رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس من المستبعد أن يؤثر القرب والبعد المكاني على المنازل في القلوب، فمن الثابت أن العلاقات الإنسانية تحتاج دوام الخلطة والتفاعل، والألفة باللقاء، وبالتفاعل الجسدي واللفظي، وتنمو وتزدهر بالمشاركة، وتبهت بالجفاء وقلة الصلة، ولا شك أن استمرار التواصل مما قد يُسهم في تقوية العلاقات ويزيد من تماسك الأواصر، وتقارب الأرواح وتآلفها. لذلك من الشائع أن يُقال: (البعيدُ عن العين بعيدٌ عن القلب) ولكن في واقع الأمر لم يكن الحب الحقّ بقرب وبعد المسافات فحسب، فكم من قريبٍ هو أوحش في مقامه من أبعد بعيد، يُضرب بين قلبك وقلبه بأسوارٍ لها أبواب ظاهرها القُرب وباطنها بُعد سحيق ! وكم من بعيدٍ هو في الفؤاد أقرب من حبل الوريد! فليس اكتظاظ الأماكن بالأبدان، ودوام الوصل بالألسن، واعتياد النظر للأعين هو - فحسب - من يخلق الصلات، ويُعظم في القلوب المقامات! وليس قرب المنزلة، ودوام المعشر هو من يُدلل على قوة المودة، وإيثار الاصطفاء! فكم من روحٍ فارقتنا وهي للحيّ منها أقرب! وكم من دانٍ بمقرّه بعيدٌ عن القلب، وكم من ناءٍ بجسده خليلٌ للوجدان، صفيّ المقام، وليّ حميم ! كما قيل: بيني وبينك أميالٌ تُباعدنا والروحُ يا منيتي بالروحِ تتصلُ فما المودة الأصيلة إلا سكن الأرواح، وحيّز النفوس، ومرابع المُهج، وجِنان الطوّية، وصفاء البواطن، لا يحول بينها وبين من تستأثره بحبك حائل، ولا يردع بينها وبين من توده رادع.. فلا سدود تُبنى بالمسافات إلا ما سُدّ بين الروح والمُهج، فالروح تتسع لكل حبيب دانٍ أو ناءٍ.. فـ: إن لم يكن للعين إتمامٌ لرؤيتكم فالقلب مسكنكم والرّوح تتسع لحظة إدراك: ما الحب إلا طاقة مودة تُنثر بين الأرواح، تتلقفها وإن تناءت الأجساد، وتباعدت الأزمنة، أو عزّ اللقاء، وصعب التلاق، وهذا مما اختُص بمكارم الروح، وفضائل المودة ومآثر الحب الأصيل الذي يتجاوز كل حاجز، ويتخطى أي حاجب!
14385
| 09 مايو 2023
عندما يقع الإنسان في دوائر الاعتياد فإنه يكون قد سلّم نفسه لمنطقة راحته.. تلك المنطقة التي أصبحت سهلة عليه ألفها وألفته بدوام الخلطة وكثرة الممارسة.. ولكن استمرار الاعتياد يقتل التيقّظ والملاحظة، ويميت الانتباه، وتُبهت ألوان الحياة، وتُبدد نكهتها، وتُضمر روعتها وتُضعف الدهشة بتفاصيلها ! ذاك النوع من التعوّد الذي يجعلك تألف كل ما حولك ولو كان هشاً، وتتماهى مع تفاصيل ربما لا تُشبهك في شيء فقط بسبب طول مقامك معها، وتألف حتى مشاكلك وصراعاتك، وخيباتك وإخفاقاتك.. بل وحتى اضطراباتك وأمراضك! أو حتى تعتاد - في المقابل - على مناقبك، وفضائل من حولك وما يحيط بك، وتألف ما يحيط بك من الخير والنعيم، ومن الآلاء والنعم فلا ترى فيها جمالاً يُذكر، ولا حبوراً يُذخر، ولا فضلاً يُحمد، ولا نعمةً تُشكر! بل على العكس! توقظ فيك حس المقارنات والنقم، والنظر بعين السخط التي لا تُبدي لك إلا المساويا ! ولو جئت بعينٍ غريبة للاحظت ما لم تلحظ، ولرأتْ ما لا ترى، ولأدركتْ فيك ما لم تعِه وتتنبّه عليه.. من الجمال والحُسن، أو الفوضى والاضطراب.. أو غيرهما من الأحوال والمقامات. لذلك فعين الضيف دائماً ما تلاحظ ما لا يلاحظه أصحاب المنزل، وعين الغريب تلتقط ما لا يُدركه أهل البلد.. لأنها أصبحت محيطهم الذي يسبحون فيه ولا يستطيعون إدراكه. ولعل ذلك أدعى إلى التنبّه والاستيقاظ، والبُعد عن طول الاعتياد، وأخذ الأحوال كضمانات مقيمة أبداً، وخلع روح الدهشة للتفاصيل، والإهمال لوضع الأمور في نصابها.. والإنسان بطبعه يميل للتعوّد والاستئناس بما أدمن المقام عليه، لكن من المهم إدراك خطورة (الإغراق) في الألفة لأنه يستجلب التبلّد ليس فقط عن ملاحظة وإدراك الفوضى والنقائص، إنما كذلك عن إدراك الجمال والمناقب حتى تُصبح الذات متبلّدة الشعور، متجمدة الإحساس، متكلسة الانفعال والتفاعل باختصار.. موتٌ صغيرٌ على نحوٍ ما ! لحظة إدراك: من النافع أن يحوز المرء القدرة على الاعتياد، لأنها صفة إنسانية أصيلة تُمكنه من تسيير حياته، والوصول بمهاراته إلى مستوى الاحتراف، ولكن من المهم أن يُدرك أن (الاتزان) مطلب في الاعتياد والألفة، حتى لا يُميت الشعور بداخله، ويأخذ الحياة كضمانات، أو يُعمى عن المثالب والمزايا، أو يدخل في دركات التهلكة إن أدمن المُقام فيما لا يصح به أن يطول فيه!
741
| 04 مايو 2023
كثيراً ما يستهين المرء بدواخله، وقد يُهمل النظر إلى أفكاره وظنونه تجاه نفسه، ومشاعره تجاهها ويعتقد أنها مما استودعه في طوّية النفس التي لا يعلمها إلا الله ولا أثر لها على أرض واقعه، وأنها محض أفكارٍ داخلية، أو مشاعر مخبأة، لن يطلّع عليها أو يشعر بها أحد ! بل قد لا يلحظها الآخرون مع إتقان الاصطناع، وجودة الانتحال والتخفّي وراء الأقنعة، وتزييف ظاهر مُتقن لما يريد البلوج به كرداءٍ منسوجٍ ببراعة يرتديه متى شاء، أمام من شاء كيفما شاء! ولكن الحقيقة أن كل ما استودعناه في دواخلنا - بلا استثناء - دق أو جل، صغر أم عظُم يسقط منعكساً على (منشور) الحياة فيبعثه متفشيّاً في كل مكان وعلى أيٍ ما نتعامل معه ! فالناس على سبيل المثال ستعاملك - حتماً - على القدر الذي ترى به نفسك، وعلى النحو الذي تعامل به ذاتك حقيقةً بلا مواربةٍ وإن أتقنت الظهور بما يخالفه! فلن يستطيع أن ينضح إناءٌ إلا قطعاً بما فيه! فما تستودعه في سريرتك شاهدٌ لا محالة على ما ظهر منك شئت أم أبيت، وعيت به أم لم تعِ. فإن كنتَ ترى نفسك في أعماقك (ولو بشكلٍ غير واعٍ) غير جديرٍ أو جيّدٍ كفاية، فإن هذا الاعتقاد سيعكس نفسه آنياً أو تالياً.. لترى ممن حولك ما يثبت لك ذلك! وكأنه دليلٌ بيّن على ما تحويه طوّيتك، وما تحمله سريرة نفسك من الشعور والقناعات.. فلا يستقيم أن يتعهد الإنسان نفسه فيكون طيّباً، مُحسناً، صادقاً، يرى في نفسه جميل المناقب، ويُبصر في الحياة رحمة الله وحكمته، ويتزن في حياته مع ذاته ومع غيره ويؤمن بأن الله عدلٌ لا يظلم مثقال ذرة، لا يستقيم كل ذلك مع سوء الحال، ونبذ الآخرين وسوء المنقلب.. فالمقام المحمود هو وعد الله لكل من آمن وصدّق، والفلاح هو المآل لكل من زكّى نفسه وأخلص.. لذلك لا يغرّنك من يقول إن جل مشاكلي من (طيبتي) ! وأن الدنيا قلبت عليَّ ظهر المجن !! فالرهان هنا هو (المعنى) الذي يحمله في عقله ووجدانه وما يُعرّفه ويتصوّره عن معنى (الطيبة)، فيخلط مثلاً بينها وبين السذاجة، أو بينها وبين الضعف والهوان واستجداء الاهتمام. والرهان كذلك على مقدار القناعات التي يشحن بها عقله عن الدنيا وما حوت، بأنها دار الابتلاء، وتعاسة المؤمن، وشقاء الحال، وصعوبة الصروف، وتكالب النوائب! وليس كل ذلك سوى محض عدلٍ، فلن يُوجد في حياتك ما لا يُشبهك مهما اختلفت مظاهره وطرق تجلياته ! * لحظة إدراك: من أجلى الطرق للتزكية والسمو هو تعهّد واقعك بالمراقبة والتقييم، فإن سرّك ما ترى فما هو إلا علامة على رقي ما تحمله بداخلك، وإن ساءك ما تجد فالطريق مُتاح ومعلوم، تبدأ بالتزام ذاتك بالتغيير حتى يتغيّر واقعك. فـ (إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم). وكما ورد في الأثر: (ما أسرَّ عبدٌ سَرِيرَةً إلا ألبسهُ الله رداءها، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشر).
1869
| 27 أبريل 2023
سوء الخُلق لا يُبرر على أي حال، وفساد المسلك لا يُعلل بأي سبب! لأن الأخلاق عندما تكون (أصيلة) فإنها تصبح راسخة متمكنة، قوية كشجرة باسقة أصلها ثابت وفرعها في السماء، لا تتغير بتغير الزمان ولا بتلون المواقف ولا تعاقب التحولات. ولا بتبدل الظروف ولا برفعة المقامات أو انخفاضها، ولا باختلاف التعاملات مع البسطاء أو الوجهاء، مع من سخرك الله تحت إمرتهم، أو مع من سخرهم الله لك تحت طوعك. فالأصيل في خلقه يبقى أصيلاً ثابت المسلك مع الجميع وعلى أي حال ومع أي مقام، حتى وإن جارت عليه الدنيا وانقلبت الظروف، وساء الحال والبال. كما قيل: إن الكرام وإن ضاقت معيشتهم دامت فضيلتهم والأصل غلابُ لذلك فإن من يجد أن الطيبة ضعف، أو أن التغافل حُمق، أو أن الإكرام سذاجة، أو أن الصدق لا يُمارس إلا مع عشيرته أو بني جنسه وجلدته، وأن الاحترام لا يحق إلا لمن كان على دينه ومذهبه أو لمن علاه مكانةً ومقاماً، أو أن حُسن الخلق مرتكز على حُسن مزاجه، وطيب انفعاله وراحة باله، واستقرار وجدانه. فإن في أخلاقه (نظر)، وفي سلوكه (ارتياب)، لا تُؤمن بوائقه، ولا يُركن إليه. لأن أخلاقه ليست (حقيقية) فهي متغيرة بتغير الأهواء، ومتبدلة بتبدل الأوضاع. أما من يمتلك (أصالة الخلق) فيبقى معدنه أصيلاً، لا تغيره الأحوال ولا الأماكن ولا الأشخاص ولا الأوقات ولا نوائب الدهر ولا جور الزمن. لذلك ورد في الحديث الشريف: (خياركم في الجاهلية، خياركم في الإسلام). *لحظة إدراك: كرامة الأخلاق من أصالتها، وعميق تجذرها، ولا يكون ذلك إلا لمن ألف مقام العزة والنخوة والإباء، وترفعت نفسه عن دنايا الأقوال والأفعال وعن فضول الأطماع وتبدل النزعات، من سلمت نفسه من ميل الأهواء وتقلبات الأمزجة، من كمل عقله، وظهرت حكمته وألجم نفسه بحُر إرادته، حتى أصبح الخلق الكريم طبعه وشيمته وديدنه.
9840
| 18 أبريل 2023
لعل واحداً من أعدل القوانين في الحياة هو أن تعلم أن كل ما تعمله وتقدمه سيعود لك حتماً، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.. لأنه سيعود إليك وإن كان من بابٍ آخر أو بشكلٍ مُختلف، فالله لا يُضيع أجر المحسنين، ويحصي كل ما قدّمت.. لذا فمن المفيد أن تتذكر دائماً أنه (كما تدين تُدان) وليس ذلك على مقام ما (ظهر) وبان من الأفعال والأعمال فقط، وإنما كذلك على مستوى ما (استتر) وخفي من المشاعر والأفكار التي ترسلها لغيرك أو تتركها أثراً يجدونه في قلوبهم وعقولهم وأرواحهم.. فكل ما ترسله بان أو توارى سيعود حتماً إليك، وجميع ما تزرعه ظهر أو خفي ستحصده، مهما بلغ مبلغه.. فالنوايا الطيبة لن تُعدم جوازيها، والأفعال النبيلة ستلقى حصادها طال الزمن أو قصر.. لذلك كانت الكلمة الطيبة صدقة لأنها إحسان يُزهر قلب أحدهم فيظن في نفسه خيراً ويطيّب فؤاده بالمسرّة، وعقله بالطمأنينة، ويجبر خاطره بالرحمة والموّدة.. والابتسامة في وجه أخيك صدقة لأنها مرسول الطيب والخير وحُسن النوايا.. ولا يُزهر الخير إلا خيراً.. ولا يُثمر المعروف إلا معروفاً مثله وإن اختلف جنسه وتوقيته. تأكد أن كل شعور وكل فكرة تغرسها في قلب وعقل إنسان سيكون لك حصادها ولو بعد حين.. ومن العميق أن نُدرك أن هذا الأمر ليس مقتصراً على ما ترسله لغيرك، بل حتى معك أنت ذاتك.. كل ما تهديه لنفسك من تهذيب وعناية بطيب القول، وحُسن الظن في ذاتك ونُبل الخلق معها، والاهتمام بك جسداً وعقلاً وشعوراً، ورحمتك بها وما تتحدث به في طويتك لنفسك عن نفسك، وما تُطيّب به خاطرك، وتجبر به كسرك، وما تكرم به مقامك من تسامٍ وارتقاء ستجد ثمرته ثقةً وتمكيناً وقرارة عينٍ وراحة بال عاجلا وآجلاً، بائناً ومستتراً، فكل ساقٍ سيُسقى بما سقى. * لحظة إدراك: كل ما يصدر منك من نيةٍ أو فكرٍ أو شعورٍ أو عملٍ موجه لك أو لغيرك هو دين سيرجع لك، فانظر ماذا تريد أن يعود إليك ثمره، وما تُحب أن ترى حصاده، فالحياة كما قيل (سلف ودين) وما كان ربك بظلامٍ للعبيد.
1320
| 11 أبريل 2023
يسعى الإنسان بطبعه - وربما بمحض رغبته - لترك الأثر موصولاً بعد موته، وممتداً بعد وفاته.. ليبقى ذكره باقياً ما دامت الدُنيا. والرهان الأكبر هو أن يكون ذاك الأثر المُؤمل ذا (تأثير) وذا فاعلية وسطوة تُشبه روحه، تفيض بسيماه كبصمةٍ تنقل توقيعه، وختم يتركه وداعاً لمن خلفه، وشهادةً أنه مر من هنا، مرّ.. وهذا الأثر. وقد قيل: قد مات قوم وما ماتت فضائلهم.. وعاش قوم وهم في الناس أموات! لذلك فإنه من اللائق أن نُدرك باكراً أن الموت الحقيقي ليس هو موت الأجساد، وغياب الأبدان، إنما الموت هو موت الذكر الطيب، وانعدام حُسن الأثر. فلطالما كان الذكر الحسن ملازماً لأولئك الذين تركوا آثارهم النيّرة حيثما مرّوا، شيئاً من فكرهم ومشاعرهم وأقوالهم وأفعالهم وعلمهم، ولربما حتى بشذى أرواحهم فقط فهي بركة تحل حيثما حلّوا.. وليس ذلك إلا لأنهم نثروا الطيب أينما كانوا، وظل عطرهم عابقاً في الأرجاء في حياتهم وبعد مماتهم. فلا يعدم مرورهم من خُلق رفيع، أو لطفٍ يُصيب، أو عطاءٌ يُقدم بقلبٍ رحيم وحب للخير والإحسان، أو علمٍ يُنشر بعقلٍ رزين وحكمة بالغة، أو نور يُبدد الظلمات. فمقامهم عالٍ يُعرف، واسمهم بالطيّب يُذكر، والدعاء موصولٌ لهم في حياتهم، وبعد مماتهم. وهذا -لعمري- لهو الأثر الباقي، والإحسان المستمر، والحياة الحقة، والكرامة الممتدة، والذكر المحفوظ عند الله بحسن العمل، وعند الناس بشهادة شرف النفع وكرامة الأثر. كما قال الشاعر: يفنى العباد ولا تفنى صنائعهم فاختر لنفسك ما يحلو به الأثرُ لحظة إدراك: ترك الأثر اختيار، وبقاء طيب الذكر انتقاء.. وليس ترك الأثر في حد ذاته هدفاً يُرمى، فكم من تاركٍ لأثرٍ مُضرٍّ مؤذٍ، وكم من ذكرٍ غير طيب ولا مُستملح، تلوكه الألسن عبر الأيام حتى يصبح صيتهم متبوعاً بنعت: (سيئ الذكر) لا يُستطاب، وأثرهم الباقي ذكرى خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فتنبّه واختر لنفسك (ما يحلو) به الأثر
8310
| 04 أبريل 2023
من الكياسة أن يمتلك المرء ذاك الرشد السديد، والفطنة الجميلة والأدب العالي الرفيع في التعاطي مع المستويات المختلفة للحياة والناس، فيمتلك من السلاسة والمرونة ما يُمكنّه من خوض عباب الحياة برشاقةٍ بالغة، واحترافٍ بارع. وأكن بالغ التقدير لمن يتصرّف مع الحياة وفق مقامات تناسب كل ظرف، وحسب أحوال تليق بكل إنسان يتعامل معه.. من يستطيع أن يُعطي للناس قدرها، ويخاطبهم على قدر عقولهم ومستوى أفهامهم، ويسلك معهم وفق منازلهم ومكاناتهم.. فلا الصغير كالكبير، ولا الصاحب كالغريب، ولا الرئيس كالمرؤوس، ولا القريب كالبعيد.. ذاك الذي يستطيع أن يحفظ السر، ويحترم خصوصيته، فليس كل خبر عنه مُشاع، ولا كل سر عنده مُذاع، ولا كل ما يسعى له لإطلاع الجميع مُتاح. من يضبط شعوره، ويتعامل بكياسة مع المواقف، فبعضها يتطلب التغافل، وجزء منها يستدعي الحزم والشدّة.. من تتلوّن مشاعره وأفكاره وتعاملاته حسب تدرجات الحياة.. مرونةً لا مكراً، وسلاسةً لا عُسراً .. فلا يكون صلباً فيكسر ولا ليناً فيُعصر. وليس معنى ذلك أن يتظاهر المرء بما ليس فيه، أو يرتدي أقنعة لا تُشبهه، أو يتوارى خلف مسميات كاذبة، أو ينافق الناس بما ليس عنده، وإنما المقصد أن يتعلّم أن يتعاطى مع طبيعة الحياة، ويتدرّب على التماهي معها والتمتع بكل ألوانها وتدرجاتها، دون أن يفقد هوّيته، أو يزوّر فكره وشعوره.. بل يتفهم مقامات الحياة حتى يصوغ منها لحناً شجيّاً يُطرب، ويتدرّب على التعامل مع منازلها علواً وانخفاضاً حتى يُنشدها أغنية آسرة يتردّد صداها لا يغيب، ورقصة مُبهرة لا تُنسى. * لحظة إدراك : الرقص مع الحياة يتطلّب معرفةً بإيقاع مقامات لحنها، ومزامنة الحركة عليها صعوداً ونزولاً، حركةً وثباتاً ، تقدماً وتراجعاً بثبات خطوة، ودراية سبيل، بمرونة عالية وسلاسة.. وهذا في المتناول مع الدُربة والمِران، فقدرتك على التناغم مع الحياة ومرونتك في التعاطي معها قوة لا ضعف، ومتعة لا فرض، واتساع لا ضيق.
921
| 28 مارس 2023
كثيراً ما يتم الاختلاف في الأدبيات على أهمية الاعتناء بالبواطن، والتقليل أحياناً من قيمة وتأثير مظاهر الأشياء وزخرفها، ويعدون ذلك زهداً محموداً، أو رقيّاً منشوداً بالنظر فقط لما وراء القشور والظاهر من الأمور ! وفي حقيقة الأمر أجد أنه من الاتزان أن يعادل المرء النظر إلى كلٍ منهما، وأنه من العميق جداً أن يهتّم الإنسان بالإناء الذي يأكل به كاهتمامه بلذّة وجوّدة الطعام الذي يأكله، وألا يعتبر أن المبالاة بالوعاء الذي يحويه فيض اهتمامٍ بتفاصيل غير مُجدية ! لأن الاستلذاذ بالطعم والاستفادة من المطعوم هما تجربة متكاملة لا يمكن فصل تأثيرها على الإنسان ظاهراً وباطناً .. فإن كان الطعم اللذيذ تجربة حسيّة، والأكل المفيد تجربة جسدية، فإن الاهتمام بتفاصيل جمال ما يُقدّم به هذا الطعام وبكيف يُقدّم ومن يقدّمه تجربة وجدانية وروحية خالصة. وقسْ على ذلك، فإن فحوى الكلام مُهم للأفهام، ولكنه ليس من الجليل فقط ما يُقال، وإنما كيف يُقال ومتى يُقال وبأي شعورٍ يُقال .. فإن من البيان لسحراً ! فليس انتقاء جمال اللفظ وزُخرف العبارة ترفاً تُغني عنه جودة المتون، وليس اللطف في كيف يُقال فضلاً يُغني عنه صدق النوايا، وليس اختيار متى يُقال نافلة تُغني عنه قيمة الكلام ! فلا تحقرن من الإناء، لأنك تُعظّم ما فيه، ولا تُقلل من قيمة الشكل لأنك تُعلى معناه، فللنفس ذوقٌ يُدارى، وشعور يُستلذ، وللعين حق التمتع بالنظر، كما للقلب حق التلذذ بأنوار البصيرة، وللروح ما يؤنسها وما يُقرّبها، وما يسمو بها مقامات النور والإشراق بالعناية بكل شيءٍ فيظاهره ومعناه . وما العناية بذلك كله إلا من فيوض الرّقة والتهذيب وانتشار من أنوار الحكمة وارتقاء الوجدان. *لحظة إدراك: لم يخلق الله الأشياء بظاهرها المادي عبثاً، فللمظاهر حقها من العناية والحفاوة والإكرام، وما المذمة إلا لمبدأ (الإفراط ) على كل جانبٍ .. فلا إسرافٌ محمود في الإعلاء من المظاهر على حساب المتون، ولا غلو ممدوح في الاهتمام بالبواطن وإهمال ظاهرها، فلكلٍ مطلبه وحقه في الاكتراث والتبيان دون غلوٍ ولا شطط.
954
| 21 مارس 2023
جميلٌ أن تبذل من الجهد والوقت لتكتشف نفسك، وتتعرّف على ذاتك، وتعي دواخلها، وتتنزّه حيناً في أعماقها في لحظات العزلة، و فسحات السكون، لكن كل ذلك قد يكون درباً واحداً من دروبٍ شتّى ! فقد تتعرف أكثر على نفسك بتجربة أمرٍ جديد، أو بلقاء شخصٍ عابر، أو بحديثٍ عميق مع أحدهم.. قد تسبر غور نفسك حيناً بحديث معمّق ينير زوايا حكمتك، وقد يكفيك أحيان أن تقنع بعزلتك! وفي مرحلةٍ ما قد تتكشّف لك أنوارك في الخلوات، وفي أوقاتٍ أخرى لن تُشرق إلا في السلوات.. وربما قد يُفيدك حيناً الحضور، كما قد يُفيدك في أحيانٍ الغياب! وقد تتكشف لك ذاتك بعين بصيرتك، وربما تحتاج في ظروفٍ أخرى أن تكتفي بما تراه بعين بصرك! وقد يُفيدك في بعض الأوقات أن تبدأ من حيث انتهيت، وفي أحيانٍ أن تنتهي من حيث بدأت ! قد تتكشّف لك زوايا لم تكن لتعلم بوجودها يوماً في نفسك بعد مرورك بتجربةٍ قاسية، أو تعاملك مع أناسٍ يختلفون عنك تماماً.. وربما يُنير الحب ظلامك فتتعلّم أن ترى في نفسك ما تراه عين المحب فيك.. ولعل الجمال هو ما يستلهمك القدرة للاتصال بكنز الحسن داخلك، وربما ينبغي أن تتعامل مع وعورة الطريق، لترى قدرتك على التحمّل، أو تخسر بعض معاركك لتفهم جانباً من صلابتك.. حينذاك تصبح الرفقة كالعزلة، والجِدّة كالألفة، والوعورة كالسلاسة، كلها سُبل ودروب في طريق الاكتشاف والتعرّف على الذات ! فليس الطريق إلى اكتشاف ذاتك مهمة ذات نهاية، ولا طريقاً واحداً مُعبّداً تصل بعده لأمرٍ ما، ولا درباً ممهداً محدودا بوقت أو بطريقةٍ واحدةٍ مُعيّنة! بل إنها (رحلة) تتعدد فيها السبل، وتتنّوع بها الوسائل، وتختلف فيها المسافات.. وهي بكل حالٍ.. خاصةٌ جداً، تُشبهك حتماً.. ولا تصحّ فيها المقارنات على أي ظرف ومقام. * لحظة إدراك: ليس هناك من طريقٍ واحد، ولا وسيلةٍ خاصةٍ محددة للتعرّف على نفسك، الطرق كلها منك وإليك، وتؤدي دورها إن صدقت النية وحثثت السعي فيما تطلب.
3498
| 14 مارس 2023
النضج هبة الحياة لمن يجرؤ على خوض تجاربها، من استطاع أن يخرج من كل عثرةٍ بدرس، ومن كل كل هفوةٍ بفائدة، لا يشترط عمراً، فما النضج سوى خبرات متراكمة لقلب يفقه، وعقل يُدرك، وأذنٌ تعي الحكمة ضالتّه يقتطفها حيثما وجدها، ويقتبس من نورها هادياً ودليلاً. ولا يفترض حضوراً وشهادةً أو سماعاً، إنما وعياً وفهماً وفطنة قلب فلرب مُبلّغٍ أوعى من سامع. ومن أولى علامات النضج أن يُيمم وجدان المرء وجهه شطر الاتزان، وتبدأ عنده إشراقات الحكمة بوضع الأمور في نصابها، وتقل سرعته في إصدار الآراء، وتضمر رغبته في إطلاق الأحكام، ويميل إلى التأني فيعطي الأحداث حقها من الوقت في التشكّل والظهور. ويترّقى الإدراك فلا ينبهر بكل شخص، ولا يُصدق كل عابر ولا يؤله أي فكرة، لأنه يعي جيداً أن المواقف والأفعال هي من تُظهر معادن الناس، وأن الجميع معرضٌ للخطأ، وأن الأفكار مجرد إطار يمكن أن يتغيّر إن لم يثبت نفعه أو صحته. وأن الأحوال في تغيّر دائم، وتحوّل مستمر، ويدرك أن الأمور ليست بظاهرها فقط، فلها أوجه عده، ومستويات متنوّعة، وزوايا للنظر إليها، تجعلها ذات أبعاد وأعماق يراها بعين بصيرته لا بصره فقط.. ويرتقي مؤشر العاطفة، فيتزن الوجدان، وترتقي ذائقة الشعور، فيترّفع عن المبالغات في مشاعره، ويترّقى عن التهويل في ميل قلبه حباً أو كرهاً.. فلا يسهل استفزاز مشاعره، ولا يُسرف فيها لكل عابر. النضج هدّية الارتقاء في الوعي والإدراك، وتراكم التجارب والخبرات، يُعلن عن تجلّيه في روح صاحبها وكيانه، فلا تلبث أن ترفعه لمقامات علّية، وإشراقات سنيّة من الحصافة والحكمة. ● لحظة إدراك: ليس من النضج أن تُحقّر رأي غيرك أو مسلكه، أو تُسفه من شعوره أو تجربته مهما بدا لك أنه مخطئ أو مجانبٌ للصواب، بل من مترافقات النضج: الرحمة التي تسع الجميع، والاحترام الذي يُكن للمختلف، والإدراك أن لكلٍ في الحياة سبيله الذي سُخر له، والتواضع الذي تفهم معه أنه لا فضل لك على أحد، وأن الفضل كله لا يرجع إلا لله.
2058
| 07 مارس 2023
لعل من أكبر المميزات التي قد يتمتع بها المرء أن يكون حكيماً مُتفكراً، لديه نظرته الثاقبة للأمور، المُترّيث الذي يحسب خطواته، ويتمّعن في اختياراته. إلا أنني أجد أحياناً أنه قد يحدّك أن تكون عميق الفكر، لديك مَلَكة التحليل والإحاطة، والنظر إلى ما هو أبعد من القشور.. أن تُحيط علماً بدقائق الأمور، عظيم النظر في تفاصيلها. لأنها سمةٌ قد تقيّدك في بعض الأحيان من حيث لا تعلم!، ولربما منعت عنك إدراكاً لن تناله سوى (بالتسطيح)، ولن تحصل على شيء منه إلا ببعض (الجهالة). فالحياة فيها الشيء ونقيضه، واستمرارك على خط واحد لا يحيد مع كل المواقف والظروف، يمنع عنك حظاً لن تناله سوى بالنقيض، فلكلٍ مأتاه، ولكل مسلك فائدته واستخدامه. فقد يثير استغرابك ربما أن يمتلك بعض البسطاء من القدرة على تحقيق ما لم تحققه بحكمتك وسحيق فكرك، ذلك ما يُسمى بـ (حظ المبتدئ).. حيث لا تحدّه الكثير من القيود، ولا تحجمّه العديد من الافتراضات؟ فكثرة التفكير أحياناً عائقٌ عن اتخاذ بعض القرارات، وعمق التحليل يُفسد بعض المهمات، والإفراط في الافتراضات يكون في بعض المواضع قيداً لا ضبطاً، وتعقيداً لا نظاماً. وفي ظني أن إدراك ذلك، إنما يُعمّق من حكمتك بأن لكل مبدأ في الحياة موضعاً يُستعمل فيه، وفائدةٌ يمنحها في وقتها ومحلها.. ويزيد من تواضعك.. فتتعلم من كل أحد، وتقدّر لكل أمر قدره ولكل امرئ موضعه.. فليست الحكمة إلا الوجه الآخر من السطحية، ولكل منهما مقامه وزمانه الذي يُستعمل به. * لحظة إدراك تدرّجات الحياة كلها قابلة للاستخدام، وكل الألوان لها حق الولوج إلى لوحة حياتك، وفرصة السطوع في تفاصيلها، الفن هو أن تعلم متى وأين ومتى تضعها لتكمل إشراقتها، وتُظهر جمال تفاصيلها، بالضبط كفن استخدام الضوء والظل الذي يُعلن عن مدى احترافية فنك في إظهار تألق لوحتك، وبهاء دقائقها,
3474
| 28 فبراير 2023
عندما تكون (عفوياً) فهذا يعني أنك غير متكلف في إظهار نفسك، لأن العفوية تأتي من منطلقات ذاتية داخلية، وتصدر من المرء بانسيابيّة دون اعتبارات كثيرة لما يحاوطه في الخارج مما لا يشبهه. وفي الحقيقة فإنه من الجميل جداً أن تكون (عفوّياً) لاتتكلّف المحبّة ولا تتصّنع الود وأن تقلل الاعتبارات فلا تلبس ثوباً غير ثوبك، ولا تنتحل شخصية غير شخصيتك، ولا تعلن رأياً ما لست مؤمناً به تُشرق بحقيقتك ببساطة، وتُرخي دفاعاتك عن صورتك الوهميّة، تتواضع فلا تتكبر ولا تُكابر على أخطائك، تعترف ببساطة بنقصك وزلاّتك، تُقلل من حساباتك لما يجب أن يكون وكيف يكون ومتى يكون تُبادل الحب بحبٍ دون زيفٍ أو مجاملة، صادق الشعور ببراءةٍ بلا مكرٍ ولا مواربةٍ.. ولا يعني ذلك أن تكون (اعتباطيّاً) لا تُقيم وزناً للعقل والمنطق، أو أن تصدر تصرفاتك كيفما اتفق أينما ومع من كنت، أو أن تُلقي الكلام على عواهنه بلا تدبّر، أو تفيض بمشاعرك بلا حدٍ ولا اعتبار ! ولكن العفويّة تعني أن تحتفل بنقائك دون تصنّع ونفاق، تُبدي ما في نفسك بسلامة نيّة ونُبل شعور، بلا خبث وتملّق.. بفكرٍ مُتزن وعاطفة معتدلة. وكل ذلك يحتاج للدُّربة والمران، حتى لا تتحوّل عفويتك إلى (اعتباط) يُخوّلك لسوء المسلك مع الغير دون احترام، أو إلى (سذاجة) تتيح الفرصة لاستغلالك أو سوء فهمك من قِبل البعض! أو إلى (وقاحة) تدل على حمق أعيا من يداويه ! لذلك فالعفوية (فن) تتطلب المران والميزان، واتزان الفكر ونبل الإحساس، والاستقامة على صراط السلوك السوّي دون إخلال وهي بذلك سبيل للإشراق الجميل عن نورنا وبساطتنا، وسماح لجمال نفوسنا بالبزوغ، وإسفار عن صفاتنا الأصيلة، ومناقبنا التي يصعب إدراكها وسط المتشابهات من المسالك، وإعلان عن تفرّد الذات تقديراً وإجلالاً دون إنكار أو انسلاخ عن الجموع فيما يُناسب ويفيد. *لحظة إدراك: العفوية فن الإفصاح عن الذات الأصيلة، بنقاء يشبه فطرتها، وباتزان يحفظ كرامتها، وبظهور يزيد جمال تألقها، وبصفاء يعلن حقيقتها.
2889
| 21 فبراير 2023
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
5895
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
5595
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4461
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3318
| 29 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1596
| 26 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1314
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1185
| 28 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1053
| 29 سبتمبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
840
| 30 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
819
| 30 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل