رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يُثير إعجابي ذاك التحوّل الذي يمكن أن نلحظه فيمن قرّر أن يحط بعد طول الطريق أحماله، ويُفرغ بعد مشقة الدرب جعبته، ويتحرر من تراكمات الشعور، وثقل الأفكار البائسة التي ناء بها كاهله طويلاً واُثقل بها قلبه ووجدانه ردحاً من الزمن، وقيّد بها عقله وروحه وجنانه . تلك الأثقال التي كانت تتكدّس عليه كلما امتدّ المسير، وتتراكم كلما انطوى فيه الزمن، ولم يخطر بباله يوماً أن يتخفف منها لأنه كان يعتقد أنها هو. وأن تركها خيانة لذاته، وانسلاخ عن هويته التي ظنها عن نفسه! أو ربما عدّها قلة وفاء مع غيره ممن قيّد له أُطر تحكمه وتوقعات تأسره ، ولعله قد وجدها أنها أحمال ثمينة على قلبه مهما بلغت مرارتها وكأنها وفاءٌ للحزن والبؤس وعهد بالألم له مع الحياة يتجدد ! كل تلك المبررات التي جعلته ينوء بها، وتذوي ملامحه وتُرسم على تعابيره ما يشبهها من الأسى والغصة والذبول، أو التجهم والعبوس، أو الاكفهرار الدال على الغضب المكبوت ، تنعكس على واقعه باضطراب المزاج، أو سرعة الغضب، أو عُسر المسلك والخُلق . أثقال تزيد ولا تنقص، تُقيّد دواخله وتظهر على ملامحه.. تتفاقم ولا تقل إلا عندما يتخذ المرء قراره بالتخفف، ويتعهد لنفسه - قبل أي أحد - بأن السير في درب الحياة لا يحتمل كل هذا الألم الذي قرره هو على نفسه بعلمٍ أو بدون علم ! فما أن يتخفف ويطرح تلك التراكمات حتى تُشرق روحه، وتبهى ملامحه، وتزهى تعابير وجهه، وتتخفف حركة جسده، فالنور بداخله قد حل، والبهاء في حدائق قلبه قد أزهر . فيغدو حينها كل شيء في نظره جميلاً على نحو ما، لأنه خلع عليه من جمال داخله الذي أبلج فيه، والذي كان يغشيه بحمل ثقيل يحجب عنه ضياء خفة روحه وتألق وجدانه ! وينعكس ذلك على خارجه ومن حوله فيصبح هيناً ليناً، سمحاً دمث الخُلق، لطيف المعشر ! وكأنه أُحيي بعد موت، وبُعث بعد اندثار! لأنه لم يكن إلا على قيد الحياة فقط ميتٌ في ثوب حي. كما قيل: ( كل نفسٍ ذائقة الموت، ولكن ليست كل نفسٍ ذائقة الحياة) فما الحياة إلا قرار بالتخفف ! لحظة إدراك: لا تنتظر أن يصدر النور والبهاء، والجمال واللطف إلا ممن تخففت روحه، وأورق جنانه، وأزهر عقله بأفكارٍ هي لذاك البهاء منبع ! وما ذاك الازدهار إلا لحدائق عقولٍ وقلوبْ شُذبت وهُذبت، وأزيل منها أثقالها وما يؤذيها، وسُقيت بماء زلال صافٍ، وتعهدها صاحبها بالرعاية والصيانة فحصد منها جنة تسر الناظرين حباً وبهاءً وجمالاً، وأثمر منها لغيرة رقياً ولطفاً وأدباً.
792
| 01 أغسطس 2023
لديّ إيمانٌ جليّ أن البساطة الحقة تخفي وراءها عمقا استثنائيا! وأن البساطة لها سحرها الذي لا يُقاوم على الروح، لأنها لغتها وطريقتها وديدنها. ذلك لأن الخفة التي تأتي من البساطة هي خفّة روحية أصلاً. ولعل الكثير يخلط بين البساطة والسطحية، أو بين البساطة والتفاهة، ومع أنني أؤمن أن لكلٍ من هذه الأحوال مقامها ووقتها، وأنه حتى السطحية والتفاهة هما وجهان آخران للعمق والحكمة، إلا أن البساطة هي نوع آخر يُشعرك بالانسيابية والتدفق، وبالصدق والوضوح، وبالتناسق التلقائي بين عناصره دون حاجة للتعقيد، أو ضرورة للتبرير والإثبات، وبأنها سهل ممتنع، له جاذبيته الخاصة لما تحمله من حس التباين بين لغة الروح والمادة، والاتزان بين المظهر والمخبر وبين بساطة السمت وعمق الطوية. لذلك فالأفكار البسيطة، والأسلوب الرشيق، والمظهر الأنيق، والكلمات اللطيفة، خفيفة في مرورها على العقول والوجدان، وتلتقط عمقها الروح بسهولة. لتعي أبعد من القشور، حيث تُدرك ما خلفها من التناسق والانسجام، ولتتصل بسكينة القرار العميق الذي يختبئ خلفها، والاتصال السحيق الفوري الذي يتم بينها وبين الروح!. فالعظيم حقاً هو من كان مع بساطته عميقاً في فكره وشعوره وتحليله، وانتقاء لفظه ومعناه، وفي إظهاره وبيانه بشتى أشكاله تعبيراً وفناً، أسلوباً ومذهباً، طريقةً وديدناً. متجانساً في ألقه وحضوره، ودلالته ومعناه. متناغماً في لطفه وهدوئه. دون ضجيج أو افتعال، تدور به هالة خاصة من الرقي والإباء، وتحاوطه أمارات الأناقة والجمال والانسجام، وتنطق ذرات حروفه بالحكمة والشواهد. لأنه أحال ما يبدو معقداً إلى الواضح البسيط، وبدّل ما يظهر أنه صعب باللطيف اليسير!. لحظة إدراك: البساطة الأصيلة تنبع من روح نورانية متصلة، وقد لا تُثار حولها الأسئلة، ولا ينبهر بها كل عقل اعتاد على البهرجة والزيف، وقد تمر على الكثير مرور الكرام دون انتباه أو اعتبار، لأن بساطتها الهادئة خافتة الصوت وغير مستفزة لكل طالب نزال!. وسلامها الصامت قد لا يحيل الأنظار إليها، لأن الجموع اعتادت على الاستثارة والمنافسة!. وأثرها قد لا يكون محفزاً ولا فورياً. إلا أن الرهان على البساطة العميقة هو رهان التأثير بعيد الأمد، رهان من يزرع البذر ولا ينتظر الحصاد الفوري. البساطة - ببساطة - هي التغيير الملهم الذي تتبعه الأرواح طائعة بعد أن تهدأ العقول وتسكن النفوس!.
2070
| 25 يوليو 2023
تهيأت لي الفرصة في عدة مصادفات أن التقي ببعض المهتمين بالقراءة، وتكرر عليّ سؤال لمن أكتب؟ وهل أتوقع أن الجميع سيُدرك أبعاد فكرة النص التي أطرحها؟ أو الوصول لعمق المعنى الذي أُريد إيصاله؟ ألا يُشكل ذلك تحدياً على نحو ما لدى الكاتب ؟ أن يجاري السائد في الطرح، أو أن يُراعي اختلاف أفهام من يقرأ ؟ وفي حقيقة الأمر أنني لا أنظر للأمر على أنه تحدٍ يمكنني مواجهته! بل على العكس أجد أنه من الممتع جداً أن أُدرك أن كل قارئ سيبصر النص بعين وعيه، ومن زاوية إدراكه الخاصة به.. التي تشكلت من مجموع عقله ووجدانه وفكره وشعوره وتجاربه وخبراته ! فستجد منهم من يكتفي بالقشور، فيبُهر بزخرف القول، ونسيج الأسلوب، ورقي الاختيار للكلمة، وقد يُعجب بأسلوب الكاتب، دون أن يفهم محتواه، وهذا أمر متوقع ومقبول. ومن القراء من سيُدرك جزءاً من الفكرة، وبعضاً من المعنى الذي يسعى الكاتب إلى إيصاله، وسيبقى جزء من النص دائماً.. مفقوداً ! وهناك من سيعي مرمى الكاتب تماماً، ويدرك أبعاد النص الذي كتبه ومغزاه. وهناك من سيُدرك ما لم يخطر على قلب الكاتب نفسه، و ربما يؤول نصه إلى معانٍ أخرى قد تصل أحياناً للنقيض ! هذا الاختلاف في الأفهام علامة صحية، بل وطبيعية، لأن الناس في حقيقة أمرهم مختلفون في مداركم، ومتعددون في مستويات وعيهم. وهذا هو الأصل حتى في اتجاهات النقد الأدبي، حيث قد نجد بعض النقاد يحللون النصوص الأدبية للدرجة التي لو اطلع عليها كاتبها لأدُهش مما تم تحليله والوصول إليه من المعاني، والأبعاد التي لم يظن يوماً أن تكون موجودة فضلاً أن يكون هو من قدمها !. ولذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وصيته (بلغوا عني ولو آية) والعلة في ذلك بينها في قوله: (فرب مُبلّغٍ أوعى من سامع) ! فلعل الذي سمعه بوعيه آنذاك، بمعطيات زمانه ومكانه لم يعِ ما وعاه من تم تبليغه إياه لا حقاً ! فالإدراك مختلف، وربما كذلك سياقات الزمان والمكان ومعطيات الفكر والوجدان! لذا فالأجدر أن يُدرك الكاتب مُبكراً أن اختلاف الأفهام واردٌ جداً، وأن لا يحمل ذاك الاختلاف على محملٍ شخصي، فكلٌ سيُبصر ما سيكتبه بعين وعيه هو ! وليس المعنى من ذلك أن لا يسعى الكاتب إلى التحسين والتجويد، أو أخذ ملاحظات من يقرأ في الاعتبار، ولكن المقصد أن يدرك أن نصه سيصبح دائماً حمّال أوجه، وأن هناك من سيكتفي بقشور ما يكتب، وأنه سيبقى من ستلامسه روح نصه.. وهناك من سيحلق معه بعيداً.. وسيفاجئه أن يضيف له ما لم يكن لديه في الحسبان ! لحظة إدراك: من المفيد حقاً أن يعي الكاتب أنه وكما يُقال أن كل امرئ يرى الناس بعين طبعه، فإن كل من سيقرأ له سيبصره بعين وعيه.. وجميلٌ أن يأخذ ذلك على محمل المتعة والاكتشاف، والتحسين والتجويد لما يكتب، بدلاً عن دخوله في دوائر التبرير والإثبات، ومهاترات الجدل والصراع، أو حتى الاستسلام للسائد والأكثر طلباً من الجمهور ليُرضي ذائقة معينة، أو يتماشى مع فكرٍ بذاته، أو يرتدي أقنعة تزيّف حقيقته ! فلا يستطيع بعدها لملمة شتات نفسه وفكره، أو استرداد هويتّه وبصمته، فلا أسف بعدها إلا على قلمٍ واعدٍ قد أهرق!
1302
| 18 يوليو 2023
دعونا نتفق أولاً أن كثيراً من تجارب الحياة أفرزت لنا مقولات وربما أمثالا بات تداولها بين الناس سبيلاً للتدليل على صدق نتائجها، ودقة انطباقها، وما زال الاقتناع بها يترّسخ كلما زادت التجارب التي تشبهها وكأنها تدلل على صدقها عبر الزمن. وفي ظني أن كل الأمثال والحكم السائرة تمتلك جزءاً من المصداقية حسب السياق التي قيلت فيه، والمفهوم الذي اُستدل بها عليه، وبما أن السياقات مختلفة، والأفهام متنوعة، والتجارب متعددة فقطعاً سيكون لكل مثل سائر بين الناس صحته وخطأه، حسب ما يتراءى لك من مفهومه. ومن بين تلك المقولات الشهيرة: (فاقد الشيء لا يُعطيه) ! وفي ظني أن هذه المقولة قد تصح في جوانب، وقد لا تستقيم في أخرى.. حسب ما يعيه المرء منها في سياقٍ معين. فكثيراً ما نشهد على تجارب إنسانية عظيمة تبيّن لنا أن فاقد الشيء كان معطياً، بل وبسخاءٍ فياّض له!، ربما لأن بعض الأشخاص يكون تعاطيهم مع الحرمان هو منحهم الكريم لما حرموا منه. فنجد مثلاً والداً رؤوماً، باذلاً العطف والرحمة التي حُرم منها في صغره لأطفاله، يبذل لهم من قلبٍ أدرك حقيقة شعور الحرمان وكابده. وفي المقابل ممكن أن نرى وجهاً آخر لصحة المقولة، ففاقد الشيء لا يُعطيه إن كان شيئاً أصيلاً في نفسه، فالشجرة لن تطرح ثمراً غير ثمرها. ففاقد حب الذات مثلاً لا يمكنه أن يمنح الحب (بمعناه الحقيقي) للآخرين، ومن تشوّه داخله بالشر والحقد وسوء الظن من الصعب أن تجد منه خيراً أو لطفاً وتعاطفاً. ومن فقد سلام قلبه وطمأنينة روحه وبات ألد الخصام لنفسه من الصعب أن يمنحك السلام، ومن يخون ذاته لا يمكنه أبداً أن يكون وفيّاً مع أحد. لذا يمكن القول إن العطاء الحق يكون من المنبع الداخلي للإنسان، من أصالة نفسه، وصدق تعامله مع ذاته الذي يُحيل كل ما يتعرّض له من الخارج (من أذى أو حاجة أو نقص) إلى خيرٍ فيّاض يمنحه لنفسه ولغيره. فالرهان ليس على ما فقده، وإنما من أين فقده، فليس الفقد هو ما خسره من الظروف وما أضاع من الناس الآخرين، فهي ظروف وأحوال متغيّرة، وصروف متبدّلة وإنما الفقد الحقيقي هو ما فقده من طوّية نفسه، وما ضيّعه من خبيئة قلبه وعقله، ونقاء فطرته، وما تبدد من جوهر روحه ووجدانه. لذلك فـ (ذات) المرء هي رأس ماله الأصيل.. ودواخلها مسرح تزكيتها وتنقيتها، وبوابة علوها وارتقائها.. منها منطلقه ومآله.. تنعكس من داخلها لخارجها لا العكس. لحظة إدراك: إن كان ما فقده المرء شيئاً من صميم أصالة روحه، فصعب أن يُعوض وعسير عليه أن يعطيه ويمنحه.. لأنه لم يعد له أصلاً ولا منبتاً، وإن كان ما فقده حالا عارضا، وظاهرا مُتبدّلا، فما أسهل العوض والعطاء، فالنفس هي التي تمنح وما دامت أصيلة نقيّة فلا يزيدها نقص الحال إلا مكرمة، فإذا امتلكته فاضت به وجادت، وليس ذاك عليها بمستغرب، فخيار الناس في حال حاجتهم وفقدهم هم خيارهم عند إعطائه ومنحه كما ورد في الحديث: (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام) فالأصل دائماً.. غلاّب.
1128
| 11 يوليو 2023
في ظني أن الكتابة فعل (واعٍ ) يُمارس ويُبذل على بيّنة الإنسان بنفسه. لأنها تعبير شاهد جداً على من يكتب.. ظاهراً: من حيث اختيار اللفظ والموضوع والأسلوب والمعنى. وباطناً: من حيث إن منهج الكتابة وروحها هي انعكاس دقيق لروح صاحبها وفكره وقيمه ومنهجه في التعاطي مع نفسه ومع الحياة والناس والقلم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمنهجية الكاتب الأخلاقية، ومنطلقاته التي يُصدّر منها فكره ووجدانه. فالكتابة عندي ليست مقعداً عليّاً للتنظير، ولا هالة قدسية بالفهم والتنوير ! ولا فوقية.. تتسامى فوق البشر لتعليمهم ما يصح وما لا يصح ! ولا أفضلية.. توحي للقارئ بأن من يكتب هو أوعى، أذكى، أرقى، أو أفهم منه ! ولا نفعية.. هدفها ترك أثر يُذكر فقط لمزيد من الرفعة أو علو الصيت لصاحب القلم في حياته وبعد مماته ! وإنما أجد الكتابة ببساطة (فعلٌ فاضل) الفضيلة فيه أساس لا طارف، عملٌ تعبيري تحليلي يعكس روح وفكر الكاتب ووجدانه والأهم منهجه الأخلاقي، فهو مانحٌ و مُشارك في الاستفادة مما يكتب ! وهو أولى الناس ليس فقط بتطبيق ما يدعو إليه فحسب، بل بدحض ما يتبيّن عنده أنه زيف ولو كان من أثبت قناعاته! فكل ما يكتبه الكاتب يستنير به هو أولاً، وينتفع به هو قبل قارئه، ويترك به الأثر في نفسه هو ابتداءً قبل أي أحد ! وكل تذكرةٍ، أو دعوة خيرٍ وإحسان، أو علم نافع فهو الأولى أن يبدأ بالاستفادة منه وكأن حروفه خُطت منه إليه، وأفكاره انتظمت لتُعيد لملمة شتاته، ووجدانه قد اتزن لكي يبوح بشعوره و إحساسه، ليغدو ما فاض من كل ذلك من نصيب القاريء يُشركه كرفيق رحلة، وأنيس روحٍ وفكرٍ ووجدان، لا كمعلمّ قد تشامخ مقعده، ظناً منه بأنه الأثير بالمنح والعطاء والتأثير ! *لحظة إدراك: الكتابة (فضيلة).. فعلٌ إنسانيٌ متواضع راقٍ إن وعى الكاتب والقارئ أنها فعل (حيّ) يؤثر ويتأثر، وعملية تبادلية تخلو من الطبقية والأفضلية، والجلوس على مقعدٍ عليٍّ للتنظير، والوقوف على منابر الرغبة في المنح والإصلاح وترك الأثر من جانبٍ واحد،وكأن الكاتب يكتب لآخرين ليس أحدهم ذاته التي بين جنبيه، وكأنه فقط هو المانح وآخرهما هو المتلقي !
1323
| 04 يوليو 2023
طالما ترادفت مع الإنسان في مسيرة حياته بعض الصعوبات والتحديات التي تفرضها طبيعة الرحلة الدنيوية، ونوع الطريق الذي يسلكه. فليست الدنيا بدار قرار، ولا مثوى للنعيم الخالص من غير منغصات، ولا منبع صاف من غير كدر، وهذه جبلتها وديدنها، وطبيعة خلقها، ومن أدرك ذلك باكراً فقد فلح في استيعاب طبيعتها ولن يأسى على ما سيفوته منها أو يتوقع منها غير ما هي عليه!. لكن في المقابل قد يصعب على الإنسان أن يعترف بأن (استمرار) ما يعانيه من الهم والكدر هو من صميم ذاته!. فعدم فهمه لذاته، ومشاعره، وتعوده على طرائق تفكير تجعله دائماً يعيش دور الضحية المغلوب على أمره هو مما يُصعب تجاوزه للتحديات التي يواجهها!. وليس معنى ذلك أنه لا توجد آلام أو مسببات خارجية أو تحديات يجابهها المرء في مسيرة حياته، فهي من العوارض التي لا يخلو منها إنسان سواء عظمت أو تضاءلت!. وإنما المقصد أن طرق استجابته لها هي التي تجعله مسجوناً بين جدران معاناته يائساً فاقداً الأمل، شاعراً بأنه ضحية مغدور الجانب، غائصاً في بحر من الألم لا قرار له! أو أن طرق استجابته تخفف وقع ما أصابه، فتتحول الآلام إلى دروس وعبر يرقى بها مقامات علية، وأسباب ودوافع تحرضه على التطور والتحسين، بدل ندب الحظ والإيمان أنه ليس له من الأمر شيء تجاه ما يجابهه من خطوب الزمن، وتحديات الحياة فيظل يائساً مُكدر الخاطر!. لذلك فهذا السؤال دائماً سيظل محل خلاف وقائماً ما قامت الحياة، ومُختلفا عليه ما اختلف وعي الناس تجاه ما يواجهون من مصاعب الحياة عندما يخوضون غمارها، كما تساءل الشاعر من قبل: ياليل خبرّني عن أمر المعاناة هي من صميم الذات؟ ولا أجنبية؟ فمنهم قوّي الشكيمة قوّي بالله متطوّر باستمرار ومنهم من فضل الاستسلام على أي حال! وكل منهما سيؤتى أُكل ما آمن به واختار! فماذا اخترت أنت؟ لحظة إدراك: تحديات الحياة شيء من طبيعتها، وسعيك المستمر للأمام من خلال التعلّم والتدبّر والاستجابة الواعية المُدركة يسمو بك ولا يرتد عليك إلا بخير وإن شعرت بالألم. أما التعامل بردات الفعل، والرفض والتصارع مع الحياة والاستسلام لما يعتريك من خطوبها فهو سبيل استمرار الألم ليتحول لمعاناة مستمرة، وجراح مفتوحة دامية لا تبرأ!.
2133
| 27 يونيو 2023
من أعظم المنهجيّات الأخلاقية الإلهية: (إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان)، وهو منهج راقٍ في الأخلاق نبيل المسلك، عظيم المقصد. وعندما يتأمل المرء هذا المنهج ويتّدبر المساحات التي يُمكن أن يُسقطها عليه، يُمكنه أن يستنتج أنه ليس منهجاً خاصاً بالأزواج الراغبين في الانفصال فحسب، ولا سبيلاً مُقتصراً على العلاقات فقط، وإنما هو (قاعدة أخلاقية سامية) يُمكن أن تُمارس مع كل شيء تقريباً. ففي العلاقات: إما أن نتبادل الإحسان وإما أن نتفارق بلا ضغينة، إما أن نحسن وإما أن نكف الأذى. وفي العمل: إما أن يُمسك العامل بإحسان يراعي حاجته وقدرته، وإما أن يُسرّح بكرامته. وفي الأشياء: إما أن نحتفظ بها ونكرمها ونستفيد منها أو نسّرحها أو نمنحها لمن يحتاجها. وفي الأفكار والمشاعر: إما أن نتمسك بما ينفعنا من الفكر والشعور أو نحرر من بالنا ووجداننا ما يؤذينا. وفي اللسان: إما أن نقول خيراً من الكلام أو نصمت. وفي كل الأحوال المبادرة بالأذى خيارٌ غير مُتاح، وانتقاءٍ مؤذٍ لصاحبه قبل متلقيّه. فإما الإمساك بالمعروف وعلى المعروف، وإما الإطلاق والتسريح بإحسان، لا خيارٌ ثالثا بينهما إلا خيار (الكف) عن الأذيّة، فلا يكون ترف الاختيار للأذى مُتاحاً أو مسموحاً إلا حين نضطر إلى رده بالمثل، ولا يكون الجهر بالسوء من القول مقبولاً.. إلا عند الجهر بالظلم، دون الانجراف للهمز واللمز، وبلا شطط ولا تعدٍ. ومن هنا يُبنى المسلك العالي والخلق الفضيل على بيّنة، وباحترامٍ لنعمة الاختيار، وبعملٍ دؤوب واعٍ في تزكية النفس والتحليق بها في سماوات الرقي ومدارج الفضيلة. فيُصيب المرء من نفحاتها خيراً وإحساناً من رب العباد، وعزاً وإكراماً بين الناس، وسكينةً وراحة بالٍ عند نفسه بلا قلقٍ ولا بأس! * لحظة إدراك: ذلك الانتقاء الحكيم الذي يتّم على بيّنة: لمن نُمسك ؟ ولماذا نُمسك؟ ومتى وكيف نُمسك ؟ ينبئ عن مدى ارتقاء المرء في مدارج التهذيب، ودرجة علوّه في مقامات الإحسان، مع نفسه ومع الناس ومؤشر زكيّ على طهارة القلب وطيب النوايا، فلا يمر إلا كهبّة سلامٍ رائقة تهب نسائمها عليلة على كل من تمّر به. وكما قيل: وَأُحِبُّ كُلَّ مُهَذَّبٍ وَلَو اَنَّهُ خَصمي! وَأَرحَمُ كُلَّ غَيرِ مُهَذَّبٍِ يَأبى فُؤادي أَن يَميلَ إِلى الأَذى حُبُّ الأَذِيَّةِ مِن طِباعِ العَقرَبِ!
3393
| 20 يونيو 2023
من الدارج أن تُستنكر العلاقات المبنيّة على (المصلحة)، ومن الرائج أن نرى أن فكرة (المصالح) في العلاقات ممجوجة عند عامة الناس ! ذلك اللَبس نتج من المفهوم المقصود لمعنى (المصلحة) حيث يُقصد غالباً (الاستغلال) ! وفرقٌ بيّن شاسع بين تبادل المصالح والمنافع بين الناس، وبين الاستغلال . ولا أستغرب ذلك التفسير، لأن أغلب مشاكل الرأي تأتي من اختلاف مفهوم المصطلحات مدار النقاش ! لذلك أجد أنه ليس من الشائن- أبداً- أن تقوم العلاقات الإنسانية عامةً على المصلحة وتبادل المنفعة، بل هي غالباً أصل نشأتها ومدار وجودها . فكل علاقة (نقرر) اختيارها هي في حقيقتها تلبي احتياجات، وتمنح فوائد، على المستويات المادية والمعنوية الروحية والعقلية والجسدية والنفسية. ولكن من الجميل أن تتضح تلك النوايا لأصحاب العلاقة أنفسهم، حتى يكون الإنفاق فيها من سعة كل طرف، ويعرف كل منهما دوره وتوقعاته من ذلك الاقتران، ويسعى كل منهما للبذل فيها على بيّنةٍ من أمره. حتى إذا انتهى الغرض، وانقضت المصلحة لا تبقى في الروح شوائب العتب واللوم، أو الاستنزاف لطاقات الروح والاستنفاد لمقدرات النفس! تماماً ببساطة القول: (هذا فراق بيني وبينك)! وبفائدة: (اذكرني عند ربك) وبرقي: (إمساكٌ بمعروف أو تسريح بإحسان) فيكون الابتعاد -إن تم- بالطيب، والافتراق بإحسان، والرحيل على بيّنة مع حفظ الود وعدم نسيان الفضل لكل منهم. لحظة إدراك: من المنافع الراقية أن يتبادل المرء الحب والاهتمام، والعطاء والبذل، وأن يُسهم في ازدهار علاقاته بالأخذ والعطاء، وتبادل الإحسان بالإحسان. فلا تدوم إن استمرت إلا على الخير ولا تنتهي إن أفلت إلا بالفضل.
1539
| 13 يونيو 2023
من طبيعة رحلة الحياة التبدّل، ومن سنن الله في خلقه أن الثابت الوحيد في هذه الرحلة الدنيوية هو التغيّر والتحوّل، فلا شيء يبقى على ما هو عليّه، حيث يتشكّل المرء في رحلة حياته وتتغيّر معه قناعاته وأفكاره، ومظهره ومخبره، وينمو جسداً ونفساً وفكراً، وتتبدّل أحواله، وتتقلب ظروفه.. وهذه هي سنّة الحياة وديدنها.. فلا شيء من ذلك عنها بمستغرب!. لذا من المفيد لك أن تدرك أنك لا تدين بالاعتذار لأي أحد بسبب تغيّر اختياراتك، أو تبدّل قناعاتك وأفكارك، أو انقلاب مشاعرك وأحاسيسك، ولا تدين بالتبرير لأيٍ من كان بسبب تغيّر أولوياتك، أو ترتيب قيمك، أو تحوّل شخصيتك مظهراً ومخبراً. فلديك كامل الحق في إعادة صياغة نفسك كما تحب، فالمرء في تغيّر دائم، وتحوّل أفكارك وقناعاتك.. يتبع ارتقاء وعيك، وسمو إدراكك واتساع نظرتك لكل ما يحيط بك. وانسلاخك عن نسخٍ قديمة لا تُشبه ظاهرك وباطنك الذي اعتادوه لا تمنح الحق لأي أحد أن يطالبك بالاعتذار عن خروجك عما ألفه منك، أو أن يضغط عليك بتقديم التبريرات لبزوغك عن الأُطر التي حدّها لك، أو أن يُشعرك بالذنب لأنك لم تصبح تلك النسخة القديمة التي تشبهه!. وكأنك كفرت بما آمن هو، وخرجت من ملته وصراطه ونبذت ديدنه ومنهجه وغدوت نسخةً جديدة لا تلائمه، وصورةً أخرى لا تطابقه. تيّقن أن لك كامل الحق في اختيار ما يناسبك فحياتك تعيشها مرة واحدة.. لن يحياها أحد غيرك، ولن يدفع ضريبة اختياراتها إلا أنت. لحظة إدراك: من يحمل هم الناس، وأحكامهم عليه، ويسعى لرضاهم فقد حكم على نفسه بالأفول، وبالعيش في ظلٍ زائل، وسيعجب كيف تتغيّر الأحوال ويمسي ما كان يظنه بالأمس غير مقبول ولا محمود عندهم بأنه أضحى كذلك اليوم، وأنهم يمارسون ما انتقدوه عليه من ممارسة حقه في الاختيار. فلا أجدر بالمرء أن يرفع شعار (عليكم أنفسكم) وأن يجتهد في اختيار ما يليق به ويناسبه، فلن يعيش حياته أحد سواه، ولن يُحاسب يوم الحساب إلاه.
1530
| 06 يونيو 2023
لربما قد مرّ بك أن ترى أحدهم يمارس صنعته -أياً ما كانت-بطريقةٍ تبدو لك عندما تراقبها سهلة جداً وبسيطة إلى الحد الذي يدفعك للتفكير أنها من التفاهات، أو ربما من الأمور السهلة جداً التي تستطيع الإتيان بها بأيسر ما عندك.. وربما يفاجئك عندما تحاول أن تأتيها بمدى صعوبتها ! حينها من الجيّد أن تعلم أنه وصل إلى درجة الاحتراف فيها، وأنه قضى في الدربة عليها ربما عمراً بأكمله حتى تفيض منه بسرعة وسهولة وبساطة تبدو للرائي أنها سهلة جداً، بسيطة حقاً ! هذه الدرجة من الإتقان هي مقام (السهل الممتنع) التي يندمج فيها الفكر والشعور والجسد والروح.. ولا يصلها المرء إلا بالتدرّج والاصطبار على ممارستها وتكرارها.. ومن حُسن الإدراك أن نتنبه إلى أن ذلك لا يتم فحسب فيما يتجّلى لنا من المهارات الحسيّة الجسدية، بل كذلك على مستوى المهارات غير الحسيّة المرتبطة بالفكر والروح والشعور.. فمن الناس مثلاً من يكون ذهنه وقاداً بالحجج والبراهين، أو مسترسلاً بقلمه في الكتابة والإبانة، ومنهم من يألف الشعور فتجده فيّاضاً بالحب ينبع منه بلا عمدٍ أو جهد يذكر ! ومنهم من تظهر منه مهارات الجسد والفن والإبداع فيصدّرها لنا فناً مدهشاً بارعاً كأبهى ما يكون! تلك السهولة الممتنعة هي مقامٍ عالٍ من الإتقان، والتجويد والألفة التي خلقها صاحبها معها.. الأهم أن نُدرك أنها يمكن أن تُمارس على النقيضين ! فمن الناس من يصدر سوء الخلق منهم كطبعٍ لا ينفك منه، ومنهم من يمارس تشاؤمية الفكر، أو سوداوية الشعور حتى تظن أنه لها منبع و منبت ! وحتى صار كجزء منه يفيض به ويضر نفسه ومن حوله ! لذا.. ما أجدر بالمرء أن يفطن بما ألفه من مهارات الجسد والفكر والوجدان، و ما يدرّب باستمرار نفسه وعقله وروحه وجسده عليه، حتى لا يصدر منه مع الدربة والمران كطبعٍ (سهل ممتنع) فيما قد يسوءوه أو ينقلب عليه وعلى من حوله بلا نفع أو فائدة أو ربما ضرر له ولغيره ! لحظة إدراك: أولى مراتب التغيير هي الفطنة والانتباه، فالطبع السهل الممتنع يصبح مألوفاً لا يُلحظ مع الوقت لأنه قد أحكم قبضته على صاحبه، فيصدر منه بلا فكرٍ ولا رويّة! فالوعي بذلك ابتداءً يُسهّل إعمال المراقبة، وتعهّد النفس بالتدرّج والإصلاح لما تم اختياره من الأطباع الجديدة التي يريد التطبّع بها، وتعهدها بدوام المران عليها حتى تصبح مسلكاً جديداً، سهلاً ممتنعاً يأتيه دون لأيٍ ولا مشقّة.
3015
| 30 مايو 2023
كثيرةٌ هي الصراعات التي يخوضها الإنسان في دنياه، ومتنوعةٌ تلك النزالات التي يُدفع إليها المرء في حياته! ولكن لعل أكثر المعارك ضراوةً، وأشدها قسوة تلك التي يدخل فيها المرء محارباً مغواراً ضد نفسه! فما من حربٍ أقبح من حرب تُقام بين جنبيك، وساحاتها قلبك وعقلك ووجدانك! لا تضع أوزارها، ولا تفتأ تستخدم أكثر الوسائل فتكاً في تدميرك، ولا تهنأ روحك براحة بالٍ ولا بأنسٍ أو سلامٍ تعيشه مع نفسك لنفسك! ما أقسى أن تكتشف أن أكبر ناقديك.. هو أنت! وأن أغلظ جلاديك.. هو أنت! وأن أكثر محبطيك.. هو أنت! وأن أكثر الأصوات المدمرة لك، والكارهة لتقدمك هو صوتك! صوتك أنت! وأن أكثر مرجفيك.. هو أنت! وأن ألدّ أعدائك.. هو أنت! لذا.. فالتصالح مع الذات هو أول خطوات التوفيق.. وأكبر الانتصارات أن تُعلن لنفسك الهدنة، وتضع أوزار الحرب، وترفع راية السلام مع ذاتك وتعيش راحة البال وأُنس الخاطر وتتقبل بشريتك بكل ما فيها من نقائص.. فتكون لذاتك حليفاً، وولياً حميماً، ومع غيرك مسالماً رفيقاً. تجدّ في احترام نفسك، وطمأنتها وتشجيعها وحثها على الإقدام، وتحتوي ضعفها وانكسارها كأقرب رفيق! لا تتهيَّب أن تعترف بأخطائك، ولا تستميت في الدفاع عن ذاتك المزيفة، أو تُغالي في انتقاد من حولك! ولا تجد في نفسك حرجاً - في المقابل - أن تخبر غيرك بتميّزه وجماله وتفوقه لأنك ببساطة لا تشعر بالتهديد ولا تسعى للإثبات ولا تفكر بصراعات تقض مضجعك! فلا أجمل من سلامٍ يُطمئن البال، ويُشجع على توفيق الحال، ويعين على دوام السعادة والقبول بالموجود قناعةً ورضا وامتناناً لخالق هذه الروح التي لم تُخلق للحروب، ولم تُوجد للمعارك، ولا تليق بها النزالات التي لا تزيدها إلا جراحاً دامية لا تبرأ، ولا تناسبها الصراعات التي تضفي عليها شحوباً ضامراً لا يزهو ! لحظة إدراك: سلام القلب، ونقاء الروح لا يستقيمان مع ثورة النفس على ذاتها، والتوفيق والفلاح لا يجتمعان مع ذات كارهة لنفسها ومن حولها، وقرار العين لا يكون مع من استلَّ سيف الخصومة على أقرب المقربين، ومن من المفروض أن يكون أصفى الأصفياء! والتي لا يحيلها النزاع إلا أن تنقلب على صاحبها كألد الخصام، لذلك فمن الحكمة أن يكون لها الأولوية في الدفع معها بالتي هي أحسن وإكرام الوفادة والتعهد بالحب والرعاية على أي عدو خارجي، حتى تنقلب لك إلى (وليٍّ حميم) تتعاهدك حباً بحب وإكراماً بإكرام، وصلحاً بصلح.
828
| 23 مايو 2023
قد يكون من المبتذل سماعه أن الحب الحقيقي النقيّ هو ذلك النوع من الحب غير المشروط ! دون أن يُكلّف أحدهم نفسه للتفكّر في هذا التعبير الرائج ! فما هو هذا النوع الأثير النقيّ ؟ الصافي الزلال ؟ وهل هو موجود فعلاً ؟ بل هل هو مطلوبٌ حقاً لنجاح العلاقات ؟ في ظني.. أنه لا يُوجد حبٌ بلا شروط تماماً، أو مودةٌ بلا توقعات إطلاقاً،حتى لو كان حباً يُضرب به الأمثال كحب الأمهات والآباء لأبنائهم ! فالحب في أصله ليس وضعاً (سريالياً) ! بل هو (حالة إنسانية) تمتزج فيها متطلبات الفكر والشعور والروح والجسد ! ولكن لعل الاختلاف هنا هو في (نوع ) تلك الشروط، و(كيفية) تلك التوقعات ومدارها. فكلما قل الاشتراط المبني على مصالح الأنا، وشهوات النفس، واعتبارات الاستنزاف، وضمر وضع جوع الاحتياجات غير الملباة، كلما كان الحب أقرب إلى حالة القبول العام لمن نحب وتقليلٌ لشدة قبضة التحكمّ التي تحيط بهم من كل اتجاه. وكلما انخفضت تلك التوقعات المبنية على المصلحة الذاتية والاعتمادية في إشباع الاحتياجات، كلما سما الحب وخفّ وارتقى عن أثقال تجرّه إلى أن يصبح استغلالاً لمشاعر الآخرين ! فليس معنى ذلك أن نحب أحداً مثلاً ونهدي له العطاء دون توقع الأخذ، أو أن نأنف من بعض المسالك أو التصرّفات أو الأقوال والأفعال باعتبارها تخل بصفة (الحب غير المشروط بلا توقعات) ! لذا فمن الصعب أن نصف (الحب الصادق ) بأنه خاوٍ تماماً من أي توّقعٍ أو شرط، ولكن يمكننا أن نصفه وباعتدال يحترم إنسانيته بأنه.. (متسامٍ فوق استحكام الشهوات ومرتقٍ عن ذل الاحتياجات ! ). هذا هو الوصف الأقرب للاتزان، والأدنى لبشريّة الإنسان، والأطوع لبناء علاقات صحيّة، ترعى الرغبات وتأخذ في الحسبان الاحتياجات المتنوعة المتداخلة بين دوائر الجسد والنفس والفكر والروح. *لحظة إدراك: لكل حالة وشعور إنساني مستوياته المتنوعة، ومقاماته المتدرجة، ولعله من غير اللائق أخلاقياً أن يُطالب الإنسان بمستويات (سريالية ) تنأى به عن السهولة والتدرّج وحب الارتقاء، أو على أفضل تقدير يُطالب بمستويات قد لا يصل إليها إلا من ارتقى عالياً في مقامات الوعي والحكمة، لأنه لن يكون نصيبه من كل ذلك إلا إحباطاً يمنعه من احتواء ذاته، ورغبته في تجويد علاقاته.
2454
| 16 مايو 2023
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
6081
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4479
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3336
| 29 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1599
| 26 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1329
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1185
| 28 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
972
| 02 أكتوبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
873
| 30 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
828
| 30 سبتمبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
654
| 02 أكتوبر 2025
لم تكن كلمة سموّ الأمير تميم بن حمد...
624
| 26 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل