ من جدرانك، تجد عنده ما افتقدت، وتسدّ به جوع شعورك للألفة والانتماء، من يُشابه طيب دواخلك، ونقاء سريرتك، أو من تلقى عنده ما تأمل له من الصفات والسمات، وما تتطلّع إليه من الخير والطيب. فالخيار اليوم بيدك لتنتقي من هم لك أهلا، ومن أنت أهلٌ لمصاحبته ومن تطمح لأن تكون على شاكلته، تُحشر معه هيئةً وصيتاً، وتوسم معه بما تتطلع إليه من طيب القول والفعل ودوام حُسن الأثر. لحظة إدراك: من رحمة الله الواسعة أن يعوّض، ويُبدل، أن يلطف ويرحم، وأن يوّسع لك الاختيار ويترك لك حُرّ الإرادة، فلا يغدو أمامك بابٌ مُغلق إلا ويُفتح مقابله ألف باب. الأمر بيدك أن تطلب ما تريد من مشربٍ واحدٍ، أو أن تتحسس لطف الله ورحمته فترى المشارب المتعددة. فإن لم تجد من بني جلدتك من هو لك صاف ونصير، فالعالم أمامك أرحب وأوسع، انتقِ منه ما شئت يكن لك أهلاً وتكن له كذلك.. فلا تُضيّق واسعاً!.
2037
| 03 أكتوبر 2023
من أجل الآثار التي يتركها الإنسان في حياته وبعد مماته، له ولذريته من بعده السمعة الحسنة وطيب الذكر ورُقيّ الأثر. ولو تفكرّنا قليلاً فإننا يمكن أن نستنتج أن سمعة المرء الحقيقية لا تتأتى فحسب من تألق إنجازاته، ولا رُقيّ سلالته وعظم أمجاده، فالأصل أن سمعة الإنسان الحقيقية تبدأ بذرتها من الداخل، تتكوّن من صدقه، ونزاهته وسمّو خلقه، وتعاطفه الحقيقي مع الآخرين، وتواضعه مع الغير ومعرفة مقام نفسه جيداً وقدرها، فلا يهوي بها إلى مساقط الرذيلة، وترهات الفساد، ودركات الردى. وتتشكّل من تحمّله لمسؤولية نفسه، ومعرفته لحدوده جيّداً، ومن إسهاماته الصادقة للغير من رغبةٍ مملوءة بحب الخير، ومن عطاءاته السامية من نوايا الطيب والنفع، ومن فضائله الكريمة لمن يعرف ومن لا يعرف. هذا هو رأس المال الذي لا يفنى وإن فنى صاحبه.. وهذا هو الاستثمار الذي لا يخسر مهما خسرت ظواهر عوائده. وهذا هو البر الذي لا يبلى وإن بليت الأجساد.. وهذا هو الخير الذي لا تُعدم جوازيه.. وهذا هو المعروف الذي يبقى ريعه معيناً صافياً يعب منه من أتوا وهم يقولون.. مر، وهذا الأثر. وهذا هو الذكر الطيّب الذي يضوع عطره أينما حلّ، ويبقى شذاه في حياته وبعد مماته. السمعة الطيبة الحقّة هي شجرة تُزرع، وسنابل تطرح، وبركات تُنشر، فلا سمعة للمرء ما دام فاقداً بركات روحه، وطيب خلقه، وكرامة نفسه، وإن كان مدججاً بالنجاحات اللامعة، والإنجازات الخارقة. فما الأجدر بالمرء منا أن يتعهّد نفسه بالتسامي والارتقاء، والتهذيب والسمو، والإحسان لنفسه قبل الإحسان لأي أحد، والاعتناء بصدق البذل، ونقاء النوايا، وطيب المسلك والمقصد. لحظة إدراك: سمعة المرء الحقّة هي انعكاس بواطنه، ومرايا تعكس داخله، هي انتقاء واجتباء، وإحسان وتفضيل، وسمو وارتقاء، وعمل مستمر لا ينضب ولا يتوقف، وأنوار تُشرق من الداخل للخارج، ومنارات لا يُخطئها من قدّر للأمر قدره وعلم أن المرء بمعدنه وأصله، ونقاء قلبه وصفاء سريرته، يُدركها من بعيد كأمارات للهداية والإرشاد للخير والمعروف.
1092
| 26 سبتمبر 2023
من الجليل أن يعي الإنسان أن للحياة مقامات، يصح فيها حيناً ما لا يصح فيها في حينٍ آخر ! وهذه المقايسة أو المعايرة هي المعنى الحقيقي لـ (الحكمة) فهي القدرة على أن تضع الأمر موضعه الملائم بلا زيادةٍ ولا نقصان، والتي لا تتأتى إلا مع النضج والاتزان الفكري والشعوري الذي يتشكّل من دوام التجربة والممارسة. ومع الوقت يطوّر المرء إدراكاً ذاتياً لحكمته الخاصة.. فيعي مثلاً أنه (إذا اتسعت الرؤية.. ضاقت العبارة) حيث يمتلك المرء من البصيرة ومن النظر إلى زوايا أمرٍ ما، ما تعجز عنه العبارة في الوصف والإحاطة بالمعنى، وهنا يأتي مقام الاسترسال المحمود، والإسهاب الممدوح للإيضاح والابانة. ولكنه يعي في المقابل أن الإفاضة ليست ذات اعتبارٍ دائماً، وليست الإطالة ذات جدوى على الدوام، وليست الكثرة مُباركة باستمرار، بل قد تصبح منقصة في بعض المقامات، ومذمة في بعض الأحوال ! فقد تكون الكثرة في الناس غثاءً كغثاء السيل ! وقد تكون المبالغة في الوداد والوصال تعلقاً مكروهاً منفراً ! وقد يكون الفيض في الإنفاق من الوقت والجهد والمال تبذيراً مذموماً وإسرافاً من غير طائل! وقد تكون غزارة الكلمات إسهاباً تتوه معه الأفهام، وتملّ معه الألباب، ويصعب به بلوغ المقصد ! لذلك من الحكمة أن يكون المرء قادراً على استبصار الفارق بين البركة والكثرة، فكم من كثيرٍ منزوع البركة، تماماً كالماء وفرته تُحيي وفيضانه يُغرق ! وليس المعنى من ذلك هو الاختصار والإمساك على كل حال، فقد يصير شُحاً تبور معه كل أرض، وجدب يضمر معه كل إحسان ! بل الاتزان في ذلك مطلب، فلا قلّة محمودة إلا مع استيفاء شرط الفائدة والمنفعة، ولا كثرة مباركة إلا مع اتفاق سياق الحال مع المقال. لذلك قيل: خير الكلام ما قلّ ودّل.. (وخير الكلام قليل الحروف كثير القطوف بليغ اﻷثر) ! لحظة إدراك: ليست الكثرة محمودة على أي حال، بل إن تجاوز الحد في أي أمر يُفسد صفاءه، ويُزيل تميّزه، ويُذهب روعته، ويفقد مع ذلك كله حكمته ووظيفته، ويُضعف أثره وتأثيره، هشيماً تذروه الرياح، لا حصاد له ولا ثمر، غير مُقدّرٍ ولا مُحترم.
828
| 19 سبتمبر 2023
جميلٌ أن يعوّد الإنسان نفسه على أن يتعامل مع الحياة بمنظورها الواسع، الذي لا يخلو من لطف الله وكرمه، وتسخيره وعوضه. فيعلم أن الحياة أكثر اتساعاً ومرونة مما قد يُخيّل إليه، وأنه ما انغلق بابٌ إلا فُتحت مقابله أبواب إن أراد أن يُبصر. وهذا الإدراك ليس ترفاً معرفياً، ولا رفاهيةً شعورّية من قبيل النظرة الإيجابية أو جبر الخواطر، وهدهدة الهواجس، أو مما قد يعدّه المرء شفقةً ومواساةً لروحه المُتعبة فحسب، بل لأن هذه هي حقيقة الحياة وقوانين الله في الأرض، فالتعامل مع الحياة بمحدودية فهمك المجتزأ سينعكس حقيقةً على شعورك ومسلكك وبالتالي على النتائج التي ستحصل عليها من الرضا والسعادة والطمأنينة وراحة البال. فما أصعب أن تضل طارقاً لا تفتأ على الأبواب المغلقة، واقفاً لا تبرح تتباكى على الأطلال التي لا تُسمن ولا تُغني من جوعٍ، وتغفل عن حياةٍ كاملة مُشرّعة لك أحضانها تنتظرك في الجهة الأخرى ! وما أجمل أن نعي أنه قد يُقيّض الله لك من المنابع والمشارب من حيث لا تحتسب ما يُغنيك ويسُد حاجتك، بل ويفيض عليك من فضله.. أنتَ الذي كنتَ تنتظرها من مشربٍ واحد أو منابع مُعيّنة! فلربما سخّر لك من الناس من يحتفل بنجاحك، ويدعم انتصاراتك، ويسعد بارتقائك حينما كنت تنتظرها من قريبٍ أو صديق ! ولعلّه بعث في نفسكَ طمأنينة الحنوّ، ورأفة الأم، وشفقة الوالد.. ممن لا تعرفهم ولا يعرفونك، حينما كان قلبك يعتصر ألماً بفقد والديك أو قسوتهما ! وعساه قد سبّب لك الأسباب.. فشّد عضدك بأخٍ لم تلده لك أمك، تُشدد به من أزرك، وتُشركه في أمرك، أنت الذي كنت تنتظره من شقيقٍ أو قريب ! فلرُّبَ الأبواب التي طرقتها ولم تُفتح، والأشجار التي بذرتها ولم تُثمر، والآبار التي استسقيتها ولم تنضح هي كالأرض البوار.. لا زرع فيها ولا ثمر.. ضُربت بسورٍ يحول بينها وبينك ! فلا تغفل حينها عن دروب الله اللامتناهية، وأبوابه المفتوحة لك من حيث لا تحتسب، وادلف منها إلى جنّة قلبك، ورواء روحك، وطمأنينة نفسك.. فرّب القلوب لا يضّل ولا ينسى فـ (ما أغلق باباً بحكمته، إلا فتح لكَ بابين برحمته). لحظة إدراك: لا تكتمل سعادتك إلا إن أدركت أن لله تدابير تُجبر وتعوّض وتحتضن ضعفك وانكسارك، وترحم نقصك وحاجتك. ولا يتم رضاك إلا إن وعيت بأنك في أيدٍ أمينة تُدبر لك أفضل التدابير، وتتنبه إلى الدروب التي تُمهد لك، وتفلت ما انغلق، وتترك ما لم يُهيأ لك وإن كنت تظن أنه دربك الأصلح، وطريقك الأنسب ! لترى أنك في عنايته مجبور الخاطر دائماً، معك من يعوّضك ويواسيك ويبدلك خيراً مما فقدت.
1680
| 12 سبتمبر 2023
جميلٌ أن نعي أن التأمل في الحياة والتفكر في سننها وديدنها يدفعنا نحو البُعد عن النمطية في الفكر، أو سرعة إصدار الأحكام التي تُصنفها وربما تغفل عن التدرجات الطبيعية التي طالما كانت موجودة فيها أساساً. فما أسهل أن يتبرمج عقل المرء على قوالب نمطية جاهزة للحكم على الحياة والناس، وهو دون أن يعي ربما إنما يُحد من قدراته، ويسجن ذاته، ويحول دون توسعه في الحياة والاستمتاع بكافة أطيافها كما خُلقت وكما ينبغي لها أن تكون. ومع النضج (العقلي والنفسي) يكتشف الإنسان زوايا جديدة ماتعة للنظر إلى الحياة بشمولية أكبر، وجمالية أوسع، وأبعاد أعمق. فمن النضج مثلاً أن تُدرك أن وجود السطحيين والسخفاء مُحبي التوافه هو وجود ضرورة لا فضول. فالحياة لا تستقيم بدون مقدار العدل الذي يتزن بوجود القطبين النقيضين من كل شيء!. كما أن وجودهما ضروري للتمييز وتفعيل حق الاختيار، فبضدها تُعرف الأشياء، فلا عمق ولا نضج ولا حكمة تُدرك إلا بوجود التفاهة والسخافة!. والأجمل من ذاك الإدراك أن نفهم أننا نعي أحوالنا بعين أنفسنا، ولعل للآخر رأي آخر!. فلعل الحكيم في عين التافه مجرد سخيف أو مجنون يهذي بكلام غامض! ولعل العميق في عين السطحي مُجرد مُعقد قد حمل الأمور أكثر مما تحتمل! والأروع من ذلك كله أن تُسقط الأحكام وتُزال الحواجز ويتسع العقل والقلب لاحتواء الأضداد التي آن لنا كذلك أن نعلم أنها موجودة في جنبات الإنسان نفسه، فهو كون كامل وحياة تامة هو ذاته يجمع بداخله الأضداد كلها، وجميعها لها حق الوجود والظهور والممارسة، وأنه لا حدود يُبنى عليها الرفض والإقصاء إلا ما حددناه نحن، وأن كل كبت لطبائعنا يمنعنا من الاتساع، ويحد في المقابل من تفهمنا طبائع الآخرين، وتقبلنا لاختلافهم. لحظة إدراك: كثرة إطلاق الأحكام قد تُدخل المرء في متاهات الرفض للمغاير، سواء كان هذا داخل جنبات الإنسان نفسه أو خارجه، وتُبعده عن مفاهيم الرحمة والتفهم والتقبل والاتساع لقبول ما يخالفه من الطبائع، وتنأى به عن التلذذ بالأوجه الأخرى للحياة.
1674
| 05 سبتمبر 2023
في علوم النفس وتحليل السلوك عادةً ما تتم دراسة السلوك الإنساني كمُثير واستجابة، ولكن قد يغفل عامة الناس أن الاستجابات المختلفة يكمن خلفها طيف كبير من التحليل الفكري والشعوري قبل أن يظهر كسلوك مادي ظاهر للعيان. ومن هنا تأتي تربية النفس، والتسامي بالسلوك، فالاستجابة الشعورية لأمر ما يُثير الغضب، مثلاً قد لا تكون الاستجابة له بسلوك غاضب حتماً، لأن هناك عمليات سابقة فكرية وشعورية تجعل الإنسان يستجيب بوعي فيكتم غيظه مثلاً، أو يُسفهه أو حتى يحوله لغضب على أمر آخر.. الخ. إلا أن الجانب المظلم في تلك العملية هو تطوير المرء لأقنعة يرتديها ليحمي بها ذاته من نبذ من حوله، فيتصنع استجابات لا تشبه دواخله، ويُظهر غير ما يُبطن. إلا أنه من اللطيف حقاً أن ندرك أن الإنسان كلٌ متكامل، وهو كونٌ وحده.. هذا الإدراك يخولنّا الفهم أنه من شبه المستحيل أن يفصل المرء بين روحه وجسده وأفكاره وقناعاته، ووجدانه وشعوره.. مهما بلغ جهده في أن يُخفي أو يُحيّد أثر أي منهم على حياته، ومهما بلغت قدرته في ارتداء الأقنعة والتحكم في تفلت سلوكه الظاهر، وكلماته البيّنة. فكل ما تضمره من فكر وشعور وطاقة، وكل ما أنت عليه من حالٍ ومقامٍ سيظهر حتماً عليك.. في مسلكك وكلماتك واختياراتك بل وحتى في حديثك الداخلي مع نفسك وتعاملك مع الآخرين في حضورهم وغيابهم، وبالتالي في فلتات لسانك وزلات قلمك ولغة جسدك وتعابير وجهك. فلن تستطيع أن تكتم حباً، أو تُضمر كرهاً، دون أن يتبّدى على ظاهرك وحديث أعضائك، فللعيون حديثها المفضوح، وللقلوب شواهدها البيّنة. وكما قيل: (ما أضمرَ أَحدٌ شيئًا إلا ظهر في فلتات لسانه، وصفحاتِ وجهه). ولذا فمن الحكمة أن نعي حقيقة أن الناس (سيماهم في وجوههم) فعلاً لا مجازاً، وأن اعتياد روح المرء ونفسه وعقله وجسده على التفاعل مع دواخله وما يضمر سيظهر حتماً على ظاهر جسده وأفعاله وأقواله كخريطة تدل على ما يكنّ وما يضمر.. بقصدٍ أو بدونه. وكل ذلك إنما يخلق وعياً متزايداً بأنفسنا، وإدراكاً عميقاً لفهم الآخرين حتى لو لم يصرحوّا بظواهر سلوكهم وأقوالهم، فتلك التفاصيل تخلق ذكاءً عاطفياً، وفراسة تخترق حجب الظواهر، وسواتر المُعلن، وتجعل تعاملاتنا الإنسانية أكثر سبراً للأغوار النفسية والفكرية المتداخلة، ومن هنا يكمن ارتقاء آخر بعدم الميل إلى سرعة إطلاق الأحكام أو التسرّع في رفع راية العداوات، بل الأولى أن يكون ذلك الإدراك حاثاً على التراحم وتلّمس الأعذار، وتفهّم اختلاف الطبائع، والمرونة للتعامل مع مختلف أطياف البشر، ولزيادة الألفة والمحبة واتقاء شر كل ذي شر بالحكمة وحسن التصّرف. لحظة إدراك التعامل مع الإنسان ككل متكامل يجعل نظرتنا إليه واقعية من طبيعة بشرّيته، ويقلل من صدمة بناء التوقعات غير الحقيقية، وهذا من المفترض أن يجعلنا أكثر تفهمّاً، أكثر رحمة، أكثر تقديراً وتثميناً ومرونةً مما يؤهل الإنسان للتعبير بحرية أكبر عن إنسانيته، وبانطلاق يشبه حقيقته وفرديته، وتتقلص حاجته مع الوقت لارتداء أقنعته التي لا يرتديها إلا ليواري ما يعتقد مجتمعه أنها سوءات لا تليق به.
1692
| 29 أغسطس 2023
عندما نتدبّر الحياة، يمكننا أن نشبهها بقصة أو رواية تجري أحداثها على مسرحٍ كبير قد أُسند لكلٍ منا دوره فيها، والسيناريو المقدر له أن يعيشه ويقدمه ! نستطيع أن نرى أن لكلٍ منا فيها إيقاعا.. وسرعة، وعقدة أحداث خاصة به. كلٌ منا يمتلك نوتته التي تتماهى بتناغم لتصنع معزوفة الحياة..لكلٍ منا مكانه في لوحة الحياة الأكبر، ودوره في مسرحيتها..لكلٍ منا تجربته.. سرعته.. توقيته.. لكلٍ منا قصتّه ومعاركه وانتصاراته.. خطه الزمني، وتحدياته وأحداثه بل ومفاجآته التي تصوغ دوره في قصة الحياة.. فليست هناك قصّة صالحة للجميع، ولا توقيت يناسب جُلّ الأشخاص.. ليس هناك قطار يفوتْ، ولا محطّة يجب أن تُلحق، ولا قائمة لابد لها أن تُنجز من المهام والأعمال والأدوار.. ليس هناك ما تُحبط من أجله، ولا تحزن لضياعه ! فقد يُحبط أحدهم عندما يرى أقرانه قد سبقوه فيما يعده نجاحاً أو إنجازاً.. لأنه يجد أن تخلّف عن ركب الأغلبية فلم يكمل تعليمه أو يتوظف أو يتزوج أو ينجب.. ولكن غاب عنه أن الأقدار تختلف، وأحداث حياتنا غير متشابهة، وأن الأصل في حياتنا هو التنوع والاختلاف.. فليست هناك قائمة مطلوبة التنفيذ من الجميع.. ولا خط واحد يجب أن يسير عليه الأغلبية ! ليعود فتقرّ عينه ولا يحزن، فيعيش حياةً طيبة، سعيداً قد اطمأن قلبه أنه إنما يسير في دربه هو لا في دروب غيره، ويستقبل ما قُدّر له هو لا من نصيب غيره، والذي لن يموت إلا وهو مستوفٍ له بالكامل، وأن هناك مُسرّعات للأقدار، وعطايا وعوض من الرحمن قد تُفتح له أبوابها من حيث لا يحتسب !وأن الحياة لا تُقاس بالمقارنات، وليست مسطرة تناسب الجميع. هذا الإدراك يحرر المرء من المقارنات، وأطماع الدنيا، ويفتح أمامه أبواب الأقدار المخبأة التي لن يبصرها وهو في حال السخط أو الحزن،ويعي أن التنوّع في الحياة جميل، والاختلاف سمة لها، وأن الرضا والشكر للموجود يُباركه ويزيده ويجلب المفقود، وكلما تعلق قلب الإنسان بخالقه أكرمه ونعّمه وعوّضه، وسُرّعت له الأقدار وطويت له المسافات. • لحظة إدراك: هي حياتك أنت.. تناغم مع إيقاعك فيها، وقدّر اختياراتك منها، الجليلُ حقاً أن تكون مستمتعا بالرحلة، متلذذا بلحظاتك فيها، معتنيا بنقاء قلبك وصفاء سريرتك، مدركاً ما فيها من الحبّ، شاكراً ما فيها من النعم.. هذا فعلاً فعلاً.. ما يهمّ حقاً !
1764
| 22 أغسطس 2023
مُوقنةٌ أنا يقيناً جازماً أن سلام القلب، وراحة البال، وطمأنينة الروح من أعظم الأرزاق الإلهية التي نختار استقبالها بوعيٍ منا، واختيار مقصود، وسعي مُتعمّد. هي هبة ربّانية لا تُعطى لمن أبى ! وهل هناك من يرفض السلام ويُفضل العيش في الصراعات ؟ وفي الحقيقة أجد أن (السلام الداخلي) لا يعني انعدام واختفاء الصراعات، أو الهروب من المشكلات، أو تصنّع حالة خارجية من الهدوء والصفاء ! بل إن جوهر السلام الحقيقي هو ازدهار جنّة فؤادك، وطمأنينة قلبك مع اتخاذك ما يلزم من التعامل الحازم مع المواقف.. هو باختصار أن تفعل وتعمل وتستجيب لكل ما يدور حولك ولكن قلبك (مطمئن بالإيمان) هادئ موقن بخالقه، مؤمن بحُسن تدبيره، ومُتكّل على إحاطة علمه.. يُحلّق بجناحيّ السلامٌ والتسليم. هو أن تختار أن (تستجيب) بوعي بدلاً من ردود الأفعال التي تُبنى على تراكمات مشاعرك. وأن تمتلك القدرة على (التجاوز ) تجاوز العثرات، وتخطي العلاقات السيئة، والأوقات الصعبة.. تجاوز حنين الذكريات بحلوّها ومُرّها، وعبور آلام الماضي ولوعاته.. هذا التجاوز لا يعني أنك نسيت، بل إنك تخطيت ما يرافق ذكرياتك عنها من الألم، وتشافيت من (غصتها) التي تُكدّر صفو أيامك.. وهي مرحلة لن يصلها المرء إلا إن اشتّد عوده في مواجهة تحديات الزمان، وقررّ أن (يتعلم) من تلك الأخطاء، والاستفادة منها فيما بين يديه من اللحظات وقادم الأيام.. سلامك الداخلي (اختيار) وقرار بامتلاك زمام نفسك، والقدرة على إعادة (تأطير المعنى) لكل تحدٍ تواجهه، أو مشكلة تقع بها. كما قالها ابن تيمية: (ماذا يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي في قلبي، وقلبي بيد ربي، إن نفيي سياحة، وسجني خلوة،وقتلي شهادة) فلا تمنح أحداً الفرصة أن ينتزع منك انشراحة صدرك، وطمأنينة قلبك.. وبشاشة روحك.. لا تسمح له أن يُطفئ نورك، أو أن يستبيح دواخلك فيعبث بها كيفما شاء.. لا تُملّك أحداً -مهما بلغت مكانته عندك، وقربه منك-مفتاح شعورك، وميزان عاطفتك.. يتلاعب على أوتارها فيعزف من لحنك ما يريد ! سلامك الداخلي تقدير وامتنان لكل التفاصيل، وشكر على العافية. لأنك تعي وتدرك إدراكاً عميقاً أنه حتى أيامك (العادية)، التي تألف فيها الروتين اليومي، وتتطلّع فيها إلى (الجديد ) و (المختلف)، تلك الأيام السلسة التي تأنس فيها ما أنت محاط به من النعم، وتعدّها (مسلّمات)، وتعتاد ما يحيطك من هدوء، هي (رزق) يتطلّب الشكر، وهي (عطاء) يستحق الامتنان، وهذا ما يجعلك مليئاً بالرضا وراحة البال وطمأنينة الشكر. لحظة إدراك: سلامك الداخلي وراحة بالك جنة قلبك، بستانك الذي تتعهده بالرعاية والعناية والزراعة والسقاية، تبدأ بحرثه وتنقيته من كل شوائب الأفكار والمشاعر ليكون تربة صالحة، وتبذر بعدها ما تختاره من بذور الرضا والشكر، والتجاوز وتتعمّد إعادة تأطير المعاني لتناسب مع ما يليق بك من الارتقاء والسمو وراحة البال.
756
| 15 أغسطس 2023
كثيراً ما تظهر لنا نجاحات لامعة متألقة، تبدو للآخرين وكأنها جاءت بسهولة لأصحابها! وفي رأيي أنه لا يوجد نجاح يأتي عرضاً كيفما اتفق ! فالنجاح الظاهر للعيان تماماً كعملٍ جميل على خشبة مسرح، ما إن يُرفع عنه الستار إلا ويظهر كقصةٍ جميلة مُشوّقة، ولكن ما وراء الكواليس جهد دؤوب ضخم وخليّة عمل لكل تلك التفاصيل التي تبدّت للمشاهدين من أصغرها إلى أكبرها! فكل نجاحٍ كان يتوارى خلفه نيّة، وعمل، وسعي، وطلب.. كان وراءه قناعات مُنعشة، ومشاعر مُدهشة، وإيمان صادق بالقدرات، ويقين بتوفيق الله، وهمّة عالية بأنه لن يبرح حتى يبلغ، وبأنه ما سعى ساعٍ إلا بلغ، وأن سعي المرء لابد أن يُرى! خلف كل نجاح حقيقي عملٌ مستمر دؤوب، داخلياً بالحفاظ على علو الهمة وصحة النية وصدق المطلب، وخارجياً بالأخذ بأسباب النجاح. وراء كواليس كل نجاح عزيمة، وعناية بالتفاصيل وارتقاءات وانخفاضات، لحظات يأسٍ، وفورات حماس، ودقائق ترّقب ! وما الاختلاف تجاه النجاح إلا حول مظاهره، ونتائجه، وسرعته وطيب ثماره! فقد يطلب المرء حثيثاً أمراً ما، وتتجلى له ثماره في منحى آخر! أو يُكثر يطرق الباب مجتهداً فيُغلق دونه لتُفتح له أبوابٌ أخرى لم تخطر له على بال! أو أن يُسرّع له الفلاح، وتُبارك له الأعمال، ويُسهّل عليه السعي، وتُسخر له الأسباب. أو قد تتأخر النتائج برهة فيجني صاحبها ثمار عمله وصدق سعيه واجتهاده بعد مدة كبذرٍ آن له بعد فترةٍ طويلة أن يقطف ثمره! الأهم أن ننعم بالرحلة، ونسعد بتفاصيل المسير، وأن نتريث فنتحقق دائماً من طيب المقصد، وصدق النية، وصحة الوجهة، أما النتائج فهي هدية المُعطي، وكرم الوهاب. النجاح ببساطة ليس وليد الصدفة! والفلاح ليس محض حظ ! بل هو نتاج امتزاج عوامل روحيّة ونفسية وفكرية وشعورية، وتآلف نيّة وسعي، وانسجام فكر وشعور، وتجانس حُسن ظنٍ ويقين، والتوافق على المتعة والاستئناس بمحطات الرحلة في الطريق، والامتنان للوهاب على العطايا في نهاية المسير. لحظة إدراك: النجاح رحلة واعية، لا تُقاس فقط بثمارها، لأنها نتيجة نهائية كانت مآلاً لعملية طويلة من اختيار البذور، وتكييف التربة، والتعهّد بالعناية ودوام الرعاية، والتشذيب والسقاية، والانتظار ردحاً من الزمن، والرهان على النتائج مع من يستعجلها فيسخر من الزارع، ويستصغر المجهود. النجاح رحلة داخلية، وسعي حثيث، نتائجه الحقيقية موكلة بالصدق وحسن الظن وطيب المقصد.
1443
| 08 أغسطس 2023
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4503
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3369
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1341
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1197
| 28 سبتمبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
1068
| 02 أكتوبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
885
| 30 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
843
| 30 سبتمبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
669
| 02 أكتوبر 2025
كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...
612
| 30 سبتمبر 2025
في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...
609
| 30 سبتمبر 2025
لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...
573
| 03 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل